البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هايدغر قارئاً شعرية هولدرلن

الباحث :  آندرزج وارمنسكي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1013
تحميل  ( 313.346 KB )
تتخذ هذه المقالة للباحث الأميركي من أصل بولوني آندرزج وارمنسكي مساراً مخصوصاً في تفكير هايدغر. عنينا به مسار الاقتراب من الهم الشاعري في الشخصية الهايدغرية. ولسوف يكتسي هذا المسار أهمية استثنائية حتى دخلنا إلى حقل العلاقة بين هايدغر وعظيم الشعراء الألمان فريدريك هولدرلن (1770 - 1843).

في هذه المقالة يقرأ وارمنسكي الكيفية التي قرأ فيها هايدغر قصائد هولدرلن والأثر الذي تركته في نظرته لمفهوم الإنسان في الوجود.

المحرر

--------------------

إن الطريقة الأكيدة التي تؤدي إلى إهمال النصوص أو الخطإ في ما تقوله النصوص كنصوص حول المؤسسات التي أنشئت لتبثها أو في الكيفية التي يمكن لها بها «أن تهرب من القيود المؤسساتية» هو أن لا تُقرأ النصوص أصلاً.

من بين استراتيجيات «اللَّاقراءة» المثيرة، لا توجد واحدة أكثر فعالية  ـ على الأقل في يومنا هذا ـ من استسهال تحويل النصوص إلى تأطير تاريخي يزيل حيوية نصوص نقدية ومهمة أصيلة ويحيدها من خلال وضعها «في إطارها التاريخي الصحيح». إن هذه نقطة مشتركة بين «حالتين» تلقيان الكثير من الحفاوة الأكاديمية مؤخراً، وأعني حالتا: مارتن هايدغر وبول دومان ـ رغم التباينات الكبيرة بين الرجلين. ففي كلتا الحالتين حلَّت «الشائعات» حول «الأطر التاريخية المزعومة» وسيرة هذين الشخصين الذاتية محلَّ قراءة نصوصهما. وليس هذا وليد الصدفة بالطبع، ذلك أن قراءة نصوصهما ستكشف الكثير مما لدى كل منهما ليقوله عن التاريخ والعلاقة بين «المؤلف» و«العمل». فما سيفصحان عنه لن يكون إلا نقداً لاذعاً ودقيقاً للافتراضات المسبقة التي تؤدي إلى «تأطير تاريخي» ساذج كالذي ذكرناه.

إذا قرأنا النصوص فسوف نجد أننا لن نعود قادرين على أن نضعها في إطار «تاريخ الفلسفة» أو «تاريخ النظرية» كما كنا نفعل قبل قراءتها، ناهيك عن وضعها في «التواريخ المزيفة» التي لا يمكننا أن نعتبرها إلا عوارض للمحاولات المؤسساتية (مثل المؤسسات الأكاديمية) لاحتواء أي فكر يعبث بما تنظر إليه المؤسسات كـ «حقائق بديهية» عن الفلسفة والأدب والنظريات وتاريخها[2].

باختصار، ما تعنيه قراءة النصوص هو أن يكون على القارئ أن يخبر عن تواريخ أخرى، مختلفة وجديدة أقل تجانساً وأكثر تبايناً (بكلمات أخرى: أكثر نصية!) تجعل النشاط الأكاديمي المطمئن الراضي عن نفسه، أعني التقدم بـ«فرضيات أكاديمية» واتخاذ مواقف سياسية متفقة ومختلفة معها أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. إن «السياق» هو دائماً بطبيعته وقبل كل شيء «نص» (حيث يعني context بالإنجليزية، وهي مشتقة من ارتباط البادئة اللاتينية con والتي تعني «مع أو بالارتباط مع» مع كلمة text، وتعني النص، أي أن الكلمة الإنجليزية للسياق تعني «ما يكون بمعية النص»)، ولذلك فإن السياق بحاجة إلى أن يُقرأ لا أن يعامل على أنه «معطى».

من الأمثلة الجيدة على النصوص التي ترفض التحول إلى «سياقات»، أي أنها تصر على أنها يجب أن تقرأ ـ تحصل في مقابلة «در شبيغل» السيئة السمعة مع هايدغر، حيث يقوم من أجرى المقابلة باقتباس فقرة من محاضرات هايدغر حول نيتشه التي ألقاها سنة 1936-1937:

«در شبيغل»: بالنسبة إلى موضوع هولدرلن، نطلب منك أن تتلطف بالاقتباس من كتاباتك، فقد قلت في محاضراتك حول نيتشه أن «التضاد المعروف بين الديونيزي والأبولوني، بين العاطفة المقدسة والتمثيل الواعي، إنما هو قانون أسلوبي مستتر في مصير الألمان التاريخي وعلينا أن نكون مستعدين وجاهزين يوماً ما كي نتشكَّل به. إن هذا التضاد ليس صيغة نستعين بها لوصف «الثقافة»، فبهذا التضاد وضع كل من هولدرلن ونيتشه علامة سؤال حول مهمة الألمان كي يجدوا كينونتهم تاريخياً. هل سنفهم علامة الاستفهام هذه؟ ثمة شيء مؤكد واحد: سوف ينتقم التاريخ منا إذا لم نفهمها[3]».

كان من أجرى المقابلة يحمل آمالاً عريضة بأن يضع هايدغر في زاوية يحصره فيها؛ ولم لا وقد كانت هذه الفقرة التي تعود إلى سنة 1936-1937، أي في أوج الحقبة النازية، وتنسب مصيراً متميزاً إلى «الألمان». فقد كانت النزعة القومية الكريهة فيها مع توجهها السياسي البغيض واضحة وصريحة بما فيه الكفاية  ـ خاصة «في السياق التاريخي» الذي كتبت فيه هذه الفقرة ـ بحيث يتطلب الأمر بعض التبيان، إن لم نقل الاعتذار الواضح والصريح بعد عقدين من انتهاء تلك الحقبة، أي سنة 1966. ومن خلال متابعة المقابلة يتبدّى لنا أن من أجراها يعتقد أنه على الطريق الصحيح حين نقرأ أشياء مثل: «شبيغل: هل لك أن توضح هذا بعض الشيء؟ فهو يقودنا إلى تعميمات تتعلق بمصير محدد وملموس للألمان؟».

لكن هايدغر عاد ليوضح ويبين أن التفكير لا يمكن له أن يتحول إلا من خلال تفكير يرجع إلى الأصل نفسه ويتجذر في الدعوة ذاتها، لكنه لا يشير إلى «الألمان». لم يرض هذا الشخص الذي أجرى المقابلة، فأخذ الحوار في هذا الاتجاه يهدد بإتاحة المجال أمام هايدغر كي يفلت ويغير مسار الحديث، ولذا نجده يلح: «شبيغل: هل عينت مهمة متميزة بشكل خاص للألمان؟»،  لكن إجابة هايدغر أوقفت مطارده في مكانه، فقد قال: «نعم، من حيث الحوار الذي أجريه مع هولدرلن»!

