البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

"تلفزة" الخطب الجلل (هكذا تجعل الأخبار مكاناً أسوأ)

الباحث :  أجرى الحوار: جيانكارلو بيزيتي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 14 / 2018
عدد زيارات البحث :  751
تحميل  ( 279.070 KB )

ما الأثر الذي تتركه الأخبار التلفزيونية الفضائية في البنية السيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية على مجتمعات العالم المعاصر؟
هذا السؤال الإشكالي كان مدار حوار مع البروفسور لانس بينيت أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الاتصالات والإنترنت في جامعة واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية.
في هذا الحوار يكشف بينيت المأزق الأخلاقي الذي يتعمّق باستمرار بسبب التضليل الإعلامي والتسابق بين الشركات الكبرى على الأخبار المدهشة.
فيما يأتي وقائع الحوار:

--------------------------------------------------

ما الصورة التي ترسمها برامجنا التلفزيونية لنا عن أنفسنا؟ والأهم من ذلك: ما الصورة التي ترسمها لنا عن الحضارات والثقافات الأخرى خاصة تلك البعيدة عنا؟ يكشف لنا خبير في البرامج التلفزيونية الأميركية عن آلية لتزييف وتشويه الواقع لا ترى إلا الفوضى والاضطراب في العالم غير الغربي مبرزة الأحداث الدرامية والمثيرة للعواطف والأزمات لتزرع في عقول مشاهدي هذه البرامج شعوراً بأن العالم خارج عن نطاق السيطرة وأنه لا توجد أية فرصة في إعادة النظام إليه. هذا المنطق يبرز بشكل واضح وبكثير من الطرق في البرامج الإخبارية الإيطالية أيضاً، فكيف نهرب من هذه المحاكاة الزائفة للعالم؟ هل نفعل ذلك من خلال مشاهدة قناة البي بي سي البريطانية (أو من خلال تصفح مواقع الإنترنت)؟
أريد منك في البداية أن تقدم لنا الموضوع الذي تسميه «التحيزات الرئيسة في التلفاز» وتأثيراتها في الرأي العام. ألا يزال التلفاز هو الوسيلة الإعلامية المهيمنة في البلاد ذات الأنظمة الديموقراطية؟
إن الأبحاث توثق بشكل واضح أن البرامج الإخبارية التي يبثها التلفاز لا تزال هي أهم مصادر تلقي المعلومات وبناء الآراء المتعلقة بالقضايا المختلفة عند عامة الناس على الرغم من وجود بعض التطورات المهمة في فضاء الإنترنت قد تؤدي إلى تغيير هذا الواقع يوماً ما. لا شك بأن هناك قنوات بديلة للوصول إلى المعلومات ولكن غالبية الناس وفي غالبية البلدان لا تنتبه إلى القضايا أصلاً ولذلك فهي تكتفي بمشاهدة سريعة لما تبثه البيئة الإخبارية المحيطة بهم لمعرفة آخر التطورات والآزمات، هذا يجعل من التلفاز أداة سياسية في غاية الأهمية في المجتمع.
هل هذا هو الواقع في كل مكان؟ 
القنوات التي يعمل التلفاز من خلالها تختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر، البلاد الأوروبية وخاصة بلاد شمال أوروبا لديها خدمات بث عامة قوية للغاية، وقناة البي بي سي البريطانية هي النموذج الذي تتبعه في هذا المجال. هذه مصادر مهمة لحصول بعض التنوع بين الدول، وكذلك فإن لدى الكثير من البلاد مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا صحف وطنية مستقلة وهي مهمة أيضاً في إرساء الأسس لإجراء حوارات بين النخب المثقفة فيما يتعلق بالقضايا العامة. لكن على الرغم من كل ذلك يظل التلفاز هو الوسيلة الإعلامية الأكثر أهمية لأنه يبث لنا الصور وكما نعلم جميعاً فإن الصورة الواحدة أهم من ألف كلمة تأتي معها.
