البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الميديا تحت سطوة الإيديولوجيا (الإعلام الأميركي بعد الحادي عشر من أيلول)

الباحث :  علي قصير
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 14 / 2018
عدد زيارات البحث :  1085
تحميل  ( 399.813 KB )
يرصد هذا البحث ظاهرة الإعلام الديني، من خلال معاينة التحولات العميقة التي طرأت على نشاط المؤسسات الإعلامية العالمية وتوجهها، والميديا الأميركية بنوع خاص، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.

ولقد وجد الباحث في علم الاجتماع الإعلام علىي قصير أن يطلّ على مضمون الخطاب الذي اعتمدته هذه المؤسسات وشكله، ولا سيما لجهة سعيها إلى إعادة تشكيل الرأي العام تبعاً لمقتضيات المصالح العليا للغرب. وقد تعامل مع هذا الحادث المفصلي ـ أي تفجير مركز التجارة العالمية ـ لا بوصفه حدثاً جرى فوق الأراضي السيادية لأميركا وحسب، وإنما أيضاً بما هو حادث عابر للحدود كانت له تداعياته وآثاره المدمِّرة في بلدان العالمين العربي والإسلامي.

المحرر

--------------------------------------

لم يكن اليوم الذي أعقب الحادي عشر من أيلول(سبتمبر) 2001، مجرد يوم عادي في الخطاب الإعلامي الأميركي. فقد حفلت شبكات «الميديا» في أميركا بالترويج لخطاب سيأخذ هذه المرة بعداً يتجاوز الحدود المألوفة لوظيفة الإعلام في الصراعات الدولية. إثر هذا الحادث المفصلي في تاريخ أميركا المعاصر، سنكون أمام خطاب إعلامي مركب: ديني ـ سياسي ـ إيديولوجي غايته استثارة الحد الأقصى من غريزة الخوف على المصير من جهة، وتظهير عقيدة الاصطفاء والفرادة التي تحظى بها أميركا من جهة ثانية. وفي الحالتين كان للبعد الديني في الإعلام الأميركي حضور بارز. ولعل من جملة من لاحظ خصوصية هذا الخطاب المركب وتداعياته هو الكاتب والإعلامي الأميركي بول مويرز (Moyers) عندما رأى «أنه للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتجدة تستأثر النزعتان اللاهوتية والإيديولوجية بحكم البلاد. يضيف معلقاً: «عندما تتزاوج هاتان النزعتان لا تكون ذريتهما دائماً سيئة وحسب، وإنما على الدوام تكون عمياء»[1].

وفي مقالة له حول الشخصية المركَّبة للرئيس جورج دبليو بوش، يبيِّن الصحافي البريطاني إد فوليامي كيف أمكن للإعلام الفضائي ومواقع التواصل الألكتروني أن يجعل من شخصية حاكم البيت الأبيض مادة خصبة لإضفاء البعد الديني على السلوك الأميركي غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر. يبدأ فوليامي مقالته التي وضعها تحت عنوان «بوش والحرب الإلهية» بسرد بعض جوانب السيرة الذاتية للرئيس بعد صدمة 11 سبتمبر فيقول «كان الرئيس بوش يفتتح كل جلسة لمجلس وزرائه، بصلاة مع أن بدايات حياته ما كانت لتشير الى ما أصبح عليه اليوم. ففي وسط عائلته «كان جورج هو العاصي الوحيد»[2]، ولم يكن حتى عندما بلغ الأربعين متديِّناً، إلا أنه مذ أطل على الحياة السياسية في عهد والده في بداية التسعينيات من القرن العشرين راح يتدرب على النص اللاهوتي، ويشارك في مناظرات وحلقات تلفزيونية يستحضر فيها آيات من الكتاب المقدس لتدعيم وجهة نظره في سباق المعارك الانتخابية لصالح الحزب الجمهوري. وهكذا تابع بوش سعيه إلى توسيع شبكة صلاته في مناخ الحملات الانتخابية التي خاضها والده، وصارت له طموحاته السياسية الخاصة. غير أن دافعه الأساسي لم تكن له أية صلة بالدين. إلا أنه بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض سيحاط بمجموعة من المستشارين وضعوا له برنامجاً يومياً سوف يلقى ترحيباً حاراً من أوساط اصدقائه الجدد في اليمين المسيحي. وقد اعتبر الشعار الذي رفعه خلال حملته الرئاسية والداعي إلى السير «نحو (نزعة) محافظة رحيمة»، خطوة باتجاه الوسطيين، فيما هو في الحقيقة مفهوم صاغه داغ ويد، وهو إنجيلي ينتمي إلى فرقة دينية تسمى «جماعة الرب المتحمِّس». وإلى هذا العرض الإجمالي للسمات الشخصية للرئيس بوش يضيف الكاتب مجموعة من الطقوس اليومية، منها على سبيل المثال: جلسة شرح الكتاب المقدس، ـ الصلاة في مستهل كل اجتماع لمجلس الوزراء ـ والزوج والزوجة يصليان معا قبل النوم. وقد صرح رئيس الكتلة الجمهورية في مجلس النواب، توم دولاي، أمام مؤتمر لممثلي الطائفة المعمدانية خلال اجتماع عقد في هيوستن، إن الله نفسه قد أوصل بوش الى البيت الابيض، وأنه يستخدمه اليوم «لنشر الرؤية التوراتية للعالم»[3].

ربما كانت النقطة المهمة التي يشير إليها فوليامي في معرض حديثه عن النزعة الدينية للرئيس الأميركي التي ارتفعت حدتها بعد تفجيرات نيويورك، هي انتقاله المفاجئ من «تسامح ما – ولو إعلامياً- حيال الاسلام، إلى الاقتناع بأن هذا الاخير صار يمثل إحدى أخطر إمبراطوريات العالم» التي يتعين على الولايات المتحدة «أن تفرض عليها احترامها»، «وبالتالي تبرير أي حرب محتملة، تقود فيها أميركا منطقة الشرق الأوسط إلى الخضوع  كما لم تفعل قوة أخرى في العالم منذ العثمانيين، وامتداداً في الماضي إلى زمن الرومان»[4].

كل هذا وسواه مما كان يجري في أروقة المكتب البيضاوي ومراكز القرار في الولايات المتحدة، لم يكن بعيداً من نشاط التلفزة الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة.

وهكذا، لم تكن محطات التلفزة، المملوكة من كبار رجال الأعمال ومعظمهم من اليهود[5] فضلاً عن الشركات النفطية التي تملك عائلة بوش القسم الوازن منها، بمنأى من الحرب الإعلامية الهائلة التي أعقبت تدمير مركز التجارة العالمي. إذ بفضل هذه المحطات جرى تظهير أسس ما أسماه المحافظون الجدد بـ «العقيدة الاميركية». وهي العقيدة التي تتكون من تضافر ثلاثة عوامل قوية وحاسمة تشكلت نتيجة صدمة التدمير المذكورة، وهي كما يبِّينها المفكر الأميركي من أصل روسي أناتول ليفن على الوجه الآتي[6]:

العامل الأول: هو الرغبة في القيام بهجوم مضاد وسريع، عندما تريد أميركا أن تصد هجوماً أو تغسل عاراً.

العامل الثاني: هو الاقتناع بأن أميركا بلد مختار من الله وأن قوته لها ما يسوّغها. وهي موضوعات غالباً ما ظهرت في خطابات الرئيس بوش اليومية والأسبوعية وملأت شاشات التلفاز في أميركا والعالم. وقد استمرت بالزخم نفسه حتى الانتخابات الرئاسية للولاية الثانية في العام 2004 وما بعدها. وإذا كانت هذه الفكرة عن البلد المختار لست حكراً على أميركا وانما هي حالة متأصلة في الثقافة الأوروبية وخاصة في المرحلة التي عاشتها أوروبا بين الحربين العالميتين 1914 – 1945.ثم خفت حدتها في مرحلة الحرب الباردة (1944 – 1990) أما في اميركا وبسبب من عزلتها وتاريخها الأكثر هدوءاً خلال القرن العشرين، فقد احتفظ الإيمان بالفرادة والاصطفاء بكل زخمه، وسيقوم المحافظون باطلاقه وتغذيته بأساطير البراءة والطيبة وفعل الخير والانتصار الحتمي على الأعداء.

أما العامل الثالث: فهو هذه الأساطير والمعتقدات الدينية التي ترتبط بما يمكن تسميته «الصيغة الدنيوية للإيمان» وغايتها إبراز مكانة أميركا التي قررها لها الله. وهي فكرة تقوم على أن الولايات المتحدة هي حاملة اللواء والنموذج الأمثل عن الديمقراطية والحرية، وأن لديها القدرة ولها الحق، وعليها واجب نشر قيمها على سائر العالم[7].

لقد شكلت هذه العوامل الثلاثة مجتمعة، مادة إعلامية شديدة التأثير في الرأي العام الأميركي، بحيث استطاعت أن تعيد توحيد مشاعر الأميركيين حول استثنائية بلدهم والقيم العالمية التي ينفرد بها. فكما برهنت الانتخابات الرئاسية لعام 2004 فقد كان لهذه المشاعر تأثير شبه كامل باستبعاد معظم حجج النخب الأميركية المعتدلة عن مركز القرار سواء تعلق الأمر بالسياسة الخارجية أو بإدارة الشؤون الداخلية. وبفعل حرب الدعاية التي قادها الاتجاه الديني ـ الإيديولوجي ممثلاً بالمحافظين الجدد، بات من المستحيل على أي كان التلميح إلى أخطاء أو عيوب في النظام الأميركي، ومن كان يجرؤ من الأميركيين على إبراز وعيوب من هنا أو هناك فإنه سيتهم في الحال بأنه يفتقد إلى الكبرياء الوطني وأن «عليه الاعتذار من أميركا». ولقد كان على هذا الاتجاه المتشدد الذي احتل مركز القرار في الولايات المتحدة الأميركية أن يستخدم الميديا سلاحاً استراتيجياً في موازاة الأساطيل الحربية براً وبحراً وجواً[8].

