البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هايدغر ونهاية الفلسفة

الباحث :  علي فتحي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  2014
تحميل  ( 341.966 KB )
من خلال التدقيق في آثاره يمكن الاستنتاج أنّ للفلسفة بنظر هايدغر مَعنَيَيْن:

المعنى الأول، يرى الفلسفة مرادفًا للميتافيزيقا، ويعتقد أن تاريخ هذه الأخيرة بدأ مغفِلاً الوجود، ومشتغلاً على الموجودات، وأنّ العدميّة التي وقع الغرب في حبائلها، ليست سوى إغفالاً لحقيقة الوجود، أمّا الفلسفة بحسب المعنى الثاني فمرادفة للتفكير، وبما أنّ الفلسفة بالمعنى الميتافيزيقي قد وصلت ـ كما يعتقد ـ إلى نهاية المطاف، إذاً، يمكن للفلسفة بمعنى التفكّر والعلاقة الجديدة بالوجود أنْ تفتح كوّةً أمام البشر.

في هذه المقالة تركيز على دراسة المعنى الأول الذي ادّعاه هايدغر، لتوضيح ما غمُض منه، ثم تنتهي المقالة بملاحظات نقديّة مقتضبة على نظريته.

الكلمات المفتاحيّة: نهاية الفلسفة، ماضي الميتافيزيقا، الوجود، إغفال الوجود، التفكير.

المحرر

------------------

السؤال عن الوجود هو اللاَّزمة التي تتكرّر في جميع آثار هايدغر منذ بداية حياته المليئة بالتقلّب والصعود والهبوط، وهو أيضاً الموضوع الذي شغل ذهنه ودار على لسانه، وعكّر صفاء وجوده.

في العام 1907 أهداه أستاذه كونراد غروبر، أسقف متريبورغ نسخة من كتاب فرانتز برينتانو (Frantz Brentano)، الذي عنوانُه "في باب المعاني المتعدّدة للوجود بحسب رؤية أرسطو"... ركّز بريتانو في هذا الكتاب على دراسة المعاني المتعدّدة للوجود بالتفصيل. ولقد سحرت قراءة هذا الكتاب هايدغر، وجعلته شغوفًا بالسؤال الذي أثّر في كلّ جوانب تفكيره، وكما يقول هو نفسه، إنّ مساره الفكريّ وأسلوب تفكيره قد بُنيا في العام 1907 (هايدغر، 1959، ص 92).

من دون أن ندخل في التفاصيل نشير إلى أنّ برينتانو قد تعرّض في هذا الكتاب لنظرية أرسطو المتعلقة بالمعاني المتعدّدة للوجود، وأراد أنْ يُبيِّن أنّ المعنى الأوّليّ للوجود، بحسب عقيدة أرسطو، والذي تتبع له المعاني الأخرى، هو نفسه المعنى الوارد في مقولته. إنّ أكثر ما لفت انتباه هايدغر الشاب من كتاب برينتانو، في شرح معاني الوجود المتعدّدة، كان اللغز حول واجب الوجود. إن كان صحيحًا أنّ لفظ الوجود يطلق على معانٍ عديدة، فأيّ واحدٍ منها هو المعنى الأصلي والأساسي للوجود، وأيها ذلك التعيّن المتيقَّنُ الوحيد للوجود، الجامع المعاني كلّها. والخلاصة تكمن في سؤال: ما هو معنى الوجود ؟ (روجيه فرنو وفال، 1387 س (2008 م، ص2012).

كان هايدغر قد درس في مدرسة برتهوا دي فرايبورغ الثانوية المشهورة، وفيها تعلّم وأتقن اللغتين اليونانيّة واللاتينية. في تلك المرحلة قرأ النصّ اليونانيّ لميتافيزيقا أرسطو مرّات عدّة لكن دراسة كتاب برينتانو أثارت في ذهن هايدغر السؤال التالي: إذا كان للوجود معانٍ متعدّدة، فما هو المعنى الأصليّ من بينها؟ والوجود ما هو معناه؟ (هايدغر 1963، ص74). ظلَّ السؤال يراود هايدغر حتى السنين الأخيرة من حياته. هنالك حيث يقول في رسالة وجّهها إلى ريتشارد سون (مطبوعة في مقدّمة كتابه «الضخم» لماذا يتعيّن الوجود كما هو موجود، وليس الموجودات بما هي موجودات؟ (ريشاردسون 2003، ص).

بعد أن درس هايدغر اللاَّهوت لمدّة سنتين وبعد أن ترك الدراسة مؤقتًا (بسبب المرض)، غيّر نوع اختصاصه من اللاَّهوت إلى الفلسفة، وتسجّل في كلية الفلسفة. تعرّف في هذه المرحلة إلى أعمال إميل لاسك، وهاينريش ريكارت وغيرهما من الكانطيّين الجُدُد، ثم انصرف جدّيًّا للأبحاث الفلسفية والميتافيزيقيّة.

هذا شرح مجملٌ لسيرة هايدغر وكيفيّة دخوله ميدان البحوث الميتافيزيقيّة، التي كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في مسار تفكيره. لكن من المفيد التأمل لنرى كيف أنّه بعد دخوله ساحة الفلسفة والميتافيزيقا، يُعاينُ فيها الكثير من الثغرات والنواقص ويرى أن سبيل الخروج من المعضلات التي توَّرطت فيها الفلسفة هو في نهاية الفلسفة، ويَرِدُ على لسانه كلام على بداية تفكير آخر ليس من جنس التفكير الفلسفيّ؟ إلى أيّ حدٍّ وُفِّق هايدغر في الوصول إلى هذا الهدف؟ من الضروريّ حتمًا أنْ نذكرَ أنَّ نقدَ هايدغر للميتافيزيقا منحصرٌ في الميتافيزيقا الغربيّة، التي بَحث ونقّب فيها وفي تقلباتها برؤية تاريخيّة، وحصر نقده في ساحة تاريخ الميتافيزيقا الغربيّة. من هذا المنطلق، إنْ وردَ كلامٌ في هذه المقالة على نقد هايدغر للميتافيزيقا، فإنّ الميتافيزيقا التي نشأت في العالم الإسلاميّ ونَمَت، لا سيّما بعد صدرِ المتألهين الشيرازي حيث امتزجت بالمضامين العرفانيّة للتراث الإسلاميّ، هي بالأخص خارج دائرة النقد الهايدغريّ. من الممكن حتمًا أن يُشكّك البعض في هذا الادّعاء، وتُطرح التساؤلات، إنّما سنؤجل الجواب عن ردّة الفعل المحتملة هذه إلى مجال آخر ونكتفي بتوضيح هذه النقطة: إنّ هايدغر لم يكن مطّلعًا على العرفان والفلسفة الإسلاميّين، ولا سيّما فلسفة صدر المتألهين، وحتى معرفته بابن سينا كان مصدرها فلسفة القرون الوسطى، ومتطابقة كلّيًّا مع النهج الأرسطي (بقي أن نقول أنّ  رفض هايدغر للميتافيزيقا أو تجاوزها، يتبيّن أنّه غير مرتبط بإنكاره لما بعد الطبيعة).

الميتافيزيقا والتاريخ:

إذا ألقينا نظرة مجملة على آثار هايدغر، من كتبه الأولى حتى المحاضرات التي ألقاها بعد الحرب العالميّة الأولى لنصف عام في شتاء العام 1919 ـ 1920 ـ ومن بينها محاضراته حول القضايا المنتخبة من علم الظواهر (الظاهراتيّة) ـ يمكننا أن نعاين نقطة انطلاق جديدة كلّيًّا في مقاربته، لأنّه كان على ما يبدو قد تخلّى عن البحث حول الوجود الذي يُحمل على الواقع بأوجه عديدة، والذي يمكن أن تُفهم وحدته من خلال المبادئ النهائيّة للميتافيزيقا، وبدأ تساؤله يتمحور حول حياته الواقعيّة، والفاعلة، بمعنى أنّ الحياة واختلاط وجود الـ دازاين (حقيقة الإنسان) بها، تلفِظ أيَّ معنى ثابت وتصوّر ذهنيّ ومفهوم حصوليّ، وترميها بعيدًا. الحياة نفسها تتكلمّ بلسانها، إنّ ما يحكم في الحياة الواقعيّة هو مفهوم العمل، والعمل يأخذ القرار من الحياة. إن تجربة العيش مع العمل تدلّ على الذات، ونظرته أنّ الإنسان دازاين وليس حيوانًا ناطقًا نابعةٌ من مقاربته للعيش وللحياة.

