البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الميديا اليهودية (ملحمة التضليل الكبرى في السيطرة على العالم)

الباحث :  خضر أ. حيدر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 14 / 2018
عدد زيارات البحث :  2791
تحميل  ( 346.293 KB )

لا شك بأن سيطرة اليهود على الكثير من الأجهزة الإعلامية العالمية، وكذا المؤسسات الدولية- أمر لا يستطيع أحد إنكارَه؛ فهم يعملون ليلَ نهارَ لتحقيق هدفهم المنشود في السيطرة على العالم، واحتواءِ شعوبِهِ، والسيطرة على مقدراتها والتأثير في وعيها. ولقد خطط اليهود على مدى أجيال طويلة لتحسين صورة اليهوديِّ، ولم يجدوا وسيلة لذلك إلاَّ السيطرةَ على وسائل الإعلام العالمية.

في هذه الدراسة للباحث اللبناني خضر أ. حيدر محاولة للإحاطة بفلسفة الإعلام لدى الزعماء اليهود وقادة الحركة الصهيونية الذين أسسوا امبراطوريات إعلامية ابتداءً من القرن السادس عشر ليسيطروا اليوم على كبريات الشركات الإعلامية ومواقع التواصل الحديثة.

المحرر

-----------------------------------

شكل المؤتمر الصهيوني الأوَّل الذي انعقد برئاسة «تيودور هيرتزل» في مدينة (بازل) بسويسرا ـ عام 1897 نقطةَ تَحوُّلٍ خطيرةً؛ إذ رأى المجتمعون أن مُخطَّطهم لإقامة دولة إسرائيل لن يُكتَب له النجاح إذا لم تتمَّ لهم السيطرةُ على وسائل الإعلام العالمية، وخاصةً الصحافةَ.

والواقع أن اليهود استطاعوا السيطرة على الكثير من وسائل الإعلام في أوروبا وأميركا. ففي بريطانيا على سبيل المثال سيطروا على عشرات الصحف مثل «التايمز»، و«الصنداي تايمز»، ومجلة «صن» ومجلة «سيتي ماغازين»، وغيرها. وقد نُشِرَت إحصائيَّةٌ عامَ 1981م تُشِير إلى أن مجموع ما توزِّعه كل يوم 15 صحيفة بريطانية واقعة تحت السيطرة الصهيونية- في بريطانيا وخارجَها- يبلغ حوالَي 33 مليون نسخة. وفي أميركا تقذف المطابع يوميًّا بـ 1759 صحيفة يتلقَّفها 61 مليون أميركي، بالإضافة إلى 668 صحيفة أسبوعية تصدُر يوم الأحد، ويُشرِف على توزيع هذا العدد الهائل من الصحف حوالي 1700 شركة توزيع يسيطر اليهود سيطرة كاملة على نِصفِها، وسيطرة أقل على النصف المتبقي.

أما في فرنسا، حيث لا يزيد عدد اليهود على 700 ألف نسمة، فيحظون بنفوذ كبير في الحياة السياسية والاقتصادية، وتلعب وسائل الإعلام التي تقع تحت سيطرتهم المباشرة أو غير المباشرة دورًا فعَّالاً في تكريس النفوذ الصهيونيِّ هناك.

وبطبيعة الحال، فإن الاستحواذ اليهودي على وسائل الإعلام لم يقتصر على الصحافة المكتوبة بل تعداها إلى ميادين الفن والإعلان بصنوفه المختلفة. لذلك سيشهد العالم الأوروبي سيطرة اللوبي اليهودي على صناعة السينما والتلفزيون والمسرح والثقافة؛ وتشير بعض الإحصائيات إلى أن أكثر من 90% من مجموع العاملين في الحقل السينمائي الأميركي: إنتاجًا، وإخراجًا، وتمثيلاً، وتصويرًا، ومونتاجًا ـ هم من اليهود. هذا فضلاً عن امتلاكهم شبكات التلفزيون الأميركية، وهي أقوى الشبكات في العالم؛ حيث تقع في معظمها تحت نفوذهم، وقد امتدت أذرُع الأخطبوط الصهيوني إلى المسارح أيضًا، وتحكمت في توجيهها.

اللوبي اليهودي والأمبراطوريات الخمس

استطاع اللوبي الإعلامي اليهودي أن يمسك بلعبة «الميديا» منذ انطلاقتها الأولى في بداية ثمانينيات القرن العشرين. وإذا كانت أميركا هي الأرض التي انطلقت منها هذه اللعبة للسيطرة على العقول، وبالتالي على سيادات الدول والمجتمعات المدنية. فقد عمل رأس المال اليهودي من أجل الاستحواذ على هذا السلاح مع سقوط المعسكر الاشتراكي وبداية عهد المجتمع الليبرالي العالمي. ومن المعروف أن استراتيجية الدعاية الأميركية تستند إلى ماكينة هائلة من المؤسسات الكبرى المنتجة والموجهة للصوت والصورة والخبر. وبحسب الخريطة المقروءة فإنَّ هذه الماكينة تتشكَّل من خمس إمبراطوريات يتسلَّط عليها متمولون يهود. وهو ما يضفي على مبدأ السيطرة طابعاً فريداً يمكن من خلاله تبيُّن علاماته الفارقة من انخراط هذه الإمبراطوريات في إطار خطط الهيمنة على المنطقة وعبر المشاركة في الحروب الإقليمية في آسيا والشرق الأوسط.

هذه الإمبراطوريات هي على الوجه الآتي:

أولاً: تُعد شركة “أميركا أون لاين” أكبر إمبراطورية إعلامية أميركية في الوقت الحاضر. فقد قامت قبل سنوات بشراء شركة «تايم وورنر» وابتلاعها بصفقة قيمتها 160 مليار دولار. وبموجب هذه الصفقة أصبح رئيس شركة “تايم وورنر”، اليهودي جيرالد ليفين كبير المديرين التنفيذيين للشركة. وبذلك يكون أمام اليهود الذين كانوا يسيطرون على الشركة فرصة السيطرة على سوق خدمات «الإنترنت» حيث تعتبر شركة “أميركا أون لاين” أكبر مجهز لخدمة الإنترنت في الولايات المتحدة، بل في أميركا الشمالية عموماً.

ثانياً: شركة «والت ديزني»، وقد بلغت وارداتها عام 1997 ثلاثة وعشرين مليار دولار، ورئيسها وكبير مديريها التنفيذيين هو اليهودي مايكل أيزنر، الذي تصفه بعض وسائل الإعلام بأنَّه «مهووس بالسيطرة». وتتبع شركة “ديزني” مجموعة من الشركات المتخصصة بالإنتاج التلفزيوني مثل “والت ديزني تيليفجن”، و”تاتشستون تيليفجن”، و”بوينا فيستا تيليفجن”، بالإضافة إلى شبكات الكيبل التي بلغ مشتركوها أكثر من مئة مليون مشترك.

أما ما يخص إنتاج الأفلام السينمائية فهناك عدة شركات تابعة لمجموعة والت ديزني للأفلام السينمائية، منها “والت ديزني بيكتشرز”، و”تاتشستون بيكتشرز”، و”هوليوود بيكتشرز”، و”كارافان بيكتشرز”. ويرأس هذه المجموعة اليهودي جوزيف روث الذي أسس عام 1993 شركة “كارافان بيكتشرز” (التي يرأسها الآن زميله اليهودي روجر بيرنباوم). كما تتبع لشركة والت ديزني شبكة

 إيه إس بي إن، ورئيسها هو اليهودي ستيفن بورنشتاين. ولهذه الشركة أيضاً سلسلة من قنوات الكيبل. والإذاعات التي تغطي جميع أنحاء الولايات المتحدة. كما تمتلك الشركة مؤسسة «فير تشايلد بابليكيشن» للنشر التي تقوم بإصدار العديد من المجلات المتخصصة.

