البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هايدغر بالعربية

الباحث :  موسى وهبه
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1636
تحميل  ( 333.559 KB )
  تقترب هذه المقالة من هايدغر لا على نحو العرض والتحليل والنقد، ولا على سبيل التأويل لفكره أو التعليق على مشروعه الفلسفي، هي حصراً ـ كما يذكِّر وهبه في مستهل مقالته هذه ـ مسعى لتحرِّي ومعاينة ما جاء باللغة العربية من نصوص مترجمة أو مؤلَّفة حول فيلسوف "الدازاين".

المقالة تضيء كما أشرنا، على إشكال قلّما أضيء عليه من طرف الباحثين العرب المهتمين بفكر هايدغر ومشروعه الفلسفي. وهنا على وجه الخصوص تكمن أهميتها.

المحرر

-------------------

لن أقدّم في ما يلي تأويلاً آخر لفكر هايدغر. ولن ألقيَ ضوءاً جديداً على زاوية لمّا تزلْ مُعتمة. بل لن أتكلم أصلاً على البادرة الهايدغرية. وقولي يقع دون استيضاح هذه البادرة وتفليتها. وانهمامي ينحصر، بالأحرى، بالنصوص العربية التي تناولت هايدغر تأليفاً أو ترجمة، وهي على الجملة مجموعة قليلة قابلة للحصر والتبويب وربّما التأريخ. لكني لا أُعنى بهذه الجوانب الآن بل أسلك درباً صارت سالكة منذ زمن قليل. أسأل فقط: كيف يمكن لقول هايدغر بالعربية أن يكون؟ وأفصّل قليلاً: هل يمكن قول هايدغر بالعربية أصلاً؟ فإن نعم فكيف كان ذلك وكيف يمكن لذلك أن يكون؟ 

والسؤال: هل يمكن قول هايدغر بالعربية؟ ليس مجرّد سؤال بروتوكولي نظراً إلى أنّ العربية لغة تضمر فعل الكون (sein) في الربط بين المبتدأ والخبر فلا يظهر هذا الفعل بشخصه كما قد يفعل في لغات أخرى.  ولا يظهر البتة في صيغة الحاضر.

 إلى ذلك يختصم أهل العربية أيّما اختصام في الكون والثبوت والوجود والوجد والتواجد، وسبق أن أشار الفارابي إلى أن «ليس في العربية منذ أول وضعها لفظة تقوم مقام «هست» في الفارسية ولا مقام «أستين» في اليونانية ولا مقام نظائر هاتين اللفظتين في سائر الألسنة.»... ومنذ أخبرنا أنّ بعض «الفلاسفة الذين يتكلمون بالعربية» وضعوا لفظة «هو« مكان هست وأستين، وأن آخرين استعملوا بدل الهو لفظة الموجود» و«استعملوا الوجود في العربية حيث تستعمل «هستي» بالفارسية، واستعملوا وجد ويوجد وسيوجد مكان كان ويكون وسيكون». (أبو النصر الفارابي: كتاب الحروف، تحقيق محسن مهدي، بيروت، دار المشرق الطبعة الثانية، 1990، ص112-113).

بل سبق أن أقدم الكندي على استعمال أيس وليس بدلاً مما سيشيع بعده من وجود وعدم (على ما يذكر أنطوان سيف: مصطلحات الفيلسوف الكندي، بيروت، الجامعة اللبنانية، 2003،

 مادة أيس وكون ووجود) وصولاً إلى ما أثاره ناصيف نصار في وجه شارل مالك الذي مال إلى نقل Existentialism بـ كيانيّة ودافع عن ميله في فصل طويل من المقدمة (راجع ناصيف نصار: مقالة في الوجود، بيروت، دار النهار، 2001)

أقول، في هذه اللغة التي حالُ الكون والوجود والأيس هي تلك الحال، هل يمكن قول هايدغر وهو على ما يُشاع ويعمَّم بالعربية «فيلسوف الوجود»، و«المؤسس الحقيقيّ للوجودية» على ما يقول عبد الرحمن بدوي (موسوعة الفلسفة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984)، أو هو صاحب «نصوص نسيان الكينونة» على ما يُعَنْوِن مطاع صفدي (العرب والفكر العالمي، العدد الرابع، بيروت، خريف 1988) ؟؟

الواقع، إن هذا الإشكال اللغويّ البنيويَّ لم يشكّل عائقاً يُذكر أمام الطموح العربيِّ إلى قول هايدغر، أو التوق العربي المضطرم وصولاً إلى الدعوة إلى «معاشرته واكتشاف لهجاته المضمرة مرّة بعد مرّة وصبراً بعد صبر، حتى الدخول معه في العشق الأخير» (العرب والفكر العالمي م.ن رئيس تحرير):

 فمنذ بدايات الأربعينات، على ما يذكر عبد الرحمن بدوي « نبّهنا طه حسين إلى إمكان استعمال لفظ الآنية ترجمة للكلمة الألمانية Dasein». بل قدّم بدوي أطروحته للدكتوراه في الفلسفة بالعربية بعنوان «الزمان الوجودي» وناقشها بالعربية أمام جمهور ضخم تجاوز الألف شخص في 29 مايو سنة 1944. وفيها يقول بدوي: «إسهامي في الوجودية إنما يرتبط مباشرة بوجودية هايدغر ويعدّ إكمالاً لمذهبه في عدة نواحٍ» (ع. بدوي: سيرة حياتي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000، الجزء الأول ص 178-179).

وصحيح أن بدوي انصرف بعد ذلك إلى تحقيقات تراثية وتأليفات إلا أنّه نشر في القاهرة منذ 1960 دراسات في الفلسفة الوجودية، خصص فيها فصلاً من ثماني صفحات بعنوان «هايدغر زعيم الوجودية»، وفصلاً آخر في موسوعته من ثلاث عشرة صفحة (موسوعة الفلسفة، الجزء الثاني)، وراجَعَ نصوصاً مترجمة لهايدغر على الأصل الألمانيّ وقدّم لها في 1964 (في: مارتن هايدغر: ما الفلسفة، ما الميتافيزيقا، هيلدرلين وماهية الشعر، ترجمة فؤاد كامل عبد العزيز ومحمد رجب السيد، القاهرة، دار النهضة العربية، 1964).

