البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عصر ما بعد الصورة (ميديا رقمنة الأجسام عند مارك هانسن)

الباحث :  حمادة أحمد علي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 14 / 2018
عدد زيارات البحث :  1694
تحميل  ( 375.581 KB )


تتناول هذه المقالة للباحث المصري حمادة أحمد علي تأصلاً فلسفياً للظاهرة الإعلامية ما بعد الحداثية، وعليه جاء عنوانها "عصر ما بعد الصورة" ليدل على أصل الإشكال حيث يواجه الإنسان الغربي على وجه الخصوص والمجتمعات الإنسانية المعاصرة بوجه عام إمكانية الوصول إلى يقين ما في العصر التكتو الكتروني.

هذه المقاربة تحاول أن تتصدى للإشكالية المشار إليها استناداً للمشروع العلمي الذي قدمه الأكاديمي والباحث الألماني مارك هانسن حول ما يسميه بـ "رَحْمَنة الأجسام".

المحرر

------------------------------------

كلنا يعلم أن الحياة التي نعيشها على حالها الآن لم تكن كذلك فيما مضى بل خضعت لمراحل، فمنذ سقوط الإنسان على الأرض سكنت صور الطبيعة وجُسدت فى عقل الإنسان ثم تقدم الزمن واختزلت الطبيعة من حولنا وجردت في صور فيلمية كما اختزلها ديكارت وجردها في إحداثيات رقمية وندم على صنيعه فيما بعد، والآن وبعد طغيان عالم الصور وتشكيك الإنسان في مصداقيتها لأنها تصورا مبتورا للحياة وخاصة في عالم السينما، وقد دخلنا الآن إلى عصر جديد وهو رقمنة الأجسام، وكطبيعة أي مرحلة تقدمية يكون فيها الإنسان منبهراً وينتهي به المآل إلى الاكتئاب ساعيا للتخلص منها، والمرحلة القادمة لا تكتف بالبرمجة والحاسوب فحسب بل تحاول أن تُشفر الأجسام بما يحيط بها من انفعالات على جهاز الحاسوب، وهذا البحث هو محاولة استعراض لمشروع الأكاديمي مارك هانسن في رقمنة الأجسام، ولا ندعي أننا سوف نسرد كل شيء عن مشروعه، ولكن هذا المقال يضع أقدامنا على بداية الطريق لفلسفته العملية، والتي قد تحتاج جهدا جهيدا لترجمة مصادرها من ناحية ناهيك عن تطبيق مشروعه من ناحية أخرى، فإشكالية المقال تكمن في كيف انتهى الشك بالإنسان الغربي فى العصر الالكتروني الذي يعيشه، وكيف يحاول أن يصل إلى الكمال والمطلقية التي يعتقد أنها في التجريب والتي بناء عليها يحاول أن يصنع تجربة جديدة يصل بها إلى مطلق الموضوعية على حد اعتقاده، وربما يكمن هذا المطلق في رقمنة الأجسام في عالم الميديا، وبما أنه لا أحد يأتي بالجديد من تلقاء ذاته بل بمحاولة تطوير أفكار من سبقوه فإن مارك هانسن طور فلسفة برجسون وهوسرل وجيل ديلوز في فلسفة صناعة الصورة حيث شك الجميع أن الصورة في عالم الميديا مهما يكن لا تعبر عن الواقع الفعلي بل هي واقع مبتور للغاية، ومن هنا قسمنا المقال إلى ثلاثة عناصر:

العنصر الاول: نعرض فيه لشخصية مارك هانس ومؤلفاته، وجاء هذا الطرح على هذا المنوال لحداثة القارئ العربي بشخصيته.

العنصر الثاني: نقدّم فيه مصادر فلسفة هانسن في الميديا حتى يتأتى لنا فهم البنية المعرفية لفلسفته من ناحية ومعرفة التغييرات التي أحدثها على من سبقوه من ناحية أخرى.

 العنصر الثالث: نتناول عرض مفهوم رقمنة الأجسام في ضوء مؤلفات هانسن.

أولا: مارك هانسن ومؤلفاته

مارك هانسن هو أستاذ الأدب ومدير الدراسات الجامعية بجامعة دوكه، درس الأدب الفرنسي المقارن بجامعة نيويورك وكليفورنيا، وحصل على منحة فولبرايت الكاملة في جامعة كونستانز بألمانيا عامي 1990-1991، وحصل على الدكتوراه في الأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا عام 1994، وعمل أستاذاً مساعداً للغة الإنجليزية  بجامعة غرب تكساس عام 1994-1997، وبجامعة برينستون 1997-2004، وأصبح من عام 2005 حتى 2008 أستاذاً للغة الإنجليزية والفنون البصرية والسينما ودراسات الميديا بجامعة شيكاغو، ونشر في هذه المرحلة أجساماً في رمز، ووسائط في الميديا الرقمية، ودراسة على أثر الفضاء الإلكتروني في الحضارة التي تتنبأ بزيادة افتراضية الإنسان، والتي فازت بجائزة أرس للكتاب الإلكتروني Ars Electronica Book Prize عام 2008، والآن يشغل زمالة ميلون Mellon Fellowship في العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد، ومنحة بحوث فولبرايت للإخصائيين غير الصينيين[1].

وكان هانسن ويو Yu عضوين في الفريق التكنولوجي في مختبرات بيل Bell في موري هيل Murray Hill بنيو جرسي، واكتشفا الصلات بين نظرية المعلومات والإحصاء، وفي هذا الوقت كان دينيسون Denison  وماليك عضوين في كلية أمبريال يبحثان مع يو وهولمز الطرق البايزية Bayesian methods لوظيفة التقدير، وكان هولمز في السنوات الجامعية الأولى، وبدا ماليك ودينيسون وهولمز مع روبرت كون في جامعة ويلز الجنوبية ومارتن تانر في جامعة وسترن الشمالية التفكير في إقامة مؤتمر لاستكشاف المقاربات البايزية للتصنيف والارتداد، وقضى هولمز وقتاً من الصيف في معمل بيل مع هانسن ويو، ودعاهم إلى اللجنة المنظمة للمؤتمر، وسرعان ما توسع التركيز ليشمل الأفكار المتعلقة بالحوسبة المعاصرة وتكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات على نطاق واسع، وقد لقي الحدث استحسان تخصصات متعددة  وأصبح هناك قائمة من المتحدثين عن التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية وتحليل الصور ومعالجة الإشارات ونظرية المعلومات والتحسين في كل مجال، وحاولنا التأكيد على التطبيقات المعقدة مثل النمذجة البيئية والشبكة والتحليل والمعلوماتية الحيوية bioinformatics [2].