ثالثاً: مجموعة “فياكوم” التي يترأسها (ويملك 76 بالمئة من أسهمها) اليهودي سومنر ريدستون. وتمتلك هذه المجموعة 13 قناة تلفزيونية، 12 محطة إذاعية، وتنتج برامج تلفزيونية للشركات الأخرى.. كما تقوم بإنتاج الأفلام السينمائية عبر شركة «باراماونت بيكتشرز» التي ترأسها اليهودية شيري لانسينج. وتضم الشركة أقساماً للنشر، وتقوم بتوزيع الفيديو عبر أربعة آلاف محل في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى العديد من الاختصاصات الأخرى المشابهة. ولكن شهرة مجموعة “فياكوم” تأتي من كونها أكبر شركة للبرامج عبر الكيبل. وتتبع لها شركات مثل “شوتايم”، و”إم تي في”، وشبكة “نيكلوديون” المخصصة للأطفال، وتتمتع هذه الأخيرة بأكبر نسبة من المشاهدين الأطفال، وتحوز على أكثر من 65 مليون مشترك في الولايات المتحدة، وهي تتوسع بسرعة باتجاه أوروبا.

رابعاً: مؤسسة يملكها ويديرها اليهودي إدغار برونفمان (الابن) وإدغار هذا هو ابن رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إدغار برونفمان (الأب). ويمتلك الابن شركتي إنتاج ضخمتين هما “إم سي إيه””، و”يونيفرسال بيكتشرز” (وقد اندمجتا الآن تحت اسم “يونيفرسال ستوديوز”). وقد أصبح برونفمان أكبر عمالقة التسجيلات عندما قام سنة 1998 بشراء شركة “بوليغرام ـ عملاقة التسجيلات الأوروبية ـ بعدما  دفع 6,10 مليار دولار لشركة الإلكترونيات الهولندية “فيليبس”.

وتمتلك شركة “بوليغرام” أيضاً شركات “غراموفون” الهولندية، و”ديكا” لندن، و”فيليبس”، وجميعها شركات تسجيلات. ويبلغ دخلها السنوي نحواَ من 12 مليار دولار. وتعتبر شركات التسجيلات التابعة لهذه المجموعة أول من ابتكر تلك الموسيقى الزنجية التي تسمّى موسيقى الراب»، والتي تتميّز أغانيها بحض السود على العنف والعدوانية وانتهاك الأعراض، وفق نظرية تقول إنَّ السود ميالون عرقياً إلى مثل هذه النزعات.

خامساً: هي الإمبراطورية الأشهر في مجال الإعلام المرئي ويملكها اليهودي الأسترالي روبرت مردوخ. تضم مجموعة شركات مثل “فوكس” تيليفجن نيتوورك”، و”توينتيث سينتشري فيلمز”، و”فوكس 2000”، وبلغت وارداتها عام 1997 أكثر من 11 مليار دولار. وتشرف مجموعة “فوكس” على كل الأنشطة السينمائية والتلفزيونية والخاصة بالنشر ضمن الولايات المتحدة. ويترأس هذه المجموعة اليهودي بيتر تشيرنين، الذي هو في الوقت ذاته كبير مديريها التنفيذيين. وتحت إمرة تشيرنين تعمل اليهودية لاورا زيسكين رئيسة لشركة “توينتيث سينتشري فوكس”. كما يعمل في إمرتها  اليهودي بيتر روث بوصفه رئيس لشركة “فوكس إنترتينمنت”. ومن المعروف عن تشيرنين قوله: «إنني أريد السيطرة على الأفلام التي تعرض في كل أنحاء العالم… ما الذي يمكن أن يكون أمتع من ذلك؟».

إلى جانب الإمبراطوريات الخمس المشار إليها تأتي الفضائيات لتضيف إلى مجتمع الإعلام العالمي نكهة زائدة. وقد كان لها ولا تزال في الساحة الأميركية الميدان الواسع لممارسة لعبة السيطرة على اتجاهات الرأي العام العالمي. وقد كانت أهم ثلاث قنوات تلفزيونية أميركية في ما مضى هي “إيه بي سي”، و”سي بي إس”، و”إن بي سي”.. وذلك قبل أن تعزز الإمبراطوريات الإعلامية اليهودية قبضتها على هذه السوق وتبتلع تلك القنوات.. ولكن عندما كانت تلك الشبكات مستقلة كان يسيطر عليها جميعاً اليهود، منذ إنشائها.. إذ سيطر على “إيه بي سي” ليونارد غولدينسون، وسيطر على “إن بي سي” ويليام بالي، ثم لورنس تيش، وكلاهما يهوديان كما أسلفنا. وخلال عقود من عمل هذه الشبكات كانت تمتلئ باليهود من الصحافيين والإداريين والفنيين، وعندما تمّ ابتلاع هذه الشبكات من قبل إمبراطوريات أكبر حجماً، انتقل هذا الثقل إلى الإمبراطوريات نفسها، التي كان يسيطر عليها اليهود أساساً.

روبرت مردوخ وأسطورة الميديا

وفي مجال السيطرة اليهودية على وسائل الإعلام الحديثة، لا سيما منها الفضائيات، لا بد من الانتباه إلى الدور الكبير الذي لعبه روبرت مردوخ في هذا المجال. والمعروف أن مردوخ هو رجل أعمال يهودي أسترالي يحمل الجنسية الأميركية (من مواليد 11 مارس 1931)، ويعتبر قطباً من أقطاب التجارة والإعلام الدولي، حائز شارةَ المرتبة الأسترالية وصليب مرتبة القديس جورج الأكبر. أصبح مردوخ المدير العام لشركة “نيوز ليميتد News Limited” (الأخبار المحدودة) في أستراليا، والتي ورثها عن والده، في عام 1952. [4][5] وهو مؤسس، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة القابضة للإعلام الدولي “نيوز كوربوريشن News corporation “ التابعة لها قناة “فوكس نيوز” الإخبارية المشهورة بمناصرتها المطلقة لإسرائيل وعدائها الشديد للقضية الفلسطينية. تعتبر شركة “نيوز كوربوريشن” ثاني أكبر تكتل لوسائل الإعلام في العالم. تتبع مردوخ أيضاً الشركات التي خلفت “نيوز كوربوريشن” بعد انقسام التكتل في 28 يونيو /حزيران 2013، وهي مؤسسة الأخبار “نيوز كورب News Corp “ وشركة “فوكس” للقرن 21 للأفلام الأميركية (st Century Fox).

استحوذ مردوخ في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على العديد من الصحف المتنوعة في أستراليا ونيوزيلندا، قبل أن يتوسع في المملكة المتحدة في عام 1969، واستولى على جريدة “نيوز أوف ذه وورلد” (أخبار العالم)، وتبعها بقليل جريدة “ذا صن” (الشمس) الشعبية. انتقل إلى نيويورك في عام 1974 للتوسع في السوق الأميركية، لكنه حصر اهتمامة في أستراليا وبريطانيا. في عام 1981، اشترى صحيفة “ذي تايمز” (المواعيد)، أول صحيفة له من القطع الكبير في بريطانيا، وأصبح مواطناً أميركياً بالتجنس في عام 1985.

في عام 1986، ولحرصه على تبني أحدث تقنيات النشر الإلكتروني، قام مردوخ بتوحيد ودمج عمليات الطباعة في المملكة المتحدة في مقر بحي “وبينج” شرقي لندن، مما تسبب في نزاعات صناعية مريرة. استحوذت شركته “نيوز كوربوريشن” على شركة “فوكس” للقرن العشرين للأفلام الأميركية (20th Century Fox) عام 1985، و شركة “هاربر كولينز” HarperCollins) ) للنشروالطباعة عام 1989 [10] وصحيفة “وول ستريت جورنال” ( The Wall Street Journal ) عام 2007. قام مردوخ بتكوين شركة “بي سكاي بي” (سكاي البريطانية للبث الفضائي) في عام 1990 وخلال التسعينيات توسع في شبكات البث الفضائي في آسيا وشبكات التلفزة في أميركا الجنوبية. وبحلول عام 2000، أصبحت شركته «نيوز كوربوريشن» تمتلك أكثر من 800 شركة في أكثر من 50 بلداً في العالم بصافي أصول يصل لأكثر من 5 مليارات دولار.

في تموز يوليو 2011، واجه مردوخ مزاعم بأن شركاته، بما في ذلك “نيوز أوف ذه وورلد” (أخبار العالم) البريطانية المملوكة لشركة «نيوز كوربوريشن»، قد تجسست بانتظام على هواتف مشاهير، وملوك ومواطنين عامة. وهو يواجه تحقيقات حكومية وشُرطية من قبل الحكومة البريطانية تتعلق بالرشوة والفساد وتحقيقات تتبع مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة. [وفي 21 أيار مايو 2012، استقال من منصبه كمدير لشركة “نيوز انترناشونال” (الأخبار العالمية) للنشر وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة “نيوز كورب” (News Corp). في عام 2014، أدرج في ساحة التلفزة للمشاهير لإسهاماته في مجال التلفزة.