لقد فسّرت فلسفة هيغل وفلسفة ديلتاي، وتجارب عصر صدر المسيحيّة أيضًا الحياة الواقعيّة، بمنزلة الحياة التاريخيّة، لكنّ السؤال الذي طرحه هايدغر الشاب على نفسه هو: هل بإمكان الميتافيزيقا ونظرية الوجود أن تأخذ في الحساب تاريخيّة الحياة؟ هو يعتقد أنّ الذي يطرح سؤالاً عن الوجود، بدأ تفكّره مع الحياة الواقعيّة التاريخيّة، لكنْ هنا يطلّ سؤالٌ آخر برأسه، وهو: هل أدّت الميتافيزيقا في هذه الحال حقّ الحياة الواقعيّة؟ ما هي علاقة الميتافيزيقا بالحياة الواقعيّة، والحياة الفعليّة؟ يزعم هايدغر أنّ الطريق الصحيح في التحليل التاريخيّ، الذي يمكن أنْ يُعيدَنا إلى ينابيع الفلسفة الكلاسيكيّة، هو نهج ديلتاي. حين كان هايدغر يكتب رسالته حول النصّ المنسوب إلى دانس سكوتوس، كانت معرفته بآثار ديلتاي وكتاباته حديثة العهد، وكان يصف آثار ديلتاي بأنها فتحت أمامه فهم الحياة الحقّة. إنّ ديلتاي يطرح في آثاره هذا السؤال: هل يجب أنْ يتمَّ التخلّي عن الفكر الميتافيزيقي لأنّه لم يؤدِّ حقَّ الحياة التاريخيّة الواقعيّة؟

تأثير ديلتاي والتفكير التاريخي الجديد في هايدغر

في محاضرته "مفهوم الزمان في علم التاريخ"، ميّز هايدغر منطلِقًا من المعنى الذي اكتسبه مفهوم الزمان في العلوم الطبيعيّة، ومعناه في العلوم التاريخيّة، هذين المحاليْن العلميّين من بعضهما. الزمان في الفيزياء سلسلة بسيطة ومنتظمة من اللحظات (الآنات)، لا فرق بينه وبين أي زمان آخر أو لحظة أخرى، إلا من خلال نقطة البداية التي أُخذت في الحسبان، وبشكل عام، إذا توقفت سلسلة هذه اللحظات (الآنات) في دورة الزمان، ستدلّ على تركيب متجانس من المصاديق المتدرّجة، لكنّ الزمان التاريخيّ يختلف عن الزمان في العلوم الطبيعيّة والفيزياء. في العلوم التاريخية الزمان غير قابل للقياس، وليس سلسلة متجانسة. أساسًا، الأزمنة التاريخيّة تختلف عن بعضها البعض من حيث الكيفيّة، ولا يمكن التنبّؤ بكيفيّة توالي الزمان التاريخيّ. فالطبيعة النوعيّة للمفهوم التاريخيّ للزمان، لا يدّل إلا على التراكم والتمركز (هايدغر، ص187). إن بداية تأريخ الأحداث، مثل ميلاد المسيح، وبناء روما، وما يمثلهما من أحداث عظيمة، يمكن عدّها منعطفات تاريخيّة، تدل بوضوح على أصل تشكّل المفهوم التاريخيّ وتحقّقه النوعيّ، وفهم هايدغر للتاريخ قريب جدًّا من هذه الأحداث.

مع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل يُظهر التاريخُ نفسَه بوضوح إلى الحدّ والمقدار الذي يبحث عنه هايدغر؟ بعبارة أخرى كيف يمكننا الحصول على الواقع التاريخي كعلم، بالأسلوب العلمي النظري، ومن خلال المواجهة مع العلوم الطبيعيّة؟ هل بإمكان الفلسفة أنْ تحصر التاريخ في منطقة ومجال محدّدين، أو هل التأمّل في موضوع التاريخ مرتبط بأساس الفلسفة نفسها؟ وهل علم الدلالة التقليديّ كاف لتعيين ماهيّة التاريخ؟ أو إنْ أثبت التفكير ودلّ على أنَّ التأمّل في موضوع التاريخ له ارتباط وعَلاقةٌ نسَبيّة بأصل الفلسفة وجوهرها، يجب حينئذٍ أن تتغيّر الدلاليَّة أيضًا، وتبعًا لها يجب أن يتبدل نمط فهمنا للتاريخ؟ ويذكر هايدغر ديلتاي بالكثير من الاحترام والتبجيل. لقد كان كلّ سؤال من هذه الأسئلة بالنسبة إلى ديلتاي مطروحًا على نحو معيّن، ويحضّه على التأمل. وديلتاي بنظر هايدغر ليس مجرّد مؤرّخ أحداث كبير، وإنما مفكّر تربطه علاقة قربى بأسس الفلسفة (هايدغر، 1962، ص397).

يعدّ هايدغر نقد العقل التاريخيّ لديلتاي، كنقد كانط، نقدًا رفيع المستوى في حقول المعارف والعلوم الإنسانيّة، وكما طرح كانط أسئلة عن مدى قدرة معرفة الإنسان في مجال الظواهر، تساءل ديلتاي عن مدى هذه القدرة في معرفة الإنسان نفسه والمجتمع والتاريخ، إنّ جهود ديلتاي لوضع قواعد وأسس منطقيّة للعلوم الإنسانيّة ساقته لطرح سؤال عن حياة البشر التاريخيّة نفسها، والتي ليست هي مجرّد رواية أو خبر عن معرفة باردة جافّة، لا رُوح فيها، بل هي تُبرِزُ أساسًا حياة تاريخيّة مَعِيشة وتعرضها (م.ن، ص404).

إن الفكر التاريخيّ يتأسس حين يتبدل الوجود مرّة أخرى إلى مسألة. يرى هايدغر أن النظام الجديد للتاريخ غيرُ مرتبطٍ بهذا السؤال، ويعتقد أنّ تاريخ البشر الجديد هذا قد وصلنا إرثًا من العصور القديمة، من خلال المفهوم الناقص والفجّ عن الوجود، وعلى الرَّغم من أنَّ تأثير الفكر التاريخيّ في فكر هايدغر الذي بدأ منذ ديلتاي لا يمكن التغاضي عنه، لم يوضّح إشكاليته الأساسيّة حول عَلاقة الوجود والتاريخ، لذا يمكننا أن نُعاين في محاضرات هايدغر الأولى المعتقدات المسيحيّة الأساسيّة، التي وجّهته نحو الأسئلة المبدئيّة، ذلك أنَّ ديلتاي بدأ تفكيره من منطلق ديني، وبمطالعة الآثار اللاهوتيَّة، بحيث أنّه في العام 1860 وكان في السابعة والعشرين من عمره يستخلص الآتي: «إني شغوفٌ بالقبض على أخفى بواطن الحياة الدينيّة في التاريخ وتقديم توصيف حديث لها في عصرنا الحاضر، هذا العصر المشغول حصرًا بالسياسة والعلم» (ديلتاي، 1976، ص156).

حين خطا ديلتاي من اللاهوت خطوةً في هذا المسار، وضعَ التاريخ محورًا لأسئلته، أو بمعنى آخر تمحورت أسئلته حول التاريخ، لقد اجتاز في الواقع النهج الذي كان يعقبه التفكير الجديد، ذلك أنّ هامان وهردر وهيغل الذين ساروا في فكرهم على هذا النهج، وقدموا الطروحات، بدأ كلٌّ منهم مسيرته بالتأمّلات الدينيّة، كذلك فإنّ هايدغر بدأ من هذا الطريق وهذا النهج، لذا يجب أنْ يُفسَّر الفكر التاريخيّ الذي استلهمه هايدغر من ديلتاي في ضوء الإيمان المسيحيّ.

التجربة الواقعيّة للحياة في الإيمان المسيحيّ

إنّ الفلاسفة الذين ركّزوا تأملاتهم على التاريخ بالمنظار الفلسفي، كانت تأملاتهم في موضوع الدين هي دليل طريقهم، وجذبتهم مطالعاتهم ودراساتهم في مجال الدين والتعاليم الدينيّة نحو التأمّل الفلسفي في موضوع التاريخ. هايدغر أيضًا لم يكن مستثنىً من هذا الأمر، لذا فإنّه خصَّص بعض محاضراته لموضوع الدين. ففي دروس فرايبورغ مدخل إلى علم الظواهر (شتاء العام 1920 – 1921) يشير إلى التجربة الحياتيّة الحقيقيّة والواقعيّة، مقتبسًا هذا المفهوم من رسائل بولس الرسول. يستشهد هايدغر بمقاطع من الفصلين الرابع والخامس من الرسالة الأولى إلى التسالونيكيّين، التي يتحدّث فيها بولس عن الأمل الذي تقوم عليه الحياة المسيحيّة، الأمل برجعة المسيح (بوكلر 1990، ص 36-37). حول عودة المسيح ثانية يقول بولس الرسول:

«يا إخوتي، أمّا الأزمنة والأوقاتُ فلا حاجةَ بكم إلى الكتابة فيها إليكم، لأنّكم تعلمون حقًّا أن َّيومَ ربِّنا يأتي كالسارق ليلاً، ويوم يقول الناسُ: سلامٌ وأمانٌ، فحينذاك يَثِب الهلاك بغتة عليهم، كالمخاضِ على الحبلى، ولا يُفلتون، (العهد الجديد، 5: 1-6).

يذكر هايدغر أنّه لم يُحدّد يومًا أو تاريخًا لهذه العودة، ويرفض صراحةً تعيين زمان محدّد لهذه الرجعة. إنّه يتحدّث فقط عن فجائيّة هذه الأحداث التاريخيّة. لذلك هو لا يستخدم الخصائص الزمانيّة (بحسب تراتبيّتها التاريخيّة)، بل يستفيد من صفات الحقبة المصيريّة في التاريخ، كالوقائع المهمّة التي تظهر كنقاط تحوّل في التاريخ. هذه المواقف والمواقيت التاريخيّة ليست وعاء للزمان، بل هي مالكة الزمان وصاحبته، ومن هذا المَعْبَر يُحقّق التاريخ موضوعه بحسب المضامين والمحتويات، كتاريخ الروح خارج الذات التي تحدث عنها هيغل.

هايدغر الرائد في هذا المجال، يعدّ الدين في عصر صدر المسحيّة تجربةً حياتيّةً واقعيّة، ويعتقد أنّ تجربة الحياة هذه، فقدت على مدى التاريخ المُحُوضَةَ والخُلوص، ثمّ جاء مفكّرون من أمثال أوغسطين، وعرفانيّي القرون الوسطى: لوثر، كيركيغارد (Kierkegaard)، واستعادوا هذه التجربة ونقّوها مما لحق بها من انحراف طيلة التاريخ. لقد قلّص امتزاج هذه التجربة النقيّة بالمفاهيم الميتافيزيقيّة، من فاعلية هذه التجربة وحيويّتها في تاريخ الحياة الدينيَّة للإنسان.