لقد صار على من أجرى المقابلة، وحتى يتابع «مطاردته للمحدد والملموس» أن يقرأ: كان عليه الآن أن يستكشف من هم «الألمان»، ولم يكن بإمكانه فعل ذلك حتى يسكتشف من هو «هولدرلن»، أو على الأقل من يظن هايدغر أنه هولدرلن في حواراته معه. ولعله يكون من المناسب لأغراض هذه المقالة أن يصل الشخص الذي أجرى المقابلة إلى طريق مسدود هنا، أي عند الاسم «هولدرلن»، ويضطر عندئذ إلى تغيير مسار المقابلة، إذ لا يمكننا أن نبدأ بالتفكير في ما يعنيه هايدغر بالتاريخ، بتاريخنا، وما يعنيه بـ«الألمان» إلا في حوار هايدغر مع هولدرلن.

لماذا؟ لأن شعر هولدرلن هو ما يحدد من نحن تاريخياً، هو ما أسس لكينونتنا التاريخية، وقد قام بذلك من خلال الحوار ـ أو الأفضل من ذلك، من خلال ترجمة ـ الإغريقية و«الإغريق». إن هذه الترجمة، وكما هو الحال دائماً، حاسمة، فقد قال هايدغر: «قل لي ما رأيك في الترجمة، وسأقول لك من أنت»[4].

يبقى السؤال: هل «هولدرلن» هو بالفعل من يظن هايدغر أنه إياه؟ في القراءة التالية شديدة الاختصار للحظة واحدة من حوار هايدغر مع هولدرلن ـ أعني رأي الأول في ترجمة الإغريقي إلى الألماني والألماني إلى الألماني، أو بكلمات أخرى: ترجمة هولدرلن إلى هولدرلن ـ سوف نحاول معرفة إذا ما كان هولدرلن هو بعينه من يترجمه هايدغر إليه، أم إذا ما كان لا يظل دائماً شخصاً آخر[5].

المقالة

اتبعت محاضرات هايدغر حول ترانيم هولدرلن المتأخرة مساراً من وإلى تعليقات هايدغر على عمل هولدرلن «دِر إستر» عبر استطرادات طويلة حول تحديد الإغريق لجوهر الإنسان كما وردت في مسرحية سوفوقليس: «أنتيغوني». يستند هذا الاستطراد إلى اليونان القديمة ـ وبذلك اكتمل تفسير هايدغر لهولدرلن ـ وكالعادة على ترجمة من اللغة الإغريقية. التالي هو النشيد الكورالي الثاني من أنتيغوني، وخاصة جملة واحدة من بدايته، ترجمها هايدغر بالشكل التالي[6]:

Vielfنltig das Unheimliche،nichts doch

über den Menschen hinaus Unheimlicheres ragend sich regt

الجملة نفسها ترجمها رالف مانهايم بدوره إلى ما يلي: «ثمة الكثير مما هو غريب، ولكن لا شيء يفوق الإنسان في غرابته»[7]. تشكل هذه الافتتاحية نوعاً من الأحجية: لماذا وكيف يكون الإنسان أغرب من الغريب وأكثر إدهاشاً من المدهش؟ ولا يمكننا أن نعتبر أن الأبيات التالية تشكل الإجابة عن السؤال: يخرج الإنسان إلى البر والبحر، ويتسيَّد الأرض وحيواناتها، ويعلِّم نفسه اللغة والتفكير، ويعالج الأمراض، ولكنه ينتهي به الأمر إلى لا شيء لأنه غير قادر على الهرب من مصيره المحتوم: الموت. بغض النظر عن «الجواب» حول أحجية الإنسان، فإنها تتعلق بما يقع ضمن قدرتنا على التصرف بشأنه، وما لا يمكننا فعل أي شيء بشأنه، أي بحياة الإنسان وموته. يترجم هايدغر الكلمات اليونانية دينون وديناتاتون بالكلمة الألمانية: unheimlich، التي يمكننا أن نترجمها إلى: مدهش، وهذه بحد ذاتها إجابة للأحجية: رواية لحياة الإنسان وموته، وخروجه الدائم إلى ما هو مختلف، ولكن عودته التي لا مناص منها إلى ما هو دائماً ثابت ومتشابه.

لكن قبل أن ننتقل إلى «إجابة» هايدغر، أي تحديده لجوهر الإنسان بأنه أكثر الأشياء إدهاشاً بين كل ما هو مدهش، علينا أن نشير إلى أنها تختلف بعض الشيء عن «إجابة» هولدرلن، فقد ترجم هولدرلن افتتاحية هذا النشيد الكورالي من خلال تفسيره للكلمات الإغريقية ليس كـ«unheimlich» بل كـ «ungeheuer»:

Ungeheuer ist viel.

 Doch nichts

Ungeheuer als der Mensch.

(كثير ما هو مهول،

ولكن لا شيء

مهولاً أكثر من الإنسان).

يعي هايدغر بالطبع هذا الفرق وما يبدو كغرابة تفسير حوار هولدرلن مع سوفوقليس من دون استخدام ترجمة هولدرلن الخاصة لسوفوقليس، لكنه يقول: «بما أن هولدرلن نفسه قد ترجم كامل مسرحية سوفوقليس أنتغوني فمن المناسب أن نستمع إلى هذا النشيد الكورالي من خلال ترجمة هولدرلن نفسه. لكن هذه الترجمة لن تكون مفهومة إلا على أساس «الترجمة الهولدرلينية» بكاملها، وهي بدورها لن تكون مفهومة إلا من خلال قربها المباشر من الكلمات الإغريقية الأصلية».

بعبارة أخرى: لا يريد هايدغر أن يقتبس ترجمة هولدرلن لأنه لا يريد أن يضع هذا الاقتباس خارج «سياقه». ولا ينبغي لنا أن نفهم «السياق» بمعناه العادي، فكما أشار بارتياع الكثير من علماء اللغة الألمانية، لم يكن لدى هايدغر أيُّ مشكلة في الاقتباس من هولدرلن «خارج السياق»، بل ذهب بعضهم إلا أن مشروع تفسيره لهولدرلن بكامله يقوم على الانتزاع الاعتباطي لأبيات شعر هولدرلن وجعلها تعني أشياء مختلفة عما تعنيه «في سياقها»!

