البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الدين والسياسة - مسار النظريات العلمانية والما بعد العلمانية

الباحث :  كونستانتينوس د. جيانيس
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  3
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 2 / 2016
عدد زيارات البحث :  1702
تحميل  ( 343.547 KB )
الدين والسياسة
مسار النظريات العلمانية والما بعد العلمانية
كونستانتينوس د. جيانيس[1][*]
الهدف الرئيسي لهذا المقال كما يبيّن كاتبه عالم اللاهوت اليوناني كونستانتينوس جيانيس هو التعليق على جانب من النقاشات الواسعة حول صلة الدين بالسياسة في عالمنا المعاصر.
لقد أدى تغير العلاقة بين الدين والسياسة خاصة في أوروبا والولايات المتحدة إلى تصاعد الأصوات القائلة بأننا نعيش في «مجتمع ما بعد علماني» كما أفضت قضايا مثل التنوع الثقافي، وتزايد موجات هجرة المسلمين إلى الدول الأوروبية الغنية، وموضوع الحرية الدينية في الكثير من التساؤلات المديدة عن نوع المجتمع الذي نعيش فيه. وعلى الرغم من أن علماء الإجتماع الأوائل والدعاة إلى الحداثة كانوا توقعوا بأن إزدياد النزعة العقلانية ستؤدي إلى الاضمحلال التدريجي لسلطة الدين على الفرد فقد دلَّت الحوادث منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم على حدوث عكس هذا التوقع. فبدلاً من التهميش التدريجي للدين وجعله مسألة خاصة للغاية نلاحظ أن ما حدث في الكثير من أجزاء العالم هو أن الحفاظ على التواجد الديني وتأكيده في المحيط العام لا يزال يمتلك «أرضية خصبة».
في هذه المقالة للاَّهوتي اليوناني جيانيس، مسعى للإضاءة على النقاشات الدائرة حول ثنائية الدين والسياسة في إطار ما يسمى بـ "النظريات ما بعد العلمانية". المحرر
أدى تصاعد ظاهرة التدين ونمو الكثير من الحركات الدينية من خلال الميول الأصولية بعالم الاجتماع الأميركي بيتر بيرغر إلى القول بأن العالم لم يعد علمانيّاً. كان في نظريته عن «العالم غير المعلْمَن» يستثني أوروبا، وربما الولايات المتحدة من ملاحظاته[2]. كما استخدم نظريته في تفسير تصاعد الحركات الدينية الأصولية خاصة في إطار الدين الإسلامي، ولكنه لا يصف في الواقع حقيقة الوضع في العالم الحديث. وباعتراف الكثير من الدارسين فقد حافظ الدين بل وجدد من حضوره في النقاشات العامة حتى في الغرب وليس فقط في العالم الإسلامي[3]. من العبارات الأخرى التي يكثر النقاش حولها هي أننا «نعيش في عالم ما بعد علماني» والتي تعني بإختصار أن العصر العلماني قد وصل إلى نهايته، وأننا ندخل إلى واقع جديد تمثله أفكار يورغن هابرماس وتشارلز تايلور وهي أفكار سنحللها في هذا المقال. إن هذه النظرية جديدة نسبيّاً، ولذلك قد لا نجد الكثير من المراجع الأكاديمية المشيرة إليها. إذ أن هذه المراجع تنحصر في أعمال صدرت بعد سنة 2010 وبعض المؤتمرات التي تتعامل مع هذه القضية[4]. لكن هذا المقال يحاول أن يقارب مصطلح «ما بعد العلمانية» ويحلله بإختصار لجعله في متناول الأفهام. والأهم من ذلك معرفة ما جعل الدارسين والخبراء يخرجون بهذا المصطلح وهذه النتيجة.
سنحلل في البداية العلاقة التاريخية بين الدين والسياسة، ثم سنناقش الأوضاع في الدول الإسلامية ومن بعد ذلك أوضاع أوروبا والإتحاد الأوروبي وحتى نفهم العلمانية بشكل أفضل سنقتبس بعض التعاريف لهذا المفهوم وللشكل الذي يأخذه في العالم الحديث. أخيراً سنقدم الفكرة القائلة بأن العصر العلماني قد وصل إلى نهايته وأننا ندخل الآن إلى واقع جديد، وهي الفكرة التي برزت نتيجة محاولات يورغن هابرماس لوصف الحالة التي نمر بها في المجتمعات الغربية اليوم حيث عادت الأديان ـ وليس بالضرورة الدين المسيحي فقط- إلى لعب دور هام في المجتمع وفي السياسة.
