البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الفنّ الفاضل عند أفلاطون

الباحث :  إلهام بكر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  21
السنة :  السنة الخامسة - خريف 2021م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 10 / 2021
عدد زيارات البحث :  8845
تحميل  ( 344.977 KB )
ما غاية الفنّ عند الفيلسوف أفلاطون، وما هي أبعاده القيميّة وعلاقته بفلسفته الأخلاقيّة؟
هذا البحث يحاول الإجابة على هذا السؤال المركّب، كما يسعى إلى تظهير موقعيّة الفنون عند أفلاطون ودورها في تربية الإنسان وإيصاله إلى سعادته في جمهوريّته الفاضلة. ومن البيّن أنّ الباحثة ركَّزت على تبيين غائيّة الفنّ الأفلاطوني الموصلة إلى السعادة، وذلك خلافًا لما ذهبت إليه الحداثة الغربيّة المعاصرة في نظريّتها المعروفة القائلة بـ «الفن للفن» أنّى كانت الآثار المترتبة عليها.

المحرّر
------------------------------------
تُعدّ قيم الحقّ والخير والجمال من أهمّ القيم التي سعت الإنسانيّة منذ أقدم عصورها إلى تحقيقها، فالتقسيم الثلاثي للقيم الإنسانيّة الكبرى كان مؤسّسًا ومبنيًّا على نظرةٍ متكاملةٍ إلى طبيعة الإنسان الروحيّة، التي لا تكتمل مقوّماتها إلا إذا كرّس الإنسان حياته في سبيل اكتساب الحقيقة في العلم، وتوخّي الخير في التعامل مع الغير، والبحث عن الجمال في الطبيعة والفنّ.

ولقد تركّزت دعوة أفلاطون في أن يقترب من ماهيّة الفلسفة بأن يتّجه نحو الحقّ والخير، ومن ثمّ أصبح معيار الفنّ الأكبر لديه هو الأخلاق[1].

لهذا يمكن اعتبار الأخلاق محور الدّور التربوي والتهذيبي للفنّ. فعلى الرغم من أنّ اللّذّة تعدّ ركنًا أساسيًّا في العمل الفني، إلا أنّ التهذيب يعدّ غايةً أساسيّةً أيضًا. فالتهذيب فوق اللّذّة، فليس الجمال هو الصورة الحسّيّة التي تُحدث في النّفس لذّة حسّيّة جماليّة، إنّما الجمال الحقيقي هو جمال الحق والخير[2].
ولقد أكّد أفلاطون على أنّ للفنّ أثر على السلوك البشري، بشرط أن يكون هذا الفن في خدمة الأخلاق ومن أجل رُقيّها لا العكس، وهو ما يعبّر عنه بقوله: «إنّ كلّ الفنون ذات الشأن تستلزم المناقشة وإمعان الفكر في الطبيعة وفي السماء، وبهذا تحصل على السمو الفكري والكمال الصحيح[3]».

هذا بالإضافة إلى تمسّك أفلاطون بالمبدأ السقراطي الذي يجعل القيمة العليا لكلّ الفنون والعلوم في مقدار ما تحقّقه للنفس البشريّة من فضيلة وإصلاح وتهذيب[4].
لقد كان الفنّ عند أفلاطون تابعًا لكلٍّ من الأخلاق والفلسفة، ولذلك قام بتوجيه نقدٍ شرسٍ للفنّ السائد في عصره، وخاصّة الفنّ الذي يعمل على إبراز الجانب المحسوس للأشياء من مرئيّات ومسموعات، الأمر الذي يحجب عنّا الارتفاع من المحسوسات إلى المعقولات حتى نبلغ الحق. وهذا ما يجعله يوضّح أنّ المهمّة الحقيقيّة للفن هي الكشف عن المثل الأعلى للجمال الذي هو مصدر الفن[5].

ربّما لهذا السبب سينظر كثيرون من المحقّقين إلى أفلاطون بوصفه تابعًا لأصحاب نظريّة «الفن للأخلاق» وهي النظريّة التي تُخضع الفنّ للمثاليّة الأخلاقيّة، وتجعل منه وسيلة ترسيخ القيم السامية، والحفاظ على المثل والقيم الأخلاقيّة العليا وهذا يعني أنّ القيمة الفنيّة تحتلّ مكانة أدنى من القيمة الأخلاقيّة، وبالتالي فإنّ الفنّ يحتاج بالضرورة إلى الأخلاق لكي يكتسي بها.
ومن هنا كانت غاية الفنّ عند الحكيم اليوناني هي أن يوجّه الناس نحو الخير، وينفرهم من الشر، وأن يكون داعية من دواعي الفضيلة يصلح من عادات الناس، ويقوّم أخلاقهم، ومن ثم يكون للفنان رسالة أخلاقيّة أو إنسانيّة أو اجتماعيّة من شأنها أن تعلم الناس وتسهم في تربيتهم والارتفاع بمستواهم الأخلاقي[6]. ولقد نبّه أفلاطون على ضرورة اكتشاف تأثير الفنون على الناس، واستخدامها في التربية الصالحة موضّحًا أنّ السّلوك الجميل يولّد فينا إحساسًا بالسرور واللذّة الخالصة.

