البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

بين مركزية الأنا الغربية وميلاد الأصوليات ، نقد غارودي للذاتيّة الغربية

الباحث :  نصر الدين بن سراي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  10
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  1359
تحميل  ( 345.270 KB )
أخذ الاهتمام بمركزية الغرب في العصر الاستعماري خلال القرنين التاسع عشر والعشرين مساحة وافية من الجدل في الوسطين الفكري والأكاديمي.
هذه الورقة تناقش جانباً مهماً من القضية، إذ يتناول الباحث الجزائري نصر الدين بن سراي الكيفية التي قارب فيها الفيلسوف الفرنسي الراحل روجيه غارودي قضية الأصولية الغربية ومظاهرها وخطابها حيال الآخر العربي والإسلامي.

المحرر

من أهم المظاهر التي تعد بارزة في الحضارة الغربية الحديثة بروز أنواع شتى من الإيديولوجيات والأفكار التي تندرج في سلّم التطرف الشديد، وهوما اصطلح على تسميته بالأصوليات. وهذا المصطلح الذي يعد في المخيال الثقافي والإجتماعي والسياسي العربي جد حديث، لكن تكاد تكون تلك التصورات من أهم الأفكار التي كونت الغرب  الحادث، وفي هذه المقاربة حاول روجيه غارودي الكشف عن تلك الأفكار التي كونت الغرب الطارئ كما يسميه، وكانت تلك الأفكار التي يستهجنها اليوم ويسعى لمحاربتها، هي البنية الأساسية التي أسهمت في تشكله وبلورة حضارته، إذ نرى تمظهراتها في الجوانب العالمية اليوم، في السياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها من التجليات التي تبرهن على حقيقة ألا وهي أن الغرب لازالت تحكمه إيديولوجيات أصولية ينطق منها وتحدد تصوره ورؤيته إلى العالم، وهي قصة الأفكار التي لازالت تسكن في البنى الأفكار المضمرة للغرب.
يعد روجيه جارودي من أهم الفلاسفة الفرنسيين، بل في الغرب الذي، وجه سهام نقده للحضارة الغربية، التي تحتوي جوانب لا إنسانية في حضارتها، وإن ادعت الإنسانية. نحاول في هذه الورقة بيان بعض أوجه الأفكار التي شكلت الغرب، انطلاقا من نقطة التمركز على نفسه، وتحيزه لكل ما هوغربي، إلى زمن تشكل الأصوليات التي تحكم الغربي إلى اليوم.
يحاول جاودي استنطاق اللحظات الأولى لتكون هذه الأنا بداية مع دكتور فاوست، كما دونه كرستوفر مارلو، وانتهاء بالنزعات العرقية والأصولية المعاصرة النازية والستالينية.وكيف ساعدت هذه التصورات في صياغة العالم المعاصر.
ـ ليصل جارودي في النهاية إلى نتيجة خطيرة جداً مفادها أن الأصوليات جميعها في العالم اليوم هي نتجية أو رد فعل على الأصولية الغربية. مما يضع الفكر الغربي أمام إحراجات يتعسر على صاحب لب سليم أن يتفلت منها، كما نجد قليلاً من الكتاب ومفكري الغرب يعرضون تلك الحقائق بوجه ناصع بأدنى شك أوريب.
ـ  وسيكون الإشكال الرئيس الذي يسعى جارودي الإجابة عنه ههنا: كيف شكلت نقطة التمركز الغربي حول ذاته إلى ميلاد الأصوليات بشتى اختلافاتها وإيديولوجيتها؟ وما أهم الحمولات التي  شكلت الغرب الطارئ؟

أولا/ التمركز الغربي حول الذات:
تعد نزعة التمركز حول الذات، إحدى السمات البارزة؛ التي شكلت الطابع العام لتاريخ الفكر الغربي، وفلسفته ورؤيته إلى العالم، هذه الإيدولوجيا التي مكنت الذات الغربية لتجعلها سيدة العالم؛ ولعل النواة الأولى لهذه الفكرة، كانت مع أفكار الحداثة الأولى وهي مسلمة كريستوفر وذلك في «الفرض الأساسي لـ: مارلوا، في كتابه فاوست، الذي أعلن مسبقاً، وفاة الإله (أيها الإنسان، عن طريق عقلك القوي، تصبح إلهاً، المالك والسيد لكل العناصر)»، وهي سيادة الإنسان عن طريق استخدام العقل، وتكريس لفكرة مركزية الإنسان.