وعلى هذا النحو يقرر عدد من الخبراء الدوليين أن الإمبراطورية الإعلامية الأميركية لم تكن لتنشأ من فراغ. فهي تدخل دخولاً عميقاً في رؤية أميركا الشمولية لنفسها وللعالم الذي أمامها. ولذلك سيكون لمؤسسة الإعلام الأميركية دور يتعدَّى الجانب المهني ـ التجاري ليمضي بعيداً في التبشير الإيديولوجي بالبعد الرسالي لأميركا من خلال ما سمي بالصهيونية المسيحية. والذين قرؤوا الظاهرة الأميركية من قبل أن تتحول إلى صيغة الولايات المتحدة الحديثة وجدوا أن مفكِّريها ـ من أساتذة وكتّاب وكهنة ورجال دولة ـ لم يخفوا هدفهم الأخير: فرض نمط حيواتهم على العالم كله. فأميركا تعتقد نفسها وتريدها شمولية كلية لا تضاهى. وبهذه الصفة، لا تتصوَّر ذاتها إلاَّ متفوقة على مجمل المناطق التي يتحرَّك في داخلها أفراد وأمم، وترى أنَّ من واجبها احتواءها. تزعم الإيديولوجيا الأميركية أنَّ أميركا هي قائدة العالم ما دامت العناية الإلهية أمرت بذلك، وما دامت تجسِّد نصاب العالم المقبل وفقاً للخطط الإلهية. ومن المقدَّر ـ بحسب المفكرين الأوائل والمتأخرين ـ أن تقع على كاهل أميركا مسؤولية إملاء قانونها. القانون الذي شرَّعته السماء ليُفرض على الأمم والشعوب[9].  ذلك ما يقرره الباحث الفرنسي ميشال بوغنون في خلال عرضه مكونات الإمبراطورية الإعلامية الأميركية وفي الإطار نفسه يلاحظ بوغنون أن العناية الاستثنائية التي يوليها العقل الأميركي للإعلام تعود إلى كونه يغطّي كل وظائف البشر الروحية. ثم ينبري الى القول إن النجاح الأول لأميركا في مجال الاتصال، قام على مفارقة لافتة: فهي من وجهٍ أول أمَّة قنّاصة، وشرسة، ومسؤولة عن عدة تدخلات خارج حدودها الشرعية، منذ نهاية حرب الاستقلال، ومن وجهٍ آخر موضوع كرهٍ من جانب شعوب كثيرة. ومع ذلك، توصَّلت الولايات المتحدة إلى خداع الشعوب بحكمٍ مسبقٍ، وذلك يعود إلى عوامل: خبرة طويلة في الإعلان، احتكار كبريات وكالات الصحافة الدولية، القوة المالية، وكذلك فالأميركيون يدينون لسلبية الأجهزة الإعلامية والمؤسسات التربوية والحكومات في مجمل العالم[10]. ولقد بات معروفاً حجم الإعلام في تاريخ الولايات المتحدة. ففي سنة 1848، وُلدت في الولايات المتحدة الوكالة الصحافية، آسوشيتد برس؛ تلتها سنة 1907، يونيتد برس آسوسيشن، والإنترناشيونال نيوز سرفيس، سنة 1909، المجمّعة، سنة 1958، في وكالة يونيتد برس إنترناشيونال. وإذا أضفنا وكالة رويتر (تسمَّى الآن رويترز) التي تنتمي، اليوم، إلى صحافة بريطانيا العظمى وأوستراليا ونيوزيلندا، وتكتفي على غرار معظم الوكالات غير الأميركية في العالم، غالباً، بتكرار معلومات الوكالات الأميركية، فإننا نحصل على تكتلٍ قادرٍ على مراقبة 90% من الإعلام المبثوث. ومع الصحف الكبرى التي بلغت جمهوراً عالمياً (نيويورك تايمز الصادرة سنة 185، ونيويورك هيرالد تريبيون)، والدوريات (الريدرز دايجست، ناشيونال جيوغرافيك ماغازين، بلاي بوي، تايم، نيوزويك)، وشبكات التلفزة NBC و ABC، ومنذ 1980 CNN، (الشبكة العالمية الأولى)، صارت تملك الولايات المتحدة سلطاناً ذا مدى لا يُسبَر غوره، يسمح لها منذ عشرات السنين، بقولبة فكر بضعة مليارات من الأفراد. وعبر الصحافة والسينما والتلفزة والراديو، وجد الأميركيون طريقة لاختراق العقول عبر الثقافة والآداب والإعلام والسياسة واستعمال القوّة[11].

الميديا ودورها تصنيع قيم الاستهلاك

وعلى ما يبدو فإن مؤسسات التوجيه الإعلامي الأميركية ماضية في إنتاج ثقافة الاستهلاك. فهي تذهب إلى ما يشكل صوغاً لاستراتيجيات فكرية تقدم الولايات المتحدة بوصفها معطى أرسلته السماء. ولعل البرنامج التعليمي الذي نظمه لمحطات التلفزيون الكبرى الزعيم الجمهوري في مجلس النواب نيوت غينغريتش في مطلع التسعينيات هو أحد الجهود الآيلة إلى «أسطرة» أميركا وسياساتها وأنماط حياتها. إنه يدعو إلى تناول التاريخ الأميركي بطريقة تمجيدية تستند إلى رموز جامدة لقيم دائمة. فعندما يعيش العالم فيما يسميه «ثقافة الومضة» وفي عاصفة من المعلومات الهائلة المضطربة ينبري غينغريتش للإعلان عن أن هدف برامجه التعليمية المتلفزة هو غرس الذهن بقيم الأساطير القديمة، لكي يكون التاريخ الأميركي نقياً وصافياً، ومقبولاً، من الأجيال. وعلى أي حال فإن غينغريتش الذي يؤمن بالإيديولوجيا إيماناً راسخاً ويصفها بأنها «قنبلة في الرأس» هو كسواه من الإيديولوجيين الأميركيين في هذه الأيام، لا يجدون ما يعملون عليه سوى الذهاب بعيداً في الاستيلاء على العقل وبث أخلاق السيطرة والقوة على النطاق العالمي. وهذه إِواليات إعلامية توصيلية غايتها تعميم قناعات ثابتة لدى شعوب العالم، وبخاصة شعوب «العالم الثالث» برسالية القوة الأميركية وسموها.

لكن جيمس كورث أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأميركية، يقدم انطباعاً مخالفاً عما تذهب إليه أخلاقيات التمجيد فيرى «أن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الصراع الهائل بين المنظمات الكبرى ووسائل الإعلام العالمية والشركات متعددة الجنسيات، سيتوقف على نتيجة صراع آخر أكثر إيلاماً. ذلك لأن الفترة الأولى من تاريخ ما بعد العصر الحديث ستتضمن صراعاً موازياً، وحرباً أهلية داخل الولايات المتحدة بين المؤسسات المتعددة الثقافات والتسلية الجماهيرية من جانب، والثقافة القومية والتعليم الجماهيري من جانب آخر. ومنذ الآن ـ يضيف كورث ـ يبدو أن معسكر ما بعد العصر الحديث هو الذي سيسود، وإذا ما حدث ذلك فإن الولايات المتحدة بالمعنى التقليدي للشعب الأميركي وحكومة الولايات المتحدة، لن تكون هي الممثل، بل المتفرج ـ بل حتى المسرح ـ لعالم ما بعد العصر الحديث، وستصبح متلقياً للتاريخ لا صانعاً له...” [12].

إن مثل هذا المآل لدولة تمسك بناصية الإعلام وإنتاج أخلاق الاستهلاك لن يفضي، على الأغلب، إلا إلى المزيد من تفكيك العالم وأنظمة القيم فيه. إذ على النسق الإيديولوجي إياه لم يدَّخر منظّرو الفرادة الأميركية جهداً من أجل ابتعاث مروحة من الأفكار، لا يقصد منها سوى منح السيطرة مشروعية الاستمرار والتراكم لتأخذ صعيدها المعرفي والثقافي. ويتحدث معظم هؤلاء بلغة اليقين، ودائماً عبر آليات الإعلام، بهدف خلق اعتقادات في المجتمعات الدولية، وخاصة الأوروبية فضلاً عن «مجتمعات الأطراف» مؤادها التسليم بنمط الحياة الأميركية كقدر لا مناص منه. وها هو ذا دانيال بيرتون أحد البارزين في قطاع الاتصالات يرى «أن الولايات المتحدة. بوصفها رائداً في اقتصاد الشبكات سوف ترسم تطور هذا الاقتصاد. ذلك أنه ليس هناك أي دولة أخرى في العالم تملك المؤهلات اللازمة لتوجّه تطوره، فهناك وجود برمجي هائل، ومصنّعو مواد على مستوى دولي وصناعة ديناميكية ذات محتوى جيد، وقطاع اتصالات كامل الخصخصة. وقاعدة صلبة لرأسمال جسور، وسوق عمل مرن، ونظام جامعي لا نظير له».