وإذا كان لأفلاطون موقف معادٍ لبعض الفنون، عندما طالب بإبعاد الشعراء والفنانين من جمهوريّته، فقد كان ذلك من أجل الحفاظ على التربية الأخلاقيّة للنشء.
إلّا أنّه لم يستبعد كلّ أنواع الفنون، بل استبقى على بعضها مثل الموسيقى الحماسيّة والدينيّة، والشعر الذي يمجّد الفضيلة والصدق وملاحم سير الأبطال، وبالجملة كلّ ما يفيد في تقوية الناحية الأخلاقيّة والتربويّة السليمة[7].
ولكي تتّضح نظريّة أفلاطون في الفن ودوره الأخلاقي فلا بدّ من عرض النقاط التالية:

الفنّ والمحاكاة
تعود بداية ظهور نظريّة المحاكاة (imitation) إلى القرن الرابع ق.م، وبالتحديد مع أفلاطون ونظريّته في المثل التي تعدّ الأساس والمنطلق الذي تُبنى عليه فلسفته بكاملها في الفنّ والجمال، والتي أراد بها التعبير عن طبيعة النّظرة العقليّة إلى العالم من حيث تخلّيها عن الطابع العرضي للظواهر المتغيّرة.
فنظريّة المُثل تعدّ تعبيرًا عن نظريّة عقليّة كلّيّة ترى أنّ الوعي أسبق في الوجود من المادّة، أي أنّها توّجت الوجود كلّه بعالم المُثل. ومن ثم كان أفلاطون يری أنّ الوجود ينقسم إلى ثلاث دوائر وهي:

1 - دائرة المال والمدركات العقليّة وهي دائرة الحقائق الكلّيّة.
2 - دائرة العالم المحسوس والطبيعة والواقع.
3 - دائرة الفنون والعلاقة التي تربط هذه الدوائر الثلاث هي علاقة محاكاة[8].

الأولى هي عالم المُثل، والثانية عالم الحسّ وهو صورة العالم الأوّل، والثالثة عالم الظلال والصور والأعمال الفنيّة.
والعالم المثالي هو عالم كامل من صنع الإله، ويتضمّن حقائق مطلقة لا يمكن لمسها في الواقع، والعالم المحسوس الطبيعي المادي هو عالم الموجودات والذي هو ظلّ أو صورة منقولة عن عالم المثل. ومن ثم فهو عالم مشابه ومماثل لعالم المثل فهو محاكاة له وصورة عنه. وهذا هو ما سمّاه أفلاطون التقليد الأوّل أي صورة المثل فهو محاكاة له وصورة عنه. وهذا ما سمّاه أفلاطون التقليد الأوّل أي صورة المثل في الواقع[9].

ولشرح ذلك يرى أفلاطون أنّ الشجرة الموجودة في الواقع أي في العالم الطبيعي هي صورة للشجرة الأولى الموجودة في عالم المثل أي أنّها تقليد للمثال الأوّل، فإذا رسم الفنّان شجرة ثالثة فإنّه سينقلها عن الشجرة الثانية، والتي بدورها صورة عن الشجرة الأولى في حالة الفنّان أو الرسّام يمكن إطلاق عبارة (محاكاة المحاكاة) هذه المحاكاة التي تمثّل نقل صورة عن صورة تنتج صورة ناقصة ومشوّهة؛ لأنّها تقوم على محاكاة المُثل الثابتة.

ومن ثم رأى أفلاطون أنّ الأشياء الخارجيّة لا حقيقة لها، إنّما هي صور لأفكار هي المثُل الموجودة وجودًا حقيقيًّا. وبذلك يصير الفنّ مجرّد تعبير عن ظلال وتمويه بعيدًا عن الحقيقة، والفنان مجرّد محاكي ومقلّد من الدرجة الثانية[10].

يقول أفلاطون:
«إنّ الفنّ القائم على المحاكاة بعيد كلّ البُعد عن الحقيقة، وإذا كان يستطيع أن يتناول كلّ شيء، إلا أنّه لا يلمس إلّا جزءًا صغيرًا من كلّ شيء، هذا الجزء ليس إلّا شبحًا...، ما هو إلّا مظهرًا للحقيقة[11]».

فالمحاكاة ليست محاكاة لشيءٍ حقيقيٍّ، بل هي محاكاة سطحيّة تحاكی المظهر لا الحقيقة. ومن ثمّ فالفنّ القائم على المحاكاة بعيدٌ كلّ البُعد عن الحقيقة.