دور «إيباك» في الهيمنة الإعلامية

إذا كانت الهيمنة اليهودية على الإعلام العالمي قد وجدت ميادينها الواسعة في الولايات المتحدة الأميركية بصفة أساسية، فذلك يعود إلى الشأن المتعاظم لقوى الضغط اليهودية التي تسيطر على العصب المالي والاقتصادي والثقافي هناك.

وفي هذا المجال يبين العالم الاقتصادي رودريغ ترامبلي* الدور الذي تحتله منظمة «إيباك» في الحياة الأميركية فيقول:

«لا أحد يستطيع أن يفهم ما يجري سياسياً في الولايات المتحدة من دون أن يكون مدركاً أن التحالف السياسي بين الجماعات الرئيسية المؤيدة لليهود ومفكرين من المحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل والصهاينة المسيحيين. ذلك أن هذا التحالف يمارس تأثيراً شديداً جداً على الحكومة الأميركية وسياساتها. ومع مرور الزمن بسط هذا اللوبي الواسع المناصر لإسرائيل والذي تشكل رأس حربته اللجنة الأميركية للقضايا الإسرائيلية العامة (إيباك) مجمل هيمنته على أقسام كبيرة من الحكومة الأميركية ومن بينها مكتب نائب الرئيس والبنتاغون(وزارة الدفاع) ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى السيطرة على الجهاز التشريعي للكونغرس. ويعاونه في مهمته حلفاء أقوياء داخل الحزبين السياسيين الرئيسين، وفي أكبر وسائل الإعلام وبعض علب الأفكار (حلقات المفكرين) الممولة بسخاء مثل معهد المشاريع الأميركي، ومؤسسة الميراث، أو معهد واشنطن للأمن في الشرق الأدنى.

و”إيباك” هي القطعة الرئيسية في هذا الجهاز المنسق. كمثل على ذلك، فإن هذه القطعة تحفظ إحصاءات الانتخابات عن كل نائب أو شيخ تبلّغ في ما بعد الى الممولين السياسيين كي يعملوا وفق تلك النتائج، وهي تنظم أيضاً بصورة منتظمة رحلات إلى إسرائيل مدفوعة النفقات، فضلاً عن لقاءات مع وزراء إسرائيليين وشخصيات لأعضاء الكونغرس وموظفيهم، ولسياسيين ناشطين على مستوى الولايات أو على المستوى المحلي. إن عدم تسلّم هذه الإجازة هو إعاقة كبرى لأي سياسي أميركي طموح حتى ولو كان باستطاعته أن يعتمد على ثروته الخاصة. ففي واشنطن، ومن أجل الوصول إلى المقررين بشكل أفضل، طوّر اللوبي عادة استجلاب الموظفين العاملين في مكاتب الشيوخ وأعضاء المجلس التشريعي. وعندما تبدأ الانتخابات يتأكد اللوبي من أن السياسيين الفاترين، الميالين إلى الاستقلال أو المنشقين، سيعاقبون ويهزمون، وهو بهذه المهمات يؤلف مصدراً لسلطة سياسية كبيرة من خلال تمويله الحملات الانتخابية، والدعاية السياسية في وسائل الإعلام بحيث إن أي سياسي أميركي لا يجرؤ على تجاهل طلباته من دون أن يخشى أن يتحول إلى حطام. وكما أكد مؤخراً المحلل الإخباري المحنك روبير نوفاك، بفضل تأثير “إيباك” واللوبي فإن «واشنطن تظل بصورة كبيرة منطقة لثنائية حزبية خالية من الانتقاد لإسرائيل».

ولا شك في أن هذا الواقع يمكن فهمه، بكثير من اليسر، فتقنيات “إيباك” فعالة جداً لدرجة أنها تعطي الانطباع بأنها «حكومة موازية» لواشنطن (دي سي). وبحسب كلمت رئيسها هوا رد فريدمان المدونة في نشرة تتجاوز في ادعائها كل حد وموجهة الى المتعاطفين، إنها تستند بنوع خاص على تقنيتين اثنتين هما:

أولاً- إن “إيباك” تلتقي كل مرشح يسابق الزمن نحو الكونغرس. هؤلاء المرشحون يتسلمون بيانات مفصلة تساعدهم على فهم كامل لتعقيد وضع إسرائيل السيئ أو الشرق الأوسط بمجمله: فنحن نطلب من كل مرشح أن يكتب «ورقة وقف» حول وجهات نظره (عن تقرير الصيف)، وموقفه حول هذا الموضوع يصبح بهذا الشكل واضحاً”.

ثانياً – «إن أعضاء الكونغرس وطاقم الإدارة وموظفيها منقادون بإذعان لأبحاث “إيباك”. فهم أناس منشغلون جداً ويعرفون أن في إمكانهم الاعتماد عليها في تحليلاتها البعيدة النظر. فنحن نقدم هذه المعلومات بشكل موجز للموظفين المنتخبين. والمعلومات والتحليلات لا لبس  فيها مطلقاً. وفي النهاية فإن سمعتنا على المحك. وهذا ما يترتب عليه سياسة وتشريع يؤمنان بقاء إسرائيل”.

لقد ظل نفوذ اللوبي اليهودي لسنوات عديدة غير مكتشف بل ظل متجاهلاً أو متخفياً بفضل وسائل الإعلام التي كان يسيطر عليها، وبفضل غالبية المعلقين. إلا أنه في 10 آذار(مارس) عام 2006 نشر اختصاصيان أميركيان محترمان هما البروفسور ستيفان والت من جامعة “هارفرد” وجون ميرشيمر من جامعة “شيكاغو” دراسة في المجلة اللندنية تحت عنوان «اللوبي الإسرائيلي وأمن الولايات المتحدة”. وهذه الدراسة تتركز حول موضوع التأثير اللامتكافئ الذي يملكه لوبي المصالح الخاصة هذا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة». وتقول إن “إيباك” «هي المنظمة الأكثر قوة والأكثر شهرة» للوبي الإسرائيلي والتي تفسد بصورة منهجية السياسة الأميركية الخارجية. وفي ختامها تظهر الدراسة أن إسرائيل لعبت دوراً كبيراً لدفع إدارة بوش في حربها ضد العراق، وبرهنت على أن تأثير اللوبي المؤيد لإسرائيل في السياسة الأميركية الخارجية كان سيئاً سواء بالنسبة إلى إسرائيل أم الولايات المتحدة، فبعد هذا لا يستطيع أحد أن يفتعل تجاهلاً للتأثير المدمر لهذا اللوبي القوي على سياسة الولايات المتحدة الخارجية. ونقدم مثلاً آخر عن أنواع السلطة التي يتمتع بها اللوبي في يومنا الحالي في واشنطن (دي سي) وهو نجاحه في إنشاء وكالة ذات مصالح خاصة داخل وزارة الخارجية تدعى «مكتب اللاسامية الشاملة» وذلك بواسطة أموال دافعي الضرائب. وفي حركة تذكر بما حصل خلال قرون غابرة تحت ظل بعض الأنظمة التوتاليتارية،  فإن هذه «الوكالة» الجديدة مكرّسة بشكل كامل لمراقبة ما يحدث في العالم من حالات نقد لإسرائيل، أو لسياسات أميركا المؤيدة لها. وهذا من جملة مهمات أخرى. إن إنشاء قسم «التفتيش» الجديد هذا قد صرح له بقانون خاص هو H87. (R.4230).وهو القانون الذي وقعه الرئيس جورج ولكر بوش في 16 تشرين الأول (اكتوبر) عام 2004. إلى هذا فإن للمسيحيين الصهاينة الشهيرين أيضاً تأثيرات حاسمة في السياسة الأميركية الخارجية، وبالأخص ما يتعلق منها بالشرق الأوسط، فلقد حققت دعايتهم نجاحاً كبيراً إلى درجة أن هناك اليوم نحو 40% من الأميركيين يؤمنون بأن إسرائيل قد أعطيت مباشرة من «الله» إلى الشعب اليهودي، بل إن ثلث الأميركيين يؤمنون بأن تكوين دولة إسرائيل عام 1948 بعد الحملة الإرهابية ضد بريطانيا العظمى كانت مرحلة نحو «المجيء الثاني ليسوع المسيح» و”نهاية الأزمان”. وبالنسبة إلى الأكثر تعصباً فيهم فإن «الحرب على الإرهاب» تعني، مهما كان نوعها، حرب أديان بين المسيحية والإسلام. مع أفكار من هذا النوع سوف يدفع العالم أربعة قرون إلى الوراء، حيث إن آخر الحروب الدينية وهي حرب الثلاثين سنة بين البروتستانت والكاثوليك الأوروبيين قد استعرت بين أعوام 1618 و1648.