الدين والسياسة: مقدمة قصيرة إلى نظريات التفاعل
الدين والسياسة مرتبطان بشكل وثيق مع بعضهما البعض. منذ العالم القديم وحتى يومنا هذا لا يزال الدين يتدخل في السياسة وفي الكثير من الحالات يتماهى الدين مع سلطة الدولة. فعلى سبيل المثال الدول الإسلامية قد تعتبر مثالاً للنموذج الفكري لهذا التماهي بين الدين وسلطة الدولة. الأنظمة الثيوقراطية الحاكمة في السعودية وإيران وإلى حد ما في أفغانستان تحت حكم طالبان تمثل «المعسكر المضاد» للدول العلمانية الحديثة من ناحية ولكنها في ذات الوقت تقدم أمثلة حية على أهمية دور الدين في المحيط العام. يستخدم الخبراء والدارسون مجالاً واسعاً من المصطلحات في التعبير عن العلاقة بين الدين والسياسة، فإذا كان الخبراء يدرسون تأثير الدين على السياسة من خلال الحركات الدينية والسياسية فهم يسمون هذه الظاهرة: «الأصولية الدينية»[5]، أما إذا كان خبراء آخرون يركزون على الحالة الإجتماعية فهم يستخدمون مصطلحات تنتمي إلى علم الإجتماع مثال «إزالة العلمنة» أو «الما بعد علماني».
كذلك من المهم أن ندرس العلاقة التي تتطور بين الدين والسياسة. ففي هذا السياق ذكر بروفيسور الدراسات المقارنة هيو أوربان ثماني علاقات إستراتيجية بين السلطتين السياسية والدينية مثبتاً أن تشابك الدين والسياسة يعود إلى تاريخ طويل للغاية. وهو يرجع إلى أقدم الأزمنة المعروفة للنقاشات العقلانية. إذا شئنا التعبير عن هذه العلاقات بشكل أكثر تحليلية وجب أن نلاحظ العناوين التالية:
أ- التوفيق بين الديني والسياسي: حيث يظهر الديني على أنه السياسي.
ب- أولوية السلطة الدينية على السياسية
ج- الديني والسياسي كقوى منفصلة (ولكن معتمدة على بعضها البعض أو متعادية في ما بينها)
د- أولوية السلطة السياسية على الدينية.
هـ- انسحاب الدين من المحيط السياسي
و- الدين في خدمة السلطة السياسية: القومية الدينية في الدولة الحديثة.
ز- السياسي كالديني: الدين المدني
ح- الدين في نزاع مع السلطة السياسية: المقاومة والثورة والإرهاب[6].
السؤال الهام الذي يبرز عن موضوع هذا المقال هو: ماذا عن الأديان والسياسة في العالم الحديث؟من ناحية ففي العالم العربي وفي الكثير من دول جنوب آسيا وشمال أفريقيا تقوم أنواع الحكومات على الشريعة الإسلامية، حتى نكون محددين بشكل أكبر توجد سمتان بارزتان في الإسلام لهما أهمية خاصة في فهم العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام: الأولى هي أن الدين الإسلامي يجمع بين الديني والسياسي (الدين والدولة)، بخلاف المسيحية فقد وصل الإسلام إلى السلطة الدينية منذ وقت النبي محمد[s] ولم يكن من الضروري أن يبحث المجتمع الإسلامي أن يتنامى وسط سلطات علمانية[7]، ولذلك لا يوجد تمييز بين الدين والسياسة إذ أن الدين والنظام الإجتماعي مرتبطان بشكل عضوي في حالة الدين الإسلامي ولذلك فلا يتصور فصل بين الدين والدولة[8]. يجد هذا الواقع جذوره في حياة النبي محمد[s] إذ كانت رسالته موجهة إلى «الأمة» مؤكدة مفهوم الأخوة وهو المفهوم الذي قام عليه الفكر السياسي العربي. منذ فجر الإسلام كانت رسالته موجهة إلى «جسم سياسي»[9] وبالتالي أصبح الدين هو المجتمع المنظم سياسيّاً (الأمة) لجميع المسلمين.
السمة البارزة الثانية هي الدور المركزي الذي تلعبه الشريعة الإسلامية في حياة الفرد المسلم[10]، الوحي الذي أنزل على النبي[s] والمكتوب في القرآن والأحاديث المروية عن أقوال وأفعال النبي[s] تجمع بين العقيدة الدينية والمبادئ الأخلاقية والقوانين التي يعيش الفرد المسلم بحسبها. أشار بروفيسور القانون الدولي نواه فلدمان أن المسلمين من المغرب إلى إندونيسيا يقولون بأن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون مصدر القانون أو حتى المصدر الوحيد للقانون وكثيراً ما تسمع في البلاد العربية مقولات مثل «إنّ الإسلام يعني الشريعة» أو «الإسلام هو دستورنا»[11] وبالنتيجة قام الكثير من القادة الدينيين ببناء دول مثل تلك التي نراها في السعودية وإيران وأفغانستان[12].
بالنسبة للإتحاد الأوروبي فهو يتألف من 27 دولة عضوة فيه وهو علماني على المستوى الرسمي سواء على مستوى تقدم سياساته أو إداراته ولا توجد أي علاقة مؤسساتية بين الأديان وحتى المذاهب الفلسفية من ناحية وعمليات إتخاذ القرار في الإتحاد الأوروبي ولذلك فلا سلطة رسمية لها على هذه العملية. كما يشير جان بول ويلاّم يوجد تفرقة واضحة بين الكنائس والسلطات الأوروبية العامة بما يتفق مع المبادئ الكبرى الثلاث للعلمانية:
حرية الضمير والفكر والدين التي تشمل حرية ممارسة أي دين أو عدم ممارسة أي دين أصلاً أو تغيير دين الفرد (بما يتوافق مع القانون والديموقراطية وحقوق الإنسان فقط).
مساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم الدينية أو الفلسفية أو بكلمات أخرى: عدم وجود تمييز على مستوى الدولة والسلطات العامة على هذه الأسس.
الاستقلال المتبادل لكل من الدولة والأديان عن بعضهم البعض مما يساوي عادة حرية الدولة من ناحية الأديان وحرية الأديان من ناحية الدولة[13].
بعكس العالم القديم وبعض الدول الإسلامية فمسائل مثل أن يكون الفرد متديناً أو لا، أو أن يذهب إلى الكنيسة ـ أو أيٍّ من دور وأماكن العبادة الأخرى ـ أو لا، أو أن «يعتقد دون أن ينتمي» أو «أن ينتمي بدون أن يعتقد»[14] كلها تعود إلى إرادة الفرد. ولذلك فإن خبراء الدراسات الدينية الذين يستقصون عن دين واحد تاريخيّاً يأخذونه كنظام متكامل يشمل الاقتصاد والسياسة والعبادة إلخ عبر العصور[15]. إذا أخذنا هذا بعين الاعتبار يمكن لأيِّنا أن يقول أن تجربة العلمانية تختلف من دولة إلى دولة بما يعتمد على طبيعة دين وتقاليد كل دولة.
نتيجة ذلك توجد أنواع مختلفة من العلمنة. يمكن للعلمنة أيضاً أن تعني مقدار الفصل بين الدين والدولة إذ أن علاقات الدين ـ الدولة تمثل لنا تصنيفات تتعلق بالبلاد بحسب نماذج الفصل التي يمكن التعرف عليها فيها. رغم أنه يصعب الوصول إلى تصنيف يصلح لكل البلاد الأوروبية توجد بعض العوامل التي يمكننا أخذها بعين الإعتبار: مثلاً الدرجة التي «تعترف» بها الدولة بالأديان مع الأخذ بعين الإعتبار التمييز والمزايا التي تعطى لبعض الأديان، وكذلك درجة الدعم المادي الذي تقدمه الدولة للأديان، وأيضاً الدرجة التي يتدخل بها الدين في المؤسسات العامة[16].
بالرغم من حقيقة أننا نعيش في دول علمانية في أوروبا فالدين يؤكد دوره في المحيط العام وعادة ما تكون الطرق المختلفة التي يظهر بها في المحيط العام هي دين الدولة الرسمي والدين المدني والقومية الدينية والدين العام والشرعنة الدينية للسلطة السياسية[17]. إذا نظرنا إلى خارطة أوروبا فيمكننا أن نرى أن العلمنة منتشرة في الجو الأوروبي العام. تعني العلمانية بإختصار أن المعتقدات الدينية تظل في محيط الفرد الخاص وعلى هوامش المجتمع وليس في المحيط العام، بالرغم من ذلك فعلماء الإجتماع منقسمون مجموعتين: واحدة تعامل العلمنة على أنها تعادل خسارة الإيمان والأصالة وأخرى تعاملها على أنها اكتساب الحرية والاستقلال[18].
ميز كل من غوييو إركوليسي وإنغموند هاغ بطريقة مثيرة للاهتمام بين الأنواع المختلفة للدول العلمانية مصنفين أنظمة وأشكال العلمانية إلى التالية[19]:
أ- نظام بدون كنيسة للدولة يتعرف على النموذج المثالي للّاعكية (éticïaL) أو الفصل التام ـ وهو نموذج لا علاقة له بالعالم الحقيقي حتى بفرنسا.
ب- نظام يتطلب دعم الدولة على أساس درجة متساوية من الانحياز لكل الأديان.
ت- وجود دين مهيمن مع أنواع مختلفة من العلاقات التي تشمل دعم الدولة ولكن مع الإعتراف بالأديان الأخرى ولكن ليس على أساس مُساوٍ.
ث- دعم الدين المهيمن مع إهمال أنواع الدين الأخرى.
كذلك يفصل عالم الاجتماع البارز جان بول ويلّام بين نوعين من العلمانية:
أ- علمانية مع حيادية تجاه الأديان ووجهات النظر نحو العالم.
ب- علمانية مع وجود نظرة علمانية إلى العالم بديلة عن المعتقدات الدينية.
ت- العلمانية كنقد أو معارضة للأديان[20].
كما ذكرنا في الأعلى فالإتحاد الأوروبي علماني على المستوى الرسمي في ما يتعلق بالأمور الدينية، وبالرغم من واقع أننا نحيا في المحيط العام والدين يؤكد دوره في المحيط العام وعادة ما تكون الطرق المختلفة التي يظهر بها في المحيط العام هي دين الدولة الرسمي والدين المدني والقومية الدينية والدين العام والشرعنة الدينية للسلطة السياسية [21]. إنّ تنوع سبعٍ وعشرين دولة عضوة في الإتحاد الأوروبي مع التاريخ القومي لكل واحدة منها يمثل بعض المشاكل في التنوع الديني. إن الأسس التي تقوم عليها الكثير من الدول الحديثة ترتبط بشكل وثيق ببعض الأديان والتي تتمتع بوضع قانوني وسياسي واجتماعي متميز، وكذك ترتبط هذه العلاقة بشكل وثيق أيضاً مع الدعم المادي لهذه الأديان[22].
