البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد ريكور للإيديولوجيا من أجل اللاهوت ( هيرمينوطيقا الارتياب )

الباحث :  دانييل ل. هوانغ Daniel .L.Huang
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2017 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 6 / 2017
عدد زيارات البحث :  1896
تحميل  ( 291.176 KB )
يقرأ دانييل ل. هوانغ في هذا البحث رؤية الفيلسوف الفرنسي المعاصر بول ريكور (3191 - 5002) إلى الوجه الإيديولوجي للنص اللاهوتي المسيحي، وذلك انطلاقاً من اشتغاله في حقل الاهتمام التأويلي ولا سيما في أبرز كتبه: "نظرية التأويل"، "التاريخ والحقيقة"، "الزمن والحكي" و"الخطاب وفائض المعنى".
يعرض البحث إلى مطالعات ريكور حول اللاهوت والإيديولوجيا من خلال الزوايا التالية: طبيعة الإيديولوجيا ووظيفتها ـ إمكانية نقد الإيديولوجيا ـ هيرمينوطيقا الارتياب وخصوصاً النقد الإيديولوجي المتعلق بالدين واللاهوت ـ وأخيراً : القصور الذي أصاب عمليات التأويل المتصلة بإعادة تفسير التراث الخاص بالكنيسة المسيحية في الغرب..
المحرر
-------------------------------------------

وصف ديفيد تريسي بدقة مهمة اللاهوتي النظامي بأنها بالأساس هيرمنيوطيقية تأويلية حين قال إنها: «إعادة تفسير الإرث الديني للوضع الحاضر»[1]. فإضافة لكون الإنسان المسيحي يتموضع على المستوى الوجودي ـ بل حتى يتشكل وجودياً ـ ضمن منظومة المعاني والقيم والعلاقات التي يطرحها تقليد ديني محدد (كما أن كل إنسان بالضرورة يقع ضمن تقليد ديني محدد يستمد منه ملامحه الوجودية)[2]، فإن الإنسان المسيحي أيضاً وفي نهاية المطاف ملتزم بهذا التقليد كالواسطة بين معرفة التجلي الإلهي في الخلاص عبر شخص السيد المسيح وتجربته لهذا التجلي. وهكذا فإن اللاهوتي النظامي، مدفوعاً بإيمانه بالمعاني الخلاصية التي يحملها تقليده الروحي في ثناياه، يرفض بدائل عنها يراها عقيمة؛ سواء كانت هذه البدائل هي التكرار الأعمى للتراث الديني كما يمارسه التقليديون أو الرفض غير الواقعي لكامل الإرث الديني وما يحتويه على أساس «العقل الحر والمستقل» الذي يدعو إليه مفكِّرو عصر التنوير الأوروبي. بدلاً من هذه البدائل يعمل اللاهوتي النظامي على تفسير هو التالي:
«وساطة بين الماضي والمستقبل، ترجمة تجري ضمن إطار تاريخ تقليد ديني محدد لاسترجاع معانيه الغريبة في بعض الأحيان والمألوفة في أحيان أخرى[3]».
كما هي الحال في تفسير أيٍّ من النصوص الكلاسيكية بشكل عام، يهدف تفسير اللاهوتي النظامي آخر الأمر إلى «تبيان منوال الوجود في العالم، أو طريقة النظر إلى الحقيقة، التي تعبر عنها النصوص»[4]، ولكنه لا يصل إلى هذه الغاية بشكل مُرْضٍ إلا من خلال أحد «طريقين مُميَّزين يتطوّر عبرهما الفهم إلى تفسير»، : «التأويل النصي (الهيرمينوطيقا) ونقد الإيديولوجيا »[5].
يأخذ الطريق الأول طبيعة النصوص الدينية التاريخية واللغوية بجدية، وكذلك تشدد على استقلاليتها كنصوص. وبعبارة أخرى: فإنها تعترف بالمسافة والتماسف؛ فبمقدار اعتراف هذا الطريق بكون هذه النصوص الدينية أو الكلاسيكية نتاجاً تاريخياً، فإنها تجد أن عليها أن تتغلب على «الفضيحة الزائفة» التي يبرزها كون هذه النصوص قد عُبِّر عنها بـ«الأشياء القابلة للتصديق المتوافر [وقت تدوينها] أو الوسائل الثقافية... التي لم تعد تمتّ إلينا بصلة»[6]. يجري هذا التغلب من خلال طرائق تأويل تاريخية نقدية «تبيانية» تحاول سد الفجوة الثقافية بين النص والمفسر. بقدر ما تنتج النصوص عبر عملية «تماسف من خلال التعبير»[7] الذي يجعل من النصوصص مستقلة نسبيّاً «عن المؤلف والحالة الأصلية لخطابها والأشخاص الأصليين الذين توجه النص إليهم»[8] تصبحح الطرائق الأدبية والهيكلية السيميائية التي تتعامل مع النصوص مؤقتاً كـ «أشياء خالية من الكلمات والمؤلفين.... لتفسير النص من حيث علاقاته الداخلية»[9] صحيحة ومفيدة[10].
لكن «الطريق المتميز» الأول لا بد من أن يتبعه طريق ثانٍ: وهو طريق نقد الإيديولوجيا . وهذا الطريق الثاني سيكون محط تركيز هذا المقال، فقد لاقت فكرتا كون الطريقة اللاهوتية هذه هيرمينوطيقا، وبالتالي لا بد من أن تتضمن نقداً للإيديولوجيا، قبولاً كبيراً يكاد يكون تاماً بين اللاهوتيين اليوم[11]. لكن المصدر الرّئيس الذي سيستمد منه هذا المقال أفكاره حول الإيديولوجيا ليس لاهوتياً، بل هو فلسفي رغم أنه كتب بوضوح وصراحة حول مسائل اللاهوت.