في أيامنا الحالية يملك اليمين الديني مكتباً للمصالح الخاصة في وزارة الخارجية. يدعى مكتب الحرية الدينية الدولية، ومهمته الرئيسة هي التدخل في القضايا الداخلية للبلدان الأخرى.

الإعلام الإسرائيلي نموذجاً تطبيقياً

بطبيعة الحال، لا يمكن تناول الإعلام اليهودي العالمي منهجياً بصورة منفصلة عن الإعلام الإسرائيلي، ذلك لأن هذا الأخير يشكل النموذج التطبيقي المباشر للرؤية اليهودية الأصلية.

من أجل ذلك فإن فهم الرؤية التي تحكم المنطلقات النظرية الحاكمة على الرسالة التي تبثها الوسائل الإعلامية الإسرائيلية، تستلزم وعياً للمرتكزات والمفاهيم التي استندت إليها تلك الوسائل، باعتبارها – أي المرتكزات – واحدة من الأدوات الأساسية المحددة لشكل الرسالة الإعلامية ومضمونها، والإطار الجامع لعناصر التعبئة الأيديولوجية، وبالتالي فهي المؤثرة في تحديد السياسات المتبعة، والأساليب المستخدمة في عملية توصيل تلك الرسالة... وعلى هذا فلقد قامت الحركة الإعلامية الإسرائيلية على جملة من المرتكزات الدعائية التي يمكن تلخيصها بالآتي:

أ- خرافة الأرض الموعودة:

استناداً إلى مقولة الأرض الموعودة هذه المقولة، «ومنذ إنشاء الكيان الصهيوني، ركزت الأيديولوجية الصهيونية من خلال الماكينة الإعلامية على اجتذاب العنصر اليهودي من كافة بقاع المعمورة تحقيقاً للوعد الرباني بالأرض الموعودةـ، وأضيف إليه بعد إنشاء الكيان الصهوني فكرة جوهرية، حيث جرى تصوير إسرائيل الملجأ الوحيد الذي تبنى لليهود فما عليهم لكي يتخلّصوا من الاضطهاد العالمي إلا التوجه صوبها.

ب- نظرية الأرض بلا شعب:

وهي المقولة التي اتخذت سمة الاستمرارية للشعار الذي كانت الحركة الصهيونية قد عملت على ترويجه في الوسط الأوروبي والقائل بأن اليهود شعب بلا أرض سيعود إلى أرض بلا شعب، وبعد قيام الكيان استمر الصهاينة بالتركيز على هذه المقولة والعمل على تثبيتها في عقول الرأي العام – الغربي تحديداً – وذلك بهدف إظهار دور الحركة الصهيونية على أنه دور إحيائي إعماري، وليس إحلالياً استعمارياً... وفي هذا يقول حاييم ويزمان – أول رئيس لإسرائيل – في مستهل خطاب ألقاه أمام اجتماع صهيوني عُقد في باريس: لقد كانت الصهيونية في مراحلها الأولى، كما أسسها الرواد، عبارة عن حركة تعتمد كلياً على عوامل ميكانيكية، هناك بل اسمه فلسطين، وهو بدون شعب، ومن ناحية أخرى هناك الشعب اليهودي، وهو بدون بلاد، إذن فمن الضروري وضع الجوهرة في الخاتم، أي جمع الشعب اليهودي في الأرض».

ج- مقولة جمع الشتات:

إن إحدى أعقد المشكلات التي واجهت البدايات التأسيسية للدولة العبرية الفتية، كانت إيجاد عناصر الصهر الاجتماعي بين التشكيلات المجتمعية المتعددة التي هاجرت إلى إسرائيل، فاختلاف الأعراق والجنسيات، وبلدان المنشأ، وحتى اللون، بين اليهود الممهاجرين إلى فلسطين أوجد حالة من التشرذم الاجتماعي، دفع بتلك المجموعات نحو تشكيل ما يشبه القطاعية الاجتماعية حيث تشكلت في الداخل الإسرائيلي مجتمعات خاصة للروس؛ أي المهاجرين من روسيا، وأخرى للألمان، وثالثة للمغاربة، ورابعة للأكراد، وهكذا... حتى لجأ القيّمون على المجتمع القائم حديثاً في فلسطين، إلى إنتاج مفهوم جديد أطلقوا عليه تسمية الصباريم (أي الذين ولدوا هم وآبائهم على أرض إسرائيل)، وذلك بهدف محاولة إلغاء الفروقات الدالة على الاختلافات الناشئة عن التباينات الموجودة بين اليهود في العراق أو المنشأ أو غير ذلك، وصولاً إلى إعادة انتاج تركيب مجتمعي متجانس من حيث المنشأ والانتماء يسمّونه المجتمع الإسرائيلي.

د-مقولة الأخطار المحدقة:

وهي المقولة التي عملت الدعاية والإعلام الصهيوني – وما زال – على استخدامها بقوة، أكثر من أي مقولة أخرى، وتقوم على أن اسرائيل ومن جوانب عدة، يتهددها الخطر بشكل دائم. وعُرّضة لأن تُزال من قبل محيطها في كل وقت، فمن الناحية الجغرافية هي دولة صغيرة الحجم قياساً الى الدول الأخرى المعادية لها، ومن الناحية السكانية فهي تشكل أقلية (يهودية) بين بحر من المسلمين المحيطين بها، إضافة إلى كون هذا المحيط هو محيط مادي بشكل كامل – على الأقل حتى العام 1978 – حين عقدت معاهدة السلام مع مصر.

وقد حاول الإعلام الإسرائيلي، منذ البدايات الأولى لقيام الكيان الصهيوني، الاستفادة من هذه المقولة لاستقطاب الرأي العام العالمي، واستدرار العطف الغربي ناحية الدولة، من أجل تأمين حمايتها. والعمل الدائم على توفير الدعم اللازم لها، وإبقائها في حالة من التفوّق العسكري والاقتصادي بالمقارنة مع محيطها المتفوق عليها جغرافياً وسكانياً.

... وبالاجمال، فقد بنى الإعلام الإسرائيلي، بهذه المقولات، استراتيجياته التوجيهية التي تخدم اتجاهاته في التعبئة الأيديولوجية للمجتمع اليهودي، منذ البدايات الأولى لنشوء الكيان، واستناداً إليها رسم سياساته التي عمل – وفقاً لها – على لعب دور محوري في التشكيل الثقافي للمجتمع الإسرائيلي، هذا فضلاً عمّا أسهم به في تثبيت الرؤية الصهيونية لبناء دولة إسرائيل بوحي من تلك المرتكزات.

هـ- مقولة يهودية الدولة:

يحتل شعار يهودية الدولة موقع الصدارة في «الميديا» الإسرائيلية. فقد تبين أن هذا الشعار يكاد يكون السلاح الأيديولوجي – الديني الأخير الذي يراهن عليه العقل الإسرائيلي لإعادة الاعتبار للإجماع القومي المهزوز. ففي خلال مدة حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ركزت وسائل الإعلام المختلفة، وفي مقدمها الفضائيات اليهودية في داخل إسرائيل وخارجها، على تسويق فكرة الدولة اليهودية الصافية بما يترتب على هذه الفكرة من توظيف للإعلام بأشكاله كافة. وإذا كان نتنياهو قد اشترط الاعتراف الفلسطيني والدولي بفكرة يهودية دولة إسرائيل لاستئناف التفاوض ابتداء من العام 2011، فقد جرى تسويق هذا الطرح في وقت بلغ فيه النشاط الاستيطاني ذروته في الضفة الغربية وفي كافة الأراضي المحتلة عام 48، وخاصة في منطقة النقب جنوب فلسطين. واللافت أن مصطلح يهودية الدولة الذي امتلأت به وسائل الإعلام الإسرائيلية في المرحلة المعاصرة، لم يكن حديث العهد. بل ظهر بقوة في أدبيات المؤتمر الصهيوني الأول الذي أنهى أعماله نهاية آب (أغسطس) 1897 في مدينة “بازل” السويسرية.