لقد امتزجت تجربة حياة أوغسطين الدينيّة الواقعيّة بالمفاهيم الميتافيزيقيّة للأفلاطونيّة المحدثة، ممّا عرّضها للتحريف والإعوجاج. من هنا، فإنّ هايدغر يرى أن قراءته لهؤلاء الفلاسفة، لم تكن للشرح والتوضيح، بل لتمحيصها وتمحيص القواعد الفلسفيّة، ليتمكن من اكتشاف واصطياد ما في داخل تجارب الحياة الدينيّة الزاخرة هذه من جواهر وكينونات صافية.

لاحظنا حتى الآن أنّ هايدغر منذ بداية دخوله مجال الميتافيزيقا، تركّز اهتمامه على الإشارة إلى وجود الكثير من الخلل في الميتافيزيقا والفلسفة، ممّا يَحُول دون فهم بعض الحقائق الدينيّة الخالصة، كذلك فإنّ النظرة المتصلّبة لبعض التعاليم الفلسفيّة والنُّظُم المفهوميّة، تمنعنا من إدراك الحقيقة الأساسية، هذا ما أوجد هذه الرؤية النقديّة نسبة إلى الفلسفة والميتافيزيقا، اللتين يستخدمهما هايدغر عادةً مترادفتين، لا سيّما في آثاره المتأخّرة. لقد بذل هايدغر في آثاره الأولى جهدًا كبيرًا لفصل الميتافيزيقا عن الفلسفة، كي لا تعلق العيوب والنقائص التي أصابت الميتافيزيقا على مدى التاريخ في أذيال الفلسفة، لكن يبدو أن التوفيق لم يحالِفْه في نهاية الأمر للوصول إلى هذا الهدف. علمًا أنه استخدم بحسب المقتضى في محاضراته وفي خطبه، في بعض الأحوال الفلسفة مرادفةً للفكر. من هذا المنطلق، أنا إنْ تحدّثت في هذه المقالة عن نهاية الفلسفة، فقد استخدمتها بمعنى نهاية الميتافيزيقا، وإذا حسبتُ في مكان ما الفكر والفلسفة أمرًا واحدًا، فلأوضّح أنّ ذلك كان هدف هايدغر ومراده. لذا استخدمت كهايدغر الفلسفة في هذه المقالة بالمعنَيَيْن، وحتمًا القرائن الحاليّة والمقاليّة، ومتن مقالتي وسياقها، ستمنع  القارئ من الخلط بين هذين المعنَيَيْن.

الفرق بين الفلسفة والميتافيزيقا

لفهم الانطباع الأوّلي لهايدغر عن الفلسفة، يجب العودة إلى المحاضرتين اللتين قدمهما في فرايبورغ في العام 1919 بعنوان فكرة الفلسفة وقضيّة الإيديولوجيا، والظاهراتيّة والفلسفة القيميّة الاستعلائيّة، لقد تعرّض في هذين النصّين بما يناسب حاله وهوى العصر، لنقد الكانطيّة الجديدة، وعلم النفس التصوّري. لكن ما يرغّبنا بالتأمل ويحرّضنا عليه في هاتين المحاضرتين، هو أنّ الدرسين كليهما بدآ بالسؤال «ما هي الفلسفة؟» إنّما أثمن ما في بحثه في هاتين المحاضرتين هو ما طرحه بعد سنوات في محاضرته "تأدية سهم للفلسفة"، حيث عدّ ذات الفلسفة نابعة من ذات الوجود، ومن هذه الزاوية يجد نفسه عاجزًا عن فهمها والتعبير عنها بدقة (هايدغر، 1999، ص32).

إنّ السؤال عن ماهيّة الأمور، سؤالٌ فلسفيّ لأنّ الفلسفة هي التي تسأل عن ماهيات الأمور وذواتها. فضلاً عن أنّنا نعلم أنّ التعريف هو «بالماهيّة وللماهيّة» ويقينيًّا الفلسفة ليست من جنس المفاهيم الماهويّة. أخيرًا يُطرح السؤال التالي: ما هو المقصود أو المراد من الماهيّة في هذا المقام؟ بإمكاننا عدّ هذا السؤال سؤالاً الفلسفةُ نقطةُ انطلاقه، أي أنّ منطلَقَة ذاتُها ـ أو بتعبير أدقّ ـ من حيث بروز ذاتها، وعلى هذا النحو يمكننا مرافقة هايدغر،  فبناء على رؤيته «منشأ أي شيء هو حيث ظهوره وبروزه» (هايدغر، 1379 ش (200م)، ص1). في كلّ الأحوال، حيث نسأل عن ماهيّة الفلسفة، المقصود الفلسفة بتمامها وكمالها، لا فلسفة خاصّة محدّدة، الفلسفة بتمامها وكمالها، أي «الفلسفة بما هي» لذلك فإنّ السؤال عن الفلسفة معناه «سؤال عن مكان بروز ذات الفلسفة بما هي». في النتيجة، حين نسأل عن «ماهيّة الفلسفة»، فنحن لا نهدف إلى تعيين حدودها وثغورها المعرفيّة إلى جانب غيرها من المعارف، لكن المقصود هنا أن نعثر برفقة هايدغر على أسّ الفلسفة.

أورد هايدغر في مقدمة «ما هي الفلسفة»؟ ما يلي: «إنّ هذا السؤال يُدخلنا في مجال رحب، ولأن مدى المسألة واسع، تظهر غير محدّدة، وبما أنّها غير محدّدة، يمكن معالجتها من وجهات نظر متنوّعة» (هايدغر، 1375 ش (1996)، ص202). نسعى من خلال التمعّن في هذا السؤال مقاربة مقصود هايدغر من الفلسفة.

في الرسالة التي وجّهها ديكارت إلى المترجم الفرنسيّ لكتابه "أصول الفلسفة"، قال عن الفلسفة ما يلي: «إنّ كلّيّة الفلسفة تشبه شجرة جذورها الميتافيزيقا، وجذعها الطبيعيات، والغصون المتفرّعة عن الجذع هي العلوم الأخرى كلّها» (ديكارت، 1376 ش (1997م)، ص217).

يدعونا هايدغر للتأمّل في كلام ديكارت، ويسأل:

«في أيِّ أرضٍ يجدُ جذرُ شجرة الفلسفة مَنْبَته؟» هايدغر نفسه يجيب عن هذا السؤال بقوله: لقد نسيتِ الميتافيزيقا أرضها، وجذرُها ضاع في التراب، فنسيت نفسَها، والترابُ الذي يستمدُّ منه الجذرُ الغذاءَ لينمو، على الرّغم من احتوائه الجذرَ، يبقى خفيًّا عن مرماه (بنظر هايدغر ـ حيث أنّ الفلسفة تسأل عن الموجود بما هو موجود، فإنّها مستكينة في «الوجود». فأرض شجرة المعرفة هي «الوجود»)، لكنْ بما أنّ الميتافيزيقا تتطرّق إلى توضيح الموجود بما هو موجود، ترسَّخ التفكّر والتذكّر في الوجود نفسه. إنّ الفلسفة تفقد أساسها باستمرار، وتفعل ذلك من خلال الميتافيزيقا» (هايدغر، 1383 ش (2004م)، ص134).

من هذا المنطلق يتحدث هايدغر عن موضوع الفكاك من تاريخ الميتافيزيقا». فهو يعتقد أنّ التفكّر في ذات الوجود وحقيقته لن يكون ممكنًا ولا متيسّرًا إلا بالسيطرة على الميتافيزيقا، ويذكّر أنّ المراد والمقصود من السيطرة على الميتافيزيقا، ليس سوى «التفكّر في الوجود نفسه».

ما يقصده هايدغر من الفكاك من الميتافيزيقا الإشارة إلى أنّها عدميّة، وذلك ليس متعمّدًا، في تحقيق هذا الأمر المهم، لأنها كانت عاجزة عن القبض على ماهيتها (سليمان حشمت، 1378 ش (1999م)، ص500).

في ضوء هذا الكلام يتوضّح سؤالنا أكثر. نؤيد من جهة السؤال عن الوجود بما هو موجود أن أساسَ الفلسفة هو «الوجود»، لكنّ هذا الأساس يتم تجاهله من خلال الميتافيزيقا. وهو في الواقع سؤال عن ذات الفلسفة، متزامنٌ مع السؤال عن الأساس الذي بُنيت عليه الميتافيزيقا، وينمو ويتطوّر من خلاله.

إنّ هايدغر في الأصول الميتافيزيقيّة للمنطق، يرى كذلك أنّ البشر محتاجون للفلسفة، ويعتقد أنّ تنامي الفلسفة غيرُ كامن في معوّقاتها، مما يمنع تقدّمها، وإنّما هو كامنٌ في أنّ بعضَ معضلاتها المحوريّة، تُخفي الغنى الكامن فيها (م.ن، ص156). يجب في رأيه أن يدّب في الفلسفة معنى وروحٌ جديدان. وهذا هو أوّل مسعىً لهايدغر في طرح المعنى الجديد للفلسفة، وهو متناغم على نحو عجيب مع الفهم الذي طرحه في المرحلة الأخيرة من عمله.

لا يختزل هايدغر الفلسفة ويجعلها أمرًا نظريًّا محضًا، كالنِّحلة الكانطيّة الجديدة، وإنّما الفلسفة بالنسبة إليه سبيلٌ لتوضيح حقول التجارب الحياتيّة. الفلسفة تسبق النظريّة، ويمكنها إدراك تجارب الحياة الإنسانيّة في شهود هِرمينوطيقيّ تأويليّ، وبواسطة علم الظواهر (الفنومينولوجيا)، وتاليًا وصفها، وهي من هذه الناحية طريقة لطرح الأسئلة والمعرفة (بوغلر، 1982، ص20).

