البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

غادامر مؤولاً هايدغر

الباحث :  ماهر عبد المحسن
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1377
تحميل  ( 353.876 KB )
بين فيلسوف التأويل هانز جورج غادامر و"هايدغر" علاقة معقدة ومتشابكة، كما أنها علاقة خصبة وثرية. وهي بهذه المثابة تعد هدفاً مستمراً، وموضوعاً مغرياً للقراءة والتأويل. وللدخول إلى صلب العلاقة التي بين الفيلسوفين الكبيرين، والولوج إلى عالمهما الرحب، هناك أكثر من مدخل وأكثر من طريق لتحقيق هذا الهدف. وإذا أردنا أن نحتذي بـ "هايدغر"، متخذين من منطق السؤال نقطة انطلاق لبحثنا، فإننا سنمضي في طريقنا على النحو الذي يقربنا من محاولة الإجابة عن هذين السؤالين: إلى أي مدى كانت علاقة غادامر بهايدغر  إشكالية ؟ وإلى أي مدى كانت مستمرة ومتواصلة؟. وفي محاولة الإجابة عن السؤال الأخير يقدم الباحث قراءة خاصة لكتاب غادامر "طرق هايدغر"، معتمداً على مقالة لغادامر منشورة في كتابه "تجلِّي الجميل ومقالات أخرى"، وفيها يتناول مفاهيم "اللعب والرمز والاحتفال" باعتبارها طرقاً غادامرية لفهم  هايدغر  وطبيعة علاقته بغادامر.

المحرر

----------------

يصف غادامر أول معرفة له بهايدغر  Heidegger قائلاً "لقد كانت السنة الأخيرة عندما أعطانى أستاذي بول ناتورب Paul Natorp أربعين صفحة من "مقدمة لتفسير أرسطي" لـ  "هايدغر وكان لهذا تأثير عليَّ أشبه بصدمة كهربائية. فلقد شعرت كشاب في الثامنة عشر بشيء شبيه بما حل بي عندما أصبحت لأول مرة وجهًا لوجه مع قصائد ستيفان جورج[2] (Stefan Georg).

ثم يصف أول لقاء شخصى به مؤكدًا أن "لقاء  هايدغر، الذي كان السبب في ذهابي إلى فرايبورغ Freiburg، أثبت لي أن ما تابعته بعاطفة هزلية وإشباع جزئي فحسب في التمرينات التجريبية في التفكير التي قادها نيكولاي هارتمان Nicolai Hartmann  نفسه، لم يكن هو ما ظللت أنشده كفلسفة".[3] ويعترف بأن "الإحكام والطاقة التعليمية لهايدغر قد جعلت كل خبراتي السابقة، باستثناء وحيد مع شيلر Scheler، سطحية"[4].

لقد تعلم غادامر فن الوصف الفينومينولوجي من هوسرل Husserl في فرايبورغ Freiburg عام 1923، وأيضًا من  هايدغر  Heidegger حتى يمكنه تفسير النصوص القديمة الموجّهة "للأشياء في ذاتها" [5].

يُشار هنا، إلى أن غادامر استفاد من هوسرل وهايدغر  كلٍّ على حِدَة، إلا أنه استفاد أيضًا من علاقتهما الثنائية معًا. بمعنى أدق يمكننا القول أن غادامر، وفي إطار متابعته وتأثّره الطاغي بهايدغر، قد قرأ هوسرل من خلال هايدغر. فالكثير من المواقف الهايدغريّة إزاء الفينومينولوجيا الهوسرلية كان بمثابة العلامات الإرشادية لفكر غادامر. فمفهوم "الفهم"، الذي تقوم عليه النظرية النقدية لغادامر، يرتد بأصوله إلى إعادة التوجيه الأنطولوجي الخاص ب هايدغر  والمتأسِّس بدوره على تحليل هوسِّرل للعالم المعيش، حيث إن إدراك  هايدغر  لزمانية الوجود هو الذي مكَّنه من هجر الذاتية المتعالية، ومن ثم اعتبار الفهم هو الشكل الأصيل لإدراك الوجود ـ هناك There - Being، الذي هو الوجود ـ في ـ العالم [6]Being- in- the World.

ونظرًا لأن لشخصية هايدغر أصالتها الفكرية فقد كانت بمثابة الدرع الواقي لغادامر من دوغماطيقية الفينومينولوجيا الهوسرلية. فإذا كان الأسلوب الفعال، بتنوعاته التي لا تنتهي، الذي حاول هوسرل من خلاله أن يحدد تكوين الوعي الذاتي كوعي زمني، عاملاً محددًا للأسلوب الخاص لهايدغر في طرح مشكلة البنية الزمنية للدازاين Dasein، فمن المؤكد أن صلة  هايدغر الحميمة بالميراث الفلسفي اليوناني قد أبعدته نقديًا عن كانطية هوسرل الجديدة والتنظيم الجدلي للفينومينولوجيا[7]. وبناءً على ذلك يتابع غادامر هايدغر في هجره لمحاولة هوسرل إيجاد فينومينولوجيا منهجية على أساس أفعال أو أداءات الوعي[8].

الغريب أن  هايدغر  بدوره قد تسلح، في رفضه لفينومينولوجيا هوسرل المنهجية، بنموذج كيركغارد Kierkegaard في رفض محاولات هيغل "لاستكمال النظام" المتعلق بفلسفة العقل. لأن كيركغارد هو الذي أصر على أننا، كموجودات متناهية، "فإننا باستمرار في عملية صيرورة"، وأننا بذلك لن نصل أبدًا للمعرفة الكلية المطلقة، التي هي وحدها التي يمكن أن تجعل الفلسفة الشاملة، النظامية ممكنة[9].

لا يتوقف الأمر بهذه العلاقة الثلاثية بين هوسرل وهايدغر وغادامر عند هذا الحد، وإنما يصل إلى درجة إعادة غادامر لاكتشاف نفسه في ضوء نقد  هايدغر  لهوسرل. فلقد رأى هايدغر، من وجهة نظر غادامر، المهمة الأساسية للفينومينولوجيا باعتبارها كشفًا للظاهرة، وبذلك وجد عدم كفاية عبارة هوسرل "إلى الأشياء ذاتها". لأن شيئاً ما لكي يُظهر نفسه، فإنه يتطلب تكشفًا للتحجب حتى يمكنه أن يفصح عن نفسه. إن كلمة "الفينومينولوجيا" لا تعني فحسب "وصف ما هو معطى"، ولكنها تشمل بالأحرى كشف التحجُّب الذي هو ليس في حاجة لأن يتألف من بنية نظرية زائفة"[10].

ويخلص غادامر من هذا النقد لمفهوم الوعي إلى أن  هايدغر أدخل قبل "الوجود والزمان" Being and Time تعبير "هرمينوطيقا الوقائعية" Hermeneutics of Facticity واضعًا إياها ضد تساؤله الخاص عن مثالية الوعي. فالوقائعية Facticity هي على نحو جلي ذلك الذي لايمكن أن يكون واضحًا، الذي يقاوم أي محاولة لبلوغ شفافية الفهم. وهكذا يصير واضحًا أن كل فهم يُبِقي على شيء ما غير واضح. وفي ضوء هذا القصور يصرّح غادامر بأن أعماله الخاصة قد انبثقت في هذا الاتجاه. ويرى أن ذلك لا يعنى فقط أن واقعية المرء سوف تجد دائمًا أن كل فهم محدود، لكنه يعني أيضًا أن الفهم اللاَّمحدود سوف يلغي معنى الفهم نفسه، لأنه باعتباره منظورًا يرى كل شيء فسوف يلغي ذات معنى المنظور[11].

