البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحياة الطيّبة في القرآن الكريم قراءة في منظومة العلاّمة محمد حسين الطباطبائيّ

الباحث :  سامر توفيق عجمي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  23
السنة :  ربيع 2021م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 6 / 2021
عدد زيارات البحث :  798
تحميل  ( 3.561 MB )
هذه الدراسة تحت عنوان «معنى الحياة الطيبة في القرآن» هي محاولة تأصيليّة لمفهوم الحياة والموت والإيجاد والعدم استنادًا إلى رؤية الفيلسوف العلّامة السيّد محمد حسين الطباطبائيّ المدوّنة في أعماله التفسيريّة أو في دراساته الفلسفيّة والأخلاقيّة.

 وقد سعى الباحث في الفكر الاسلاميّ سامر توفيق عجمي إلى إجراء متاخمات معمّقة في فكر العلامة الطباطبائيّ من أجل أن يستظهر معنى الحياة في فلسفته الإلهيّة.

المحرّر

تشكّل جدليّة الحياة والموت أساس فلسفة الوجود الإنسانيّ، فليس وراء حياة الموجود الحيّ بحسب شعوره إلّا الفناء والعدم، فإنّ غير الحيّ لا وجود له معرفيًّا، فهو بمنزلة العدم بالنسبة إلى عالم الإدراك والشعور، وما من فكرة تؤرِّق الذهن البشريّ وتحيد منها الذات البشريّة كفكرة عدميّة الذات بالموت، (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[2]. فالابتهاج بالحياة والإحساس بمتعتها فوق كلّ متعة وبهجة، لكن سرعان ما يجامعها نقيضها؛ إذ إنّها حياة تمثِّل لحظة وجوديّة بين عدمين، سابق ولاحق، وهي لحظة وجوديّة ممزوجة بالأعدام، وحياة هكذا نحو وجودها، من شأنها أن تولِّد مشاعر الخوف والحزن والوحشة والكآبة، وتجعل القلق مُسيطرًا على كامل كيان الذات البشريّة، وتحوِّلها إلى كائن قلقٍ وجوديّا.

هذا القلق الوجوديّ، وفوبيا الموت المقترن بالعدم، والذي كان أحد عناصر غرس بذرة الفلسفات التشاؤميّة[3]، هو وليد الرغبة العارمة في الخلود المغروسة في أعماق الذات البشريّة، والتي شكّلت منذ القدم الدافع المحرِّك للإنسان نحو شقّ طريق رحلة البحث عن الأبديّة. هذه الرغبة التي بدلًا من أن تكون تهديدًا للحياة، بسبب قلق الموت، وهاجسه المسكون في خلايا الدماغ البشريّ، يمكن تحويلها إلى فرصة، باعتمادها أحد المؤشّرات الذكيّة لبقاء الحياة الإنسانيّة واستمرارها بعد الموت، انطلاقًا من كون الرغبات البشرية صُمِّمت بهندسة هادفة في متعلّقاتها، بمعنى ثبوت موضوعها في الواقع، فالرغبة في الإنجاب مثلًا لها موضوع متحقّق، وكذلك الرغبة الجنسيّة أو الرغبة في الطعام أو الشراب...، وهكذا يعطينا استقراء الرغبات البشريّة مقارنة بموضوعيّة الإشباع وواقعيّته قانونًا مطّرِدًا؛ إذ لا يمكن إنكار التصميم الذكيّ الموجود في الطبيعة، تصميم يقود كلَّ كائن إلى كمال طبيعته بتوفير فرصة تحقيق حاجاته الوجوديّة[4] (الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)[5]، فرغبة الخلود من مندرجات هذا القانون الكلّيّ المطّرد، فلا يُعقَل أن لا يكون لها متعلَّق محقِّق لكفاياتها ومُشبِعٌ لها، وإلّا كان تصميمها عبثيًّا في الذات البشريّة، وهو منفي بالحكمة والذكاء.
فالخوف من الموت، واستنفار الطاقة في تحضير زاد رحلة البحث عن الأبديّة، هو شعور على مقتضى نداء الطبيعة، فكيف يمكن للإنسان أن يشعر بطيب العيش ومعنائيّة حياته وهو يراها مجرّد لحظة وجوديّة ساكنة بين عدمين، ومشحونة بالأعدام التي تحيط بها، فالشرّ عدم، والجهل عدم، والفقر عدم، والمرض عدم، والبؤس عدم... ولذا فلا يمكن بحسب الافتراض العقليّ، تصوّر الحياة الطيّبة، إلّا إذا كانت متلبِّسة بصفتين:

الأولى: الأبديّة والخلود. والثانية: الخلوّ من الأعدام المقارنة لها؛ وإلّا فإنّ كلّ حياة تنتهي بالفناء أو تخالطها الأعدام لا يُتصوّر أن تكون طيّبة أو محقِّقة للسعادة، فصفة الطيّب محمول تحليليّ للحياة الصافية والخالية من الشوائب أفقيًّا، والخالدة في خطّ الزمان عاموديًّا.

وعليه، فإنّ كلّ تلك الحالات النفسيّة القلِقة التي تُكدِّر صفو الحياة، وتُضنِّك العيش، إنّما تنتج من فكرة الموت المقارن للعدم والفناء، هذه الفكرة المتولِّدة من لا معنائيّة الحياة وعبثيّتها (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)[6]، والتي تستبعد الاحتمال الرياضيّ في استمرار تجدّد الحياة[7]، (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ[8]، )أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ[9]، فلولا الرغبة في الخلود المقارنة للاعتقاد باستحالة تحقّقها خارجًا، لما اعتبر الإنسانُ الحياةَ عبثيّة لا غاية وراءها[10].
لكن، هذا الهرم التصوّريّ الواقف على رأسه، سينقلب على قاعدته ويعود إلى شكله الهندسيّ الطبيعيّ، إذا تيقّن الإنسان من هدفيّة الحياة وغائيّتها (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[11]، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ)[12]، ولم يقصر النظر على أنّ الحياة مجرّد لحظة وجوديّة ساكنة بين عدمين (كنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم)، بل تجاوزها مع العقل الفلسفيّ والمعرفة الوحيانيّة (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)[13]، فأبصر حياته هذه حقبًا في سلسلة طوليّة متعاقبة من أحقاب الحياة الخالدة والأبديّة، وتثبّت من أنّ هذه الأعدام المصاحبة للحياة ليست إلّا فرصة لتفجير الطاقات الإنسانيّة الكامنة وتثوير القابليّات في سبيل إيصال الإنسان إلى كمال طبيعته وسعادته.

وهكذا ينعطف بنا البحث، لنحدّد ماهيّة الحياة الإنسانيّة وطبيعتها، وكيف يكتسب الإنسان الحياة الطيّبة المتقوّمة بالأبديّة والخلود، وبالخلوّ من الأعدام المقارنة؟ وما هي الحياة الطيّبة في ضوء الرؤية القرآنيّة؟ ندرس هذه القضيّة ونبحثها في ضوء الفهم الاجتهاديّ التفسيريّ للسيّد محمد حسين الطباطبائيّ مؤلّف تفسير الميزان، منطلقين في معالجتها من تحديد ماهيّة الحياة لما يلعبه من دور تأسيسيّ في رسم معالم النتائج والخلاصات التي نودّ تسليط الضوء عليها.

ماهيّة الحياة بين المعرفة الاكتناهيّة والمعرفة الوجهيّة
منذ أن فتح الإنسان عينيه على الوجود، يشغل البحثُ عن طبيعة الحياة عقلَه بجميع مناهجه الفلسفيّة والدينيّة والعلميّة، ويلاحظ عجزهم عن معرفة الحياة في ذاتها كونها مجهولة الكنه، فلا العقل الفلسفيّ استطاع أن يدرك ماهيّتها، ولا البحث العلميّ التجريبيّ اكتشف طبيعتها تحت المجهر.
إلّا أنّ الإنسان ككائن حيّ، لا يحتاج على المستوى الفرديّ في معرفة طبيعة الحياة والشعور بها إلى شرح اسميّ أو تعريف منطقيّ؛ لأنّ النفس البشريّة تُدرِك واقع الحياة بذاتها بالكشف الوجدانيّ قبل حصول صورتها المفهوميّة في الذهن، وكلّ صياغة لفظيّة للتعبير عن معنى الحياة ليس بالحدّ الذاتيّ لها، فلا تعرّف إلا بلحاظ آثارها المشهودة ولوازمها الخاصّة المعهودة. وبالتالي يتمّ تجاوز معناها في ذاتها، لينعطف البحث عنها نحو آثارها اللازمة وأعراضها الخاصّة.

وثمّة مرتبتان طوليّتان في البحث المنطقيّ لتقديم تصوّر مفهوميّ عن حقيقة من الحقائق:
الأولى: المعرفة بالكنه، أي محاولة تعريف الواقعة الوجوديّة في ذاتها بواسطة اكتشاف العقل لأجناسها وفصولها الذاتيّة التي تتركّب منها. هذا من الناحية النظريّة، أمّا في الممارسة البحثيّة، فقد اعترف المناطقة بعجز العقل البشريّ عن إدراك فصول ماهيّات الأشياء في ذواتها أو لا أقلّ «صعوبة الحصول على الفصول الحقيقيّة التي تُقوِّم الأنواع، أو لعدم وجود اسم دالّ عليها بالمطابقة في اللغة»[14].

والثانية: المعرفة بالوجه، أي التنزّل من مرتبة التعريف الحدّيّ إلى مرتبة تعريف الحقيقة بأخصّ آثارها الملازمة لها بنحو لا تنفكّ عنها واقعًا بحكم العقل، وهو ما يصطلح عليه التعريف الرسميّ منطقيًا.
وماهيّة الحياة وطبيعتها الذاتيّة من صغريات هذا القانون المنطقيّ الكلّيّ.
يقول ابن سينا: «... إذ كانت الحياة الأمر الذي به يكون الشيء على الوصف المذكور من الإدراك والفعل»[15].
ويقول السهرورديّ: «... الحيّ هو الدرّاك الفعّال»[16].
ويقول ملا صدرا: «الحياة التي تكون عندنا في هذا العالم تتمّ بإدراك وفعل»[17].

والخلاصة، أنّ الفلاسفة والمتكلّمين[18] استدلوا على تلبّس موجود ما بصفة الحياة بمنهج الكشف الإنّي بالانتقال من اللازم الأخصّ أي الدرّاكيّة والفعّاليّة [الدرّاكيّة بمعنى الإدراك والإحساس، والفعّاليّة بمعنى الفعل والانفعال والقدرة، كالنمو والتنفّس والتغذّي[19]] إلى الملزوم أي الحياة، فإنّ من يوصف بأنّه مُدرِك فعّال يمتنع عقلًا أن لا يوصف بأنّه حيّ، فثمّة رابطة ضروريّة لزوميّة بين الدرّاكيّة والفعّاليّة من جهة، وبين الحياة من جهة ثانية، بنحو ينتقل الذهن البشريّ من العلم بوجود صفتي الإدراك والفعاّليّة -كحدّ أوسط- في موجود ما، إلى العلم بكونه حيًّا، بالضرورة. وهذا قانون عقليّ عامّ.