ويقول هانسن على موقعه الشخصي «لقد سعيت على مدار العقد الماضي في أبحاثي وتدريسي وكتاباتي أن أنظر إلى الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في قوة الإنسان، وقد امتد هذا العمل إلى مجموعة من التخصصات كالدراسات الأدبية والأفلام والميديا والفلسفة وخاصة  الظواهرتية والدراسات العلمية وعلم الأعصاب المعرفي، وقد اكتشفت معنى التعميم التكنولوجي الذي يميز الإنسان كشكل للحياة، وقد أوليت اهتماماً خاصاً للدور المحوري الذي تؤديه الفنون البصرية والأدب في تبني وساطة ثقافية للتكونولوجيا من الثورة الصناعية حتى الثورة الرقمية، وركزت في عملي الأخير على الأهمية التجريبية لثورة الحوسبة التي حولت بنية المعرفة في الأكاديمية  والثقافة على نطاق واسع، وكما فهمتها، قد غيرت ثورة الحاسوب  البنية التحتية لحياتنا بشكل كبير، وبالتالي تغير ما نعنيه بكلمة إنسان وما تنطوي عليه ممارسات العلوم الإنسانية اليوم، وأعتقد أنه على العلوم الإنسانية أن تغتنم التكنولوجيا، ويدخل المعنيون بالدراسات الإنسانية الثورة المعلوماتية ويتباروا في معرفة معنى المعلومات وقيمتها وإعادة النظر فيما يجعلك إنساناً في الوقت الراهن في ظل الشبكات العنكبوتية والجلوبالية والذي نعرفها غالباً بالاتصال بآلات ذكية، وقد وضع كتابي الأول « تقنية مجسدة: تكنولوجيا ما وراء الكتابة» أجندة لبحثي بطرح ما يمكن أن يخلفه المنظرون الأدباء والثقافيون حين يحولون انتباههم عن التكنولوجيا، وجوابي أضعه على نحو مخطط وهو التجربة باتخاذ التكنولوجيا موضوعاً قابلاً للتعميم، مثل ترميز عملية اللغة وبناء النص أو تقلبات النفس، حيث يتغاضى النظريون بسذاجة التأثير غير الممثل والتجريبي، والتأثير الواسع للتكنولوجيا في الحياة الاجتماعية والثقافية، وقد دفعني جهدي للتصدي لهذا الأثر المتفشي والتركيز على تكنولوجيا الميديا ولاسيما على ثورة الميديا الرقمية المعاصرة، وقد قمت بهذا في كتابين وهما كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة، وكتاب أجسام في رمز، وكلاهما كرست فيه على نحو منهجي مواجهة أهمية الممارسة النظرية والتكنولوجية للثورة الرقمية خلال ممارسة الفنانين والمعماريين وكُتاب الأدب لميديا جديدة، وفي كلتا الدراستين وفي أعمالي عموما أبدأ من ارتباطات فعلية بإنتاجٍ وعمليات ثقافية إلى تنظير يجمع ظواهرية القرن العشرين والعلوم المعرفية الحديثة وحوارات التواصل النفسي، ويوسع عملي الحالي نطاق بحثي  بالتركيز المباشر على اقتران الإنسان والتكنولوجيا التي قد تشخص الإنسان منذ بدئه، وأسعى في دراسة الزمن والميديا إلى تحديث نموذج الوعي بالزمن للفيلسوف الألماني أدموند هوسرل لمعالجة التدوين التكنولوجي الضخم للزمن في عالمنا اليوم إن كانت تجربة الذات هي وظيفة لتأثر النفس بالزمن كما يقول هوسرل، وكيف تأثر هذه التجربة حين يصبح الزمن متوسطاً بعمليات الحوسبة التي تحدث في مستويات أدنى مما تجربه حواسنا؟ واكتشفت أن هذه العلاقة الحرجة لانفعال النفس والزمن التكنولوجي تمر بتسجيلات متعددة تتراوح من أزمنة مكثفة لمعالجة نصوص الكتابة التجريبية والشاعرية الرقمية في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين حتى الديناميات التطورية لتكنولوجيات الإنسان، وبعد أن أمضيت عاماً في بكين في الصين أصبحت مهتما بتوسيع عملي لمعالجة تجارب وتراث للزمن في الشرق مختلف فعلياً، وخاصة وهو يؤثر في الممارسات التي تشمل الميديا والفن والانترنت في سياق الجلوبالية المعاصرة[3].

ومن مؤلفاته   

التقنية المجسدة – تكنولوجيا  ما وراء الكتابة

 Embodying Technesis- Technology Beyond Writing

الغذاء القادم – حول مستقبل الميديا في القرن الواحد والعشرين

 Feed- Forward : On the Future of Twenty-First-Century Media

أجسام في مدونة-  وصلات  بميديا رقيمية

Bodies in Code- interfaces with  digital media

فلسفة جديدة لميديا جديدة

New Philosophy for New Media

ثانيا: أصول نظرية رقمنة الأجسام

هنري برجسون

ينشأ الافتراض الأساسي في نظرية الفن عند هنري برجسون أولاً من طريقته في التفلسف، هذه الطريقة مع الحدس تكوّن خبرة مباشرة، فالحدس ينطبق على الفن الذي يحتاج إلى هذه الخبرة المباشرة في عملية الإنتاج، وكما عمل في صيغتها النهائية، من ثم تتجلى القيمة الأساسية لمفاهيم كالبصيرة ومحاولة فهم وظائف الفن حيث تعتبر أكثر فعالية من أجل بناء المعنى والفهم، على عكس تصور النظريات اللغوية، حيث إن الفن يعمل على كسر الحدود العملية من الرموز لتحقيق نوع من الاتصال،  ومن هنا تتجلى الحاجة الملحة للفن والتي لا تملكها اللغة، مما يشكل في الأخير تجربة ملموسة خالصة بنيت بداية من ملامح واقع مجرد من الرموز التقليدية المعممة.

إذن الحدس يفترض في أن اللغة تشوه الواقع وتعيق البديهة، وخوض تجربة حقيقية، على عكس الفن الذي يعد كتجربة مباشرة تعاش، على الرغم من أنه لا يمكن التواصل مع رؤية أكثر مباشرة للواقع، وبالتالي بات من الواضح لنا أن الواقع عبارة عن حجاب دعت الحاجة إليه تم عن طريق خلق أوهام تأخذ مكان الحقائق/الحقيقة. ولكن فقط الفنان يستطيع أن يكشف عن هذه الأوهام ويزيح الستار عنها، من خلال حدسه و»رؤية فض الاشتباك» حتى تتسنى له فرصة تقديم رؤية متميزة عن الواقع، وبالتالي يكون العمل الفني في هذا المعنى لا يتطلب أي وسيلة أخرى من وسائل الحواس

لقد كان هنري برجسون أول فيلسوف جذب الانتباه إلى هذا المجال الجديد، وقام أيضاً بانتقاد الفهم المتداول عن السينما القائم على فهم شخصي للواقع الذي يعطى كوسيلة كاذبة لمشكلات عن الواقع. وفي بداية القرن العشرين التفت هنري برجسون إلى السينما من خلال تكريس فصل عن السينما كآلية العقل في التطور المبدع وهو ما يسميه الرجل السينمائي بآلية الفكر ووهم الميكانيكا، حيث إنه يضع هذه الآلية السينمائية كاستنساخ للفهم في خلق الوهم من الزمن والحركة.

ويشدد برجسون على أن معرفة الأشياء تتم من خارج لفهمها من الداخل، وهذه هي آلية السينما، حيث تعمل على إعادة خلق وهم يضع أذهاننا أمام التطبيع العملي الذي يوفر القدرة للتغلب على صعوبات حقيقية. من هنا نفهم أن هنري برجسون لم يكن هدفه هو لفت الانتباه إلى السينما، ولكن إلى عملها الميكانيكي الذي هو مثال جيد ليظهر طريقة عمل العقل البشري[4].

ويرى برجسون صاحب الاتجاه الحدسي أن الفن لا يتحقق بوجود الصورة أو التعبير المتجسد في شيء محسوس بتعدد ما يتحقق في عملية روحية خالصة وتنطوي على معرفة حدسية معينة[5]

ويرى برجسون أن السينما تستخدم معطيين اثنين متكاملين هما: مقاطع لحظية تسمى الصور، وزمن أو حركة غير شخصية ومطردة ومجردة وغير منظورة وغير مدركة تكون داخل الجهاز، بحيث إن حركة الشريط السينمائي غير المرئية داخل الجهاز تبعث مختلف صور المشهد على التعاقب واحدة بعد واحدة، وعلى الاتصال ببعضها ببعض، إذن تقدم لنا السينما حركة كاذبة، إنها المثال النموذجي للحركة الكاذبة، وما يثير الفضول حقا أن برجسون أطلق على وهم الحركة الأشد قدما اسم حديثا (سينمائي)[6].