إشكالية العلاقة بين غادامر وهايدغر

 إذا كانت علاقة غادامر بالفينومينولوجيا بعامة علاقة معقدة على النحو السالف ذكره، فإن علاقته ب هايدغر على نحو خاص ليست بأقل تعقيدًا، بل يمكننا القول فوق ذلك إنها تصل في درجة تعقيدها إلى حد الإشكال. من هذه الناحية يرى نيكولاس دافي Nicholas Davey أن فكرة غادامر عن الحديث واللغة هي نفسها الموجودة في التصور التام الوضوح في "الوجود والزمان" Being and Time وأنه بهذه المثابة يعد مجرد امتداد للأفكار الهايدغر ية أكثر من كونه محققًا لانقطاع أصيل معها[12].

يلاحظ البعض أن غادامر قد نفّذ مشروعاته الفلسفية ـ بخاصة مشروع التفكير من خلال اليونان والنصوص الشعرية وصياغة الهرمينوطيقا ـ مع استقلال ملحوظ عن الجهود الواضحة لهايدغر بجانب الخطوط المتشابهة. إن كل من هايدغر وغادامر يدرس التاريخ والتراث من أجل نقد العصر الراهن، لكن تبقى في النهاية مسألة الاختلاف في درجة التأكيد. فبينما يشير هايدغر إلى أن نرى في الموقف التاريخى الحاضر إشارات لـ "بداية أخرى" ونهاية لعهد قديم باعتباره تراثًا مستنفدًا، يميل غادامر إلى أن يأخذ هذا الموقف باعتباره لحظة يصبح فيها الماضي مرئيًا في ضوء مختلف"[13].

ويبدو من عبارات غادامر نفسه تعارضه في بعض المسائل مع  هايدغر  "كنت أحاول، بالتعارض مع  هايدغر، أن أبين كيف أن فهم الآخر له أهمية جوهرية"[14]، فالأسلوب الذي طوره  هايدغر  ـ في ما يرى غادامر ـ لإدراك سؤال الوجود، والأسلوب الذي صنعه لفهم البنية الوجودية الأصيلة للدازاين Dasein استطاعا فقط أن يجعلا الآخر يُظهر نفسه في وجوده الخاص كعامل محدود. إلا أن تقوية الآخر ضد نفسي هو الذي سيسمح لي في النهاية ولأول مرة بالانفتاح على الإمكانية الحقيقة للفهم، وذلك بتجاوز الإمكانيات الذاتية في العملية الحوارية الهرمينوطيقية[15]. 

فريق ثالث يحاول استخلاص رؤية نقدية من تطوير غادامر لرؤية هايدغر في الخاصية الهرمينوطيقية للفن، فبرغم أنه في "الاستطيقا والهرمينوطيقا" Aesthetics and Hermeneutics لا يشير غادامر في أي مرة إلى اسم هايدغر، فإن هذه المقالة يمكن النظر إليها كمحاولة لربط الخاصِّية الهرمينوطيقية للعمل الفني بتأكيد هايدغر للخاصية البشرية. ان اكتشاف غادامر للمهمة الهرمينوطيقية المتضمنة في خبرة الفن تبين كيف أن ما يستمر في الرد على حديث الفن يتضمن كفاحًا للبعد الأكثر اعتدالاً وشخصية مما يفترض  هايدغر[16].  

ويقدم غادامر هذه الرؤية النقدية على نحو صريح ـ في ما يرى فريق آخر ـ عندما ينتقد قراءة  هايدغر  لأعمال أفلاطون من خلال عيون النقد الأرسطي، ذلك النقد الذي يهدف بشكل قاس إلى رفض فصل أفلاطون ـ في مذهبه في المُثل ـ العالم الفيزيقي المحسوس عن العالم العقلي للفكر، والذي أدى، في ما يرى  هايدغر، إلى ما أسماه بـ "نسيان الوجود"، وذلك دون اعتبار للمحاورات الأخيرة، حيث تعامل أفلاطون نفسه مع هذا الفصل بأسلوب جذري ورفضه على نحو انتقادي[17].

ومن هذا الوجه يرى ب. كريستوفر سميث P. Christopher Smith في هذه الرؤية النقدية تجاوزًا لتفسير  هايدغر  لأفلاطون، ولكن بأسلوب  هايدغري[18].

وفي هذا الصدد تحاول دراسة متعمقة له أن تخطو خطوة أبعد، لتقدم تأصيلاً للخلاف الذي بين غادامر وهايدغر. ويجد غادامر ـ وفقًا لهذه الدراسة ـ نفسه بين الحدس الفينومينولوجى والجدل الهيغلي، بين اللوغوس Logos والنوس Nous، بين المقول والمسكوت عنه، فبينما يقبل غادامر هذه الثنائية، فإن هايدغر يرفضها. وفيما يفضل  هايدغر  الرجوع إلى ما وراء الإمكانيات المدركة تاريخيًا والمتحقِّقة فكريًا لشيءٍ ما قبلي كخبرة أكثر أصالة للحقيقة والزيف، فإن غادامر، على العكس، يقاوم إغراء نشدان الأصل ويقبل ـ حيث نجد أنفسنا في ألعابِ المحادثة ـ تلاعب اللغة والرؤية[19] (The Play of Language and Insight).

وأيًّا ما كان الأمر، يمكننا القول بأن تلك العلاقة الإشكالية بين غادامر وهايدغر قد تجد حلاً لها في تلك النظرة التي تتمثلها كمجموعة من الأوجه المتعددة لماسة واحدة. فليس ثمة تعارض بين أن يكون غادامر مكررًا ومطورًا وناقدًا ومتجاوزًا لهايدغر في الوقت نفسِه. فكلها أدوار يؤديها غادامر ببراعة في دراما هايدغرية شديدة الخصوبة. وإذا أردنا أن نبحث عن العنصر الثابت في هذه العلاقة المراوغة، فسنجد أنها تتلخص في وجود "صلة ما" بـ هايدغر، أيًّا ما كانت هذه "الصلة". ففي أكثر مواقف غادامر الفلسفية بعدًا عن  هايدغر، يمكننا ـ بشكل أو بآخر ـ أن نردَّها إلى  هايدغر، أو على الأقل نشتمَّ روائح هايدغرية.

إذا انتقلنا إلى التأثير المباشر على غادامر فسنجد أن أول شيء تعلمه الأخير من هايدغر هو العودة لليونان. وفي هذا المعنى يذكر غادامر أن "ما تعلمناه من هايدغر  كان ـ فوق كل شيء ـ هو وحدة الميتافيزيقا المتأصلة بواسطة اليونان ومصداقيتهم المستمرة تحت الشروط المتغيرة للفكر الحديث"[20].

وعن أهمية الفلسفة اليونانية بالنسبة لغادامر، يذكر أنه قد أصبح على ألفة بها من خلال نيكولاي هارتمان Nicolai Hartmann، الذي وجد، في ذلك الوقت، في أرسطو نوعًا من المساعدة الفينومينولوجية في قطيعته مع الكانطية الجديدة المستلهمة بواسطة ماكس شيلر Max Scheler. إلا أن مدخله الحقيقي لفهم أرسطو، وأهميته لفهمنا للعالم ـ  كما ورد على لسانه ـ يدين به للقائه مع مارتن  هايدغر  في صيف 1923[21].

إعادة الاعتبار للأرسطية

لقد أعاد  هايدغر  الاعتبار لأرسطو بعد أن لم يكن يحتل مكانة عالية في ماربورغ Marburg. ويكفى أن هرمان كوهن Hermann Cohen كان يعتبره مجرد مفكر تصنيفى كالصيدلي الذي يضع الملصقات على العلب والزجاجات. لقد عرف  هايدغر  جيدًا وأحب صرامة الفكر الأرسطي، فقد علَّم غادامر ـ على حد تعبير هذا الأخير ـ أنه حتى عندما يرفع هوسرل Husserl شعار "الإدراك الخالص"، فإن الفكر اليوناني والأرسطي يعمل بطريقة لاواعية على إعاقة التحول الفينومينولوجي الهوسرلي "إلى الأشياء ذاتها". فالميراث اليوناني يعبِّر عن نفسه في تحول الفلسفة الغربية من الجوهر Substance إلى الموضوع Subject داخل اللغة نفسها[22].