حتى نلخص النتيجة فإن دول الإتحاد الأوروبي تظل علمانية عموماً والدول الطائفية نادرة على العموم في أوروبا، فبالرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة الدولة الرسمية لمالطا والأرثوذكسية هي كنيسة اليونان واللوثرية هي كنيسة الدنمارك والأنجليكانية هي كنيسة بريطانيا إلا أن هذه الدول تعترف وتقبل المبادئ الأساسية للعلمانية. أضف إلى ذلك أن آيسلندا والنرويج دول عضوة في الإتحاد الأوروبي ولديها كنيسة خاصة للدولة ولكنها تعتبر مجتمعات علمانية أوروبية غربية.
الدول المتنوعة الثقافات في أوروبا
إن التمييز بين الأنواع المختلفة من العلمانية أمر واقع في الدول الأوروبية. ذلك بأن هذه الدول تتأثر بحركات هجرة أعداد هائلة من الناس من مختلف بلدان العالم ويؤمن هؤلاء المهاجرون بأديان مختلفة تشمل الإسلام والهندوسية والسيخية واليهودية والبوذية وغيرها. ولذلك فلا يتأثر الأوروبيون بالمهاجرين فحسب بل أيضاً يتقولبون بحسب سلوكياتهم تجاه هؤلاء المهاجرين وأديانهم. من الأمثلة على ذلك هو أن الكثير من البلدان التي ظلت علمانية لفترة طويلة تواجه مشاكل تتعلق بالدين في مجتمعاتها الحديثة ولا تظهر هذه المشاكل فقط في البلاد التي يعرف دستورها ديناً رسميّاً للبلاد بل حتى في البلاد التي اعتادت على أن تكون علمانية تماماً بحيث لا تعترف بأي دين رسمي للدولة. مثلاً فرنسا لا تعترف بأي دين للدولة والعلمانية هي «الدين الرسمي» في فرنسا وقد مرر القانون الذي يفصل الدين عن الدولة تماماً سنة 1905، لكن قضية ارتداء الحجاب أجبرت فرنسا على إعادة تعريف علمانيتها بعد سنة [23]1989. وهكذا نرى أن ازدياد عدد المسلمين في المجتمعات الغربية أكد أن الدين قد أصبح مسألة عامة.
يستشهد ويلّام نوعين من العلمنة: مثال فرنسا حيث لا تعترف الحكومة الفرنسية بأي دين ولا تمول أي دين من الأديان والحكومة البلجيكية حيث تعترف الدولة بعدة أديان وتدعمها فتمارس الدولة البلجيكية إذن «الحياد الإيجابي» نحو الأديان من خلال الإعتراف بعدد منها وتمويلها. ولكن ما الذي تعنيه حقيقة هذه الحيادية؟ من ناحية تعني الحرية الدينية أنَّ على الدولة أن تكون على الحياد التامّ نحو الدين، ولذلك فعلى الحكومات الخالية من التوجه الديني أن تمتنع من تأييد أو رفض أي وجهة نظر دينية، أو أن تصطف إلى جانب أي من الأديان المتنافسة.. من ناحية أخرى «لا تعني الحيادية أن السلطات العامة لاينبغي لها أن تبني الروابط مع المؤسسات الدينية أو الفلسفية، كما لا تتعارض مع تقديم الدعم المادي للكنائس والمؤسسات الدينية والفلسفية[24] لا أكثر من كونها تقدّم عوناً ماليّاً للأنشطة الاجتماعية للكنائس والمنظمات التي لديها أعمال دينية أو فلسفية.
هل نعيش في عصر ما بعد علماني؟
إن نشر أعمال مثل كتاب تشارلز تايلور المعنون: «عصر علماني» (A secular Age) (2007) وصدور عبارات مثل مقولة يورغن هابرماس: «نحن نعيش في مجتمع ما بعد علماني» قد تسبّب في بدء نقاش حول نهاية العلمنة وبدء فترة جديدة من الصحوة الدينية. لقد قيل أن أوروبا أصبحت أكثر علمانية عبر السنين، كما قيل أن العلمانية وصلت إلى نهايتها وأن مرحلة ما بعد العلمانية قد بدأت. وعلى رأي يورغن هابرماس يلعب تأثير الدين دوراً أكبر في حياة الناس كما أنه عاد إلى صلب المجتمع الحديث.
فإذن ما بعد العلمنة مفهوم يقوم على فكرة مركزية مفادها أن العلمانية قد تكون وصلت إلى نهايتها، وكما يجادل يورغن هابرماس فإن مصطلح «المجتمع ما بعد العلماني» «لا يشير فقط إلى حقيقة أن الدين يستمر في توكيد وجوده في بيئات تزداد في علمانيتها، بل أيضاً وأن المجتمع في الوقت الحاضر لا يزال يحتوي على نسب كبيرة من المجموعات الدينية ضمنه»[25].