ويقول برجسون:» إن السينما حينما تعيد تأليف الحركة من مقاطع ساكنة لا تفعل إلا ما فعله الفكر الأشد قدما (مفارقات زينون)، أو ما يفعله الإدراك الحسي الطبيعي»، وفي هذا الخصوص يتميز برجسون عن الفينومينولوجيا التي أكدت أن السينما أحدثت قطيعة مع شروط الإدراك الطبيعي، حيث يقول برجسون «نحن نلتقط من الحقيقة الواقعية الجارية أمامنا مناظر آنية، ولما كانت هذه المناظر تحمل الخصائص التي تتميز بها هذه الحقيقة الواقعية كان لابد من نظمها في سلك صيرورة مجردة، أي صيرورة وحيدة الشكل وغير مرئية، وموضوعة في صميم جهاز المعرفة، وما ذلك إلا لمحاكاة ما في هذه الصيرورة نفسها من خصائص مميزة، فالإدراك الحي والعقلي واللغة تسير في الطريق عامة، وسواء فكرنا في الصيرورة أو عبرنا عنها بالألفاظ، أو أدركناها حسياً، فإننا لا نفعل إلا شيئاً واحداً في جميع الأحوال، وهو تحريك جهاز سينمائي داخلي، وخلاصة القول إن طبيعة معرفتنا العادية ذات طبيعة سينمائية»[7].

وينبغي أن نفهم وفقاً لبرجسون أن السينما ليست سوى العرض والعرض فقط، أي إعادة إنتاج وهم ثابت وعام كما لو أننا نقوم باستمرار بما تقوم به السينما من دون أن ندرك ذلك، وهذا الفهم لطبيعة السينما عند برجسون هو أحد دوافع هانسن على رقمنة الأجسام طالما هي الحقيقة.

جيل ديلوز

ألّف دولوز كتابين حول السينما، ويعتبر الكتابان مهمين من حيث إنهما لأول مرة يهتم فيلسوف بالسينما ويخصص لها دراسة منفردة بهذا الحجم، لقد حاول دولوز تناول السينما من وجهة نظر فلسفية لذلك، أبدع المفاهيم المناسبة للحقل السينمائي بغية البحث عن صورة الفكر التي يشيّدها الفن السابع. فمع دولوز يُدرس الفن كأفعال للظواهر التقنية والدادية، واللامتخيلة والاجتماعية، التي تتفاعل مع النماذج الذاتية الثقافية، إنه طريق خصب للفلسفة و الفن معاً.

ومن هنا راح جيل دولوز يبحث عن أواصر فلسفية تربطه بأبحاث هنري برجسون لخلق هيكل عام يقيم عليه بناءه النظري ومكونات رؤيته الجمالية، مع أن أبحاث برجسون لم تهدف إلى دراسة الصورة المتحركة في السينما أو جمالياتها، إلا أن اسهامه ارتكز في تحديد خطوط أساسية أو نظرية أولية تفيد في دراسة الصورة كحركة خاصة في كتابيه المادة والذاكرة والتطور الخلاق.

ولم يتوقف دولوز في حدود فكر برجسون بل يوصل الجذور الفلسفية لنظريته السينمائية بفينومينولوجيا أدموند هوسرل ودراسات سارتر حول الخيال في كتابه الخيالي وكذلك بآراء ميرلوبونتي حول الفينومينولوجيا والسينما، فقد أسهمت هذه التنظيرات الفلسفية السابقة في إبدال المفاهيم التقليدية للصورة ومحتواها، واختطت منظورا مواليا بشكل ما لتقدم الصناعة السينماتوجرافية التي يدرس دولوز بناءاتها الحركية المضافة إلى الصورة الثابتة.

والسينما لا تعطينا صورة جامدة، ونحن من يسبغ عليها الحركة، بل تعطينا صورة- حركة مباشرة، والصورة كحركة هي العنوان الذي يحمله المجلد الأول سينما1 من دراسة دولوز حول السينما، إنه يتوجه في هذا الكتاب توجهاً جديداً يختلف من ناحية دقتها النوعية عن أبحاث دولوز الأخرى على الرغم من تضمنها إرهاصات التوجه نحو الصورة بكل أشكالها، ومنذ كتب كتابه مارسيل بروست والرموز نرى تأصيلاً تراكمياً لاهتمام مضى في النمو على ضفاف دراساته الفلسفية والنقدية مثل كتاب منطق الحواس وكتاب اسبنيوزا ومشكلة التعبير وكتاب كافكا، إلا أن هذا الاهتمام لم يتجسد في تخصص فلسفي محض كما يحضر في الترميز الذي تحتله الصورة السينمائية، إذا لم يتحكم بتوجه دولوز إلى السينما الغني الذي تمثله الصورة كحركة فحسب بل لأن السينما أمست الوعاء الذي يمثل حركة العالم الراهنة إن لم تكن ضمير العالم وفعاليته اليومية والتاريخية المتكاملة في عناصر تكوينها[8]

وإذا كانت الفلسفة تفكر من خلال المفهوم فالسينما تفكر من خلال الصورة المتحركة ذاتياً، وما يربط السينما والفلسفة ببعضها ببعض هو صورة الفكر. إن صورة الفكر هي ما يلهم الفلسفة في إبداعها المفاهيم أما السينما فهي تنشئ صورة الفكر وهي توضّب الصورة ذلك أن مكوّنات الصورة السينمائية تتضمن التّوضيب أصلاً، ويتعلق الأمر إذن في مقاربة دولوز بإقامة مناظرة بين السينما والفلسفة، هي في العمق علاقة تناظر تعكس من خلالها الواحدة الأخرى على نحو أصيل، فالهوية الحق مفعول لعلاقة. هوية السينما تتكشف أفضل ضمن علاقة مقايسة مع الفلسفة والعكس بالعكس، في خضم هذه العلاقة يتحوّل منتوج الفلسفة أي المفهوم إلى كتل من الحركات الدائمة والمتلائمة داخل تشكل الأمكنة والأزمنة… تصبح المفاهيم أكثر قابلية للفهم لأنها عبارة عن تجل مرئي لتجربة معيشة من طرف كل واحد». لكن من جهة أخرى يعتبر دولوز أن قيمة الصورة تتمثل في الأفكار المتولدة عنها.

إن المفهوم لا يباشر الصورة ليجرد منها ما هو استثنائي وشاذ إذ لايحتفظ إلا بما هو عام، إنه لايختزل الصورة في خصائص عامة بل إن المفهوم بوصفه توليفا بين متنافرات فهو يتقصى لحظات الانفلات والعبور في الصورة، يترصّد للمثير فيها بل للمرعب والمتعذر على الحساب والقياس. ينصبّ المفهوم إذن على مناطق الشدّة والتوتر في الصورة السينمائية. إن هذا التحسس المتبادل بين الصورة السينمائية والمفهوم لم يكن ممكنا لو لم تعمد الفلسفة المعاصرة إلى مراجعة مفهوم المفهوم خاصة مع «دولوز»، هذا بقدر ما عمدت السينما الحديثة إلى إعادة تصورها للصورة خاصة مع ريسني جودار وطاركوفسكي، فقد حلت الصورة –الزمان محل الصورة- الحركة. إن حلول الصورة كوعي عميق بالزمان هو ما جعل «سينما فلليني تقودنا إذن باتجاه ما يدعوه دولوز صورة الفكر، أي باتجاه الفجوة أو الفضاء المحايد..