بناءً على ذلك تعلَّم غادامر من هايدغر التحرر من أسلوب التفكير الغربي التقليدي الذي ساد الميتافيزيقا. وفي هذا الصدد ينبغي أن نلاحظ ـ على نحو ما يرى د. سعيد توفيق ـ أن تجاوز الفكر الغربي لم يكن يعني بالنسبة لغادامر تجاوز الميتافيزيقا الغربية فحسب، وإنما يعني أيضًا ـ مثلما كان يعني بالنسبة لهايدغر ـ تجاوز الوعي التاريخي وكذلك الوعي الجمالي الذي تشكل من خلال التصور التقليدي لعلم الجمال الذي ساد الفكر الغربي منذ نشأة هذا العلم في العصر الحديث على يد الكسندر باومغارتن[23] (A.Baumgarten).

تحت تأثير هايدغر أسس غادامر نظريته في المعرفة الإنسانية في التفكير الفينومينولوجي للنشاط الأساسي للحياة. فتحليل هايدغر لتناهي الوجود الإنساني Dasein فتح إمكانية الاعتراف المباشر والواضح بالوعي الهرمينوطيقي، وإدراك أنه لا يوجد موقف متميز لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا يوجد مواقف متناقضة خالصة لا يمكن تعلّم شيء من خلالها، ولا أوضاع خالصة لا نحتاج فيها لأن نكون واعين نقديًا بالمحددات الممكنة[24].

إن اكتشاف هايدغر للأهمية الانطولوجية للفهم هي نقطة التحول الرئيسية في النظرية الهرمينوطيقية، ويمكن فهم عمل غادامر باعتباره محاولة لإجراء تطبيقات لنقطة البدء الجديدة التي يقدمها هايدغر. فكل تفسير ـ حتى التفسير العلمي ـ يكون محكومًا بموقف المفسِّر المتعيِّن، فلا يوجد استبعاد للفروض المسبقة، أي تفسيرات "لا متحيزة" Prejudiceless، لأنه بينما يمكن للمفسر أن يحرر نفسه من هذا الموقف أو ذاك، فإنه لا يستطيع أن يحرر نفسه من واقعيته الخاصة، من الشرط الانطولوجي المتعلق بالامتلاك الدائم والمسبق لموقف زمني متناه، باعتباره الأفق الذي فيه تحوز الموجودات التي يفهمها المفسر معناها الأولى بالنسبة له[25].

مما لا شك فيه أن تحليل هايدغر للوقائعية Facticity في ما يتعلق بمفهوم التفسير يقدم لغادامر الوسائل الفعالة لتجاوز الانفصال الأوّليّ للمفسر عن التراث الذي كان أمرًا بديهيًا بالنسبة للنظرية الهرمينوطيقية المبكرة[26].

وفي هذا الصدد نجد أن غادامر يتجرع ذات الكأس التي سبق لهايدغر أن تذوقها. فإذا كان غادامر قد أخذ على  هايدغر  قراءته للمثل الأفلاطونية بعيون أرسطية، ودونما الرجوع إلى محاورات أفلاطون الأخيرة التي عدل فيها عن مواقفه الأولى وتعامل معها بروح نقدية جذرية، فإن هذا المأخذ نفسَه يتعرض له غادامر، في قراءته لهايدغر نفسه، حيث أخضع هذا الأخير، في ما يرى جون د. كابوتو (John D. Caputo)، أفكار "الأفق" (Horizon) و"البنية المسبقة" (Fore - Structure)للبحث النقدي، إلا أن غادامر يغض النظر عن هذا التطور عند  هايدغر، ويجعل من هذه الأفكار أساسًا لهرمينوطيقاه الفلسفية[27].

والحقيقة أن ثمة اختلافاً جوهرياً بين الموقفين، فهايدغر عندما كان يغض الطرف عن مواقف أفلاطون اللاحقة والمتطورة إنما كان في الوقت نفسه يتوجه بالنقد لمواقفه الأولى التي عدل عنها وكأن تطورًا لم يحدث. هذا في حين أن الوضع في حالة غادامر يختلف تمامًا، فهو لا ينتقد موقفًا أوّليًّا أَقلَّ تطورًا ويغض الطرف عن موقف لاحق أكثر تطورًا، وإنما هو، في واقع الأمر، يستفيد من مرحلة فكرية دون مرحلة. ولا يمكن القول بأنه كان ينبغي على غادامر أن يستفيد من نقد  هايدغر  المتأخر لافكاره السابقة، إذ أن المبدأ الهرمينوطيقي الأساسي القائل "بتعدد التفسيرات" يسمح لغادامر بأن يقرأ  هايدغر على نحو مختلف عن قراءة هايدغر نفسه لنفسه. وليس أدل على صحة وجهة النظر هذه من ذلك التماثل الشديد بين علاقة الوجود بالتفكير في كتابات هايدغر  المتأخرة وتصور غادامر عن علاقة التراث بالفهم في "الحقيقة والمنهج" (Truth and Method) ومقالاته المجمعة تحت عنوان "الهرمينوطيقا الفلسفية"[28] (Philosophical Hermeneutics)،  أي أن غادامر لا يغض الطرف تمامًا عن هايدغر  المتأخر، ولا يهتم بتوجيه النقد لأفكار هايدغر  قدر اهتمامه بمحاولة إقامة جسر من الحوار المستمر مع تلك الأفكار (السابق منها واللاحق).

وإذا كان وصف الفهم الإنساني عند غادامر في "الحقيقة والمنهج" (Truth and Method)يتبع التحليل الوجودي للدازاين (Dasein) عند هايدغر فإننا نجد أيضًا في "الحقيقة والمنهج" تأثيرًا مكافئًا لهايدغر على فكرة الحقيقة التي يربطها غادامر برؤيته عن الفهم. وهكذا فإن غادامر يتابع هايدغر متجاوزًا الفينومينولوجيا المتعالية إلى التحليل الوجودي للدازاين من خلال التحول في أسلوب تفكيره نحو طبيعة حدوث الحقيقة "كحادثة"[29] (As Event). وفكرة الحقيقة بوصفها حدثًا تعنى "الاستحضار" (Presencing)، وهو الأسلوب الذي تأتي به الموجودات بعامة للحضور. بنية هذا الحدث، أسلوب الحقيقة باعتبارها لا تَججبنا يحدث، هو التعارض الدائم بين التكشُّف والتحجُّب. فحقيقة الموجود هي وجوده[30]. فوجودنا ـ وفقًا ل هايدغر ـ ليس مسألة متعلقة باختيارنا الحر، لكنه فقط "واقع" a Fact. وبناءً على ذلك يفسر هايدغر البنية الزمنية للدازاين كحركة تفسير لا تحدث كنشاط في سياق الحياة، لكن باعتبارها شكلاً من أشكال الحياة ذاتها. يلتقط غادامر هذه الفكرة ويرى أن واقعيتنا غير متمثلة فحسب بواسطة تَوقّع النهاية، لكن أيضًا بالنسبة للبداية، فكون أننا نُقذف في العالم ـ بمصطلح  هايدغر ـ فإن ذلك، في ما يرى غادامر، يكون رمزًا على الحقيقة التكوينية وأننا نكون دائمًا على الطريق، ويصدق ذاك على التفسير. ويلخص غادامر الموقف برمته في عبارة بليغة قائلاً: "ربما مفتاح الرؤية في عملي الخاص هو أننا لا نكون أبدًا عند نقطة الصفر.. فالتفسير عنصر نعيش فيه، وليس شيئاً ينبغي أن ندخله"[31].