الشيء الأساسي في مصطلح «المجتمع ما بعد العلماني» هو المجهود المبذول باتجاه التضييق على هذه الظاهرة في الغرب. يقول الكثير من الدارسين أن هذه الظاهرة قد تصبح حقيقية في البلاد الإسلامية بما أنها في أساسها حوار بين الدين والدولة[26]. يقول هابرماس أن «ما بعد العلماني لا ينطبق إلا على بعض المجتمعات الأوروبية الثرية أو بلاد مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا حيث استمر اختفاء الروابط الدينية بين الناس بشكل دراماتيكي خاصة في فترة ما بعد الحرب». يمكننا تطبيق هذا المصطلح على الولايات المتحدة أيضاً التي تظل بالنسبة إليه «رأس حربة الحداثة». في الفكر «الهابرماسي» لا علاقة لما بعد الحداثي مع الأصولية كما حاول بعض الدارسين أن يجمعوا بين المصطلحين دون نجاح. بحسب ما يقوله هابرماس فإن ما بعد العلماني يشير إلى تغيير في الوعي يرجع إلى ثلاثة ظواهر:
أ- إدراك أن النزاع الديني له أثر على الصراعات الدولية.
ب- اعتقاد أن المؤسسات الدينية تلعب بشكل متزايد دور «مجتمعات تفسيرية» في الساحة العامة للمجتمعات العلمانية.
ت- واقع هجرة «العمال الزوار» واللاجئين خاصة أولئك القادمين من بلاد لها خلفيات ثقافية تقليدية[27].
ولذلك فهابرماس يدعم فكرة أن الدول الإسلامية وحتى الدول الأوروبية الشرقية لا يمكن أن تشهد فترة ما بعد علمانية، أو بتعبير أدق فإن هابرماس يستثني الدول الإسلامية من ملاحظاته نظراً لطبيعة الإسلام كدين، حيث لا يتيح المجال للتحول السهل إلى الدولة العلمانية رغم تزايد أصوات المثقفين الليبراليين الذين يدعون إلى تجديد الشريعة بحيث يسهل الفصل بين الدين والدولة. بالإضافة إلى ذلك فهو يستثني الدول الأوروبية الشرقية من ملاحظاته ويرى أنه في المجتمع ما بعد العلماني لا بد من وجود بعض الشروط مثل دعوة المجتمعات الدينية إلى المشاركة في العملية الديموقراطية على أساس أن هذه المجتمعات عليها أن تحترم القيم الديموقراطية وأن تعي حقيقة أنها تعيش في مجتمع عام تعددي.
السمة الأساسية للعصر «ما بعد العلماني الهابرماسي» هو التعددية الثقافية التي تتيح المجال أمام تعايش مختلف الأديان والتقاليد والأفكار الفلسفية في مرحلة زمنية واحدة وفي أغلب الأحيان هذه الفترة الزمنية تكون في إطار مجتمع غربي. يذكر عالم الإجتماع الإيطالي ومحلل فكر هابرماس ماسيمو روزاتي أن «مجتمعاً حقيقيّاً ما بعد علماني هو مجتمع متعدد الأديان حيث توضع التقاليد الأصيلة في البلاد مع المجتمعات الدينية المهاجرة إليها. بكلمات أخرى فإن التعددية الدينية جزء من الظروف الإجتماعية للمجتمع ما بعد العلماني»[28]. في الواقع يحاول هابرماس أن يفتح حواراً بين الدين والعلمانية محاولاً حل النزاع بين التعددية الراديكالية والعلمانية الراديكالية مقترحاً إقامة حوار يتعلق بإدماج الأقليات الأجنبية في المجتمع المدني، وتشجيع أعضاء المجتمع على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية»[29].
إحدى أوجه سوء فهم الفكر الهابرماسي هو حقيقة أنه حين يستخدم مصطلحات ما بعد العلمانية لا يشير إلى المجتمع نفسه على أنه ما بعد علماني ولكنه يشير إلى التغيرات المقابلة في الوعي فيه[30] ولهذا فهو يشير إلى ثلاث ظواهر تتسبب في تغييرات في الوعي المتعلق بما أسماه «ما بعد العلماني». الأولى: الطريقة التي تسم فيها وسائل الإعلام العالمية المواضيع الدولية بسمة دينية في ما يتعلق بتوليد الصراعات والمصالحات. الثانية: الوعي المتزايد للكيفية التي تشكل وتوجه المعتقدات الدينية الرأي العام من خلال تدخلاتها في المحيط العام. والثالثة: هي الطريقة التي لم تقم بها «المجتمعات الأوروبية بنقلتها المؤلمة إلى مجتمعات ما بعد استعمارية تحوي عدداً كبيراً من المهاجرين بعدُ»[31].