ماذا عن التحيزات التي ذكرتها في كتابك؟ 
أعتقد أن النزعة السائدة بين غالبية الصحفيين التلفزيونيين هي التركيز على الأحداث الدرامية والمخيفة وكذلك أخبار الإثارة والأزمات لأن هذه كلها هي أكثر الصور التي يراها الناس إثارة للدهشة، لكن يبقى السؤال بالطبع إذا ما كان هذا سيؤدي بعامة الناس إلى الشعور بأن العالم خارج عن نطاق السيطرة وبأنه ليس لدينا الكثير من الأمل في إعادة النظام في الحالات التي تسود فيها الفوضى. أعتقد أن هناك أدلة تشير إلى أن هذه كلها من آثار التلفاز وبالنتيجة ففي الكثير من الأحيان لا تجد عند الناس فهماً عميقاً للقضايا التي يشاهدونها على التلفاز بل وفي الكثير من الأحيان يأتي فهمهم للقضايا من الحكومات نفسها وخاصة حكومتهم الوطنية وبهذه الطريقة تتمكن الكثير من البلاد من فلترة الأخبار الآتية من حكومات البلاد الأخرى بطرق في غاية الأهمية، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال استمر سوء الفهم لواقع الحرب في العراق حتى بعد مرور سنتين وثلاث سنوات على تاريخ بدء الحرب فظل الكثير من الناس يعتقدون بوجود أسلحة دمار شامل في العراق كما ظل الكثير من الناس يعتقدون بوجود علاقة بين صدام حسين وأسامة بن لادن مما أدى إلى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة.
كيف يمكن لهم الاستمرار في الاعتقاد بشيء تبين زيفه؟
إن السبب في غاية البساطة، وهو أن الأخبار وخاصة الأخبار التلفزيونية تبث هذه الأخبار على أنها معتقدات رئيس البلاد ونائب الرئيس ووزير الخارجية ووزير الدفاع وغيرهم من كبار المسؤولين الأمريكيين، لقد أساء الكثير من الناس إدراك الموقف لأن حكومتهم قادتهم إلى سوء إدراكه، الشيء الوحيد الذي اختلف بين شخص وآخر هو مجرد مستوى سوء الإدراك والذي كان مرتبطاً بالمصدر الإخباري التلفزيوني الذي استقى منه الأمريكيون معلوماتهم، فقناة فوكس نيوز (Fox News) التي يمتلكها السيد مردوخ تسببت بأكبر مستوى من التظليل الإعلامي لأنها ببساطة قدمت النسبة الأكبر من مصادر إدارة الرئيس بوش الرسمية. ما يثير الاهتمام هنا هو أن بعض استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أظهرت أن الشبكات التلفزيونية الأخرى تسببت بنسبة عالية من التضليل الإعلامي لم تقل كثيراً عن مستوى فوكس نيوز، فقد تسببت شبكات سي بي إس (CBS) وإن بي سي (NBC) وإي بي سي (ABC) بمستويات عالية من التضليل الإعلامي لأنها أيضاً قدمت مصادر حكومية في نشراتها الإخبارية.
تظهر في عملك أن معظم عمليات تشويه الحقائق ليست نتاج عقل منحرف يقرر السيطرة على الناس بل نتيجة منطق داخلي موجود في نظام الإعلام الإخباري التلفزيوني. الصحافة التلفزيونية تتجه بشكل مستمر إلى اختيار الدراماتيكي والشخصي والتجزئة للحقائق لأنها ببساطة تعمل بهذه الطريقة، هل هذا صحيح؟
ليس تماماً، أنا أعتقد أن هذين الاعتبارين يعملان جنباً إلى جنب، أنا أعتقد أن مسؤولي الحكومة لديهم مستشارون محترفون في مجال التواصل العام وهم يلعبون دوراً بارزاً في تشكيل الخطابات العامة التي يلقيها هؤلاء المسؤولون بحسب ما يفهمونه عن المعايير التي يستخدمها الصحافيون. هذه هي عمليات التلفيق التي يمارسها مسؤولو الإعلام الحكوميون وتتفق هذه العمليات بشكل جيد مع المعايير الصحافية، فالمسألة لا تكمن في أن الصحافيين يهملون ما يقوله المسؤولون الحكوميون بل إن الصحافيين يقدمون هذه الأقوال تماماً كما يريد منهم المسؤولون الحكوميون. أعتقد أن هناك مستوى كبيراً من التلاعب ولكنه تلاعب بالصحافة نفسها لأن المسؤولين يعلمون تمام العلم أن الصحافة ستوصل ما يقولونه إلى عامة الناس، فالتلاعب موجود ولكنه تلاعب بمنطق الأخبار نفسه، في الولايات المتحدة تعمل الصحافة والحكومة سوية بشكل وثيق جداً ولكن بالطبع مع وجود الكثير من النزاعات لأن الصحافيين لا يحبون أن يتلاعب بهم أحد، أو يتحكم بهم ولأن المسؤولين الحكوميين يشعرون بالغضب إذا لم يبلغ الصحافيون ما يريدون منهم تبليغه بدقة، ولذلك لا تخلو هذه العلاقة من التوتر. 