يقول نصير الدين الطوسيّ: «كلّ قادر عالم [هو] حي بالضرورة»[20].
وذلك، بتأليف قياس منطقيّ من الشّكل الأول، كبراه الموجبة الكلّيّة المذكورة.
هذا الموجود مُدرك وفعّال (أو عالم قادر)
وكلّ مدرك فعّال فهو حيّ
هذا الموجود حيّ

وكذلك نلاحظ هذا الاتجاه في الفلسفات الطبيعيّة[21] -مثل الفيزيقيّة، والحياتيّة، والعضوانيّة- حيث فسّرت الحياة بما لاحظه العلماء من آثار منبثقة عنها، كالحركة، الانفعال، الارتقاء، التخلّق المتعاقب، النموّ، الإحساس، التجديد التعويضيّ، التكاثر، التكيّف، قابليّة التحليل إلى جزئيّات غير عضويّة بسيطة، التعضّي أي التمتّع بأنظمة معقّدة ومنضبطة...

وبنظرة مقارِنة، يمكن ملاحظة أنّ هذه الخصائص ليست هي الحياة ذاتها، بل آثارها، ويمكن إرجاعها إلى ما يقوله الفلاسفة من الإحساس والإدراك أو الفعّاليّة والقدرة، وهذا ما يمكن أن نستخلصه من كلام إرنست ماير[22].

طبيعة الحياة من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ
والفكرة السابقة عن الحياة، هي ذاتها يتبنّاها العلّامة الطباطبائيّ، حيث يقول في تفسير مطلع آية الكرسيّ: «الناس في بادي مطالعتهم لحال الموجودات وجدوها على قسمين:

قسم منها لا يختلف حاله عند الحسِّ مادام وجوده ثابتًا، كالأحجار وسائر الجمادات؛ وقسم منها ربّما تغيّرت حاله وتعطّلت قواه وأفعاله، مع بقاء وجودها على ما كان عليه عند الحسّ، وذلك كالإنسان وسائر أقسام الحيوان والنبات، فإنّا ربما نجدها تعطّلت قواها ومشاعرها وأفعالها، ثم يطرأ عليها الفساد تدريجيًّا، وبذلك أذعن الإنسان بأنّ هناك وراء الحواسّ أمرًا آخر هو المبدأ للإحساسات والإدراكات العلميّة والأفعال المبتنية على العلم والإرادة، وهو المسمّى بالحياة، ويسمّى بطلانه بالموت، فالحياة نحو وجود يترشّح عنه العلم والقدرة»[23].

ويقول في بعض كتبه الفلسفيّة: «الحياة فيما عندنا من أقسام الحيوان، كون الشيء بحيث يُدرِك ويَفعَل، والإدراك العام في الحيوان كلِّه هو الإدراك الحسّيّ الزائد على الذات، والفعل فعل محدود عن علم به وإدراك، فالعلم والقدرة من لوازم الحياة، وليسا بها، لأنّا نجوّز مفارقة العلم الحياة، وكذا مفارقة القدرة الحياة، في بعض الأحياء، فالحياة التي في الحيوان مبدأ وجوديّ يترتّب عليه العلم والقدرة»[24].

ويتضح من نصّه، أنّه ثمّة كائنات تتصف بالحياة ولكن لا يلازم نحو وجود حياتها العلمُ كما في النبات، بل لعلّه في موجودات أخرى، بناءً على تساوق الوجود والحياة، بمعنى كون كلّ موجود حيّ بسنخ حياة تناسب مرتبته الوجوديّة، كما في بعض نصوص ملا صدرا: «إنّه لا يوجد جسم من الأجسام بسيطًا كان أو مركّبًا إلّا وله نفس وحيوة»[25].

خصائص الحياة العامّة ومميّزاتها
وبرصد كلمات الفلاسفة عمومًا والعلّامة الطباطبائيّ خصوصًا، يمكن الخروج ببعض الخلاصات والنتائج:

أوّلًا: أنّ الحياة سنخ وجود لا تمكن معرفتها بالاكتناه الماهويّ، بل تُعرف بآثارها اللازمة لها.
ثانيًا: أنّ آثار الحياة تختلف من موجود إلى موجود آخر، فثمّة آثار خاصّة بالحياة الإنسانيّة كالتفكير المنطقيّ والعلميّ، وأخرى بالحياة الحيوانيّة كالإحساس والحركة الاختياريّة، وثالثة بالحياة النباتيّة كالنموّ والتكاثر، وهكذا...
ثالثًا: أنّ آثار الحياة تارة تكون بمرتبة يمكن للعقل البشريّ إدراكها، وأخرى تكون بمرتبة لا يمكن للعقل إدراك آثارها المعهودة عنده فيحكم بعدمها، مع أنّ عدم الوجودان ليس دليلًا على عدم الوجود، وعدم الدليل ليس دليلًا على العدم. فخفاء آثار حياة خاصّة في موجود لا تدلّ على نفي مطلق الحياة عنه، بل تدلّ على نفي حصّة خاصّة من الحياة، وهي الملزومة على نحو المساواة لتلك اللوازم؛ لذا يحتاج العقل في الكشف عن بعض أنواع الحياة إلى مصادر معرفيّة خارجيّة كالوحي الدينيّ أو الذوق الوجدانيّ تُلهمه وجودها بآثار خاصّة لها، فإذا تحقّقت تلك الآثار يمكن الاستدلال على تحقّق تلك الكيفيّة الخاصّة من الحياة.
رابعًا: أنّ الحياة من المفاهيم المشكّكة لا المتواطئة بالاصطلاح المنطقيّ، بمعنى أنّها نحو وجود يقبل الشدّة والضعف في الموجودات التي تتّصف بالحياة، بحيث يصحّ استعمال أفعل التفضيل بين موجود حي وموجود حي آخر في طبيعة الحياة، وعلى حدّ تعبير صدر المتألّهين إنّ بعض الموجودات الحيّة أولى بانطباق الحياة عليه بحسب المعنى[26]، بنحو إذا ابتدأنا من أدنى المراتب تتسلسل صعودًا، حتى تنتهي في التسلسل إلى حياة هي عين الذات، بنحو تكون كلّ حياة أخرى هابطة ومنخفضة هي عبارة عن إضافة إشراقيّة من منبع الحياة ورشحة من رشحات فيض الذات الإلهيّة[27].
خامسًا: أنّ أشدية الحياة في مرتبة من مرتبة أخرى، لا تنفي عن الأدنى أن يكون مصداقًا للحياة، بل هو حيّ بحياة تناسب مرتبته الوجوديّة.

سادسًا: ويتّضح، أنّ مفردة الحياة مشترك معنويّ مفهومًا، أي تُحمل على ما تُحمل عليه من الموضوعات بمعنى واحد، ومتواطئة مصداقًا، والمصحّح لإطلاق الحياة على الكائنات الحيّة كافّة مع اختلاف مراتبها هو اشتراكها في بعض الآثار كالدرّاكيّة والفعّاليّة على نحو تعدّد المطلوب، فالعقل يمكنه بعد ملاحظة توفّر إحدى الصفتين السابقتين أن ينتزع مفهومًا عامًّا له سعة معنائيّة تنطبق على كلّ ما يفترض أنّه حيّ، واختلاف المرتبة ولو بنحو شاسع جدًّا بين الحياة العقليّة للإنسان والحياة النباتيّة لا يُخرج الثانية عن كونها كائنات حيّة بحياة خاصّة.

وسابعًا: أنّ الطوليّة الاشتداديّة في مراتب الحياة بالنسبة إلى كائن ما، لا تؤدّي إلى تعدّد هويّة الكائن الحيّ؛ لأنّه اختلاف في المرتبة لا في الشخص بالعدد[28].

تقابل الموت والحياة
الموت يقع على الضفّة المقابلة للحياة تقابل عدم الملكة، فليس الموت عدمًا مطلقًا، بل هو عدم محصّص أو نسبيّ، أي هو حصّة خاصّة من العدم تُنسب إلى الكائن الذي فيه استعداد أن يتّصف بنحو خاصّ من الحياة، وعلى حدّ تعبير السهرورديّ: «الموت انتفاء الحياة عمّا من شأنه أن تكون فيه»[29].

ويقول العلّامة الطباطبائّي: «... أمّا الموت فهو فَقْدُ الحياة وآثارها من الشعور والإرادة عمّا من شأنه أن يتّصف بها»[30].
وعليه، إذا افترضنا كائنًا لا يتّصف بالحياة، فإنّه لا يتّصف بالموت أيضًا، فلو فرضنا التراب ليس فيه قابليّة الحياة لانعدام آثارها فيه، فهو لا يتّصف بالموت، فالموت صفة فقدان الحياة في موجود قابل لها.

وبناءً على ما تقدّم من استنتاجات حول طبيعة الحياة من جهة، ووقوع الموت مقابلًا لها تقابل الملكة وعدمها من جهة أخرى، يمكن القول إنّ الموت مفهوم تشكيكيّ في مقابل الحياة، فكلّ حصّة خاصّة من الموت تقابل حصّة خاصّة موازية لها من الحياة، وبالتالي فإنّ فقدان حصّة خاصّة من الحياة لعدم قابليّة الموجود لها لا يعني مطلق الموت، بل موت خاصّ. فالشيء الواحد قد يتّصف بأنّه حيّ باعتبار وجدانه لحصّة خاصّة من الحياة، وأنّه ميت باعتبار فقدانه لنحو آخر من الحياة من شأنه أن يتّصف بها ويملك استعدادها، وهذا أصل بنيويّ.

مدرحيّة الإنسان بين الموت والحياة
وفي ضوء هذه القواعد، يتمّ فهم وصف الإنسان الذي فارقت روحُه بدنَه بالموت، فهذا الوصف بالموت هو بلحاظ فقدان البدن للحياة، لا بلحاظ فقدان الإنسان للحياة، وذلك أنّ اتصاف الإنسان بالحياة هو بلحاظ روحه دون بدنه، ولذا ناسبه التعبير القرآنيّ: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)[31]، وذلك أنّ الإنسان كائن مدرحيّ مركّب من بعدين وجوديّين: المادّة والروح، ويجسّد الأوّل البدن الميت في الإنسان، ويمثّل الثاني العنصر الحيّ منه[32]، وعلى حدّ تعبير العلّامة الطباطبائيّ: «... بخلاف الإنسان المخلوق مؤلفًا من جسم ميت وروح حيّة»[33].