وإذا كنا لا نكون أبدًا عند نقطة الصفر ـ كما ذكر غادامر ـ فإننا نكون دائمًا "على طريق اللغة" بتعبير  هايدغر. فالتماثل الموجود بين مفهوم  هايدغر عن الوجود ومفهوم غادامر عن التراث يجد أقوى تأكيد له في الدور المحوري الذي تلعبه اللغة لدى كل منهما. بالنسبة لهايدغر وغادامر على النحو نفسِه، لا يستخدم الإنسان اللغة فقط للتعبير عن نفسه، لكنه بالأحرى يستمع إليها وبالتالي للمعنى (The subject matter) الذي يأتي إليه فيها. إن الكلمات والمفاهيم المتعلقة بلغة معينة تُظهر أولية الوجود: فلغة عصرٍ ما لا يتم اختيارها بواسطة الأشخاص الذين يستخدمونها كما لو أنها قدرهم التاريخي وإنما كل موقف تاريخي يكشف عن محاولات جديدة لإذابةٍ في اللغة. كل موقف يقدم مساهمته في التقاليد، لكنه في الوقت نفسه يتم حشده ضمنيًا بإمكانيات جديدة مسكوت عنها، هي التي تقود تفكيرنا إلى مدى أبعد وتشكل الإبداعية الراديكالية للتراث[32].  

ويمكن القول بوجه عام أن الهرمينوطيقا الغادامرية على نحو ما تبلورت في "الحقيقة والمنهج" Truth and Method، كانت محاولة لإدماج الفينومينولوجيا الهوسرلية المتأخرة المهتمة بعالم الإنسان المعيش مع الهرمينوطيقا الفينومينولوجية لدى هايدغر المهتمة بتفسير الوجود الإنساني في صلته الحميمة بالوجود العام. فالهرمينوطيقا الغادامرية تواصل إذن التوجه المعرفي العام للفينومينولوجيا الذي يسعى نحو التحرر من كل نزعة منهجية تحتذي نموذج العلم الطبيعي التقليدي الذي يهدف إلى تأسيس حقيقة موضوعية مطلقة توجَد بشكل مستقل عن الإنسان وعالمه المعيش أو عالمه المألوف، وهو النموذج الذي تبنته العلوم الإنسانية والفكر الغربي عمومًا منذ العصر الحديث[33].

وفي النهاية، ينبغي أن يُلاحَظ أن التيارات الفكرية التي شكَّلت الشخصية الفلسفية لغادامر لم تكن لتمضي في اتجاه واحد، وإنما كانت تميل دائمًا لأن تتخذ شكلاً تردديًا، يمنة ويسرة بين اتجاهات متعارضة (كانطية ناتورب الجديدة وفينومينولوجيا هايدغر)، أو جيئة وذهابًا بالنسبة للاتجاه نفسِه (فينومينولوجيا  هايدغر). فكما أن لقاء غادامر بهايدغر هو الذي فتح له إمكانية التخلص من سطوة الكانطية الجديدة التي كان يتزعمها أستاذه ناتورب، المعارضة للميتافيزيقا التأملية للفلسفة المثالية[34]،  فإن عمل غادامر المبكر مع ناتورب وفريد لاندر هو ما سمح له بالابتعاد عن  هايدغر  متجهًا نحو إعادة الاعتبار لدور أفلاطون في ما يسمى بتاريخ الوجود[35].  هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن حياة غادامر برمتها يمكن النظر إليها باعتبارها تحولاً مستمرًا ومتزامنًا بعيدًا عن وقريبًا من أصله الهايدغري[36]. ومن ناحية ثالثة، نجد أن التوتر الحادث بين قطبى الحدس الفينومينولوجي والجدل الهيجلي في البنية التكوينية لتفكير غادامر هو القوة الجاذبة للفكر التي تميز وسطيته[37].

فى الحقيقة، إن هذه الحركة الترددية المتوترة هي التي ستكشف لنا عن البنية الجمالية في فلسفة غادامر الهرمينوطيقية. إذ أن الفن عند غادامر ـ كما سنرى في ما بعد ـ هو نوع من اللعب، من التلاعب اللاَّغرضي الحر، وغادامر نفسه بهذه المثابة يمكن النظر إليه باعتباره فنانًا أكثر من كونه فيلسوفًا، تمامًا مثلما كان أفلاطون- في ما يرى غادامر ـ أديبًا أكثر من كونه فيلسوفًا، والنظر إلى أسلوبه باعتباره تصويرًا بلاغيًا أكثر من كونه تصورًا منطقيًا فلسفيًا، تمامًا مثلما قيل عن هايدغر أنه "يفتقر إلى الدقة التصورية، ويمتلك غموض الشعر"[38].

علاقة غادامر ب هايدغر كما سبق وبيَّنا، ليست إشكالية ومعقدة فحسب، ولكنها أيضا طويلة وممتدة. وهي من العمق والتداخل بحيث تحتاج إلى العديد من الدراسات والتحليلات التي تعمل على الكشف عنها والاستفادة منها.كما أنها نموذج حي وخصب للعلاقة المبدعة التي يمكن أن تكون بين تلميذ وأستاذه خاصة إذا كانا في حجم غادامر وهايدغر.

ومن أهم المصادر التي يمكن أن تساعد على إنجاز مثل هذه الدراسات ما كتبه غادامر نفسه عن أستاذه  هايدغر  وتم جمعه في كتاب بعنوان "طرق هايدغر". وهي مجموعة من المقالات التي كتبها غادامر في مناسبات مختلفة على مدار خمس وعشرين عاماً، بدأها بعد لقائه الأول مع هايدغر في فرايبورغ في العشرينيات من القرن الماضي، أي بعد توقف دام أربعين عاماً منذ ذلك اللقاء. وهي مسألة كانت محل تساؤل من قبل المحللين سنتعرض لها بشيء من التفصيل في ما بعد.

وكتاب "طرق  هايدغر " ـ على نحو ما ورد في مقدمة ترجمته العربية[39] ـ شهادة إنسانية وفكرية يدونها فيلسوف كبير عن فيلسوف كبير. وهي لا ترمي فقط إلى الاعتراف بالجميل، أو إلى قول حقيقة، أو تسديد دين ربما وفّاه غادامر، إنما هي أيضاً وثيقة تاريخية فلسفية تحاول أن تكشف عن الطريق، أو الطرق، التي انبثق فيها، وسار على امتدادها، فكر فيلسوف.

ويصرح غادامر في توطئته للكتاب بأن حداثة هذه الدراسات التي يضمها الكتاب لا تعني أنه حديث الانشغال بهايدغر، فقد تلقى عنه حوافز التفكير في وقت مبكر جداً، ومع ذلك، وكما هو حال المرء دائماً عندما يحاول أن يتلمّس طريقه، "كان لابد من مسافة قبل أن أكون قادراً على عرض طرق  هايدغر  الفكرية كما هي، فكان يتعين عليّ أولاً أن أميز طرق بحثي وسبله من رفقتي لهايدغر  وطرقه"[40].