حين نختار فكر بول ريكور لهذه الغاية فإننا نعترف ضمناً بأن أفكاره في الواقع كانت الأساسات التي بنى عليها الكثير من اللاهوتيين[12]، وبالتالي يمكننا أن نرى فيها محاولة متواضعة لصنع «تدفق جديد» (ressourcement). سيقوم هذا المقال وعبر الرجوع إلى عدد محدود من مقالات ريكور بعرض فهمه للتالي: أولاً: طبيعة الإيديولوجيا ووظيفتها. ثانياً: إمكانية نقد الإيديولوجيا . ثالثاً: «هيرمينوطيقا الارتياب» وخاصة النقد الإيديولوجي المتعلق بالدين واللاهوت. وأخيراً: حدود «هيرمينوطيقا الارتياب» وأوجه قصورها خاصة في المهمة اللاهوتية المتعلقة بإعادة تفسير التراث الديني المسيحي.
طبيعة الإيديولوجيات ووظيفتها
لم يَحِد هابرماس كثيراً عن خط ماركس حين فهم الإيديولوجيا بأنها: «تشويه منهجي للتواصل عبر ممارسة خفية للقوة»[13]، لكن ريكور يتبع فهماً أوسع وأقل ازدراء للإيديولوجيا وإن كان يصل في نهاية المطاف إلى نقطة تتفق عموماً مع موقف هابرماس، ولكنه وبكل تأكيد لا يبدأ من حيث بدأ هابرماس. وكما سنرى لاحقاً، فإن زاوية النظر الأوسع هذه هي التي تتيح المجال أمام ريكور كي يتحدث بشكل أكثر واقعية عن إمكانية نقد الإيديولوجيا وحدود ذلك النقد.
يرى ريكور أن الإيديولوجيا تعمل على ثلاثة مستويات متميزة ومترابطة: الأول وهو الأساسي: هو أن الإيديولوجيا تعمل كقوة دمج اجتماعي عبر تلبية حاجة أي مجموعة اجتماعية لصورة أو تمثيل حول نفسها: أي إنها تقدم الهوية الاجتماعية. على هذا المستوى الشديد البساطة تشكل الإيديولوجيا في اتجاهاتها وعلاقاتها مصدر بناء لأي -بل ولكل- مجموعة اجتماعية: فهي على مستوى بناء الصورة هذا تلعب دوراً «تأسيسياً لأي وجود اجتماعي»[14] لأنها تمثل للأجيال المتلاحقة الدوافع والمعاني والقيم التي قام عليها «الحدث المؤسس» لهذهه الجماعة الاجتماعية. ونتيجة لوظيفة الإيديولوجيا الدمجية التكاملية هذه فإنها ترسم تمثيلاتٍ ورموزاً تؤسس لرؤيةة تبسيطية منهجية تبريرية للمجموعة وللعالم وللتاريخ، وتميل هذه التمثيلات والرموز إلى إسباغ طابع مثاليّ كمالي على المجموعة ولذلك يمكننا القول إنها ذات «طبيعة دوكسية» [مشتقة من كلمة دوكسا أو Doxa الإغريقية التي تعني: المعتقد الشعبي الرائج الثابت] أو بعبارة أخرى فإن:
مستوى الإيديولوجيا المعرفي هو مستوى غلبة الظن أو الرأي، هو مستوى «الدوكسا» الإغريقية؛ وإذا فضلت اللجوء إلى المصطلحات الفرويدية فالإيديولوجيا هي لحظة «العقلنة». ولذلك... فلا شيء أقرب إلى فنون الخطابة ـ فن المحتمل والمقنع ـ من الإيديولوجيا [15].
كذلك، فإحدى نتائج وظيفة الإيديولوجيا التكاملية هي ميلها إلى أن تكون «تشغيلية ولا موضوعية»[16]، أي إنها تُفترض سلفاً وتُعاش ويُفكَّر بها «من الداخل» لا أنها يُفكَّر «فيها»، وبالتالي تظل مفتوحة أمام إمكانية ـ وليس ضرورة ـ التصنع. وأخيراً، فإن الإيديولوجيا كخطة عامة للاندماج والتكامل تميل إلى أن تكون قوة محافظة تقاوم التغير والابتداع وجميع ما يهدد رؤيتها المنهجية المبسطة.
لكن لما كانت جميع المجموعات تقتضي بطبيعتها وجود علاقات سلطوية في ثناياها، فإن هذا المفهوم الأكثر حيادية للإيديولوجيا، كرمز يجلب التكامل والاندماج، يتكشف عن مفهوم ثانٍ أكثر تقويمية: الإيديولوجيا كوسيلة لشرعنة السلطة، فحين تستخدم وظيفة الإيديولوجيا التكاملية لتبرير علاقات هيمنة مجموعة فرعية ضمن المجموعة الأوسع تسلط الأضواء على بعض سمات الإيديولوجيا كاندماج، وبخاصة تلك المتعلقة بعدم الشفافية والجمود.