وسيكون علينا أن ننتظر 1986 لصدور مارتن هايدقار: معضلة الحقيقة، (ترجمة شهاب الدين اللعلاعي، الدار التونسية للنشر،) فاتحة لسلسلة فلسفية لم تصلنا حلقاتها الأخرى.  ولاحقاً، سوف تخصّص العرب والفكر العالمي في خريف 1988 محوراً يضمّ حوالي 90 صفحة مليئة من «نصوص نسيان الكينونة» بإشراف فريق الترجمة والمراجعة في مركز الإنماء القومي-بيروت.

يليه بتأخر نسبي كتاب: مارتن هايدغر، التقنية ـ الحقيقة ـ الوجود (ترجمة محمد سبيلا وعبد الهادي مفتاح نشر المركز الثقافي العربي، بيروت-الدار البيضاء 1995) في أكثر من مئتي صفحة نقلاً عن الترجمة الفرنسية.

 وصحيح أنّ ثمة كتاباً واحداً يخصّص لهايدغر بالعربية لكنه ليس كتاباً عمومياً عن هايدغر ولا تعريفاً مدرسياً بل كتاب ـ محاولة: essai بعنوان هايدغر ومشكل الميتافيزيقا تأليف محمد محجوب عن دار الجنوب، تونس، 1995 (وسأتوقف لاحقا عنده بالنظر إلى تفرده).

هذا بصرف النظر عن الاستناد إلى هايدغر أو الإحالة إليه في بطون المؤلفات والمقالات المنثورة في طول العربية وعرضها ومشاريع الترجمات المعلنة لنصوص أساسية له.

ليس هايدغر غريباً عن قوله بالعربية إذن ـ وإن كان اسمه نفسه يُكتب بأشكال  أربعة أو خمسة بالجيم والقاف والغين وبألف أو من دون ألف بعد الهاء وبألف أو من دون ألف في ما قبل الأخير- ليس هايدغر غريباً بل هو مقيم بالعربية، وإنْ بتقطّع، منذ ستين عاماً على الأقل.

لكن هذا القيام الواقعيّ (الوقائعي) لا يثبت أمام «النقد». والنص الهايدغري بالعربية أقل ما يُقال فيه إنه:

قلق المصطلح ومضطرب العبارة وبعيد المنال في الترجمات. والقول فيه معمِّم وابتدائيُّ وأحياناً متغاير في معظم مقدمات نصوصه والإشارات إليه حتى إذا ما حاول القولُ الإمعانَ في التخصيص والغوصَ في التفاصيل، اضطر إلى الاستعانة بالفرنسية كما فعل محمد محجوب وكأن العربية لم تعد تلبي.

 هكذا، ليس في العربية هايدغر واحد بل كثرة، يتحدد الواحد منها بمصطلحاته وبعض ما انكشف منه.

وأتفلّى قلق المصطلح في ما يعادل Sein ومشتقاته من مصطلحات عربية. وفي ما يعادل Zeit ومشتقاته ولواحقه وحسب، مهملاً الآن النظر في مصطلحات المنهج الفيميائي وملحقاته.

-2 وأبدأ بالزوج العربي: الوجود والموجود بإزاء ( Sein  وSeiend Etre et Etant). ويرد هذا الزوج عند معظم النقلة والمؤلفين فلا يشذّ عنه سوى فريق الترجمة والمراجعة في مركز الإنماء القومي (العرب والفكر العالمي، العدد الرابع)  وفي نص مديره العام مطاع صفدي (في نقد العقل الغربي، بيروت، مركز الإنماء القومي، 1990، ص271) حيث يُستبدل بزوج الكينونة والكائن.

ويعود فريق الوجود والموجود لينقسم على نفسه في المشتقات واللواحق:

 -21- فيلجأ التقليد البدوي (عبد الرحمن)، إضافة إلى الزوج المذكور، إلى قول Dasein بلفظ الآنية «وهو الموضوع الذي وضعه هايدغر لنفسه في كتابه الرئيس» على ما يقرر ع. بدوي الذي سرعان ما يسميه الوجود ـ هنا (في دراسات في الفلسفة الوجودية) والوجود ـ هناك (في موسوعة الفلسفة) ويقول علم «الوجود» كما هو متوقع بإزاء أنطولوجيا.

وإذ يخصّ بدوي الوجود بـ  Sein لا يترك لـ Existenz سوى «الوجود خارج الذات» (الموسوعة) أو سوى التخارج (دراسات) لا يسعه أن يشير إلى Existenzial إلا بلفظ: الخاصية الجوهرية لوجود الإنسان. وإذ يطلق لفظ الموجود بإزاء Seiend على «الأشياء والأدوات» أيضاً لا يعود بإمكانه تمييز «موجودية الإنسان» الذي وحده existe وبعبارة كان يفترض أن يقولها ع. بدوي: «الذي وحده يوجد خارج الذات»، من كائنية «الأشياء والأدوات» التي لا existe، والتي يفترض أن يقال فيها إذن: «لا توجد خارج الذات». لكن مثل هذه «الفضيحة» لا يتيسر لها أن تظهر بل عليها أن تستتر ليتابع بدوي التمييز في وجهة أخرى بين الموجود المعطى Vorhanden والوجود ـ في ـ متناول اليد Zuhandensein غافلاً هذه المرة عن أن الوجود لا يُطلق على «الموجودات» ـ بل تلك غفلة عامة (شبه عامة بالأحرى) في محاولة قول الملحق sein حيث يصح قوله غالباً بالمصدر الصناعي (المشتق من النسبة) (في محاولة قول In-der-Velt-sein بـ وجود ـ في ـ العالم مثلاً. حيث كان من الأنسب والأسهل أن يقال في ـ العالمية خشية ألا يعود ثمة فارق إلا إضافياً بين  Sein وDasein.