فإذا تناولنا كلمة التمركز التي اشتقت من كلمة المركز، والتي توحي بمعنى المرجع، نجد أنه جاء معناها في معجم لسان العرب بما يأتي: «والمَراكِزُ: مَنَابِتُ الأَسنان. ومَرْكَزُ الجُنْدِ: الْمَوْضِعُ الَّذِي أُمروا أَن يَلْزَمُوهُ وأُمروا أَن لَا يَبرَحُوه. ومَرْكَزُ الرَّجُلِ: موضعُه. يُقَالُ: أَخَلَّ فلانٌ بِمَرْكَزِه. وارْتَكَزْتُ عَلَى الْقَوْسِ إِذا وَضَعْتَ سِيَتَها بالأَرض ثُمَّ اعْتَمَدْتَ عَلَيْهَا. ومَرْكَزُ الدَّائِرَةِ: وَسَطُها»، فإذا كانت كلمة مركز توحي بمعنى المصدر والمرجع الذي يعاد إليه، فإن المركزية الذات الغربية، هي الوقود الفكري التي تستند إليه في تأسيس ذاتها، التي من خلالها تشعر بالمغايرة تجاه الآخرين، والمعيار الذي تنطلق منه لتحاكم سائر الرؤى والثقافات في العالم، وعليه يمكن أن نقول إن مصطلح التمركز حول الذت يقصد به "ولادة المرء ضمن ثقافة معينة، بشكل عام إن هذه الثقافة تضعه على منصة يطل منها، بدرجات متفاوتة من عدم الإكتراث أوالعداوة، على الثقافات الغربية الأخرى، ولذا غلب أن يكون مراقبو الثقافات الغربية منحازين بالمعنى البسيط الذي يفضلون فيه ثقافتهم على كل الثقافات الموجودة الأخرى، وينظرون فيه إلى الغريب باعتباره الشكل المشوه المنحرف عن المألوف. وكانت السذاجة التي تدغدغ الذات وتميز التقسيم الأرسطي لسكان العالم إلى إغريق وبرابرة، أو إلى احرار بالطبيعة، وعبيد بالطبيعة، هي النمط المعتاد الذي حشر الناس فيه ما لاحظوه من فروق بين البشر».
وعليه يمكن عدّ فكرة التمركز حول الذات أوالمركزية الغربية بأنها عبارة تلك «الممارسات الواعية أوالغير الواعية، التي تركز على فرض الحضارة والمصالح الغربية عموما في جميع مجالات الحياة على حساب باقي الثقافات والحضارات والشعوب، وبكل الوسائل المشروعة وغير مشروعة».
فالثقافة الغربية وطابعها الأنوي تجعل من الأنا الغربية تحتل مركزية العالم، وماعدا ذلك يمكن إعتباره هامشا، أولاإنساني، أولم يدخل بعد في طور الإنسانية والتمدن أوالتحضر، وهذا ما يبدوبشكل جلي، في مراحل التحقيب التي يعتمد عليها علماء الأنثربولوجيا في تحقيب الشعوب غير الغربية، إلى حقبة ما وراء التاريخ أوقبله، حيث إن أسلوب تعدد الثقافات لم يكن أسلوباً معترفاً به إلى حقبة ليس ببيعدة في تاريخ الثقافي للعالم الإنساني وهذا ما يوضحه كلود ليفي سترواس حين يقول: «يبدو أن تنوع الثقافات لم يظهر للناس إلا نادراً كما هوعلى حقيقته، باعتباره ظاهرة طبيعية...وإنما رأوا فيه نوعاً من الغرابة والفضيحة ويتمثل في الرفض الكامل للأشكال الثقافية، الأخلاقية والدينية والاجتماعية والجمالية، البعيدة كل البعد عن القيم التي نعتنقها... فتعابير مثل عادات المتوحشين وذلك ليس من عندياتنا... تختلط مع كل ما لايشترك مع الثقافة اليونانية تحت اسم البربري» وبذلك فالثقافة الغربية تعطي لنفسها حق مساءلة الثقافات جميعها، واعتبار المعيار الوحيد لا بد أن يكون النموذج الغربي، وكل ثقافة مخالفة لهذا النموذج يمكن ببساطة أن يطلق عليها بأنها ثقافة إيحائية ما قبلية ليست علمية ولم تدخل بعد في طور التأنس بعد.
وعليه فالثقافة الأروربية التي تنطلق من نزعة التمركز الغربية، قد أقامت صروحها على فكرة النظرية العرقية القائلة، بالتفوق والقدرة للجنس الغربي، ولا سيما نظرية الكيوف الطبيعية، التي قدمها لنا أرسطو في كتابه السياسة حيث يقول: «يستطيع المرء أن يتخذ فكرة من هذا بأن يلقى النظرة إلى أشهر مدائن الإغريق، وإلى الأمم المتخلفة التي تتقاسم الأرض، الشعوب التي تقطن الأقطار الباردة حتى في أوربا  هم على العموم ملؤهم الشجاعة لكنهم على التحقيق منحطون في الذكاء وفي الصناعة، من أجل ذلك هم يحتفظون بحريتهم لكنهم من الجهة السياسية غير قابلين لنظام، ولم يستطيعوا أن يفتحوا الأقطار المجاورة، وفي آسيا الأمر ضد ذلك شعوبها أشد ذكاء وقابلية للفنون، ولكن يعوزهم القلب ويبقون تحت نير استعباد مؤبد، أما العنصر الإغريقي الذي هوبحكم الوضع الجغرافي وسط فإنه يجمع بين الفريقين، فيه الذكاء والشجاعة معا».