يشدد إدواردو ميندييتا على الكيفية التي تنتج من خلالها المجتمعات الحديثة أشكالاً متعددة أكثر وأكثر في تجربة الدين التحول التدريجي إلى العلمانية. ولذلك فإن العصر العلماني هو بالضرورة «ديني» بشكل عميق، والحماسة الدينية مع حرية العقيدة والقناعات الشخصية هي العلامة الفارقة لهذه العلمانية. يحاول الكثير من الدارسين تحليل أفكار هابرماس عن العلمنة والدين لفهم مصطلح «ما بعد العلماني» وفي هذا السياق يشير مندييتا إلى أن هابرماس يواجه ويتحدى صحة خمسة أوجه موهومة عن العلمنة: الأول هو أن امتداد الدين كآلية اجتماعية لمواجهة عدم الأمان هو في حال انخفاض ونقصان. الثاني أن التفاضل الوظيفي للمجتمعات الفرعية قد أبعد الدين إلى محيطات محصورة في التعامل الاجتماعي. الثالث أن التقدم والتطور العلمي والتقني قد أديا إلى «خيبة أمل» متزايدة لا عودة عنها بالعالم جاعلة التوجه إلى الدين أقل إلحاحاً أو قبولاً للتصديق. الرابع أن التفاضلات الهيكلية في الحياة-العالم مع التفاضل الوظيفي في النظام الإجتماعي قد أديا إلى تحرير الفرد من الأنماط السلوكية التحريمية. الخامس أن الحقيقة الظاهرة للتعددية الدينية جعلت العقائد الدينية الشاملة أقل قبولاً في الإطار الإجتماعي الأعم والأكبر. حتى هذه النقطة يركز ميندييتا على حقيقة أن «المجتمع قد مر بعمليات من العلمنة وقد أصبح الدين نفسه متحولاً نحو الحداثة لجعله أكثر معاصرة لـ «البيئة العلمانية» المتنامية. بالنتيجة لم يكن المجتمع هو وحده الذي تم تحديثه ولكن الدين أيضاً. وكما أنه لدينا عقل حداثي ما بعد ميتافيزيقي فلدينا دين ما بعد علماني للمجتمع العالمي[32].
يجادل الكثير حول إذا ما كان مصطلح «ما بعد العلماني» يماثل التوجه الروحي المسمى «العصر الجديد»، فمن المقبول بشكل عام أن استخدام عبارة «ما بعد» تشير إلى وصف وضع جديد أو إشكالية جديدة. كما يبرز سؤال آخر وهو: أيُّ العالَمَين قد تغير: العالم الحقيقي أم العالم الأكاديمي/ الثقافي؟في عمل نشر مؤخراً بعنوان «السؤال عن ما بعد العلماني: الدين في المجتمع المعاصر» (Post secular in Question: Religion in Contemporary Society) يتبيَّن أن ما بعد العلماني يطرح خطين من الأسئلة: الأول حول تحديد وضع التدين في العالم، وعلى المستوى الثاني فهم الطرق الجديدة التي يتنبَّه أو لا يتنبَّه فيها علماء الاجتماع والفلاسفة المؤرخون والدارسون من مختلف فروع العلوم الإنسانية إلى الدين[33].
إذا دخلنا في جانب تحليلي بشكل أكبر فمن ناحية يفهم علماء الإجتماع «ما بعد العلمانية» على أنها ظاهرة في عودة الدين إلى المجتمعات العلمانية. لقد أثار إعلان خوزيه كازانوفا سنة 1994 عن أن «الدين عاد إلى الحياة العامة» أسئلة عن المجتمعات العلمانية الغربية وأكد قوة الدين في السياسة[34]. تساءل كازانوفا وبيتر بيرغر عما إذا كان التفاضل المؤسساتي سيؤدي بالضرورة إلى تحويل الدين إلى مسألة خاصة. أما ماكس فيبر وهابرماس وستيف بروس من ناحية أخرى فيتساءلون عن دور الدين في المجتمعات الحديثة داعمين وجهة النظر القائلة أنه بسبب التطور في التفاضل في المجتمعات الحديثة فلا يمكن للدين أن يقدم الشرعية لكامل المجمتع[35].
بالإضافة إلى ذلك فعلماء السياسة يؤكدون ضرورة إعادة تقويم حاكمية الدين في نظرية ما بعد العلمانية وتعديلها إلى متطلبات مجتمع متعدد دينيّاً. كثيراً ما يفهم الفلاسفة السياسيون من أمثال يورغن هابرماس «ما بعد الحداثة» على أنها التحدي المعياري لتعريف مكان وجهة النظر الدينية في المحيط الديموقراطي العام ولتشكيل أخلاقيات سياسية صالحة لكل المواطنين بغض النظر عن انتمائهم لعقائد مختلفة أو كونهم متدينين أو غير متدينين، فما بعد العلمانية بالنسبة إليهم هو استجابة للعلمانية الأيديولوجية. أما علماء اللاهوت فينظرون إلى ما بعد العلمانية على أنه وضع خاص تحتاج معه الكنيسة إلى تعريف مكانها ودورها بالعلاقة مع الدولة ومجتمع مدني لم تعد المتطلبات العلمانية وحدها تحدده. وأخيراً يضع المؤرخون ما بعد العلمانية في السياق التاريخي الأعم للحداثة والتاريخ الثقافي ويطالبون بعمليات وظروف تاريخية تحدد العلمنة.