فأسّ الحياة الإنسانيّة متقوّم بالروح، التي هي جوهر مجرّد عن المادة ذاتًا، متعلّق بها في مقام الدرّاكيّة والفعّاليّة، أمّا الجسم والبدن فهو الجانب الترابيّ الميت من الهويّة الإنسانيّة، وإنّما تدبّ فيه الحياة بتوسّط النفخة الروحيّة الإلهيّة، (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)[34]، وعليه تكون الحياة وصفًا حقيقيًّا أوّلًا وبالذات للروح الإنسانيّة المجرّدة، أمّا وصف البدن بالحياة فهو بالعرض والواسطة والمجاز في الإسناد، لمكان الاتحاد بين البدن والروح، فما دامت الروح متّصلة بالبدن فيوصف بأنّه حيّ، أمّا إذا فارقت الروح البدن فيتّصف بالموت[35].
يقول العلّامة الطباطبائيّ: «... الموت بالمعنى الذي ذُكر [مفارقة الروح للبدن] إنّما يتّصف به الإنسان المركّب من الروح والبدن باعتبار بدنه، فهو الذي يتّصف بفقدان الحياة بعد وجدانه، وأمّا الروح فلم يرد في كلامه تعالى ما ينطق باتّصافه بالموت»[36].

وقد عرض الطباطبائيّ آيات عديدة يستفيد منها تجرّد الروح[37]. ومن طرائق استدلالاته القرآنيّة قوله: «ومن الآيات قوله تعالى: (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ)[38]، ذكره في خلق الإنسان، ثم قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[39]، فأفاد أنّ الروح من سنخ أمره، ثمّ عرّف الأمر في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)[40]، فأفاد أنّ الروح من الملكوت، وأنّها كلمة كن، ثم ّعرّف الأمر بتوصيفه بوصف آخر بقوله: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)[41]، والتعبير بقوله: كلمح بالبصر، يعطي أنّ الأمر الذي هو كلمة كن، موجود دفعيّ الوجود غير تدريجيّة، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده وتقييده بزمان أو مكان، ومن هنا يتبيّن أنّ الأمر - ومنه الروح شيء غير جسمانيّ ولا مادّيّ، فإنّ الموجودات المادّيّة الجسمانيّة من أحكامها العامّة أنّها تدريجيّة الوجود، مقيّدة بالزمان والمكان، فالروح التي للإنسان ليست بمادّيّة جسمانيّة، وإن كان لها تعلّق به»[42].

الحياة الروحيّة هي حقيقة الوجود الإنسانيّ
هذا الفهم لثنائيّة الهويّة الإنسانيّة، يثبّت أمرًا في غاية الأهمّيّة بالنسبة إلى الحياة الطيّبة في بعديها خصوصًا في جانب الأبديّة، إذ يفقد الجانب المادّيّ من الطبيعة البشريّة قيمته في الحياة المتجدّدة، ولا يكون له قيمة إلّا في المستوى المنخفض من الحياة، فمهما وصل الجانب المادّيّ إلى كمالات طبيعيّة في عمليّة تنميته وإشباع حاجاته، فهي سنخ كمالات لا يصطحبها الإنسان معه إلى حياته الأبديّة، وعلى حدّ تعبير ملّا صدرا: «بالموت يتجرّد النفس عن البدن، وليس يصحبها شيء من الهيئات البدنيّة»[43]، وهي الفكرة عينها التي يؤكّدها العلّامة الطباطبائيّ في نصوصه[44]. مما يعني، أنّ تنمية الحياة الروحيّة من الهويّة الإنسانيّة التي هي حقيقة وجوده، هي العنصر الأهمّ فيما يتعلّق بالحياة الطيّبة في بعديها، وهذا لا يعني إهمال البعد الجسميّ والحاجات المادّيّة في الطبيعة البشريّة؛ إذ إنّ ذلك من البديهيّات الدينيّة، ولكن أعرضنا عن تركيز النظر عليه؛ لأنّه ليس موضع دراستنا.
يقول العلّامة الطباطبائيّ: «الحياة أنعم نعمة وأغلى سلعة يعتقدها الموجود الحيّ لنفسه، كيف لا؟! وهو لا يرى وراءه إلّا العدم والبطلان، وأثرها الذي هو الشعور والإرادة هو الذي تُرام لأجله الحياة، ويرتاح إليه الإنسان، ولا يزال يفرّ من الجهل وافتقاد حرّيّة الإرادة والاختيار، وقد جُهّز الإنسان وهو أحد الموجودات الحيّة بما يحفظ به حياته الروحيّة التي هي حقيقة وجوده»[45].

هذه الحياة الروحيّة إنّما يعيشها الإنسان بالإيمان والعمل الصالح مع الله، الذي بيده أزمّة السعادة والحياة الطيّبة، فيصبح قلب المؤمن مادّة مستعدّة لتلقّي الفيض الإلهيّ ونزول الطمأنينة والأمن والسكينة عليه، فيرتفع عنه كلّ قلق وجوديّ واضطراب وشعور بالخوف أو الحزن، فيتذوّق طعم الحياة الطيّبة بعمق ماهيّتها.
هذه التجربة الروحيّة نعايشها في أدعية الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام)، حيث يقول في مناجاة المحبّين: «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلًا، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولًا». ويقول في مناجاة العارفين: «ما أطيب طعم حبّك، وما أعذب شرب قربك».

فالحياة الموصوفة بالحلاوة والأنس والطيب، والعذوبة، والأنس، والسرور، هي الحياة مع الله تعالى، فالشعور بالمعيّة الإلهيّة والعنديّة الإلهيّة، يطيّب الحياة؛ لأنّه يحقّق مقوّماتها الذاتيّة، وهما: البقاء والخلود والأبديّة (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)[46]، والخلوّ من مقارنة الأعدام كالشرّ والقلق والاضطراب والخوف والحزن (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[47].

ويقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)[48].

فهذه الآية تفيد حسب تركيبها اللغويّ بتقديم متعلّق الفعل (بذكر الله)، على الفعل (تطمئن)، أنّ حقيقة الاطمئنان حصرًا لا يجد الإنسان طعمه إلّا مع الله؛ لأنّ كلّ الأسباب الأخرى في ذاتها مغلوبة مقهورة، والله تعالى هو القاهر والغالب[49].

يقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسير الآية: «طوبى على وزن فُعْلى بضمّ الفاء: مؤنّث أطيب، فهي صفة لمحذوف وهو -على ما يستفاد من السياق- الحياة أو المعيشة، وذلك أنّ النعمة كائنة ما كانت إنّما تغتبط وتهنأ إذا طابت للإنسان، ولا تطيب إلّا إذا اطمئن القلب إليه، وسكن ولم يضطرب، ولا يوجد ذلك إلا لمن آمن بالله وعمل عملًا صالحًا، فهو الذي يطمئن منه القلب، ويطيب له العيش، فإنّه في أمن من الشرّ والخسران، وسلامٍ مما يستقبله ويدركه، وقد آوى إلى ركن لا ينهدم، واستقرّ في ولاية الله، لا يوجّه إليه ربّه إلّا ما فيه سعادته، إن أُعطي شيئًا فهو خير له، وإن مُنع فهو خير له...

وبالجملة، في الآية تهنئة الذين آمنوا وعملوا الصالحات -وهم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله اطمئنانًا مستمرًّا- بأطيبب الحياة أو العيش وحسن المرجع، وبذلك يظهر اتصالها بما قبلها فإنّ طيب العيش من آثار اطمئنان القلب»[50].

وإذا كان اطمئنان القلب يتحقّق بذكر الله وبالتالي تطيب الحياة، فعلى النقيض من ذلك، الإعراض عن ذكر الله تعالى، فإنّه يضنِّك العيش ويضيّقه، يقول تعالى:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ)[51]. «وذلك أنّ من نسي ربّه وانقطع عن ذكره، لم يبقَ له إلّا أن يتعلّق بالدنيا ويجعلها مطلوبه الوحيد الذي يسعى له ويهتمّ بإصلاح معيشته والتوسّع فيها والتمتّع منها، والمعيشة التي أوتيها لا تسعه سواء كانت قليلة أو كثيرة؛ لأنّه كلّما حصل منها واقتناها لم يرض نفسُه بها، وانتزعت إلى تحصيل ما هو أزيد وأوسع، من غير أن يقف منها على حدّ، فهو دائمًا في ضيق الصدر وحنق مما وجد، متعلِّق القلب بما وراءه مع ما يهجم عليه من الهمّ والغمّ والحزن والقلق والاضطراب والخوف بنزول النوازل وعروض العوارض من موت ومرض وعاهة وحسد حاسد وكيد كائد وخيبة سعي وفراق حبيب.
ولو أنّه عرف مقام ربّه ذاكرًا غير ناسٍ، أيقن أنّ له حياة عند ربّه لا يخالطها موت، وملكًا لا يعتريه زوال، وعزّة لا يشوبها ذلّة، وفرحًا وسرورًا ورفعة وكرامة لا تقدّر بقدر ولا تنتهي إلى أمد، وأنّ الدنيا دار مجاز، وما حياتها في الآخرة إلّا متاع، فلو عرف ذلك قنعت نفسه بما قُدّر له من الدنيا، ووسعه ما أوتيه من المعيشة من غير ضيق وضنك»[52].

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وعطفًا على ما تقدّم، لعلّ أكثر صفتين تنغّصان طيب الحياة وتكدّران صفوها، هما صفتا القلق والخوف من جهة، والكآبة والحزن من جهة أخرى، فكيف يمكن للإنسان أن يطيب عيشه، وهو يعيش بمعيّة عدمين: خوف وحزن، خوف من مما هو آتٍ بلحاظ المآل، وحزن مما هو فائت بلحاظ الحال[53]. فإذا ارتفعت هاتان الصفتان سيشعر الإنسان بطيب الحياة ويهنأ عيشه.

وهذا ما نعاينه بشكل واضح في ضوء منطق القرآن الكريم، إذ يربط جسر عبور بين ضفة الإيمان والعمل الصالح والتقوى والصلاح، والاستقامة، والإسلام والإحسان من جهة، وبين ارتفاع الحزن والخوف وعدم مخالطتهما للحياة الإنسانيّة من جهة أخرى.

يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[54].
(مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[55].
(فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[56].
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[57].

يقول العلّامة الطباطبائيّ: «... الخوف إنّما يكون من أمر ممكن محتمل يوجب انتفاء شيء من سعادة الإنسان التي يقدر نفسه واجدة لها، وكذا الحزن إنّما يكون من جهة أمر واقع يوجب ذلك، فالبليّة أو كلّ محذور إنّما يخاف منها إذا لم يقع بعد، فإذا وقعت زال الخوف، وعرض الحزن، فلا خوف بعد الوقوع، ولا حزن قبله، فارتفاع مطلق الخوف عن الإنسان إنّما يكون إذا لم يكن ما عنده من وجوه النعم في معرض الزوال، وارتفاع مطلق الحزن إنّما يتيسّر له إذا لم يفقد شيئًا من أنواع سعادته، لا ابتداءً، ولا بعد الوجدان، فرفعه تعالى مطلق الخوف والحزن عن الإنسان، معناه أن يفيض عليه كلّ ما يمكنه أن يتنعّم به ويستلذّه، وأن لا يكون ذلك في معرض الزوال، وهذا هو خلود السعادة للإنسان وخلوده فيها»[58].