يضيف بيرتون أننا في النهاية نتجه نحو عالم للشبكات يتكون من مجتمعات إلكترونية تجارياً وثقافياً، عالم يعمل على تدعيم مكانة الولايات المتحدة كأمة من بين الأمم الأخرى، ولكنها في الوقت نفسه، وعلى النقيض من ذلك، أمة تعمل على تفكيك نظام الدولة ـ الأمة[13].

استراتيجية تفكيك القيم

يكشف هذا الكلام عن أحد الوجوه الأكثر عناية بالاهتمام في الخطاب الثقافي الأميركي وهو ذاك المتّصل بالرغبة في تخليع الرابطة القيمية التي نشأ عليها مبدأ الدولة – الأمة، تريد الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة أن تقيم عالماً يشبهها في الغرب وفي العالم أجمع، أي دولة عالمية سمّاها أحد الخبراء الأميركيين وهو جيمس كورث بـ«المؤسسة الأميركية»، التي ذهبت ابتداء من نصف القرن المنصرم إلى جعل مصلحة الدول ـ الأمم، مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان تتفق مع تجاوز مفهوم الدولة ـ الأمة، عن طريق العضوية في عدة منظمات دولية كالأمم المتحدة ومنظمة الدول الأميركية، وحلف الأطلسي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي وسواها. وخلاصة القول إن الدولة الأميركية مثلها مثل تلك الدولة التي قامت في أوروبا واليابان، نفّذت مشاريع كبرى في الأبعاد الثقافية والأمنية والاقتصادية للحياة الاجتماعية. لكن على خلاف الدول ـ الأمم الأخرى، فإنها فعلت ذلك على نطاق قاري هائل الحجم حقاً. بل إنها حتى وهي تفعل ذلك كانت تنشئ أيضاً عالم ما بعد العالم الحديث، وبذلك مهّدت الطريق لزوالها كدولة/ أمة.

كانت بداية التسعينيات ذروة ما وصلت إليه التجربة الأميركية لجهة نزع القيم التي تقوم عليها مبادئ الدولة – الأمة. لتنتقل بعد ذلك إلى زمن الهيمنة على العالم؛ وهو زمن يتّسم بتخطي الاتكاء على جيوش تقليدية كبيرة، تقوم على التجنيد الإجباري الجماهيري وتوفر الدفاع القومي. وذلك باتجاه تشييد ما يسمى بـ«مجتمع ما بعد العصر الحديث» الذي يقوم أساساً على وجود الأسلحة النووية، التي توفر الردع الموسع، والأحلاف الدولية الدائمة (مثل ما حدث مع الحلف الأطلسي) وعلى التكنولوجيا الراقية، والأسلحة الموجهة بدقة والأسلحة الشبح، مما يوفر القوة العسكرية لتحالفات دولية مؤقتة كاّلتي حصلت في حرب الخليج الثانية والتي حصلت على نحو مدوًّ في الحرب على يوغوسلافيا، وصولاً إلى المثال الأفغاني والذي عدّه كثيرون من الاستراتيجيين الغربيين مثالاً قابلاً للتكرار في غير منطقة من العالم[14]. وبطبيعة الحال، فستأتي حرب غزو العراق في العام 2003، لتمنح مساراً كهذا، درجته القصوى في حقول التطبيق.

إن الوجه الإعلامي للتطور الأميركي شكل الآلية المتقدمة لظهور الإمبريالية المفتوحة. وكان بديهياً أن تؤدي الشبكة الإعلامية الهائلة مهمتها الكبرى باتجاه تفكيك أنظمة القيم في العالم. وإذا كانت مجتمعات الأطراف أو ما يصطلح عليها بالدول النامية آثرت خيار التلقي والامتثال عموماً للهيمنة الإعلامية والثقافية ـ الأميركية، فذلك ما لم يحصل على الإجمال في المجتمعات الغربية. فكان أن انفجرت في وجه الزحف الإعلامي الأميركي تيارات وازنة في المجتمع المدني الأوروبي، تطالب بضرورة الممانعة والمواجهة. حتى إن الحكومة الكندية استشعرت هذا الخطر وأعلنت على لسان السيدة شيلاكوبس النائبة السابقة لرئيس الوزراء ووزيرة المالية لعام 1997، وجوب مواجهة ما أسمته بـ«الإمبريالية الثقافية» وأكدت أنه إذا أصرّ الأميركيون على فرض هيمنتهم على المجتمع الثقافي العالمي باستخدام الأدوات المتاحة لهم، فإن عليهم أن يتوقعوا إجراءات مضادة[15].

المسألة بالنسبة للمؤسسة السياسية الأميركية لا تتعلق بالأخلاقيات المجردة، وإنما أساساً وقبل أي شيء بملاءمة النشاط الإعلامي والثقافات المنتجة في سياقه، مع الدرجة التي بلغها تطور شبكات المصالح والنفوذ في العالم، لذا فإن الآليات الإعلامية تقصد بشكل منهجي ومعمق إعادة تشكيل الوعي الجماعي العالمي، وتكييفه على نحو يناسب حاجات الإمبريالية المفتوحة، فثورة التكنولوجيا الإعلامية كما يؤكد الكاتب الفرنسي إيناسيو رامونيه تتطلع لإحلال الحاسوب محل العقل البشري، وتتسارع هذه العقلنة العامة لأدوات الإنتاج بفعل التوسع الكبير في الشبكة الجديدة للاتصالات، وبذلك ينشط الإنتاج وتختفي بعض المواد وتتفجر موجة البطالة والعمل الموقت[16](...) أما في الميدان الاقتصادي فالسائد هو ظاهرة العولمة أي الارتباط المتزايد والوثيق بين اقتصادات بلدان متعددة، وتهم هذه العولمة أساساً القطاع المالي الذي يهيمن من بعيد على الأجواء الاقتصادية وتعمل الأسواق المالية طبقاً لقواعد وضعتها لنفسها بنفسها، وباتت من الآن فصاعداً تفرض قوانينها الخاصة على الدول ذاتها، في حين على صعيد العلاقات الاجتماعية أحدثت ثورتا الإعلام والاقتصاد أزمة في مفهوم السلطة، فبعد أن كانت هذه حتى عهد قريب عمودية أبوية مهيمنة، باتت الآن تزداد أفقيةً وفق تركيب شبكي ـ بفضل تقنيات الاستقلال الإعلامي ـ وتوافقي. وفي ذلك تغيير جذري لهوية السلطة السياسية وممارساتها[17].

ثنائية الإرهاب والإعلام بعد 11 سبتمبر

لم تكن أطروحة الإرهاب مجرد حالة عارضة في الميديا الأميركية. والذي أنتجه زلزال مانهاتن في الحادي عشر من أيلول 2001 يكشف الآليات التي استخدمتها الإمبراطورية الإعلامية في إعادة تشكيل الوعي والتحكّم بالمزاج العام في الولايات المتحدة والعالم. فبعد هذه الصدمة التي أصابت عمق شعورهم الجمعي دخل الأميركيون عموماً، ومراكز القرار في البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس فيما يشبه «رُهاب اليوم الآتي». وصار الكلام المعلن على السلام النووي وأسلحة الدمار الشامل هاجس الساعات الأميركية المتصلة. هكذا لم تجد عالمة النفس الأميركية إميلي شتاين التي بحثت في تأثيرات الإرهاب في الأميركيين إلاَّ هذه الكلمات لتعكس السايكولوجيا الأميركية بعد انهيار برجي نيويورك، إذ تقول: «لم أشاهد في حياتي مثل هذا العدد الكبير من الناس البؤساء. الجميع يشكون من «غيمة سوداء» «تهددهم من أعلى»[18].

في إثر الموجة العارمة من سايكولوجية الخوف الممزوجة بالشعور بالتفوق لم تغفل إدارة المحافظين الجدد الأهمية الخاصة لما ينطوي عليه الفضاء الإعلامي من قوة استنقاذ للموقف. كان عليها أن (تدق النفير) للحرب. وعلى كل كلمة وصورة أن تغدوا مكوِّناً من مكوِّنات الحملة المضادة على الإرهاب. لذا سيحتل الإعلام موقع الممارس الأكثر شراسة للعنف الرمزي في المجتمع الأميركي بل على مساحة العالم كله. سوف تسعى الإمبراطورية الإعلامية تحت قيادة مواقع القرار الأساسية في الولايات المتحدة إلى التأسيس لحروب شاملة مفتوحة وإعطائها المسوغات «الأخلاقية» والثقافية والقانونية[19]. ولقد ذهب مفكِّرون وخبراء إلى توصيف آليات إنتاج العنف فأقَّروا أنَّ انهيار برجي المركز العالمي للتجارة أمر يفوق الخيال، غير أنَّهم بيَّنوا أنَّ هذا لا يكفي لكي نجعل منه حدثاً واقعياً. إنَّ قدراً زائداً من العنف لا يكفي للإطلالة على الواقع. ذلك أنَّ الواقع هو مبدأ، وهذا المبدأ أولاً هو فتنة الصورة، أما العواقب المبهجة أو الكارثية فهي متخيلة إلى حد بعيد، انطلاقاً من الصورة). ومثل هذا التحليل سيصل إلى حدوده القصوى مع الأطروحة التي قدمها المفكر وعالم الإجتماع الفرنسي جان بودريار لمَّا أشار إلى أن «الإرهاب ليس شيئاً يذكر من دون وسائل إعلام»[20]. فوسائل الإعلام برأيه، هي جزء لا يتجزّأ من الحدث، ومن الرعب، وقد تؤدي دورها في هذا الاتجاه أو ذاك. وبالتالي فإنَّ الفعل القمعي يسلك المسار غير المرتقب نفسه الذي يسلكه الفعل الإرهابي، ولا أحد يعلم عند أي حد سيتوقف، والانقلابات التي ستليه. مامن تمييز ممكن، على مستوى الصور والإعلام، بين المشهدي والرمزي، ما من تمييز ممكن بين «الجريمة» والقمع. وانطلاقة هذا الارتكاس الخارجة عن أي سيطرة هي الانتصار الفعلي للإرهاب. وهو انتصار ظاهر في تشعبات الحدث وتسرباته الخفية ـ ليس فقط في الركود المباشر، في الاقتصاد والسياسة والبورصة والمال، للسستام بمجمله، وفي الركود الأخلاقي والسيكولوجي الذي ينجم عنه، بل أيضاً في ركود نظام القيم، وإيديولوجية الحركة بأكملها، والتداول الحر… إلخ، التي طالما كانت مفخرة العالم الغربي، وهي المرتكزات القيمية ـ الأخلاقية التي تسلّح بها هذا العالم لممارسة هيمنته على الأرجاء المتبقية من العالم. ولقد تفاقم الأمر إلى حد بدأت معه فكرة الحرية، وهي فكرة حديثة العهد، بالاختفاء من العادات والضمائر، وبدأت العولمة الليبرالية بالتحقُّق في شكلٍ معاكس، وظهرت في صيغة عولمة بوليسية، ومراقبة كلية، وترهيب أمني. بل أكثر من هذا فقد كان كل مظهر من مظاهر العولمة الأمنية بعد المحنة الأميركية يشير إلى أنَّ النظام العالمي بات يشهد انكفاءً استراتيجياً، ويجري مراجعة أليمة لقيمه ـ كرد فعل دفاعي، على ما يبدو حيال صدمة الإرهاب، ولكنها تستجيب في العمق إلى إيعازاته المضمرة ـ تنظيم قسري ناجم عن الفوضى المطلقة، لكنه يفرضه على نفسه، مستبطناً، على نحوٍ ما هزيمته الخاصة[21].