وإذا كان الأمر كذلك فما هو معيار الجمال في الفنّ لدى أفلاطون؟
لقد بدأ أفلاطون رؤيته الفنيّة للأشياء بالنّظر إلى المحسوسات ومشاهدة الصّور الجميلة، سواء أكانت طبيعيّة أم فنيّة؛ حيث يتدرّج المرء من مشاهدة الجمال المحسوس حتى يصل إلى الجمال العقلي الذي يشمل جمال العلم وجمال الحكمة، الذي يمتاز بالألوهيّة والثبات والأزليّة، ومن ثم فهو جمالٌ ثابتٌ لا يفسد ولا يختفي ولا يظهر؛ إذ لو سعينا إلى البحث عن الجمال فلن نجده في الجزئيّات المحسوسة، فليس الجمال هو الغانية الفاتنة، ولا هو الفرس الجميلة، ولا القيثارة الثمينة.

فأجمل القرود على حدّ قول هيرقليطس سيبدو قبيحًا إذا ما قورن بالإنسان.
إذًا، فالجمال الذي ينبغي البحث عنه هو الجمال الحقيقي المطلق، الذي لا يداخله أيّ قبح، إنّه الجمال بالذات أو تلك الحقيقة الإلهيّة الخالدة[12].

يقول أفلاطون:
«إذا جاء أحد ليقول إنّ شيئًا ما جميل بسبب شكله أو أيّ شيءٍ آخر من هذا النّوع، فإنّي أدع كلّ ذلك جانبًا... ليس هناك ما يجعل ذلك الشيء جميلًا إلّا ذلك الجمال المشار إليه، بحضوره أو بالاشتراك فيه أو بأنّه وسيلة أخرى،... وإنّني أقرّر أنّ الأشياء الجميلة تصير جميلة بالجمال، وهذه هي أوثق إجابة،.... فبالجمال (أي مثال الجمال) تصير الأشياء الجميلة جميلة[13]».
ومن ثم يتّضح أنّ الجمال الذي يطمع الفنان في تحقيقه إنّما يستمدّ جماله المحدود من مشاركته في مثال الجمال المطلق، لكن جمال الأشياء المحسوس يمكن أن يتغيّر ويتلاشى، ويمكن أن يظهر للبعض ولا يظهر للبعض الآخر، لكن مثال الجمال المطلق هو وحده الذي يظلّ ثابتًا بلا تبدّل أو تغيّر. يقول أفلاطون:

«إذا كان يوجد شيء جميل إلى جانب الجمال في ذاته، فليس هناك سبب يجعله جميلًا إلّا مشاركته في هذا الجمال[14]».
وعلى هذا قسّم أفلاطون «المحاكاة» إلى نوعين هما:
1 - محاكاة تعتمد على معرفة ويصحبها الصدق، فهي أقرب إلى التعبير الصادق الذي يلتزم بالحق وتحقيق الجمال. وهي تمثّل محاكاة الفيلسوف.
2 - محاكاة لا تصحبها معرفة وثيقة بحقيقة الأصل الذي تحاكيه، وإنّما هي نقل آلي يعتمد على التمويه، ويخلو من الحقّ والجمال على السواء، ويمثّلها محاكاة السفسطائي والخطيب والفنانين الشعراء، فأولئك جميعًا أخذوا بالمظهر، وانقطعوا عن تقصّي الحقائق، كما شغفوا بالنقل الواقعي لما يبدو لحواسهم، والتعبير الصريح عن العواطف والانفعالات، وعمدوا إلى التأثير في الجمهور بإثارة ما فيهم من انفعالات، وابتعدوا عن العمق والمعقوليّة والتزام الأهداف الأخلاقيّة والميتافيزيقيّة الكبرى، التي تميّز الفنّ المحافظ القديم. فالسوفسطائي والخطيب كلاهما محاكي، ولكنّها محاكاةٌ من قبيل الظّنّ.
فالسوفسطائي لا يكمن أن يكون حكيمًا، إنّما هو مقلّد للحكيم، الذي هو الفيلسوف الحقيقي، والخطابة ليست فنًّا، ولكنّها نوع من الخبرة يهدف إلى تحقيق اللذة. وكلاهما (أي السفسطة والخطابة) وسائل لخداع الجمهور تخلو من المعرفة بالحقيقة والتّوجيه إلى الغاية الخيرة[15]، ولا ينطبق عليها معنى الفن الصحيح، ولذلك فهو يصفها بقوله: «مثل هذه الأعمال یا بولوس أسمّيها خداعًا واعتبرها قبيحة، لأنّها تهدف إلى اللذة، ولا تعنى بطلب الأحسن، هي لا تعتبر فنًّا، بل هي مجرّد خبرة، لا تعتمد فيما تقدّمه على سبب معقول لحقيقة ما، ولا أسمّي العمل الذي لا يستند إلى سبب معقول فنًّا[16]».