شبكة الإعلام الإسرائيلي، وظائفها وآليات عملها

لقد اهتمت المنظمة الصهيونية العالمية منذ تأسيسها بالإعلام؛ من أجل الترويج للصهيونية والهجرة إلى فلسطين؛ نشير هنا إلى ما كتبه تيودور هرتسل في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية «دي وولت»، بتاريخ 3\6\1897: «يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعًا للشعب اليهودي، وسلاحًا ضد أعداء الشعب».  وقبيل تأسيس إسرائيل  عام 1948؛ عمل قادة الحركة الصهيونية على كافة المستويات التي تمكنهم من القيام بوظيفة الدولة، وكان الإعلام  أحد أهم هذه المستويات.  وقد نشطت خلال تلك الفترة «إذاعة إسرائيل»، وأربع عشرة صحيفة  صهيونية منها أربع صحف ناطقة بالعربية، وموجهة إلى الفلسطينيين والغرب لتخدم أغراضاً صهيونية؛ ومن أشهر هذه الصحف "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" و"معاريف" و"دافار"؛ أما الصحف الناطقة بالعربية فهي: "بريد السلام"، و"صحيفة السلام"، و"اتحاد العمال"، و"حقيقة الأمر".  وكانت أهداف كل تلك الوسائل  في الدعاية والإعلام هي تثبيت أقدام الصهاينة وترويع وتخويف العرب الفلسطينيين كذلك الدعاية من أجل الترويج للهجرة الصهيونية إلى فلسطين.

وكان بن غوريون يعتقد، أن وظيفة الإعلام الإسرائيلي، هي الدفاع عن المشروع الصهيوني؛ فقد قال في فترة الانتداب البريطاني: «في هذه الساعة نحن بحاجة إلى رقابة حرة ومخلصة؛ ولكن علينا الحذر؛ يجب علينا أن نزن أقوالنا وعدم إعطاء العدو معلومات أو زرع الفتنة والفوضى في شعبنا، وعدم الاستسلام»؛ من ثم أسس، عند إعلان تأسيس إسرائيل، ما يسمى «هيئة رؤساء تحرير الصحف» التي ضمت كافة رؤساء الصحف المستقلة والحزبية، آنذاك، وقد اعتبرت من إحدى أذرع  الموساد الإسرائيلي، حيث قامت بمهام الرقابة المحكمة على الإعلام الإسرائيلي؛ فقد كانت تتلقى المعلومات من كبار المسؤولين، كرئيس الحكومة والأجهزة الأمنية، حول ما يجب نشره في الإعلام.  ويرى اليوم بعض الإعلاميين والساسة أن دور «هيئة رؤساء تحرير الصحف» قد انتهى؛ لأن دورها كان تثبيت المشروع الصهيوني، وإخفاء أسرار ومعلومات عن العدو؛ واليوم إسرائيل قوية؛ ما يسمح لها بالتحرر من تلك القيود بشكل أكبر؛ ولكن حتى اليوم؛ بقي الإعلام الإسرائيلي مقيداً بالسياسة الإسرائيلية الموحدة، وخصوصًا في حالات الحرب وشن عدوان على العرب.

تلازم الأمن مع الميديا

يمكن أن نستند إلى أقوال الساسة الإسرائيليين فيما يتعلق بدور الإعلام الإسرائيلي، إضافة إلى البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي المصادق عليه من الكنيست الإسرائيلي والتي تتلخص بـ:"أن الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، (سياسة، اقتصاد، علوم، اجتماعيات...الخ) هو أولاً إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم إنجازاتهم على كافة المستويات، مع تعميق الانتماء اليهودي والصهيوني معاً، والتعبير والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع، وبث برامج بالعربية لترويض الجمهور العربي في أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عموماً وفق أهداف السياسة الصهيونية، إضافة إلى بث برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية، وخاصة العدوانية والمتعلقة بالاستيطان والتهويد وأعمال العنف الحربية التي تشنها إسرائيل».

وقد أشرفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على السياسة الإعلامية؛ لأن إسرائيل بكافة مكوناتها كانت ومازالت تنظر إلى العلاقة مع الفلسطينيين والعرب عموماً من منظار أمني بحت؛ فقد غطى الإعلام الإسرائيلي وما زال يغطي أحداث الصراع العربي الإسرائيلي وفق الأسس الآتية:

أ-  بث الاختلاف الثقافي بين الإسرائيليين العرب، وأنهم (اليهود) يتجانسون ثقافياً مع الغرب؛ كي يتقرب الغرب منهم.

ب- إن الاختلافات الفكرية للمراسلين، يجب ألا تقف عائقاً أمام الدفاع عن المشروع الصهيوني وتجسيد الدولة الصهيونية، وهو ما كان لافتًا للنظر؛ حيث أإه لم يلحظ اختلافاً جوهرياً بالمواقف بين المراسلين ذوي المشارب الفكرية المختلفة، في ما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين.

ج- الإذاعة والتلفزيون باللغة العربية والعبرية: وهما إطار سلطة البث الرسمي الإسرائيلي؛ فتدير الإعلام الإسرائيلي هيئة من رؤساء تحرير الصحف، مكونة من31 عضوًا يمثلون الأحزاب السياسية كلها؛ وتقوم هذه الهيئة باختيار لجنة تنفيذية مكونة من سبعة أشخاص، يراعى أن يمثلوا مختلف التيارات السياسية؛ وتعمل هذه اللجنة لمدة ثلاث سنوات؛.وتقوم برسم المسار العام لبرامج سلطة البث الرسمي باللغتين العربية والعبرية.

د- تعدّ الحرب النفسية هجوماً عدائياً مبرمجاً يستهدف التأثير في عقول الأفراد ونفسياتهم ومعتقداتهم، عبر إثارة الشائعات والبلاغات الكاذبة والدعايات والفتن؛ بهدف غرس الخوف والتمزق في نفوسهم، وزعزعة ثقتهم بقياداتهم. وقد أصبح بمقدور الحرب النفسية عبر التكنولوجيا المتطورة، أن تسلك أساليب علمية وذكية للتأثير على نفسيات الأفراد والتشكيك بأفكارهم وقدراتهم.

هـ- خاضت إسرائيل عبر التلفزيون الإسرائيلي والإذاعة الإسرائيلية حربها الإعلامية، عبر حملات دعائية نفسية للتأثير في الروح المعنوية والسياسية لأبناء الشعب الفلسطيني خصوصاً والشعوب العربية عموماً، واستخدمت في سبيل ذلك أرقى أنواع التكنولوجيا، وأساليب التمويه البالغ الدقة؛ فقد روجت لأسطورة «الجيش الذي لا يقهر»، وبثت الشائعات حول طريقة اغتيال القيادات لفلسطينية، واصفة قواتها المنفذة بـ (السوبر).

مع تقدم المستوى التقني والأداء الإعلامي العربي والفلسطيني في نقل الأحداث بالصوت والصورة، لاسيما بعد بدء انتفاضة الأقصى؛ تأسست الفضائية الإسرائيلية؛ للدفاع عن سياسة إسرائيل العدوانية تحت مبرر «ضرورة تحتمها مصلحة إسرائيل العليا». وقد أنشئت بقرار من سلطة البث الرسمي في بداية عام 2001، وكانت تبث برامجها من خلال على القمر الأوروبي. بدأت بثها في 18\ 6\ 2002، بتكلفة 25 مليون شيقل، على نفقة الحكومة الإسرائيلية.  وهدفت إلى توجيه رسائل يومية للعرب، وإخفاء السياسة الإسرائيلية العدوانية بالتمويه والخداع، ورسم رسالة إعلامية مخالفة لحقيقة الأوضاع، ووصل بثها كافة بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي، على مدى 12 ساعة يوميًا.

ومن أهم البرامج التي تبث باللغة العربية والتي تستهدف تحقيق أهداف الاحتلال: برنامج «حصاد الأسبوع» على القناة الثانية، وبرنامج «لتقريب البعيد» الذي تبثه إذاعة المستوطنين على القناة السابعة؛ بزعم تحقيق التعاون بين اليهود والعرب، وخاصة المتدينين؛ وكذلك برنامج «يا هلا» الذي تقدمه القناة العاشرة.