إن الانتقالات التي عرفتها السينما بالتحول من نظام للصورة إلى آخر يندرج ضمن سيرورة انعطاف عرفها الفكر الغربي منذ كانط، فإذا كانت السينما الحديثة هي سينما الزمان فهي صارت إلى ذلك بعد تجاوزها سينما الحركة الخاضعة للروابط الحسية الحركية المحسوبة، ويجب ألا ننسى أنه إلى «كانط» يعود هذا الوعي العميق بأولوية الزمان إذ منذ فلسفته النقدية أصبح المعنى يتحدد بأفق الزمان. ولعل هذا الانتقال الجوهري الذي يمتد من كانط إلى هيجل ونيتشه ثم برجسون و«دولوز» ـ مع اختلاف صورة الزمان عند كل منهم ـ هو ما يكثفه أحسن العمل العمدة لهايدجر أي الكينونة والزمان، إن مركزية سؤال الزمان في تدبير شأن المعنى ترتب على تحرير الزمان من قبضة الحركة التي سيطرت على الفكر الغربي وامتداداته الكونية لمدة تتخطى عشرين قرناً أي منذ أرسطو الذي عرّف الزمان في كتاب الطبيعة بوصفه عدداً ومقداراً للحركة وذلك وفقا لإيقاع السابق واللاحق، فالحركة الأزلية المنتظمة للأجرام السماوية تنسج الزمان في صورة أيام وشهور وسنوات، أي في صورة متعاقبة تعاقب الحركة حيث الزمان ليس أكثر من عدّ لتعاقب الحركة، يمكن الآن أن نكثّف قصة الفلسفة ونقول إنها تحرير للزمان من الحركة وتحديد للمعنى بأفق الزمان هذه القصة هي نفسها التي تحكيها السينما بأدواتها الخاصة. يجب ألا يفيد هذا بأن السينما ليست أكثر من مجرد صدى لما يحدث في الفلسفة الأحرى أن قيمة السينما وعلاقتها بالفلسفة ستتكشف من زاوية نظر أخرى: ستكون دراسة السينما بالنسبة للفيلسوف، وسيلة لاستخدام أداة غير فلسفية لفهم الفلسفة ذاتها بشكل أفضل، وسيسمح لجوء السينما إلى الفلسفة، بإبراز وعي أكثر يروم توليد كينونة الفيلم ضمن خصوصية تعبيره الجمالي.

ثالثا: رقمنة الأجسام ـ الميديا الجديدة

يوسع هانسن في كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة المقاربة الشاملة للتكنولوجيا لمجابهة الاستيعاب الثقافي الأخير، دون أن يتنصل من الموقف الثقافي بما هو وهو يقول «وسوف أرفض أحد تضمناته المحورية، وهو أن البناء الثقافي للتكنولوجيا بطريقة ما يستنفد مدى تأثيرها في تجربتنا، على الرغم من أن لنقاد التكنولوجيا الحق في أن يقترحوا على سبيل المثال «آمان الحادث الحاد فالتكنولوجيا ليس لها قوة خارج النظم الاجتماعية»، وهي تتوقف على كيفية فهم مثل هذه المطالبات، وفي رأيي يفترض النقاد دوماً وجوب أن تكون التكنولوجيا اجتماعية ’مئة في المائة‘، ووجوب أن تكون كلية إنتاج ثقافي بسيط لأنه لا يمكن أن توجد خارج الإطار الإجتماعي، ويتطلب هذا التصور الخاطئ فهماً أكثر دقة للأساس الاجتماعي التكنولوجي، فالمرء يمكن أن يميز التأثيرات الملموسة لتكنولوجيات بعينها من ظروف عامة لفاعليتها، وإن كان صحيحاً أنه لا يمكن أن توجد التكنولوجيا خارج الأنظمة الإجتماعية فلا يمنعها هذا من الحصول على مؤثرات لا يمكن القبض عليها بأدوات مفسرة مرتبطة بهذه النظم، وللاستكشاف فقط هناك مثال واحد لهذا التشويش العاجز، فإن ساندي ستون ناقد ثقفنة التكنولوجيا technocultural في حديثه عن السياق الاجتماعي كخلفية لا يمكن اختزالها لفهم التكنولوجيا يسقط أهميتها في التأثير في الأيدلوجية»، فالتكنولوجيات مرئية ودليل مادي للنضال فوق المعنى، فهي لا توجد خارج أنظمة الاعتقاد المعقدة التي لا تتجزأ أطرها الاجتماعية والسياسية، وظهورها الصارم يصنع تقنيتها»، وربما تشكل التكنولوجيا في الواقع مواقع مهمة لتنفيذ هذه النضالات، ولكن كعناصر مادية تبني عالمنا التجريبي بشكل جذري وأكثر من ذلك، وتأثيرها في التجربة بسيط ونافذ، وأي جهد لفهم هذا في إطار النقد الثقافي سوف يفترض ما يكرس للعزلة[9].

ويفترض هانسن  أن وظيفة التكنولوجيات مثل الألعاب اللغوية على نموذج فيجانشتين في عالم ما بعد الحداثة المعاصر، وهي أقوى أساساً من الظاهرة الاجتماعية، وليست لغة مختلفة لفيجانشتين، والتكنولوجيا تلعب دورا أساسيا كجزء لما يسمح للوجود الفعلي الاجتماعي بما هو.

وبالتقييم النقدي للدور الذي يلعبه الخطاب النظري في القرن العشرين يسعى إلى تمهيد الطريق لتحليل موسع للمادية التكنولوجية وبمقدور المرء استكشاف تلك التفصيلات على وجه التحديد خلال التكنولوجيات التي تتوسط  إيقاعات المادية للحياة المجسمة، وتتبع من خلال النقد دراسات النقد الثقافي المعاصر.

وترتكز الدراسات النقدية للميديا الجديدة على المواضيع المتشابكة للمركزية البصرية والتضمين disembodiment حيث بدأت منذ ما يزيد عن عقدين، واقترنت مجازات الرؤية والضوء بمفاهيم التجريد واللامادية ولكن في العصر المشبع بطرائق التصوير المحوسب انطوى موضوع التضمين على أبعاد فعلية جديدة، واتهمت الرقمنة الألكترونية بنزع أحشاء الواقع والتخلص من المرجعية والحقيقة والموضوعية[10] في حين تقيد الصور التناظرية الواقع بحكم قالبها الفيزيائي للإنتاج، وقد تُصنع الصور الرقمية خلال طبقات المعالجة الكمبيوتر الخوارزمية من دون أثر للصفات المحاكاة ماديا من فيلم predigital والصورة الفوتغرافية أو التناظر (التليفزيون)، والصورة الرقمية هي مصفوفة من الأرقام وجدول يتألف من الأرقام الصحيحة، وشبكة من الخلايا لها مقدرة على التخزين في ذاكرة الحاسوب وتنتقل الكترونيا وتُفسر في صورة بعرض الجهاز مثل شاشة الفيديو أو الطابعة، وقد استشهد ويليام ميتشل بأنه عصر ما بعد التصوير حيث بدأ يحل التسجيل والمعالجة محل التصوير الفوتغرافي حيث قال إن الصور في عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي لم يعد مضمونا ًكحقيقة بصرية أو حتى دلالات بمعاني وقيم ثابتة»[11].

وقد اتخذ العبور نحو أرض عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي اهتماما بنزع مادية الجانب الإنساني، وهذا افتقد إلى مرجعية في إنتاج الصور، وقد سجل الفلاسفة المنظرين للميديا مثل بول فاليريو Paul Virilio وجوناثان كراري Jonathan Crary ووليام ميتشيل William Mitchell نقلة عميقة حلت في المؤسسات تشكل ذاتية المشاهد، وحتى النزعة المادية للمراقب، وقد ناقش جوناثان كراري بأن التكنولوجيات الجديدة لإنتاج الصور أصبحت تنتج على نطاق واسع داخل الجيش والطب والعلوم والميديا والفنون بإعادة هيكلة المؤسسات التقليدية وتحويل الممارسات الاجتماعية وتجسيد لهيكل المعتقد الجديد، وكما يقول ميتشيل « إن الشبكة العالمية لأنظمة الصور المرقمنة تتسارع وتشكل ذاتها بصمت كوضوعات منجرفة لإعادة تشكيل العين، وبالنسبة لكراري قد أحل هذا التحول في الثقافة البصرية كنتيجة لإشارات معالجة الصور المبنية على الكمبيوتر، وإن المهام الجديدة للعين البشرية تُنزع  عن طريق الممارسات في الصور البصرية التي ليس فيها أي مرجعية لوظيفة المراقب في "الواقع" الذي يتلقي العالم بصريا. وكتب كاري يقول « وإن كان يمكن أن يقال إن هذه الصور تشير إلى أي شيء بمليون بت bits لمعلومة رياضية الكترونية، وسوف تُوضع البصرية على مجال كهرومغنطيسي وسبراني cybernetic  في حين تتزامن الرؤية المجردة والعناصر اللغوية وتستهلك بتدويرها وتتبادل جلوباليا[12].