إنّ الفلسفة كعلم أوّليٍّ موضِّحٍ للتجربة الحياتيّة تقع خارج نطاق التنظير والمفاهيم العلميّة. التجربة الحياتيّة هنا شيء يشبه الحَدَث (بوغلر، 1982، ص20). كما أن أسلوب العمل الفلسفيّ يختلف عن الأساليب المتعارف عليها والمألوفة. وهايدغر يعتقد أنّ الفلسفة لا تُستنتج من تاريخ الفلسفة، وهو مثل هيغل لا يجعل الفلسفة بالنسبة إليه طرح الأسئلة الأصلية البسيطة. وهو يرى أنّ الفلسفة على الرَّغم من أنّها لا تُستنتج من تاريخ الفلسفة، لكنْ بينها وبين تاريخ الفلسفة نسب، وتعود إليه على الدوام. ليس مفروضًا أنْ تُجيبَ الفلسفة الأصليةُ عن الأسئلة التي طرحها أرسطو أو ديكارت أو كانط في تاريخ الفلسفة، وإنّما يجب أن تطرح سؤالاً جديدًا، ويكون لها، في الوقت عينه، وهي تتابعُ طريقها، رأيٌ بالأسئلةِ القديمةِ الماضيةِ. في هذه الحال، يجب أن تنظر إليها بعين ناقدة، وأنْ يكون لديها أسلوبٌ تجريبيٌّ في مواجهتها. إنّ منابع الفلسفة ليست الأساليب والمناهج العلميّة المعروفة والمألوفة، بل يجب الوصول إليها من طريق آخر (كواكس، 1994، ص 91-111).

في الحقبة المتّصفة بالعصف الفكريّ من حياة هايدغر، لم يرد على لسانه كلامٌ متعلّق بموضوع التفاوتِ الجذريِّ بين الفلسفة والفكر. وفي كتابه "مدخل إلى الميتافيزيقا"، يذكر الفلسفة على أنها أحد الإمكانات المعدودة فحسب، التي يمكن أن يخلقها الإنسان (هايدغر، 1959، ص 8)، إنما في محاضرته "مدخل إلى الفلسفة" (1928 – 1929)، يمكننا أن نجد إشارات دالّة على انفصاله عن الفكر الميتافيزيقيّ، ومحاولة التفكيك والتمييز بين الفلسفة والفكر. لقد زرع البذور الأولى لهذه النظرة في تلك المحاضرة، وحصدها بعد ذلك في دروس نيتشه، وفي آثاراه المتأخّرة، وأسفرت هذه النظرة عن التمييز الدقيق بين الفكر والفلسفة.

في "ماهي الميتافيزيقا؟" ينقل مقولةً لأفلاطون في فيدروس: «إنّ صديقتي روح الإنسان، موجودة بحسب طبيعتها في التفلسف» (أفلاطون، 2001، ص249). نقل هايدغر عبارة فيدروس هذه على النحو التالي: «إنّ سكن الإنسان وإقامته في الفلسفة» (م.ن، ص96)، ويؤكّد أن التفلسف يظهر وبصور خاصّة طالما أنّ الإنسان موجود (م.ن، ص.ن). من هذه الزاوية هايدغر متّفق مع كانط، لأنّ كانط كان يبحث عن الميتافيزيقا بوصفها ميلاً لدى الإنسان طالما هو حيوانٌ ناطق، سيكون أيضًا حيوانًا ميتافيزيقيًّا، وتصبح الميتافيزيقا كما قال كانط لازمة من لوازم ذاته (كانط، 1990م، ص 223 – 224).

إن الفلسفة بالمعنى الذي كان هايدغر مهتمًّا به في مرحلة الشباب، تردُّ الإيديولوجيا والعلم إلى أصلٍ يجعلهما ممكنين. لا تتعاطى الفلسفة البحث حول مجموعة أو فئة خاصّة من الموجودات، وإنّما هي تهتمّ بالوجود على نحو شامل، هي لا تدرس الموجود، وإنّما تتأمّل في الوجود. حتى الميتافيزيقا التي كان هايدغر منذ العام 1930 يسعى إلى تمييزها من الفلسفة، مع أنّها تدّعي البحث عن الوجود، إلا أنّها عمليّاً تنشغل بالموجودات، وتُغفل الوجود نفسه.

الفلسفة بحسب ما يقصده هايدغر لا شأن لها بإثبات القضايا والمقولات أو إبطالها، ولا بإقامة الأدلّة والبراهين. ففي الفلسفة المقولات لا يمكن إثباتها، ليس لعدم وجود أي مقولة أعلى وأرفع من غيرها لتُستنتج منها القضايا والمقولات الأخرى، وإنما لجهة أنّ ما هو حقيقيّ ليس مقولةً، والحقيقةُ ليست شيئاً تُحصر في داخله المقولات والقضايا. الفرضيّة المعتمدة في الاستدلالات العلميّة أنّ الشخص الذي يفهم الأدلة، سيبقى كما هو، ولن يطرأ أيّ تغيير على فهمه للعلاقات المقوّمة للأدلّة، مع ذلك كلّه في المعرفة الفلسفيّة مثل هذه الفرضيّة مرفوضة، لأنّه منذ الخطوة الأولى يحدث في كيان الذي يفهم تغيّرٌ وتحوّل، ليس بالمعنى الأخلاقي والوجودي، وإنما بصورة حقيقيّة وواقعيّة في الـ دازاين نفسه (هايدغر 1999، ص10).

مع الأخذ في الحسبان ما قلناه، إن نحن ألقينا نظرة شاملة على آثار هايدغر يمكننا أن ندرك أنّه أينما تكلّم على نهاية الفلسفة، قصدُه نهاية الميتافيزيقا، وقد اتخذ الفلسفة مرادفةً للميتافيزيقا، وأينما تحدّث عن إحياء الفلسفة ونفخِ روحٍ جديدةٍ فيها، فإنّه يحسب الفلسفة رفيقة للفكر ومرادفة له، لذلك أنا أيضاً في هذه المقالة، مع الأخذ في الحسبان ما قلتُه حتى الآن، أتّبع الأسلوب نفسه والسياق ذاته اللذين استخدمهما هايدغر في آثاره. ففي آثاره الأولى على الرَّغم من أنّه لم يكن راضياً عن تاريخ الميتافيزيقا ولأنّها أغفلت الوجود وبحثت في ما يتعلّق بالموجودات، لم يتكلّم على نهاية الفلسفة، وإنما كان يعمل على إحياء الفلسفة، ونظريته النقديّة للفلسفة قد تشكّلت في المرحلة النهائية من عمله الفكريّ.

الآن يجب أن تتفكّروا بالشيء الذي أغفلته الميتافيزيقا، ما هو؟ أي يجب أن نتفطَّنَ إلى ماهيّة عالم يُدرك من الميتافيزيقا نفسها، وأن نشير كيف أنّ الميتافيزيقا بعد نفوذها ورسوخها هي التي وَسَمت الغرب وشخصّته. إن ما أبقته الميتافيزيقا غير مفكَّر فيه ومغفولاً عنه، هو الوجود نفسه، ومن هذه الزاوية هي عدميّة، لكنّ إثم هذا الإغفال لا يقع على عاتق الميتافيزيقا، بل على الوجود نفسه، الذي بعد تقهقره سَلَبَ نفسه بنفسه مجال التفكير، بناءً عليه فإن سمة الغرب والميتافيزيقا، هي غيبة الوجود، والتفكير بماهيّة الميتافيزيقا تفكير لتعرّف الوجود نفسه من جديد، إذاً السعي للخلاص من الميتافيزيقا معناه السعي للعثور على الإنسان في تاريخ الميتافيزيقا، هذا التاريخ هو حاصل الظهورِ الأصيل للوجود، ومن ثمَّ تقهقِره واختفائِه في ما بعد. كان لليونانيتين في البداية تجربة أصيلة عن ظهور الوجود، لكنّ الوجود يختفي في فكر أفلاطون وأرسطو، ففي علم الوجود الأفلاطونيّ (لا سيّما الرسالة السوفسطائية) الوجود ظاهر ومستور في الوقت عينه، لكن حينها انفتحت عين الحق بين البشر. في العالم اللاتيني اللغة، وفي مسيحية القرون الوسطى هذه العين غبشاء، ومع ظهور الحداثة فقدت الرؤية كليّاً (سليمان حشمت، 1999م، ص500 ـ 501).

انطلاقاً من المقدمات السابقة يمكن القول أنّ مسار الميتافيزيقا قد تم اجتيازه في جميع آثار هايدغر، وهو نفسه مسار الفلسفة، لأن الفلسفة بنظره هي الميتافيزيقا بالذات، وليس من باب الصدفة أن تستخدم هذه التسمية عنواناً لمجموعة رسائل أرسطو الفلسفيّة، وهو من مؤسسي الميتافيزيقا، وهو في هذا المسار نفسه يسأل عن قضايا يبدو في ظاهر الأمر أن لا صلة قربى بينها وبين الميتافيزيقا، مسائل كالفن والتقانة، وعدم استقرار الإنسان الحديث.. مع ذلك أشار في بعض الآثار بوضوح أكبر إلى هذا المسار، وقد تعرّض له بشكل مباشر، وهذه الآثار هي: «الميتافيزيقا بمنزلة تاريخ الوجود»، «الطروحات عن تاريخ الوجود بمنزلة الميتافيزيقا»، «ماضي الميتافيزيقا»، «مدخل إلى الميتافيزيقا»، وأيضاً «العودة إلى داخل ديار الميتافيزيقا» عن  ومقالة «الماهية الوجودية ـ الإلهيّة ـ المنطقية للميتافيزيقا».