وفي السياق ذاته، نلاحظ الدور المحوريّ لبعض المصاديق المذكورة في الآيات كالصلاة (وأقاموا الصلاة) في تحقيق الحياة الطيّبة برفع القلق والاضطراب والهلع والجزع[59] (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[60].

القيمة المضافة للحياة الإيمانيّة أمام الأعدام
فثمّة قيمة مضافة في حياة المؤمن، تطيِّب عيشه، وتصفّي كدورة الأعدام المخالطة للحياة، وهي أنّ إيمانه يحرّكه نحو رفع تلك الأعدام بأسبابها على قدر استطاعته، على أنّه إذا بذل منتهى طاقته، ثمّ لم تتحقّق النتيجة في الحياة المنخفضة، فإنّ نفس قيامه بتكليفه وتحمّله مسؤوليّاته من الكدح والسعي ومقابلة المصائب والبلايا الحياتيّة بالصبر والاسترجاع -(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[61]-، المقرون باعتقاده بعوضها (أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[62]، يُخفِّف وطأتها، ويمنحه شحنة إيجابيّة في تحمّل المشقّات والمصاعب، بل واعتبارها فرصة عروج وتسامٍ[63].
فالحياة الطيّبة التي لا يخالطها العدم، ولا يؤقّتها الفناء، لا يكتسبها الإنسان بعد الموت بلحاظ المآل، وإنّما هي حياة طيّبة بلحاظ الحال، لأنّها تفاض على الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فيعيشها الإنسان الآن وراء حياته الأولى، فكما أنّ الإنسان في حياته المنخفضة يمتلك حيوات عدّة، من حياة نباتيّة، وحيوانيّة، وإنسانيّة عامّة مشتركة، بإمكانه أن يكتسب حياة جديدة وراء هذه الحيوات حينما يجعل من ذاته بإرادته الحرّة مادة مستعدّة لفيض تلك الحياة عليه بالإيمان والعمل الصالح والتقوى والاستقامة.

ومرجعيّة هذه الحياة الطيّبة السعيدة كما يعتقد الطباطبائيّ إلى الهداية الإلهيّة، التي تعني إيصال أو وصول الإنسان إلى كمال طبيعته وإلى الهدف الوجوديّ الذي خُلِق لأجله[64]، وهذا يظهر من قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)[65]. فالهداية من آثارها الشرح للصدر والطمأنينة والسكون وارتفاع القلق والحزن والخوف، (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[66].
يقول العلّامة الطباطبائيّ: «الإنسان قبل أن يمسّه الهدى الإلهي كالميت المحروم من نعمة الحياة، الذي لا حسّ له ولا حركة، فإن آمن بربّه إيمانًا يرتضيه كان كمن أحياه الله بعد موته، وجعل له نورًا يدور معه حيث دار، يبصر في شعاعه خيره من شرّه، ونفعه من ضرّه، فيأخذ ما ينفعه، ويدع ما يضرّه، وهكذا يسير في مسير الحياة.

وأمّا الكافر فهو كمن وقع في ظلمات لا مخرج له منها، ولا مناص عنها، ظلمة الموت وما بعد ذلك من ظلمات الجهل في مرحلة تمييز الخير من الشرّ والنافع من الضارّ»[67].

الحياة الإيمانيّة حياة حقيقيّة وراء الحياة الإنسانيّة العامّة
والسؤال البنيويّ الذي يطرح نفسه: هل هذه الحياة الإيمانيّة التي يلمس الإنسان آثارها الطيّبة في الدنيا، هي مجرّد حالة مجازيّة بلحاظ ذاتها؟ أو هي حالة مطيّبة للحياة الأولى التي يتشارك بها المؤمن والكافر؟ بحيث يكون المؤمن والكافر مشتركان في أصل الحياة ومختلفان في وصفها؟ أم أنّ الإيمان يجعل الإنسان مستعدًّا لإفاضة نحو آخر من الحياة الخاصّة وراء الحياة الأولى المشتركة بينهما؟

الباحث المتتبّع لكلمات العلّامة الطباطبائيّ يتيقّن بأنّه يعتبر الإيمان والتقوى والعمل الصالح والاستقامة... شروطًا مولّدة لاقتضاء كون الذات الإنسانيّة مادّة مستعدّة لتلقّي فيض حياة جديدة وحادثة، حياة حقيقيّة وراء تلك الحياة العامّة المشتركة، فإذا كان الإنسان يشارك النبات في خصائص النموّ والتكاثر والتغذّي مثلًا، فيفترق عنه بالحياة الحيوانيّة من الإدراك الحسيّ والحركة الإراديّة، وإذا كان الإنسان يشارك الحيوان في هاتين الصفتين، فيفترق عنه بالحياة العقليّة من التفكير المنطقيّ والعلميّ، كذلك هو حال المؤمن، فإنّه يشارك الكافر في الحياة البشريّة ويفترق عنه بحياة جديدة حادثة، ينالها بالإيمان والعمل الصالح.

وبذلك يكون الكافر ليس حيًّا بهذه الحياة، لأنّه يملك استعداد الاتصاف بهذه الحياة، إلا أنّه بسوء اختياره قرّر أن لا يكون مؤمنًا ولا يعمل صالحًا، فهو ميت باعتبار فقدانه لهذه الحياة.

يقول الطباطبائيّ: «... للإنسان حياة حقيقيّة أشرف وأكمل من حياته الدنيّة الدنيويّة، يتلبّس بها إذا تمّ استعداده بالتحلّي بحلية الدين والدخول في زمرة الأولياء الصالحين كما تلبّس بالحياة الدنيويّة حين تمّ استعداده للتلبّس بها وهو جنين إنسانيّ»[68].

أَوَمَن كان ميتًا فأحييناه

وقد اعتمد العلّامة الطباطبائّي أدلّة وشواهد عديدة من القرآن الكريم لإثبات هذه الحقيقة، والتي اصطلح عليها اسم الحقيقة القرآنيّة، كقوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[69]، حيث أثبت بهذه الآية أنّ هذه الحياة ليست هي الحياة العامّة المشتركة التي يتشارك فيها الإنسان المؤمن مع الكافر، بقرينة عدّ المؤمن حيًّا ذا نور يمشي به، «وهو أثر الروح، والكافر ميتًا وهو ذو روح منفوخة، فللمؤمن روح ليست للكافر ذات أثر ليس فيه»[70].

ويطرح العلّامة الطباطبائيّ إشكاليّة مهمّة حول المجازيّة والاستعاريّة والكنائيّة في فهم هذا اللون من الآيات، القائلة بأنّ المؤمن والكافر لا يختلفان في موهبة الحياة، وإنّما هي فيهما شرع سواء، واعتبار المؤمن حيًّا بحياة الإيمان ذا نور يمشي به في الناس، واعتبار الكافر ميتًا بميتة الضلال في ظلمات لا مخرج منها، ليس إلّا مبتنيًا على عناية تخييليّة واستعارة تمثيليّة يمثّل بها حقيقة المعنى المقصود.
ويجيب بأنّ الاستعاريّة على فرض وجودها في التعبير القرآنيّ، فهي من باب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، أي أنّ ذلك «في مستوى التفهيم والتفهّم العموميّين لمّا أنّ أهل هذا الظرف لا يرون للإنسان بما هو إنسان حياة وراء الحياة الحيوانيّة التي هي المنشأ للشعور باللذائذ المادّيّة والحركة الإراديّة نحوها»[71].

وبعد ذلك يطرح نظريّته بوضوح قائلًا: «لكن التدبّر في أطراف الكلام، والتأمّل فيما يعرفه القرآن الكريم، يعطي للآية [أو من كان ميتًا فأحييناه...] معنى وراء هذا الذي يناله الفهم العامّيّ، فإنّ الله سبحانه ينسب للإنسان الإلهيّ في كلامه حياة خالدة أبديّة لا تنقطع بالموت الدنيويّ، هو فيها تحت ولاية الله، محفوظ بكلاءته، مصون بصيانته، لا يمسّه نصب ولا لغوب، ولا يذلّه شقاء ولا تعب، مستغرق في حبّ ربّه، مبتهج ببهجة القرب، لا يرى إلّا خيرًا، ولا يواجه إلّا سعادة، وهو في أمن وسلام، لا خوف معه ولا خطر، وسعادة وبهجة ولذّة لا نفاذ لها ولا نهاية لأمدها.
ومن كان هذا شأنه، فإنّه يرى ما لا يراه الناس، ويسمع ما لا يسمعونه، ويعقل ما لا يعقلونه، ويريد ما لا يريدونه، وإن كانت ظواهر أعماله وصور حركاته وسكناته تحاكي أعمال غيره وحركاتهم وسكناتهم وتشابهها، فله شعور وإرادة فوق ما لغيره من الشعور والإرادة، فعنده من الحياة التي هي منشأ الشعور والإرادة ما ليس عند غيره من الناس، فللمؤمن مرتبة من الحياة ليست عند غيره.

فكما أنّ العامّة من الإنسان في عين أنّها تشارك سائر الحيوان في الشعور بواجبات الحياة والحركة الإراديّة نحوها، ويشاركها الحيوان، لكنّا مع ذلك لا نشكّ أنّ الإنسان نوع أرقى من سائر الأنواع الحيوانيّة، وله حياة فوق الحياة التي فيها، لما نرى في الإنسان آثاره العجيبة المترشّحة من أفكار الكلّيّة وتعقّلاته المختصّة به؛ ولذلك نحكم في الحيوان إذا قسناه إلى النبات وفي النبات إذا قسناه إلى ما قبله من مراتب الكون أنّ لكلّ منهما كعبًا أعلى وحياة هي أرقى من حياة ما قبله، فلنقض في الإنسان الذي أوتي العلم والإيمان واستقر في دار الإيقان واشتغل بربّه وفرغ واستراح من غيره وهو يشعر بما ليس في وسع غيره، ويريد ما لا يناله سواه أنّ له حياة فوق حياة غيره، ونورًا يستمدّ به في شعوره، وإرادة لا توجد إلّا معه وفي ظرف حياته...
فتبيّن بذلك أنّ للحياة وكذا للنور حقيقة في المؤمن واقعيّة وليس الكلام جاريًّا على ذاك التجوّز الذي لا يتعدّى مقام العناية اللفظيّة، فما في خاصّة الله من المؤمنين من الصفة الخاصّة بهم، أحقّ باسم الحياة مما عند عامّة الناس من معنى الحياة، كما أنّ حياة الإنسان كذلك بالنسبة إلى حياة الحيوان، وحياة الحيوان كذلك بالنسبة إلى حياة النبات»[72].