هذه النظرية حقيقة يمكن عدّها ناظماً لفكرة المركزية العرقية الغربية، التي تجمع كمالات الصفات في الجنس الأوروبي، وتصرفه عن غيره، بوصفهم أفراداً تنقصهم تلك صفات التي لم تتحقق، ولم تجتمع لأي جنس إلا في الجنس الغربي، وبالتالي هم فقط من لهم أهلية الحكم والسيطرة في الجوانب الحياتية كلها، وما عداهم أقاليم تابعة لهم لأنهم عجزوا على التوسع في البلدان المجاورة، فالمعيار إذن هوعرقي بامتياز، وامتلاك صفات القوة التي تمكنهم من حيازة مايريدون والسيطرة على الآخرين وفي هذا الصدد يقول جارودي: «تلك هي الأسطورة الأولى لنزعة أوروبا المركزية التي يحسن تبديدها كما لوكانت حلماً كاذباً».
هذه الأسطورة قد غذتها مراحل التطور التاريخي، في عصر الأنوار والنهضة، إذ تمت المصادقة لتمكين فكرة المركزية الغربية، وجعلها الروح التي تنطلق منها الحضارة الأوربية في العصر الحديث، فلو تأملنا في كيفية تشكل الوعي الأوربي وتاريخه، كانت أسطورة المركزية من أهم الأساطير المؤسسة له، والتي كان لها تأثير مباشرلافي نشأة الحركات القومية فيما بعد"فإعادة قراءة التاريخ من خارج إحداثيات الغربية ستضعه في سياق آخر يختلف تماما في حركة صعوده ونزوله عن شكله الراهن، فأسطورة العصور المظلمة تماما التي تعدها القراءة الغربية للتاريخ حالة إنسانية سبقت بإطلاق مجيء عصر الأنوار ليست في الحقيقة إلا لياً لعنق التاريخ، وتضييقا في أفقه لإجباره على الدخول من بوابة المركزية الأوروبية».
لقد كان موقف روجيه جارودي من قضية المركزية الغربية منتقداً لها ذلك أنها أحد الأسباب التي أدت إلى بروز معظم الأزمات في الحقل الفكري للحداثة الغربية، فهوأولا يبتدئ بنقد كلمة الغرب، فلا يراها ماهية جغرافية بل هي تعني عبارة عن"حالة فكرية متجهة نحوالسيطرة على الطبيعة والناس»، هذا الغرب يراه جارودي مجرد مصطلح مآله إلى الزوال، لأنه لم يستوجب موجبات البقاء، لأنهم أرجعوا كل شيء إلى ذاتية الفرد لذا يرى أن «الغرب عارض طارىء...ذلك هو الطراز الذي ألفه الغربيون باعتبارهم أن الفرد مركز الأشياء كلها ومقياسها».
فكلمة الغرب حسب جارودي كلمة لها حمولة كبيرة، فضلاً على أنه لا يحبذ هذه الكلمة، بسبب تلك الحمولة السلبية التي تدل عليها في الخارج، إذ يقول «إن كلمة الغرب كلمة رهيبة...إنني لا أحب لفظة الغرب، وقدحملوها عدداً كبيراً من التعريفات التي خدمت قضايا مشبوهة في تقسيم العالم، ويؤكد بول فاليري أن أوروبا وليدة تقاليد ثلاثة: ـ في مجال الأخلاقي: المسيحية، وبوجه أدق، الكاثوليكية.- في مضمار الحقوق والسياسة والدولة: تأثير موصول للقانون الروماني ـ في حقل الفكر والفنون: التقليد الإغريقي»، فهذه الكلمة  يقبع خلفها نموذج معرفي وضحه وبينه في النقاط الثلاث والتي من خلالها تشكل رؤية إلى العالم، فالكلمة غير بريئة، 
إنها ذات بعد إيديولوجي كامن في ذاتها.
وقد ركز جارودي في نقده المركزية الغربية على النقاط الآتية: 

أولا:الحمولة المرجعية لعالم الأفكار التي شكلت الغرب الطارئ: 
لقد كانت النواة الأولى مع الفكر اليوناني فقد بدأت نقطة الانفصال «مع سقراط وأرسطو، مؤسسي فلسفة الذات»، إذ ركزت هذه الفلسفة على مركزية الإنسان في الوجود فمن تلك المرحلة، «أصبح كل شىء مركّزاً على الإنسان ومنطقه الوحيد، حيث إن الأخلاق لم تكن بالنسبة لسقراط إلا جزءاً من المنطق، أما الطبيعة فلقد تركت لأعمال الدنيا التي يقوم بها العبيد أوالفعلة...مثل أرسطوحيث التأمل يلعب دوراً يقوم من خلاله بتوسيع الساحة التي خصصها للتقسيم الطبقي»، هذا الأمر الذي يقود بالضرورة إلى تمركز الإنسان حول ذاته نتيجة هذه الفلسفة، مما أدى إلى انفصال الإنسان عن المتعالي وعن العالم الطبيعي، حتى إنه قد انفصل على العالم الإنساني أيضا «فمن كان غير إغريقي، أي لا يتحدث اللغة، تعد كلماته مجرد تهتهة لا آدمية، ويعد همجياً».
