البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

بين التعدّديّة الدينيّة وتعدد سبل النجاة رؤية نقديّة تأصيليّة

الباحث :  غسان الأسعد
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  25
السنة :  خريف 2021م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 1 / 2022
عدد زيارات البحث :  805
تحميل  ( 3.346 MB )
في هذه الدراسة مقاربة لأطروحة التعدّديّة الدينيّة من وجهة نظر الفكر الإسلاميّ، حيث يؤسّس الباحث رؤيته التأصيليّة انطلاقًا من علم أصول الفقه وعلم الكلام. وما من ريب أنّ من مثل هذه المقاربة تعالج إشكالات قضيّة التعدُّديّة ضمن حقل معرفيّ قلَّ أن جرى تسييله حيال هذه القضيّة، وقد سعى الباحث في دراسته هذه إلى الأخذ بقاعدة الحجّيّة أو اليقين كقاعدة مركزيّة في استنباط الأحكام من علم أصول الفقه، مضافاً إلى الاعتماد على رؤية كلامية نقديّة تأصيلية.

«المحرّر»
---------------------------
يعتبر علم أصول الفقه واحدًا من أهمّ العلوم التي ابتكرها المسلمون، كما يعتبر هذا العلم بمثابة منطق الفقه ـ كما يصفه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر [1]، حيث إنّه القاعدة والأساس في عمليّة استنباط الأحكام الشرعيّة. ومن الأبحاث المهمّة التي يبحثها الأصوليّون في هذا العلم حجّيّة القطع أو اليقين، وقد يكون لهذا المبحث الذي درسه الأصوليّون بشكل مفصّل وعميق مدخليّة لنوعٍ من الفهم الخاصّ للتعدّديّة الدّينيّة، أو لتعدّديّة طرق النجاة في الفكر الإسلاميّ تختلف بشكل كبير عن التعدّديّة الدينيّة التي طرحها بعض الفلاسفة الغربيّين أمثال جون هيغ وغيره.

حجّيِّة القطع في المعنى والمفهوم
القطع في علم الأصول عبارة عن حصول العلم اليقينيّ للإنسان (المكلّف) دون احتمال أو توهّم الخلاف والخطأ، وقد اتفق الأصوليّون بلا استثناء على حجّيّة القطع، واعتبروا حجيّته أمرًا لا يحتاج إلى دليل أو برهان، أمّا المراد من البحث في حجّيّة القطع، فهو البحث في مدى معذّرية أو منجّزية القطع أو العلم اليقينيّ، فإذا قطع المكلّف بحكم ما، عندها عليه أن يمتثل ذلك الحكم، إذا كان قادرًا على ذلك، وهذا ما يسمّيه الأصوليّون بمنجّزيّة القطع(التنجيز)، وفي المقابل، فإنّ المكلف إذا قطع بعدم التكليف، ولم يمتثل بطبيعة الحال، ثم علم بعد ذلك أنّ قطعه لم يكن صحيحًا، وذلك لوجود خلل في بعض مقدّمات قطعه، ففي هذه الحالة يكون معذورًا في عدم امتثال الحكم، ولا يؤاخذه المولى سبحانه على مخالفة الحكم الواقعيّ، ولا يكون مستحقًّا للعقاب؛ وذلك لأنّه كان قاطعًا بعدم التكليف، وهذا ما يسمّيه الأصوليّون بالتعذير (المعذّريّة)، وعادة ما يمثّل الأصوليّون لذلك بمن قطع وتيقّن بأن الكوب الذي بيده يحتوي على الماء، لكنه عندما شرب منه تبيّن له بأنّ ما شربه في الواقع هو خمر، وقد اعتبر الأصوليّون انطلاقًا من حجّيّة القطع بأنّ المكلّف يكون معذورًا في هذه الحالة[2].

أمّا وجه الارتباط بين هذا المبحث الأصوليّ، وبين تعدّديّة طرق النجاة، فهو أنّ من يتّخذ غير الإسلام دينًا له، بحيث يكون قاطعًا بأنّ هذا الدين الذي اختاره هو الحقّ، فإن هذا يعني أنّه سيكون معذورًا في قطعه، وسوف يكون من الناجين يوم القيامة.

لكن لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ النجاة يوم القيامة تعني عدم دخول النار، أو النجاة من العذاب، ولا يعني ذلك الدخول إلى الجنّة[3].