وهنا نصل إلى مستوى أو مفهوم ثالث مسيء للإيديولوجيا هو بعينه ما أثار ازدراء ماركس وهابرماس: الإيديولوجيا كتشويه للحقائق أو قلبها، فإن شرعنة العلاقات السلطوية ضمن مجموعة وتأبيدها قد تدفع بها إلى تشويه تكوينها الرمزي إلى درجة الترويج لمنظور للحياة والحقيقة لا علاقة له بالواقع:
... يتوقف نشاط الحياة الواقعية عن كونه الأساس ويحل محله ما يقوله الرجال ويتخيلونه ويمتثلونه. الإيديولوجيا هي الخطأ الذي يجعلنا نستبدل الصورة بالواقع، والانعكاس بالأصل[17].
هكذا، وعلى هذا المستوى، يمكننا وبحق أن نشير إلى الإيديولوجيا ونصفها عبر مصطلحات مستعارة من التحليل النفسي:
الوهم كأمر مستقل عن الخطأ، والإسقاط كالمكون الأساسي لشعور زائف بالتعالي، والعقلنة كإعادة الترتيب للدوافع بحسب ما يظهر وكأنه تبرير عقلاني للأمور[18].
إمكانية نقد للإيديولوجيا
كما تظهر المناظرة الشهيرة بين غادامير وهابرماس، فإن الهيرمينوطيقا ونقد الإيديولوجيا يظهران أول الأمر وكأنهما يضادان بعضهما بعضاً، وكأنهما مشروعان متعاكسان لا يمكن لهما أن يصطلحا. ولكن من ناحية أخرى فقد أعادت فلسفة هايدغر وغادامير الهيرمينوطيقا مفاهيم مثل التحيُّز والسلطة والتراث من التقويم السلبي الذي تعرضت له في عصر التنوير عبر تطويرها لـ«أنطولوجية الوعي المتعرض لآثار التاريخ»، وهو الأمر الذي يؤدي إلى «نقد للنقد»[19] ـ وبما في ذلك نقد للإيديولوجيا. يلخص ريكور هذه الأنطولوجيا وهذا النقد بالشكلل التالي:
... يكتشف الإنسان مقدار تناهيه في حقيقة أنه يجد نفسه أولاً وقبل كل شيء ضمن إرث أو مجموعة من الموروثات؛ فلأن التاريخ يسبقني ويسبق تفكيري، ولأني أنتمي إلى التاريخ قبل أن أنتمي إلى نفسي، فإن الأحكام المسبقة تسبق أحكامي، والتسليم لهذه الموروثات يسبق تفحصها... فإذا كان لا يمكننا أن نستخلص أنفسنا من الصيرورة التاريخية حتى أن نضع أنفسنا على مسافة منها بحيث يصبح الماضي موضوعاً لإدراكنا، فعلينا إذاً أن نعترف بأننا دائماً نتموضع في التاريخ بطريقة لا تعطي أبداً وعينا وإدراكنا الحرية كي يضع نفسه وجهاً لوجه مع الماضي عبر أي تصرف قائم على الاستقلال والسيادة[20].
لكن، ومن ناحية أخرى، تحكم النظرية النقدية التي تقدم بها هابرماس ومدرسة فرانكفورت على هذا التقويم الهرمنيوطيقي للتراث بأنه ينسى وبشكل قاتل حقيقة أن جميع أنواع المعرفة ترتبط بالمصالح، وبالتالي فليس التقليد مجرد إرث من المعاني التي ينبغي إبرازها من القوة إلى الفعل وتفسيرها، بل هو «وبجدارة المكان الأفضل لتشويه الحقائق وإقصائها»[21]، هو مكان حي بالمصالح المتضاربة كما أنه مصاب بعنف الإيدييولوجيا الذي يحاول حماية مصالح الهيمنة وتأبيدها تحت غطاء المعرفة النقية الخالية من المصالح. إذاً فما نحتاج إليه ليس هو الهيرمينوطيقا ولكن نقد الإيديولوجيا: عملية إزالة الأقنعة عن تشويهات الفكر المنهجية هذه عبر طرائق «تبيانية» تماثل طرائق التحليل النفسي الذي يحاول القيام «بإعادة بناء جيني لعمليات إزالة الترميز»[22] الذي أعطى الإيديولوجيا عنفها القمعي. أخيراً: فإن المصلحة التي تحفز النقد هي مصلحةة انعتاقية، وهي بناء مستقبل «التواصل غير المحدود ولا المقيد»[23] بعد أن يتخلص من نير تشويهات العنفف والقمع. وهكذا، فإن أفق انتقاد الإيديولوجيا «الطوباوي» يبدو وكأنه يتعارض مع الهيرمينوطيقا التي «تبدوو بالمقارنة وكأنها تجدد فلسفات ذكريات الماضي»[24].
لكن ريكور، وبخلاف غادامير، رأى إمكانية ـ بل ضرورة ـ الدمج بين «اللحظة النقدية» في نقد الإيديولوجيا مع ممارسة الهيرمينوطيقا على التراث إذا ما كانت الهيرمينوطيقا لتتمم البرنامج المراد منها. بالنسبة إلى ريكور، تكمن مساهمة الإرث الهرمنيوطيقي الذي تقدم به هايدغر-غادامير في «عودته إلى الجذور» الذي نجم عنه وصف ليس فوقه وصف لـ«هيكلية الفهم الأنطولوجية». لكن لسوء الحظ، ولأسباب مختلفة، لم تحاول هذه الفلسفة أن «تتبع طريق العودة من الأنطولوجيا إلى الإبستمولوجيا»[25] بشكل كافٍ ومُرْضٍ، ولذلك أهملتت القضايا المنهجية بما في ذلك الحاجة إلى الطرائق النقدية التبيانية للوصول إلى الفهم. لقد تفاقمت قلة الثقةة في الوسائل في حالة غادامير مع إثارته للشك حول أي وسيلة تدَّعي أنها تتحدث من زاوية «موضوعية، ومن على بعد مسافة علمية» من التراث اتباعاً لأسلوب عصر التنوير ووجهة نظره الواهية حول «المسافة» و«الموضوعية» الممكنين في العلم.