لا! ما يعنيه هايدغر بقوله: «إلا على أساس «الترجمة الهولدرلينية» بكاملها» هو أكثر من ذلك بكثير، ما يعنيه هو أن ترجمة هولدرلن للنشيد الكورالي لن تكون مفهومة إلا على أساس فهمنا لكامل مشروع هولدرلن لترجمة ـ حمل ونقل ـ الإغريقية والإغريق؛ أي فقط من بعد أن نفهم تفسير هولدرلن لخصوصية الإغريق التاريخية وخصوصيتنا التاريخية «الهيسبرية» التي نتميز بها، وأوجه التشابه والاختلاف بينهما. بعبارة أخرى؛ إن سبب عدم اقتباس هايدغر لهولدرلن هنا هو طبيعة الترجمة نفسها وجوهرها، فبحسبما قاله هايدغر في «ملاحظة حول الترجمة» وضعها مباشرة بعد اقتباسه المترجم من النشيد الكورالي، فإن الترجمة ليست استبدال كلمة بلغة بكلمة من لغة أخرى وكأن الكلمتين ستتلاقيان مع بعضهما. على أي ترجمة أن تكون تفسيراً، لا ينبغي لها أن تكون خطوة تحضيرية أمام التفسير بل عليها أن تكون دائماً نتيجة للتفسير. يتابع هايدغر قائلاً: «لكن العكس أيضاً صحيح، فكل تفسير وكل شيء يخدمه هو بدوره ترجمة؛ فالترجمة لا تسير فقط بين لغتين، بل ثمة ترجة ضمن اللغة الواحدة نفسها أيضاً، وتفسير ترانيم هولدرلن هي ترجمة داخلية ضمن لغتنا الألمانية». ثم يعود هايدغر ليلخص: «كل ترجمة هي تفسير وكل تفسير هو ترجمة، وبقدر ما هو ضروري لنا أن نفسر الأعمال الفكرية والشعرية المكتوبة بلغتنا فإن هذا يشير إلى أن كل لغة تاريخية هي في ذاتها ولذاتها بحاجة إلى الترجمة، وليس فقط بالعلاقة مع لغة أجنبية. هذا بدوره يشير إلى أن كل شعب تاريخي يشعر أنه في وطنه في لغته ولكن ليس من لغته بحد ذاتها، وليس من دون إسهاماتها (تصرفها في الإضافة). ولهذا فلربما نكون نتكلم «الألمانية» ولكننا في الواقع لا نتكلم إلا «الأمريكية»)، وهذا بحسب محاضرات هايدغر لسنة 1942 هو أسوأ ما يمكننا فعله، فما أسماه في هذه المحاضرات بـ«Amerikanismus» (التأمرك) هو أمر خاو على التاريخي بل لا تاريخي، وليست «البلشفية» إلا صورة منحطة من هذا التأمرك).

إذا كان الأمر كذلك، فلا تنحصر الترجمة بما يحدث بين اللغات المخلفة، بل تمتد إلى ما يحدث (دائماً وبالفعل) ضمن  اللغة الواحدة نفسها، فلا غرابة إذن حين نرى أن هايدغر وفي محاولته لتفسير الإغريق وهولدرلن، ولتفسير الحوار بين هولدرلن والإغريق، لا يقوم (بل لا يقدر على) استخدام ترجمة هولدرلن «الخاصة»، بل عليه أن يعيد ترجمة إغريقية سوفوقليس وكذلك ألمانية هولدرلن. بالنسبة إلى هولدرلن، الألمانية ليست شيئاً خاصاً به، ليست «ألمانية» بحق، بل ليس لها كيان في حيثية تاريخية حقيقيّة إلا في حوارها مع الإغريق ـ كما أن «شعباً تاريخياً لا وجود له إلا على أساس حوار لغته مع اللغات الأجنبية».

هكذا، وحين يعيد هايدغر ترجمة الكلمة الإغريقية، المعامل المجهول المرتبط مع تحديد الإغريق لجوهر الإنسان، فإنه يشير بكلمته الخاصة «unheimlich» (مدهش) بدلاً من كلمة «ungeheuer» التي استخدمها هولدرلن، لم يقم باستبدال اعتباطي لكلمة بأخرى، بل قام بتفسير يقول الشيء ذاته الذي قاله هولدرلن من قبله، فإن «قول الأمر ذاته» لا يعني مجرد «قول أمر مطابق» فكما يقول هايدغر: «المشابه ليس مشابها حقاً إلا في المتباين». حتى نفكر بالطريقة ذاتها التي كان هولدرلن يفكر بها فإنه من الضروري لنا أن نقول ما لم يقله، أو بكلمات أخرى: أن نقوله بشكل مختلف، أن نشير إلى ما قاله «بعبارة أخرى». لهذا استخدم هايدغر الكلمة التي انتقاها في الترجمة وليس كلمة هولدرلن، فالـ«مدهش» يقول ما يقوله «المهول» بعينه ولكن فقط لأنه يقولها بطريقة مختلفة!

كما هو واضح، فإن كامل ثقل فكر هايدغر ـ حول المشابه والمطابق وحول ما يطلق عليه فيليب لاكو لابارث اسم: «منطق الغلو البياني» (hyperbologic)  المشير إلى أنه وباختصار كلما كان الاختلاف أكبر كلما كان التشابه أكثر- يمكن له أن يستخدم ليقدم تبريراً لإعادة الترجمة هذه، لكن تظل هناك أسئلة أولها: علينا أن نتساءل إذا ما كان «مدهش» هايدغر يحافظ على الفرق الداخلي المناسب لـ«مهول» هولدرلن، أي إذا ما كانت إعادة الترجمة تترجم ترجمة الكلمة لذاتها.

ما الذي يحدث حين نترجم معامل الإغريق المجهول ـ أي تحديدهم لطبيعة جور الإنسان ـ على أنه «مدهش» بدلاً من «مهول»؟ وبما أن السؤال حول معامل الإغريق المجهول هو بعينه سؤال الترجمة  ـ أي الخروج إلى المختلف والعودة إلى المشابه ـ فإن هذا السؤال يطرح سؤالاً آخر: ماذا يحدث إذا ترجم المعامل المجهول في الترجمة ـ ترجمة الترجمة في حقيقة الأمر ـ على أنه «مدهش» بدلاً من «مهول»؟

لن يكون بالطبع هناك مشكلة لدى هايدغر في حل الأحجية: ما يحدث هو أننا وأخيراً سنبدأ في فهم هولدرلن. بعبارة أخرى: إن إعادة ترجمة النشيد الكورالي الذي قام بها هايدغر هي التفكير بطريقة هولدرلنية أكثر من هولدرلن نفسه، كما أن فهم الإغريق هو «التفكير بطريق إغريقية أكثر من الإغريق أنفسهم»؛ وقد أشار الكثير من المعلقين إلى أن هايدغر في ترجمته من الإغريقية اتبع مساراً شقه هولدرلن من قبله في ترجمته، أي مساراً «متشائماً» في قراءة النشيد الكورالي؛ فلم ير فيه نشيداً يتغني بمجد الإنسان بل كتساؤل حول الإنسان ككائن مهول متجاوز لقدره في تجاوزاته وكإنسان يحمل في كيانه فكراً ومجالات لا تتناهى ولكن مقابل خلفية تناهيه الجوهري.

كيف يكون هايدغر أكثر هولدرلنية من هولدرلن إذا ترجم العبارة كـ«مدهش» بدلاً من «مهول»؟ يفكر هولدرلن في «الدهشة» التي يبثها الإنسان على أساس ما يسميه هو: قانون التاريخ، أو بعبارة أدق: «قانون التاريخية»؛ يمكننا أن نصف هذا القانون على أنه «التشاجر بين ما هو أجنبي وما يعود إلى الشخص نفسه»، وهذه هي «الحقيقة التأصيلية للتاريخ»؛ فإذا كان الإنسان «مدهشاً»، بل أكثر الأشياء المدهشة إدهاشاً، فإن هذا يعود إلى كون جوهره يتألف من «يصير إلى الكينونة في الوطن»، وإذا كان جوهره يتألف من «الصيرورة إلى الكينونة في الوطن» فإن هذا يعني أنه وفي الوقت ذاته «لا يكون في الوطن»، وهذه الكينونة في الوطن وعدم الكينونة فيه تتضمن كل واحدة منهما الأخرى وتتبادلان بينهما تعريف جوهر الإنسان: إذا كان على الإنسان أن يصير إلى الكينونة في الوطن، فهو إذن لا يكون في الوطن؛ وإذا لم يكن الإنسان في الوطن، عليه أن يصير إلى الكينونة في الوطن.