أما الإعلام التلفزيوني والإذاعي فهو عبارة عن عدد من المحطات التي تبث برامج إذاعية وتلفزيونية لتعبئة الإسرائيليين والتحريض ضد الفلسطينيين؛ كما تبث نشرات إخبارية وتعليقات سياسية واقتصادية، وبرامج تعليمية وترفيهية ومعلومات، فضلاً عن أفلام ومسلسلات ومسرحيات؛ وتتدخل في الإشراف عليها جهات عدة منها: الداخلية، والخارجية، والدفاع، والإعلام.

ولنا أن نشير في هذا الصدد إلى أن  أبرز وسائل الإعلام اليهودية في فلسطين المحتلة، منذ نشأتها حتى اليوم هي على النحو الآتي:

- إذاعة الجيش الإسرائيلي (جالية تساهل): أنشئت عام 1950، وهي خاضعة مباشرة لوزير الجيش ورئيس الأركان، وهي إذاعة عسكرية قائمة لخدمة الجيش فقط.

-  التلفزيون التربوي الإسرائيلي: وقد أنشئ عام 1968، وحتى خريف 1970.  وأصبح يبث  عدة برامج متنوعة مثل: برنامج «مساء الخير» السياسي، وبرنامج «نظرة» الإخباري. إضافة إلى برامج الأطفال، والبرامج التعليمية.

- القناة الثانية: تحولت إلى قناة تجارية منذ عام 1993، يشارك فيها  أبرز أهم شركات الصحافة في إسرائيل، مثل: كيشت، وتلعاد، ريشت؛ وتراقب برامجها هيئة شعبية غير رسمية؛ وتبث عدة برامج إخبارية يومية: عند الساعة الخامسة مساء، والساعة السادسة، وفي الثامنة مساء النشرة الرئيسة المطولة 45 دقيقة.

- القناة العاشرة: تبث برامجها عبر شركة «أخبار إسرائيل»، وتقدم برنامجاً إخبارياً محلياً عند الساعة السابعة صباحاً والرابعة مساء ونشرة تفصيلية عند الساعة الثامنة.  وتضم نخبة من محرري الإعلام الإسرائيلي ومراسليه.

- قناة إسرائيل 33 وتبث باللغة العربية

- تلفزيون الكوابل : يبث أخباراً وأفلاماً وبرامج موسيقية ورياضية متنوعة؛ وهو غير متخصص في الشؤون الإخبارية والسياسية اليومية.

- قناة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) 99.

ويشار إلى أنه تم تقسيم إسرائيل جغرافياً إلى 31 منطقة؛ من أجل تنظيم عملية توزيع البث.

حرب الميديا على الفلسطينيين

صاغ الإعلام الإسرائيلي مصطلحات كثيرة، حتى لا يتساءل أحد من المسؤول عن العنف والاعتداءات في الشرق الأوسط.  وقد تسرب بعضها إلى الإعلاميين العرب والغربيين، من دون التدقيق في ماهيتها، ومن دون أن تتفحص الأهداف التي تتخفى  خلف هذه المسميات.

وقد ظهرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية بين الحين والآخر مصطلحات وتعبيرات تشير إلى خوف اليهود على مستقبلهم من خلال تشبيه عمليات المقاومة عليهم بما حصل لهم في الماضي في ألمانيا ؛ وذلك لربط صورة المقاومة الفلسطينية المشروعة، بالإرهاب النازي المجرم المنبوذ؛ وإيهام العالم بأن ما يتعرض له اليهود الإسرائيليون من عمليات إنما هو امتداد لحملة التحريض ضدهم؛ فغالباً ما تقتصر صور الفلسطينيين التي تبث في وسائل الإعلام الإسرائيلية المرئية على أولئك الشبان الذين يعدون الزجاجات الحارقة، وآخرين يرشقون الجنود الإسرائيليين بالحجارة، وآخرين يحملون الأعلام العراقية ورايات حزب الله، ويحرقون العلمين الإسرائيلي والأميركي.

في الستينيات قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير ذات مرة: «لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم».  هذه صورة لتشويه الحقيقة وصناعة أخبار من وحي الأهداف العدوانية لتصبح كما الأحداث الحقيقة، حين تتناقلها وسائل الإعلام من دون تعليق أو نقد، فقد اعتمدت وسائل الإعلام منهجية لصناعة الأكاذيب والشائعات وترويجها بِحرفية عالية، ولعل أهمها:

استخدام صيغة المبني للمجهول مثل: «أُطلِقَت النار على، او «قُتِلَ»؛ لتخفيف أثر الحدث والتمويه على مسؤولية الجيش الإحتلالي. كما تعمد وسائل الإعلام إلى اعتماد عدد من الروايات المختلفة، وربما المتناقضة لحادث واحد، وذلك لإرباك المستمع أو القارئ في أي من الروايات هو الصواب؛ ففي حادثة استشهاد محمد الدرة بتاريخ 30\9\2000، وبالرغم أن الحادث موثق بالتصوير، إلا أن إسرائيل حاولت تبرير الحادث الإجرامي بأكثر من رواية مثل؛ إن الطفل قتل برصاص الفلسطينيين؛ ثم قيل: إنه سقط في تقاطع نيران بين مسلحين فلسطينيين وإسرائيليين؛ ثم قيل: إن الطفل كان مشاغباً مؤذياً جلب لنفسه الموت؛ كما تساءل الإعلام الإسرائيلي عن سبب وجود الطفل في مكان الحادث.

وتم التسويق لعمليات الاغتيال على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، بتصويرها وكأنها عمليات بطولية يخاطر فيها جنود الاحتلال بحياتهم؛ من أجل منع الإرهاب وعمليات قتل أطفال الإسرائيليين.

على الرغم من أن فلسطينيي الداخل (عام 1948) يلتزمون بدفع التزاماتهم الضريبية لإسرائيل، ومنها «ضريبة التلفزيون»؛ إلا أن التمييز الصارخ يظهر من خلال مقارنة بين ساعات البث بالعربية وبالعبرية؛ مع العلم أن نسبة العرب حالياً هي 20 % من سكان إسرائيل.

ويظهر التمييز في العديد من وسائل الإعلام كالآتي:

• القناة الأولى: من بين 139 ساعة بث أسبوعيًا هناك 13 ساعة باللغة العربية فقط؛ أي بنسبة 9.4%.

• القناة الثانية: من بين 149 ساعة بث أسبوعيًا؛ هناك 3 ساعات فقط باللغة العربية؛ أي بنسبة 2%.

• التلفزيون التعليمي: من بين 54 ساعة؛ هناك ساعة واحدة فقط؛ أي بنسبة 1.8% من مجموع ساعات البث الأسبوعية.

ووقفت آلة الإعلام الإسرائيلي في صف واحد مع الحكومات المتعاقبة، وروجت لسياساتها التي تميزت بتشويه الحقائق والعنصرية تجاه فلسطينيي 1948 في كافة المجالات؛ سواء في مصادرة الأراضي أو القضاء أو الاقتصاد وتطوير الأحياء العربية أو المشاركة السياسية.

وكانت تغطية الإعلام الإسرائيلي لأحداث عام  2000 التي وقعت في أراضي عام 1948، أكبر شاهد على هذه العنصرية؛ حيث أجرت وسائل الإعلام لقاءات مع شخصيات إسرائيلية فقط للحديث عن هذه الأحداث، وهمشت مشاركة سياسيين ومحللين من عرب48؛ كما نعتت المتظاهرين العرب بالمشاغبين؛ واليهود، المعتدين في مدينة الناصرة، بالمتظاهرين الذين ردوا على اعتداءات العرب؛ وفي الوقت الذي كان فيه الشهداء يرتقون والجرحى يقعون فريسة لعنف الاحتلال؛ كانت الاحتجاجات تعم  الضفة وغزة، وقام الإعلام الإسرائيلي بالتعتيم على الاحتجاجات والتظاهرات المنددة بالاعتداء على الفلسطينيين من عرب 1948؛ ولم تنشر وسائله صور المواطنين  الضحايا الثلاثة عشر الذين قتلوا على أيدي الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلي، كما كانت تنشر في حال مقتل إسرائيليين؛ واكتفت بنقل ادعاءات الشرطة نفسها، التي وصفت الضحايا بأنهم كانوا يمثلون خطرًا على حياة أفراد الشرطة وحرس الحدود؛ وذلك لتسويغ قتلهم! على الرغم من أنه كان من بين الضحايا شبان قتلوا برصاص قناصة صوبوا عليهم فوهات بنادقهم من مكان بعيد.  ولم تكتف حكومة الاحتلال بذلك؛ بل أجبرت الإذاعات العربية في 48 على ترجمة نشرة الأخبار العبرية إلى العربية، كما فرضت عليها تقديم تقرير عن البرامج المقدمة، ووضعت مراقبًا يهوديًا على هذه البرامج؛ لتحديد المسموح وغير المسموح نشره؛ حتى إن الأمر وصل إلى إغلاق صحيفة «صوت الحق والحرية» الإسلامية، و «راديو 2000»؛ بناء على توصيات من "الشاباك" (جهاز الأمن الإسرائيلي)؛ في أعقاب التغطية الإعلامية التي قام بها؛ مع أنه الإذاعة الوحيدة الخاصة بعرب 48.