فلنحيينّه حياة طيّبة
ومن أدلّة العلّامة الطباطبائيّ على رؤيته هذه، قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[73].
والقراءة التدبّريّة لهذه الآية في ضوء فهم الطباطبائيّ[74] يُستنبط منها خلاصات عديدة:
الأولى: أنّ الله تعالى يحيي من عمل صالحًا حالة كونه متلبّسًا بالإيمان، حياة وصفها بالطيّبة باعتبار خلوّها من الأعدام وما يفسدها في نفسها وفي أثرها. والإحياء عبارة عن إلقاء الحياة في الشيء وإفاضتها عليه، فقوله تعالى: (فلنحيينّه)، تدلّ على أنّ الله سبحانه وتعالى يُكرم المؤمن الذي يعمل صالحًا بحياة جديدة غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامّة.
الثانية: أنّ هذه الحياة الطيّبة مشتركة بين الذكر والأنثى وليست مختصّة بجنس دون آخر أو قوم أو لسان أو مجتمع أو زمان أو مكان، فلها عموم استغراقيّ لجميع أفراد الإنسان على مستوى الشأنيّة والاستعداد، وعلى مستوى الفعليّة والتلبّس للمؤمن الصالح.
الثالثة: أنّه ليس المراد بالإحياء هو المعنى الصفتيّ، أي ليس الإحياء عبارة عن إضافة صفة جديدة تعرض على الحياة العامّة المشتركة بين جميع الناس، بل يضاف نحو وجود خاصّ لحياة جديدة بمعنى إضافة أصل حياة جديدة.

وبعبارة أخرى حسب تعبير العلّامة: ليس المراد بالإحياء تغيير صفة الحياة في المؤمن وتبديلها من الخبث إلى الطيبة مع بقاء أصل الحياة على ما كانت عليه، والدليل عليه أنّه لو كانت هذه الحياة المفاضة هي على نحو الصفتيّة للحياة السابقة، لكان ينبغي استعمال تعبير آخر في اللسان القرآنيّ، بأن تقول الآية: «فلنطيّبنّ حياته»، ولا تقول الآية: (فلنحيينّه حياة طيّبة). فهي تفيد معنى تكوين حياة ابتدائيّة جديد على نحو الحقيقة، دون المجاز.
الرابعة: أنّ ما في الآية من طيب الحياة يلازم طيب أثرها، وهو القدرة والشعور المتفرّع عليهما الأعمال الصالحة[75]، فالمؤمن الصالح باعتبار الحياة الجديدة، يتجدد عنده علم وقدرة عن العلم والقدرة في أي إنسان آخر واللتان هما صفتان مشتركتان باعتبار الحياة الإنسانيّة العامّة كما ذكرناه تفصيلًا عند البحث عن ماهيّة الحياة، حيث يعقّب بقوله: «إنّ له من العلم والإدراك ما ليس لغيره، كذلك له من موهبة القدرة على إحياء الحقّ وإماطة الباطل ما ليس لغيره»[76].
فالعلم والقدرة الحديثان يمهّدان للمؤمن الصالح أن يرى الأشياء على ما هي عليه، فيقسمها قسمين: حقّ باقٍ، وباطل فانٍ، وهذا كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)[77]، فالفرقانيّة في الآية عبارة عما يفرَّق به بين الحقّ والباطل، هي شعور فوقانيّ حادث للمؤمن المتّقي لا يسانخ الحياة القديمة المشتركة بين عامّة الناس.

يقول العلّامة الطباطبائّي: «هذا العلم والقدرة الحديثان يمهّدان له أن يرى الأشياء على ما هي عليها، فيقسمها قسمين: حقّ باقٍ، وباطل فانٍ، فيُعرض بقلبه عن الباطل الفاني، الذي هو الحياة الدنيا بزخارفها الغارّة الفتانة... يرى لنفسه حياة طاهرة دائمة مخلّدة، لا يدبّر أمرها إلّا ربّه الغفور الودود، ولا يواجهها في طول مسيرها إلّا الحسن الجميل، فقد أحسن كلّ شيء خلقه، ولا قبيح إلّا ما قّبحه الله من معصيته. فهذا الإنسان يجد في نفسه من البهاء والكمال والقوّة والعزّة واللذّة والسرور ما لا يقدّر بقدر»[78].

الخامسة: أنّه ثمّة اتصال وجوديّ بين هذه الحياة الجديدة الخاصّة بالمؤمن وحياته السابقة، فهي ليست بمنفصلة عن الحياة القديمة المشتركة، وإن كانت غيرها، والاختلاف بينهما بالمراتب لا بالعدد، فلا يتعدّد بها الإنسان، فالمؤمن له روحان وحياتان، لا شخصيّتان.

وأيّدهم بروح منه
ومن شواهد العلامة الطباطبائيّ أيضًا على مذهبه في ماهيّة الحياة الطيّبة، قوله تعالى: (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)[79].

بحث العلّامة الطباطبائيّ بحثًا وافيًا في مواضع متعدّدة من تفسيره عن حقيقة الروح، والخلاصة التي خرج بها، هي أنّ المتبادر من مفردة الروح في القرآن هو ما يكون مبدأ الحياة. والروح حقيقة مشكّكة، تختلف من حيث الحياة وآثارها شرفًا وخسة، وشدة وضعفًا،  فمن مراتب الروح ما هو موجود في النبات لما فيه من أثر الحياة، ويدلّ على ذلك الآيات المتضمّنة لإحياء الأرض بعد موتها، ومن مراتبها الروح الحيوانيّة، ومنها الروح المنفوخة الموجودة في الإنسان، ومنها الروح المؤيّد بها المؤمن، وهي أشرف وجودًا وأعلى مرتبة وأقوى أثرًا على حدّ تعبير العلّامة من الروح الإنسانيّة العامّة، ومنها الروح المؤيّد بها الأنبياء، وهذه الروح النبويّة هي أشرف وأعلى مرتبة من غيرها مما في الإنسان العام أو المؤمن خصوصًا، ومن مراتب الروح ما هو موجود في الملائكة[80].
يقول العلّامة الطباطبائيّ: «الروح -على ما يتبادر من معناها- هي مبدأ الحياة التي تترشّح منها القدرة والشعور، فإبقاء قوله: (وأيّدهم بروح منه) على ظاهره يفيد أنّ للمؤمنين وراء الروح البشريّة التي يشترك فيها المؤمن والكافر روحًا أخرى تفيض عليهم حياة أخرى وتصاحبها قدرة وشعور جديدان،... وهذه حياة خاصّة كريمة لها آثار خاصّة ملازمة لسعادة الإنسان الأبديّة وراء الحياة المشتركة بين المؤمن والكافر التي لها آثار مشتركة، فلها مبدأ خاصّ وهو روح الإيمان التي تذكرها الآية وراء الروح المشتركة بين المؤمن والكافر»[81].

وعطفًا على ما تقدّم في مناقشته للقول بمجازيّة هذه الحياة، يقول: «وعلى هذا، فلا موجب لما ذكروا من أنّ المراد بالروح نور القلب، وهو نور العلم الذي يحصل به الطمأنينة، وأنّ تسميته روحًا مجاز مرسل لأنّه سبب للحياة الطيّبة الأبديّة، أو من الاستعارة لأنّه في ملازمته وجوه العلم الفائض على القلب -والعلم حياة القلب كما أنّ الجهل موته- يشبه الروح المفيض للحياة»[82].

الكافر بين الموت الحكميّ والموت الحقيقيّ
ولتجذير الفكرة التي ألمحنا إليها حول موت الكافر حقيقة، نعرض بعض الأصول القرآنيّة العامّة:
الأوّل: أنّ الله تعالى بحكمته خلق الإنسان لهدف معيّن وليس لاعبًا ولا لاهيًا ولا عابثًا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)[83].
الثاني: أنّ هدف خلق الإنسان هو معرفة الله وعبادته وشكره (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[84].
ثالثًا: أنّ الله تعالى جهّز الإنسان بمجموعة من القوى والأدوات المعرفيّة العقليّة، والحسّيّة، والفطريّة، والقدرات والفعاليّات البدنيّة، والتي مرجعيّتها في ضوء الفهم الفلسفيّ للهويّة الإنسانيّة إلى الدرّاكيّة والفعاليّة[85].
رابعًا: أنّ هدف هذا التجهيز والبرمجة الخاصّة للإنسان هو أن يستثمرها ويوظّفها في تحقيق الهدف السابق.

وهذا واضح بالنظر إلى سياق الآيات (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[86]، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)[87]، (نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)[88]، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[89]، (أَفَلَا يَنْظُرُونَ)[90]، (أَفَلَا يُبْصِرُونَ)[91].

وأوضح منها في بيان الهدف، ما في قوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[92].
إذ يعتبر الطباطبائيّ أنّ حقيقة الشكر متقوّمة بتوظيف الإنسان هذه النعم والطاقات والقابليّات بنحو يُظهرِ كونها من مُنعِمها، بحيث يستثمرها في الموضع الذي أراده المُنعِم، ولا يتجاوز الهدف الذي وضعه المُنعم لاستخدام النعمة فيه[93].
فيقول: «إنّ النعمة -وهي الأمر الذي يلائم المُنعَم عليه ويتضمّن له نوعًا من الخير والنفع- إنّما تكون نعمة بالنسبة إلى المنعَم عليه إذا استعملها بحيث يسعَدُ بها فينتفع، وأما لو استعملها على خلاف ذلك كانت نقمة بالنسبة إليه، وإن كانت نعمة بالنظر إلى نفسها.
وقد خلق الله تعالى الإنسان وجعل غاية خلقته التي هي سعادته ومنتهى كماله التقرّب العبوديّ إليه، كما قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[94] وهي الولاية الإلهيّة لعبده، وقد هيّأ الله سبحانه له كلّ ما يسعد وينتفع به في سلوكه نحو الغاية التي خلق لها وهي النعم، فأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.

فاستعمال هذه النعم على نحو يرتضيه الله وينتهي بالإنسان إلى غايته المطلوبة هو الطريق إلى بلوغ الغاية وهو الطاعة، واستعمالها بالجمود عليها ونسيان ما وراءها غيّ وضلال وانقطاع عن الغاية وهو المعصية»[95].

إذا دعاكم لما يحييكم
وفي تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[96]، والتي هي من الشواهد أيضًا، يبحث عن كيفيّة تجهّيز الإنسان بالفعاليّات الفطريّة للوصول إلى الهدف الوجوديّ والحياة الطيّبة بنحو فطريّ، وكيف أنّ الكافر قد عطّل فعاليّات الشعور الفطريّ، فيقول: «... وإذ كانت هذه الهداية الإلهيّة التي يسوق النوع الإنسانيّ إلى نحو سعادته وخيره، ويندبه نحو منافع وجوده، هداية بحسب التكوين وفي طور الخلقة، ومن المحال أن يقع خطأ في التكوين، كان من الحتم الضروريّ أن يدرك الإنسان سعادة وجوده إدراكًا لا يقع فيه شكّ...
نعم، ربما أخطأ الإنسان طريق الحقّ في اعتقاد أو عمل وخبط في مشيّته، لكن لا لأنّ الفطرة الإنسانيّة والهداية الإلهيّة أوقعته في ضلالة وأوردته في تهلكة؛ بل لأنّه أغفل عقله ونسى رشده واتبع هوى نفسه وما زيّنه جنود الشياطين في عينه، قال تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ)[97]، وقال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ)[98].
فهذة الأمور التي تدعو إليها الفطرة الإنسانيّة من حقّ العلم والعمل لوازم الحياة السعيدة الإنسانيّة، وهي الحياة الحقيقيّة التي بالحريّ أن تختصّ باسم الحياة، والحياة السعيدة تستتبعها كما أنّها تستلزم الحياة وتستتبعها، وتعيدها إلى محلّها لو ضعفت الحياة في محلّها بورود ما يضادّها ويبطل رشد فعلها»[99].