إن الصيرورة إلى الكينونة في الوطن ـ الذي هو ما ينتمي إلى الشخص نفسه ـ هو الهم الوحيد لشعر هولدرلن الذي دخل إلى شكل «الترنيمة». حيث إن الترنيمة بالطبع لا تنتمي إلى مخطط أدبي وشعري محدد، بل تقرر جوهرها على أساس مقولة الصيرورة إلى ما ينتمي إلى الشخص نفسه. ما ينتمي إلى الشخص نفسه هو الأصلي للألماني، وما هو أصلي هو في وطنه مع الأرض الأم. هذه الصيرورة إلى الكينونة في الوطن في ذلك الذي ينتمي إلى الشخص نفسه يشتمل في نفسه على أن الإنسان قبل كل شيء ولوقت طويل بل وفي بعض الأحيان لجميع الأوقات ليس في الوطن. وهذا بدوره يشتمل بدوره على أن الإنسان يخطئ وينكر ويهرب مما هو في الوطن، ولربما أيضاً ينكره. وبهذا فإن الصيرورة إلى الكينونة في المنزل هي بطبيعتها مرور عبر ما هو أجنبي.

أعطى هايدغر «قانون التاريخية» هذا ـ الذي يشير إلى التضمن المتبادل والتشاجر بين عدم الكينونة في الوطن والصيرورة إلى الكينونة في الوطن ـ تفسيراً أنطولوجياً؛ أي من حيث مشروع هايدغر الأنطولوجي الأساسي في كتابه «الكينونة والزمن». هذا التفسير الأنطولوجي هو أن كون الإنسان «مدهشاً» يعود في أصله إلى كونه في الحقيقة «بلا وطن»، وهذه الكينونة بلا وطن تجد أصلها الخفي في علاقة الإنسان بالوجود. باختصار: «يعود جوهر الإدهاش الذي يحظى به الإنسان في كونه بلا وطن، ولكن هذه الحالة من اللاوطن هي ما هي إياه نتيجة هذا: أن الإنسان إذا كان لديه أي وطن أصلاً فهو الوجود».

تتيح قراءة «الإدهاش» على أساس «الإدهاش»، ومن بعد ذلك على أساس علاقة الإنسان بالوجود المجال أمام هايدغر كي يفسر النشيد الكورالي على أساس الفارق الأنطولوجي بين الوجود والموجودات؛ يعني أن الإنسان يخرج ويسعى لأن يجد وطنه في الموجودات ويسود عليها من خلال عقله الفائق الذي يهديه إلى العلوم والتكنولوجيا لكن تناهيه الجوهري يدعوه ويجذبه ويعود به إلى اللّاشيء نفسه، أي إلى موته. هذا اللاشيء هو لاشيئية الوجود، المكان الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يكون فيه في الوطن.

باختصار، ينبع إدهاش الإنسان من جوهر عدم كينونته في الوطن وصيرورته إلى الكينونة في الوطن، ولذلك فليس لدى هايدغر أي مشكلة في تفسير «مهول» هولدرلن على أنه هو بعينه «المدهش»: «المهول هي في الوقت ذاته وبالمعنى الأصح: غير المألوف. أما المألوف فهو القرب، الكينونة في الوطن. المهول هو عدم الكينونة في الوطن». إذا كان المدهش يعني عدم الكينونة في الوطن، وإذا كان المهول يعني عدم الكينونة في الوطن، فعندئذ المهول يعني المدهش، وبهذا يبرر هايدغر قيامه بإعادة الترجمة: «حين نترجم دينون بكلمة «المدهش»، فنحن نفكر في اتجاه غير المألوف».

باختصار، يترجم هايدغر ذهاب هولدرلن وإيابه على أساس جوهر الذهاب والإياب: من هولدرلن إلى الإغريق وعودة. ولذلك فلا غرابة حين نجد أن هايدغر لم يجد أي مشكلة في تفسير الأبيات الغامضة من قصيدة «دِر إستر» التي تقول:

Der [the ster] scheinet aber fast

Rukwarts zu gehen und

Ich mein،er musse kommen

Von Osten.

Vieles ware

Zu sagen davon.

(ولكنه [نهر إستر] يكاد يبدو

وكأنه يذهب إلى الخلف و

أعني، أنه لا بد أن يأتي

من الشرق.

يمكننا قول الكثير

عن هذا)

إذا كان نهر الإستر ـ وهو الاسم اليوناني لنهر الدانوب ـ يبدو وكأنه يتردد عند مصدره وأصله في ألمانيا قبل أن يستمر في مساره من الغرب إلى الشرق، وبهذا يبدو وكأنه يسير إلى الخلف (أي من الشرق إلى الغرب بحيث يحسبه من يراه أنه يأتي من الشرق) فإن هذا ليس فقط بسبب صعوبة تناسي الأصل والمصدر، بل لأن نهر الإستر يلبي قانون التاريخية؛ أي أنه يصير إلى كونه في الوطن من خلال الخروج إلى ذلك الذي هو أجنبي والعودة منه؛ الشجار بين «عدم الكينونة في الوطن» و«الصيرورة إلى الكينونة في الوطن». وقد لبى دائماً هذا القانون من منبعه وأصله حين دعى البطل اليوناني هرقل كضيف ـ كما أشارت المقطوعة الثانية من القصيدة إلى ذلك- حين جاء هرقل إلى منبع نهر الإستر الظليل ليبحث عن شجرة زيتون ظليلة ليزرعها في حلبة الاحتفالات بالألعاب الأولمبية التي لا ظل فيها.

كتب هايدغر: «الإستر هو النهر الذي يكون الأجنبي فيه ضيفاً وحاضراً بالفعل عند مصدره، النهر الذي في تدفقه يتكلم دائماً الحوار بين ما ينتمي إلى الشخص نفسه وما هو أجنبي عنه». إذا كان نهر الإستر عند منبعه يبدو وكأنه يعود إلى الخلف، وكأنه يأتي من الشرق، فإن هذا بسبب كون أجنبيته واقعة عند مصدره، هي دائماً موجودة من قبل وبالفعل عند المصدر الخارج إلى الأجنبي والعائد دوماً إلى أرض الآباء. نهر الإستر لا يريد الذهاب إلى الشرق لأنه دائماً وبالفعل ومن مصدره قد ذهب إلى الشرق وقد عاد إلى الغرب، محققاً بذلك مصيرة التاريخي الحقيقي، وجوهره الحقيقي.