إنّ هذه المحاكاة التي لا تمّت إلى الجمال أو الخير بصلةٍ قد ينجح صاحبها في خلق اللّذّة، ولكنّها لذّة الجهّال والسذّج؛ حيث قد ينجح في إدخال السرور على العامّة، لكنّه لا ينجح أبدًا في التّعبير عن الجمال الفنّي الحق؛ لأنّ هذه المحاكاة نوعٌ من الخداع، يتوهّم صاحبها أنّه يقدّم الخير والمتعة، لكنّه في الواقع جمال مزيّف.
أمّا المحاكاة المستنيرة فهي تمارس بما يجب عليه أن تحاكيه من مُثل الحقّ والخير والجمال. وهذه لا توجد إلّا لدى الفنّان الذي يتمتّع بالثقافة الفلسفيّة الواسعة، فالمحاكاة الصحيحة هي التي تتعلّق بحقيقة مثاليّة، لا بصورة حتى تأتي بتصوير معبّر عن الأصل قدر الإمكان. وحسب أفلاطون: «إنّ الفنّان الحقيقي، الذي يعرف ما يقلّده بالحقائق لا بمحاكاتها[17]». وهكذا فإنّ الفيلسوف الملهم بالحقيقة، الواعي بمنهج الجدل هو الأقدر على الخطابة وعلى إقناع النّاس من الفنان ذي المعرفة السطحيّة الذي يجهل موضوع حديثه، فالفيلسوف هو وحده الذي يستطيع أن يميّز في آراء النّاس بين الخير والشّرّ؛ لأنّه يعرف مسبقًا حقيقة هذه الأشياء التي عليها يختلفون، وتلك هي الحقيقة الكلّيّة المعقولة التي هي موضوع العلم عند سقراط وأفلاطون.

شعريّة أفلاطون
طبّق أفلاطون فكرة المحاكاة على الشعر كما طبقها على السفسطة والخطابة؛ حيث بيّن ما يمكن أن تصل إليه المحاكاة من تزييف الحقيقة وبثّ الأوهام، وما يترتّب على ذلك من أخطارٍ على النّشء وعلى المجتمع، والتكوين الفلسفي.

فالمحاكاة التي لا تستند إلى معرفة الحقيقة تضلّل فنّ الشعر وباقي الفنون الجميلة الأخرى؛ لأنّها محاكاة لا تصحبها معرفة، فهي سلاح في يد من لم يكن على علم بأصول استعماله. وهذا ما يعرب عنه في محاورات «الجمهوريّة» بقوله:
«لن نقبل هذا النّوع من الشعر الذي يتلخّص في المحاكاة فهذه ضرورة قد حتّمتها دراستنا للنفس وقواها...، فالشعر التراجيدي يفيد نفوس هؤلاء الذين يستمعون إليه ما لم يكن قد تحصّنوا بمناعةٍ كافيةٍ أي بمعرفة طبيعة هذا الشعر على الوجه الصحيح[18]».

لكن لماذا كان هجوم أفلاطون على الشّعر وخصوصًا ما يتعلّق منه بالتراجيديا التمثيليّة؟
لقد كتب أفلاطون عن الشعراء التراجيديّين باعتباره ندًا له، وينطلق أفلاطون منتقدًا للشعر التقليدي، أوّلًا لمضمونه، ثم لشكّله، وتنقسم اعتراضات أفلاطون على المضمون إلى قسمين:

فالشعراء أساءوا تقديم ما هو إلهي، ثم إنّ لهم تأثيرًا ضارًّا علی الأخلاقيّات[19].
وبشأن أنّ الشعراء التراجيديّين قد أساءوا إلى كلّ ما هو إلهي، فقد انتقدهم أفلاطون بشأن تناولهم الشعري للآلهة على نحوٍ في غاية البساطة؛ حيث شبّهوا الآلهة بصفاتٍ بشريّةٍ كالتزاوج والزنا، وإيقاع المكائد للبشر، وهي صورة لا تناسب الآلهة كما يرى أفلاطون؛ لأنّ ما هو إلهي هو مسؤول عن الخير وحده لا عن الشر، وإنّه لا يتغيّر قط، ولا يكذب ولا يخدع[20].