والخلاصة التي ينتهي إليها مثل هذا الاتجاه التحليلي لمسار الميديا الأميركية بعد 11 سبتمبر هي مركّب «الرعب مقابل الرعب»، و»الإرهاب مقابل الإرهاب»، كما يقول بودريار. لكن الأخير الذي وصفه خصومه بـ «فيلسوف الإرهاب»، بسبب من خروجه على نظام الخطاب الإعلامي الأميركي سيمضي في تفكيك الظاهرة وهي في حمأة صعودها ليقرِّر أنَّه عندما يكون الموقف مُحتكراً، على هذا النحو، من قبل القوة العالمية(أميركا)، وعندما نكون حيال هذا التركيز المذهل لكل وظائف الآلية التكنوقراطية والفكر الأحادي، فأي سبيل آخر يمكن سلوكه غير التحويل الإرهابي للموقف؟ ثم يستطرد مجيباً على تساؤله بالقول: إنَّ النظام نفسه هو الذي ولَّد الشروط الموضوعية لهذا الرد العنيف المباغت. فباستئثاره بكل الأوراق، يُرغم الآخرعلى تغيير قواعد اللعبة. ذلك بأن القواعد الجديدة ضارية. فالإرهاب كالفيروس، ماثل في كل مكان، هناك حقن عالمي متواصل للإرهاب الذي هو كالظل الملازم لكل نظام سيطرة. مهيأ، أينما كان، لأن يصحو كعامل مزدوج، حيث لم يعد هناك خط فاصل كفيل بالإحاطة به، إنَّه في لب هذه الثقافة التي تحاربه، والشرخ المرئي (والحقد) الذي يجعل على المستوى العالمي، المستغلين والمتخلفين في مواجهة العالم الغربي يرفد، سراً، الشرخ الداخلي في «النظام» المسيطر[22]. فالإرهاب ـ بهذه المنزلة ـ حسب رؤية بودريار هو الذبذبة الصادمة لهذا الارتكاس الصامت. ذلك أن الأمر هنا لا يتعلق بصدام حضارات ولا بصدام أديان، كما يتعدى بكثير العلاقة المضطربة بين الإسلام وأميركا اللذين تجري المحاولات لحصر النزاع فيهما لتوليد وهم مجابهة مرئية. صحيح أن في الأمر تضاداً أساسياً، لكنه تضاد يُبيّن، أن العولمة المنتصرة تخوض صراعاً مع ذاتها. وفي هذا المعنى يمكننا الحديث عن حرب عالمية، ليست الثالثة، بل الرابعة وهي الوحيدة العالمية حقاً، لأن رهانها هو العولمة بالذات[23].

2 - «المكارثية» المستعادة عبر الشبكة

قد يكون من أبرز ما أظهرته وسائل الإعلام الأميركية- وهي تردِّد أصداء تفجيرات نيويورك- هو ما عكسته برامجها الثقافية والسياسية في خطابها الموجه الى الداخل الأميركي بالذات. فقد أصبح المجتمع الأميركي عرضة لحملة هائلة من الضغوط وقمع الحريات تحت حجة المحافظة على العقيدة الأميركية ودورها الرسالي في العالم أجمع. والذي حصل هو انقلاب المعادلة القائلة، ان أميركا كانت فيما سبق متوحشة في الخارج ودودة وديمقراطية في الداخل. حتى إن هناك من الباحثين الغربيين من عاد بالذاكرة الى مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين حيث قدمت  «المكارثية»[24] نموذجها الشبيه جداً بـ «توتاليتاريات» العالم الثالث. ذلك ظلَّ المسكوت عنه أقوى مما يشيعه الخبر الرسمي المحمول على صهوة الإمبراطورية الإعلامية الهائلة. وقد لاحظ الكاتب اليساري الأميركي جيمس بترارس أنَّ الفاشية حُلّت على المجتمع الأميركي بوجه ودود: من دون محاكمات نورنبورغ، أو مبادئ التفوق العنصري، ومن دون أحزاب ممنوعة رسمياً، أو إبطال للدستور، لكن بالحماسة القومية نفسها، والقوانين الدكتاتورية الاعتباطية، والغزوات العسكرية العنيفة. يضيف: بعد الحادي عشر من أيلول ظهرت أميركا من داخل فبدت كمياه راكدة سقطت عليها صخرة ضخمة. كل شيء راح ينكشف على الملأ، فلم تعد القيادة السياسية العليا تملك الزمن الذي يمكِّنها من استعادة «مقولة القلعة الآمنة» بالسرعة القياسية المطلوبة لدولة عظمى كأميركا[25].

الحاصل بعد سقوط برجي نيويورك كما يبيِّن بترارس أنَّ علامات دولة البوليس في الولايات المتحدة بدت واضحة في كل مكان. وأنَّ صفة الدولة الشمولية التي يتحول فيها المجتمع المدني إلى شبكة من المخبرين السريين، هي صفة أميركية بامتياز. ولعل أبرز المعلومات التي استعصت على شبكة الإعلام الأميركي الموجَّه، أنَّ مكتب التحقيقات الفدرالي (F.B.I) حضَّ كل مواطن أميركي (بعد 11 أيلول) على التبليغ عن أي سلوك مريب يقوم به أصدقاء وجيران أو أقرباء ومعارف غرباء. والحصيلة أنَّ ما بين أيلول وتشرين الثاني 2001 تمَّ تسجيل ما يقارب سبعمائة ألف اتهام لآلاف الشرق أوسطيين من الجيران وأصحاب المحلات التجارية المحلية والموظفين (كما) وُجِّهت إليهم التهم، مثلما حدث مع العديد من المواطنين الأميركيين الآخرين. لم تقد أي من هذه التهم إلى أي معتقل أو حتى إلى معلومات متعلقة بـ11 أيلول. وعلى مدى الشهور الآتية على الحادث قامت الشرطة الفيدرالية بالتحقيق مع مئات وآلاف من الأشخاص الأبرياء ومضايقتهم. عشرات الملايين من الأميركيين أصيبوا بهوس الخوف من «الإرهاب» في عملهم اليومي، وفي أثناء التسوق وخلال فترات الراحة. لقد أحجم الناس عن نقد الحرب أو الحكومة، حتى لو كان بألطف العبارات، خوفاً من أن يوصموا بمؤيدي الإرهاب، أو أن تكتب التقارير بحقهم، أو أن يتعرضوا للتحقيق، أو أن يفقدوا عملهم. ولكي يعيد فرقاء البيت الأبيض والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية والـ إف بي آي (الوجه الودود) للتوتاليتارية الداخلية جرى إلقاء المسؤولية والتركيز على العرب خاصة المسلمين منهم بوجه عام. وبحسب جيمس بيترارس إنَّ الفاشية «الودودة» التي وصفت بها الولايات المتحدة الأميركية بالداخل مارست لعبة مزدوجة حيال هؤلاء «الغرباء»: هي تعتقلهم وتحقِّق معهم وتتهمهم وتستهدفهم ـ بينما ينادي خطابها الشعبي بفضائل التسامح والتعددية الدينية. ليست مبادئ التمييز العنصري واضحة للعيان، لكن التصوير العنصري لـ«الشرق أوسطيين» هو نهج عملي ثابت ومقبول تقوم به الشرطة الفيدرالية، والحكومية، والمحلية. إنَّ الكثافة العالية للجماعات العربية، كما هي الحال في ديربورن، ميتشيغان، يظهر كأنهم يعيشون في غيتو، بانتظار مذبحة تدبر لهم وتحل بهم. ويرى رئيس مكتب التحقيق الفيدرالي أنَّ جميع الجمعيات العربية الخيرية والأهلية وغيرها تدعم الإرهاب، وهي موضوع تحقيق وأعضاؤها أهداف للاعتقال. لقد خلقت الحملات العنيفة لدهم ممتلكات الجماعات الأهلية عقلية حصار، وأثارت حملة رجال الشرطة أشد الغرائز عنصرية وحرَّضت اندفاع الإهانات والعداوات الأهلية[26].