إن هذه صورة مختصرة وغير كافية حول تفسير هايدغر للذهاب والإياب عبر الذهاب والإياب، لكنها تكفي للإشارة إلى «القانون» الذي يحكم تفسيره لهولدرلن، فهذا «القانون» هو قانون التاريخ نفسه «الذي بحسبه يكون ما ينتمي للفرد نفسه أبعد الأشياء عنه والطريق المؤدي إلى ما ينتمي إلى الفرد نفسه أطول الطرق وأشقها» ويجد جذوره في التفسير الأنطولوجي لجوهر الإنسان التاريخي. لهذا السبب فلا فائدة ترجى من الاعتراض على تفسير هايدغر على أساس «لغوي فيلولوجي» غير ناضج، فإذا كان هايدغر يفسر هولدرلن «خارج إطاره» من الناحية اللغوية، فإن السبب في هذا هو أنه يفكر في قصائد هولدرلن من حيث «سياق» أكثر صرامة وشدة، أعني الأنطولوجية الأصولية ورؤيتها للعلاقة بين المعنى الظاهر وغير الظاهر، بين ما قيل وما لم يُقَل، ما تم التفكير به وما لم يفكَّر به، وهذا السياق أضيق وأدق من أي سياق تقدر مجرد الفيلولوجيا عن الخروج به (إذ إنها ومن حيث هي مجرد فيلولوجيا لا يمكنها أن تفكر في جوهرها ولذلك عليها دائماً أن تفسر على أساس تفسير لا فكري (ميتافيزيقي) للوجود).

لكن يظل بإمكاننا أن نطرح سؤالاً: الطريقة الزائغة في صياغة هذا السؤال هي أن نسأل إذ ما كان تفسير هايدغر لـ«مهول» هولدرلن على أنه غير المألوف، وغير المألوف بدوره على أنه المدهش يترك أي شيء وراءه، أي يترك فرقاً يترجم نفسه من نفسه لم يحصل من خلال تحويل المهول إلى غير المألوف. من الواضح أن هذه الإشكاليات اللغوية التي تتفرد بها اللغة الألمانية لا تظهر حين تترجم الكلمة إلى لغة أخرى، فما تعنيه هو «المهول»، وقد يترجم على أنه الوحشي، ما ينسبب إلى الوحش، وحشية الإنسان وهوله والوحش الذي هو الإنسان (وما يؤيد كون هولدرلن يعني –ولو إلى حد ما ـ «الوحش» بترجمته ما ورد في عباراته الشهيرة حول «التراجيدي» في «ملاحظات إلى أوديبوس»: «يعتمد تمثيل التراجيدي بالدرجة الأولى على فكرة أن الوحشي ـ أي الطريقة التي يجتمع فيها الله والإنسان ـ حيث تتحد القوة الطبيعية مع الجزء الأكثر بطوناً من الإنسان ويصبحان واحداً لا حد له يعج بالغضب، وتفهم عبر التطهير، عبر انشطار لا حد له وفعل لا متناه من الصيرورة إلى واحد».

أما الطريقة الأقل زيغاً في طرح السؤال حول هذا الهول أو الوحشية المفرطة (في الترجمة) فسوف تكون من حيث «قانون التاريخ» الذي خرج به هايدغر، فحين يفكر هايدغر بالطريقة ذاتها التي يفكر بها هولدرلن ويتذكر أن يقول ما قاله هذا الأخير بشكل مختلف، أن يقول ما قيل في تمايزه عن نفسه، وباختصار: يتذكر أن لدى هولدرلن «لغته الخاصة» فقط من حيث الحوار مع لغة الإغريق الأجنبية، فهل يتذكر عندها أيضاً أن يفكر بالطريقة ذاتها في الإغريق واللغة الإغريقية في تمايز هذه اللغة عن نفسها، باختصار: يتذكر أن لدى الإغريق أيضاً «لغتهم الخاصة» فقط في حوارها مع لغة أجنبية؟  بعبارة أخرى، نحن نسأل عن رسالة هولدرلن الأولى الشهيرة إلى بوهلندورف (4 كانون الأول 1801) وتفسيرها لظروف كتابة الشعر بالنسبة إلى الإغريق وإلينا نحن الهسبريين من حيث العلاقات الدائمة التباين بين ما ينتمي إلى الشخص نفسه وما هو أجبني عنه سواء بالنسبة إلى الإغريق أم بالنسبة إلينا نحن. ظل هايدغر يشير إلى هذه الرسالة والمخطط الشعري الذي تحتويه خلال كامل المائتي صفحة التي تألفت منها محاضراته (مثل نسخته المختصرة من «قانون التاريخ: « ما ينتمي للفرد نفسه أبعد الأشياء عنه والطريق المؤدي إلى ما ينتمي إلى الفرد نفسه أطول الطرق وأشقها»)؛ لكنه بالإضافة إلى ذلك يعطي تفسيراً أدق وأوضح من أي موضع آخر من عمله.

باختصار: المخطط يسير بالشكل التالي: الشيء القومي والطبيعي، الذي ينتمي إلى الإغريق، الشيء الذي «يولدون فيه»، هو ما يشير هولدرلن إليه بـ«النار من السماء» و«الحنان المقدس»؛ أما الشيء الأجنبي والذي يحتاج إلى أن يستولي عليه الإغريق فهو ما يوصف بأنه «وضوح التمثيل» و«الصحو الجونوي[8]». بالنسبة إلينا نحن الهسبريّين فالأمر معكوس، فإن طبيعتنا، ما نولد به، وهذا الذي ينتمي إلينا هو هذا «الوضوح في التمثيل» و«الصحو الجونوي»، أما ما هو أجنبي عنا ونحتاج إلى أن نستولي عليه فهو «النار من السماء» و«الحنان المقدس». فما ينتمي إلى الإغريق هو الأجنبي بالنسبة إلينا، وما هو أجنبي بالنسبة إلى الإغريق طبيعي بالنسبة إلينا؛ فثمة تقاطع منعكس في علاقات الذاتي والأجنبي بيننا وبين الإغريق، ومن السهل علينا اكتشاف السبب: ما نولد فيه وما هو طبيعي وقومي ومناسب لنا هو تماماً ما استولى عليه الإغريق الذين تختلف طبائعهم عنا: أعني ثقافتهم؛ فإن طبيعتنا هي الثقافة الإغريقية. لتشعبات هذا الانعكاس نتائج بعيدة التأثير منها أنها تعني أننا نحن الفنانين الهسبريّين لا يمكننا أن نكتفي ببساطة بتقليد الفن الإغريقي وبأن نتعامل معه وكأنه «طبيعة» نقلدها، لأن هذا الفن إنما هو استجابة لطبيعة تختلف عن طبيعتنا. باختصار، ما يعنيه هذا هو ـ وكما عبر عن ذلك بيتر زنودي[9] ـ رفض بالجملة للكلاسيكية الفنكلمانية[10]، لكن هذا لا يعني تخلّياً  كامِلاً وبالجملة عن الإغريق؛ لأنه وكما يقول هولدرلن فعلى الإنسان أن يتعلم ما ينتمي إليه بقدر ما عليه أن يتعلم ما هو أجنبي عنه، والسبب في ذلك هو لأن هذا الشيء هو ما ينتمي إلينا، لأنه هو الطبيعي والقومي الذي نولد فيه، هذا ما يجعل من الصعب علينا أن نستخدمه بحرية؛ ولهذا السبب فلن نتفوق أبداً على الإغريق في «وضوح التمثيل» و«الصحو الجونوي»، لأن هاتين الصفتين تولدان معنا ولكنهما أجنبيتان عنهما (ولهذا فهما أسهل للإغريق ويمكنهم استخدامهما بحرية أكبر).