بينما يرفض غادامير وجهة النظر التنويرية غير الواقعية هذه حول المسافة، فإنه يحاجج لمصلحة فهم جديد للمسافة والتماسف لا تتعارض مع الأنطولوجيا الهيرمينوطيقا التي يقتضيها الانتماء إلى إرث ما، بل فإن هذا الفهم هو في الواقع جانب ضروري من هذا الانتماء، فالمسافة والتماسف هذان هما اللذان يجعلان الطرائق النقدية أموراً ممكنة.
أولاً، وبينما يميز الواحد منا بأنه ينتمي إلى إرث ما ويتأثر حتى على مستوى ما قبل العقلانية بنصوصه وفاعليتها عبر التاريخ، وبذلك لا يمكن له أبداً أن يصل إلى موقف تام الموضوعية تجاهها؛ إلا أن هذه النصوص بالرغم من ذلك هي في الواقع بعيدة عنه سواء أعلى المستوى الزمني أم على المستوى الثقافي، و«غيريتها» هذه هي ما يؤلف «الوعي التاريخي»؛ فـ«بدون التوتر بين الذات والآخر، لا يوجد أي وعي تاريخي»[26]. هكذا، فإن «التأويل هو تصيير البعيد قريباً»[27]، ولهذا فإن الهيرمينوطيقا تحتاج إلى وسائل تبيانية تشمل طرائق نقد الإيديولوجيا شبه التحليلية النفسية. باختصار إذن: من الممكن إجراء نقد لإيديولوجيا النصوص.
ثانياً؛ ما دام هدف الهيرمينوطيقا ليس هو بعينه المثال الأعلى الرومنطيقي: أي فهم نية المؤلف أو استيعاب «العالم الكامن خلف النص»، إنما هو الانفتاح على عالم الإمكانيات التي تتفتح «أمام النص»، فإن المسافة تلعب دورها هنا أيضاً، ويصبح نقد الإيديولوجيا ممكناً مرة أخرى. أولاً وقبل كل شيء، فبما أن العالم الذي يفتحه النص هو «نسق ما هو ممكن، حتى إنّه أفضل من ذلك: هو القدرة على الكينونة»[28]، فإن المسافة بين الإمكانيات التي يفتحها النص وبين حقيقة عالمنا اليوم «تتضمن بالمبدأ لجوءاً ضد أي حقيقة معطاة، وبالتالي ضد إمكانية أي نقد للواقع»[29]. بعبارة أخرى: من الممكن إذاً القيام بنقد لإيديولوجيا وقائع عالم الحياة اليومية. ثانيا وبعد ذلك: يتطلب فهم عالم الإمكانيات التي يقدمها النص أن تمارس الذات المفسرة تماسفاً ما من ذاتيتها؛ أي أن تجعل نفسها منفتحة وتكشف نفسها أمام عالم النص بدلاً من أن تعكس نفسها عليه: «تمر عملية الاستيلاء على العوالم الممكنة التي يقدمها النص عبر عملية تخلٍّ عن النفس»[30]. في هذه الحالة يتيح التماسف عن النفس المجال أمام نقد إيديولوجيات الذات المفسرة.
بعبارة أخرى، إذا كانت الكلمة التي تصف عملية التفسير خير وصف هي: «المحاورة» بين الذات من ناحية أفهامها المسبقة وفهمها لنفسها ومع العالم الملموس «الحقيقي» وعالم الإمكانيات التي يفتحها النص من ناحية أخرى؛ وإذا كانت المسافة افتراضاً مسبقاً ضرورياً وجزءاً لا يتجزأ من عملية المحاورة هذه، فإن نقد إيديولوجيا كل من النص والذات المفسرة يصبح ممكناً[31]. وبهذا يخلص ريكور إلى القول بأنه «من الممكن إدراج نقد الإيديولوجيا كمقطع موضوعي وتفسيري في مشروع تضخيم التواصل وفهم الذات واستعادتهما»[32]. فمع الاحترام لغادامير، ليست القضية هي استحالة المشروع الهرمنيوطيقي، ومع الاحترام لهابرماس، ليست القضية أيضاً مشروعاً مستقلاً تمام الاستقلال، إذ لا يمكن لنقد الإيديولوجيا أن «يستكمل مشروعه» ما لم «يدرج فيه بعضاً من انبعاث الماضي، وبالتالي من إعادة تفسير التراث»[33]. هذا، وسوف نعالج اعتماد النقد على التراث، وبالتالي على الهيرمينوطيقا، بشكل أتم لاحقاً.
«هيرمينوطيقا الارتياب» والدين واللاهوت
يرى ريكور أنه يمكننا تصور العلاقة بين الهيرمينوطيقا الفلسفية العامة والهيرمينوطيقا الدينية ـ مثل تلك المتعلقة باللاهوت ـ على أنها «اشتمال متبادل»[34]؛ فرغم أن الهيرمينوطيقا اللاهوتية قد تبدو عند النظرة الأولى وكأنها مجرد «تطبيق» لمبادئ الهيرمينوطيقا العامة، فإن نظرة أقرب تكشف أن خصوصية نصوص اللاهوت ومهامه لا تتعلق بمجرد التطبيق بل بمصادرة تحويلية لهذه المبادئ:
إن مجرد خصوصية مهمة تفسير هذه النصوص المحددة سيتطلب إحاطة الهيرمينوطيقا اللاهوتية آخر الأمر بالهيرمينوطيقا الفلسفية وتحويلها إلى آلتها المعرفية [الأورغانون الخاص بها]»[35].