الخلاصة
توفر المجتمعات المتعددة ثقافيّاً أرضية خصبة لمناقشات جديدة عن دور الدين في المحيط العام. يقول الكثير من الدارسين أن التدين في أوروبا تغير بشكل كبير بسبب وجود الكثير من المهاجرين الآسيويين والأفارقة. هذه التغييرات مع الأديان المتعددة التي ظهرت في أوروبا أعادت الدين إلى واجهة النقاش العام. يقول مؤيدو نظرية ما بعد العلمانية أن العلمانية قد وصلت إلى نهايتها، ومع أن التغييرات التي حصلت لا يمكن أن تؤثر في الدول العلمانية أو أوروبا العلمانية يمكنها في الحقيقة أن تتسبب في تغيير أمور الوعي بين المجتمعات الدينية. وكما يقول هابرماس فليست الدولة التي تتغير بل وعي الناس ويضيف قائلاً: «على المجتمع ما بعد العلماني أن يكيِّف نفسه مع التواجد المستمر للمجتمعات الدينية في بيئة علمانية». وهكذا فليست الدولة ولا العصر ما يتحول إلى ما بعد علماني بل وعي البشر في المجتمعات المتعددة ثقافيّاً، وكذلك تعايش مجتمعات دينية غنية ومختلفة في الدول الغربية.
[1]- عالم لاهوت -أستاذ محاضر في كلية اللاهوت - جامعة أرسطو في ثيسالونكي، اليونان.
ـ العنوان الأصلي للمقالة:
Religion and Politics: Debating Secular and post-secular theories. Konstantinos D.GIANNIS.
ـ نقلاً عن:موقع www.users.auth.gr
ـ تعريب: علي زين الدين. مراجعة: أ. شاهين.
[2]- تكلم عالم الإجتماع بيتر بيرغر في تحليله لهذه المسألة عن «زوال العلمانية في العالم» ملاحظاً أن للجماعات والمعتقدات «المحافظة» و»التقليدية» و»الأصولية» تأثيراً كبيراً على الأنظمة الإجتماعية والسياسية. أنظر:
See P. L. Berger, (1999) “The Desecularization of the World: A Global Overview”. In Berger, L. P., ed. The Desecularization of the World: Resurgent Religion and World Politics. Michigan: Washington Grand Rapids, p. 1 -18.
[3]- أنظر:
G. Moyser, (2005) “Religion and Politics”. In J. R. Hinnels, ed. The Routledge Companion to the Study of Religion. London-New York: Routledge Taylor and Francis, p. 423 - 424- 429 - 435.
[4]- بعد عبارة هابرماس القائلة: «نحن نعيش في مجتمع ما بعد علماني» عقدت الكثير من المؤتمرات التي تتعامل مع هذه القضية. سنورد هنا بعض العناوين والمواضيع التي طرحت في هذه المؤتمرات حتى نبين إهتمام الدارسين بهذا الواقع الجديد ـأو الأفضل أن نقول هذا المصطلح الجديد. في 3-4 نيسان 2009 عقد مؤتمر في جامعة هارفرد تحت عنوان: «إستكشاف الما بعد العلماني” وبعد سنة واحدة أي في 9-10 نيسان 2010 تم عقد مؤتمر آخر في كلية العلوم الدينية في جامعة واشنطن سانت لويس (ميسوري) تحت عنوان «النقاش حول العلمانية في عالم ما بعد علماني”. كذلك في 12-13 أيار 2011 عقد مؤتمر في جامعة بولونيا تحت عنوان: “السياسة والثقافة في المجتمع الما بعد العلماني”.
[5]- يسمي البعض الآخر هذه الظاهرة الدينية السياسية: «النزعة المحافظة»، «النزعة التقليدية»، «الصحوة» إلخ. لمراجعة الجدل الأكاديمي حول المصطلخات أنظر:
G. Almond, S. R. Appleby, & Sivan, E. (2003) Strong religion: The rise of fundamentalisms around the world. Chicago: University of Chicago Press, p. 1 - 21
خاصة الصفحات: 14-17.
[6]- أنظر:
H. Urban, (2005) “Politics and Religion: An Overview”. In L. Jones, ed. Encyclopedia of Religion 11, p. 7253 - 7257
[7]- أنظر: S. Bruce, (2011) Fundamentalism. 2nd ed. Cambridge: Polity Press, p. 42
[8]- لدراسة مقارنة حول الدولة والأديان التوحيدية الثلاثة أنظر:
L. C. Brown, (2000) Religion and State: The Muslim Approaches to Politics. Columbia: Columbia University Press, p. 9 -30
[9]- أنظر: M. W. Watt, (2003) Islamic Political Thought. 5th ed. Edinburgh: Edinburgh University Press, p. 20-30.
[10]- أنظر: S. Bruce, (2011) Fundamentalism. Opp. cit., p. 42.
[11]- أنظر:
N. Feldman, (2008) The Fall and Rise of the Islamic State. New Jersey: Princeton University Press, p.221 - 20.
[12]- أنظر:
J. L. Esposito, ed. (1997) Political Islam: Revolution, Radicalism, or Reform?.Colorado-London: Lynne Rienner Publishers.
[13]- Jean-Paul Willaime, (2010) “Secularism at the European level: A struggle between non-religious and religious worldviews, or neutrality towards secular and religious beliefs?. In Religious Studies Conference. Debating Secularism in a Post-Secular Age, April 9 -10, 2010. Washington University, Saint Louis (Missouri), p. 7 - 8.
انظر أيضاً: البند التاسع من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي وضعت مسودة لها عام 1950 واالتي دخلت حيز التنفيذ في 3 أيلول 1953. انظر أيضاً إتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، البروتوكولات رقم 11 و14 والتي دخلت حيز التنفيذ في 1 حزيران 2010. البند التاسع يوفر حق حرية الفكر والضمير والدين ويشمل حرية تغيير المعتقد الديني وإظهار دين أو معتقد معين في طرق العبادة والتعليم والممارسة مع بعض القيود «بما يتوافق مع القانون» و»ما هو ضروري في المجتمع الديموقراطي».