على جميع الأحوال، ثمة الكثير الذي يمكننا قوله حول هذا الموضوع، ولكننا هاهنا نهتم بشكل أكبر بما يفعله هايدغر وما يُفعل بهايدغر حين يفسر هذه الرسالة ومخططها التاريخي. مع أن هايدغر يتبع الرسالة دون تغيير ولا تحريف في تفسير لها، إلا أنه يقوم بنقلة طفيفة حين يطبق مشروع الرسالة (ما ينتمي إلى الشيء وما هو أجنبي عنه) ليفسر قصيدة «الإستر» والتحديد الإغريقي لجوهر الإنسان؛ وبينما يحافظ مشروع هولدرلن على ثنائية باطنية بين ما ينتمي إلى الشيء وما هو أجنبي عنه، وسواء أكان هذا بالنسبة إلى الإغريق أم بالنسبة إلينا؛ فإن هايدغر يساوي بين «هسبريا» (التي يشير إليها في هذه المحاضرات ببساطة كـ«ألمانيا» أو «الألمان») مع ما ينتمي إلى الشيء، والإغريق مع ما هو أجنبي عنه، ومن خلال فعله هذا يغير مصطلحات مشروع هولدرلن الثنائي الأقطاب المتفرق بين «نحن» (الهسبريّين، الألمان) وبين الإغريق، أو بين ما ينتمي إلى الشيء وما هو أجنبي عنه، وبهذا فهو يقلص نسخة هولدرلن من هذه العلاقة إلى مجرد واحدة من بنودها. لكن ليس هذا فقط هو ما يفعله، بل الأهم مما يفعله بمخطط هولدرلن هو ما يفعله بـ«إغريق» هولدرلن. فرغم أن هايدغر ظل قادراً على المحافظة على بعض الثنائية ـ أو التمايز الباطني ـ فينا نحن الهسبريّين ـ أو الألمان ـ بقدر ما نحن نكون أنفسنا فقط من خلال الحوار مع الأجنبي، الإغريق ـ والمساواة بين الإغريق وبين ما هو أجنبي، إلا أنه لم يتمكن من الحفاظ على تمايز الإغريق عن أنفسهم، على «حوارهم» الخاص بين ما ينتمي إليهم وما هو أجنبي عنهم. فهايدغر حين يشير إلى الإغريق ببساطة على أنهم «الأجانب»، فهو يهدم عنهم ما ينتمي إليهم وما هو أجنبي عنهم؛ وهذا واضح خلال تفسيره في مساواته بين ما هو أجنبي والإغريق والإغريق مع الشرق والجنوب، النار من السماء. باختصار: ما يفعله هايدغر حين يدعو الإغريق أجانب عنا هو ببساطة عكس لمصطلحات هولدرلن ويسمي ما يعتبره هولدرلن على أنه ما ينتمي إلينا ـ أعني وضوح التمثيل والصحو الجونوي (أو بعبارة أخرى: الحضارة اليونانية) ـ أجنبياً عنا، ومن خلال فعله ذلك يحول ما هو شديد الأجنبية عنا  ـ أي الطبيعة الإغريقية، ما هو طبيعي لهم وينتمي إليهم، أي نار السماء والعطف المقدس ـ ما ينتمي إليها، أي اليوناني.

يزيد اتضاح كون هذه النقلة تمحو تمايز الإغريق الداخلي مع أنفسهم إذا ما عرفنا طبيعة الإغريق، أي ذاك الذي ينتمي إليهم، أي «النار من السماء» أو «الحنان المقدس» على أنه الشرق، أو كما تعرفها بعض نصوص هولدرلن (مثل هايبيرون والنسخة الثالثة من مسرحية إمبدوقليس) على أنها مصر والمصريون. ما يعنيه هذا هو أن طبيعة الإغريق، أو ما ينتمي إليهم، هو في الواقع حضارة شخص آخر: النار الشرقية المتنزلة من السماء والحنان المقدس (كما أن طبيعتها الهسبرية، أي ذالك الذي ينتمي إلينا: الوضوح الإغريقي في التمثيل والصحو الجونوي هو في الواقع حضارة أحد آخر).

من الشرعي لنا أن نقرأ مخطط هولدرلن بهذه الطريقة، لكن ما يحدث بعد ذلك هو أن هايدغر، وفي تعريفه للإغريق كالأجانب (لنا) يحول مخططاً تاريخياً ذا ثلاث مراحل (الشرق، اليونان، هسبريا) إلى مخطط ذي مرحلتين تتألفان من اليونان وهسبريا. بعبارة أخرى؛ يحول هايدغر مشروع «نحن» (الهسبريّين) و«هم» (الإغريق) و«ما ينتمي إليهم» (الشرق) إلى مجرد نحن (الهسبريّين أو الألمان) مقابل هم (اليونانيّين).

إن تحويل الإغريق إلى مجرد ما هو أجنبي لنا (بينما كانوا يمثلون بالنسبة إلى هولدرلن «ما ينتمي إلينا) يعني تقويض أسس الطبيعية والثقافة اليونانية، ويترتب على ذلك إلغاء التمايز الشاسع الموجود في طبيعية الإغريق: أي الشرق، مصر إلخ. يمكننا أن نستقرئ إلغاء الشرق هذا في تفسير هايدغر لهولدرلن والإغريق حيث يقلص هايدغر باستمرار ما يشير إليه هولدرلن على أنه مشروع ثلاثي الأبعاد: الشرق، اليونان، هسبريا، إلى مشروع ذي بعدين فقط. في قصيدة «الإستر» مثلاًـ يعبر هولدرلن عن الأبعاد الثلاثة من خلال أسماء أنهار ثلاثة، أحدها شرقي (نهر السند) والثاني إغريقي (نهر ألفيوس) والثاث هسبري (نهر الإستر):

Wir singen aber vom Indus her

Fernangekommen und

Vom Alpheus،lange haben

Das Schickliche wir gesucht,

Nicht ohne Schwingen mag

Zum Nنchsten einer greifen

Geradezu

Und kommen auf die andere Seite.

Hier aber wollen wir bauen

(ولكن، بالنسبة إلينا، فنحن نغني من السند

الواصل من البعيد، وكذلك

من الألفيوس، ولزمن طويل

بحثنا عما يناسب،

عسى الواحد، وليس بدون أجنحة،

أن يصل إلى ما هو أقرب

مباشرة

ويصل إلى الجانب الآخر.

ولكننا هنا نود أن نبني)

لكننا إذا جئنا هنا، إلى الغرب، إلى هسبريا، إلى الإستر:

Man nennet aber diesen den Ister.

Schِn wohnt er.