ولبيان آلية توظيف هذا الاعتقاد الديني في حقل الممارسة السياسية نشير إلى أن ثمة لاهوتيات وطوائف عديدة ومتشعبة تؤمن بهذه الفلسفة الانقضائية التدميرية. لكن الأكثر نفوذاً على الصعيد السياسي ـ كما يبيِّن بترارس ـ هم أولئك المعتنقون لأفكار اللّاهوتي الأنجلو ـ إيرلندي جون نيلسون داربي الذي نشر في منتصف القرن التاسع عشر فكرة التفسيرات الحرفية للكتاب المقدس. وهي التفسيرات التي قدّمت ترتيباً زمنياً مفصلاً لنهاية العالم الوشيكة. لقد قسَّم داربي التاريخ إلى مرجعيات تحدّدها كيفيات التدخّل الإلهي. وأعطى سفر الرؤيا في العهد الجديد أهمية لم يعرفها من ذي قبل. كما بشّر بقرب تحقيق النبوءات لجهة عودة اليهود إلى فلسطين والمجيء الثاني للمسيح الذي يليها[27].

لم ينأ فريق المحافظين الجدد عن تسويق هذا الاعتقاد حين أمسك بناصية الإعلام والسلطة قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعده. فثمة كثيرون منهم يؤمنون بذلك ويزعمون أنهم باعتماد استراتيجية التدمير المفتوح، للنظام العالمي، وهو ما عرف بنظرية «الفوضى الخلاَّقة»، إنما يمهّدون السبيل للقيامة الكبرى للمخلّص. ومنهم من ذهب إلى مخالفة داربي ـ كفرقة «الإعاديين» ـ واتهامه بتحريف النصوص الكتابية وتشويهها.

وهؤلاء لا يبنون إيمانهم بعودة المسيح على أساس النبوءات الكتابية، وإنما على الفعالية السياسية. ففي رأيهم أن المجيء الثاني للمسيح لن يحدث، قبل أن يهيئ العالمُ مكاناً له. ويرى «الإعاديون» الذين يتمثل الحكام الحاليون للولايات المتحدة، الكثير من آرائهم الميتافيزيقية، أن الخطوة الأولى لتهيئة العودة (عودة المسيح) هي «مَسْحَنة» أميركا، وبالتالي «مَسْحَنة» العالم كله. وبالتالي فإن النية الرئيسة للسياسات المسيحية ـ بحسب اعتقاد هؤلاء ـ هي ضمان الغلبة على الأرض لملكوت المسيح. ويتفق الأميركيون المناهضون والمعادون لمثل هذه المبادئ على أن الحركة المعروفة باسم اليمين المسيحي أو «المتديّن»، تمثل أكبر خطر منفرد على قضية الفصل بين الدين والدولة. ذلك لأن منظمات هذه الحملة اللّاهوتية، الايديولوجية الشرسة تسعى جاهدة إلى فرض الآراء المسيحية الأصولية عبر إجراءات حكومية على جميع الأميركيين، وتالياً على قطاعات كبيرة في العالم. فتحقيق السيادة المسيحية يتطلب إلغاء الفصل الدستوري بين الدين والدولة.. والاستعاضة عن النظام الديمقراطي بحكومة ربّانية (ثيوقراطية) تحكم بالقانون التوراتي. كما يوجِبُ إنهاء جميع البرامج الاجتماعية الحكومية، لكي تتولى الكنائس هذه الرعاية. يقول غرانت استطراداً «إن فتح العالم هو ما كلّفنا المسيح بإنجازه. علينا اكتساب العالم بقوة الإنجيل، وعلينا ألاّ نقبل بأي شيء أقل من ذلك. إذ فقط عندما يتم الفتح الشامل يمكن للمسيح أن يعود»[28].

3 -   رهاب الإعلام الألكتروني

يعد الإنترنت وسيلة اتصال لا غنى عنها في الولايات المتحدة، حيث كل أميركي من اصل اثنين موصول على الشبكة، وحيث 50% من المستخدمين يملكون وصلات ذات كفاءة عالية. غير أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ولجوء الإرهابيين المفترض للإنترنت من أجل الاتصال فيما بينهم وتحضير عملياتهم، أدى الى تغيير ملحوظ في تعاطي الحكومة الأميركية مع الشبكة. وعليه فبعد بضع ساعات فقط من الاعتداءات عمد مكتب التحقيقيات الفدرالي FBI الى استخدام مقرات مزودي خدمات الإنترنت الرئيسيين Hotmail، AOL، Earthlink، في البلاد على سبيل التحقق من تبادل محتمل للمعلومات بين الإرهابيين عبر البريد الإلكتروني. لقد أكدت الصحيفة عبر الانترنت Wired في تحقيق أجرته، أن عملاء الشرطة الفدرالية حاولوا أيضا تركيب نظام المراقبة الإلكتروني Carnivore الذي سمي من جديد DCS1000 على أجهزة توزيع الخدمات الرئيسة الخاصة بمزودي الخدمة عبر الانترنت المتمركزة في الولايات المتحدة. ووفقاً لصحفيين من صحيفة Wired فإن «عملاء من الشرطة الفدرالية قد تقدموا لتركيب أجهزتهم، ووعدوا بتحمل كافة تكاليف التركيب والتشغيل». ويبدو أن الشرطة الفردالية قد طالبت مسؤولي شركات الإنترنت العملاقة هذه، بالحصول على جميع المعلومات المتأتية من حسابات على الإنترنت يتضمن عنوانها كلمة «الله»، كما يبدو أن جميع مزودي الخدمة قد حذوا حذو Hotmail وتعاونوا بشكل كامل مع أجهزة الأمن الأميركية[29]؟

إذا كانت السلطات تحاول ضبط تداول المعلومات عبر شبكة الإنترنت ومراقبة ما يُقال ويُتداول، فهي في الحقيقة تسعى لاستغلال الانترنت في سبيل تأمين الدعاية للولايات المتحدة فيمحاربتها للإرهاب. في هذا المجال أعلنت صحيفة New York Times أن مكتب التأثير الاستراتيجي OSI Office of Strategic Inflience، كان يقترح اللجوء إلى نشر معلومات زائفة لدى وسائل الإعلام الأجنبية لا سيما بنشرها على مواقع إنترنت مزيفة يديرها في الواقع هذا المكتب نفسه، أو عن طريق رسائل الكترونية موجهة الى صحفيين أو مكاتب تحرير. ولقد أكد الناطق باسم البيت الأبيض آري فليشر، وذلك على أثر الاستنكار الكبير الذي أثاره هذا الخبر، أن الرئيس بوش كان يجهل كل شيء حول مشروع مكتب التأثير الاستراتيجي OSI، وقد أمر بإغلاقه بحجة ـ حسب دونالد رامسفيلد ـ أن «البنتاغون لا يكذب على الشعب الأميركي ولا على الجمهور الأجنبي»[30].

وفي بداية شباط(فبراير) 2002 أعلن رسمياً الصحافة عن افتتاح مكتب جديد داخل البنتاغون سُمي «مكتب مراقبة المعلومات». وهذا المكتب مكلف بتطوير تقنيات جديدة تمكن من اكتشاف تصرفات قد يقوم بها إرهابيون محتملون، كعمليات الشراء عبر الانترنت بواسطة البطاقة الزرقاء أو إجراء جوازات للسفر، وتتم العملية عن طريق فرز المعلومات المتعلقة بتصفح الإنترنت، وتقوم وزارة الدفاع بتمويل هذا البرنامج بمبلغ 200 مليون دولار سنوياً. ثم إن هذه الأنظمة المطورة، حسب جون بويندكستر  مدير هذا المكتب، ستمكن المحللين من انتقاء المعلومات المتعلقة بالسفر الى مناطق تُصنف أنها خطر، ومن التعرف إلى الرسائل الألكترونية والتحويلات المالية المشبوهة. وتُلتقط المعلومات بواسطة أجهزة تسمح لوكالات الاستخبارات، بعد موافقة الحكومات والشركات، باستخلاص المعلومات بشكل مستمر، وقد سمى معارضو هذا البرنامج «البرنامج على طريقة أورويل». تتفق عدة منظمات للدفاع عن الحقوق الشخصية أن المعلومات ذات العلاقة بأشخاص لا علاقة لهم بالإرهاب والتي ليس للدولة أن تعلم بها، سيتم استخراجها حكماً. ووفقا لمارك روتنبرغ مدير مكتب EPIC، فإن السلطات ستجد بحوزتها معلومات لم يكن يصل إليها حتى هذا الحين سوى السلطات القانونية في إطار البحث في الجرائم، وهو يدين واقع ألا يكون ثمة هيئة مكلفة بضبط المعلومات التي يتم جمعها بهذا الشكل[31].