في مقدمة الوجود والزمان قال في أثناء توضيح الغرض من تأليف كتابه، أنّ أمنيته أن ينجز عملَيْن مهمّين:

1ـ تفسير الإنسان بحسب الحيثية الزمانية، وتشريح الزمان بمنزلة الأفق، الأفق الأعلى لسؤال الوجود.

2ـ التفكيك المستند إلى الظاهراتيّة وتاريخ العلم وعلم الوجود.

لقد كان جلّ همّه منصبّاً في الوقت الذي سبق طرح ماضي الميتافيزيقا، على طرح السؤال عن حقيقة الوجود، ويحكي كتابه «الوجود والزمان» عن أقصى ما وصلت إليه مساعيه بالنسبة إلى هذا الأمر. تبدأ مقدّمة هذا الكتاب بالعنوان الأساسي وتحليل السؤال عن معنى الوجود، والعنوان الفرعي «ضرورة بنية السؤال عن الوجود وأولويّته» (هايدغر، 1962م، ص21).

لقد دأبت الفلسفة المعادلة للميتافيزيقا على طرح هذا السؤال، لذا فإن هايدغر يبدأ البحث حول تاريخ الفلسفة، وهنا يطّلع تدريجيّاً على كنه الميتافيزيقا والأجزاء المقوّمة لها، والتفكير المسيطر عليها، وطبيعة فهمها للحقيقة، ومنذ ذلك الوقت وما تلاه يصف الميتافيزيقا بأنّها تتّسم بسمات وجودية، إلهيّة، منطقيّة، هي الأجزاء المقوّمة للميتافيزيقا. يقول بهذا الصدد أنّ الميتافيزيقا توضح الموجودات بما هي موجودات، لذا فإنّ الميتافيزيقا قول وحكم (Dogos) في باب الموجودات (onta). العنوان الأوليّ أي علم الوجود مبيِّن لماهيّة الميتافيزيقا، إنّما بشرط أن لا نردّده بالمعنى المدرسيّ المحدود، بل نقصد معناه الحقيقي، إنّ نطاق الميتافيزيقا ومسارها هو الموجود بما هو موجود (on he on). أي أنه يشتغل على الموجودات بما هي موجودات هكذا تدلّ الميتافيزيقا دائماً وبشكل عام على الموجودات بما هي موجودات وتتمثّلها، بعبارة أخرى تتطرّق إلى موجوديّة الموجودات (Beingness of being)، لكنّ الميتافيزيقا توضّح وجود الموجودات على نحوين: الأول أنها تلاحظ جميع الموجودات من حيث هي، ومن ناحية تبعاتها العامّة، والآخر أنّها تنظر في الوقت عينه إلى جميع الموجودات من حيث هي باعتبار الموجود الأعلى أي لاهوتيّاً (wB،p. 137).

في هذا السياق يدّعي هايدغر أنّ المذاهب الميتافيزيقيّة من أرسطو حتى نيتشه اختارت كلّها طريقاً واحداً لشرح الوجود، وكانت كلّها تابعةً لنوع من المنطق الحاكم على الموجود. تحكي آثار هايدغر الأولى، التي تَعرُّف هايدغر القديم على التحقيق والبحث في ظل هذا التقليد الميتافيزيقيّ نفسه وبالتبعيّة له. إنّ رأي هايدغر الناقد لهذا التقليد مشهودٌ حتى في غضون آثاره الأولى، لكنّه أكثر بروزاً وظهوراً في آثاره المتأخّرة.

إنّ الميتافيزيقا تسعى إلى معرفة الموجود بما هو موجود، وسؤالها القديم والدائم: ما هو الموجود؟ لكنْ بنظر هايدغر معرفة موجوديّة الموجودات في الميتافيزيقا، لا تتيسّر إلا من خلال المعرفة التي يُسمّيها هو التفكير التمثّلي أو الحصولي (Representative thinking). يُعاد في الميتافيزيقا تمثّل الموجودات بالنسبة إلينا، أيْ أنّ صورة لها تُنْقَشُ أو تُرسم في الذهن. فتصبح صورةً ذهنيّةً.

بعبارة أخرى يُعرض الموجود في ثوب المفهوم على الذهن، لذلك يُعرف تحت مقولةٍ معيّنة، ومن هذه الناحية نرى أن ظهور المنطق Logic   وحلوله محلّ اللوغوس كان مناسبةً لظهور الميتافيزيقا، وهو في الحقيقة الأساس الذي تقوم عليه، فبالمنطق تُعرف الموجودات في قوالب المفاهيم. وأرسطو يعدُّ المنطق آلةً يمكن بواسطتها تنظيم المقولات التي هي وسائل إدراك الموجودات تنظيماً صحيحاً، أي أن المنطق في خدمة منظومة من المقولات تشبه المرآة في دلالتها على سلسلة مراتب الموجودات. يُسمّي هايدغر هذه المنظومة علم الوجود. في كتابه مدخل إلى الميتافيزيقا يقول:

على هذا النحو، النظريّة حول الوجود وتعيّنات الموجود بما هو موجود يُستبدل بها علمٌ غايته البحث والتنقيب في مقولاتها ونظامها. إن غاية كلّ مناحي علم الوجود هي نظرية حول المقولات (هايدغر، 1959، ص187).

من الأوصاف الخاصّة بالميتافيزيقا في تعريف الموجودات معنى هو المقصود والمراد في الحقيقة، فقد صارت الحقيقة بعد أفلاطون بمعنى المطابقة والموافقة أي أن يوافق رأي الإنسان فكرةً، وصار هذا المعنى في تاريخ الميتافيزيقا بصورة توافق الذهن والعين. تعريف الحقيقة هذا ملازمٌ كليّاً للمنطق أيضاً، الذي تُعرّف فيه الحقيقة بالصدق، والصدق بالتطابق.

القضيّة الأخرى في ما يتعلّق بعلم الوجود، هي من طراز فهمه للموجودات بما هي موجودات، والمسألة الأهم في ميتافيزيقا أرسطو هي ما هو معنى الموجود بما هو موجود؟ ويقول بهذا الصدد: «في الحقيقة السؤال الذي جرى البحث حوله منذ القدم وحتى الآن، وسيستمر البحث عن جوابه، ويبقى محيّراً، هو: ما هو الموجود؟ (أرسطو، 1987، 1028، ب3)، وهو نفسه يُضيف مباشرةً في المكان نفسه: «وهذا بمعنى: ما هو الجوهر؟ لأنه هو نفسه الذي قال عنه البعض إنه الواحد، وآخرون قالوا إنه يربو على الواحد، والبعض حصره في الأعداد» (م.ن) هكذا يُفهم الموجود بواسطة مفهوم الجوهر، وعلم الوجود لدى أرسطو يحصل من خلال الرجوع إلى أكمل الصفات وأكثرها أصالةً أي الموجوديّة. إن الجوهر هو المقولة الأرفع وتذيُّلها المقولات الأخرى، وبوساطتها تُدرَك، وعلم الوجود على هذا النحو إنما هو تمثّل للموجودات بما هي موجودات، كما أنه منظومةٌ من المقولات. هذه المقولات تُبيّن في ضوء المفهوم الأعلى للموجوديّة (الجوهر) مراتب وشؤون الموجودات بما هي موجودات.

لا يقصد هايدغر أنّه بواسطة الموجودات يقترب من الموجودات والإنسان الـ (دازاين)، إنّ فحوى كتاب «الوجود والزمان» مبنيّ على أنّه يُفسِّر الموجودات في ضوء الوجود، وليس بواسطة مفهوم موجودية الموجودات، إنه ينظر إلى الوجود في أفق الزمان والتاريخ، أي من حيث المواقف والمواقيت التاريخية، وليس من جهة العالم ذي التكوين الأزليّ والترتيب الأبديّ. لذا فإنّ هايدغر يرى أنّ التعريف المألوف للزمان في الفلسفة مغايرٌ لحقيقة الوجود وشؤونه وشجونه وعصوره التاريخيّة.

وجد الإنسان أيضاً مقاماً له في تاريخ الميتافيزيقا مغايراً لمقامه الحقيقيّ بقرب الوجود. من هذه الناحية يرى هايدغر أن اللفظة التي تدلّ في اللغة الألمانية على حقيقة الإنسان هي لفظة «Dasein» وقد استخدمها ليتحاشى تعريف الإنسان أنّه حيوان ناطق المألوف في الميتافيزيقا، أو الزعم أنه موجود كغيره من الموجودات. كما أنه يتحاشى الكلمات المتداولة ككلمة Sujet (الفاعل)  التي أُطلقت على الإنسان واستُخدمت بعد ديكارت. تعبّر لفظة «Sujet» عن السيادة المتأصّلة والمطلقة، وظهر فيها تمييز بين الإنسان والموجودات الخارجيّة «Objet (الموضوع) على نحو جعله مسيطراً على الأشياء، وهو يرى أن كلمة «mensch» (الإنسان) لا تدلّ على الشأن الحقيقي للإنسان، ففي هذه اللفظة المعنى المتّخذ هو المعنى الماهوي، لكنّ الإنسان ليس ماهيّة، إنما هو المظهر الذي يتجلّى فيه الوجود، لأنّه هو الموجود الوحيد الذي تربطه بالوجود قرابة خاصّة، ويستجيب لنداءاته. إن صفة الـ (دازاين) الأساسية هي كونه عالَماً. هو الموجود الوحيد الذي لديه عالمه.