أمّا عن انتقادات أفلاطون للمضامين الأخلاقيّة للشعر التراجيدي، فتدور حول ما يلي:
1 - إنّ في هذا النّوع من الشعر يخرج الشاعر عن طبيعته، ويتحرّر من التزام الصورة المثاليّة الثابتة لكي يحاكي صورًا كثيرة أخرى، ويقدّم كلّ ما يصدر عنها من حديث أو أفعال سواء اتفقت مع الحقيقة المثاليّة أو لم تتفق.
ومن ثم فليس كلّ الشعر محاكاة، وإنّما توجد المحاكاة حين لا يكون تعبير الشاعر صادرًا عن الحقيقة الثابتة التي تتضمّن قيم الحق والخير، لذلك خصّ أفلاطون شعر التراجيديا والكوميديا بصفة المحاكاة.
2 - يكمنُ خطر الشعر الدرامي في أنّ الشاعر عندما يندمج في دوره تنقلب طبيعته إلى طبيعة أخرى يمثلها بصرف النّظر عن قيمة ما يمثّله، أو ما فيه من خير أو حقّ أو جمال.
3 - إنّ الشّعر الدرامي الذي يمثّل على المسرح له تأثيره على النّفس البشريّة ممّا يجعله أخطر من مجرّد وسيلة للهو أو التسلية؛ وذلك لأنّ فيه قدرة على التأثير في الطبيعة البشريّة نفسها بما يعرّضه ويصوّره من انفعالات بشريّة وعواطف جامحة وجرائم مروّعة، ممّا يؤثّر على تربية النشء، وخاصّة تربية الحراس، فلاسفة المستقبل. يقول في هذا الصدد: «إن جاز للحكّام أن يمثّلوا شيئًا، فيحاكوا إذن تلك الصفات التي نشأوا عليها منذ حداثتهم، كالشجاعة والاعتدال والعفّة والكرم، ولا يمارسوا ولا يحاكوا الدناءة وأنواع الرذائل لئِلّا تلصق بنفوسهم فتصير لهم طبيعة وسجيّة[21]».
إذًا، ضرر المحاكاة لا يقتصر على تأثيرها في طبيعة من يمارسها، بل لأنّها تعرّض من يمارسها لرذيلة القلب والتلوّن، وهي صفة يجب على الفلاسفة أن ينأوا عنها، ويثبتوا على طبيعتهم الفاضلة.
4 - إنّ للمحاكاة أثرًا خطيرًا، وهو أنّها تؤثّر على اتّزان النّفس، فالشاعر المحاكي لا يخاطب المبدأ العاقل في النّفس، وهو غير قادر على استخدام موهبته لإرضائه، بل إنّ هدفه هو إرضاء الجمهور، فهو لا يهتم إلا بالجزء الانفعالي المتقلّب في الخلق، ذلك الجزء الذي يسهل تقليده[22].
5 - إنّ الشعر الدرامي يقوّض فضائل الشجاعة والجرأة وضبط النفس والعدالة، فالتوصيفات الشعريّة لأهوال العالم الآخر تجعل البشر يخشون الموت (وقد اتّضح في هذا الفصل کیف نظر أفلاطون للموت باعتباره اللحظة التي تتحرّر فيها النّفس من ربقة الجسد، كما أكّد أنّ حياة الفيلسوف الحق ينبغي وأن تكون مرانًا على الموت).
لذلك كان من الطبيعي أن نراه يحذف تلك الأبيات التي جاءت على لسان «أخيل في الجحيم»:
«إني لأوثر أن أكون على الأرض خادمًا يكتري جهده رجل لا يملك أرضًا وأن أعيش على الكفاف، على أن أكون ملكًا متوجًا على كل الموتى الهالكين[23]».
6 - إنّ الشعراء والفنانين لا يجدون هذا العالم فحسب، بل يدفعون بنا إلى رحاب عشقه بدلًا من أن نُنحّيه جانبًا، على نحو ما ينبغي أن نفعل تحقيقًا لخلاص أرواحنا، بل إنّهم يقومون بإغرائنا لننطلق في الاتّجاه الخاطئ بصورةٍ قاطعةٍ، فهم ينقلوننا من تماثلات خادعة إلى تماثلات للتماثلات، إلى فحص صور لعالم خدّاع. ولذلك يعتبر أفلاطون أنّ الشاعر يؤمن بالصورة، فلذلك فهو يعدّ مجرّد مدّعي نبوّة[24].

ومن ثم اختص أفلاطون الفنّ بأسوأ درجات المعرفة، ألا وهي المعرفة الوهميّة، وإنّ اقتصار الفنّان على هذا المستوى من المعرفة لا يحقّق قيم الجمال في فنّه؛ وذلك لأنّ أداة الفنّان في الخلق هي الوهم، ولا يُعيب الفنّان أنّه صانع أوهام، ولكن يُعيبه هو خلطه بين الحقيقة والوهم، وادّعاؤه أنّ ما يقدّمه للناس هو الحقيقة. فعلى الفنّان إذن أن يتجاوز الصّور الجزئيّة المحسوسة ليصل إلى أصولها المثاليّة المعقولة إذا أراد أن يقدّم فنًّا حقيقيًّا للناس. ومن هنا تظهر لدى أفلاطون كيف تلتقي مهمّة الفنّ الجيّد بالفلسفة ويرتبط الجمال الفنّي بالحقيقة المثاليّة[25].

وإذا كان هذا هو موقف أفلاطون من الشعر الدرامي (أي التراجيديا والكوميديا) فما هو الشعر الذي امتدحه أفلاطون وبجّله؟
لقد استثنى أفلاطون الشعر الغنائي والملحمي من نقده اللاذع؛ لأنّه اعتبر أنّ كلاهما يعدّ أصدق تعبيرًا عن الحقيقة؛ لأنّ الشاعر في هذين النوعين من الشعر يروي الحقيقة على لسانه، فيكون أصدق في عرضها. كما أنّ المحاكاة في هذه الأنواع لا تتّجه إلى نقل المحسوسات المتغيّرة، بل هي تعبير صادق عن قيم الحق والخير والجمال، حيث إنّها تتّخذ موضوعاتها من مدح الآلهة والأبطال، والتغنّي بصور المجد والبطولة، والإرشاد إلى المثل العليا التي ألهمت شعراء مثل بندراوس[26].