هكذا انتقد جارودي الحضارة اليونانية، وما احتوته من أفكار أسهمت فيما تعيشه الحضارة الغربية، كما رفض جارودي فكرة المعجزة اليونانية، التي تجعل من اليونان مهد الحضارة الإنسانية كلها، كما تبعتها في ذلك الحضارة الرومانية التي كانت امتداداً وتقليداً للحضارة السابقة، فثقافة الغرب قد «بترت من أبعاد جوهرية، فمنذ قرون ادعت هذه الثقافة بأنها تتحدر ومن إرث مزدوج:يوناني ـ روماني، ويهودي ـ مسيحي، لقد انبثقت أسطورة المعجزة الإغريقية لأن هذه الحضارة بترت عمداً عن جذورها الشرقية، عن تراث آسيا الصغرى، عن أيونا تلك، إحدى مقاطعات لفرس حيث رأى النور أعظم الملهمين، من طالس إلى كزينوفون دي كولوفون ومن فيثاغورس... فاحت من خلالهم نسائم إيران زرادشت فيما وراءها»، وهذا أكبر شاهد للتحيز، والتمركز حول الذات الغربية بأن نسبوا تلك العلوم كلها إلى اليونان وهذا ما دونته صحة صيحة نيتشه حسب جارودي، فقد «استطاع نيتشه أن يكتب بمنطق ويقول إن الانحطاط بدأ مع سقراط؛ لأن معه بدأ انفصال الغرب عن آسيا».
ثانياً: الحمولة المرجعية الدينية التي شكلت الغرب الطارئ:
ـ أما بالنسبة للانفصال الثاني فإنه يمكن في الفكر اليهودي ـ المسيحي، إذ استلهمت الحضارة الغربية ديانتها من الديانتين: اليهودية والمسيحية، وليست منشأهما هو أوروبا، بل إن اليهودية والمسيحية لم «تأتيا من أوروبا، القارة الوحيدة التي لم يوجد فيها أبداً دين عظيم، وإنما آسيا، والتي تطورت بادىء ذي بدء في أنطاكيا أعني في آسيا وفي الإسكندرية أعني إفريقيا».
وكتاب التوراة كتب على أرض الكنعانيين بفلسطين كما فصل ذلك روجيه جارودي في كتابه فلسطين أرض الرسالات السماوية.
ـ فاليهودية والمسيحية قد تم الجمع بينهما، في العهد القديم والعهد الجديد مع بولس، «ومع أن بولس حريص عى أن يجعل من يسوع، خلافاً للسنة التقليدية اليهودية، الفصل النهائي في العهد القديم، وإتماماً للمواعيد التي وعدت بها إسرائيل، فإن من اليسير إظهار أن الإنجيليين قد قرؤوا العهد القديم قراءة انتقائية».
 ـ كما أمكن لبولس استعادة الفكرة «الملعونة للشعب المختار، كان هناك في الماضي الجوييم أي غير اليهود، ولكن بعد ذلك أصبح هناك الوثنيون والكافرون الذين يجب دعوتهم إلى الدين المسيحي، أي استعمارهم روحياً...هذا الخليط من اليهودية والهيلينية أسفر عن تعميق الانكسار الإنساني».
ـ ومن هنا يسائل جارودي الحضارة الغربية المتمركزة في نزعتها الغربية، حول ماضيها في حمولتها المرجعية الدينية التي شكلت الغرب الطارئ، فيقول: «هل يكون من الضروري للعظمة أن يكون المرء ابن لأب مجهول؟فلماذا إزالة آثار ما ولد وغذى حضارتنا؟ فهل نستسلم لتصرف هؤلاء الكتاب الرديئين الذين أرادوا أن يقنعوا أنفسهم بـ أصالتهم».
ثالثاً: الحمولة المرجعية العرقية التي شكلت الغرب الطارئ:
ـ أول فكرة كانت قد مهدت لذلك النموذج العرقي الأول، والذي منه تولدت التصورات العرقية جميعها في العالم الغربي كانت البداية مع فكرة شعب الله المختار، إنها «منطق الإيمان الذي، انتزعه الله من حمأة الشعوب الأخرى» وقد كان مصدر وضع هذه الأسطورة في «مصدر الاشتراع التثنية... صيغة مذهبية جديدة لكل التعاليم السابقة، وتدور الفكرة الرئيسة فيه حول تسمية إسرائيل بشعب الله المختار المرتبط مع الله بالعهد... وهكذا أصبح سفر اشتراع التثنية رداً على هيمنة الآشوريين، فالحاكم الوحيد الحقيقي لإسرائيل هو يهوه وليس ملك أشور».