بالنسبة إلى هايدغر وعنده الرجوع إلى منشأ الميتافيزيقا أي الرجوع إلى الحقبة اليونانية مهم جداً في مسار الفكر الغربيّ، وهو يتحاشى النظر إلى المفكرين اليونانيين قبل سقراط بعين الذين خَلَفُوهم، لا سيما أرسطو. في رأيه لا يجب أن يُعدَّ هؤلاء أسلاف أفلاطون أو أرسطو فحسب، لأنّ لهم أهميّة أكبر من ذلك، ويعبّرون عن تفكير فلسفي عنيد (هايدغر 1973م، ص56). مع أفلاطون وأرسطو سيطرت الأصولية في التفكير في الوجود، وتُوُهِّمَ أن حضور الموجود حاصِل بخطإٍ في الفكرة أو الطاقة. في حين أنّ الحقيقة لدى اليونانيين حضور محض، ومن دون الرجوع إلى الأصل والأساس بالنسبة إلى الموجودات، ومرجعها الظهور نفسه وعدم الاستتار (هايدغر، 1973م، ص55)، وقد رحلت مع أفلاطون تحت نير فكرة المثال. نتيجةً لهذه الرؤية حصل الإِرباك في الغفلة عن الوجود، الذي كان نتاج سلطة العلاقة بالموجود بدلاً من الوجود. وهكذا تأسّست الميتافيزيقا. وقد جر الخلط في الفكر الميتافيزيقيّ بين الوجود (Being / Sein) والموجود
(a Being / Seinde)، وعُدَّ الوجود وراء الموجودات، ووُضع له أصل وأساس، في حين أنّ الوجود هو في مجموعة الموجودات. خلال مسيرة الميتافيزيقا اشتدت الغفلة عن الوجود، إلى أن انتهت بالعدميّة المطلقة، وبداية نهاية الميتافيزيقا في العصر الجديد، وقد طرح هايدغر وشرح فكرة نهاية الفلسفة لتجاوز هذه العدميّة الناجمة عن إغفال الوجود.

نهاية الفلسفة:

«نهاية الفلسفة ووظيفة التفكير»، نص خطبة، نشرت في العام 1964م. في هذا النص، يَنْظُر هايدغر إلى الماضي من ناحية، ويتذكّره، ويشرح كيف ظهرت الفلسفة بصورة الميتافيزيقا في صدر التاريخ الغربيّ، ومن ناحية أخرى على الرَّغم من ذكر هذا الموضوع ينظر إلى المستقبل ليقول: في العصر الحاضر الذي هو عصر نهاية الفلسفة كيف هو الفكر الذي فقد هُويّته الميتافيزيقيّة، وما هي وظيفته، وما هي المهمّة الملقاة على عاتقه. هذا السؤال كما يذكر هايدغر نفسه في بداية المسألة، سؤالٌ شغل باله منذ العام 1927، ومنذ أن ألّف كتابَ «الوجود والزمان»، وهو أصلٌ من أصولِ فكره الأصيل، التي طرحها مجملةً في هذا الكتاب. تواجهنا هنا قضيّتان: إحداهما ما هو معنى الفلسفة في العصر الحاضر؟ والآخر: ما هي وظيفة الفكر في هذا العصر؟ لقد نقّبت هذه المقالة وبحثت منذ البداية عن هذا السؤال الأوّليّ: «ما معنى أنّ الفلسفة قد وصلت في العصر الحاضر إلى نهاية درجاتها؟» (هايدغر، 1966، ص473).

في هذا السؤال نقطتان، سعى هايدغر لتوضحيهما وتنقيحههما:

1- ما هي الفلسفة؟

2- ما معنى أنّها وصلت إلى نهايتها؟

يقول هايدغر في مقدّمة هذا الأثر أنّ الفلسفة هي الميتافيزيقا. إنّ موضوع الميتافيزيقا موجود بصورة مطلقة، ومسائله هي العالم والإنسان والله من خلال نسبتهم إلى الوجود. تفكر الميتافيزيقا بالموجودات بما هي موجودات بصورة تفكّر تمثّليّ وحصوليّ، فتهب الموجودات توجّها عقليًّا، لأنّه منذ بداية تاريخ الفلسفة، أظهر الوجود موجوداته بصورة العلّة والأصل والمبدإ والأساس. هذا الأساس هو الشيء الذي هو مبدأ هُويّة الموجودات في الكون، وفسادِها وبقائها، وهذا هو ما يصير معلومًا لدينا. إنّ الميتافيزيقا تبحث عن أساس الموجودات وأصلها، وهذا الأصل هو الذي يُسمّى الوجود. حين يُحسب الوجود أصلاً، يُفهم بمعنى أنّه حضور الموجودات. يمكن عدّ هذا الأصل بالنسبة إلى الموجودات بمنزلة العلّة الموجودة للموجودات (مثلاً الله الأساس والأصل العلويّ الأوّل)، أو الأساس أو الأصل الاستعلائيّ (مثلاً شرط إمكان للتجربة لدى كانط، الذي هو في الوقت عينه شرط إمكان متَعَلَّقيّة متعَلقات التجربة (Objectivity of objects)، أو بمنزلة المسار الجدلي للروح المطلق (بالمعنى الهيغلي)، أو التوضيح والتبيين لحركة الإنتاج (رأي ماركس)، وأخيرًا وضعها بمنزلة الإدارة المشابهة للقدرة الواضحة والمؤسّسة أيضًا لقيمها (رأي نيتشه).

إنّ الصفة المميِّزة للفكر الميتافيزيقيّ، الذي يضع أصل الموجودات وأساسها، هي أن ما يعرضه هذا الفكر ابتداءً ويتمثّله مبنيّ على ما له حضور، لذلك يصفه بحسب أصله وأساسه بمنزلة ما وضعه وأسّس له (هايدغر 1966، ص 573).

ما المقصود والمراد بنهاية الفلسفة؟ المعنى الذي يتبادر إلى الذهن عادةً من القول بـ «نهاية» أمرٍ ما، هو معنى سلبيّ، أي توقّف الشيء، وعدم استمراره، وحتى سقوطه وعجزه. قال هايدغر:

«ما نقصده بنهاية الفلسفة هو انتهاء الميتافيزيقا، لكنّ النهاية ليست بمعنى الكمال، الذي تكون نتيجته أن الفلسفة في نهاية الأمر تكون قد وصلت إلى أوج كمالها، لأنّنا لا نملك معيارًا يمكننا بواسطته أن نقيس عصور الميتافيزيقا المختلفة ونقارنها ببعضها، ونعدّ أحدَهما أكمل من الآخر، ولا يحقّ لنا أن نصدر مثل هذه الأحكام. فتفكير أفلاطون ليس أكمل من تفكير بارمنيدس، وفلسفة هيغل ليست أكمل من فلسفة كانط. لكلّ موقف في تاريخ الفلسفة ضرورته الخاصّة، ومن واجبنا نحن أنْ نقبل واقع أنّ لكل فلسفة طريقاً موجوداً كما هو. ليس علينا أن نفاضل بينها، كما نفعل بصدد العقائد والإيديولوجيّات المختلفة (م. ن، ص.ن)».

لقد خضعت الميتافيزيقا بأكملها، وفي جميع عصورها بأشكال مختلفة لسيطرة الفلسفة الأفلاطونيّة. أساسًا الميتافيزيقا أفلاطونيّة (م. ن. ص.ن)، بحيث أنَّ نيتشه وصف فلسفته أنّها نحلةٌ أفلاطونيّة معكوسة. مع انتكاسة الميتافيزيقا التي تحقّقت أكثر ما تحقّقت على يد كارل ماركس، انتهت قوّة الفلسفة، ووصلت إلى نهاية عهدها، والهموم التي يعاني منها الفكر الفلسفي اليوم ليست سوى تقليد دنيء لأمرٍ قد انقضى وانتهى (م. ن، ص.ن). إنّ الفرق الوحيد بين ميتافيزيقا أفلاطون وميتافيزيقا نيتشه، هو في أنّ العدميّة في الأول ضمنيَّةٌ ومستترةٌ ومضمرة، لكنّها في الثانية صريحةٌ وظاهرة (سليمان حشمت، 1999، ص499).

ذكر هايدغر في مكان آخر أن ماركس كان من المنادين بنهاية الفلسفة. يقول في كتابه «أطروحات حول فويرباخ»، في الأطروحة الحادية عشرة: «إنّ الفلاسفة هم الوحيدون الذين فسّروا العالم بطرق مختلفة، لكنّ تغييره هو القضيّة». لقد تطرّق هايدغر إلى أفكار ماركس الفلسفيّة، لا سيّما قضيّة نهاية الفلسفة عنده في مواضع عديدة، وفسّر القول المذكور آنفًا وعلّق عليه، في الوقت نفسه كان من منتقدي الماركسيّة. فقد انتقد على سبيل المثال قضيّة الفلسفة والثورة على النحو التالي: «لقد قيل أنّ الميتافيزيقا لم تتمكّن من تعبيد طريق الثورة، لذلك يجب التخلّص منها. هذا القول سخيف بمقدار سخافة القول أنّ منصة النجار لا فائدة منها في الطيران، لذلك يجب أن تُنحّى جانبًا» (هايدغر، 1959، ص10).

لقد ترافق اتساع نطاق الفلسفة وتشكّلَ العلوم التي انفصلت في ما بعد عن الفلسفة، لكنّنا اليوم داخل تيار، القضايا فيه، التي كانت تعالجها الفلسفة من قبل، قد دخلت حياض العلوم. ربّما ظننّا أنّ هذا الأمر في حكم وضع العلم في موضع الفلسفة، لكنّه في الحقيقة دليلٌ على نهاية الميتافيزيقا. يشير هايدغر بهذا الصدد إلى استقلال علم النفس وعلم الاجتماع كأمرين ثقافيّين، وكذلك إلى مساهمة المنطق المثاليّ وعلم المعاني، ويقول لقد استُبدل بالفلسفة العلمُ التجريبيّ للإنسان، أيْ العلم بكلّ الأشياء التي يمكنْ أن تكونَ مادّة تجريبيّة للتقانة. التقانة التي جعلته قطبَ هذا العالم (هايدغر، 1966، ص773)، لأنّ الميتافيزيقا الجديدة أرضٌ مدّت فيها العلومُ جذورَها ونَمَت. كان من شأن التقانة الميتافيزيقيّة، أنّها أدخلت في مرحلتها الأخيرةِ العلومَ تحت سيطرتها. وستحمل العلوم أيضًا وبسرعة هويّة العلم الأساسيّ المسمّى السيبيريّ (Cybernetics)، وتخضع لإرشاداته، ثم يضيف « إنّ العلم السيبيريّ قد حلَّ محلَّ الفلسفة» (هايدغر، 1993، ص95).