-211- ويتابع فؤاد كامل (مارتن هايدغر: ما الفلسفة...) تمييز بدوي لكنه لا يتركه من دون تسويغ فيقول: «يفرق هايدغر بين الوجود Sein والموجود تفرقة هي أقرب ما تكون إلى تفرقة الإسلاميين بين الوجود الذهني والوجود العينيّ» (كذا) ويعلن أنه تجنب الترجمة بكينونة وكائن لارتباطهما «بالمعنى الطبيعي أكثر من المعنى الأنطولوجي»، «هذا فضلاً عن أنهما غير شائعين مثل شيوع «وجود» و«موجود». (ص68 هامش15). فيتخذ من الشيوع حجة دامغة في تسويغ قول مصطلحات أقلّ ما توصف به أنها غير شائعة.

وإذ يقول الموجود الإنساني بإزاء  Dasein جرياً على الترجمة الفرنسية، يتابع إغفال الفارق بين الوجود والموجود فيقول الوجود العندي لـ Zu-sein والوجود الأمامي لـ Vor-sein والوجود المعي لـ Mit sein (بدلاً من العنديّة والأماميّة والمعيّة). ويقول بعد حديثه عن «الاهتمام» (Sorge) الذي يسري في دم الإنسان: «على هذا تكون الواقعية والوجود الماهوي والسقوط هي الخصائص الثلاثة المكونة للموجود الإنساني». ويضيف: «ولهذه الخصائص جذور في آنات الزمان الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل». على هذا الترتيب (ص10-11).

ويقتصر إسهام فريق بدوي على هذا الزمانيّ القليل رغم أن أطروحة بدوي كانت بعنوان «الزمان الوجودي». إلا أنه كان ظهر قبل نشر Zeit und Sein وقبل التعرف إلى محاضرة هايدغر عن الزمان في 1962.

ولا نعثر عند بدوي على ما يمكن أن يعيننا في نقل المصطلحات التي يعبّر فيها هايدغر عن تأمله في الزمان إلا ما يقدمه من صفة الزمان بقوله التزمّن من دون إثارة الفارق بين Temporalitنt وZeitlichkeit. وإلا على شيء مثل هذا في وصف «أدوار عملية التحقق عبر الفعل: «سيكون» معناها المستقبل و«قد كان» معناها الماضي و«كائن» معناها الحاضر». لكن بدوي سرعان ما يضيف: «وبهذا المعنى، وهذا المعنى وحسب، نفرّق في الزمان بين ماضٍ وحاضر ومستقبل» مهملاً بضربة واحدة إمكان الاستفادة من فعل الكون وغافلاً عن الانتباه إلى حاضرية الكائن. (وهذا ما سوف نثمّره لاحقاً).

 -212-وإلى جانب فريق بدوي يمكن أن تقع الجهود التي بذلها محمد سبيلا وزميله عبد الهادي  مفتاح في نقل نصوص أساسية لهايدغر (التقنية ـ الحقيقة..) وإذ يحافظ سبيلا وزميله على الزوج المذكور يضطران إلى قول Ek-sistenz بالوجود المُنفتح وإلى الاحتفاظ بـ دازاين، وإلى قلب توزيع المعاني على كائن ووجود وموجود فيكتبان نقلاً عن الفرنسية نصاً مثل هذا:

«في الدازاين يحتفظ للإنسان بالأساس الجوهري الذي ظلّ لزمن طويل بدون أساس، والذي يمكنه من أن يوجد وجوداً منفتحاً. و«الوجود» (Existence) لا يعني هنا «الوجود» (Existentia) كظهور لموجود معطى فقط. بل لا يجوز أن نفهم الوجود كمجهود وجودي أخلاقي... إذ الوجود المنفتح(Ek-sistence) من حيث إنه وجود متجذر في الحقيقة كحرية هو تعرّض أمام الطابع المنكشف للكائن من حيث هو كذلك»...إلى أن يقول: «...عند اللحظة التي يستشعر فيها أول مفكّر لا تحجّب الموجود  [Etant] ويبدأ فيها بالتساؤل عما هو الموجود[Etre]...الخ» (ص،25).وسأعود بتريث أكبر إلى سبيلا ومفتاح.

  -22-على الطرف الآخر من زوج الوجود-الموجود يتفرّد محمد محجوب، إذ يفكر مادّته. فلا يكتفي بتلخيص المعلومات أو تعليمها بل يعالج مشكلة فلسفية جديرة بأسلوب محكم ما زال قليل الانتشار في العربية المعاصرة  للأسف. وهو لا يتفرد باقتراح مصطلحات جديدة وحسب، بل يفكر هذه المصطلحات في سياق العرض باتساق مدهش في خضمّ الاستسهال المعمّم:

 فهو ينطلق من التمييز المتداول بين وجود وموجود (بإزاءSein وSeiend) ليقول تواجد (بإزاء Existenz) ربما لكون هذا الوزن (تفاعل) يحيل إلى الحضور ـ مع أو إلى مجرّد الحضور، ويتوسّع في هذا المعنى فيقول توجّدي بإزاء Existenzial تمييزاً له من الوجداني Existenziel(إنما من دون ان يشرح لماذا لم يقل تواجدي على القياس)

  ويولد (أو يُحدّث على حد تعبيره) مَوْجِد ليقول  Dasein من حيث إنه « هو مكان انفتاح السؤال، وهو مكان التصادي، وفسحة الملاعبة المتجاوبة بينه كموجود وانكشافه إلى نفسه في معناه ـ كوجود» (هايدغر ومشكل الميتافيزيقا ص80) ح  ويقول: العهد بإزاء Ereignis  حيث لا شرط لاجتماع الزمان والوجود بل هما يتعاهدان (ص،23)؛ والخلوة بإزاءLichtung؛ والحضور وانتشار الحضور (تأثراً بالترجمة الفرنسية) Anwesen لكنه يقول الحاضرية بإزاء  Anwesenheit. ويتكلم على: لا ينعطي ولا ينوهب. وعلى قصود الوجود بما في القصد le destiner من معاني الانعطاء والتوجه (121-122).