ولذلك فإن خصوصية نصوص اللاهوت تتطلب نوعاً خاصاً من نقد الإيديولوجيا يؤسس له ويحفزه فهم مسيحي خاص لـ«المصلحة» الانعتاقية والمستقبل المنعتق. بالنسبة إلى ريكور، فهو يقترح وبوضوح لا لبس فيه أنّ خصوصية الدين اللاهوت تتطلب إدراج نقده من الخارج ـ الأمر الذي قولَبه كلاسيكياً أشخاص مثل ماركس ونيتشه وفرويد ـ ضمن اللاهوت بحيث يتحول إلى «أداة للنقد من الداخل»[36] في شكل «هيرمينوطيقاا الارتياب» التي ينتج منها «نزعٌ للغموض»[37].
من حيثية ما، يمكننا القول إنّ «هيرمينوطيقا الارتياب» التي يقترحها ريكور كمهمة للاهوت هي مفهوم أوسع من «نقد الإيديولوجيا »، فالإيديويوجيا بنطاقها الضيق تشير إلى تشويهات للفكر ترتبط مع الهيمنة، أما مشكلة هيرمينوطيقا الارتياب فتواجه مشكلة أكثر شمولاً وهي: «الوعي الزائف» الذي هو «من أبعاد خطابياتنا الاجتماعية»[38] ويشمل ـ ولكنه لا ينحصر في ـ الإيديولوجيا . بالنسبة إلى ريكور، فإن مصطلح «الوعيي الزائف» ورغم أصوله الماركسية يمكنه أن يطبق «بشكل مفيد» كذلك على «سلالات الأخلاقيات في فكر نيتشه،، وكذلك نظرية الأفكار والأوهام في أعمال فرويد»[39]. يمكننا القول إن «أسياد الارتياب الثلاثة» هؤلاء قد عملوا على «تأويل عام لما أسموه الوعي الزائف»[40] اللاهوت المسيحي.
فمهمة اللاهوت إذاً أن يرد النزعة التبسيطية المتضمنة في هذه التحاليل، ولكن بعد قبول وجهات النظر هذه كانتقادات على الإيمان أن «يمر بها» في جهوده الرامية للوصول إلى تفسير يبين من خلاله أصالته وحقيقته. كتب ريكور قائلاً: ينبغي تقمص دور هذا النقد القاسي بكل قوته، ويجب تحويله إلى حقيقة داخلية بحيث لا يؤثر في الأشكال المؤسساتية من الدين المسيحي فحسب، بل على وظائف نماذجه الأساسية أيضاً كما قلنا من قبل: إن الغاية من هذا النقد هي «إزالة الغموض» التي يمكننا أن نفهمها على أنها توضيح للأصل. على سبيل المثال، يمكن للواحد منا القول إنّه وقع ضحية للغموض والوهم الناشئ عنه حين يكتشف أن الرسالة التي تلقاها لم تأت من الشخص الذي كان يعتقد بأنها بالأصل جاءته منه[41]، وبالطريقة ذاتها تواجه هيرمينوطيقا الارتياب كلاًّ من النص والذات المفسرة له بعالم الحياة اليومية التي تعيشها تلك الذات لتكتشف حضور الوعي الزائف وأعماله وتفك رموزه ليتضح لها أن هذه التشويهات لا أصل لها في «الدعوة» (kerygma) الأصلية ولذلك يجب رفضها. فعملية إزالة الغموض إذاً هي اسم آخر لـ«تحطيم الأيقونات، النضال ضد الأصنام؛ في سبيل الإله الحقيقي: «إن تحطيم الأوثان يعني إفساح المجال أمام الرموز كي تتكلم»[42].
حدود هيرمينوطيقا الارتياب وأوجه قصورها
يمكننا أن نقول مطمئنين إنّ إمكانية نقد الإيديولوجيا وهيرمينوطيقا الارتياب وضرورتهما قد أصبحتا مقبولتيْن اليوم بل مفترضتيْن سلفاً في الدوائر اللاهوتية والأكاديمية؛ ولكن ما اتضح أكثر هو بروز ظاهرة محزنة من «صرعة» نقد الإيديولوجيا وهيرمينوطيقا الارتياب تقوم إما على نقد الإيديولوجيات والأوهام وحسب لتستبدل بها المزيد من الإيديولوجيات والأوهام، أو تبسيط الإرث اللاهوتي برمته إلى مجرد إيديولوجيا ووهم، وبالتالي تتوصل إلى نتيجة هي رفض كلي وإجمالي لذلك الإرث. يشير ريكور إلى أن هذا الواقع يظهر بشكل مأساوي في تطور الماركسية على مستوى العالم:
كما يُتهم اللاهوت المسيحي بأنه قد برر سلطة الطبقة المهيمنة، فالماركسية تعمل كنظام تبرير لسلطة الحزب كـ«طليعة» الطبقة العاملة ولسلطة المجموعة الحاكمة ضمن الحزب... من المفارقة أن الماركسية بعد ماركس أصبحت تجسيداً باهراً لمفهومه الخاص حول الإيديولوجيا [43].