خامسًا: مما تقدّم، نفهم لماذا وصف القرآن الكريم الذين عطّلوا أجهزتهم الإدراكيّة وفعاليّاتهم الشعوريّة الفطريّة بأنهم تنزّلوا إلى مرتبة الحياة الحيوانيّة[100].
يقول تعالى في سياق الآية السابقة: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)... (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[101].
ويقول تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[102].

وكذلك قوله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[103].
ويحدّثنا الإمام زين العابدين(عليه السلام) عن الربط الوثيق بين الحياة الحيوانيّة وبين عدم الشكر والحمد الذي هو مقتضى الهدف الوجوديّ للإنسان، فيقول: «والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانيّة إلى حدّ البهيميّة، فكانوا كما وصف في محكم كتابه: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلًا)»[104].
يقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسير (أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[105]: «...إنّهم فقدوا ما يتميّز به الإنسان من سائر الحيوان، وهو تمييز الخير والشر، والنافع والضار، بالنسبة إلى الحياة الإنسانيّة السعيدة من طريق السمع والبصر والفؤاد.

وإنّما شبّهوا من بين الحيوان العجم بالأنعام مع أنّ فيهم خصال السباع الضارية وخصائصها كخصال الأنعام الراعية؛ لأنّ التمتع بالأكل والسفاد أقدم وأسبق بالنسبة إلى الطبع الحيوانيّ... فالآية تجري مجرى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)[106].
وأمّا كونهم أشدّ ضلالًا من الأنعام، ولازمه ثبوت ضلالٍ ما في الأنعام؛ فلأنّ الضلال في الأنعام نسبيّ غير حقيقيّ، فإنّها مهتدية بحسب ما لها من القوى المركّبة الباعثة لها إلى قصر الهمّة في الأكل والتمتّع، غير ضالّة فيما هُيّأت لها من سعادة الحياة، ولا مستحقّة للذمّ فيما أخلدت إليه، وإنّما تعدّ ضالّة بقياسها إلى السعادة الإنسانيّة التي ليست لها ولا جهّزت بما تتوسّل به إليها.

وأمّا هؤلاء المطبوع على قلوبهم وأعينهم وآذانهم، فالسعادة سعادتهم، وهم مجهّزون بما يوصلهم إليها، ويدلّهم عليها من السمع والبصر والفؤاد، لكنّهم أفسدوها وضيّعوا أعمالهم ونزّلوها منزلة السمع والبصر والقلب التي في الأنعام، واستعملوها فيما تستعملها فيه الأنعام، وهو التمتّع من لذائذ البطن والفرج، فهم أكثر وأشدّ ضلالًا من الأنعام»[107].
وخلاصة الفكرة بعد هذا البيان، أنّه إذا كانت حياة الإنسان متقوّمة بالحسّ والحركة، أو الدرّاكيّة والفعاليّة، وكان الإنسان الكافر والضالّ قد عطّل حواسه من حيث غايتها الوجوديّة ولم يتحرّك في ضوئها، فهو إذًا بمنزلة الفاقد للشعور والحسّ والإدراك والحركة والفعاليّة، ومن كان هذا شأنه فهو بمنزلة الميت حكمًا بلحاظ الحياة العامّة المشتركة.

بل هو ميت حقيقة وواقعًا لا على نحو المجاز، بلحاظ الحياة الطيّبة الحادثة للمؤمن، لكون الكافر مستعدًّا لتلك الحياة، لكنّه لم يسعَ إلى تحصيلها، ففقدها باختياره، والفاقد للون خاصّ من الحياة مع كونه مستعدًّا لها هو ميت حقيقة بلحاظ هذه الحصّة الخاصّة من الحياة.

فالمؤمن بلحاظ استجابته للدعوة النبويّة، وانفعاله عن الإنذار الإلهيّ، لكونه يوظّف أدواته الإدراكيّة التي هي مؤشّرات الحياة فيسمع، ويعقل، قد وصف بأنّه حيّ. كما في قوله تعالى: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)[108]. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[109].
وهذا ما يفهم من قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ)[110]. وقوله تعالى:(وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[111]. أي الكفار الذين عطّلوا أثر الحياة في ذواتهم بتعطيلهم أجهزتهم الدرّاكيّة والفعاليّة الموصلة إلى الهدف الوجوديّ، فوُصفوا بأنّهم أموات وبأنّهم في القبور باعتبار ما ذكرناه من تحليل.
وسياق قوله تعالى قبل هذه الآية: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ  وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ)[112]، يبلور الفكرة بشكل أوضح.

ويقول العلّامة تعقيبًا على قوله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ)[113] «... لا يموت فيها حتى ينجو من مقاساة ألم عذابها، لكن منتهى عذاب الدنيا الموت، وفيه نجاة المجرم المعذّب، ولا يحيى فيها إذ ليس فيها شيء مما تطيب به الحياة ولا خير مرجوًّا فيها حتى يقاسي العذاب في انتظاره»[114].
فهذا الاجتماع في نفي الوصفين عن الكافر (لا يموت فيها ولا يحيا) مع كون الحياة والموت متقابلان تقابل الملكة وعدمها، ومن خصائصهما المنطقيّة أنّهما لا يرتفعان عمّن من شأنه أن يتّصف بهما، أنّ متعلّق الموت المنفيّ هو مفارقة الروح للبدن باعتبار الحياة الإنسانيّة العامّة المشتركة، ومتعلّق الحياة المنفيّ هو الحياة الطيّبة، فالموت الأوّل مقابل سنخ حياة مخالف للحياة الثانية.
وبناءً على هذا التحليل لحقيقة الحياة والموت، يتّضح معنى الميت الحيّ في النصوص الروائيّة، كالنص الوارد عن الإمام عليّ(عليه السلام) : «... فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان، لم يعرف باب الهدى فيتّبعه، ولا باب العمى فيصدّ عنه، فذلك ميّت الأحياء»[115].
وما روي عنه(عليه السلام) : «إنّ الله عّزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلًا بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم»[116].
فهذه التوصيفات ليست مجازيّة ولا كنائيّة، بل حقيقيّة وواقعيّة تكوينيّة. ولولا الخروج عن موضوع المقالة لأشبعنا البحث في هذه النقطة[117].

المستوى المنخفض من الحياة الإنسانيّة
بناءً على ما تقدّم، يتّضح أنّ هذه الحياة التي يعيشها الإنسان على الأرض تشكّل المستوى المنخفض من الحياة الإنسانيّة، وقد اصطلح عليها القرآن الكريم «الحياة الدُنيا»، وهذا الوصف بـ»الدنيا» هو قيد تضايفيّ يفيد وقوع ما يقابله بالضرورة وهي حياة من نوع آخر «عليا».
ومن خصائص الحياة المنخفضة كما تقدّم، أنها زائلة فانية، ومخلوطة بالأعدام، من الشرّ والجهل والمرض والفقر والبؤس والحرمان والألم والتعب والعناء والأرق والقلق... لذا وصفها القرآن الكريم بأنّها: «متاع الغرور»، «متاع قليل»، «شهوة»، «لعب»، «لهو»، «زينة»، «تفاخر»، «تكاثر»، «حطام»، «ترف»، «عرض»، «خوض»... وشبّه ذلك تشبيهات بديعة في البلاغة من حيث المجاز والاستعارة والكناية.

قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)[118].
وقال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)[119].

وقال أيضًا: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[120].
يقول العلّامة الطباطبائيّ في هذا السياق:»... فوصَفَ الحياة الدنيا بهذه الأوصاف، فعدّها متاعًا، والمتاع ما يقصد لغيره، وعدّها عرضًا، والعرَض ما يعترض ثمّ يزول، وعدّها زينة، والزينة هو الجمال الذي يُضم على الشيء ليقصد الشيء لأجله، فيقع غير ما قصد ويقصد غير ما وقع، وعدّها لهوًا، واللهو ما يلهيك ويشغلك بنفسه عمّا يهمّك، وعدّها لعبًا، واللعب هو الفعل الذي يصدر لغاية خياليّة لا حقيقيّة، وعدّها متاع الغرور، وهو ما يغرّ به الإنسان»[121].

حياة الكافر بين اللذّة المادّيّة والسعادة الحقيقيّة
فثمّة نظرتان إلى المستوى المنخفض من الحياة الإنسانيّة، قد عبّر عنهما أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصفه للدنيا: «من أبصر بها بصَّرته، ومن أبصر إليها أعمته»[122].
الرؤية الأولى هي اللحاظ الآليّ، وتقوم على أساس منطق التعقّل، وتنظر إلى الحياة المنخفضة نظرة وسائليّة أي كمطار إقلاع ومحطّة انتقال، إلى الأبديّة والخلود والحياة الطيّبة الحقيقيّة[123].

والثانية، هي اللحاظ الاستقلاليّ، تقوم على أساس منطق الإحساس، وترى الحياة المنخفضة هدفًا قائمًا بذاته، وموطنًا يغترف منها الإنسان أقصى لذّته، وكون التمتّع فيها هو حقيقة السعادة.
يقول العلّامة في بيان الفرق بين المنطقين: «... أمّا منطق الإحساس فهو يدعو إلى النفع الدنيويّ، ويبعث إليه، فإذا قارن الفعل نفع وأحسّ به الإنسان، فالإحساس متوقّد شديد التوقان في بعثه وتحريكه، وإذا لم يحسّ الإنسان بالنفع فهو خامد هامد، وأمّا منطق التعقّل فإنّما يبعث إلى اتّباع الحقّ ويرى أنّه أحسن ما ينتفع به الإنسان أحسّ مع الفعل بنفع مادّيّ أو لم يحسّ، فإنّ ما عند الله خير وأبقى»[124].
وفي ضوء هاتين الرؤيتين نعالج إشكالًا بنيويًّا قد يُطرح في خاتمة المقالة، وهو أنّه كيف يمكن الجمع بين الفكرة التي تدور حولها هذه المقالة، وبين ما من أنّ الكافر يعيش سعيدًا في حياته، ويطيب له العيش، فيتلذّذ، ويتمتّع، ويفرح...؟؟؟

وقد طرح العلّامة الطباطبائيّ هذا الإشكال ذاته أثناء تفسيره للآية التي تقدّمت حول المعيشة الضنكا للكافر، وهو «أنّ كثيرًا من المُعْرِضين عن ذكر الله ربّما نالوا من المعيشة أوسعها وألقت إليهم أمور الدنيا بأزمّتها، فهم في عيشة وسيعة سعيدة»[125].