لذلك يفرض علينا أفلاطون أن نظلّ على قناعتنا بأنّ التراتيل التي تُنشد للآلهة، ومدائح الخيّرين هي الشعر الوحيد الذي ينبغي أن يُسمح به، وذلك هو خاتمة ما يطلق عليه أفلاطون نفسه في هذا الموضع «الشجار القديم بين الفلسفة والشعر[27]».

الموسيقى ودورها الأخلاقي
لقد وظّف أفلاطون الفنّ أخلاقيًّا؛ حيث استخدم الفنّ في الدعوة إلى الأخلاق، وجعل غاية الفنّ غاية أخلاقيّة، ولم يجعل له قيمة في ذاته، بل إنّ قيمته تتحدّد بمدى حثّه على الفضيلة، وطلب المثل الأعلى.

ومن ثم فلقد اعتبر أفلاطون أنّ الموسيقى هي من أرفع الفنون وأرقاها؛ ذلك لأنّها تؤثّر تأثيرًا مباشرًا في النفس الباطنة، ووسيلة لتحقيق التطهير الروحي، وتحرير النفس من ارتباطها بالجسد، بما ينعكس إيجابًا على أعضاء الجسم وأجهزته. أي أنّها كانت تستخدم للعلاج أيضًا.
فالموسيقى تعمل على بعث التوافق بين نفس الإنسان المتناهية والنفس اللّا متناهية، وذلك عن طريق المزج الرقيق بين أفكار المرء وأفعاله، وبين الأجرام السماويّة التي يتم بها انسجام الأفلاك[28].
والموسيقى لدى أفلاطون هي مبحثٌ تعليميٌّ ينبغي أن يستخدم في تحقيق أخلاق فاضلة، فالموسيقى (في نظره) قد وهبت للإنسان؛ لكي تجعله يحيا حياةً فاضلةً منسجمةً وحكيمةً. لذا يجب أن تُعبّر الموسيقى عن الجمال والحقيقة في صورةٍ سهلةٍ حتى يقتنع بها العقل؛ ذلك لأنّ الموسيقي لا بدّ وأن تتّجه في النهاية إلى حب الجمال[29].

إذًا، لم يكن هدف الموسيقى عند أفلاطون هو بعث اللذة الاستطيقيّة وحدها، بل كان لها هدف أسمى وهو التأثير على النّفس، بحيث تُكسبها ائتلافًا واتّزانًا غايتهما تحقيق الخير. وها هو يُعرب عن موقفه هذا في الجمهوريّة بالقول: «إنّ روعة الموسيقى تُقاس بما تبعثه من سرور، ولكن السرور لا ينبغي أن يكون سرور أشخاص عابرين، فأفضل الموسيقى هي تلك التي تبهج خيار الناس وأفضلهم تربية، وخاصّة تلك التي تبهج الرجل الأبرز في الفضيلة والتربية[30].
لم يسمح أفلاطون إلّا بنوعين من الموسيقى هما: الموسيقى الدوريّة والفريجيّة، وهي الموسيقى الحماسيّة الجادّة، وتمثّل الأولى الضرورة والأخرى الحريّة، وتُعبّران خير تعبيرٍ عن الشّجاعة في تحمّل الشّقاء، والحكمة والرزانة في أوقات الرخاء. أمّا الموسيقى الأيونيّة والليديّة فقد رفضها أفلاطون وأطلق عليها اسم «الأنغام المسترخية» فهما يمثّلان الموسيقى الهادئة، لذا أعتقد أنّ كلًّا منهما يحثّ على السكر والليونة والكسل. فهو يقول: «حسنًا، ألا ينبغي استبعاد هذين النوعين من اللحن، إن أثرهما لضار على النساء اللاتي يردن التّمسك بالرزانة، فما بالك بالرجال[31]». ويضيف: «إنّه ينبغي أن تكون ايقاعتنا ملائمة لحياة الاعتدال والشجاعة، لذا يجب علينا نجعل الأنغام والأوزان ملائمة للكلمات التي تعبّر عن هذا النوع من الحياة، لا أن نجعل الكلمات ملائمة لأي نوع من الأنغام والأوزان[32]».

خاتمة نقديّة
يتّضح أنّ أفلاطون لم يفرض الرّقابة على الكلمات فحسب (المتمثلة في فن الخطابة والشعر)، بل أيضًا فرض رقابةً صارمةً على الألحان والإيقاعات، وذلك كلّه من أجل أن يكرّس الفنّ لخدمة الأخلاق، والبُعد عن أيّ شيءٍ يدعو إلى الرذيلة والدناءة، حتى ينشأ الشباب في جوٍّ أخلاقيٍّ، ملتزمين فيه بقواعد وأصول الحقّ والخير والجمال.
ومن البيِّن أنّ الحكيم الإغريقي لم يكن يرى إلى الفنون كافّة، إلّا بما هي خطوط اتّصال مع عالم المُثل. ولأجل ذلك لم تكن رؤيته إلى الفنّ إلا بوصفه غايةً تربويّةً وأخلاقيّةً تُوصل الإنسان إلى السعادة. وعلى هذا الأساس كانت معايير العيش في جمهوريّته مستندة إلى السلوك القديم والأخلاق الفاضلة، بل هي من الشروط التأسيسيّة لمبانيها الروحيّة والثقافيّة والسياسيّة.