ـ هذه الرؤية هي التي تشكلت منها النزعات والتفسيرات العرقية الأنثربولوجية ـ التي أشرنا إليها سابقاً، والتي كانت تمهيداً في ما بعد لانطلاق شرارة الاستعمار في العالم، بها أصبحت «أمريكا قائدة لدول التمركز الغربي ووريثة لجميع الاستعماريين في الشرق والغرب». 
ـ إن التاريخ المعاصر لشاهد على تلك الممارسات الاستعمارية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تحت ذرائع متعددة «وما درجنا على تسميته اكتشاف أمريكا، وتصفه اليونيسكوعلى استحياء بالتقاء الثقافات، ويحتفل به البابا جون الثاني بزهو كأنه تبشير بالإنجيل للعالم الجديد هوفي عام 1992 الاحتفال بمذابح الهنود، وبداية العهد الاستعماري في التاريخ الحديث... وكشف تدمير العراق في عام 1992 عن حرب من نوع جديد حرب قائمة ليس فقط على استعمار دول أروربية متنافسة، مثل ماكان من إنجلترا وفرنسا، لكن على استعمار جماعي متعدد الجنسيات متآلف تحت سيطرة الأقوى: الولايات المتحدة»، هذا التوجه للهيمنة والسيطرة لا زال إلى اليوم، إذ تعد أمريكا من أكبر الدول المصنعة للسلاح  وتعدّ «الأساس المتين للازدهار الاقتصادي في الولايات المتحدة، وذلك من خلال الحصول على دعم حكومي وتمويل من الدولة، وإجراء أبحاث وتطوير من أجل مصانع الحرب»، ذلك كله من أجل تكريس منطق الهيمنة والصراع في العالم، فلهم حق سيادة الرجل الأبيض.

ثانياً/ النزعة الأصوليةالغربية:
ـ كنا قد تحدثنا في النقطة السابقة حول نقطة التمركز الغربية، وانتهى بنا الحديث حول التمركز العرقي الغربي، وكان أصل تلك الأفكار فكرة شعب الله المختار، التي يمكن عدّها الفكرة الدينية المغذية لروح العرقية، لكن الذي نود الإشارة إليه ههنا هوالأصولية الغربية التي ولدتها الحداثة، لا الأصولية الدينية في حد ذاتها.
ـ لقد كانت النهضة الصناعية في أوروبا بداية نشوء الفعلي للأصوليات الغربية، التي كانت شرارتها الأولى هي فكرة القومية فـ «تتسق القومية تماماً مع وقائع التنظيم الاقتصادي للثورة الصناعية في مرحلتيها المبكرة والمتوسطة».
ـ كما تغذت النزعة القومية على أفكار التنوير، والسعي للتوسع الاستعماري للسيطرة على مزيد من الموارد الطبيعية، ويمكن عدّ النزعة القومية نتيجة «لأفكار التنوير وتفاعلها مع جماع العلاقات الإنسانية التي نسميها الثورة الفرنسية، وربما يمكن القول بعبارت مفرطة في التجريد، إن أفكاراً عن السيادة الشعبية والديمقراطية والإرادة العامة حسب المعنى الذي قصد إليه روسو، قد تحولت إلى واقع سياسي كتبرير للدولة القومية ذات السيادة». وعليه يمكن القول إن بدايات تشكل النزعة الأصولية الغربية التي ولدتها الحداثة، كانت مع ظهور الدول القومية، والتسابق المحموم نحو الظفر بالمستعمارات وتحقيق المزيد من السيطرة على العالم، فكانت كل دولة تتشكل لتتغذى على الروح القومية التي تعدّ بمنزلة لضامن الوحيد للاستمرارية وإقناع جماهير الشعوب التي ما كانت لتألف هذا النوع من التصور للدويلات الحديثة، ذلك «أنها من أهم العوامل التي تؤسس الأمم».
ـ وعليه يمكن عدّ القومية إحدى الركائز الأساسية للأصولية الغربية، ومنها انطلقت جميع النزعات والمذاهب والإيديولوجيات الأصولية في التاريخ المعاصر، فقد"اتخذ الألمان والإيطاليون من المذهب النازي والفاشي ركائز فكرية لتحقيق غايات قومية، وعندما اندلعت الثورة الفرنسية واتخذت مبدأ الحرية والمساواة استخدمتها كأداة لقوميتها من أجل السيطرة على أوروبا والعالم، وفي روسيا عندما اندلعت الثورة الفرنسية البلشفية اعتنقت روسيا المذهب الاشتراكي واتخذت منه أداة للسيطرة على الجمهوريات السوفيتية وفرض سيطرتها على أوروبا الشرقية من خلال هذه الصبغة القومية».