مع سيطرة المحافظين الجدد على البيت الأبيض، ولا سيما منهم أصحاب النزعة الدينية، ستمتلئ الفضائيات ووسائل التواصل الإلكتروني بخطاب لاهوتي يمجِّد الذات الأميركية ويشهر العداء للإسلام والمسلمين

وفي إثر «زلزال 11 سبمبر، سينبري عدد من العاملين في الميدان الاستراتيجي، إلى توصيف السلوك الإعلامي الذي مارسته الولايات المتحدة تجاه العالم بأنه تطبيق للحرب العالمية الرابعة بامتياز. فإذا كانت الحربان العالميتان ـ الأولى  1914 والثانية 1945 والثالثة هي ما عرف بـ «الحرب الباردة» (1945 - 1990). فإن الحرب العالمية الرابعة هي تلك التي لا تنفك تجتاح عالم اليوم، عبر الميديا الفضائية وثورة الاتصالات بتقنياتها المختلفة. وقد خلع السياسيون والاستراتيجيون الأميركيون على هذه الحرب التي سوّقتها محطات إعلامية كبرى أوصافاً عدة مثل: «الحرب الشاملة على الإرهاب»، و«الحرب الاستباقية»، و«الحرب اللامتكافئة »، و«الحرب ضد الفوضى»، و«الحرب الدائمة» وأخيراً «حرب الجيل الرابع»[32].

غير أن هذه الأوصاف والتسميات تندرج على الجملة، في وعاء استراتيجي واحد، حيث راحت تظهر معالمه بقوة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وأياً تكن التأويلات التي أخذ بها الخبراء منذ ذلك الوقت، فإن الوظيفة المرصودة للحرب العالمية الرابعة تقوم- بحسب الاستراتيجي البلجيكي ف.ب. هويغيه (F.B. Hoyghe)- على ثلاث مزايا[33].

- المزية الأولى: استراتيجية ومادية، وهي تعني حرمان الخصم من قواه، من قَبل أن يتمكن من الوصول إلى الولايات المتحدة وذلك عبر تدمير قواعده الخلفية.

- المزية الثانية: رمزية ورادعة: وتعني، توجيه رسالة قوية للإرهابيين وللديكتاتوريين، وإفهامهم أن الولايات المتحدة سترد على أي ضربة. وبالتالي إحباط مشاريعهم ومنع انتشارها عبر الخوف من القوة العظمى.

- المزية الثالثة: إيديولوجية وسياسية: وتعني نشر الديمقراطية في العالم. ذلك أن ترويع أعداء أميركا ليس سوى مقدمة لنشر الحكم الصالح في الكرة الأرضية كلها، وتعميم السوق وحقوق الإنسان. فالمشروع الحربي الأميركي يهدف، وفق التعبير المعتمد، إلى جعل العالم مكاناً أكثر أماناً للديمقراطية. وهذا يعني بشكل خاص جعل هذا العالم آمناً للولايات المتحدة. 

إن هذه المزايا التي شكلت «الهندسة اللاهوتية» للجيل الأخير من حكام الولايات المتحدة، كانت جاهزة لتبرِّر حروبهم على عوالم، كان من المستحيل تكييفها أو مطابقتها، لقواعد العمل الأميركي في العالم إلاّ بالقوة. لكن المحافظين الجدد لم يكتفوا بعد الحادي عشر من أيلول 2001 بإشهار الحرص على أهمية مثل هذه الاستراتيجية، بل إنهم قطعوا شوطاً إضافياً في الطريق الذي يمنح «جنونهم الحربي»، بُعْدَه الرسولي. وثمة اعتقاد راسخ لدى هؤلاء يقوم على الادعاء بأن هناك استثنائية أميركية قوامها، أن ما لا يحقّ لسواها في القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، إنما هومباحٌ لها. لذا لا ينفكون يعلنون أنهم يريدون الإمبراطورية. ولكن- كما يزعمون- هي أمبراطورية خيِّرة لا تسعى إلى اغتصاب أية أرض، ولا إلى ظلم أحد. إنهم يكررون أيضاً، أن على الولايات المتحدة، الدفاع عن مصالحها، (ولكن هذه المصالح تتوافق ـ وأيضاً، حسب زعمهم ـ مع تحرير البشرية، وبالتالي مع منطق التاريخ...[34].

4 - بروباغندا إعلامية: النصر أو الإبادة

عندما كتب ريتشارد بيرل[35]، الذي لقّبه، المعجبون بأفكاره، بـ « أمير الظلام »، «ليس من حل وسط لأميركا، إما النصر وإما الإبادة»، لم يكن كلامه هذا، من قبيل الغلواء الساذجة. كان يعني في العمق الطريقة التي ينبغي على الولايات المتحدة ألاّ تحيد عنها، وهي تؤسس للقرن الحادي والعشرين.

كان بيرل يرمي، إلى ما سبق للفيلسوفة الألمانية حنّة أرندت (Hannah Arendt)، أن رمت إليه، وهي تلاحظ مسارات حرب فيتنام: «يجب أن نعمل ليس على غزو العالم، بل على التفوق في معركة تستهدف عقول الناس»... وكانت تقول «إن هذا الشيء هو أمر جديد في هذا الكمّ الهائل من الجنون البشري الذي سجله التاريخ...»[36].

المعلقون على كلمات ريتشارد بيرل الأثيرة، ذهبوا في الاستدلال إلى «بؤرة المعنى»، فوجدوا أن المحافظين الجدد، باقتناعهم، أن على الولايات المتحدة، إزالة محور الشر أو الزوال، وبتغذيتهم خطاب السيطرة المطلقة باسم وضعية الضحية، إنما يضعون أنفسهم عن قصد في السياق الصوفي، بينما هم يُتهمون غالباً باللاأخلاقية.

مثل هذه الإشارة، تنطوي على أهمية خاصة، لجهة تشكّل العمارة الإيديولوجية المركبة للاّهوت السياسي الأميركي، وللاهوت المحافظين الجدد بصفة مخصوصة. فالغلو الإعلامي الذي يطفو على سطح الزمن الأميركي الجديد، ويكسو لغة «حكماء البيت الأبيض»، يترجم تلك العمارة الإيديولوجية في ذروة مراتبها.

قد يكون من السخف إرجاع خطاب الحرب الشاملة ضد «الإرهاب» و«الدول المارقة»، إلى «سذاجة» مزعومة، أو إلى «وحشية» أميركية. فالحقيقة أن فعل مثل هذه السياسة لا يعاني قلّة التمحّص بقدر ما يعاني الغلو الإيديولوجي. فالإيديولوجيا، على ما هو معروف، هي في بعض المجالات قناع للمصالح. وهي التي تحدد أيضاً، ما يعتبره كل واحد، أنها مصالحه. ثم إنها تقود أحياناً إلى توسّع في الوسائل بالنسبة إلى الغائيّات، وبالتالي إلى مقاومة مثلث الإرهاب والاستبداد والتكنولوجيا المنتشرة لأسلحة الدمار الشامل. وبهذا المعنى فإن في الايديولوجيا التي تمثّل أهواء الجماعة البشرية، جانباً احتفالياً تدّعي إقامة حقيقة أكثر واقعية من الحقيقة، وذلك بقوة الخطاب وحده. وهذي هي بالضبط، حقيقة المحافظين الجدد[37].

لعل من أبرز مفارقات الانتشار الإعلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر، أن المخططات والبرامج الاستراتيجية التي تحكم النزاعات الدولية، باتت سلعة إعلامية عبر الأثير. وهذا لا يعود بالطبع إلى شعور مراكز القرار بلا جدوى أهمية الاحتفاظ بالأسرار. بل على العكس فإن كثيراً مما كان يعدّ سراً استراتيجياً أصبح مادة للتسويق بما يؤديه من خدمات للمصالح العليا. وهذا ما حصل بالفعل عندما تحولت شاشات التلفزة العالمية إلى نوادٍ للمناظرات حول قضايا في غاية الحساسية والخطورة. فقد أعلن المحافظون الجدد المتحلقون حول الرئيس بوش عناصر التفكير الاستراتيجي، لجيل الحرب العالمية الرابعة (G.W.O.T) بمجموعة من المبادئ، جاءت على الوجه الآتي:

أولاً: العدو فريد ومطلق وإنه يتألف من هؤلاء: الإرهابيون، السلفيون، الشيعة، الاستبداديون، البعثيون، الأنظمة الإسلامية، الديكتاتوريات ما بعد الشيوعية، وهي كلها متساوية- بنظر المحافظين الجدد- لأنها تؤلّف الخطر نفسه.

ثانياً: لا فرق بين النية العدائية والقدرة العدائية. بين التنفيذ والنيّة، بين الجريمة والسلاح. فالحرب دائمة. من هنا، ضرورة الوقوف على كل الصعد ضد أي خطر متوقع، سواء جاء من عدو معلن، أو من منافس محتمل.

ثالثاً: الكرة الأرضية هي ساحة المعركة. لم يعد هناك منطقة محميّة (أرض الولايات المتحدة لم تعد مقدّسة). فالخطر، خصوصاً الإرهابي، قد يأتي من كل مكان من دون أن تُكبح عوامله باعتبارات السيادة أو توازن القوى. على العكس، يجب القيام- بحسب هؤلاء- بالهجوم على أرض الخطر في العالم العربي والإسلامي، وزعزعة الأنظمة السيئة.

رابعاً: السلاح، يجب احتكاره. وإذن يجب القيام بالحرب للقضاء على الأسلحة. من هنا، أهمية مسألة أسلحة الدمار الشامل.

خامساً: الخطر يناقض متطلبات الأمن المطلق. من هنا، الضرورة المزدوجة، للمراقبة الشاملة والقدرة على الرد ضد كل المخاطر. وهذا يقود إلى قيام العلم بكل شيء، كما يقوم على الشعور بامتلاك قوة كلية القدرة والجبروت..