وإلى ذلك، يتكلم على فهم الوجود كإقبالية وتحديد هذه الإقبالية انطلاقاً من الخلوة (ص120) وعلى «يقبل الزمان» و«يقبل الوجود» (Es gibt..).

وينحت محجوب أيضاً لدويّة بإزاء Vorhandenheit (ص33) فيكون أول من يذكّرنا باستعمال المصدر الصناعي من دون حشر الوجود في كل مرة. ويكتب أخيراً: العلوم صروف إنسانية واللفظ برونقه وسلاسته يكاد ينسينا معناه القاموسيّ الأول إذ ينقذنا من ثقل سلوك وسلوكات.

وأرجح أن يكون محمد محجوب اطلع على اجتهاد مواطنه  شهاب الدين اللعلاعي (في: مارتن هادقار، معضلة الحقيقة،  تونس،الدار التونسية للنشر، 1984) الذي يكتب في مقدمة ترجمته: «حدنا في ترجمتنا هذه عما هو مألوف ومتداول...فعوض أن نأخذ المصطلحات الهايدقارية، كما هي، فإننا قمنا بتأويلها حسب مقتضيات اللغة العربية، أي حسب قدرتها الأنتولوجية».. وكان أن أنتج الحيد والتأويل ترجمة Sein بعبارة « كيفية وجود الموجودات» وترجمة Dasein بعبارة «مقام الانفتاح» كما نقل Existenz بلفظ تواجد.

لكن محجوب الذي رفض العبارتين واحتفظ باللفظ، عبّر عن «مقام الانفتاح» بـ مَوْجِد لإظهار المكانية الملازمة لل Dasein على ما يستفاد من شرحه  في ما تقدم. ولعله فعل الشيء نفسه مع Lichtung حين يؤديه بـ خلوة، فانتبه إلى الخلوّ أكثر مما إلى الانقشاع مثلا. وقد يكون الاعتبار نفسه أملى عليه أن يفكّرEs gibt المتعلق ب»الوجود» والزمان كما لو أن الواحد منهما «يقبل».

وعلى الجملة، يستدعي مصطلح محمد محجوب نقاشا أوسع مما في إمكاني الآن.

-3 وأثني بالزوج العربي: الكينونة-الكائن:

-31- وأبدأه من «ملاحظات حول ترجمة هايدغر» صدر بها جورج زيناتي محور «مارتن هايدغر: نصوص نسيان الكينونة» (العرب والفكر العالمي). يشير زيناتي إلى صعوبة ترجمة هايدغر ويستدل على ذلك باستعراض الصعوبات التي تعرّض لها النص الفرنسي فيذكر facticité واستبداله بـ factivité ويذكّر بمصير réalité humaine وêtre-là قبل أن يعلن أن المفتاح في كل فلسفة هايدغر هو مفهوم الوجود/الكينونة وأن «ترجمته تسهل الكثير من التعابير ويحسب أن العرب عرفوا هذا المفهوم القديم يوم كانوا أسياد الفلسفة في العصر الوسيط وترجموا الكلمة اليونانية المقابلة بكلمة وجود» وعليه يرى زيناتي أن عبد الرحمن بدوي مصيب حين يترجم L’être et le néant لسارتر بالوجود والعدم لكنه يصطدم بدخول الوجودية المعاصرة على الخط ويلاحظ أن كلمة وجود التصقت بكلمة existence فيعلن أنه «لم يعد من الممكن إلا إذا شئنا الإيغال في الإبهام والغموض، ترجمة Sein وêtre بكلمة وجود بالنظر إلى أن هايدغر «يعتبر بأن كل الكائنات تكون في حين أن الإنسان وحده يوجد»(العرب و...ص4-5).

ويسرد زيناتي ما استجدّ على فريقه من مصطلحات نتيجة هذا الخيار ليحصل على الدازاين أو الكينونة ـ هنا وكائنية étantité وكائن  étant  والكينونة هكذا so-sein  والكينونة داخل ( في قلب) ـ العالم وأناويتي ـ  الكينونة  خاصتي jemeinigkeit،être  mien. ويميز بين وجودي ووجودوي ـ existential ويطلق على ontique كنعت، كينوني وليس كائني كما هو متوقع. ويميز بين المؤرخة والتاريخاوية.

ولا يذكر في هذه القائمة تلك المصطلحات المشكلة التي وردت في النصوص المنقولة نفسها مثال: الإطار Das Gestel والتحقق Ereignis والتملك المشترك Ereignen وتملك مشترك أساسي.

والواقع أن زيناتي يستند في خيار كينونة إلى تعليم السيدة عفاف بيضون التي كانت أول من خصّص دروساً عن هايدغر بالعربية في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية إثر عودتها من ألمانيا أواخر السبعينات بعد أن قضت ردحاً طويلاً هناك تختصّ بهايدغر إلا أنها لم تنشر بالعربية شيئاً يذكر.

-32-وكنت نقلتُ Sein إلى العربية في ترجمة نقد العقل المحض(1988)  والموسوعة الفلسفية العربية(1985)بـ كوْن كمصدر من كان وعبرت عن Dasein في لوحة المقولات بـ وجود (مقولات الجهة) وبقيت بعد تقاعد بيضون على خيار كون وكائن وتابعت الاشتغال على نصّ هايدغر بالعربية انطلاقاً من هذا الخيار فكان لي: الكون وكَوَنَ ويكون والكائن والكينونة والهوذا (والأحرى الهوذية والهوذي) والثمة (وبتُّ أميل إلى يُعطى). 