ـ أما بالنسبة للأصولية عند جارودي، فبعد أن عرض أهم التعريفات لها في المعاجم، كمعجم روبير، ولاروس والموسوعة العالمية، قام بتلخيص تلك التعريفات ووصل إلى تحديد أهم المكونات الأصولية إذ يقول: «أولا: الجمودية؛ رفض التكيف، جمود معارض لكل نمو، لكل تطور، ثانيا:العودة إلى الماضي، الانتساب إلى التراث، المحافظة، ثالثاً: عدم التسامح، الانغلاق، التحجر المذهبي: تصلب، كفاح، عناد... وهي تقوم على معتقد ديني أوسياسي مع الشكل الثقافي أوالمؤسسي الذي تمكنت من ارتدائه في عصر سابق من تاريخها وهكذا تعتقد أنها تمتلك حقيقة مطلقة وأنها تفرضها».
فالنزعة الأصولية بذلك لا تحتكم إلا إلى التصورات الماضوية، المنغلقة وتنطلق منها لتستعملها براديغم لتفسر بها حاضرها ومستقبها، وترفض نزعة تجديدية خارج ذلك الماضي، تلك النزعة المحاطة بالسياج الدوغمائي الذي ينمط جميع التصورات وفق تصوره الذي يأبى أن تكون الحقيقة خارج تصوره، وهم أصحاب «الأفهام الحرفية، يجهلون كل شىء عن الحركة الحقيقية للعالم والذي هوخلق إلهي متجدد، إنهم يدعون امتلاك أجوبة لجميع مشكلات عصرنا»، وهوما يطلق عليه النزعة التمامية، التي تدعي أن كل شىء يتم تفسيره وفق ذلك الأنموذج السائد، وأن العالم قد تمت عملية تأويله، فلامجال لفهم أو تأويل آخر.
ـ ويرى جارودي الأصولية الغربية بأنها جماع الأصوليات كلها التي انبثقت في العالم، «فالأصولية الغربية هي العلة الأولى، ثم ولدت كل الأصوليات الأخرى ردا على أصولية الغرب»، والسبب في ذلك أن «الغرب منذ عصر النهضة، فرض نموذجه الإنمائي والثقافي»، فثقافة الغرب تدعي أن نموذجها هوالأكمل والإنساني الذي لابد من أن يسود العالم، وما النماذج الثقافية الأخرى إلا نماذج قاصرة وغير علمية، وبذلك أصبحت الأصولية هي «الخطر الأكبر على عصرنا، حيث لا يمكن حل أية مشكلة انطلاقا من مجتمع حزئي واستنادا إلى معتقداته الجامدة».
ـ لقد عدد روجيه جارودي أنواعاً متعددة من الأصوليات، والذي نود الإشارة إليه هوالأصوليات التي دشنتها الحداثة الغربية، خاصة الأصولية العلماوية، والأصولية الستالينية، والأصولية الأمريكية، لأن سائر الأصوليات كانت نشأتها دينية، الأصولية اليهودية، والأصولية الفاتيكانية، والأصولية الإسلامية، هذه الأخيرة التي جاءت رد فعل على الأصولية الغربية الإستعمارية، كما أشرنا سابقا.أما الأصوليات التي ولدتها الحداثة الغربية فهي الآتي:

1/ الأصولية العلماوية:
ـ يمكن عدّ الأصولية العلماوية هي تلك التي «تجعل من العلم معتقداً متحجراً (دوغما)، فالأراء العلمية التي تقررها المدرسة سيتعين أن ترتدي لاحقاً الأشكال التي تجعلها مقدسة» ويعد أوجيست كونت هو الأب الروحي لهذه الأصولية، الذي حول تصور العالم وفق نموذجه التفسيري الأخير وهي مرحلة العلم، وهوالبراديغم الذي أعطاه المقدرة الكاملة لتفسير كل شىء من خلاله، وبالتالي إقصاء جميع النماذج التفسيرية الأخرى، «إذ يبدأ التاريخ عنده بالحقبة الأسطورية الغيبية، ومنها إلى الحقبة الميتافيزيقية، لينتهي المطاف عند ما أسماه بالحقبة الوضعية العلمية المتطابقة مع نظرة علمانية دهرية تقطع جملة مع التصورات الأسطورية والإحالات الدينية المتعالية».
2/ الأصولية الستالينية:
ـ تنسب هذه الأصولية إلى جوزيف ستالين، الذي كان من طبقة البروليتاريا، ليجد نفسه في سدة الحكم، إذ تبنى التصور الماركسي في بناء الدولة السوفييتية، ولكن هذه الماركسية هي ماركسية ستالين وفق تأويله وفهمه لها، وعلى هذا الأساس «فقد تحولت الماركسية من فلسفة تبصر الإنسان بإمكانياته الخلاقة وتدفعه إلى الأخذ بزمام الصيرورة التاريخية، إلى عقيدة دوغمائية وممارسة كليانية وجرائم لا إنسانية... فقد تحول ستالين بفعل السلطة التي كان يمارسها إلى آكل بشر وكان يعتقد أنه هو الثورة وأنه هو الاشتراكية».