كذلك يسجل عدد حديث من مجلة واسعة الانتشار الظاهرة نفسها في عالم النقد الأدبي؛ في سلسلة من الأمثلة التي كانت لتثير سخرية المستعمين إليها وقهقهتهم لو لم تكن أمثلة حقيقية، ثمّ أمراً مثيراً للفزع أكثر منه للضحك: جميع أنواع الأدب، وسواء أكان كتابه واعين لذلك أم لا، هي في الحقيقة سياسية.... مسرحية «العاصفة» لشكسبير تعكس اغتصاب الإمبريالية للعالم الثالث؛ لذلك، فمن المهم للغاية لنا أن نوازن بين فهم ريكور لإمكانية النقد الإيديولوجي وضرورته مع فهمه لحدود هذا النقد وأوجه قصوره، إذ لا يمكن لهيرمينوطيقا الارتياب أن تكون أداة بناءة لعلم اللاهوت ولا لأي مسلك هرمنيوطيقي آخر بدون هذا التوازن؛ عند وجود هذا التوازن وحسب يمكن لهيرمينوطيقا الارتياب أن تخدم المصالح الانعتاقية.
يمكننا هنا بناء ثلاث نقاط مترابطة: الأولى هي أن فهم ريكور لنقد الإيديولوجيا يتطلب التخلي عن الوهم القائل بأن هذا النقد هو علم يصدر أحكامه «من مكان غير إيديولوجي... يمكننا مقارنته بالهندسة الإقليدية وقوانين الفيزياء وعلم نشأة الكون التي برهنها غاليليو ونيوتن»[44]. حين فهم ريكور الإيديولوجيا على أنها وبالدرجة الأولى «ظاهرة لا يمكننا تجاوزها في الوجود الاجتماعي ما دامت الحقيقة الاجتماعية هي دائماً في واقعها نسق رمزي»[45] فقد أوضح بما لا لبس فيه أن كل شخص لديه إيديولوجيا خاصة به هي جزء لا مناص منه منن انتمائه إلى موروث ديني أو فكري أو حضاري أو اجتماعي؛ فلا توجد نقطة موضوعية مطلقة يمكن للمرء منها أنن يحكم على إيديولوجيات تراث ما، وهو ما أدى إلى إصرار ريكور الذي أسلفنا ذكره على أن «حوار التفسير» يجب أن يحتوي على تحليل ناقد للذات يتعلق بالإشراط الإيديولوجي الذي تعرضت له الذات المفسرة وعالم حياتها اليومية. يجب على علم اللاهوت خصوصاً أن يشتمل على تدمير ما يدمٍّر، وتفكيك ما يبعث الإنسان المعاصر على الاطمئنان... إن الوعظ لا يعني الاستسلام أمام ما يصدقه الإنسان المعاصر وما لا يصدقه، إنما هو الصراع مع الفرضيات المسبقة التي تقوم عليها ثقافته[46].
النقطة الثانية: هي أن فهم ريكور للتماسف بما هو الشرط اللازم لنقد الإيديولوجيا يتطلب تمييز حقيقة أن هذا التماسف الإيجابي يفترض مسبقاً وجود انتماء مسبق لا مناص منه لإرث ما، ولذلك على نقد الإيديولوجيا ألاا يجري «خارج الهيرمينوطيقا أو ضدها، بل ضمنها»[47]. بغض النظر عن التشويهات التي قد تكون موجودة ضمن الإرث، فعلينا أن نسأل مثلاً عن المكان الذي تنبع منه المصلحة الانعتاقية التي تحفز النقد، وإذا ما كانت تقع ضمن الإرث نفسه أم لا؛ أو ليس لدينا «إرث يتضمن الانعتاق» أيضاً؟ بالنسبة إلى المسيحي بشكل خاص، أليس «جذر العقيدة... في مكان ما حيث ينبع التوقع من الذاكرة»[48]؟ لا يمكن لعالم اللاهوت أن ينسى أن النقد أيضاً تراث، بل أقول حتى إنه يغوص في أكثر الموروثات إثارة للإعجاب: أي الأعمال الانعتاقية الموجودة في الخروج وفي القيامة. لربما لم يوجد اهتمام بالانعتاق ولا توقُّع للحرية في ضمير الإنسانية لو زال الخروج والقيامة من ذاكرة البشر... بعبارات لاهوتية: إن علم الأخرويات (الإسخاتولوجيا) لا شيء دون أعمال خلاص من الماضي[49].
وأخيراً، فإن نقد الإيديولوجيا وهيرمينوطيقا الارتياب ورغم أهميتهما بالنسبة إلى ريكور، فهما آخر الأمر لا يتجاوزان كونهما مرحلة سلبية من الهدم الذي يحضر لطور آخر أهم وأكثر إيجابية من التفسير؛ الهدم والتفسير متحدان اتحاداً عميقاً في فكر ريكور: تتصارع الهيرمينوطيقا مع الأوثان حتى تتحرر وتسمع آخر الأمر «الكلمة الأكثر أصالاً وأولية»[50] في النص؛ أو بكلمات أخرى: الحركة النقدية ليست هي الحركة الأخيرة؛ والتوقف عند النقد لاا يتجاوز كونه إجهاضاً لعملية التفسير برمتها.