لعلّ مقارنة إجماليّة بين حكمة الفنّ الأفلاطوني وفلسفة الفنّ في الحضارة الحديثة، ما يفيد بانزياحات جوهريّة بين الرؤيتين؛ حيث جاءت نظريّات الفنّ للفنّ التي أطلقتها تيّارات الحداثة؛ لتعكس تناقضًا صارخًا مع ما ذهب إليه أفلاطون. وهو ما يُظهر بوضوحٍ جليٍّ النتائج المخيّبة للآمال من التهافت الأخلاقي والتربوي في الكثير من حقول الفن الحديث.

وإذا كان لنا أن نُبيّن البُعد الأخلاقي والتربوي في مساجلات أفلاطون لوجدنا في ردوده على السوفسطائيين ما يشكّل حقلًا معرفيًّا للنّقاش الرّاهن. خصوصًا أنّه يوجد تشابه ملحوظ بين العقل الأداتي للحداثة وما كان يذهب إليه السوفسطائيون في رؤيتهم لنظام القيم والوجود. وسوف نرى أنّ أفلاطون ومعلّمه سقراط يحاججان ضدّ الميول الوضعيّة عند السوفسطائيّين منطلقين من مفهوم خاصّ للقانون الطبيعي.
وكان السؤال زمانذاك، هو ما إذا كان بإمكان البشر أن يصلوا إلى معاييرَ كليّة، وإلى معرفة شيء صحيح وحقيقي بشكل كلِّي يتجاوز التقاليد السوفسطائيّة. ومن المعروف أنّ مسائل كثيرة طرحها السوفسطائيّون تتعلّق بالأخلاق والعلوم الاجتماعيّة والإبستمولوجيا والنسبيّة والمطلقيّة والحق والقوّة والغيريّة والعقل والمشاعر إلخ[33]... وكانت هذه كلّها مدار جدلٍ واعتراضٍ من جانب سقراط وأفلاطون. وعلى أيّة حال يمكن النّظر إلى نظريّة المُثل الأفلاطونيّة وفي إطارها الفن، بوصفها محاولةً لصياغة جوابٍ إيجابيٍّ عن السّؤال المتعلّق بما إذا كان هناك إمكان لقيام نظامٍ سياسيٍّ أخلاقيٍّ؟ وبهذا المعنى تكون نظريّة المُثل بمثابة حجّةٍ مضادّةٍ للشّكّ السياسي-الأخلاقي للسوفسطائيّة.