ـ ويرى جارودي أن فكر ماركس هو فكر فلسفي نقدي، هذه «الفلسفة النقدية هي استيفاء لكون كل ما نقوله عن الطبيعة، عن التاريخ أوعن الله، إنما يقوله الإنسان، وهي ومن ثم تأكيد ظرفي، متناسب مع معارفنا ومع تجاربنا الآنية، في هذا المعنى، وفي هذا المعنى فقط، كان ماركس يعلن أن اشتراكيته علمية».                                                                           
ـ  على عكس ما تقرره كل مذهبية وأصولية. وسبب الانحراف الذي أصاب الماركسية بسبب الاعتقاد في علمية الأنموذج التفسيري بالتصور الوضعي القادر أن يفسر كل شىء، هذا الاعتقاد قاد الغرب إلى الانتحار، إذ إن ورثة ماركس هم الذي انطلى عليهم هذا التوجه «فمصطلح علمي جرى استعماله في معنى الوضعية، أي في معنى هذا الادعاء لبلوغ حقيقة نهائية من خلال حصر المعرفة الإنسانية وتاريخه وابتكاراته...فالمذهبية تقوم على وهم أو على زعم الاستقرار في الكائن وإعلان حقيقته المطلقة... تعتبر أن بينة العالم شاملة وخالدة في هذه الحقبة أوتلك من حقبات تاريخه».
ـ يبدو أن جارودي جد حانق على ستالين، إذ جعل اصطلاح الأصولية على اسم ستالين، ذلك أن الانحراف الأكبر للماركسية كان على يده، بدل أن تسير في الخط الذي وضعه ماركس، للقاء على الظلم، والاستغلال الطبقي الذي كرسته الرأسمالية فقد قام ستالين حيث بتحول نظام الحزب الشيوعي، وغير بنية التركيب للحزب، وتصرف تصرف الدكتاتور «فاستغل منصبه في تعيين أتباعه في المراكز الهامة لكي يضمن الأغلبية لنفسه في مؤتمرات الحزب...وقد تآمر في البداية مع بعض زملائه لكي يبعد تروتسكي عن خلافة لينين... ثم تآمر مع الآخرين وقضى على حلفائه الأولين، وجعل جميع قرارارت المكتب السياسي يجب أن تكون بالإجماع، ثم أعلن بعد ذلك خطة السنوات الخمس، التي تكفلت بفرض الزراعة الجماعية، ونفذت الخطة بكل وسيلة من وسائل الإرغام ومات في سبيل ذلك الملايين، وزج بغيرهم من الملايين في معسكرات التي أقيمت في المناطق المهجورة بشمال روسيا».
بهذا التصور تحولت الفلسفة النقدية الماركسية، من فلسفة إنسانية في بعض أبعادها، إلى أصولية ستالينية دوغمائية دموية، متنكرة للمبادىء التي نادت بها في أول نشأتها حيث يقول جارودي إن، «هذا التحريف الأصولي حول ماركسية ماركس إلى عكسها».
3/ الأصولية الأمريكية:
ـ أما بالنسبة للأصولية الأمريكية فقد أفرد لها جاوردي مؤلفاً خاصاً بعنوان: الولايات المتحدة الأمريكية طليعة الانحطاط، عام1997، (Les États-Unis avant-garde de la decadence)، إذ تناول في هذا الكتاب التركيز على نقد المشروع الأمريكي في العالم، من خلال سياساتها العالمية، إذ يرى جارودي أمريكا عبارة عن «منظمة إنتاج تديرها المنطقية التقنية أو التجارية فقط، حيث يسهم كل فرد كمنتج أومستهلك، متطلعاً إلى هدف وحيد، وهوالزيادة الكمية لرفاهه، وكل شخصية ثقافية أو روحية أو دينية، تعد قضية خاصة، فردية لا علاقة لها في تشغيل النظام».
ـ فإذا كانت كذلك، فإن المنطق الذي يحكمها هو معيار التحقق المادي، والبحث على طرقه ووسائله التي تؤدي إلى الرفاه تلك الديانة التي صارت رائجة في المنطق العالمي الجديد.
فالأصولية الأمريكية حسب جارودي، قائمة على فكرة الهيمنة والاستغلال الذي بدأ مع «تاريخ الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر هو أولاً تاريخ إبادة الهنود الحمر... وهوأيضا تاريخ استغلال العبيد السود، خاصة في زراعة القطن».