لكنّ الإشكاليّة التي يمكن أن نقع فيها هي أنّ علماء الأصول بحثوا حجيّة القطع، وأثبتوا المنجّزية والمعذّرية في الفروع، أو في الأحكام الشرعيّة، وليس في العقائد والمفاهيم الدينيّة، وهنا يتساءل بعضهم[4] عن إمكانيّة توسيع رقعة المعذّرية من ساحة الفقه والشريعة إلى ساحة العقائد والأصول والمفاهيم الدينيّة، ويقول في معرض الجواب عن هذا السؤال إنه لا يرى مبرّرًا لتضييق رحمة الله وحصرها في دائرة الأحكام الشرعيّة.[5] حيث إن الحجيّة لا تنفكّ عن القطع، وهذا يعني شمول الحجيّة لحالة القطع في العقائد الدينيّة، فلا يكون القطع حجّة في الأحكام وليس بحجّة في العقيدة، وإلا لزم أن تنفكّ الحجيّة عن القطع، وهذا ما لم يلتزم به أحد.

القطع الموضوعيّ والذاتي:
ولا بدّ من الإشارة هنا أيضًا إلى مناقشة أخرى يطرحها الأصوليّون حول حجيّة القطع، حيث يعتبرون أنه ليس مطلق قطع هو حجّة، وقد استشكل بعض العلماء في حجيّة القطع الذي يعتمد على مقدّمات غير يقينيّة، أو أنّها مقدّمات يفترض ألا تؤدّي إلى القطع عند عامّة الناس، ويسمّى هذا النوع بقطع القطّاع «فالقطّاع إنسان يحصل له قطع ذاتيّ، وينحرف غالبًا في قطعه هذا انحرافًا كبيرًا عن الدرجة التي تفترضها المبرّرات الموضوعيّة»[6].

إلّا أّن هذا الشخص القاطع هو ممن يحصل لديه القطع بسرعة، ولا يكون قطعه مبنيًّا على أسس منطقيّة أو ركائز متينة يصحّ معها القطع واليقين، وهذا النوع من القطع ليس حجّة عند بعض الأصوليّين، ودليله على ذلك باختصار هو أن الله سبحانه نهى عبيده عن العمل بالقطع الذاتيّ، ودعاهم إلى عدم العمل به، كذلك فإنّ هذا الإنسان يعلم عادة بأنّه عادة ما يحصل له مثل هذا النوع من القطع، وعندها يكون علمه بحالِه حجّةً عليه، وهذا العلم يلغي حجّيّة القطع من ناحية المعذّريّة.[7] «إنّ حكم العقل بوجوب موافقة القطع عند حصوله، ليس على الإطلاق حجّة، فيما إذا قصّر في تحصيله، ولو من جهة علمه بأكثريّة مخالفة قطعه للواقع، قبل حصول قطعه، فحينئذ لا يراه العقل معذورًا لتقصيره، مع أنه بعد حصول القطع مجبول على الموافقة، فيكون من قبيل إلقاء النفس من شاهق عال»[8].
لكن لا بدّ من الإشارة إلى حالة قطع القطّاع قلّما تكون موجودة بين الناس، فليس من طباع عامّة الناس القطع من أيّ شيء؛ لذا فإنّ هذا الاستثناء من حجيّة القطع قد يكون نادرًا، أو قليلًا على الأقلّ.

ومن هنا نستنتج أنّه ليس مطلق قطع هو حجّة، لذا فليس كلّ من يقطع بأنّ دينه على حقّ، فيؤمن به ويستبعد الأديان الأخرى يكون معذورًا إذا كان مخطئًا، بل فقط من كان جادًّا في بحثه عن الحقّ، لكن سعيه لم ينفعه، فضلّ عن سبيل الله، متّبعًا سبيلًا آخر، وذلك على الرغم من الأسس المنطقيّة والموضوعيّة التي اعتمد عليها في بناء سعيه، لكنّه لشبهة، ضلّ عن سواء السبيل، واتخذ غير الإسلام دينًا له، فمثل هذا الإنسان لا بدّ أن يكون معذورًا أمام الله سبحانه، فلا يكون مستحقًا للعقاب يوم القيامة. لكن كما قلنا سابقًا، فإن هذا لا يعني أنّه يكون مستحقًّا للثواب.