---------------------------------
[1]*ـ باحثة وأستاذة الفلسفة اليونانيّة ـ جامعة عين شمس ـ جمهوريّة مصر العربيّة.
-  زكريا، فؤاد: آفاق الفلسفة، ط1، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، 1988، ص438.
[2] - محمد عطية، محسن: غاية الفن (دراسة فلسفيّة ونقديّة)، لا ط، القاهرة، دار المعارف، 1991، ص56.
[3]- أفلاطون: فايدروس، ف 269ب -270هـ.
[4]- Plato: Greater Hippias, The Dialogues of Plato, Trans By B. Jowett, 5 vol., Oxford, Clarendon press, 1970, 283d.
[5]- محمد عطية/ محسن، غاية الفن، م.س، ص 54؛ أحمد فؤاد الأهواني: أفلاطون، ص44.
[6]- جیروم ستوليز: النقد الفني (دراسة جماليّة وفلسفيّة)، ترجمه د/ فؤاد زكريا، ط2، القاهرة، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، 1981، ص518.
[7]- M.C. Beardsley: History of Aesthetics, Macmillan press,   N.y 1972, p.20
[8]- الجوزو، مصطفى: نظريّات الشعر عند العرب (المحدثين من عصر النهضة)، ط2، بیروت، دار الطليعة، 1988، ج2، ص89.
[9]-  إسماعيل، عز الدين: الأسس الجمالية في النقد العربي، ط3، القاهرة، دار الشؤون الثقافية العامة، 1986، ص35.
[10]- عباس، إحسان: فنّ الشعر، ط2، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1993، ص17.
[11]-  أفلاطون: الجمهورية، ف 598.
[12]- Plato: Greater Hippias: 287a-d.
[13]-  أفلاطون: فيدون، ف 100 د-هـ.
[14]-  م.ن، ف 100 جـ.
[15]-  حلمي مطر، أميرة: فلسفة الجمال (أعلامها ومذاهبها)، لا ط، القاهرة، دار قباء للطبع والنشر، 1998، ص55-57.
[16]- أفلاطون: محاورة جورجياس، ف 1465.
[17]- أفلاطون: محاورة الجمهورية، ف 599؛ أحمد فؤاد الأهواني: أفلاطون، ص51.
[18]- أفلاطون: محاورة الجمهوريّة، ف 595.
[19]- كوفمان، والتر: التراجيديا والفلسفة، ترجمة: حسين كامل يوسف، ط2، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 1992، ص33.
[20]- كوفمان، والتر: التراجيديا والفلسفة، م.س، ص35-36.
لم يكن أفلاطون هو أوّل من ثار على الشعراء التراجيديين، بل سبقه في ذلك اكسينوفان، الذي كان شديد الانتقاد لهم؛ لأنهم قد تحدثوا عن الألوهية وقدموها في صورة هزلية لا تليق، فقد انتقد أشعار «هوميروس وهزيود»؛ لأنهم ألحقوا بالآلهة كل الأعمال التي تحط من قدر الآدميين وتكللهم بالعار كالتلصص والزنى والغش.
ولقد كان رفض إكسينوفان لهذه الصورة الهزلية التي تصور الآلهة كالبشر الفانيين الذين يمارسون كل أنواع الشرور، إنما هو رفض لكل العقائد الشائعة في عصره حول الألوهية وليس فقط لما ورد فيها من أشعار هوميروس وهزيود، أو في الأدبيات الأخرى للديانة الأوليمبية اليونانية.
كذلك يعد إكسينوفان أول من نادى بفكرة أن هناك إله واحد يمتاز بواحدية خالصة، يعلو على الآلهة والبشر، لا يشبه الآدميين في صورته ولا في عقله، وهو يسيطر على الأشياء كلها بقوة عقله. لمعرفة المزيد راجع: النشار، مصطفى: تاريخ الفلسفة من منظور شرقي (السابقون على السوفسطائيين)، لا ط، القاهرة، دار قباء للطبع والنشر، 1998، ج1، ص178-180.
[21]- أفلاطون: الجمهوريّة، ف397.
[22]- أفلاطون: الجمهورية، ف 601؛ حلمي مطر، أميرة: فلسفة الجمال، م.س، ص60.
[23]- كوفمان، والتر، التراجيديا والفلسفة، م.س، ص37.
[24]-  م.ن: ص42.
[25]-  حلمي مطر، أميرة، فلسفة الجمال، م.س، ص92.
[26]-  حلمي مطر، أميرة، فلسفة الجمال، م.س، ص62-63.
بنداراوبندراوس: هو شاعر غنائي يوناني، ويعتبر من أعظم الشعراء الذي عرفتهم اليونان، كتب سير الأبطال، وتغني بأناشيد النصر للآلهة، ومديح المشهورين من العظماء، وأغاني الموائد ومراثي الجنازات، ولعل سر إعجاب أفلاطون به يعود إلى أن «بندار» كان يؤمن بالطقوس الغامضة الخفية ويرجو كما يرجو أروفيوس أن يكون مقرّه الجنة، حيث أنه ينادي بأن الروح البشريّة من أصل إلهي وأن مآلها إلهي، وقد قدم وصفًا ليوم الحساب، والجنة والنار وصفة يعد من أقدم أوصافها حيث قال:
«بعد الموت مباشرة تعاقب الروح الخارجة على القانون، وينظر في الخطايا التي ارتكبت في مملكة زيوس، حيث يصدر فيها أحكامه الصارمة التي لا تنقص. وفي ضياء الشمس الجميل يقيم المتقون لا فرق بين أيامهم ولياليهم في بهجتها وبهائها، ولا يفعلون ما كانوا يفعلونه في الأيام الخالية، يكدحون كدحًا كئودًا في حرث الأرض وإثارتها کي يحصلوا على حاجاتهم الباطلة، بل يقيموا في نعيم دائم مع الآلهة العظام، ويقضون معهم حياة خالية من الأحزان، وعلى بعد منهم نرى فريقًا آخر يقاسمون ألوان العذاب، ويقبعون في دياجير مظلمة لا ينفذ فيها البصر».
لمعرفة المزيد راجع: الأسدي، سعود: إشراقة الشعر الغنائي اليوناني القديم، لا ط، المغرب، منشورات الزمن، 2003، ص66.
[27]-  كوفمان، والتر، التراجيديا والسنة، م.س، ص39.
[28]-  بوتنوي، جولیوس: الفيلسوف وفن الموسيقى، لا ط، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1974، ص41.
[29]-  البسيوني، محمود: تربية الذوق الجمالي، لا ط، القاهرة، دار المعارف، 1986، ص114.
[30]-  أفلاطون: الجمهورية ف 399.
[31]-  م.ن، ف 398.
[32]-  م.ن، ف 400.
[33]-  غنار سكيربك ونلز غيلجي: تاريخ الفكر الغربي من اليونان القديمة إلى القرن العشرين، ترجمة: حيدر حاج اسماعيل، لا ط، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، 2012، ص102.