ـ أما تاريخ السيطرة والهمينة الحقيقي، وتمكّن الأصولية الأمريكية من بسط نفوذها على العالم فقد كان «عام 1992 كان عام قمة الهيمنة للولايات المتحدة الأمريكية... هذا المنعطف التاريخي الذي وجدنا أنفسنا فيه عام 1992»، إذ بدأت أمريكا تنميط العالم على النمط الاقتصادي، أحادية السوق النظام الديمقراطي، واستعملت في ذلك القوة العسكرية والاقتصادية، حيث عبرت الأمركة عن قمة أصوليتها في شكلها الحقيقي، إذ تم التخطيط» لهذا المنعطف بمد نفوذ السوق منظماً وحيداً للعلاقات الإنسانية على الصعيد العالمي، عن طريق الاستعمار الذي قام في البداية بجعل الدول المحتلة، مجرد روافد لاقتصاد الدول الاستعمارية».فقد بدأت الهجمة على العراق «الأمر يتعلق بإعطاء درس وعبرة، يبين للعالم الثالث بكامله، أن من غير المسموح لأي شعب... أن يرتفع إلى أعلى مستوى من التقنية، واستثمار ثرواته الوطنية (وفي الحالة الراهنة: البترول)، من دون مراقبة أسعاره من قبل الدول الاقتصادية الكبرى، أو أن يبتعد عن الدين الذي لا يجرؤ على الإعلان عن اسمه، ولكن الولايات المتحدة تفرضه على العالم وهو وحدانية السوق وعبادة المال»، إنه نموذج الأصولية في طورها المتقدم والمعاصر وهومنهج للجنون، بمعزل عن المعارضة المبدئية لتنمية العالم الثالث خارج سيطرة الولايات المتحدة، يظل ضرورياً أن تفهم الشعوب المقهورة أن عليها ألا تتجرأ على رفع رؤؤسها في حضرة السادة، أما إن فعلت، فهي لن تدمر باستخدام العنف المتفوق تفوقاً ساحقاً فحسب، بل إنها ستستمر بالمعاناة طالما نجد ذلك محققاً لمصالحنا... هذا النموذج كما في العراق».
ـ والنتجية التي يصل إليها جارودي بعد بحثه في دراسة الأصوليات الكثيرة والمتنوعة، في العالم، فهو يحمل النتيجة ونشأة  الأصوليات للغرب الطارىء، الذي أسهم بشكل مباشر أوغير مباشر في صناعة تلك الأصوليات، يقول جارودي «جميع الأصوليات (بعنفها وسلفيتها) هي ردود أفعال على أصوليات الغرب لتدافع عن هويتها، ورد الفعل هذا هو في الغالب ارتداد إلى الماضي ويتعلق به لأنه يحلم بالعصر ذهبي في مواجهة الغزوالثقافي، عصر ذهبي سبق هذا الاعتداء، وقلما يفضي إلى مشروع مستقبلي حقيقي».

خاتمة:
ما نخلص إليه أن الحضارة الغربية، كانت قد انطلقت من أفكار أسهمت في تشكيلها وحددت رؤيتها المسبقة إلى العالم، خاصة فكرة التمركز حول الذات، هذه الأخيرة التي انبثقت منها جميع صنوف الإيديولوجيات المختلفة، حيث قامت هذه الأخيرة بتفعيل فكرة الصراع في العالم، وقد حددت الإطار الذي سيتموضع فيه الغرب تجاه الآخر، ليست الآخر هوالجحيم فقط، بل الآخر الذي لا يحق له إلا ان يكون تابعاً للنسق الذي قد رسم.
تعدّ نزعة التمركز حول الذات ورفض الحضارة الغربية ومصالحها على جميع مجالات الحياة على حساب باقي الثقافات، من أبرز تجليات أزمة القيم الحداثية: فراغ العالم من المعنى منها، وسيتم تقديس كل ما هوغربي، يعدّ مركزاً والباقي هو الهامش، وعليه سيتم سحق جميع من يخالف هذا التصور، وهذا ما تم بالفعل، ففلسفة الأنوار الغربية، قامت بسحق حضارات إنسانية، كان من الممكن أن تفيد منها الإنسانية في جوانب متعددة، كالحضارة الهندية والحضارت التي هُمشت كالحضارات الشرقية.
إن ما قدمه روجيه جارودي حول نوابت الأصولية الغربية ونقده لها، هي لفتة للمراجعة، فما العنف الذي نراه في العالم ما هو إلا نتيجة لمثل هذه الفلسفة، خاصة إذا عرفنا أن لكل فعل رد فعل  مساوياً له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه.
فالبدائل الفكرية تجاه هذه القضية لا تكمن إلا في محاولة مراجعة الذات والتخلص من النظرة الاستعلائية، ودمج الذات في النسق الإنساني الذي يقوم على التعارف والتواصل لتحقيق إيتيقا الاعتراف والتعاون الإنساني في العالم الذي مزقته الحروب والصراعات من أجل طغيان الأنا المتعالية.