ببساطة شديدة، تبدو عقيدة «الجيل الرابع»، عقدية مركبة. فهي تخلط- كما رأينا- بين العناصر (المبادئ) الخمسة (العدو، نية العدو، الأرض، السلاح، والخطر)، ضمن مفهوم واحد. وبصورة أوضح، فإن هذا المفهوم، مفهوم يرمي إلى إزالة كل الأخطار المحتملة دائماً وفي كل مكان. وبما أن توازن القوى لا يزال بصورة واسعة لمصلحة أميركا، والعدو لا يمكن ردعه بالخوف من العقاب، كما كانت حال الاتحاد السوفياتي، فإن المعركة ليس لها في الواقع سوى هدفين: الزمن والصورة.

-الزمن: لأنه يجب العمل بسرعة قبل فوات الأوان.

-والصورة: فلأن المحافظين الجدد مقتنعون بأن 11 أيلول/سبتمبر، هو ثمن الخطأ الماضي في عدم القدرة على ترويع العدو[38].

5 - لاهوت الإعلام كسلاح مطلق

أكثر ما يحمل اللّاهوت الإعلامي الأميركي على الغبطة، حين يجد من مأثورات الحداثة، ما يسوّغ له أفعاله، ويضفي عليها صفة المشروعية. ومع صعود المحافظين الجدد سيأتي من يستعير من موروث الحرب العالمية الثانية، ما يؤدي قسطاً من هذه المهمة. ولقد كان على وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش دونالد رامسفيلد وهو ينشئ ذرائعيته لحرب العراق، أن يتذكر هذه الكلمة الشهيرة لونستون تشرشل قالها الأخير في العام 1944: «إن الحقائق الاستراتيجية تحتاج في كثير من الأحيان، لأن تكون محميّة من جانب «حرس من الأكاذيب». وهذه المأثورة، التي ستتحول في الثقافة السياسية للمحافظين الجدد، إلى ما يشبه الأطروحة، ليست بعيدة من فلسفة التبرير الذي هو سمة راسخة في التاريخ الأميركي. وهو ما سيُظهر لنا، بما لا يقبل الغموض، الطريق الذي تمتزج فيه الأكاذيب السياسية بالحقائق الاستراتيجية[39].

كثيرون ممن يأخذون بهذه الاستعارة الذرائعية، هلّلوا لرامسفيلد في كشفه الجديد، لكن بالنسبة إلى ناقديه، سواء في واشنطن أو في بقية عواصم الغرب، فإن هذه الأطروحة تعيد استثارة تاريخ الفلسفة الحديثة أكثر مما تستثير تاريخ الحرب العالمية الثانية[40].

مع ذلك، فإن الأخذ بها من جانب فريق البيت الأبيض، يجري على سبيل دفع الحجة، بعدما بلغ سيل الانتقادات والتّهم حداً غير قابل للتراجع. ففي خلال الأعوام التي تلت سقوط بغداد شاعت عبارة «حرس من الأكاذيب»، للتدليل على دور الأجهزة الاستخباراتية والإعلامية، في إقناع الرأي العام، بدوافع الحرب، وتسويغ نتائجها على الرغم من موجات الاستنـزاف والخسائر التي يتعرض لها جيش الاحتلال، سياسياً وعسكرياً ومعنوياً.

لقد امتلأت الفضاءات الإعلامية بما لا حصر له من الوثائق، والصور، والمعلومات حول وجود أسلحة الدمار الشامل، وحول علاقة نظام صدام حسين المنهار بتنظيم القاعدة، وبأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، لكن سيأتي بعد أسابيع قليلة من داخل مراكز القرار في الولايات المتحدة، من ينظر إلى كل ذلك على أنه محض «أكاذيب». وسيمضي عدد من الباحثين الأوروبيين إلى القول: «إن أهداف الحرب التي أعلنت عنها واشنطن لا يظهر فيها أي تماسك منطقي. أما أفضل الحجج الفكرية الدافعة للحرب فهي كانت على العموم التكتم والنكران...»[41].

سعت إدارة المحافظين الجدد مستغلة تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك، إلى توسيع دوائر التضليل تحت شعار «الاتحاد من أجل السلام». ومؤدّى هذا  الشعار الذي يطوي في ثناياه آليات مبتكرة من الديماغوجية السياسية المحكمة، هو إعادة إنتاج قناعات لدى الجمهور الأميركي، تسوّغ الانتقادات الجادة من قبيل «بوش يكذب»، أو «هناك أميركيون يموتون». صحيح أن هذه القضية بمجملها أثارت مسألة أخرى متصلة بسابقتها، إلا أنها قد تكون أكثر إقلاقاً أيضاً، وهي الجذور الفلسفية للإيديولوجيا التي تقف على رأس «الثورة المضادة البوشية»[42]. يجمع مؤرخو الممارسة الساسية الأميركية، على وجود شغف لافت لدى قادة الولايات المتحدة، قوامه، صناعة الأكاذيب، وتشكيل حرس من المفكرين والإعلاميين، ومراكز الأبحاث لتسويغها وتسويقها.

هكذا، لقد غدت الولايات المتحدة في قلب عولمة متطلبات التبرير- كما يلاحظ آريال كولونوموس- فالدولة الأميركية هي وريثة تاريخ طويل في المجال «الأخلاقي». وطبقاً لتاريخها «الطهراني» الذي أضَفَتْهُ عليها البروتستانتينية الزهدية، حرصت على الاضطلاع بدور «منارة الإنسانية» على حد التعبير الذي استخدمه جون فوستر دالاس في الستينيات. وفي مرحلة متأخرة ستلعب عناصر جديدة في المجتمع المدني دوراً رئيساً في صعود قوي لتلك النظرة المثالية المتجددة[43].

الوجه الأبرز في المثال الإعلامي الأميركي سيجري الإفصاح عنه إثر 11 سبتمبر حين تخوض مؤسسة الحرب الأميركية حروبها ونزاعاتها الدولية والإقليمية بلغة دينية. يقول «ويليام رو» وهو أحد الذين عملوا في الخارجية الأميركية إنه بعد الهجمات التي تعرضت لها بلاده في 11 سبتمبر أصبحت أنباء الحرب ضد الإرهاب تهيمن على وسائل الإعلام الأميركية على حساب القضايا المحلية والأجنبية الأخرى. وكرست الصحف الأميركية العديد من صفحاتها لنشر المعلومات المتوافرة، عن حياة وخلفية المشتبه بهم من الخاطفين الذين نفذوا الهجمات. وبدأ الكتّاب الأميركيون يركّزون في مقالاتهم وموضوعاتهم وكتبهم على الإسلام السلفي في المملكة العربية السعودية أكثر من أي يوم مضى. وهذا يعود الى أنها الدولة التي جاء منها معظم المشتبه بهم في الهجمات. وبثت وسائل الإعلام الأميركية آراء لكتاب وخبراء أميركيين يوجّهون فيها اللوم للسعودية والدول الشرق أوسطية الأخرى. لأنها ـ على حد زعمهم ـ وفرت البيئة الملائمة لولادة نشاط الإرهابيين. ويعزون ذلك إلى المناهج التعليمية الدينية في تلك البلدان وغياب الديمقراطية وحرية التعبير[44]. إن ما يريده الكاتب الأميركي من ذلك هو التأكيد على انخراط الإعلام على الجملة في الحملة الحربية التي تقودها بلاده بقطع النظر عن صدق مسوّغاتها. وإلى هذا يشكل هذا النموذج الأميركي للإعلام صورة درامية عن تدهور الحالة العالمية وبؤسها. وعن التناقض الصارخ بين نظامين من أنظمة القيم. بين نظام التوازن الذي ساد الحرب الباردة وبين التجريبية العالمية المحكومة بما يسمى نظام الفوضى[45].

السؤال الذي يثيره الخبراء في سياق تحليلهم تعامل وسائل الإعلام الغربية والأميركية مع مقولة الإرهاب يبدو على الشكل الآتي:

هل يأتي يوم قد لا يجد الغرب فيه ذريعة لمعاركه الإعلامية والثقافية مع العرب والمسلمين سوى شعاره المستحدث «الحرب على الإرهاب»؟

6 - ديانة الغرب الجديدة

في الإجابات المقدمة حول هذا السؤال تبين أن الفكر السلطوي في الغرب، استنفذ أكثر مخزونه المعرفي في سياق اجراءات الهيمنة التي شغلته على امتداد الأحقاب الكولونيالية المنصرمة. وبعد تفجيرات 11 سبتمبر أصبحت الولايات المتحدة على وجه التحديد أسيرة مفارقة مقلقة: «إنها مطلقة الهيمنة ومطلقة العزلة في الوقت عينه» كما يقرر وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر[46].