مزايا الإعلام الإسرائيلي(ديني- أمني وسياسي)

من الواضح أن التوظيف الأيديولوجي للإعلام الإسرائيلي يبقى مجرد رؤى مفاهيمية غير قادرة على الفعل والتأثير، ما لم تخرج إلى التطبيق بأداء إعلامي له شروطه وضوابطه... وهذا ما عملت عليه الوسائل الإعلامية في إسرائيل، حيث استطاعت أن تحقق النجاح في إيصال رسالتها، بفضل تحصيلها لجملة من المميزات الفنية والمهنية والتقنية التي حرصت على المحافظة عليها  والاهتمام بتطويرها، وتحسين أدائها، سعياً وراء الإبقاء على جاذبيتها نحو الجمهور الإسرائيلي، خصوصاً مع وجود حالة من المنافسة الحادة بين مختلف الوسائل الإعلامية الإسرائيلية... أما أهم تلك المميزات فهي:

التخصص العلمي والتدريب

وهي من السمات البارزة والمميزة للإعلام الاسرائيلي والتي يمكن لحظها بسرعة من قبل أي متابع، خاصة إذا كانت المتابعة متركزة على الإعلام الناطق باللغة العبرية. حيث تعمد تلك الوسائل على جذب أفضل الطاقات الإعلامية إليها خاصة تلك التي استطاعت أن تستفيد من التجارب الإعلامية العالمية، سواء عبر العمل في مؤسسات إعلامية كبرى، أو عبر الدراسة الأكاديمية المتخصصة في جامعات أوروبا وأميركا، وهو ما يمنح المستوى الإعلامي قدرة على التطوير، والمواكبة السريعة للمتغيرات المهنية والتقنية الحاصلة في العالم.

      ب ـ السعي إلى الإقناع بكل الوسائل

الأساس في هذه السمة هي في كونها عنواناً أصيلاً لأي عمل إعلامي، ولأي جهة تنتمي، ولكن ما يميزها في دولة كـ «إسرائيل» هو وجود العديد من الكوابح الثقافية والسياسية والقانونية، التي تحد من مستوى تدخل القيادات السياسية والعسكرية الحاكمة للبلاد، والتي بدورها أيضاً – أي تلك القيادات ـ تجد المصلحة المنعكسة ـ بالفائدة عليها، في اصطباغ الإعلام العامل تحت سلطة قوانينها من دون المصداقية، والتي من الممكن أن تستخدمها كرافعة للعديد من المفاهيم والآراء المراد تمريرها من جهة السلطات الحاكمة إلى وسط الجمهور التأثر والمنفعل مع الوسائل الإعلامية التي يتابعها، والمؤمن بصدقها ومصداقيتها.

ج ـ الحث على الإجماع القومي:

على الرغم من أن نسبة غير اليهود ـ من القوميات الأخرى ـ والحائزين المواطنية الإسرائيلية الكاملة، تبلغ أكثر من 20% من تعداد سكان إسرائيل، إلا أن هذه النسبة لا تعكس نفسها في عديد العاملين ضمن المؤسسات الإعلامية سواء منها العامة أم الخاصة... وبالتتبع الاستقرائي لأهم الأسماء البارزة العاملة في المؤسسات الإعلامية بأنواعها الثلاثة (المقروءة والمرئية والمسموعة)، يمكن استنتاج وجود ما يشبه الاصطفاف القومي اليهودي، المُمسك بكل المقدرات الإعلامية، وعلى اختلاف أنواعها، ويظهر أن هناك تقصداً في إقفال باب الترقي وتسنّم المسؤوليات أمام المنتمين إلى القوميات الأخرى غير اليهودية، خاصة العرب، وهذه ظاهرة، وإن كانت موجودة، وبشكل فاضح، في بقية المؤسسات العامة في الدولة، لأسباب غير خافية، إلا أن الموضوعية الإعلامية تفترض في ذاتها الموضوعية في التعاطي مع الفرد من ناحية مهنية، بغض النظر عن انتمائي القومي أو الديني.

د ـ المأسسة الذاتية:

والمقصود بذلك هو محاولة الوسائل الإعلامية الإسرائيلية بناء إطارها المؤسسّاتي بشكل ذاتي خاص، من دون الارتباط بالمؤسسات الحكومية، منعاً من حصول التدخّلات السياسية من قبل طبقة السلطة، في السياسات العامة الحاكمة على عمل المؤسسة الإعلامية، ولذا، لا يوجد في إسرائيل وزارة خاصة للإعلام، ولا حتى مكتب إعلامي – مثلاً – يكون بيد السلطة السياسية وله الحاكمية على الوسائل الإعلامية.

هذه الميزة تجعل الهوامش المتاحة للحركة الإعلامية أكثر اتساعاً، ولكن ليس بالمستوى الذي يُخرج الأمور من تحت سيطرة الفئة الحاكمة، إذ يوجد في إسرائيل جهتين أساسيتين تمثلان الإعلام الإسرائيلي وعلى عاتقهما تقع مسؤولية متابعة ومراقبة أداء تلك الوسائل في مدى تقيدها بالضوابط القانونية، ومراعاتها للمصلحة العليا للدولة، وخدمتها للأهداف التي تصب في خانة المصلحة العامة... الجهتان المسؤولتان عن كل ذلك هما:

ز ـ العصبية الإعلامية بأبعاد تلمودية

إلى العناصر المميزة للإعلام الإسرائيلي، من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم مما يترتب على التعددية الإعلامية من إيجابيات لجهة كشف المستور في المجتمع الإسرائيلي، فإن ثمة نقطة ثابتة لا يستطيع أي جهاز إعلامي ولا سيما الفضائيات تجاوزها، ونعني بذلك البعد التلمودي للميديا اليهودية.

وإذا كان لنا أن نضيء على الوجه التلمودي للإعلام الإسرائيلي ينبغي أن نشير إلى الدور الذي يلعبه رجال الدين اليهود في هذا المجال.

يفسر مختصون في الشأن الإسرائيلي المشاهد المروعة الناتجة من القصف الإسرائيلي لقطاع غزة.. العدد الكبير للشهداء والجرحى بسيطرة خريجي المدارس اليهودية على القرار في الجيش الإسرائيلي، والتي لديها مخزون من الفتاوى التي تشرع في قتل الأغيار» وتدمير حياتهم لتحقيق الأمن لإسرائيل. ويجمع محللون وأكاديميون تابعوا الحرب على غزة أن الحد الأقصى من العنف الذي اتبع ضد منازل المدنيين وسقوط أكثر من اثني عشر ألف فلسطيني بين شهيد وجريح يعود إلى دوافع عنصرية ودينية غالباً ما عبرت عنها نشرات الأخبار وتعليقات المسؤولين على القنوات الفضائية الإسرائيلية. وفي عدد من التحقيقات أجرتها فضائيات عربية خلال الحرب. أكدت أن العامل الديني في تشجيع الجيش الإسرائيلي على تدمير كل شيء تصل إليه أيديهم وآلتهم العسكرية هو نتاج تغلغل أتباع الصهيونية الدينية واحتلالهم المناصب الرفيعة في الجيش.