ويتناول مارك هانسن في كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة قضايا التجسيم والوساطة والرقمنة والتي ترتكز على النقاشات التي تتعلق بما بعد الأنسنة، ويحدد هانسن أن الموقف الأساسي للنقد يتمثل في الإطار الذي يحدده فريدرك كيتلر، ويصنع كيتلر اتصال شانون Shannon- Weaver في الأفلام والجرامفون وآلة الكتابة مفهوماً للمعلومات كمركز غير مجسد في نظريته للميديا الجديدة، ويفتح كيتلر بنموذجه الأطنابي ما عدا الكلمات المستشهده بادعاء أنه حين تطلب المكالمات والموسيقى الأفلام والنصوص التي تصل إلى الأسر المرتبطة بالألياف البصرية الشبكية، والميديا المختلفة من تلفاز وإذاعة وهاتف والرسائل الموحدة مقدما موحدة بترددات الإرسال بصيغة بت bit format، وهذا التقارب لكل الميديا في ظل النظام الرقمي يفسر بالفعل نهاية الميديا، وأصبحت الميديا الفعالة واجهات مختلفة لتدفق المعلومات في كل مكان.

«وقبل النهاية هناك شيء يقترب من نهايته، وتؤدي الرقمنة العامة للقنوات والمعلومات إلى محو الفروق بين الميديا الفردية، وسوف تُختزل الصوت والصورة وصيغة الفعل والنص إلى مؤثرات سطحية معروفة للمستهلكين كواجهة، ويتحول الشعور والإحساس إلى شعور مضلل، وسيبقى إنتاج الميديا السحرية كمنتج ثانوي لبرامج استراتيجية لمدة مؤقتة، ويصبح داخل أجهزة الكمبيوتر ذاتها كل شيء عدد، كميات من دون صور أو أصوات، وبمجرد أن تتحول شبكة الألياف الضوئية إلى بيانات مختلفة شكليا تتدفق إلى سلسلة موحدة لأرقام مرقمنة digitized numbers، وكل وسيط يمكن ترجمته إلى آخر، وبالأرقام كل شيء يمضي،  والتحوير والتحول والتزامن والتأخير والتخزين والتبديل والخلط والمسح الضوئي ورسم الخرائط – وكل الميديا مرتبطة على أساس رقمي سوف سوف تمحو أي تصور للوسيط، وبدلا من ربط الناس بأسلاك وتكنولوجيات سوف تتحول المعرفة المطلقة كحلقة لا نهاية لها[13].        

ويعتمد كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة على بعض المفاهيم الحرجة من كتاب هانسن الأول تجسيد التكنولوجيات – تكنولوجيا ما وراء الكتابة، ويُكسر الحرج فعليا في كلا الكتابين بالتماثلية والتمهيد بالميل لاستيعاب ظاهرة كلا من العامل التكنولوجي والطبيعي للقوالب اللغوية – مشكلة التأسيس، وكانت مشكلة ربط اللغة بالممارسة شاغلاً رئيساً لمنظري تخصصات مختلفة، وتكمن المشكلة بعينها في القضايا التي تتعلق بتدوين الكود والبرنامج في الواقع المادي ولا يقل عن استيعاب التغييرات المخربة في التجربة الجسدية للغة، وإن هانسن يقطع ببساطة إشكالية جوردن Gordian problematic لكيفية تعادل الكتابة للدمج وتعادل القضايا النظرية للممارسة وتعادل التمثلات للعامل المادي، وقد سعى العلم لأكثر من عقد في معرفة تكوين التمثيلات النظرية للطبيعة وإلحاقها بالعالم، ويتطلع بعضنا لمقاربة ما بعد البنيوية التي  تناولت قضايا تقنيات التمثيل والكتابة والجوانب المادية للاتصال وأطر العمل المستمدة من الأدب والأكاديميين المهتمين بالميديا مثل دريدا وفريدرك كيتلر، وكان للتحالف الوثيق بمثل هذه المقاربات حسابات معملية ممتدة مثل حساب هانز- يورج رينبرجر Hans-Jِrg Rheinberger’s account للأشياء المعرفية في حين اكتشف آخرون قوالب اجتماعية مستوحاة من "ممارسات مشوهة"و"نطاقات تجارية" أو بنية "الثقافات المعرفية"، كما أظهرها هانسن ببراعة، وهناك تناقض عميق الجذورحول العامل المادي في هذه الدراسات، ونحن نريد من ناحية أن نمنح الممارسة وحتى التكنولوجيا المادية التي دافع عنها برونو لاتور بيرلمان الأشياء من ناحية، والطبيعة والتكنولوجيا في هذه الحسابات بكيف ما دوماً "أنسنة" تعد بناء اجتماعياً ثقافياً، وفي كتابه الأول تجسيد التكنولوجيا وفي إثراء النموذج وامتداده في فلسفة جديدة لميديا جديدة قد نقد المنظرين لحقول نظرية ما بعد البنيوية والدراسات الثقافية التي توقفت عن احتضان الجوانب الفعلية تجاه التماثلية، ووفقا لهانسن ودريدا وبورديو وبودريلارد وغيرهم من الذين يشتركون في نمط مشترك للاختزال – يطلق عليه هانسن تكنولوجيات Technesis، حيث يقر الاهتمام في احتضان المادية التكنولوجية لاستقلالية الفكر والتمثيل، ويوضح هانسن أن وظيفة هذه الاستراتيجية تعمل بهدم المظهر الخارجي المادي الفعلي إلى  مظهر متناقض نسبياً في مجال الفكر[14].

ويهدف هانسن إلى عرض برنامج إيجابي لاحتضان الثراء المادي للتكنولوجيا التي تحرره من كونه مجسداً في الخطاب واستهلال التمثيل، ومن منظور هانسن تغير التكنولوجيا من أساس تجربتنا الحسية، وتؤثر في ما يعني أن تعيش كعوامل جسدية بشرية، وهي تحقق هذا بإعادة تشكيل الحواس في مستوى ما قبل الإدراك precognitional أو حتى الذي يسبق المعرفة (ولا تميز مستوى من آخر)، وتسبق الإدراك الحسي الواعي واستيعاب اللغة.      

ويُرسم هذا البرنامج الجريء والطموح في التكنولوجيات المجسدة فحسب، وكتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة يدعم البرنامج كذلك بتقديم حساب كيفية تعديل الجسم خلال التفاعلات التي تيسرها التكنولوجيا الرقمية، والفكرة الأساسية هي الإطار، وعلى الرغم من حقيقة أن برجسون لم يجد مادة ذات صلة بنظريته للإدراك الحسي في السينما المبكرة والتي كانت في مهدها في اللحظة التي كان يكتب فيها برجسون، حيث وصف العالم الخارجي كتدفق كلي للصور، والجسم ذاته صورة من بين صور أخرى – ويطلق على النوع الخاص بصورة برجسون ’ مركز للامحدود‘، والذي يعمل مرشحاً خلاقاً يختار وقائع الصور من التدفق الكلي وفقا لقدراته، ومن ثم الجسم هو مصدر للفعل على عالم الصور، ويقدم من بين المؤثرات الخارجية ذات الصلة في مقاصدها، ويطلق برجسون على مثل هذه الصورة المعزولة المركبة ’الإدراك الحسي‘.