لقد وضّحتِ العلوم كلَّ شيء بحسب القواعد العلميّة، أي بواسطة التقانة. لقد أنجزت العلوم العملَ نفسه، الذي جاهدت الفلسفة لإنجازه طيلة تاريخها في مواضع مواطن خاصّة أي علم الوجود للحقول العلميّة الموجودات المختلفة (الطبيعة، الفنّ، التاريخ، القانون)، لكنّ العلوم أنجزته ناقصًا. النظريّة الآن بمعنى فرضيّة مقولات، لا يُسمح لها إلا بالأداء السيبيريّ، وهكذا تسيطر خصوصيّة أداء التفكير التمثّليّ المحسوب بدقة سيطرةً تامة.

في العلوم اليوم أيضًا كلامٌ على وجود الموجودات، وإن لم يتفوه أحدٌ بذلك. من الممكن أن تتنكّر هذه العلوم لأصلها الذي هو الفلسفة، لكنها لا يمكن أن تتجاهلها وتغضَّ الطرف عنها، فعليًّا. وثيقة انبثاق العلوم من الفلسفة لا تزال موجودةً حتى الآن (هايدغر، 1966م، ص 376 – 3787).

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: هل الفلسفة التي وصلت إلى نهايتها، بمعنى ذوبانها في العلوم، قد أظهرت وأبرزت كلَّ قواها وقدراتها؟ أم أنّ مسالك قوّة أو قدرة كامنةً هي جذر الفلسفة وباطنها، لم تتحقق فعليًّا حتى الآن؟ للإجابة عن هذا السؤال لا يجب حصرًا أنْ نضعَ الفلسفة جانبًا، وإنّما يجب أن نلحَظها في ظهورها التاريخيّ (جميع آثار هايدغر وأفكاره شاهدٌ على هذا المُدّعى). إن التفكير الآن في الفكر الفلسفيّ لديه مهمّةٌ وعليه واجبٌ ليس في متناول الفلسفة المعادلة للميتافيزيقا، ولا تصل إليه العلوم التي نشأت من رحم الفلسفة، وهنا يُطرحُ سؤالٌ ثانٍ: ما هي وظيفة التفكير في نهاية الفلسفة؟ نحيل الجواب عن هذا السؤال إلى مجال آخر، حيث سنتكلّم بالتفصيل على معنى التفكير بمنظار هايدغر.

نهاية الفلسفة لا تعني نهاية التفكير. المهم هنا الانتباه إلى أنّ الفلسفة في نهايتها، لديها القدرة على «بداية جديدة»؛ من هذه الناحية فإنّ نهاية الفلسفة ليست بمعنى رميها بعيدًا، أو تجاهلها، أو التخلّي عنها، بل العودة إلى الينابيع الأساسيَّة في داخلها، التي تمهّد الأرضيّة وتعدّها لتفكير آخر.

الاستنتاج والتقويم النقدّي:

تكلّمنا في هذه المقالة عن كيفيّة دخول هايدغر مجال المباحث الميتافيزيقيّة، وأشرنا، آخذين في الحسبان المسار التاريخي لمطالعته، لآثاره الأولى، وسوانح سيرته وأحواله، كيف أنّه مهّد الأرضيّة للرؤية النقديّة لبعض التعاليم التي استمّرت وتغلغلت في التراث الميتافيزيقيّ، وتكلمنا من هذه الناحية على تأثير الآثار الفلسفيّة الأولى، ومن بينها رسالة برينتانو المشهورة في ما يتعلّق بمعاني الوجود المتعدّدة، وصولاً إلى انتقاداته الأولى لقصور المنطق، ورؤيته المتقلّبة غير المستقيمة إلى التاريخ، واهتمامه بالحياة الواقعيّة في ضوء الحياة الدينيّة لعصر صدر المسيحيّة، وبيَّنّا كيف أنّ هذه الأمور دفعته لطرح دعاوى نقديّة للميتافيزيقا، وأرشدته إلى الكلام على نهاية الفلسفة. لقد توصّل هايدغر من خلال إعادة التفكير في فكر هوسِّر وفي مبادئ الفكر اليونانيّ، واللاهوت والعرفان المسيحيّين، والفلسفة الجديدة غير المفكَّر فيها بحسب زعمه، توصّل إلى هذا الرأي: أنّ تاريخ الفلسفة كان في الحقيقة « تاريخ نسيان الوجود»، و«المسار الانحداري للفكر من الوجود إلى الموجود». فالمثال والطاقة والمادّة والجوهر وغيرهما، كلُّها موجودات وليست الوجود. هذه الموجودات جرت على ألسنة الفلاسفة في علاقة مباشرة ومن غير واسطة بالوجود. هكذا أعلن هايدغر نهاية الفلسفة لعجزها وعجز التفكير الميتافيزيقي عن إيجاد أيّ نوع من أنواع التغيير في العالم.

إنّ التحقيق والنقد لكل دعوى من دعاوى هايدغر في  ما يتعلّق بنهاية الفلسفة، يتطلب مجالاً يفوق حدود هذه المقالة. لكن انطلاقًا مما ذكرناه في هذه المقالة، ممّا جاء في ثنايا آرائه نكتفي ببضع نقاط نقديّة: من الجدير بالتأمّل أن يفسّر هايدغر الحقيقة ليس بالمواءمة بل بالظهور وعدم الاستتار والحقيقة الشهوديّة والحضوريّة، ولا يعدّها محصورة في قيود التقارير والقضايا، أمّا أن يقول أنّه لا يجب أن يرد على لساننا في ساحة الفلسفة كلامٌ على صدق القضايا أو كذبها، وساحة الفلسفة مبرَّأةٌ من إثبات القضايا وإبطالها، فلا يبدو كلامًا مسوّغًا ومعقولاً، لأنّ هايدغر نفسه يُشير في طروحاته إلى طريق آخر، ساعيًا إلى فتح طريقٍ آخرَ جديدٍ أمام الغربيّين، ويدعو الناس إلى سبيل يُخرجهم من العدميّة. إن لم يكن من واجبنا الكلام في الفلسفة على الإثبات والإنكار والردّ والإبطال، بأيِّ ذريعةٍ يعدّ هايدغر تاريخ الميتافيزيقا تاريخ الغفلة عن الوجود؟ وبتجاوز الميتافيزيقا ودعوى نهاية الفلسفة، يريد أن يُحِلَّ تفكيرًا جديدًا محلَّ التفكير الفلسفيّ؟ أليس ذلك وقوعٌ في فخِّ التناقض؟ إن نحن سرنا على خطى هايدغر وفسّرنا الحقيقة أنّها حضور الإنسان وانفتاحه على الوجود، كيف يمكن وبأيِّ معيارٍ تعيين الحدود بين الحقيقة وغير الحقيقة؟ هل بالإمكان بواسطة دعوى هايدغر هذه وضعُ حدٍّ فاصل يميّز الحقيقة من الخطإ والصدق من الكذب؟ على أساس طبيعة فهم هايدغر للحقيقة، كلُّ واحدٍ يعدّ نفسه الناطق باسم الوجود، ويفسرّ ما يرد على لسانه على أساس حضوره وانفتاحه على الوجود، وبمثل هذا الادعاء يذهب أسُّ الحقيقة أدراج الرياح، فإن لم يكن للإثبات والإبطال مكانٌ في الفلسفة والفكر، كيف يمكن مواكبة كلّ الطروحات التي ادّعاها كلّ واحد من الفلاسفة على مدى تاريخ الميتافيزيقا؟ والخلاصة أنّه تبعًا لنمط فهم هايدغر للحقيقة، تُصبح الحقيقة من دون أساس. على الرّغم من نظرة هايدغر النقديّة السلبيّة هذه إلى تاريخ الميتافيزيقا الغربيّة، ربّما كان بإمكاننا مواكبته في بعض طروحاته المنمّقة، وعدّ الغربيّين العدميّين حصيلة الميتافيزيقا المتضخمة، ويبدو في البعد الإيجابيّ أنّ هايدغر لم يشقّ طريقًا للبشر الذين تورّطوا بالميتافيزيقا الغربيّة، ولم يحلّ أي عقدة من العُقد يُسمّي هايدغر عصرنا تبعًا لهولدرلين عصر العسرة، ويتحدّث عن الانتظار إنّما بكلام مبهم وغامض. علمًا أنّ بعض مفسّري كلامه والشّرّاح حاولوا أن يردوا هذا الإبهام إلى رمزيّة فكره، وكثرة ما فيه من أسرار، مدّعين أنّ الغموض سمةُ كلِّ تفكير رمزيٍّ، ودليلٌ على عظمة المفكّر. إنّ كلّ متعاطٍ بالفلسفة يتوقع من مفكّر كبير كهايدغر، أن يقومَ بعد أن يجتاز الميتافيزيقا ويتخطّاها برسم طريقه الخاصّ، وأن لا يترك نفسه وحيداً منفردًا في أتون الطرق الوعرة المتشابكة ( استعارة استخدمها هايدغر مرّات عدّة في آثاره)، التي لا تؤدّي إلى أيّ مخرج.