وأوضح خبراء في المجتمع الإسرائيلي أنه لا يمكن النظر إلى حجم الفتك والتدمير والتخريب لكل مرافق الحياة في غزة من دون الالتفات إلى الأثر العميق الذي تتركه الخلفيات الدينية والميول اليمينية المتطرفة التي تصطبغ بها الحكومة الإسرائيلية المنبعثة من مجمتمع إسرائيلي معبّأ أيديولوجياَ ودينياً على كراهية الفلسطينيين والعرب. وفي هذا الصدد يُرجع الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي صلاح النعامي تعمد جيش الاحتلال ارتكاب المزيد من الجرائم في قطاع غزة بشكل لم يسبق له مثيل منذ احتلال فلسطين عام 1948 إلى صعود ضباط المدارس العسكرية الدينية إلى مصاف القيادة الأولى في الجيش الإسرائيلي، وتولي معظمهم مسؤولية إعطاء تعليمات إطلاق النار بشكل مفرط للنيل من الفلسطينيين وممتلكاتهم.

تهويد الإنترنت وتراجيديا الهولوكوست

ثمة تلازم وثيق في استراتيجية الإعلام اليهودي بين التلفزة الفضائية وميديا الإنترنت. وهو ما يظهر بوضوح من خلال سعي الشركات الكبرى إلى الاستحواذ على المواقع التي تتحكم بالمعلومات والأخبار والتحقيقات على نطاق عالمي.

لقد عرفت الصهيونية كيف تصنع الخبر وكان لها في الإنترنت الوسيلة الأكثر مرونة لنشر الخبر... زيادة على الأمر ـ تسهم التكنولوجيا الحديثة للمعلومات في نشر صور وشهادات عن المحرقة (الهولوكوست)، وتبادل المعلومات والأسماء والتفتيش عن الأقرباء وتوثيق التعاون وبنوك المعلومات للذين أحرقوا. ولقد بدا بوضوح قدرة مؤسسات الإعلام اليهودية على توظيف كل خبر ومعلومة متصلة بالهولوكوست وتحويلها إلى مصادر موثوقة...

والمعلوم أنه في التكنولوجيا الحديثة لم يعد إيصال الخبر حكراً على أحد، والرقابة لم تعد فاعلة، فمن أي مكان بات باستطاعة الغربيين أن يشاهدوا صور المجازر، صور القتلى، صور الأطفال، إلخ... مما دفعهم إلى الاحساس بمصائب أخرى لم يسهموا فيها مباشرة (على غرار المحرقة) إلا أنهم سعوا بشكل غير مباشر لعدم إظهار وسائل الإعلام لقضايا الغير... وإذا نظرنا إلى المساحة المتعاظمة التي يستحوذ عليها يهود الإنترنت رأينا أن عدد المواقع التي تعالج وتظهر مشكلات الشعب العربي الفلسطيني، يضاهي نسبياً عدد المواقع التي تتكلم عن اليهود، ودولة إسرائيل، في حين أن ما يرتكب من مجازر بحق الشعب الفلسطيني يعمل الإعلام اليهودي على إدراجه بصورة متوازية مع مجازر هتلر ضد اليهود.

في السياق إياه، يلاحظ خبراء غربيون لدى متابعاتهم الميدانية الحرب الإعلامية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، أن وزارة الحرب الإسرائيلية تختصر عملياتها العسكرية بـ 140 إشارة على تويتر، وتبث على يوتيوب فيديوهات عن ضرباتها الجوية والبحرية والبرية على غزة.

الهدف ـ كما يقول الباحث الفرنسي لوران سوبلي ـ هو التحكم بصورتها وكسب حرب «البروباغندا» على «النت»، لكن اختصار الحرب بـ 140 إشارة يعدّ التمرين الأول من نوعه الذي استرسلت فيه إسرائيل على «تويتر» في»أول ندوة صحافية من المواطنين»:

أجاب دافيد سارنغا، وهو دبلوماسي في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، عن وابل من أسئلة رواد الإنترنت على هذا الموقع من المدونات المصغرة الذي كان إبان الحرب في أوج انطلاقته.

وهذه نماذج من أجوبة القنصل على هذا الموقع حيث مضى كل واحد إلى جوهر الموضوع وراح يكثف رسالته إلى أقصى حد: «لقد أعلنت حماس الجهاد ضد إسرائيل. وهذا يعني أنها ستستخدم كل وسيلة لإيذاء مواطنين إسرائيليين، وانتحاريوها تلقوا الأمر بالتنفيذ».. وأيضاً: (لن نؤيد المفاوضات. وحالياً المحادثات جارية مع السلطة الفلسطينية زائد ثمة محادثات حول حل الدولتين: نحن لا نتلكم إلا مع أناس يقبلون بحقنا بالوجود).

وفي رده على السؤال: لماذا هذا التغلغل إلى أرضية تواصلية جديدة تظل سرية إلى حد كبير؟ أجاب سارنغا، بلغة تويتر المتداولة والتي يُفهم منها ما يلي:.

«نظراً للجدال على «تويتر» ونظراً لتعدد الأشخاص ذوي الأخبار غير الموثوق بها، يبدو أنها طريقة جدية لتحرير الرسالة الرسمية من هنا».

إجابة أخرى، أكثر صراحة، ومن المفترض أن تكون على الشكل الآتي: «لتؤمن انتصار وجهة نظرها على الويب، فإن إسرائيل لا تهمل أي أرض افتراضية». وهذا ما أقرّ به الميجور أفيتال ليبوفيتش المسؤول عن الصحافة الأجنبية في الجيش الإسرائيلي، بهذه العبارات لصحيفة «جيروزالم بوست»: «إن دائرة المدونات والميديا الجديدة هي ساحة أخرى للحرب». وفي المجال العسكري، فإن الدولة العبرية هي في أعلى مستوى من حيث استخدام التكنولوجيات الجديدة. لقد فتح الجيش الإسرائيلي حسابا له على «يوتيوب» حيث نشر فيديوهات عن ضربته ضد حماس. والنتيجة إحصاء 162015 مشاهدة (بفتح الهاء) ومئات التعليقات التي صدرت في أقل من يومين. بالإضافة إلى استساغة خفيفة لتكرار تجربة الصواريخ الخضراء الشهيرة في حرب الخليج.

إنها استراتيجية الحضور على الشبكة التي ازدادت أهميتها لكون الأعداء الذين تحاربهم إسرائيل على الأرض هم أيضاً حاضرون بقوة على الويب.  وفي هذا المجال يستخدم المناضلون الإسلاميون الفلسطينيون بشكل مكثف الفوروم (حلقات النقاش) والفيديو. حتى إنه في تشرين الأول (أكتوبر) 2008 اتهمت وسائل الإعلام ومراكز القرار الإسرائيلية "حماس" بأنها انشأت موقع «أقصى تيوب بوان كوم» وهو نسخة عن يوتيوب الذي بدأ في آب (أغسطس) وحيث تعايشت فيديوهات بروباغندا حماس مع «المسلسلات العربية» المتواصلة.

لم تعد إسرائيل في مرحلتها التجريبية في استخدام حرب الإنترنت ضد أعدائها. فقد أنجزت نشر قواتها على «فايس بوك» أو «مايسبيس» بل أن جهاز مكافة التجسس (شين بيت) قد فتح مدونات لأربعة من جواسيسه، والجيش أعلن استعداده قريباً لفتح «فلوغ». أي مدونات فيديوهات، يتحدث فيها العسكريون «أمام الكاميرا» عن مواضيع ساخنة. ومن المبادرات الأخرى: ودائماً بحسب “جيروزاليم بوست”، أن الناطقين باسم الجيش يبقون عيناً ساهرة على آلاف المدونات التي تشير إلى المواجهات ولا يترددون في «تزويد» مستخدمي المدونات بالمعلومات الإضافية بشكل شخصي من أجل تمرير رسالتهم.

لعل الاستنتاج الإجمالي الذي يمكن أن نصل إليه من خلال البحث يتساوق مع ما ذهب إليه كثيرون ممن درسوا التاريخ اليهودي بأزمنته المتعاقبة، وهو أن اليهودية ديانة إعلامية على الرغم من تقوقعها على نفسها وعدم السماح لغير اليهود بأن يصبحوا يهوداً. وبهذا المعنى يمكن القول إن الإعلام اليهودي هو إعلام ديني وقومي بامتياز، ويبني مجمل استراتيجياته على الاستحواذ والهيمنة والسيطرة على الآخر انطلاقاً من أفضلية اليهود على سواهم وفاقاً لعقيدة الاصطفاء الإلهي للشعب المختار.