مسلك قبح العقاب بلا بيان:
هذا، وقد يرتبط بحثنا في تعدّديّة طرق النّجاة ببحث أصوليّ آخر، ويمكن اعتباره جزءًا أو نتيجة من نتائج حجيّة القطع، وهذا البحث الأصوليّ يرتبط بما يسمى بمسلك قبح العقاب بلا بيان، حيث اعتبر مشهور الأصوليين بأنّ موضوع المنجّزيّة هو البيان أو العلم، وهذا معناه أنّ المكلف لا يكون مستحقًّا للعقاب إلا إذا حصل له البيان على الحكم، وانطلقوا في ذلك من أن الإنسان لو كان جاهلًا بالحكم لا يكون مستحقًّا للعقاب من الله سبحانه وتعالى، لأنّ هذا قبيح، والله منزّه عن كل قبيح.[9]
إذا سلّمنا بهذه القاعدة وبهذا المسلك ـ قبح العقاب بلا بيان ـ، فإن هذا سوف يساعدنا كثيرًا على فهم تعدّديّة طرق النجاة، حيث إنّ كل إنسان لم تبلغه الحجّة الكاملة يكون معذورًا أمام الله سبحانه، وهذا ينسجم مع النصوص القرآنيّة التي اشترطت بعث الرّسل لاستحقاق العقاب، (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الاسراء:15).

مسلك حق الطاعة:
لكن في مقابل هذا المسلك هناك مسلك آخر لا يقرّ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل وينقضها من رأس، حيث اعتبر الشهيد الصدر أن قاعدة قبح العقاب بلا بيان تحدّ من مولويّة المولى سبحانه وتعالى، ويقول الشهيد: «المولويّة معناها حقّ الطاعة وتنجّزها على المكلّف، فلا بدّ من تحديد دائرة حق الطاعة المقوّم لمولويّة المولى».[10] وقد صرّح الشهيد الصدر بأن دائرة حق الطاعة لا تختصّ بالأحكام اليقينيّة والمقطوعة فقط، بل تشمل حتى التكاليف المظنونة والمحتملة، «الصحيح في حق الطاعة شموله للتكاليف المظنونة والمحتملة (...)، ومن ذلك يستنتج أنّ المنجّزيّة موضوعها مطلق انكشاف التكليف، ولو كان انكشافًا احتماليًّا»[11].

وبناءً عليه، فإنّ كلّ إنسان يحتمل أنّ الدين الذي يتّبعه ليس حقًا، أو يحتمل أن هناك دينًا ما يمتلك الحقّانيّة، فعليه أن يسعى إلى اعتناق هذا الدين، وإلاّ لا يكون معذورًا أمام الله سبحانه، وهذا بطبيعة الحال يضيّق من دائرة الناجين من العذاب يوم القيامة، لكن الشهيد الصدر يعتبر أنّ منجزيّة الاحتمال أو مطلق الانكشاف هو حكم أوّليّ، وهذا الحكم الأوّليّ متوقّف في تنجّزه على عدم وجود حكم ثانويّ يخالفه، ويقول الشهيد الصدر في هذا المجال: «هذا الحقّ وهذا التنجيز يتوقّف على عدم حصول مؤمّن من قبل المولى نفسه في مخالفة ذلك التكليف، وذلك بصدور ترخيص جادّ منه في مخالفة التكليف المنكشف»[12].
وهذا الترخيص أو الحكم الثانويّ هو عبارة عن البراءة من التكليف غير المعلوم، وهو حكم ثابت في الشريعة ويمكن الاستدلال عليه بالعديد من الآيات والروايات، ومن الآيات قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الاسراء:15).

ومن الروايات نذكر هذه الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، قال: «حدّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة»[13].
هذا، ويمكن القول إنّ مسلك حقّ الطاعة محصور بالفروع والأحكام الشرعيّة، ذلك أنّ هذا المسلك يفترض وجود المولى والتصديق به، في رتبة سابقة على التكليف، وبناءً عليه، لا يمكن أن نجري حقّ الطاعة على الكافر؛ لذا تبقى البراءة من التكليف أو من التنجيز هي المجرى في المقام.