والقرآن الكريم يؤكّد تمتّع الكافر وتلذّذه بهذه الحياة المنخفضة.
يقول تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)[126].
ويقول:(وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)[127].
ويقول تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)[128].
ويقول تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)[129].

لكن، يلاحظ القارئ، أنّ القرآن الكريم قد قرن في الآيات بين هذه المتعة واللذّة والفرح بما يوحي بزوالها وفنائها، وعدم غائيّتها بالذات، وأنّها ستنقلب نقمة.

يقول العلّامة الطباطبائيّ تعقيبًا على الآية الثانية: «... الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة إنّما تكون من الحقّ إذا أخذت مقدّمة لها يكتسب بها رزقها، وأمّا إذا أخذت مطلوبة بالاستقلال، فليست إلّا من الباطل الذي يذهب جفاء ولا يُنتفع به في شيء»[130].
ويقول في بيان معنى الآية الثالثة: «والمراد بالاستمتاع بها استعمالها والانتفاع بها لنفسها لا للآخرة والتهيؤ لها، والمعنى يُقال لهم حين عرضهم على النار: أنفذتم الطيبات التي تلتذّون بها في حياتكم الدنيا واستمتعتم بتلك الطيّبات، فلم يبق لكم شيء تلتذّون به في الآخرة»[131].
ويعتبر الآية الأخيرة دليلًا «على أنّهم ما كانوا يرون للإنسان إلّا كمال الحيوان، ولا فضيلة إّلا في الأكل والشرب، ولا سعادة إلّا في التمكّن من التوسّع والاسترسال من اللذائذ الحيوانّية، كما قال تعالى: (أولئك كالأنعام)، وقال: (والذين كفروا يتمتّعون ويأكلون كما تأكل الأنعام)»[132].

ثمّ يجيب العلّامة عن شبهة تلذّد الكافر وتمتّعه، بقوله: «وفيه أنّه مبنيّ على مقايسة الغنيّ من معيشة الفقير بالنظر إلى نفس المعيشتين، والإمكانات التي فيهما، ولا يتعلّق نظر القرآن بهما من هذه الجهة البتّة، وإنّما تبحث الآيات فيهما بمقايسة المعيشة المضافة إلى المؤمن، وهو مسلّح بذكر الله والإيمان به، من المعيشة المضافة إلى الكافر الناسي لربّه، المتعلّق النفس بالحياة الدنيا، الأعزل من الإيمان، ولا ريب في أنّ للمؤمن حياة حرّة سعيدة يسعه ما أكرمه ربّه به من المعيشة وإن كانت بالعفاف والكفاف أو دون ذلك، وليس للمُعرِض عن ذكر ربّه إلا عدم الرضا بما وجد والتعلّق بما وراءه»[133].

فثمّة خلط كبير في هذا النحو من الشبهات بين السعادة الحقيقيّة وبين اللذّة المؤقّتة، فإنّه لا شكّ في أنّ الكافر يتلذّذ ويتمتّع في حياته؛ وذلك لأنّ اللذّة هي عبارة عن حصول ما يلائم قوّة من قوى النفس، فمن يتحرّك في ضوء قوّته الشهويّة لجذب الملائم يشعر باللذّة، كما في أكل لحم الخنزير، أو شرب الخمر، أو الزنا، وكذلك الذي يتحرّك في ضوء قوّته الغضبيّة في دفع المنافر يشعر بلذّة الانتقام والتشفّي[134]. لكن السعادة الحقيقيّة ليست في ذلك، وإنّما هي بمعنى وصول الكائن إلى كمال طبيعته بخروج قابليّاته من القوّة إلى الفعليّة، وبعبارة أخرى الحياة الطيّبة هي بتحقيق السبب الذي خُلِق الإنسان من أجله.
هذه النزعة المادّيّة التي يمثّلها فرعون في نظرته إلى الحياة، حيث «يرى أن لا حقيقة للإنسان إلّا هذه البنية الجسمانيّة التي تعيش ثمّ تفسد وتفنى، وأن لا سعادة له إلا نيل هذه اللذائذ المادّيّة الفانية....»[135].

وفي المقابل، إنّ السحرة عُرضت عليهم دنيا فرعون، لكنّهم رفضوها، رغم تهديد فرعون: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)[136] وذلك بعدما رأوا من الحقّ، «فهم يرون ما يعدّه فرعون حقيقة من أمتعة الحياة الدنيا من مالها ومنزلتها سرابًا خياليًّا وزينة غارّة باطلة»؛ لذلك قالوا له (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا)[137]، «وعلى ذلك فلا يهابون أن يخسروا في حياتهم الدنيا الداثرة، إذا ربحوا في الحياة الأخرى الخالدة، وذلك قولهم لفرعون - وهو جواب تهديده إيّاهم بالقتل : (اقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)[138]»[139].
وثمّة نماذج عديدة في القرآن الكريم تؤكّد هذه الحقيقة، في المقارنة بين الحياة الوهميّة وما يمازجها من المتعة واللذّة، وبين الحياة الطيّبة الحقيقيّة، منها نموذج الصاحبين، اللذين سرد الله تعالى قصّتهما في سورة الكهف (الآيات: 32-45). ونموذج قارون والذين أوتوا العلم، وقد حكى الله تعالى قصّتهما في سورة القصص (الآيات: 76-83).

والخلاصة أنّ السعادة الحقيقيّة -التي هي غاية ما يتشوّقها كلّ إنسان على حدّ تعبير الفارابي-[140]، والحياة الطيّبة، هي تلك الحياة المتلبّسة بالخلوّ من الأعدام، والمتحلّية بالأبديّة والخلود، ولن يعثر عليها الإنسان خارج المنظار الدينيّ- الأخرويّ، ويبقى بحثه عنها خارج هذه الرؤية سعيًا وراء السراب، وإن عثر على السعادة تصوّرًا، فهو شعور وهميّ على نحو الجهل المركّب، يحسبه الظمآن ماء، سرعان ما ينكشف خطؤه بالموت (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)[141].
فلا يمكن لغير المؤمن المتّقي المهتدي المستقيم الصالح، أن يتلبّس بالحياة الطيّبة، وإن تمتّع وتلذّذ بالحياة المنخفضة؛ لأنّها سنخ لذّة ومتعة ينغّصها الفناء وتكدّرها الأعدام، فهي حياة متوهّمة خرافيّة خياليّة، وعلى حدّ تعبير العلّامة الطباطبائيّ، في بيان معنى قوله تعالى: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[142]، «يفيد ذلك أنّ الإنسان المتمتّع بهذه الحياة غير مشتغل إلّا بالأوهام، وأّنه مشغول بها عمّا هو أهمّ وأوجب من غايات وجوده وأغراض روحه فهو في حجاب مضروب عليه يفصل بينه وبين حقيقة ما يطلبه ويبتغيه من الحياة. وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى، وهو من خطابات يوم القيامة: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[143]»[144].

المصادر والمراجع
1. القرآن الكريم.
2. ابن سينا، حسين بن عبد الله، المباحثات، تحقيق وتعليق محسن بيدارفر، انتشارات بيدار، قم، مطبعة أمير، الطبعة الأولى، 1413هـ.
3. السهروردي، يحيى (المعروف بشهاب الدين)، كتاب التلويحات، مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، تصحيح ومقدمة هانري كُربن، نشر بزوهشكاه علوم انسانى ومطالعات فرهنكي، طهران، 1380هـ.ش.
4. الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، خرج مصادره الشيخ حسين الأعلمي، ج1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
5. الشيرازي، محمد (المعروف بصدر الدين أو ملا صدرا)، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج6، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1410هـ-1990م.
6. الشيرازي، محمد بن إبراهيم (المعروف بصدر المتألهين)، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية، مع حواشي الحكيم المحقق الحاج ملا هادي السبزواري، تعليق وتصحيح وتقديم السيد جلال الدين الآشتياني، الطبعة الثانية، المركز الجامعي للنشر، 1981م، مؤسسة التاريخ العربي.
7.    الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1385هـ-1966م.
8.    الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج14، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1372هـ.ش.
9.    الطباطبائي، محمد حسين، نهاية الحكمة، بتعليقة محمد تقي مصباح اليزدي، دار الكتاب الإسلامي، بيروت م:5/ ف:6.
10.  الطوسي، محمد بن محمد بن الحسن (المعروف بنصير الدين)، تجريد الاعتقاد، حققه محمد جواد الحسين الجلالي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1407هـ.
11.  الفارابي، أبو نصر، التنبيه على سبيل السعادة، تحقيق وتعليق الدكتور جعفر آل ياسين، دار المناهل، ط2، 1987م.
12.  المشارع والمطارحات، مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، تصحيح ومقدمة هانري كُربن، نشر بزوهشكاه علوم انسانى ومطالعات فرهنكي، طهران، 1380هـ.ش.
13.  المعارج، 19-23.
14.  الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، (1375هـ- 1956م)، ترجمة: سيد محمد باقر موسوي همداني- منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات- بيروت- لبنان.
15.  الطوسي، محمد بن الحسن، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية، 1406هـ-1986م،
16.  العاملي، حسن محمد مكي، الإلهياة على هدى الكتاب والعقل، محاضرات الشيخ جعفر السبحاني، ج1، الدار الإسلامية، ط2، بيروت، 1410هـ-1989م.
17.  بداية الحكمة، السيد محمد حسين الطباطبائي، تحقيق: عباس علي الزارعي السبزواري- 1418.
18.  عجمي، سامر توفيق، التربية بنظرة فلسفية، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، دار البلاغة، بيروت، ط1، 1439هـ-2018م.
19.  ماير، إرنست، هذا هو علم البيولوجيا- دراسة في ماهية الحياة والأحياء، ترجمة عفيفي محمود عفيفي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 277، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2002م، الفصل الأول.
20.  نهاية الحكمة (مؤسسة النشر الإسلامي) - السيد محمد حسين الطباطبائي، قم – 2019.
21.  رسالة في اعتقاد الحكماء، مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، تصحيح ومقدمة هانري كُربن، نشر بزوهشكاه علوم انسانى ومطالعات فرهنكي، طهران، 1380هـ.ش.
22.  مطهري، مرتضى، العدل الإلهي، ترجمة محمد عبد المنعم الخاقاني، الدار الإسلامية، بيروت، ط2، 1405هـ-1985م.