النقطة المهمّة الأخرى في تقويم ما قيل عن هايدغر في هذه المقالة، هي الفصل بين الوجود والموجود، والنتيجة أنّه عقّد هذين المعنيَيْن الفلسفيّين بهذين الفهمين المنعزلين للوجود والموجود. وهو يعتقد أنّ تاريخ الميتافيزيقا هو تاريخ الاهتمام بالموجود والانقطاع وغضّ الطرف عن الوجود، ومقارية الموجودات، ومن هذه الزاوية يعدّ الفلسفة بالمعنى الميتافيزيقيّ حاصلَ الغفلة عن الوجود، ويتحدّث عن نهاية الفلسفة والميتافيزيقا، لكنّه حين يتكلّم على بداية تفكير آخرَ يُحضَّر في ظلِّ ماضي الميتافيزيقا، يعود من جديد إلى قراءته الأولى، كأنّما هو يختار ملجأً آمنًا له في منزل الميتافيزيقا، لأنّ النسبة إلى الوجود التي تبدأ في ضوء ماضي التراث الميتافيزيقيّ، تعود بسبب تناهي الـ «دازاين» الذي تحدّث عنه هايدغر بصراحة، وتقع أسيرة الرؤية إلى الموجود، وهو لا يُحيل أمنية وجوده إلاّ إلى الموجود. فلماذا إذاً كلّ هذا التأكيد على الوجود، والرؤية النقديّة للميتافيزيقا؟ وكيف يطلب المدد والمساعدة من ماضي الميتافيزيقا؟ يبدو أنّ هايدغر نفسه قد أذعن أيضًا إلى هذه الحقيقة، لأنه استخدم في المرحلة الأخيرة من عمله الفكريّ ألفاظًا ومصطلحات يُسْتَشَفُّ من معظمها معنىً سلبيّ، والكلمات المفتاحيّة في أعماله الفكريّة المتأخرة مصطلحات اقتبسها من الشاعر الكبير هولدرلين، ولم يبذل أيّ جهدٍ يُذكر لتوضيح هذه المفاهيم وتنقيحها، لأنّ هايدغر على ما يبدو لم يكن قد عثر بعد على اللغة الفكريّة التي نظّرتها، طارِحاً وجوب كتابة قواعد لغويّة جديدة بعيدة كلّ البعد عن لغة الميتافيزيقا. لم يتمكّن هايدغر على الرَّغم من كل الجهود التي بذلها في أثناء هذا الطريق، أنْ يقدّم أطروحة عن هذه اللغة، وأمّا اللغة الشعريّة وأشعار كبار الشعراء الألمان لا سيّما ملك الشعراء الألمان هولدرلين، على الرغم من المساعدة التي قدّمتها له، وأخذِها بيده في الطريق الفكريّ الجديد الذي عرضه، فلمْ تُلَبِّ الغاية المنشودة التي كان يطمح لتحقيقها. من الممكن معاينة الشاهد على هذا الطرح بوضوح في المقابلة التي أجرتها معه مجلّة دير شبيغل في أواخر عمره. وقد نُشرت هذه المقابلة بعد موت هايدغر بناءً على طلبه، وأقرّ فيها هايدغر بفشله في بناء فكر آخر جديد، ويقول أنّ الفلسفة لن تستطيع القيام بتغيير مباشر ومن دون وسائط في الوضع العالميّ الراهن، وهذا الحكم ليس مختصًّا بالفلسفة وحدها، وإنمّا يصدق أيضًا على آمال البشر وتوقعاتهم. إنّ خلاصنا بيد الله وحده. لا سبيل أمامنا إلا الشعر والفكر لاستثارة الاستعداد لحضور الله أو لغيابه (مدديور، 1995م، ص89). يزعم هايدغر أنّ الطريق الوحيد الذي يمكّن التفكير الذي ادّعاه أن يسرّع خطوات البشر هو الاستعداد والانتظار، لكنْ متى سينتهي الانتظار؟ فذلك ليس بإرادة الإنسان وخياره، ويبدو أن الفكر المختلف الذي تحدّث عنه هايدغر له نهاية هي كمال الفلسفة التي ادّعاها، لأنّ هايدغر يقول في تتمّة مقابلته المشهورة: أنا لا أستطيع أن أدلّ بوضوح على طريق التفكير الجديد وشكله. وأمّا بصدد كيفيّة تأثير هذا الفكر فأنا لا أعلم شيئًا. هنالك إمكانيّة انتهاء طريق أيّ تفكير بالسكوت والصمت ليمنع الفكر من القضاء على نفسه بنفسه بغضون سنة واحدة. هنالك إمكانية أن يكون الفكر مؤثِّر بعد 300 سنة (م.ن، ص95).

من الجدير في هذا المقام أن يُسأل فيلسوف كبير كهايدغر، أنّنا لن نعيش 300 سنة، وإنّما نحن نعيش هنا والآن، ولا يجوز أنْ نسكتَ، ونحن ننتظر المساعدة من الفلاسفة، وحتى وإن كانت هذه المساعدة غير مباشرة ومن طرق فرعيّة. يجيب هايدغر بكل بساطة: «أنا أيضًا لا أستطيع» (م. ن، ص.ن).

هذا القول يمكن أن يجعل قلبَ غير الفيلسوف فارغًا راجفًا، لكنّ هايدغر على الرَّغم من كلّ الطروحات المنمّقة التي قدّمها منتقدًا تاريخ الميتافيزيقا، حين يُطلب إليه بديل لهذا النوع من التفكير، يرى يده خالية، ويصمت، والكلام الوحيد الذي خلُص إليه في هذا الباب وساقه على لسانه، الاستعداد لظهورِ فكرٍ من غير المعلوم متى يكشف النّقاب عنه وفي أيّ زمان سيصل.

إنّ نقد هايدغر للميتافيزيقا هو من دون شكّ نقدٌ لتاريخ الفكر الغربيّ، وهو فضلاً عن نقده المبدئيّ للغرب انتقد جميع المظاهر التي رشحت إلى الخارج من قلب ما بعد الطبيعة الغربيّة، ذلك لأنّ مفهوم الغرب لديه مساوٍ للميتافيزيقا ومعادلٌ لها، وكلاهما ناجمٌ عن الغفلة عن الوجود، لكنْ يجب الانتباه إلى أننا وإن كان لنا رأيٌ موافقٌ لرأيه في نقد الغرب، لا يجب أن ننظر بالكثير من التفاؤل إلى هذا التوافق في الرأي، لأنّ أسسَ نقدنا لتراث الفكر الغربيّ تختلف من دون أدنى ريب اختلافًا جذريًّا عن منطلقات هايدغر وكلامه. وعلى الرَّغم من وجود نقاط تشابه أيضًا بين هذين النوعين من النقد، لا يجب أن يكون ذلك سببًا لسوء الفهم والقطيعة.

المصادر والمراجع:

أرسطو، متافيزيك (الميتافيزيقا)، ترجمه بالفارسية شرف الدين الخراساني، طهران 1366ش (1987م)، منشورات حكمت.

أفلاطون، مجموعة الآثار، ترجمه بالفارسية محمد حسن لطفي، طهران 1380ش (2001م)، منشورات خوارزمي.

ديكارت، رينيه، تأملات در فلسفه أولى (تأملات في الفلسفة الأولى)، ترجمه بالفارسية أحمد أحمدي، طهران، 1376ش (1997م)، منشورات سمت.

روجيه ورنو وجان فال، نكاهى به يديدارسناسى وفلسفه هاى هست بودن (نظرة إلى الظاهراتيّة وفلسفات الوجود)، اقتباس وترجمة يحيى مهدوي، طهران 1372ش (1993م)، منشورات خوارزمي.

سليمان حشمت،رضا، «تاريخ در نظر هايدغر» مهدوى نامه: جشن نامه استاد دكتر يحيى مهدوى « التاريخ بنظر هايدغر» كتاب تخليد مهدوي: مجموعة المقالات التي ألقيت في ذكرى الأستاذ الدكتور يحيى مهدوي)، إعداد حسن سيد عرب وعلي أصغر محمد خاني، 1378 ش (1999م)، طهران، منشورات هرمس.

كانط، إيمانويل، تمهيدات، ترجمه بالفارسيّة غلامعلى حداد عادل، طهران 1370ش (1991م)، مركز النشر الجامعي.

مدديور، محمّد، تفكرى ديكَر (فكرٌ آخر)، طهران 1374 ش (1995م)، مركز الدراسات الشرقيّة في الثقافة والفنّ.

هايدغر، مارتين، سرآغاز كار هنرى (بداية العمل الفنيّ)، ترجمه بالفارسيّة برويز شهابى، طهران 1379ش (2000م)، منشورات هرمس.

هايدغر فلسفه در قرن بيستم (الفلسفة في القرن العشرين) مع ملحق ما هي الفلسفة؟، ترجمه بالفارسيّة رضا داوري الأرداكاني، طهران 1375ش (1996م)، منشورات سمت.

هايدغر... ميتافيزيقا جيست؟ (ما هي الميتافيزيقا؟) ترجمه بالفارسيّة سياوش جمادي، طهران 1383ش (2004م)، منشورات ققنوس.



[1]*- باحث من إيران، أستاذ ومساعد في مجموعة الفارابي الفلسفيّة، جامعة طهران.

ـ ترجمة: أ.د. دلال عباس، أستاذة الحضارة الإسلامية والأدب المقارن العربي – الفارسي في الجامعة اللبنانية.

- المصدر: البحث مُستلٌّ من مجلة معرفت فلسفي (المعرفة الفلسفيّة) السنة الحادية عشر، العدد الرابع- صيف 1393 هـ ـ ش (2004م) ص 119 – 146.