وقد رأى جيل ديلوز أن فكرة حركة الصورة تعتمد على القص والمونتاج، والحق أن عملية التأطير برمتها في قلب السينما الناضجة تمثيل كامل لعالم الصور الذي وصفه برجسون حيث تساوي ’الصورة  ـ الحركة image = movement [15]، وسعى إلى تصحيح إقصاء سينما برجسون بتحريرها مثل مختبر تجريبي للفلسفة، حيث هي موضع لدراسة الإدراك الحسي والتمثل والزمان والمكان والذاكرة، وسيلة لاستيعاب العلاقة المتغيرة القابلة للتأويل والأنطولوجيا المرئية the visible—ontology، وموضع لاكتشاف تصنيف الصور والإشارات كتمهيد لخلق مفاهيم أبستمولوجية، ويرى هانسن أنه حين يبني برجسون فلسفته الخاصة بالسينما، فإن ديلوز يعيد التركيب الأساسي لجمالية الجسمية البرجسونية والأهم من ذلك قدرة التأثير، وفي مستهل تعليقه على برجسون وديلوزيصف ’ الصورة – التأثيرية affection-image‘ باعتبارها المكون الثالث للذاتية وتملأ الفاصل بين المكونين الآخرين وهما الإدراك الحسي والفعل، وتبدو هذه الخطوة متسقة تماماً مع برجسون، ولكن يدخل ديلوز تغييراً دقيقاً يصنف التأثيرية كعنصر فرعي للإدراك الحسي، فالتأثيرية عند ديلوز طريقة تعين الإدراك الحسي، والأحرى أنها إدراك حسي لطيف أو لمحة قصيرة تتوقف عن إنتاج فعل، وبدلاً من ذلك تبدأ بتعبير(لقطة تقرب من الوجه في الفيلم)، وقد تحول ديلوز جذرياً عن برجسون بتقديم التأثيرية كتنوع للإدراك الحسي، وعامل بيرجسون الذاكرة والمادة معاملة التأثيرية بوصفها طريقة جسدية مستقلة في صوابها وتختلف في النوع عن الإدراك الحسي، ويرى هانسن أن ديلوز حل الارتباط الأساسي للعاطفة بالجسد وعينه لحركة الصورة، وقد مكن هذا الإيماء ديلوز من أن يصف الجسد باعتباره تركيب للصور.

وكل هذه الأشياء وحركة الصور تقسم إلى ثلاثة أنواع من الصور حين تتصل بمركز اللامحدود بوصفها صورة بعينها، حيث صور الإدراك الحسي وصور الأفعال وصور التأثيرية، وكل منا والصورة عينها أو مركز المشروط لا شيء سوى تجميع للصور وتوطيد لصور الإدراك الحسي والفعل والتأثيرية[16]

وفي الواقع اختزل ديلوز التأثيرية إلى عملية صورية لتأطير تكنولوجي، وفي هذه العملية يحررها التأثيرية جسدياً، ويحددها خارج الموضوع في عالم تكنولوجي يجمع الصور، ويصبح الجسد في هذا الصدد سلبياً نسبياً، وموضعاً للكتابة التكنولوجية  للصور المتحركة بدلاً من أن يكون مصدراً فعالاً للتأطير باستثناء المعلومات غير المحددة، فهو عالم لعرض الصور  ومؤطر تكنولوجي باعتباره صوراً متحركة من من جانب، وجهازاً حسياً للمرء يربطهم بشكل غير معروف.

يتحول هانسن للتطورات الأخيرة في الميديا الجديدة وعلم الأعصاب ليوفر بديلاً من قراءة ديلوز الصورة المؤثرة واستدعاء فهم برجسون التجسيم في إطار كيف يأطر الجسد المعلومات وبالأحرى يمحو الدور الفعال للجسد الحساس في إنتاج تأثيرات الميديا كما فسرها فريدرك كتيلر وتتخذه واجهة الميديا الرقمية، وقد رأى هانسن أن الميديا تحت الرقمنة الفعلية تزيد مركزية الجسم كإطار للمعلومات، حيث تفقد المادة خصوصيتها، ويأخذ الجسم وظيفة أكثر بروزاً كمعالج انتقائي في إبداع الصور، ولا تزيد الصورة الرقمية على شاشة الكمبيوتر عن فوتوغرافيتها وهي محاكاة رقمية، وتنطوي الصورة الرقمية على معالجة للبيانات على عكس هذا الموضوع الثابت، والثبات الممتع لتفسير البيانات خلال الواجهة المصممة على الشاشة في نسبة الإطار تجعله يبدو ثابتاً، ولكن هذه الصورة في الواقع دينامية للغاية قابلة للتعديل في أي لحظة، والصور الرقمية معالجة، وبمقدورها دعم تفاعل المستخدم، الذي ينقر على جزء من الصورة ويكبرها أو يبدأ عمليه أخرى خلال اتصال تشعبي، والصورة في تطبيقات بعينها واجهة لبعض الأفعال المتباعدة مثل العمليات الجراحية.

 ورأى هانسن أن الملامح العملية والتفاعلية للصورة الرقمية توفر أساساً لاستبدال مفهوم الصورة الزمنية والصورة الحركية كما وصفها ديلوز، وهي في موضعها كصورة جديدة تنبثق عن الصورة الرقمية، استناداً على فعل تأطير المعلومات، ورأى هانسن أن الصورة الرقمية عبارة عن هجين تكنو ـ حسي حركي وينبغي أن ينظر إليها كمصدر لأي إطار تكنولوجي مصمم لعمل معلومات قابلة للإدراك بالجسم، ويهدف هانسن في كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة إلى تلميع الأدب الظواهرتي في نقد ديلوز للصورة المتحركة التي تنتقيها الصورة السينمائية بالاتصال بالجسم البشري ومعالجتها، وإنعاش مفهوم برجسون وظيفةَ تأطير الجسم الأولية بتوافقه مع التطورات الأخيرة في تكنولوجيا المعلومات وفنون الميديا الجديدة، ويرى هانسن أن كل حكم للصورة تحتوي الرقمية تأطر في المقام الأول باتصال ’تخليقي embryogenic‘ مع جسم الإنسان، وعلى النقيض من حجج ديلوز عن التأطير التكنولوجي باعتباره مصدراً للصورة والتي ترتبط بالجسم ـ في الحقيقة المحفورة على الجسد كما هي على الشاشة- يؤكد هانسن دعواه البرجوسونية بأنه لا يوجد معلومات أو صورة في غياب الشكل المأخوذ من قوة التجسيم البشري.

ويثير هانسن الحوار المثمر بين الميديا الجديد للأعمال الفتية وعلم الأعصاب والظواهرتية في أنحاء كتاب فلسفة جديدة بشكل مثير للغاية، ومثال على ذلك الفصل الأخير الذي يعالج الإشكالية المركزية للكتاب، والنقطة المركزية للتحول البرجسوني وهو بالطبع في نظرية التأثير the theory of affect، والجسم المؤثر هو "المادة الغروية" التي تلصق الوعي وتربطه بعمليات الحسية من دون الإدراك، ويريد هانسن أن يربط خلال هذه القناة المؤثرة تدفق المعلومات في صورة رقمية والجسم باعتباره إطاراً، والعمل الأخير في علوم الأعصاب يوفر الرابط المادي الذي يتطلع إليه، وقد قدم فرانسيسكو فاريلا    Francisco Varela حجة قوية حول مصادر زمن الوعي وهي تناسب أطروحة هانسن تماماً.

وقد ناقش فاريلا في كتابه ’الإدراك النشط enactive cognition الأفعال العقلية التي تتصف بالمشاركة المتزامنة لعدة مناطق مختلفة وظيفياً وموزعة طوبوغرافياً للدماغ وتجسيداتها الحسية،  وتنشأ جميع الصيغ من تفاعل متماسك لتجمعات دنيا للخلايا العصبية في مواقع متعددة، وهي أنماط ديناميّة ذاتية التنظيم موزعة على نطاق واسع من المخ والأحرى أنها منظمة على شكل سلسلات متتابعة مثل  مجاز الحاسوب منمذجة ـ تدفق معلومات المنبع، ويؤدي أعمق مستوى العلاقة والتكامل لهذه المكونات إلى الزمنية، وكتب فاريلا يقول[17] «إن الفكرة المركزية التي أتوخاها هنا أن هذه المكونات المتعددة تتطلب إطارا أو نافذة متزامنة تتوافق مع زمن الحاضر المعاش، وفي هذه النظرة يندمج التيار المتواصل للتنشيط الحسي ونتيجة محرك الواجهة داخل إطار ديناميكي التوالد ـ وليس معلوماتياً ـ حاسوبياً فقط، والذي يعطيها عمقها وعدم انضغاطها.