وكان لي في المقابل: الوجود والانوجاد والقيام بالإزاء وفي المتناول والتكوين والتكوّن (وفكرت أيضاً بالاكتوان والتكونن) والأواجيد (على وزن أفاهيم جمع أُجود Existenzial) وصدر ذلك منذ قليل (فلسفة عدد1) ووددت لو كان بالإمكان التخلي عن الكون في العبارة الشائعة: الكون والفساد لنقول: النشوء والفساد، وعن الكون بمعنى الكوسمس لنقول العالمين.

وكان تسويغي لكون بدلاً من وجود ولكائن بدلاً من موجود يقوم على أن الشائع غير مسوَّغ بل هو موضع شك بسبب من شيوعه بالذات، وهو لا يصلح في الأحوال جميعاً للدلالة على مقصد هايدغر. فالوجود والموجود تَعلق به فكرة اللُقيا والمصادفة والمعرفة كما يذكر الفارابي نفسه في كتاب الحروف في نصه الشهير (الفصل الخامس عشر: الموجود) (فقرة80) أي في ما يعبر عن Seiend وليس عن Sein. إضافة إلى أن الفارابي يعبر عن هذه اللفظة الدالّة في سائر الألسن-من فارسية وسريانية وسغدية ـ على «رباط الخبر بالمخبر عنه؛ إذا أرادوا محصل ماضٍ أو مستقبل استعملوا الكلم الوجودية وهي كان أو يكون أو سيكون أو الآن». ويشير الفارابي إلى فريق آخر يُحلّ محل الكلم الكائنة كلماً وجودية. (ص113).

أُضيف إلى ذلك أن الفعل من وجود هو وجد وهو متعدٍ لا يقع الوجود فيه أو عليه بل في ما هو أمامه. أو مبني للمجهول من وجد وحامله موجود أي اسم مفعول وهو ما لا ينطبق لا على Seiend ولا على Etant الدالين على اسم الفاعل participe présent المتضمّن معنى الحاضر إذًا في حين أن ذلك ينطبق على لفظ كائن كما انتبه إلى ذلك بدوي من زمان من دون أن يثمّره أو أن يعدّل ذلك من اصطلاحيته.

ولعله بالإمكان الاستفادة من الوجود والموجودية لقول Anwesen وAnwesenheit إذا استثقلنا تكْوان وتكوانية وإتاحة الاكتوان. وإذا ما راجعنا قليلاً محيط المحيط حيث نقرأ: كان الشيء كوناً وكياناً وكينونة أي حدث فهو كان. وإن الكون عند المتكلمين مرادف للوجود وإن الثبوت والوجود والكون والتحقق مترادفة. وإن الثبوت عند المعتزلة أعمّ من الوجود.

إذا ما راجعنا ذلك قليلاً لا يعود بوسعنا، خجلاً من المعتزلة، إطلاق لفظ الوجود وثمة ما هو أعم منه، على das Sein.

إلى ذلك أقول: يمكن لمستعمل كان ومشتقاتها أن يستغني عن وجود وموجود في التعبير عن جميع أحوال كان وكون. في حين لا يستغني مستعمل وجد إذ هو مضطر في الماضي والمستقبل للاستعانة بفعل الكون ليقول مثلاً: كنت موجوداً وسأكون موجوداً للقائك. في حين يكتفي مستعمل كان بالقول كنت هناك وسأكون هناك إلى آخره..

وأختم هذا التسويغ بالقول: إن لفظ وجود لصيق بـ Existenz بما لا فكاك منه وإلا فكيف نقول: وجود الله في البراهين على وجود الله. وإنه منذ كنط بدأ هذا الوجود يندرج «في الأعيان» ولم يعد يطلق على ما «في الأذهان». فلم يعد أمامنا سوى التميّز من وجود بقول كون لا كينونة إذا شئنا حصر كينونة بـ مجرد نمط كون ليس إلا.

33- - أما التفكير في مصطلحات الزمان ومشتقاته فمسألة أخرى. إلى ذلك، إن انشغالي بها لم ينشر بعد لكن تأملاتي تدور حول التفكير في:

إمداد، تمداد بإزاء Porrection    Reichen والمدى الزمني Espace- temps

 والإباحة أو الإٌتاحة لما تحتمل من البسط والقبض بإزاء Ereignis  وربما الحِدثان  

والاقتضاء بإزاء das Geschick  بدلا من القصد

ويُعطى لـgibt Es. تثميرا لصيغة المجهول في مقابل gibt Es لتمييزه من Es ist كما يشاء هايدغر، حيث في القول: هناك مكان وهناك زمان، يظل الواحد منهما مبتدأ يجب أن يخبر عنه لا به. وذاك أقرب إلى الفرنسية التي هي ألزَ بـ Es ist كما ينبّه هايدغر نفسه. والأمر كذلك في: يقبل الزمان ويقبل المكان، حيث يلعبان دور الفاعل.

-4 وأكتفي من الحجاج بهذا المقدار لأنصرف أخيراً إلى مباشرة هايدغر بالعربية في نص متكامل ورئيس سبق أن انشغل به مؤلف هايدغر ومشكل الميتافيزيقا، وسبق أن نُقل إلى العربية بسعي من عبد الهادي مفتاح ومراجعة وإشراف محمد سبيلا بعنوان «الزمان والوجود» (في: مارتن هايدغر: التقنية- الحقيقة- الوجود ص87-135). وهو نص محاضرة هايدغر Zeit und Zein التي ألقاها عام 1962 وأعاد نشرها مع بروتوكول ملحق في كتابه: دعوى التفكير Zur Sache des Denken في 1969.

وكان في نيّتي أن أذكّر بخطوطها العريضة قبل مباشرتها بالعربية لكني سأصرف النظر عن هذا التذكير الآن وأباشر قراءتها فوراً:

بعد أن يعلن هايدغر أنه يريد قول شيء عن محاولة التفكير في الكون دونما اعتبار لتأسيسه انطلاقاً من الكائن، يقول حسب المترجم:

«منذ فجر الفكر الأوروبي الغربي وإلى يومنا هذا، ظل معنى الوجود مرادفاً للحضور: باعتباره ما يأتي لذاته ليتجلى وينتشر بالقرب من ذاته. ففي كلمة «حضور» هذه (باروسيا) يتكلم الحاضر. والحال أن الحاضر يشكل مع الماضي والمستقبل حسب التمثل الشائع، ما به يتحدد الزمان. والزمان بدوره هو ما يتحدد به الوجود من حيث هو أرضية له»  ص15.