فإلى أي مدى استطاع غادامر أن يميز طرقه عن طرق  هايدغر؟

في الحقيقة أن علاقة غادامر بهايدغر علاقة متصلة حتى في الفترات التي بدا أنّ فيها انقطاعاً. فالسنوات الأربعون التي انشغل فيها غادامر بفلسفته الخاصة عن فلسفة  هايدغر، إنما كانت ـ في حقيقة الأمر ـ تأويلاً وتطبيقاً للكثير من المفاهيم والاستبصارات الهايدغرية، خاصة في كتابه الرئيس "الحقيقة والمنهج"، والذي تزامن تاريخ نشره عام 1960 مع تاريخ كتابته لمقدمة طبعة دار نشر ريكلام لمقالة هايدغر "أصل العمل الفني". وفي هذا الصدد يقول غادامر: "وهكذا، فإن علاقتي بهذه المقدمة الصغيرة لمقالة "أصل العمل الفني في العام 1960 لم تكن علاقة تكليف لكتابتها، فأنا تعرفت في فكر  هايدغر  على بعض التساؤلات التي عبرت عنها في كتابي: الحقيقة والمنهج[41]. وليس أدل على ذلك من أن كتاب "طرق هايدغر" تشيع فيه روح الألفة والحنين الإنسانيين للحظات حية شهدها غادامر نفسه، وعاش صعودها وهبوطها، وامتداداتها الإنسانية والفكرية. "فهو يوحي في العديد من عباراته كيف كان حضور شخص هايدغر  نفسه يضفي على قوله الفلسفي أبعاداً، يقول عنها غادامر إنه لا يسع المرء إدراكها إلا إذا كان قد خبرها مباشرة"[42].

وبهذا المعنى، لا يمكن الدخول إلى طرق  هايدغر  إلا عبر بوابات/ مداخل طرق غادامر، كما لا يمكن الدخول إلى طرق غادامر دون المرور بطرق هايدغر. فكلاهما مضى في الطرق نفسها، وكلاهما يوصل ـ حتماً ـ إلى الآخر، بغض النظر عن كون أحدهما أستاذاً والآخر تلميذاً. فهما ـ في الحقل الفلسفي ـ يمثلان حالة فريدة. "فالعلاقة التي جمعت بينهما، كما تظهرها هذه المقالات، كانت حواراً عميقاً داخل مشهد  تاريخ الفلسفة برمته، مشهد يتبين من خلاله كيف تنمو الفكرة وتتبلور، وكيف تؤتي ثمارها على نحو ما كان غادامر يشاهده عقلياً وحسياً إن جاز التعبير"[43].

لكن أي الطرق الغادامرية هي التي يمكن أن تعيننا على الدخول إلى طرق  هايدغر  والإقامة في قلب عالمه الفلسفي السحري؟

يطرح دينس جي ـ شمدت صاحب مقدمة الترجمة الإنجليزية لكتاب "طرق هايدغر" ثلاث قضايا مشتركة توحّد بين غادامر وهايدغر  وتباعد بينهما في الوقت نفسه، وهي تشكل المحاور الأكثر انتشاراً ودلالة لعلاقتهما، كما أنها تُعدُّ بمثابة الباعث على التوتر الذي يدفع هذه المقالات إلى الأمام بطريقة إبداعية. وهذه القضايا هي: علاقة الفن بالحقيقة، وحدود مزاعم اللغة، ومأزق التاريخ والتراث. ويرى شمدت أن الموضوعة الأخيرة هي التي تسم نقطة الجدال الأشد فصلاً بين غادامر وهايدغر.

وعلى أي الأحوال، فإننا سنختار قضية الفن مدخلاً لقراءة كتاب "طرق  هايدغر "، خاصة على نحو ما طرحها غادامر في مقالته "تجلي الجميل".. ذلك لأنها من ناحية، تُعد من القضايا المشتركة الأكثر تعبيراً عن عمق الارتباط بين فكر الفيلسوفين الكبيرين، ومن ناحية أخرى فإن هذه المقالة تحديداً تطرح قضية الفن وماهيته من خلال ثلاثة مداخل أو طرق فلسفية مفاهيمية هي: اللعب والرمز والاحتفال، وهي طرق تقترب كثيراً ـ من وجهة نظرنا ـ من طبيعة العلاقة التي بين غادامر وهايدغر، خاصة في الكتاب محل دراستنا "طرق  هايدغر".

أولاً- طريق اللعب

مفهوم اللعب عند غادامر له أهمية خاصة، فهو وظيفة أولية للحياة الإنسانية ولا يمكن تصور وجود الحضارات بدون عنصر اللعب. كما أن اللعب عنصر متضمن في الممارسات الطقسية والدينية للإنسان. والنظر للعب عن قرب والتأمل في بنيته من شأنه أن يكشف لنا عن ماهيته بوصفه دافعية حرة. وغادامر ينظر إلى اللعب كنشاط جاد يتجاوز مجرد التسلية وإهدار الوقت، هذا بالرغم من أن حركة اللعب تتميز بكونها لا غَرَضية ولا تَتَقيَّد بهدف، على نحو ما نجد في "تلاعب الضوء" و" تلاعب الأمواج".

وبناءً على ذلك، يؤسس غادامر مفهومه للفن ـ خاصة الفن المعاصر ـ على مفهومه للعب باعتباره تعبيراً عن الحرية من ناحية، وباعتباره نشاطاً إنسانياً جماعياً يتطلب المشاركة من ناحية أخرى.

وفى هذا السياق يمكننا نقل المفهوم من ميدان الفن إلى ميدان الفلسفة حتى يمكننا تفسير الكثير من التحولات الفكرية الجذرية التي قد تبدو متناقضة وصادمة في معظم الأحيان. ولأن من شأن هذا الإجراء أن يضفي على الفكر شيئاً من المرونة والحيوية ومن ثم يصير أكثر إنتاجية وإبداعية. ولتحقيق هذا الهدف، فإننا في هذا المقام لا نحتاج إلى عدة نظرية كبيرة، وإنما يكفينا الاستعانة بالفكرة الأساسية والأولية عن اللعب بوصفه حركة حرة. وهي الفكرة التي عبّر عنها غادامر بالسؤال التالي:

"متى نتحدث عن اللعب، وما الذي يكون مقصوداً حينما نفعل ذلك؟

من المؤكد أن أول شيء هنا هو ذلك الكرّ والفرّ للحركة المتكررة باستمرار... ومن الواضح أن ما يميز حركة التراجع والتقدم هذه، هو أن لا أحد من طرفي هذه الحركة يمثل الهدف الذي سوف تتوقف عنده"[44].

وإذا أردنا أن نمد تحليلاتنا إلى كتاب "طرق  هايدغر "، فلن نجد صعوبة في العثور على هذه الحركة المتذبذبة جيئة وذهاباً. بل إننا سنعثر عليها منذ الصفحات الأولى لمقدمة الترجمة العربية التي تصف كتابة غادامر بأنها لا تكف عن المجيء والذهاب بين لغة نثرية وصفية حميمية تفصّل وجود هايدغر الإنسان، مظهره، حضوره الشخصي، طريقة إلقائه محاضراته... بين ذلك كله ولغة فلسفية تأويلية عميقة... وستستوي جلسة القارئ على وفق اهتزاز نوابض حركة المجيء والذهاب هذه"[45].

فالحركة تنشأ هنا من أسلوب غادامر الذي يقدم  هايدغر  من زاويتين أو وجودين: وجوده كإنسان، ووجوده كفيلسوف. ورغم محاولة غادامر الجمع بين الوجودين في كل واحد، إلا أن الحركة لا تتوقف وتظل مستمرة على مدار المقالات استجابة لازدواجية من نوع آخر: ازدواجية بين وجود  هايدغر  ـ حتى في وجوده الكلي المتكامل ـ وبين وجود غادامر نفسه. هذا، وقد استخدم غادامر تقنية اللعب في مقالته "الوجود، الروح، الله" لكي يفسر حالة القلق والحيرة التي كانت تنتاب  هايدغر عندما يفكر في وجود الله يقول: "إن التفكير هو تأمل شيء ما يعرفه المرء، إنه حركة الفكر جيئة وذهاباً، وأن تُساق جيئة وذهاباً بالفكر والاحتمالات والفلسفات والشكوك والأسئلة الجديدة"[46].