(لكن هذا يطلق عليه اسم الإستر

وهو يسكن، جميلاً)

فإذن القدوم إلى هنا يتم من الشرق، عن طريق اليونان، وما يعنيه هذا هو أنه لا يمكننا أن نفكر في أصلنا ومنبعنا فقط على أساس «نحن» و«الإغريق»، أو من خلال الإستر وضيفه الإغريقي هرقل، فالأصل ليس إغريقياً ـ ألمانياً ببساطة، بل «إغريقياً ـ شرقياً» (وبالأحرى: إغريقياً ـ شرقياً)، ما سيعطينا طريقة مختلفة تمام الاختلاف لقراءة الأبيات حول عودة الإستر إلى الخلف:

Der scheinet aber fast

Rukwarts zu gehen und

Ich mein،er musse kommen

Von Osten.

Vieles ware

Zu sagen davon.

(ولكنه [نهر إستر] يكاد يبدو

وكأنه يذهب إلى الخلف و

أعني، أنه لا بد أن يأتي من الشرق.

يمكننا قول الكثير عن هذا)

 أي أن الإستر يبدو وكأنه يكاد يذهب إلى الخلف، ليس من خلال التردد عن مصدره نفسه بحيث يبدو وكأنه يذهب من الشرق إلى الغرب، ولكن وكأن مساره الطبيعي يسير من الغرب إلى الشرق، وكأن أصله التاريخي هو في ألمانيا والغرب وليس في الشرق، الذي كان تاريخياً أصلنا نحن الآتي من السند عبر الآلفيوس، والذي لا بد له أن يأتي منه:

und

Ich mein،er müsse kommen

Von Osten

(وأعني

أنه لا بد أن يأتي

من الشرق)

ما يقوله هولدرلن باختصار هو أنه وبدلاً من الذهاب إلى الوراء ـ من الغرب إلى الشرق ـ فحتى يكون الإستر تاريخياً حقاً فإن عليه أن يأتي من الشرق (وسيدعم التضاد بين الذهاب والإياب هذه القراءة)، لا يمكن لهذه القراءة إلا أن تترك أثرها على «قانون التاريخ» الذي خرج به هايدغرـ  «ما ينتمي إلى الشيء هو أبعد الأشياء عنه» ـ ومنطق الغلو البياني القائم على «عدم الكينونة في الوطن» و«الصيرورة إلى الكينونة في الوطن»، فبحسب هولدرلن أبعد الأشياء عنا وأكثرها أجنبية ليست اليونان والإغريق ـ لأن هذا ما ينتمي إلينا ـ وإنما هو الشرق؛ وهو أبعد الأشياء عنا لأننا مقطوعون عنه بطبيعتنا الإغريقية، الميتافيزيقا والأنطولوجيا والإبستمولوجيا والأستطيقا الأغريقية التي تقوم عليها حضارتنا، فحين لا نكون في الوطن، حين نكون منفيين، فليس هذا بالعلاقة مع اليونان والإغريق، بل «بالعلاقة مع» الشرق. ولأن العلاقة بين الطبيعة والحضارة، بين ما ينتمي إلى الشيء وما هو أجنبي عنه (بكلمات أخرى: وضوح التعبير والصحو الجونوي من ناحية مقابل النار السماوية والحنان المقدس) هي بالنسبة إلى الشرق تماماً كما هي بالنسبة إلينا (وإلا فكيف كان من الممكن أن تكون النار الشرقية طبيعية للإغريق بحيث تنتمي إليهم؟). إن عدم كينونتنا في الوطن أو منفيين بالعلاقة مع الشرق تعني ألا نكون في الوطن، أو أن نكون منفيين، بالعلاقة مع أنفسنا، فلم تعد المسألة إغريقية ـ هسبرية أو يونانية ـ ألمانية، بل هسبرية ـ مشرقية أو ألمانية ـ شرقية.

باختصار، نحن لسنا في الوطن ليس لأننا منفيون من اليونان، بل لأننا وعبر اليونان أصبحنا منفيين من أنفسنا: الشرق، مصر إلخ، فالأمر ليس هو أننا لسنا في الوطن، بل أننا لسنا في الوطن بالعلاقة إلى عدم كينونتنا في الوطن، أو بعبارة أفضل: الأمر ليس هو أننا منفيون (من اليونان مثلاً)، بل هو إننا منفيون من النفي نفسه (أي منفيون عن نفي الإغريق) كما قال بلانشو في كتابته عن كافكا.

ما ثمة عودة عن هذا النفي (من النفي)، ولا حتى عودة إلى عبارات (أو «قواعد») تاريخية مثل «هسبريا هي الشرق»، أو «نحن المشرقيين (أو المصريين)» إلخ. لأن هذه ستطابق بين ما لا يمكن أن يتطابق ـ مما سيجعل جميع أنواع الهوية الذاتية مستحيلاً ـ من أي حيثية أنطولوجية، بعض النظر عن أصوليتها. بعبارة أخرى: ثمة فصل جوهري بين الهسبريين والشرق، واليونان هي هذا الفصل، وتعريف أنفسنا على أننا مشرقيون سيعني ـ ثانية ـ أن نقلص ما هو شديد الأجنبية عنا إلى ذلك الذي ينتمي إلينا، أي المشرقي إلى اليوناني. سيكون هذا وكأننا نقول: «نحن موتى» ونعني بهذا موت جميع الإغريق ـ أي ذاك الذي هو طبيعي لنا وما ينتمي إلينا ـ أي في موت يمكننا أن نتعرف فيه على أنفسنا. إن القول بأن «هسبريا هي المشرق» أو «نحن المشرقيين» تعني موت المشرق ـ ذاك الذي هو شديد الأجنبية لنا ـ وهو موت لا يمكننا أن نتعرف على أنفسنا فيه لأنه ليس موتنا (أي موت الإغريق)، أي أن لا نكون موتى لأنفسنا، بل موت «آخر»: أن تكون ميتاً بالنسبة إلى شخص آخر، موت بدون موت.

هذه إحدى الطرائق التي يمكننا أن نقرأ فيها تحديد هولدرلن لجوهر الإنسان على أنه المهول والوحشي: هول التاريخي ووحشيته، والتاريخ كالوحش.

ملاحظة أخيرة

من الطرائق الأبسط في التعبير عن هذا هو اقتباس مقطعين من مقالة كتبها بول دومان تحت عنوان «أحجية هولدرلن» تعود إلى السنة 1970، وتظل ـ بالنسبة إلى من هو قادر على «القراءة» ـ إحدى أفضل المقالات عن هولدرلن. الاقتباس الأول هو بيان لسبب اجتذاب مشروع هولدرلن لنقاد أصحاب توجهات طوباوية أو أخراوية: «يؤدي تحويل توجهات هولدرلن الهيلنية إلى مشروع تاريخي حرفي إلى تفسير للواقع يطمئن له بعض النقاد: خلال حقبة من التاريخ الذي هو جزء من حضارتنا كان الإنسان قادراً على أن يفكر في الألوهية على أنها حضور حقيقي لا تفصلنا عنها مسافاتُ تعالٍ وبُعْدٍ. إذا كان هذا ممكناً بالنسبة إلى وعي إنساني لا يختلف جوهرياً عن وعينا، فإنه يترتب على ذلك أن غياب الألوهية التي نختبرها اليوم كحقيقة يومية مؤلمة، قد تكون مجرد مرحلة مظلمة عابرة بين مرحلتين من الوحدة، واحدة كانت في الماضي والثانية ستأتي يوماً ما»[11].