نقلاً عن الفرنسية

Être،depuis le matin de la pensée européenne-occidentale et jusqu’à aujourd’hui،veut dire le même que anwesen - approche de l’être [génitif  subjectif]. Dans ce mot d’Anwesen،пαρoυσíα،parle le présent. Or le présent،selon la représentation courante،forme avec le passé et le futur ce qui caractérise le temps. Être،en tant qu’avancée-de-l’être،est déterminé par la temps

بإزاء الألمانية

Sein besagt seit der Frühe des abendländisch-europäischen Denkens bis heute dasselbe wie Anwesen. Aus Anwesen،Anwesenheit spricht Gegenwart. Diese bildet nach der geläufigen Vorstellung mit Vergangenheit und Zukunft die Charakteristik der Zeit. Sein wird als Anwesenheit durch die Zeit bestimmt.

ويتساءل قارئ العربية ولا بدّ: من أين جاء الحضور ليلصق بالوجود ومن أين دخلت باروسيا في ثنايا الكلام. في حين أن جلّ ما يقوله هايدغر في الأصل هو: يقول كون منذ...ما يقوله Anwesen نفسه. وابتداء من Anwesen تتكلم Anwesenheit الحاضر.

فإذا كان wesen  يقابل في العربية الكائن والجوهر والماهية وAn يفيد الاقتراب، الحركة إلى.. فإن اللفظ قد يعني التكوان أو الوجود بكل بساطة لا الحضور جرياً على ما يضعه الناقل الفرنسي: présence ليلتبس لفظاً مع le  présent. وليس ثمة من داعٍ لاستقدام اليوناني باروسيا حيث يمكن للعربية أن تشتق المصدر الصناعي بسهولة.

وإذ يبيّن هايدغر أن لكل شيء زمنه يضيف في لغة المترجم:

«الوجود ليس شيءاً. إنه لا يكون في الزمان. ومع ذلك فهو يظل، من حيث هو حركة اقترابه من التجلي والانتشار، ومن حيث هو حاضر، محدداً بالزمان، أي بما يستقر فيه ويتعلق به»

نقلاً عن الفرنسية

Mais l’être n’est pas une chose،n’est pas dans le temps. Et pourtant l’être reste،en tant que mouvement d’approche de l’être،en tant que présent،déterminé par ce qui tient au temps.

بإزاء الألمانية

Sein aber ist kein Ding،ist nicht in der Zeit. Gleichwohl bleibt Sein als Anwesen،als Gegenwart durch Zeit،durch Zeithaftes bestimmt.

والعبارة في الأصل أبسط بكثير: يظل الكون بما هو Anwesen، بما هو حاضر بالزمن، متعيناً بالزمني.

وباختصار تضلل الترجمة الفرنسية مترجم العربية الناقل عنها وتقف حجاباً بينه وبين النص الهايدغري فبدل أن ينقل Anwesen وAnwesenheit  وAnwesenlassen بكل بساطة بوجود وموجودية وإتاحة الوجود تراه يتبع تعثر الفرنسية فيأتي بعبارات مثل: الذي يتقدم في الحضور، ومقدم انتشار الكينونة والسماح بالانتشار في الكينونة. فيقدم نصوصاً مثل هذه:

«إن الوجود، من حيث هو ما به يتحدد كل موجود كما هو، يعني الحضور. إنه اقتراب الكينونة من الحضور كي تنتشر فيه. فإذا ما تطلعنا إلى الموجود الذي يتقدم في الحضور على هذا النحو، فإن الوجود، من حيث هو مقدم انتشار الكينونة، سيتجلى لنا باعتباره «طواعية» التجلي والحصول في الحضور».(ص96)

الذي كان يمكن نقله:

الكون الذي عبره يرسم كل كائن بما هو كذلك، الكون يعني التكوان. وفي النظر إلى المتكوّن سيتبدّى التكوان بوصفه إتاحة تكوّن. والمطلوب الآن التفكير في إتاحة التكوّن هذه من حيث التكوان متاح.

بإزاء الألمانية

Sein،dadurch jegliches Seiende als ein solches gezeichnet ist،Sein besagt Anwesen. Im Hinblick auf das Anwesende gedacht،zeigt sich Anwesen als Anwesenlassen. Nun aber gilt es،dieses Anwesenlassen eigens zu denken،insofern Anwesen zugelassen wird.(p5)

أو مثل:

«الزمان لا يكون، بل هناك زمان. إن العطاء، الذي يحصل معطاه على الزمن، يتحدد انطلاقاً من الجوارية التي تحول وتدخر. إنها هي بالضبط التي تزود الفضاء الحر للزمان بفسحته وانفتاحه وتحصل عليه. فتصون ما يظل من الماضي ممتنعاً. ومن المجيء والإقبال مدخراً، وعليه، سنسمي هذا العطاء الذي يعطي الزمان الحق بـ: المثول المفسح-المستضيف». (ص118).

نقلاً عن الفرنسية

Le temps n’est pas،Il y a temps. Le donner،dont la donation obtient le temps،se détermine depuis la proximité qui empêche et réserve. C’est elle qui procure l’Ouvert de l’espace libre du temps et sauvegarde ce qui demeure empêché dans l’avoir-été،et ce qui dans le survenir demeure réservé. Nous nommons le donner qui donne le temps véritable: la porrection éclaircissante-hébergeante. (p213-214)

بإزاء الألمانية

Die Zeit ist nicht. Es gibt die Zeit. Das Geben،das Zeit gibt،bestimmt sich aus der verweigernd-vorenthaltenden Nähe. Sie gewährt das Offene des Zeit-Raumes and verwhart،was im Gewesen verweigert،was in der Ankunft vorenthalten bleibt. Wir nennen das Geben،das die eigentliche Zeit gibt،das lichtend-verbergende Reichen. (p16).