حين ننتقل من المستوى القومي إلى المستوى العالمي فهناك فرق كبير لأنه وعلى المستوى القومي والوطني لديك حكومة كما أن لديك مصالح اقتصادية كبيرة يفترض أنها هي التي تتحكم بأجندة الأخبار وتحدد ماهيتها، ولكن إذا انتقلنا إلى المستوى الدولي لا توجد قوة واحدة متفردة تحدد شكل البث الإخباري في كل مكان، فقناة الجزيرة مثلاً لا تعتمد على الولايات المتحدة. على الرغم من أن النشرات الإخبارية الوطنية تعتمد على قوى أخرى إلا أنه ليس لدينا قوة واحدة متفردة قادرة على تحديد كيف ستكون النزعة العامة في الأخبار، في هذه الحالة التي تسيطر عليها قوة واحدة لدينا بعض النزعات الواضحة التي تعتمد على منطق الوسط الإعلامي نفسه لأن اختيار الأخبار يتم من خلال مدى القدرة على وضع العلاقات الدولية في إطار مسرحي درامي وإذا عدنا إلى موضوع بحثنا فإن الضرر الرئيس الذي تتسبب به طريقة التعامل هذه هو أن صورة «الآخر» ستعرض بطريقة تزيد من راديكالية هذه العلاقات الدولية وبالتالي تعرضها إلى الخطر.
أعتقد أن هذا الأمر صحيح إلى حد ما وأكرر أن الصحافة مهنة تحركها الأزمات وتركز على صور في غاية الشخصية والإثارة ولكن من ناحية أخرى فإن أحداثاً كالحرب على العراق يصعب تمثيلها على أنها ليست خطيرة وعلى أنها هجوم أحادي الجانب على شعب لم يقم بدعوة الولايات المتحدة إلى غزوه. من الصعب أن نجد التوازن المناسب فيما يتعلق بالكيفية التي ينبغي تمثل هذه الأحداث بها، من الأشياء التي وجدناها في دراسة هذه الحرب والأحداث المتعلقة بها كأحداث سجن أبو غريب هو أن الدول المختلفة تصور هذه الأحداث بطرق مختلفة، فنجد أن الولايات المتحدة تميل إلى تصوير الخط الذي تتوجه إليه واشنطن بشكل وثيق ودقيق فمثلاً لم تتم الإشارة إلى أحداث سجن أبو غريب على أنها حوادث تعذيب إلا منذ زمن قريب أما قبل ذلك فكان يشار إليها على أنها أحداث فردية معزولة قام بها جنود لم يتلقوا تدريباً جيداً. بينما في أوروبا ومنذ بداية الأحداث – ومن المثير للإهتمام الإشارة إلى أن هذا ينطبق على الدول الأوروبية التي لم يتم فيها تقييد الرأي العام تجاه الحرب على الرغم من تماهيها الثقافي والحضاري مع الولايات المتحدة – نجد نوعاً من التوازن الأكبر تجاه التمييز بين التعذيب الممنهج والتجاوزات الفردية المنعزلة تجاه السجناء كما هي الحال في الصحافة البريطانية أو حتى نجد استخداماً أقوى لكلمات مثل «تعذيب» كما هي الحال في الصحافتين الإيطالية والإسبانية، وهكذا فهناك اختلاف بين الدول، وكذلك وبالطبع فإن قناة الجزيرة التي تمثل إلى حد ما المجتمعات الإسلامية في العالم أو على الأقل تعتبر نفسها أنها تخاطب هذه المجتمعات كالجمهور الذي تستهدفه كانت مساحة الحديث فيها عن «التعذيب» أكبر بكثير. ولذلك وكما نرى فإن الحقيقة دائماً تأخذ صبغة هذه «الفلاتر» الثقافية بالإضافة إلى الأنواع المختلفة من طرق التعامل العامة والسياسية، ولكن بشكل عام هناك الكثير من التوجه إلى صنع الإثارة في الأخبار ولكن من غير الواضح بالنسبة لي كيف سيكون شكل أي نظام إخباري آخر قادر على أن يجتذب الناس لمشاهدته.