---------------------------------------
[1]*ـ  باحث في الفكر الإسلاميّ- لبنان..
[2]- سورة ق، الآية19.
[3]- أنظر: مطهري، مرتضى، العدل الإلهيّ، ترجمة محمد عبد المنعم الخاقانيّ، الدار الإسلاميّة، بيروت، ط2، 1405هـ-1985م، ص221 وما بعد.
[4]- انظر: الطباطبائيّ، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1372هـ.ش، ج14، ص179.
[5]- سورة طه، الآية50.
[6]- سورة الجاثية، الآية24.
[7]- انظر: الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج18، ص188.
[8]- سورة ق، الآية3.
[9]- سورة السجدة، الآية10.
[10]- العدل الإلهيّ، ص231.
[11] سورة المؤمنون، الآية115.
[12]- سورة الأنبياء، الآيتان16-17.
[13]- سورة البقرة، الآية28.
[14]- الطباطبائيّ، محمّد حسين، نهاية الحكمة، بتعليقة محمّد تقي مصباح اليزدي، دار الكتاب الإسلاميّ، بيروت م:5/ ف: 6، ص170.
[15]- ابن سينا، حسين بن عبد الله، المباحثات، تحقيق وتعليق محسن بيدارفر، انتشارات بيدار، قم، مطبعة أمير، الطبعة الأولى، 1413هـ، ص299.
[16]- السهرورديّ، يحيى (المعروف بشهاب الدين)، كتاب التلويحات، مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، تصحيح ومقدمة هانري كُربن، نشر بزوهشكاه علوم انسانى ومطالعات فرهنكي، طهران، 1380هـ.ش، ص75.
[17]- الشيرازيّ، محمّد (المعروف بصدر الدين أو ملّا صدرا)، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، الطبعة الرابعة، 1410هـ-1990م، ج6، ص413.ّ
[18]- انظر: الطوسيّ، محمّد بن الحسن، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية، 1406هـ-1986م، ص54. يقول: «إذا ثبت كونه قادرًا، وجب أن يكون حيًّا». والإيجي، عبد الرحمن، شرح المواقف، للمحقّق السيّد الشريف علي بن محمد الجرجاني، ويليه حاشيتي السيالكوتي والجلبي، منشورات الشريف الرضي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1325هـ-1907م، ج8، ص80. يقول: «في أنّه تعالى حي هذا ما اتفق عليه الكل لأنه عالم قادر». والتفتازاني، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، تحقيق وتعليق مع مقدّمة في علم الكلام للدكتور عبد الرحمن عميرة، تصدير فضيلة الشيخ صالح موسى شرف، منشورات الشريف الرضيّ، الطبعة الأولى، 1409ه-1989م، ج4، ص138. يقول: «ودلّ العلم والقدرة على الحياة».
[19]- انظر: العامليّ، حسن محمّد مكّي، الإلهيّات على هدى الكتاب والعقل، محاضرات الشيخ جعفر السبحاني، الدار الإسلاميّة، ط2، بيروت، 1410هـ-1989م، ج1، ص153
[20]- الطوسيّ، محمّد بن محمّد بن الحسن (المعروف بنصير الدين)، تجريد الاعتقاد، حقّقه محمد جواد الحسين الجلاليّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1407هـ، ص192.ّ
[21]- انظر: ماير، إرنست، هذا هو علم البيولوجيا- دراسة في ماهيّة الحياة والأحياء، ترجمة عفيفي محمود عفيفي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 277، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2002م، الفصل الأول، ص15 وما بعد.
[22]- [مدرّس علم الحيوان في جامعة هارفرد الأمريكيّة] حيث يقول: «... هذه الخصائص المميّزة للكائنات الحيّة المتعضّية تحقّق لها عددًا من القدرات التي لا وجود لها في الأنظمة غير الحيّة، منها: القدرة على التطوّر- القدرة على الاستنتساخ الذاتيّ- القدرة على النموّ والتمايز على أساس برنامج جينيّ، القدرة على النشاط  الأيضيّ-القدرة على التنظيم الذاتيّ... القدرة على التجاوب مع المؤثّرات... القابليّة للتغير الازدواجيّ... كلّ هذه الخصائص المميّزة للكائنات الحيّة المتعضّية تؤهّلها لأن تحتل مرتبة متميّزة عن الأنظمة غير الحيّة». هذا هو علم البيولوجيا، مصدر سابق، ص40.
[23]- الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص345-346.
[24]- نهاية الحكمة، المرحلة 12، الفصل15.
[25]- الشيرازيّ، محمّد بن إبراهيم (المعروف بصدر المتألّهين)، الشواهد الربوبيّة في المناهج السلوكيّة، مع حواشي الحكيم المحقّق الحاج ملّا هادي السبزوارّي، تعليق وتصحيح وتقديم السيد جلال الدين الآشتيانيّ، الطبعة الثانية، المركز الجامعيّ للنشر، 1981م، مؤسّسة التاريخ العربيّ، ص147.
[26]- الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، مصدر سابق، ج6، ص413
[27]- الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص347.
[28]- الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص343.
[29]- المشارع والمطارحات، مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، تصحيح ومقدمة هانري كُربن، نشر بزوهشكاه علوم انسانى ومطالعات فرهنكي، طهران، 1380هـ.ش، ص317.
[30]- الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص313.
[31]- سورة الأنبياء، الآية35.
[32]- انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص116.
[33]- الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص274.
[34]- سورة ص، الآيتان71-72.
[35]- رسالة في اعتقاد الحكماء، مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، تصحيح ومقدمة هانري كُربن، نشر بزوهشكاه علوم انسانى ومطالعات فرهنكي، طهران، 1380هـ.ش، ص267.
[36]- انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص313.
[37]- انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص355 وما بعد.
[38]- سورة السجدة، الآية9.
[39]- سورة الإسراء، الآية85.
[40]- سورة يس، الآيتان82-83.
[41]- سورة القمر، الآية50.
[42]- الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص356.
[43]- الشواهد الربوبيّة في المناهج السلوكيّة، ص286.
[44]- أنظر: بداية الحكمة، مصدر سابق، ص31.
[45]- الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص40.
[46]- سورة النحل، الآية96.
[47]- سورة التوبة، الآية40.
[48]- سورة الرعد، الآيتان28-29.
[49]- أنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص392.
[50]- الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص393.
[51]- سورة طه، الآية124.
[52]- الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص243.
[53]- الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص415.
[54]- سورة البقرة، الآية277.
[55]- سورة البقرة، الآية112.
[56]- سورة الأعراف، الآية35.
[57]- سورة الأحقاف، الآية13.
[58]- الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص63-64
[59]- الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص82.
[60]- سورة المعارج، الآيات19-23.
[61]- سورة البقرة، الآيتان155-156.
[62]- سورة البقرة، الآية157.
[63]- أنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص357-359.
[64]- انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص31.
[65]- سورة الأنعام، الآية125.
[66]- سورة البقرة، الآية38.
[67]- الميزان في تفسير القرآن، ج7، ص356-257.
[68]- الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص43.
[69]- سورة الأنعام، الآية122.
[70]- الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص274.
[71]- الميزان في تفسير القرآن، ج7، ص357.
[72]- المصدر نفسه، ص357-358-359.
[73]- سورة النحل، الآية97.
[74]- أنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص365.
[75]- انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص226.
[76]- سورة الأنعام، الآية: 122.
[77]- سورة الأنفال، الآية29.
[78]- الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص226.
[79]- سورة المجادلة، الآية22.
[80]- الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص274.
[81]- الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص227.
[82]- المصدر نفسه.
[83]- سورة المؤمنون، الآية115.
[84]- سورة الذاريات، الآية56.
[85]- أنظر: نهاية الحكمة، مصدر سابق، ج2، ص74-75. وأنظر: بهمنيار بن المزربان، التحصيل، تعليق مرتضى مطهري، مؤسسة انتشارات وجاب دانشكاه تهران، 1375ه.ش، ص818-819.
[86]- سورة البقرة، الآية73.
[87]- سورة البقرة، الآية266
[88]- سورة الأنعام، الآية65.
[89]- سورة النحل، الآية65.
[90]- سورة الغاشية، الآية17.
[91]- سورة السجدة، الآية27.
[92]- سورة النحل، الآية78. وأنظر: سورة الملك، الآية23. سورة المؤمنون، الآية78. سورة السجدة، الآية9.
[93]- أنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص38.
[94]- سورة الذاريات، الآية56.
[95]- الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص397-398.
[96]- سورة الأنفال، الآية24.
[97]- سورة النجم، الآية23.
[98]- سورة الجاثية، الآية23.
[99]- الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص40-41.
[100]- أنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص39. وج15، ص242.
[101]- سورة الأنفال، الآيتان22-24.
[102]- سورة الأعراف، الآية179.
[103]- سورة الفرقان، الآية44.
[104]- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء الأوّل، التحميد لله عزّ وجلّ.
[105]- سورة الأعراف، الآية179.
[106]- سورة محمّد، الآية12.
[107]- الميزان في تفسير القرآن، ج8، ص352.
[108]- سورة يس، الآية:70.
[109]- سورة الأنفال، الآية24.
[110]- سورة الأنعام، الآية36.
[111]- سورة فاطر، الآية22.
[112]- سورة فاطر، الآيات19-22.
[113]- سورة طه، الآية74.
[114]- الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص198.
[115]- الشريف الرضيّ، نهج البلاغة، شرح الشيخ محمّد عبده، خرج مصادره الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت، ج1، ص181.
[116]- الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1385ه-1966م، ص5.
[117]- أنظر: عجمي، سامر توفيق، التربية بنظرة فلسفيّة، مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، دار البلاغة، بيروت، ط1، 1439هـ-2018م، ص179-180.
[118]- سورة الحديد، الآية20.
[119]- سورة يونس، الآية24.
[120]- سورة الكهف، الآيتان: 45-46.
[121]- الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص346-347.
[122]- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص159.
[123]- الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص115.
[124]- المصدر نفسه، ص119.
[125]- الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص243.
[126]- سورة طه، الآية: 131.
[127]- سورة الرعد، الآية: 26.
[128]- سورة الأحقاف، الآية: 20.
[129]- سورة المؤمنون، الآية33.
[130]- الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص383.
[131]- الميزان في تفسير القرآن، ج18، ص223-224.
[132]- الميزان في تفسير القرآن، ج15، ص31.
[133]- المصدر نفسه، ص243-244.
[134]- أنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص42.
[135]- المصدر نفسه، ج14، ص195.
[136]- سورة طه، الآية71.
[137]- سورة طه، جزء الآية72.
[138]- سورة طه، تتمة الآية72.
[139]- الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص196.
[140]- الفارابي، أبو نصر، التنبيه على سبيل السعادة، تحقيق وتعليق الدكتور جعفر آل ياسين، دار المناهل، ط2، 1987م، ص49.
[141]- سورة النور، الآية39.
[142]- سورة العنكبوت، الآية64.
[143]- سورة ق، الآية22.
[144]- الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص42.