أو:

«إن الزمان الحق، هو قرابة حصول الوجود وانتشاره  انطلاقاً من الحاضر مما كان ومما سوف يكون. مقاربة توحد مثولها الذي يفسح المجال لأبعاد الزمان الثلاثة. لقد أصاب الزمن بهيمنته على الإنسان بما هو كذلك. وبكيفية لا يمكنه معها أن يكون إنساناً إلا بإقامته في قلب المثول الثلاثي، انوجاد مقارب حيلولة، ادخار، الذي يتحدد به. فلا الزمان من صنيع الإنسان، ولا الإنسان من صنيع الزمان. فليست هناك من صناعة أو صنعة. بل كل ما هناك هو العطاء بمعنى المثول الذي سميناه آنفاً. ذلك المثول الذي ينظم ويفسح الفضاء الحر للزمان».(ص119-120)

نقلاً عن الفرنسية

Le temps véritable est la proximité du déploiement d’être à partir du présent،del’avoir-été et de l’avenir- proximité qui unifie sa porrection triplement éclaircissante. Le temps a déjà atteint de son règne l’homme an tant que tel et de façon qu’il ne peut être homme qu’en se tenant au coeur de la triple porrection،ek-sis-tant la proximité،empêchement et réserve،qui la détermine. Le temps n’est pas un fabricat de l’homme،l’homme n’est pas un fabricat du temps. Il n’y a pas ici de fabrication،pas de faire. Il n’y a que le donner- entendu au sens de la porrection que nous avons nommée،celle qui régit et éclaircit l’espace libre du temps. (p215).

نقلاً عن الألمانية

Die eigentliche Zeit ist die ihr dreifältig lichtendes Reichen einigende Nähe von Anwesen aus Gegenwart،Gewesenheit und Zukunft. Sie hat den Menschen als solchen schon so erreicht،daβ er nur Mensch sein kann،indem er innesteht im dreifachen Reichen und aussteht die es bestimmende verweigernd-vorenthaltende Nähe Die Zeit ist kein Gemächte des Menschen،der Mensch ist kein Gemächte der Zeit. Es gibt hier kein Machen. Es gibt nur das Geben im Sinne des genannten،den Zeit-Raum lichtenden Reichens. (p17).

أو:

«هكذا ينكشف الزمان الحق ويتجلى باعتباره ذلك الـ (هو) الذي سميناه عندما قلنا: «هو الوجود هناك». فتجمع المصير، هناك حيث يكون ثمة وجود، يكمن في مثول الزمان». (ص121)

أو حين يترجم أخيراً:

«في ذلك المصير الذي يؤول إليه كل تجميع لقدرية الوجود، وفي مثول الزمان، يتجلى نوع من الإحراز والتملك، أي الإحراز على الوجود والزمان وتملكهما في خصوصيتهما. الأول كباروزيا، والثاني كمجال للمنفتح، أما ما يخولهما معاً في خصوصيتهما وهذا معناه: في توافقهما المتبادل، فهو ما ندعوه بالحصول L’Ereignis. وما يسميه هذا الكلام لا يمكننا أن نفكر فيه الآن إلا انطلاقاً مما قيل في النظر المحترز والمتيقظ حول الوجود والزمان كتجميع للمصير وكمثول. حيث كل منهما في مكانه. وهما معاً اصطلحنا عليهما (أي: الوجود والزمان) بـ سؤالين. والـ «و« الذي يربط بينهما يترك علاقة كل منهما بالآخر غير محددة». (ص124-125)

نقلاً عن الفرنسية

Dans le destiner du rassemblement de toute destination d’être،dans la porrection de temps،se montre une propriation،une appropriation-à savoir de l’être comme пαρoυσíα et du temps comme région de l’Ouvert- en leur propre. Ce qui détermine et accorde tous deux en leur propre،et cela veut dire dans leur convenance réciproque – nous le nommons: das Ereignis. Ce que nomme cette parole،nous ne pouvons maintenant la penser qu’à partir de ce qui s’annonce dans le circonspect regard sur l’être et sur le temps comme rassemblement de la destination et comme porrection- en quoi temps et être sont à leur place. Les deux،l’être aussi bien que le temps،nous les avons nommés des questions. Le «et»،entre les deux،laissait leur relation l’un à l’autre dans l’indéterminé. (p219).

بإزاء الألمانية

Im Schicken des Geschikes von Sein،im Reichen der Zeit zeigt sich ein Zueignen،ein Übereignen،nämlich،von Sein als Anwesenheit und von Zeit als Bereich des Offenen in ihr Eigenes. Was beide،Zeit und Sein،in ihr Eigenes،d.h. in ihr Zusammengehören،bestimmt،nennen wir: das Ereignis. Was dieses Wort nennt،können wir jetzt nur aus dem her denken،was sich inder Vor-Sicht auf Sein und auf Zeit als Geschick und als Reichen bekundet،wohin Zeit und Sein gehören. Beide،Sein sowohl wie Zeit،nannten wir Sachen. Das »und« zwischen beiden lieβ ihre Beziehung zueinander im Unbestimmten. (p20).

ولا يستطيع القارئ متابعة القراءة أبعد من هذا الحدّ، فكيف بالمستمع. أتوقف إذن. وأسجل أن المترجم إلى العربية لم يستطع الحفاظ على وجود وموجود بل رأيناه يلجأ إلى فعل الكون ومشتقاته وكأن ذلك يجري عفو الخاطر حين يقول: يكون وكون وكينونة.