لا يمكن لأحد أن يدعي أن لديه الخبرة الكافية ليخبرنا عن ماهية صورة الولايات المتحدة في العالم من الصين إلى الهند إلى اليابان إلى ماليزيا إلى الإمارات العربية المتحدة، ولكن يمكننا أن نحاول أن نستجمع هذه الصورة من تجارب الشعوب المختلفة. في الولايات المتحدة نفسها يسهل علينا أن نسأل شخصاً مثلك عن كيفية تمثيل العالم العربي في الولايات المتحدة أما في العالم الغربي وحتى في أوروبا الأقرب جغرافياً إلى بلاد عربية مثل مصر وليبيا فليس لدينا أدنى فكرة في النشرات الإخبارية والتلفزيونية عن ماهية المعايير الطبيعية في مصر أو ليبيا – وهي بلاد ضخمة وإن كانت ليس لها علاقة مباشرة في الصدام الحالي بين الغرب والشرق – ولكن من الصعب أن نكون فكرة ولو صغيرة عن ثقافتهم وحضارتهم والمعايير الطبيعية لديهم من خلال وجهات النظر التي تبثها الأخبار التلفزيونية.
أنا أعتقد أن من الممكن التوصل إلى تحسن كبير في الطرق التي تغطي بها معظم الدول أخبار الأزمات الدولية ولكن هناك أيضاً سمة عامة في الكثير من البلدان وهي أنها ترى الأشياء من خلال نظام محدد من القيم، بالإضافة إلى ذلك فهناك سمة موجودة في بعض البلاد وهي أنها ترى الأشياء من خلال منظار سيطرة الدولة وهذا يصعب تغييره من دون تغيير الدولة التي تتحكم بالأخبار، أضف إلى ذلك أن هذه أحداث مهمة يتخللها الكثير من المعاناة الإنسانية. أعتقد أننا إذا طلبنا من الأخبار أن تصبح أكثر تأنياً على أساس سياسة إعلامية أكثر عمقاً وتفهماً تجاه مسائل كهذه سيكون هذا طلباً لا يمكن تحقيقه وخاصة في الولايات المتحدة حيث لا يبدو أن الحكومة نفسها تتأنى في سياساتها ولذلك لا يشعر المتابع أن هناك أي حقيقة أعمق مما نراه وراء الأخبار التي لا تذاع إلى الناس. إن الحقيقة الأعمق خلف الأخبار في الولايات المتحدة هي بكل تأكيد الرأي العام العالمي والذي لا تمثله المؤسسات الإعلامية الأميركية بشكل جيد للشعب الأمريكي، وهكذا نرى بأن ثمة طرقاً يمكن فيها لكل الأنظمة الإخبارية أن تحاول أن تضع جهودها الصحافية ضمن السياق الإقليمي والعالمي الأكبر من خلال معالجة أسئلة مثل: ماذا تقول الدول الأخرى عن هذه القضية؟ ما الذي تفعله بالنسبة لهذه القضية؟ هل مبادرة هذه البلاد السلمية هي ما علينا دعمه أو لا؟ أسئلة من هذا القبيل ستكون مفيدة في الصحافة في غالبية البلاد لأن غالبية الدول تميل إلى النظر إلى العالم من خلال أعينها الخاصة فقط. سارت الكثير من الدول الأوروبية الصغيرة وبكل تأكيد حركة الإتحاد الأوروبي باتجاه توسيع آفاقها وإلى نشوء توجه لأخذ ردود الفعل المشتركة والمبادرات المشتركة المحتملة بعين الاعتبار، فمثلاً أدى عمل الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي موحد فيما يتعلق مع إيران إلى تطور مثير للاهتمام وقد غير بكل تأكيد طبيعة الأخبار الوطنية عن هذا الجانب من الشرق الأوسط.