ولسوف نلاحظ هنا أن البنية أو الطريق التي تتخذها مقالات غادامر حول  هايدغر، تهيمن عليها الحركة في الاتجاه المعاكس؛ أو بعبارة أبسط، إنها سباحة ضد التيار. فغادامر يهتم في بداية كل مقال برسم ملامح الحياة الفكرية السابقة على ظهور هايدغر أو التي كانت معاصرة له، وعندما ينجح في القبض على الخيط الذي يربط هذه الملامح فإنه يقدم هايدغر في لحظة استهلال سينمائية بارعة، بحيث تصور  هايدغر وهو يقذف بنفسه وحيداً في قلب الأمواج، سابحاً ضد التيار. ففي مقالته "ما الميتافيزيقا"، وهي عنوان لمقال بالاسم نفسِه لهايدغر، يقول: "في الواقع، فإن السؤال المتعلق بالعدم، والفكر الذي يثيره، والخبرة الأساسية بـ "العدم"، هذه الأشياء جميعاً قد حدثت بطريقة بحيث إنّ التفكير سيكون مرغماً على التفكير بـ: "الهناك  "da  كمكوِّن للدازاين. وهذه هي المهمة التي أخذها هايدغر على عاتقه سالكاً بشكل واعٍ أبداً درباً مختلفاً عن الدرب الذي سلكه السؤال الميتافيزيقي المتعلق بوجود الموجودات ولغة الميتافيزيقا السائدة"[47].

حركة التفكير عند  هايدغر  ـ كما يصفها غادامر ـ  هي حركة لا غَرَضية، تماماً مثلما تكون حركة اللعب لا غَرَضية. وما يعنيه غادامر بلا غرضية التفكير الهايدغري أنه ليس وسيلة لتحقيق غاية معينة. فعندما يتحول التفكير إلى أداة فإنه يستنفد نفسه في الغاية التي يعمل على الوصول إليها، ويفقد بذلك روح التأمل والبصيرة التي تلتحم بماهية الوجود. إن التفكير الحقيقي والأصيل هو التفكير الذي يمثل همّاً في ذاته، ويعتمد على نكران الذات المفكرة بحيث تطغى الفكرة وتتوارى الذات. وفي هذا المعنى يقول غادامر: "فهذا الفكر لا يرى نفسه أداة لتحقيق غاية معينة. فهو ليس فكراً يكون كل شيء فيه معتمداً على الحصافة، وعلى موقف متعالم، بل هو في الحقيقة فكر يتجلى كهمّ محض. لذلك فإن التعالم لا ينفع فيه"[48].

وفي مقالته "حقيقة العمل الفني" يرصد غادامر نوعاً آخر من الحركة في تفكير  هايدغر، وهي الحركة التي تفسر العمل الفني وتكشف عن ماهيته بوصفه لاتحجُّباً وانبثاقاً. فالعمل الفني عند  هايدغر  ليس مجرد تجربة ذاتية تعبر عن معنى خاص يقصده الفنان المبدع، لكنه يمثل حدثاً في حد ذاته، وحركة مندفعة تطيح بكل شيء محدد سلفاً ومتفق عليه. إنه عمل متوتر ما بين كونه حدثاً متحركاً وكونه عالماً خاصاً ساكناً وثابتاً في مكانه، وهذا التوتر هو الذي يحدده  هايدغر  بوصفه الصراع بين العالم والأرض"[49].

ويرى غادامر أن بحث  هايدغر  في أصل العمل الفني، إنما هو خطوة في طريق بحثه عن الحقيقة. فما توصل إليه  هايدغر عن ماهية العمل الفني بوصفه تكشفاً وتجلياً للحقيقة يمكن أن ينسحب على كل الموجودات، فيقول "لا تحدد مقالة  هايدغر نفسها بتقديم وصف مناسب جداً لوجود العمل الفني، بل في الحقيقة أن تحليله يعزز انشغاله الفلسفي المركزي في تصور الوجود نفسه بأنه حدوث الحقيقة"[50].

وفي كل الأحوال فإن طريق اللعب بوصفه حركة حرة يبدو مهيمناً على "طرق هايدغر" في مواضع كثيرة وفي قضايا متعددة مثل الجدل بين اللغة التصورية (الفلسفية) واللغة الشعرية، بين الكلام والصمت، بين التكشف والتحجب، بل أننا لن نكون مبالغين إذا قلنا إن مجمل تفكير هايدغر الجذري إنما ينطوي على هذه الحركة. فلا أدل على ذلك من أن عودته الدائمة إلى التراث اليوناني القديم، وإعادة طرح الأسئلة القديمة في ضوء جديد ما هي إلى حركة إلى الوراء، وعودة إلى الأصول تمهيداً للرجوع مرة أخرى إلى الأمام لحل إشكالات العالم المعاصر التي قضت على الإنسان وتناست الوجود.

ثانياً- طريق الرمز

ما الذي تعنيه كلمة رمز Symbol ؟ يتساءل غادامر، وفي سبيله للبحث عن الإجابة يستدعي أصل الكلمة عند اليونان[51]. فقد كانت تعني اصطلاحياً "علامة تذكارية". وكان المُضِيف يقدم إلى ضيفه ما يسمى بعلامة الضيافة tessera hospitalis بأن يقسم شيئاً ما نصفين، يحتفظ بنصفه لنفسه ويعطي ضيفه النصف الآخر. فلو قدر أن يدخل بيتَ المُضيِف نفسِه بعد سنوات واحدٌ من نسل الضيف، أمكن مطابقة القطعتين معاً مرة أخرى في فعل من أفعال التعرف.

ويورد غادامر قصة طريفة من "مأدبة أفلاطون" تعبّر عن معنى قريب[52]. ففي هذه المحاورة يروي أرستوفانس Aristophanes قصة عن طبيعة الحب الذي يفتننا إلى يومنا هذا. فيخبرنا بأن كل الموجودات كانت في الأصل مخلوقات كروية الشكل، لكن الآلهة قسمتها نصفين لسوء سلوكها، ومنذ ذلك الحين، يحاول كل نصف أن يصبح كُلًّا صحيحاً مرة أخرى، وهذا الترقب لأن يكون هناك نصف آخر يمكن أن يكملنا، ويجعلنا كلًّا صحيحاً من جديد، هو ما يتم تحققه في خبرة الحب.

والحقيقة أننا لن نجد أنسب من هذا المعنى للرمز كي نستخدمه كأداة نظرية نفهم بها حقيقة العلاقة بين غادامر وهايدغر على نحو ما تجسدت في "طرق هايدغر". فكما ذكرنا من قبل، كانت بداية لقاء الفيلسوفين في فرايبورغ في العشرينيات من القرن الماضي؛ وهي بداية جذرية مثّلت لحظة فارقة في حياة غادامر وسائر جيله من طلاب الفلسفة في ذلك الوقت. عن هذا اللقاء يقول غادامر: "كان هناك شيء مفاجئ ظهر مع  هايدغر  في أول ظهور له على منبر فرايبورغ بعد الحرب العالمية الأولى. ثمة شيء جديد، شيء لم يسمع به أحد من قبل"[53].

وأما هذا الشيء الجديد الذي يعنيه غادامر فهو طريقة التفكير التي قدمها  هايدغر  وخالف بها ما كان سائداً في الجامعات الألمانية في ذلك الوقت. طريقة تبتعد عن عملية الانتقال التدريجي من علاقة إلى أخرى ومن حكم إلى آخر، وتعتمد على الإظهار وحمل شيء ما على إظهار نفسه.