مع أن هذا الاقتباس لا ينطبق مباشرة على تفسير هايدغر، وليس بدون بعض الترجمة حتى يتناسب مع ذلك التفسير لمصطلحات مثل «الوعي» و«الاختلاف الجوهري»، فإنه قريب بما فيه الكفاية من قانونه حول التاريخ، عدم الكينونة في الوطن والصيرورة إلى الكينونة في الوطن إلخ، وإجابة دومان ـ أي هولدرلن ـ لا تقبل أي حلول وسط: «تبدأ الحكمة الحقيقية في معرفتها بقلة فعاليتها هي نفسها، فحين يتحدث هولدرلن عن إمكانية وجود لحظات مستقبلية من البهاء التاريخي التي يمكننا مقارنتها مع ما كانت عليه اليونان في الماضي، فإنها تترافق مع معرفته المسبقة بأن الناس سيعون إنجازات تلك المراحل فقط حين تتوقف عن الوجود وتصبح بدورها جزءاً من الماضي. لا شيء أبعدَ من هذا عن المشاريع التي ترى التاريخ إما كفشل أو خلاص أخروي».

إذا شئنا وضع هذا في إطار قرائتنا لمخطط هولدرلن: إذا كان لنا نحن الهسبريّين أن نكون طبيعة يونان أخرى  ـ إغريق آخرين وآلهة إغريقية أخرى ـ فلا يمكننا فعل ذلك إلا من خلال موتنا، كما أن الشرق (أو المصريين) هم كذلك الآن، ليس بالضرورة موتى لأنفسنا بل بالنسبة إلى آخر. ستكون الحصيلة أن «اليونان» و«الإغريق» هو شيء نخترعه حتى لا نواجه هذا الموت الآخر: موت يذكرنا بأنه لم يكن ثمة إغريق قط أصلاً، وبالتالي فلم يكن هناك شرق ولا هسبريا (أو ألمانيا)، بل مجرد حركة وحشية مهولة من الامتلاء والاستنفاد تقوم فيها حركة التاريخ المهولة الوحشية[12].

[1]*- أستاذ النظرية الأدبية وفلسفة الأدب في جامعة بيل.

ترجمة: ر. طوقان ـ مراجعة د. جاد مقدسي

ـ العنوان الأصلي للبحث:  Monstrous History: Heidegger Holderlin.

ـ المصدر: منشورات جامعة ييل. Published by: yale University press. 2015.       

[2]ـ  معظم ما كتب في الولايات المتحدة حول ما يسمى بـ»التفكيكية» لا يعدو كونه رد فعل دفاعي للقيام بهذا الاحتواء، وما يذكرنا جاك ديريدا نفسه به في هذا الصدد لا شك يحتوي عبارات تعالج هذا الأمر حين يقول: «...لا تتبع السياسة فقط التوزيع التقليدي عبر إحداثيات تسير من اليسار إلى اليمين. قد تتبع القوة السلطوية القادرة على إعادة إنتاج نفسها وبراحة أكبر مساراً تقدم فيه «إعلانات» و«نظريات» يعكس محتواها نفسه انطباعاً ثورياً، ولكن تظل في حدود احترام طقوس الشرعنة، والأدبيات المؤسساتية ورمزيتها التي تبطل كل ما يأتي من خارج النظام وتحيده. ما ليس مقبولاً هو أن يكون ما يكمن خلف هذه المواقف والنظريات أمراً يزعج هذا «العقد» العميق الجذور، أي نظام هذه المعايير الاعتيادية، وأن يفعل ذلك حتى عبر شكل العمل الذي يتبعه سواء في تعاليمه أو كتابته». أنظر:

Jacques Derrida," The Time of a Thesis: Punctuations"،in Alan Montefiore،ed. Philosophy in France Today (Cambridge Cambridge University Press،1983),44.

[3]- "Only a God Can Save Us: Der Spiegel’s Interview with Martin Heidegger," Philosophy Today (Winter 1976): 281.

حدثت هذه المقابلة سنة 1966 ولكنها لم تطبع إلا بعد وفاة هايدغر بفترة قصيرة سنة 1976.

Der Spiegel،31 May 1976.

[4]-  Martin Heidegger،Holderlin's Hymne ‘Der Ister’( Frankfuramt Main: Vittorio Klostermann،19 84),76.

[5]ـ لقد كتبت هذه المقالة في الأصل لأجل اجتماع في شيكاغو سنة 1985، ونشرتها هنا دون تغيير رغم الجدل المشتعل مؤخراً حول هايدغر ودومان. فـ«لا قراءة» الصحافة الأكاديمية لا تغير أي شيء، على الأقل بالنسبة إلى عمل (وضرورة) القراءة. باختصار، بما أن «الشائعات» حول النصوص هي أمور لا تحصل (وبالتالي فهي ليست تاريخية) فإنها لا تغير أي شيء فيها وفي قراءتها.

[6]ـ هذه المحاضرات حول هولدرلن هي ثالث وآخر سلسلة المحاضرات التي ألقاها ما يذكر في صيف العام 1942.

[7]- Martin Heidegger،An Introduction to Metaphysics،translated by Ralph Manheim،(Garden City،New York: Doubleday،1961),123.

[8]ـ جونوي: إشارة إلى جونو، زوجة جوبيتر كبير الآلهة اليونانية. [المترجم].

[9]- Peter Szondi," Uberwindung des Klassizismus" in Holderlin-Studien (Frankfurt am Main: Suhrkamp،1967).

أنظر إلى قراءتنا لزنودي في:

"Holderlin in France"،in Readings in Interpretation: Holderlin،Hegel،Heidigger (Minneapolis: The University of Minnesota Press،1987].

ofM innesotaP ress,1 987).

[10]ـ في إشارة إلى يوهان يواخيم فينكلمان، عالم الآثار الألماني ومؤرخ الفن الذي قتل سنة 1768 والذي شكلت أعماله في تاريخ الفن اليوناني والروماني القديم الأسس التي قامت عليها الكلاسيكية الأوروبية المحدثة وأثرت في الكثير من عمالقة الأدب والفلسفة الألمانية من بعده. [المترجم].

[11]- Paul de Man،"The Riddle of Holderlin"،The New York Review of Books 15،no. 9 (19 November 1970):  47- 52.

[12]ـ  لعل هذا يكون الاتجاه الذي يفكر فيه هايدغر في «رسالته إلى النزعة الإنسانية» حين يقول: «لم نكد نفكر بعد في علاقتنا الغامضة بالشرق، والتي عبرت عنها كلمات قصائد هولدرلن». من القراءات «الشرقية» أو «المصرية» لهايدغر –حيث تستخدم هذه المصطلحات بمعناها الهولدرلني- قراءة جاك ديريدا لهايدغر وتراكل في ندوة ربيع 1985 في مقالة:

Geschlecht2: Heidegger’s Hand" in "Deconstruction and Philosophy ed. John Sallis (Chicago: University of Chicago P ress,1 987).