هل توجد أي نقطة معينة يجب تصحيحها في الأجندة العامة على صعيد وطني أو على الأقل هل يمكن تصحيح الأضرار الواقعة بسبب تجزئة الصور المبنية حصرياً على العنف؟ لنأخذ أثر الرسوم الدانماركية المسيئة في أوروبا حيث أدت إلى هجمات عنيفة قام بها بضعة مئات من الأشخاص على السفارات والقنصليات الأوروربية، لقد تم تكرار هذه الأخبار مرة تلو مرة بشكل أظهر لمن تابعها وكأن هذه الدول التي جرت فيها الهجمات متورطة بكامل تعداد سكانها في هذه الهجمات مع أنها تشبه حالات كثيرة من الشغب التي نراها في مدن العالم الغربي والتي لا يتورط فيها إلا بضع مئات من الأشخاص أيضاً بينما يستمر ملايين من الأشخاص الآخرين في حياتهم الطبيعية من دون أن يتأثروا أو يتورطوا في هذه الأحداث. لذلك يصعب تبيان أن الهجمات التي جرت على القنصليات الإيطالية لم يقم بها كل الليبيين بل بضعة مئات من الأولاد ولكن يسهل تبيان أمر كهذا في «الواقع» الذي نعيشه نحن حيث الأمور أقرب إلى أنفسنا وحيث نجد التفرقة بين بضع مئات من مفتعلي الشغب وبين مليون منهم أسهل، ولكن هذه التفرقة أصعب بكثير حين نتحدث عن بلاد لا يسهل على الواحد منا رؤيتها أو فهم ما يجري فيها مثل ليبيا أو مصر. 
أعتقد أن هذا هو الصحيح ولكن ليس من الواضح كيف يمكن لنا تغيير أنظمة بث الأخبار، ربما تكون الإمكانية الأرجح هي ألا نقضي الكثير من الوقت في التفكير في تغيير أنظمة إخبارية على الأرجح لن تتغير وإذا تغيرت فعلى الأرجح أيضاً أنها لن تتغير إلى الأفضل بل أن نفكر في صنع مواقع وخدمات جذابة على الإنترنت بحيث يتمكن المواطنون من الدخول إليها ورؤية القضايا على أسس أفضل، وعلى الرغم من أن هذا يخلق مشكلة لأولئك الذين لا يقدرون على الوصول إلى الإنترنت إلا أن هذا يجب أن يصبح غاية لنا. 
إذن فهناك بديل ولكنه لا يكمن في محاولة تغيير منطق الشبكات الإخبارية؟
أنا أعتقد أن الشبكات الإخبارية حول العالم تواجه معضلة مثيرة للاهتمام إذ إن الناس بشكل عام بدؤوا يفقدون الاهتمام بمشاهدتها. كنت أعتقد أن هذا سيؤدي إلى جهود أشد دراماتيكية لتغيير أساليب الصحافة ولكن على ما يبدو هذا لم يحصل. أعتقد شخصياً أنه يجب دعوة الصحافيين إلى حوار على مستوى وطني حول مستقبل المنتج الذي يقدمونه ومستقبل حرفتهم، لكن هناك بعض الجهود المهمة فالبي بي سي مثلاً تحاول أن تعيد تقديم نفسها أداةً للمواطن بدلاً من أن تكون مجرد مصدر معلومات بالنسبة إليه كما أن دمج الأخبار التلفزيونية مع أنواع مختلفة من تقنيات الإنترنت قد يصل بنا في نهاية المطاف إلى نقطة نجد فيها المزيد من التواصل بين المواطنين والمزيد من التأني في تناقل الأخبار. ربما حتى نصل إلى يوم يقوم فيه المواطنون بتشكيل أجندة الأخبار والطريقة التي تتم فيها تغطية الأخبار. ما يدفع أنماط التغطية الحالية هو التسويق وطريقة تفكير في غاية السوء فيما يتعلق بأثر الأخبار في الناس.