والنقطة المحورية لأطروحة هانسن أن فاريلا يعالج ظهور الزمن كعملية تأطير جسدي باطن مرتكز في مركب عصبي متوالد ذاتياً بدلاً من الإطار "التكنولوجي" المطبق ظاهرياً الذي دعا إليه ديلوز خاصة في السينما 2 Cinema 2، ويميز فاريلا وغيره من علماء الأعصاب المعاصرين ثلاثة موازين للزمن تنشأ من النظر المباشر لنشاط الخلايا العصبية إلى عملية بزوغ متزامن للمجموعة العصبية (1/10، 1، 10)، وفي أدنى مستوى لا تدرك التسجيلات الميكروفيزيائية مع عدم وجود ارتباط للإدراك الحسي المباشر، وتنظم ذاتياً إلى لحظة مباشرة "للآن"، ويرى فاريلا أن هذه الأطر التكاملية المتولدة ذاتيا تمثل الزمن المدرك باعتباره منفصلا وغير خطي، و"الآن" بالنسبة للحاضر هو مدة تدوم 0.3 من الثانية (خلافاً للقالب الحاسوبي المعلوماتي للدماغ )، وهو ليس حصة زمنية ثابتة مثل الساعة الموقوتة وبالأحرى "أفق كامل horizon of integration" كما يرى فاريلا «لدينا أحداث مبنية على مستوى الخلايا العصبية مدتها ميزان1/10 وتشكل مجاميع تظهر كأفعال إدراكية غير منكمشة بل أفعال إدراكية مكتملة على ميزان 1، ويعتمد الزمن المكتمل ديناميكياً على عدد المركبات العصبية المشتتة وليس على مدة ثابتة متكاملة، وبعبارة أخرى إنها أساس لأصل المدة من دون ساعة ميقات خارجية أو باطنية[18].

وهذا المثال هو رمز لأطروحة هانسن خلال كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة، ويوضح الفيديو الرقمي الهجين عند فيولا المشاركة الإيجابية من الجسم مع التكنولوجيا، ونحن نتعرض يوميا لأحداث آلية machinic مثل عملية تدفق المعلومات في الكمبيوتر، وأصبحنا مغمورين في بيئة الحوسبة على نحو متزايد لعمليات آلية تحدث أدنى من عتبة 0.3 من الثانية في "الآن"، وبدلاً من كونها مواقع غير واعية لكتابات لهذه التدفقات الرقمية ـ المواقع التي ربما تكون محددة الاستعمال في المستقبل في بيئة ما بعد الإنسان posthuman، ويرى هانسن أن فن الميديا الجديدة توضح مثل فيولا كيف يخدم الجسم المؤثر والحساس تأطير المعلومات وتحفيزها إلى صورة رقمية يدركها الإنسان، وبمعنى مادي إن الجسم وحدة تحكم coprocessor للمعلومات الرقمية، وعلاوة على ذلك حين يرى هانسن الجمالية الرقمية للتكنولوجيا باعتبارها امتداداً للقدرة الإنسانية التي تتسع لفهم العالم المادي فإنه يحلل أعمالاً مثل خماسية فيولا Viola’s Quintet لتأكيد مذهل وهو أن الحياة خلاقة بلا حدود ويصعب قرائتها، وما يمكن إدراجه وما هو قابل للتكرار قد يزيد، وكتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة هو تحدٍّ لمعرفة واسعة مذهلة يقدم مصادر مناسبة للاشتراك في أسئلة ما بعد الأنسنة[19].

أجسام في رمز

يقول مارك هانسن في كتابه أجسام في رمز إن هذا الكتاب «هو واجهات بميديا رقمية تشكل الحجم المتوسط لما أتخيله أن يكون أحد الأساسيات المخصصة لميديا جديدة باعتبارها مرحلة مؤقتة للتكنولوجيات البشرية (تطور يربط الإنسان بالتكنولوجيا)، ويلي هذا الكتاب كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة، حيث يصنع حالة للدور المحوري لتجسيم الإطار في إنتاج صور بعيداً عن المعلومات وتسبق سياسات الحضور Presencing والتي أضعها ميديا جديدة كمصدر للتلوث contamination  التكنولوجي لزمن الوعي المجسد، وأجسام في رمز هو واجهات بميديا جديدة تركز تحديداً على التجسيم وتكتشفه لذاته، وفي الصفحات الآتية سوف أتحول مباشرة إلى الفينومولوجيا الأكثر تطويرا للجسد وهي عند الفيلسوف الفرنسي موريس ميرليو بونتي لاستكشاف التقنيات التي لا يراها المطور، أعني كعلاقة لما يسبق الحس protosensory ودون الأداء التجريبي للمس، وكما يقدمه مشروع ميرليو بونتي وأصبح أساسيا على نحو متزايد.

وهدفي الصريح هو إظهار الأنطولوجيا النهائية لـ the flesh بوضعه مع الاختلاف الأساسي بين الجسم والعالم، وقد تتطلب التكنولوجيات نظرية تأصلية لتكنولوجيا الإنسان، لأن الإنسان في الأصل موجود موزع إلى واجهات حسية غير متداخلة بالعالم، وهي تتصف بأنها "فراغ gap " أو "شق divide " أو ما يسميه بونتي "فجوة écart "، وسوف أعرض للصورة الأولانية لهذه الفجوة وهي انتقال بين التجسيم والمرونة، والانتقال ينقل انبثاق الرؤية البصرية من حاسة اللمس الأولانية، وهذا الانتقال (العلاقة الأولية باعتبارشروطها) هي حالة (في الحقيقة تسبق الحالة protoinstance) لتلازم التكنولوجيات داخل الحياة المجسدة، ووفقا لهذا فإن التكنولوجيات تُفهم بمعناها الواسع كعلاقة للخارج وكانتقال شيء من الداخل إلى الخارج، وليست مجرد شيء يضاف على بعض الجواهر الطبيعية للحياة المجسدة، والأحرى يجب أن تفهم على أنها بعد تأسيسي للتجسيد من البداية [20].

وكما كانت الحال مع كتاب فلسفة جديدة لميديا جديدة، وقد استفدت من الفكر المحفز لأعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين الذين أشاروا إلى استعمال ميديا رقمية متنوعة الطريقة لإدخال تقنيات إلى التجسيم، وقد يعين فن الميديا الجديد على توضيح رهانات التقنيات الفكرية فيما يتعلق بفلسفة بونتي، باعتبارها وسطاً جمالياً للتكنولوجيا الرقمية، لقد أُدخلت أبعاد تقنية للتجسيم لا يمكن تخيلها عند هذا الفيلسوف، والحق لا يمكن تخيلها في كتابات أي فيلسوف ظهر في منتصف القرن العشرين، ووفقا لهذا كرست الجزء الأول الطويل لنقل هذه التكنولوجيات والتجسيم، وسعيت إلى التقاط البوتقة التي تلعب دوراً بالفن في اعتقادي بتكريس سلسلة تحليلات مادية لعمل فني بعينه، وأملي أن تنعش هذه التحليلات كثيراً من النقاشات النظرية للتجسيم والانعكاسية.

وعلى النقيض تقدم التحليلات المركزة في الجزء الثاني مثالاً نموذجياً لأجسام في رمز، وهي عبارة عن تجسيد موزع بالضرورة  خارج الجلد في سياق التقنيات المعاصرة، وكل الموضوعات التي اُستكشفت هنا بيئات أفتراضية غير مرئية وقوالب نمطية في سياق أوامر رقمية، وهندسة معمارية في فضاء، ومسخ الرواية المعاصرة بميديا غير معيارية يقدم عملية فريدة من نوعها خلال يُنتج التجسيد بفاعلية في تزامن مع ميديا جديدة مرنة مصنوعة.