وبالرغم من أن اللقاءات توالت، وصار غادامر ـ بعدها ـ تلميذاً نجيباً لهايدغر، إلا أن كتابته عن  أستاذه  أتت بعد فترة صمت وانقطاع دامت أربعين عاماً. ويلفت شمدت النظر إلى أن هذا الصمت المذهل ليس مؤشراً على تجاهل غادامر لهايدغر  خلال تلك السنوات أو تنكراً له،  وإنما كانت سنوات صمت اختيارية لزمها غادامر بينما كان يتابع، بخيال واسع وبصرامة، ما يسميه هو "الحافز" الذي تلقاه عن هايدغر. وأن الصمت المطول الذي سبق مقالات هذا الكتاب ما هو إلا توطئة حقيقية لما تقوله هذه  المقالات.

والحقيقة أن اللقاء بهايدغر، ثم الانفصال عنه، ثم العودة إليه يمكن فهمه بالعودة إلى مفهوم الرمز وباللجوء إلى الأسطورة. فما كان اللقاء الأول سوى نوع من الضيافة، قام فيها  هايدغر  باستضافة غادامر على مائدته الفكرية العامرة. وما التفكير الجديد الذي قدمه  هايدغر  إلى غادامر سوى كسرة الخبز التي ظل غادامر محتفظاً بها مدة أربعين عاماً بعيداً عن بيت  هايدغر  ـ الذي هو بمثابة بيت الوجود – ثم عاد إليه مرة أخرى ليتعرف عليه وعلى نفسه في آن. إنهما نصفان متكاملان قسمتهما آلهة الفلسفة والتاريخ والسياسة، وظلا طوال العمر يبحثان عن بعضهما بغية الوصول إلى لحظة اللقاء المفعمة بكل الحب والاحترام المتبادل. فيقول شمدت: وغادامر، حين يلتفت للكتابة عن  هايدغر، لا يشرح، فقط، بعض السبل التي سلكها فكر هايدغر، إنما هو يواجه، بطريقة هادئة وشخصية، نفسه ونمو علاقته بهايدغر "[54].

إنها رحلة بحث عن الذات من خلال الآخر، أو هي رحلة بحث عن الآخر عندما يكون جزءاً من الذات. وهذه النتيجة هي التي ستقودنا إلى الطريق الثالث من طرق غادامر في قراءاته لفلسفة وشخصية  هايدغر، وهو "الاحتفال".

ثالثاً- طريق الاحتفال

في كتاب: "تجلى الجميل" يعّرف غادامر الاحتفال The Festival قائلاً: "إذا كان هناك شيء واحد ينتمي إلى كل الخبرات الاحتفالية، فهو بالتأكيد يتمثل في أن هذه الخبرات لا تسمح بأي انفصال بين شخص وآخر. فالاحتفال هو خبرة الجماعة، وهو يمثل الجماعة في صورتها الأتم. فالاحتفال يكون مقصوداً من أجل كل شخص. ولذلك، فإنه عندما يعجز شخص ما عن المشاركة، فإننا نقول إنه قد استبعد نفسه وعزل نفسه عن المظاهر الاحتفالية"[55].

في الحقيقة أننا لن نجد أنسب من مفهوم الاحتفال للتعبير عن الحالة النفسية والعقلية التي كتب بها غادامر كتاب "طرق هايدغر". فبالرغم من أن المقالات الواردة بالكتاب كتبت على فترات متباعدة على مدار خمس وعشرين عاماً، إلا أنك لتشعر وكأنها كتبت في جلسة واحدة. فثمة حالة مزاجية واحدة متجانسة تسيطر على المقالات، وهي تعكس عمق وثبات العلاقة التي تربط غادامر بهايدغر. وإذا كان معنى الاحتفال عند غادامر ينطوى على خبرة الجماعة ويتطلب المشاركة، فإن غادامر يبدو حاضراً بقوة في مقالات "طرق  هايدغر " لا بوصفه مؤلفاً فحسب، ولكن بوصفه مشاركاً كذلك، "وغالباً ما يضع غادامر نفسه جزءاً من المشهد، وشاهداً عليه، وهذه ميزة هذا الكتاب، يشده إلى ذلك تجلية الخطوات الجريئة التي خطاها  هايدغر على أرضية التعليم الفلسفي الأكاديمي في ألمانيا، وعلى أرضية تاريخ الفلسفة بعامة، وكذلك تجلية، بأسى!، المآل الذي آلت إليه هذه الخطوات المغامرة في عالمنا التقني المعاصر" [56].

لكن كيف تحققت لغادامر هذه الروح الاحتفالية؟

تحققت هذه الاحتفالية بفضل حرص غادامر على إبراز الجوانب الإنسانية والشخصية لهايدغر، وكذا إبرازه لردود أفعاله هو وزملاؤه في الجامعة عندما كانوا يستمعون لمحاضرات هايدغر. فعندما كان غادامر يعقد المقارنة بين محاضرات ياسبرز ومحاضرات  هايدغر  كان يقول: "أما  هايدغر  بمظهره وشخصيته فكان مختلفاً كلياً: دخول درامي، وإلقاء ذو قوة عظيمة، والمكان الذي يشغله في محاضراته: كل ذلك كان يسحر مستمعيه"[57].

وهي جدية تتعارض مع روح الهذر التي كانت تسيطر على محاضرات ياسبرز رغم اعتراف غادامر بالقيمة الفلسفية الكبيرة لياسبرز وبالأثر العميق الذي أحدثته مؤلفاته في ذلك الوقت، وكانت سبباً في انعقاد صداقة بينه وبين  هايدغر، استندت في الأساس إلى رفضهما للتعليم الأكاديمي القائم، وصخب "الكلام التافه"، وانعدام مسؤوليته.

ويرجع غادامر التأثير السحري الذي كان يحدثه  هايدغر  في نفوس مستمعيه إلى حضوره الشخصي وموهبته الطبيعية، إلا أنه كان يتفلسف بوحي من قلقه الذاتي العميق الذي أثاره نداؤه الديني الخاص وكذلك استياؤه من علم اللاهوت والفلسفة اللذين كانا سائدين آنذاك.

وقد كان لهايدغر  حضورٌ طاغٍ في فترة ما بعد الحرب عندما كان يُعاد بناء ألمانيا مادياً وروحياً. وهو لم يفعل هذا كمعلم، فنادراً ما كان يتكلم لطلبة. ولكنه أنشأ جيلاً كاملاً بمحاضراته ومنشوراته. ومن الغريب أنه "كانت الإثارة الصادرة عن فكره تتسلل داخل كل فرد، داخل حتى أولئك الذين لم يفهموا ما يقول"[58].

ومن قبيل الروح الاحتفالية التي هيمنت على غادامر كتابته لمقالتين احتفالاً بِعيدَيْ ميلادٍ لهايدغر. واحدة عندما بلغ هايدغر الخامسة والسبعين، والأخرى عندما بلغ الخامسة والثمانين. تشيع في المقالة الأولى روح الأسى، وتشيع في الأخيرة روح الأمل، وهي مفارقة غريبة، لأن المقالة الأولى تطرح السؤال حول أسباب نسيان  هايدغر، بينما تطرح المقالة الأخرى السؤال عن أسباب حضور  هايدغر  رغم مرور السنين.

ففي افتتاحية المقالة الأولى يقول غادامر واصفاً حالة التبلد والنسيان التي أصابت العقول إزاء  هايدغر  وفلسفته: "ومثلما يشهد كل شيء على إيقاع الزمن، كذلك هو  هايدغر، فالدافع الثوري المنبعث منه انحسر عن سطح وعيناً. فثمة نزعات تبزغ في وعينا الزماني تقاوم سلطة وقوة فكر تغلغل ذات مرة في أعماق كل شيء. فإيماءاته المحرضة هي بداية لمجابهة إحساس بليد، إحساس أصبح منفتحاً على اتجاه آخر" [59].