[14]- أنظر:
G. Davie, (1994) Religion in Britain since 1945. Believing without Belonging. Oxford & Cambridge: Blackwell.
[15]- أنظر: B. Lincoln, (1996) “Theses on Method,” Method and Theory in the Study of Religion 8, 3: 225 - 228.
[16]- G. Ercolessi, & Ingemund, H. (2008) “Towards Religious Neutrality of Public Institutions in Europe”. In F. de Beaufort, H. Ingemund & van Schie, P., eds. Separation of Church and State in Europe with views on Sweden, Norway, the Netherlands, Belgium, France, Spain, Italy, Slovenia and Greece. Brussels: European Liberal Forum, p. 8.
[17]- I. Furseth, & Repstad, P. (2006) An introduction to the sociology of religion: classical and contemporary perspectives. Aldershot Hants: Ashgate, p.101.
[18]- B. Duran, (2008) “Islam and Muslims in Post-secular society”. In H. G. Ziebertz, & Riegel U., eds. Europe, secular or post-secular?. Berlin: Lit Verlag, p.61-62..
[19]- G. Ercolessi, & Ingemund, H. (2008) “Towards Religious Neutrality of Public Institutions in Europe”. Opp. cit., p. 8.
[20]- Jean-Paul Willaime, (2010) “Secularism at the European level: A struggle between non-religious and religious worldviews, or neutrality towards secular and religious beliefs?. Opp. cit., p. 1.
[21]- I. Furseth, & Repstad, P. (2006) An introduction to the sociology of religion: classical and contemporary perspectives. Aldershot Hants: Ashgate, p.101.
[22]- W. Fautré, (n.d.) Relations between State and Religions in Western Europe: State financing of religions: Implications of Two-Tiered and Multi-Tiered Systems.
Available at http://politicsreligion.eu/relations-between-state-and-religions-in-western-europe-2/
[Accessed 9 October 2012].
[23]- R. Kastoryano, (2006) “French secularism and Islam: France’s headscarf affair”, In T. Modood, A. Triandafyllidou, & Zapata-Barero, R., eds. Multiculturalism, Muslims and Citizenship: A European Approach. Oxford - New York: Routledge Taylor and Francis Group, p. 60-61.
[24]- Jean-Paul Willaime, (2010) “Secularism at the European level: A struggle between non-religious and religious worldviews, or neutrality towards secular and religious beliefs?. Opp. cit., p. 1 - 6.
[25]- J. Habermas, (2006) “On the Relations between the Secular Liberal State and Religion”. In H. de Vries - Lawrence S., eds. Political Theologies: Public Religions in a Post-Secular World, 251 -260. New York: Fordham University Press, p. 258.
[26]- أنظر:
B. S. Turner, (2012) “Post-Secular Society: Consumerism and the Democratization of Religion”. In P. S. Gorski, D. K. Kim, J. Torpey & J. van Antwerpen, eds. Post secular in Question: Religion in Contemporary Society. 135-158. New York-London: New York University Press.
[27]- J. Habermas, (2008) “Notes on a post-secular society” (originally text in German in Blätter für deutsche und internationale Politik, April 2008). Politics and Society [online]
Available at http://www.signandsight.com/features/1714.html [Accessed 14 March 2012].
[28]- R. Massimo, (2011) “Longing for a Postsecular condition: Italy and the Postsecular”. In Politics, Culture and Religion in the Post - secular society. May 13 2011. Bologna University, Faenza.
[29]- B. S. Turner, (2012) “Post-Secular Society: Consumerism and the Democratization of Religion”. Opp. cit., p. 144 -147.
[30]- E. Mendieta, (2010) “A Post Secular World Society? On the Philosophical Significance of Postsecular consciousness and the multicultural world society: an interview with Jurgen Habermas”. Translated by Matthias Fritsch. In The Immanent Frame, Social Science Research Council, 3 February 2010, p.3. Available at http://blogs.ssrc.org/tif/2010/02/03/a-postsecular-world-society/.
[31]- J. Habermas, (2009) ‘What is Meant by “Post-Secular Society”? A Discussion on Islam in Europe’. In Habermas, J., ed. Europe: The Faltering Project. Cambridge: Polity Press, p. 65.
[32]- E. Mendieta,“Spiritual Politics and Post-Secular Authenticity: Foucault and Habermas on postmetaphysical religion”2009, p. 2, 11 - 12.
[33]- P. S. Gorski, D. K. Kim, J. Torpey & van Antwerpen J. (2012) “The Post-secular in Question”. In P. S. Gorski, D. K. Kim, J. Torpey & van Antwerpen, J., eds. Post secular in Question: Religion in Contemporary Society. New York-London: New York University Press, p. 1 - 2.
[34]- أنظر:
J. Casanova, Public religions in the Modern World. Chicago: University of Chicago press 1994.
[35]- I. Furseth, & Repstad, P. An introduction to the sociology of religion: classical and contemporary perspectives 2006. Opp. cit., p. 99 - 101.