وأملي في كتاب أجسام في رمز أن يعيننا في تذكيرنا بالدور الحيوي والضروري الذي يلعبه التجسيم في أي تجربة إنسانية حتى في الواقع الأفتراضي، وبشكل عام الافتراضي في صوره المتعددة الذي ظهر في ثقافتنا المعاصرة، مع تلافي الضجيج الذي أحاط بالواقع الافتراضي في عشرة الأعوام المنصرمة، ونحن الآن في وضع مثالي لتحليل العلاقة العميقة بين التجسيم والافتراضية، ولتقييم مدى استيعاب الافتراض في الحياة اليومية.

وأراهن هنا على أن هذا التحول يشير إلى قبول أو على الأقل الاستعداد لقبول تلازم الأفتراضي في الحياة الإنسانية كصورة مجسدة للعيش، ووفقا لهذا أسعى لتوكيد أن الأفتراضي لا يقتصر على التكنولوجيات الرقمية المعاصرة (حتى لو كان الألفة بعينها منتقاة) وإنما تمتد إلى ما دون أصل الإنسان، وحالما فهمت بهذه الطريقة يمكن أن يُنظر إلى اقتران الأفتراضي بالتكنولوجيات القوية للحاسوب الرقمي على أنه مصدر غني للتجريب وتوسيع نطاق التجسيم البشري[21].

الخاتمة

 انتهى المآل بالإنسان الغربي إلى عدم المصدقية في عالم الصور وأخرج المثل الصيني القائل "الصورة بمليون من الكلمات" إلى أن الصورة هي "مجال شك" وقد تجلت هذه الرؤية عند هنري برجسون وجيل دلوز حينما شككا في أن السينما صور مبتورة الزمن والحركة ولا تعبر عن الواقع الحقيقي المعاش، وبنى مارك هانسن رؤيته في رقمنة الأجسام وما يحيط بها بناء على هذا التراث، وتجلت رؤية هانسن في ضوء مؤلفاته الثلاثة التي توضح كيف يمكن أن نُشفر الأجسام الطبيعية وانفعالاتها في أرقام على الحاسب وتكون أكثر مصداقية، ويحاول هانسن أن يُذكر  بالدور الحيوي والضروري الذي يلعبه التجسيم في أي تجربة إنسانية حتى في الواقع الافتراضي، وبشكل عام الافتراضي في صوره المتعددة الذي ظهر في ثقافتنا المعاصرة.

قائمة المصادر والمراجع:

أولاً: المصادر الأجنبية

- Mark Hansen  :Embodying Technesis-Technology Beyond Writing, The University of Michigan Press, United States of America,2000.

2-  Mark B. N. Hansen: Bodies in Code- interfaces with digital media, Rout ledge, United States of America, 2006.

3- Mark B. N. Hansen: New philosophy for new media, The MIT Press Cambridge, Massachusetts London, England, 2004.

ثانياً: المراجع العربية:

1.   جيل دولوز: الصورة – الحركة أو فلسفة الصورة، ترجمة حسن عودة، منشورات وزارة الثقافة، بيروت، 1997.

2.   د. علاء طاهر: نهايات الفضاء الفلسفي، الفلسفة الغربية بين اللحظة الآنية والمستقبل، مكتبة مدبولي،  القاهرة، 2005.   

3.   عبد الباسط الجهاني: جماليات السينما- الصورة والتعبير، دار إى كتب، لندن،2017.

4.   هنرى برغسون: التطور المبدع، ترجمة جميل صليبا، اللجنة اللبناية لترجمة الروائع، بيروت، 1981.

ثالثاً: المراجع الأجنبية

1.   Francisco Varela, “The Specious Present: A Neurophenomenology of Time Consciousness,” in Jean Petitot, Francisco J. Varela, Bernard Pachoud, and Jean-Michel Roy, eds., Naturalizing Phenomenology: Issues in Contemporary Phenomenology and Cognitive Science, Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1999, pp. 272–273 (italics in original).

2.   Friedrich Kittler, Gramophone, Film Typewriter, tr. Geoffrey Winthrop-Young and Michael Wutz, Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1999.

3.   Gilles Deleuze, Cinema 1: The Movement-Image, tr. Hugh Tomlinson and Barbara Habberjam, Minneapolis, Minn.: University of Minnesota Press, 1986.

4.   Jean Baudrillard, Simulations, New York: Semiotext(e), 1983.

5.   Jonathan Crary, Techniques of the Observer: On Vision and Modernity in the Nineteenth

Century, Cambridge, Mass.: MIT Press, 1992.

6.   Introduction David D. Denison, Mark H. Hansen, Christopher C. Holmes, Bani Mallick, and Bin Yu Lecture Notes in Statistics Nonlinear Estimation and Classification, editors, D.D. Denison, Springer-Verlag New York,2003

7.   William J. Mitchell, The Reconfigured Eye: Visual Truth in the Post-Photographic Era,

Cambridge, Mass.: MIT Press, 1992.

رابعاً: شبكة الانترنت

- http://philosophyafternature.org/mark-b-n-hansen/

2- https://aahvs.duke.edu/people/profile/mark-bn-hansen

3- http://www.nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=30698

[1]- http://philosophyafternature.org/mark-b-n-hansen/.

[2]- Introduction David D. Denison, Mark H. Hansen, Christopher C. Holmes, Bani Mallick, and Bin Yu Lecture Notes in Statistics Nonlinear Estimation and Classification, editors, D.D. Denison, Springer-Verlag New York,2003.

[3]- https://aahvs.duke.edu/people/profile/mark-bn-hansen

[4]- http://www.nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=30698

[5]- عبد الباسط الجهانى: جماليات السينما- الصورة والتعبير، دار إى كتب، لندن،2017، ص27.

[6]- هنرى برغسون: التطور المبدع، ترجمة جميل صليبا، اللجنة اللبناية لترجمة الروائع، بيروت، 1981، ص249.

[7]- جيل دولوز: الصورة – الحركة او فلسفة الصورة، ترجمة حسن عودة، منشورات وزارة الثقافة، بيروت، 1997، ص7.

[8]- د. علاء طاهر: نهايات الفضاء الفلسفي، الفلسفة الغربية بين اللحظة الآنية والمستقبل، مكتبة مدبولي،  القاهرة، 2005، ص210   

[9]- Mark Hansen- Embodying Technesis-Technology Beyond Writing, The University of Michigan Press, United States of America,2000, P 5.

[10]- Jean Baudrillard, Simulations, New York: Semiotext(e), 1983, pp. 2–4.

[11]- William J. Mitchell, The Reconfigured Eye: Visual Truth in the Post-Photographic Era,
Cambridge, Mass.: MIT Press, 1992, p. 57.

[12]- Jonathan Crary, Techniques of the Observer: On Vision and Modernity in the Nineteenth
Century, Cambridge, Mass.: MIT Press, 1992, p. 2.

[13]- Friedrich Kittler, Gramophone, Film Typewriter, tr. Geoffrey Winthrop-Young and Michael Wutz, Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1999, pp. 1–2.

[14]- Mark B. N. Hansen: New philosophy for new media, The MIT Press Cambridge, Massachusetts London, England,2004, p

[15]- Gilles Deleuze, Cinema 1: The Movement-Image, tr. Hugh Tomlinson and Barbara Habberjam, Minneapolis, Minn.: University of Minnesota Press, 1986, pp. 58–59.

[16]-  جيل دولوز: الصورة – الحركة أو فلسفة الصورة ص 66.

[17]- Francisco Varela, “The Specious Present: A Neurophenomenology of Time Consciousness,” in Jean Petitot, Francisco J. Varela, Bernard Pachoud, and Jean-Michel Roy, eds., Naturalizing Phenomenology: Issues in Contemporary Phenomenology and Cognitive Science, Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1999, pp. 272–273 (italics in original).

[18]- Ibid., pp. 276–277.

[19]- Mark B. N. Hansen: New philosophy for new media, pp18 -20.

[20]-  Mark B. N. Hansen Bodies in Code- interfaces with  digital media, Routledge, United States of America, 2006, p ix.

[21]- Ibid: op cit ppx-xi.