إن النص الفرنسي الذي حجب الأصل وأبعده ما يزال قابلاً للقراءة لجهة اتساقه مع نفسه وخروجه بتأويل ما، في حين أن النص العربي تمتنع قراءته أو على الأقل يمتنع فهمه لغوياً من دون العودة إلى ما عنه تمّ النقل: الفرنسية أو الألمانية.

فناقل «الزمان والوجود» إلى العربية لا يحافظ على وحدة خياراته الاصطلاحية ولا يستفيد ممن سبق أو يسوّغ ما يختار بإزاء ما يترك. وهو، شأنه شأن عامة المترجمين، يحسب أن الفلسفة مجمع أفكار أو سبك معانٍ (وفي هذا ينشدّ الانتباه إلى أفكار ومعاني لا إلى سبك ومجمع).

 وتجري الأمور كما لو أن ناقل هايدغر إلى العربية، وناقلي الفلسفة بعامة لا يبني أحد منهم على أحد، بل ينشئ كل منهم خيمته الخاصّة فيأتي القول الفلسفي بالعربية مبعثراً على شكل خيم في صحراء تتعثر المواصلات في ما بينها، كأن المتفلسف بالعربية، كأن هذا البدويّ الأصيل يخشى الإقامة في العمارة.

فلا تنضوي الفلسفة ضمن خطة، بل تأتي مبعثرة متعثرة حسب الطلب، كما لو أن منطق السوق العربية قد سبق منطق السوق العالمية في التحكم ببذل الأقوال الفلسفية والأقوال بعامّة.

-5فهل يمكن قول هايدغر بالعربية أصلاً؟

لو كانت لي مهارة محمد عابد الجابري وطول باعه لتحدثت إذن عن بنية العقل العربي وتكوينه ولقلت بالاستعارة من كنط: إن ثمة نزوعاً طبيعياً لدى «العقل العربي» إلى قول هايدغر بالعربية لكنه ما يزال يفتقر إلى النقد كي يقول هايدغر كما ويجب أن يقال، وإن لذلك شروطاً يمكن تعدادها وحدوداً لا يمكن تعدّيها. أما وإني لست على هذا القدر من المهارة وطول الباع، فسأكتفي بتسجيل هذا الميل إلى قول هايدغر بالعربية، هذا الميل الذي يعتمل بنا إلى حدّ العشق كرافد من روافد الحاجة التي تلوب بنا ونلوب بها إلى قول الفلسفة.

فإن صدقت هذه الحاجة إلى الفلسفة، وعلى افتراض أنها حاجة حقيقية أي ليست حاجة تستتر بالفلسفة لتريد أمراً آخر. وأن قول الفلسفة بالعربية لا تحرّكه مصالح العربية بل يتوجه فقط بمصالح الفلسفة، يصير بالإمكان التساؤل كيف يمكن لقول هايدغر بالعربية اليوم أن يكون؟.

 وإذا لم تكن الفلسفة مجرد مجمع أفكار، إذا كانت في الأساس نحواً وبادرة متسقة في حركتها، فيجدر بالأحرى عدم الانشغال بالمعنى عن المبنى اللغوي. لن تتكلم الفلسفةُ العربيةَ ما لم يتكلمها المشتغلون بالفلسفة بدءاً. وواضح أنهم لن يستطيعوا قول هايدغر بالعربية ما لم نعبر من الكلام على الشيء أو الحديث عنه إلى قول الشيء نفسه، ما لم ينتقل القول أولاً من السرد والإخبار إلى محاولة السبر والكشف. ولنستعمل عبارة قديمة غير متأمَّل فيها بعد: من الخبر إلى الإنشاء: من النثر إلى الشعر، وما لم يتم ثانياً المكوث في آثاره في العربية أي ما لم توجد آثاره كاملة أو شبه كاملة بالعربية في سياق متسق المصطلحات والتراكيب أي قابلة للقراءة عربياً.

وهذه «القابلة للقراءة عربياً» بها حاجة إلى تفلية: فهايدغر أو سواه من الفلاسفة لا يوجد منقطعاً عن التراث الفلسفي نفسه. من دون كنط وديكارت وأرسطو بل أيضاً من دون هيغل وأفلاطون وسواريز وهوسيرل، من دون وجود نصوصهم شبه الكاملة لا مجال للكلام على قراءة عربية منتجة أي متيحة للتفكير والنقد والإضافة.

مستقبل القول الفلسفي بالعربية، إمكان قول الفلسفة بالعربية منوط إذن باستيضاح الحاجة العربية إلى الفلسفة: هل هي حاجة لاستخدام الفلسفة أم لخدمة التفلسف (لراحة العقل كانت القدماء تقول)، وبتأمين المناخ اللغوي المناسب الذي ليس سوى إحضار التراث الفلسفي، وما أسميه جسد الفلسفة الحيّ، إلى العربية. هذا الإمكان منوط بنا إذن.

 لكن من هذه الـ»نا»؟، يقول المعترض. أليست الفلسفة تدبير متوحّد؟ أليست النا عائقاً آخر، حجاباً ضدّ التفلسف؟

جواب: هذا ممكن في حال وجود المتوحّد إن صحّ أن الفيلسوف متوحّد بالضرورة، لكنه غير قائم الآن.

فإذا كان الفيلسوف كالملك، أو كالنبي، وهو كذلك، يأتي لا أحد يعرف متى وكيف، لا يبقى على الأحياء مثلنا، القائمين ها هنا سوى تهيئة المقام وتمهيد الأرض لقدومه عسى إن جاء أن يستطيب الإقامة بيننا...

لسنا الملك بعد، لا ولا النبي. فلا يبقى سوى أن نختار بين أن نكون- لإكمال الاستعارة- مسيلمة الكذّاب أو راهب بحيرى. الأعور الدّجال أو يوحنّا المعمدان، فإن اخترنا ما ينبغي أن نختار، نعرف أن رأسنا سيقطع بالتأكيد، لكن الفيلسوف يكون قد أتى.

[1]*- مفكر لبناني وأستاذ مشرف على أبحاث الدكتوراه العليا في الفلسفة - الجامعة اللبنانية.