وفي مقابل هذه الروح المفعمة بالأسى وبالأسف على حاضر هذا الفيلسوف الثوري العملاق، يستهل غادامر مقالته الأخرى قائلاً بنبرة تشي بالفرحة والأمل:

 "وعلى الرغم من التغيرات في أشياء كثيرة، يبقى  هايدغر  حاضراً، دون أدنى شك، عبر جميع تقلبات القرن العشرين.كانت حال  هايدغر  ـ في الحقب التي بدأ فيها مغالى فيه، وفي الحقب التي لم يكن فيها غير شخصية مختلفة ـ كحال النجوم العظيمة التي تحدد أدوار الزمان" [60].

وفي موضع آخر من المقالة نفسها يتساءل غادامر عن السر في هذا الحضور الثابت؟

ثم يحاول الإجابة عن هذا التساؤل من خلال استعراضه لرحلة  هايدغر  الفلسفية، وحضوره الذي لم ينقطع على مر الزمان، لكننا نستطيع أن نعثر على الإجابة في فقرة قصيرة ومعبرة اختتم بها غادامر مقالته الاحتفالية الأولى المؤرخة في عام 1964، عندما قال[61] "ومهما يكن من أمر، فإن  هايدغر " هناك da" وليس بمقدور المرء تجنبه، وليس بمقدوره، لسوء الحظ، أن يرتقي خلفه على طريق سؤاله، فهو يعترض السبيل بطريقة مقلقة جداً. إنه سد منجرف يغمره تيار الفكر المبدع صوب الكمال التقني. ولكنه سدٌّ لا يمكن أن يُزحزح من مكانه"...

[1]*- أستاذ جامعي، وباحث في علم الجمال والفلسفة المعاصرة – جمهورية مصر العربية.

[2]-Gadamer،Philosophical Apprenticeships،Trans. by Robert R. Sullivan،(Massachuseitts and London: The MIT Press،1985)،Pp. 46 – 47

[3]-   Ibid.،P. 36  

[4]-Gadamer،«Reflection on my Philosophical Jaurney»،In The philosophy of Hans-George Gadamer،edit. by Lewis Edwin Hahn،(Chicago and La Salle،Illinois: Open Court،1997)، P. 12. 

[5]- Ibid.،loc. Cit.

[6]-Robert H. Paslick،«The Ontological Context of Gadamer’s Fusion: Boehme،Heidegger،and Non- Duality»،Man an World،Martinus Nijhoff Publishers،Dordrecht،Printed in The Netherlands،Vol. 18،1985،P. 409.

[7]- Gadamer،«Plato and Heidegger»،The Question of Being،Edit. by Mervyn Sprung،(University Park and London: The Pennsylvania State University Press،1995)،P. 48.         

[8]-P.Christopher Smith،Hermeneutics and Human Finitude: Toward a theory of Ethical Understanding،(New York: Fordham University press: 1991)،P. xiii.          

[9]- Ibid.،P. xiii

[10]- Gadamer،«Subjectivity and Intersubjectivity: Subject and person»،in Continental Philosophy Review،Kluwer Academic Publishers،Prented in the Netherlands،2000، P. 279.    

[11]- Ibid.،P. 281.

[12]- Hugh J. Silverman: Introduction to Gadamer،Gadamer and Hermeneutics،edit. by Hugh J. Silverman،(New York and London: Routledge،1991)، P. 5.           

[13]- Dennis J. Schmidt: Introduction to Gadamer،Heidegger’s ways،Trans. by John W. Stanley،(State University of New York Press،1994)،P. xviii،P. xxii.          

[14]- Gadamer،«Subjectivity and intersubjectivity…»،P. 284.

[15]- Ibid.،Loc. Cit.          

[16]- Diane P. Michelfelder. «Gadamer on Heidegger on Art»،in The Philosophy of Hans – Georg Gadamer،P. 449.

[17]- Rod Coltman،The Language of Hermeneutics: Gadamer and Heidgger in Dialogue،(State University of New York press،1998)،Pp. 29- 30.

[18]- Ibid.،P. 30.  

[19]- Robert J. Dostal،«The Experience of Truth»،In Hermeneutics and Truth،Edit. by Brice R. Wachterhauser،(Evanston،Illinois: Northwestern University press،1994)،Pp. 66- 67.     

[20]- Gadamer،«Plato and Heidgger»،P. 45.         

[21]- Gadamer،«Gadamer on Gadamer»،in Gadamer and Hermeneutics،P. 13.     

[22]- Gadamer،«Philosophy and Literature»،Man and World،Vol. 18،1985،P. 242. 

[23]- د. سعيد توفيق، "منطلقات وآفاق الهرمينوطيقا الفلسفية عند غادامر"، (القاهرة: مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، مجلد 55، عدد 4، أكتوبر 1995م)، ص51.      

[24]- Frederick G. Lawrence: Introduction to Gadamer،Reason in The Age of Science،Trans by Frederick G. Lawrence (Cambridge،Massachusetts،England: The MIT press،1981)،P. xviii،P. xix.        

[25]-David E.Linge،Introduction To Gadamer،Philosophical Hermeneutics،(Berkeley،Los Angels،London: University of California Press،1976)، P. xlvii.

[26]- Ibid.،P. xlviii.

[27]-John D. Caputo،Radical Hermeneutics: Repetition،Deconstruction،and The Hermeneutic project،(Bloomington and Indiananpolis: Indiana University press،1987)،P. 95.    

[28]- David E. Linge،Op. Cit.،P. liv.         

[29]- Francis J. Ambrosio،«Dawn and Dusk: Gadamer and Heidegger on Truth»،Man and World،Vol. 19،1986،Pp. 23 – 24.           

[30]- Ibid.،P. 25.  

[31]- Gadamer،A Ricoeur Reader: Reflection and Imagination،Edit. By Mario J. Valdes،(Toronto and Buffalo: University of Toronto Press،1991)،Pp. 219 – 221.      

[32]- David E. Linge،Op. Cit.،PP. lv-lvi.    

[33]ـ غادامر، تجلى الجميل، ترجمة ودراسة وشرح: د. سعيد توفيق، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، سنة 1997م)، انظر مقدمة المترجم، ص12.

[34]- حسين الموزانى، "بين الحداثة والتراث: جدلية الفهم عند هاترجورج غادامر"، (القاهرة: أوراق فلسفية، العدد العاشر، سنة 2004م)، ص185.

[35]- Rod Coltman،Op. Cit.،P. 29.

[36]- Ibid.،P. 30.  

[37]- Robert J. Dostal،Op. Cit.،PP. 66- 67.

[38]- Gadamer،Philosophical Apprenticeships،P. 47.      

[39]- هانز جورج غادامر، طرق  هايدغر، ت: د. حسن ناظم، على حاكم صالح (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، سنة 2007م)، ص 9.           

[40]- المرجع السابق، ص 21.    

[41]- نفس المرجع، ص 22.      

[42]- نفسه، ص 11.  

[43]- نفس الموضع.   

[44]- هانز جورج غادامر، تجلي الجميل ومقالات أخرى، ت: د. سعيد توفيق (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، سنة 1997م)، ص ص 98 – 99.  

[45]- غادامر، طرق  هايدغر، مرجع سابق، ص 11.     

[46]- المرجع السابق، ص 372.  

[47]- نفس المرجع: ص 126.    

[48]-  نفسه، ص 160.

[49]- نفسه، ص 229. 

[50]- نفسه، ص 230. 

[51]- غادامر، تجلي الجميل، مرجع سابق، ص 113.     

[52]- المرجع السابق، ص 114.  

[53] - غادامر، طرق  هايدغر، ص 154.     

[54]- المرجع السابق، ص 26.    

[55]- غادامر، تجلي الجميل، ص 126.       

[56]- غادامر، طرق  هايدغر، ص ص 11 – 12.        

[57]- المرجع السابق، ص 55.    

[58]- نفسه، ص59.   

[59]- نفسه، ص ص66-65.      

[60]- نفسه، ص 241. 

[61]-نفسه، ص 92.