كان ريكور صاحب بصيرة نافذة حين أشار إلى أن حتى نقد اللاهوت السلبي القائم على «تهشيم الأصنام» الذي قام به «أسياد الارتياب» هو مجرد الجانب الظلي من عملية الإثبات الحيوية، فإن صراعهم المحموم مع ما حسبوا أنه إيديولوجيا لاهوتية كان في نهاية المطاف صراعاً لمصلحة الحقيقة ورفض الهرب من قسوته وصعوبته، «نوع من الاحتفال بقوة الضرورة المعتقة»[51]. إن «الكنه النهائي» لهذه الهرمنيوطيقيا التدميرية... ليس الارتياب ولا هو إنهاء الإيديولوجيات والأوهام، بل إثبات الإنسان في اعترافه بالضرورة؛ محبة القدر كما قال نيتشه... لقد قالوا إن على الإنسان أن يحب الضرورة، أن يحب القدر، أن يحب الأشياء كما هي...[52]
لكن بالنسبة إلى الإنسان المتدين، بالنسبة إلى عالم اللاهوت، فإن «زهديات الضرورة»[53] هذه لا يمكن أن تكون هي الكلمة الأخيرة والإثبات النهائي؛ فبعد أن يعتنق الضرورة من خلال النقد، على اللاهوتي أن يمضي قدماًً إلى السؤال الأهم المتعلق بالإمكانية، ويعود إلى موروثه الديني بحثاً عن عوالم الإمكانيات التي يقدمها للبشرِ ـ الرجالِ والنساءِ المقيدين بالضرورة ولكن غير المحدودين بها. وبكل تأكيد، فإن «الموضوع الجوهري في الوحي الديني المسيحي» بالنسبة إلى ريكور هو «خيال الممكن»: «أليست أخبار الإنجيل الطيبة هي في الواقع تحريض الإنسان عبر الكلمة الخلاقة؟»[54]. وهكذا وبالنسبة إلى عالم اللاهوت، على هيرمينوطيقا الارتياب أن تنزاح عن الطريق آخر الأمر وتفسح المجال أمام هيرمينوطيقا الإثبات.
الخلاصة
يقدم فهم ريكور المتنوع والواسع لنقد الإيديولوجيا برنامجاً مقنعاً ومتسقاً للاهوتي النظامي كمؤوِّل للموروث الديني المسيحي، ويمهد السبيل بشكل مقنع أمام أعمال نقدية «مزيلة للغموض»، ولكنه يطلب أيضاً التصحيح الدائم عبر النقد الذاتي، ويتطلب المحبة والتقدير المستمرين لثراء الإرث الديني المسيحي ومعانيه، ويتطلب رغبة مهيمنة لتحقيق هذا الإرث فعلاً عبر تفسيره لعوالم الإمكانيات التي يحتويها لرجال اليوم ونسائه بدلاً من أن يتوقف عند نقد ذلك الإرث الديني.
لعل كل ما يمكن لريكور أن يقدمه في سبيل النقد هو اقتراح إدخال موضوعَيِ الشقاء والممارسة بشكل أكثر حسماً في فهمنا العام للهيرمينوطيقا النقدية. ففي التحليل النهائي: أفَلَيس السبب الأوضح لضرورة نقد الإيديولوجيا وهيرمينوطيقا الارتياب هو إداركنا بأن تشويهات الفكر هذه ليست ضارة على مستوى الفكر فحسب، بل تمتد آثارها إلى واقع العنف والشقاء اللذين تظل تتسبب بهما في حياة أعداد لا تحصى من البشر في عالمنا المعاصر؟ أليس صحيحاً أنّ ذكرى الشقاء الماضي المحفوظ لنا في موروثنا تشكل حافزاً لنقد الإيديولوجيا لا يقل في عمقه عن ذكريات الانعتاق ورؤى المستقبل التي يحملها ذلك الموروث؟ وأخيراً وليس آخراً: أليس من الضروري لهذا التفسير ألا يكون مجرد استجلاء للمعاني، بل أن يشجع الممارسة بحيث تتحول عوالم الإمكانيات التي يحصلها عالم اللاهوت من الإرث الديني إلى تقدمة لمسيحيي اليوم؛ ليس مجرد وعد وهدية، تَحَدٍّ ومهمة يجب أن تنجز أيضاً؟

--------------------------------------
[1]*- أميركي من أصل فيليبيني.
ـ العنوان الأصلي للمقالة: ricoeur's critique of ideology for theology.
ـ المصدر: المقال نشر في مجلة لانداس (Landas) (مجلة معهد لويولا للتكنولوجيا ـ الفيليبين) في العدد 7 ـ 1993 ـ ص: 57-71).
ـ رابط المقال على موقع المجلة:
http://www.journals.ateneo.edu/ojs/landas/article/riewfile/1109/1139
- David Tracy، The Analogical Imagination (New York: Crossroad، 1981)، 64.
ـ تعريب: رامي طوقان.
[2]- هذه هي «أنطولوجيا الوعي المنكشف أمام تأثيرات التاريخ» (كما ترجم ريكور فكرة غادامير التي صاغها بالألمانية بقوله: wirkungsgeschichtliches Bewuكtsein (الوعي المتأثر تاريخياً)، وتؤكد هذه الفكرة أن «الوعي، وحتى قبل استيقاظه بهذا الشكل، ينتمي إلى الأشياء التي تؤثر عليه ويعتمد عليها»، أي بكلمات أخرى: الإرث أو التقليد الديني. انظر:
Paul Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology” in Hermeneutics and the Human Sciences، ed. And trans. John B، Thompson (Cambridge: Cambridge Univ. Press، 1981) 70- 71، 74.
[3]- Tracy، The Analogical Imagination، 99
[4]- David Tracy، Blessed Rage for Order، (San Francisco: Harper and Row، 1975)، 52.
[5]- Ricoeur، “Phenomenology and Hermeneutics” in Hermeneutics and the Human Sciences، 111.
[6]- Ricoeur، “The Critique of Religion” in The Philosophy of Paul Ricoeur، ed. Charles E، Reagan and David Steward (Boston: Beacon، 1978)، 220.
[7]- Tracy، The Analogical Imagination، 129.