لقد لاحظ عدد من الباحثين في فلسفة «الميديا» المعاصرة أن لا شيء أكثر مدعاة لغواية التدخل المتجدد في المجتمعات العربية والاسلامية من ذريعة الحملة على الإرهاب والقضاء عليه. ولقد أفلحت الصناعة الإعلامية الغربية في إنجاز مساحة وازنة من عمليات توظيف ثقافة العنف على مدى عقود متواصلة. والمفارقة التي تظهر عند هؤلاء هي أن الإرهاب لم يعد مجرد مفردة وافدة من خارج، بل هي ستغدو مقولة تُسوَّق ويعاد إنتاجها بشغف نادر من جانب النخب المحلية. ولو كان لنا أن نمضي في استبيان القضية المطروحة لقلنا إن المشكلة لا تمكث في المبدأ الأخلاقي للموقف الذي يدين العنف الأعمى، فهذا من بديهيات الفطرة الإنسانية أنَّى كانت انتماءاتها وهوياتها القومية والدينية والحضارية، وإنما في سياق الغزو الثقافي الشامل الذي يلعب فيه الإعلام دوراً حاسماً. المشكلة إذاً، تكمن في السياق الذي تندرج فيه مقولة الإرهاب بوصفها مقولة صنعها العقل الغربي ومهَّد لها أرض المشرق العربي ومغربه. ثم مضى بها إلى الحد الذي وجدت من يحملها عن ظهر قلب من المثقفين والخطباء والمفكرين. فلو نظرنا قليلاً الى (شريط الإخبار) من أوله، لَحَقَّ القولُ «إن الحرب المفتوحة على الإرهاب، هي حرب الغرب على منتج صنعه الغرب نفسه بإتقان، ليجد له سبيلاً إلى استباحة المنطقة وتحويلها إلى ما هو ادنى الى مستوطنات تنوء بالحذر والقلق والعنف الأعمى»[47].

في السياق نفسه كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك مقالاً في صحيفة «الإنديبندنت»، يشير فيه إلى ما  أسماه «دين الغرب الجديد» وفيه يتساءل: «لماذا لا يتوقف الغرب عن نشر القنابل وقذائف اليورانيوم المخصب على شعوب الشرق الأوسط، ولماذا لا يتوقف عن إرسال جيوشه لاحتلال أراضي المسلمين، وعن رشوة القادة العرب لسحق شعوبهم. ثم يضيف: إن العدالة لا تُصنع من المياه المالحة حيث لا يزال قادة الغرب يرغبون في أن يحكموا العالم وهم يخاطرون بأوضاعهم وسمعتهم ومستقبلهم السياسي وحياتهم. وكل ذلك بذريعة تسييل هذا المفهوم الغريب الذي يسمونه الحرب على الإرهاب، وهو في الحقيقة دينهم الجديد»[48]...

هذه الخلاصة من مقالة روبرت فيسك، تظهر ـ إلى هذا الحد أو ذاك ـ مبلغ نقد الغرب نفسَه حيال مقولة راحت تستحل البيئات الثقافية العربية وتترسخ في أعماقها. أما دلالة الأمر، فهي تتعدى البيان الإعلامي ذلك بأن سمي بـ «دين الغرب الجديد» المثقل بذرائعيته، هو ثقافة مستحدثة آخذة في التحول إلى نظرية معرفة لدى نخب واسعة جداً في عالمنا العربي والإسلامي، ثم لتتحول إلى فِتَنٍ شريدة في طول الارض العربية وعرضها.

[1]- نص مقتطف من كلمة ألقاها بول مويرز بعد تسلم الجائزة السنوية الرابعة لمواطن البيئة العالمي – كلية هارفرد للطب- في 1/12/2004 – نقلا عن موقع: www.commonondreams.com

[2]- إد فوليامي- بوش والحرب الإلهية- في إطار كتاب تحت عنوان: «ذهنية الإرهاب» أعده وترجمه بسام حجار – المركز الثقافي العربي – الطبعة الأولى 2003 – ص 150.

[3]- المصدر نفسه – ص 153.

[4]- المصدر نفسه – ص 155.

[5]- سيأتي معنا لاحقاً الإشارة إلى مدى السيطرة اليهودية على وسائل الإعلام الأميركية والكيفية التي أدار فيها المحافظون الجدد تبرير إيديولوجيتهم المتشددة وحروبهم على بلدان العالم الإسلامي.

[6]- Anatol lieven، les composantes du nationalism American، «le Debat»- paris، France، Janvier- Fevrier 2005.

[7]- Anatol Lieven، Ipid.

[8]- Anatol Lieven، Ipid.

[9]- ميشال بوغنون ـ موردان: أميركا التوتاليتارية ـ الولايات المتحدة والعالم إلى أين؟، قدَّم له: بيار سالينجر، تعريب خليل أحمد خليل، دار الساقي، لندن، بيروت 2002، ص245ـ246.

[10]- المصدر نفسه ـ ص 247.

[11]- بوغنون ـ أميركا التوتاليتارية، ص189.

[12]- جيمس كورث، ما تزال أميركا أمة؟، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت 1995، ص 20.

[13]- Joseph S. Nye، Jr. and William A. Owens.”American Information Edge”. Foreign Affairs، Issue 106، Spring 1996.

[14]- انظر تعليقات الصحافة الأميركية في هذا الصدد، وهي تغطي ردود الفعل الداخلية على حرب أفغانستان في سياق التحول الأميركي العام بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). وظهور مصطلحات جديدة كـ«الدول المارقة» و«محور الشر» و»الحرب على الإرهاب».

[15]- هربرت شيلر، الرعب الإعلامي من شؤون الرئاسة في واشنطون. لوموند ديبلوماتيك، الطبعة العربية – الشهرية- آب (أغسطس)1997.

[16]- إيناسيو رامونيه: ألغاز المطياف هذا الكائن الخرافي المهبطي، من كتاب: «نظام التضليل العالمي»- ترجمة غازي أبو عقل، دار المستقبل، دمشق ص 63».

[17]- كريغ تيرنر «موظف كندي يلمّح بإمكانية محاربة هوليود تجارياً» لوس أنجلس تايمز، 11 شباط (فبراير) 1997.

[18]- ورد هذا الاقتباس لعالمة النفس إميلي شتاين في سياق مقابلة أجرتها شبكة «غوريللا» الالكترونية مع الباحثة الأميركية نانسي سنو ونقلتها محطة «CNN» الفضائية بتاريخ 20/11/2001. أنظر أيضاً مقطع من المقابلة «نشرتها جريدة «المحرر العربي» العدد 373 تاريخ 5/12/2001.

[19]- محمود حيدر، غيمة سوداء فوق أميركا، النقّاد العدد (123) 4/11/2002.

[20]- جان بودريار، «»فرضيات حول الإرهاب»، من دراسة له في إطار كتاب «ذهنية الإرهاب» ترجمة وإعداد بسام حجار ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ  الرباط – الطبعة الأولى 2003- ترجمة وإعداد بسام حجار- ص 105.

[21]- بودريار- المصدر نفسه- ص 107.

[22]- المصدر نفسه – ص 115.

[23]- المصدر نفسه- ص 112.

[24]- نسبة الى الوزير جون مكارثي الذي تولى قمع حركات المعارضة والحركة النقابية الاميركية في الخمسينيات من القرن العشرين وأدت أعماله الى تحويل المجتمع السياسي الأميركي الى مجتمع استبدادي يشبه إلى حد بعيد الدول الاستبدادية في العالم الثالث.

[25]- جيمس بترارس، حراك دولة البوليس في كل مكان، ترجمة ناصر ونوس – راجع جريدة النهار 12/6/2002.

[26]- جيمس بترارس، مصدر سبق ذكره.

[27]- المصدر نفسه.

[28]- المصدر نفسه.

[29]- الإنترنت في أميركا- «مكارثية» ما بعد 11 أيلول- تقرير هيئة تحرير «أنترنت تحت المراقبة» نقلاً عن موقع www.rsf.org

[30]- للوقوف على أبرز ما جاء على لسان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في هذا الخصوص، راجع التحقيق الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» حول نشاط مكتب التأثير الإستراتيجي التاسع لوزارة الدفاع الأميركية في 19/2/2002.

[31]- «نيويورك تايمز»، المصدر نفسه.

[32]- محمود حيدر ـ لاهوت الغلبة ـ التأسيس الديني للفلسفة السياسية الأميركية ـ دار الفارابي ومركز دلتا للأبحاث المعمقة – بيروت 2009 – ص 194.

[33]- ف.ب. هويغيه – الجنون الإستراتيجي في الحرب العالمية الرابعة- ترجمة جورجيت حداد- فصلية «مدارات غربية» العدد الثاني – صيف 2004 – نقلاً عن Observations d’infostratégie aobsintostrat@club- internet.Fr.

[34]- هويغيه – المصدر نفسه.

[35]- أحد أبرز المنظّرين لنظرية الفوضى الخلاّقة في طاقم المحافظين الجدد وأحد مستشاري الرئيس جورج دبليو بوش في ولايته الثانية.

[36]- حنة أرندت – فيلسوفة أميركية من أصل ألماني. انظر كتابها: الثورة والحرية – رأي في الثورات – ترجمة خيري حماد – دجار الكتب والوثائق القومية – القاهرة – 2011 – ص 161.

[37]- ف.ب. هويغيه – مصدر سابق.

[38]- هويغيه – المصدر نفسه.

[39]- John.G.Mason، Guerre d’irak et guerre Culturelle، Le revue Critique – No 682- mars 2004

[40]-  Mason، IPID.

[41]- هويغيه – الجنون الإستراتيجي في الحرب العالمية الرابعة – مصدر سبق ذكره.

[42]- IPID.

[43]- آريال كولونوموس – ماذا لو أصبح العالم بروتستانتياً؟- ترجمة جورجيت حداد – فصلية «مدارات غربية» العدد الاول – أيار (مايو) 2004.

[44]- ويليام رو، الاختلاف بين وسائل الإعلام العربية والأميركية «الاتحاد» الظبيانية 30/1/2002.

[45]- ويليام رو – المصدر نفسه.

[46]- هنري كيسنجر- زلزال السيادة – جريدة واشنطن بوست- 9/1/2002.

[47]- محمود حيدر – عقيدة الغرب المستحدثة – البيان – دبي 26/4/2014.

[48]- روبرت فيسك «دين الغرب الجديد» – «الاندبندت» لندن – 15/4/2014.