[8]- Ricoeur، “Phenomenology and Hermeneutics”، 109.
[9]- Ricoeur، “What is a Text? Explanation and Understanding” in Hermeneutics and the Human Sciences، 152.
[10]- Tracy، The Analogical Imagination، 117-118، 122; also Ricoeur، “What is a Text” 152-157.
لاحظ أنه وبالنسبة إلى ريكور، فإن هذا «إبطالـ« مرجعيات النص هذه خطوة مؤقتة نحو تفسيره. تبرر علاقة المماثلة بين اللغة كنسق ووحداتها من ناحية وبين النص ومكوناته من ناحية أخرى البحث عن هيكلية خارج النص. من ناحية أخرى لا يمكننا أن ننسى بأن الخطاب ذو علاقة أكثر جوهرية مع اللغة كخطاب منه مع اللغة كنسق، ولذلك فمن الضروري إعادة النص إلى «التواصل الحي» ليتوج الأمر بالاستيلاء على مرجعيات النص.
[11]- Cf. Edward Schillebeeckx، The Understanding of Faith، trans. N.D. Smith (New York: Seabury، 1974) 102- 155; Juan Luis Segundo، S. J.. The Liberation of Theology، trans. John Drury (New York: Orbis، 1976) 7- 47; Matthew Lamb، Solidarity with Victims (New York: Crossroad، 1982) 10- 12، 87- 88; Tracy، Analogical Imagination، 190،220، 390- 98.
[12]- تريسي بالطبع أشد الأمثلة وضوحاً على لاهوتي يستخدم ريكور كـ»شريك في الحوار»، حتى كأستاذ. وكذلك، فإن فهم شيلِبيكس للإيديولوجيا كما طرحه في محاضرته: «الفهم اللاهوتي للإيمان في سنة 1983) يشير إلى كونه مديناً لفهم ريكور الأوسع للإيديولوجيا.
Cf. John Bowden، Edward Schillebeeckx: In Search for the Kingdom of God (New York: Crossroad، 1983) 136.
[13]- Paul Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology”، 78.
[14]- George H. Taylor، “Editor’s Introduction” to Paul Ricoeur، Lectures on Ideology and Utopia (New York: Columbia Univ. Press، 1986) xix.
[15]- Ricoeur، “Science and Ideology”، in Hermeneutics and the Human Sciences، 226.
[16]- Ibid. 227.
[17]- Ibid. 230
[18]- Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology”، 84.
[19]- Ricoeur، ibid. 71.
[20]- Paul Ricoeur، “Ethics and Culture: Habermas and Gadamer in Dialogue”، trans. David Pellauer، Philosophy Today 17 (1973) 157.
[21]- Ibid. 155.
[22]- Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology”، 85.
[23]- Ibid. 87.
[24]- Ricoeur، “Ethics and Culture”، 159.
[25]- Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology”، 88
[26]- Ricoeur، “Ethics and Culture”، 160.
[27]- Ricoeur، “Phenomenology and Hermeneutics”، 111.
[28]- Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology”، 93.
[29]- Ibid.
[30]- Ibid. 94
[31]- بدا تفوق ريكور على هابرماس في اشتماله الحاسم لنقد إيديولوجيات الذات المفسرة وليس النص أو الإرث الديني/ الفكري وحسب ـ بكلمات أخرى: باشتماله على بعد من النقد الذاتي- وبذلك تغلب على خطر حقيقي يتضمنه نقد الإيديولوجيا : وهو أن ينحل النقد ويتحول بدوره إلى شكل جديد من أشكال الإيديولوجيا.
[32]- Ricoeur، “Phenomenology and Hermeneutics”، 111.
[33]- Ricoeur، “Ethics and Culture”، 160.
[34]- Paul Ricoeur، “Philosophical Hermeneutics and Theological Hermeneutics: Ideology، Utopia، and Faith”، in Protocol for Seventeenth Colloquy: 4 November 1975، ed. Wilhelm Wuellner (Berkley: The Center for Hermeneutical Studies in Hellenistic and Modern Culture، The Graduate Theological Union and the University of California، Berkley، 1975)، 4.
[35]- Ibid.
[36]- Ibid. 19.
[37]- Ricoeur، “The Critique of Religion”، 213.
[38]- Ibid. 214
[39]- Ibid.
[40]- Ibid.
[41]- Ricoeur، “The Critique of Religion”، 213.
[42]- Ibid. 219
يمكننا الرجوع إلى مثال واضح على عالم لاهوت يواجه مباشرة «أسياد الارتياب» رافضاً نزعتهم التبسيطية من ناحية ولكن محاولاً من ناحية أخرى استخدام تحاليلهم للوصول إلى «إزالة الغموض» في العمل التالي:
Hans Kung، Does God Exist?: An Answer for Today (New York: Doubleday، 1980) 189- 339.
[43]- Ricoeur، “Science and Ideology”، 236.
[44]- Ricoeur، “Science and Ideology”، 224.
[45]- Ibid. 231.
[46]- Ricoeur، “The Language of Faith”، in The Philosophy of Paul Ricoeur، 224، 227.
[47]- Ricoeur، “Science and Ideology”، 244.
[48]- Ricoeur، “Ideology، Utopia، and Faith”، 28.
[49]- Ricoeur، “Hermeneutics and the Critique of Ideology”، 99- 100.
[50]- Ricoeur، “The Language of Faith”، 235.
[51]- Ricoeur، “The Critique of Religion”، 218.
[52]- Ricoeur، “The Language of Faith”، 237.
[53]- Ibid.
[54]- Ibid. 237-238