كما يمكن أن نجد في الكلمات المتفرّقة لبعض الأصوليّين تصريحًا بقبح عقاب الجاهل إذا لم يكن مقصّرًا، حيث نجد أنّ المولى محمد كاظم الخراسانيّ يقول في نهاية النهاية إنّ المعذّرية حكم «ثابت في موضوع القطع الخاطئ، بل قد عرفت أنّه حكم مطلق الجهل بالواقع، بسيطًا كان أو مركّبًا، ما لم يكن عن تقصير»[14]. وبالتالي فمن اعتنق بعض الأفكار والعقائد مع قطعه بصحّتها وعدم تقصيره في تنقيح وتحقيق المقدمات التي حصَّل فيها هذه الأفكار، يكون معذورًا إذا كان قطعه مخالفًا للواقع، ويكون من مصاديق مَن جَهِلَ جهلًا مركبًا، فيكون معذورًا. ونحن لا يمكننا أن ننكر أن كثيرًا من أتباع الديانات الأخرى يقطعون بصحة عقيدتهم ويقدّمون الأدلّة التي يعتقدون أنّها تثبت ما يعتنقون، بل أكثر من ذلك، فإنّهم ولشدّة قطعهم بصحّة عقائدهم قد يستحضرون بعض الإشكالات على الإسلام، وقد لا تكون هذه الإشكالات بسيطة وسهلة، فهؤلاء لا يمكن أن نقول إنّهم كفار، وكلّ كافر مصيره النار وكفى!! بل يلزمنا الكثير من التحقيق في نواياهم، ومدى صدقهم في طلب الحقّ، لنحكم عليهم أنّهم معذّبون مخلّدون في النّار، أم لا.

كذلك فإنّ الآقا ضياء الدين العراقيّ رفض في نهاية الأفكار الحكم على مطلق الكافر بأنّه مخلّد في النار، حيث قال في مقام الحديث عن الجاهل القاصر: «فيه تأمّل؛ لاستقلال العقل في الفرض المزبور بقبح العقوبة»[15].

2- التعددية الدينية ونظرية التصويب:
أما إذا أردنا أن نبحث عن التعدّديّة الدينيّة عند الأصوليّين من أهل السنّة، فإنّنا يمكن أن نجد في بعض كلماتهم ونظريّاتهم ما يؤيّد التعدّديّة بمعنى تعدّديّة الحقائق، لكن هذه التعدّديّة لا تتعدّى حدود المسائل الشرعيّة والفقهيّة المختلفة بين الفقهاء، حيث التزم بعض علمائهم بنظريّة التصويب بمعنى أنّ الله يجعل حكمًا متوافقًا مع فتوى الفقيه، كلّ فقيه، فحتى وإن كانت هناك فتاوى متناقضة، فإنّ الله يجعل لها حكمًا في عالم الجعل، فتكون كلّها صحيحة. ويؤيد الغزالي هذا المذهب فيقول: «فالذي ذهب إليه محقّقو المصوّبة أنّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن يطلب بالظن، بل الحكم يتبع الظن، وحكم الله تعالى على كلّ مجتهد ما غلب على ظنّه، وهو المختار»[16] ، ويقول في موضع آخر: «ومن نظر في المسائل الفقهيّة التي لا نصّ فيها علمَ ضرورة انتفاء دليل قاطع فيها، وإذا انتفى الدليل فتكليف الإصابة من غير دليل قاطع تكليف محال، فإذا انتفى التكليف انتفى الخطأ»[17].

لكن هذا المذهب تعرّض للكثير من الانتقادات والاعتراضات من علماء الأصول، وقد عرض الشهيد الصدر في كتابه دروس في علم الأصول صورتين لمقولة التصويب، وانتقد الصورتين معًا، أما الصورة الأولى للتصويب فهي أن أحكام الله تعالى ما يؤدّي إليه الدليل والأصل، ومعنى ذلك أنّه ليس له من حيث الأساس أحكام، وإنّما يحكم تبعًا للدليل أو الأصل، فلا يمكن أن يتخلّف الحكم الواقعيّ عنها. «وهناك صورة مخفّفة للتصويب مؤدّاها أنّ الله ـ تعالى ـ له أحكام واقعيّة ثابتة من حيث الأساس، ولكنّها مقيّدة بعدم قيام الحجّة من أمارة أو أصل على خلافها، فإن قامت الحجّة على خلافها تبدّلت واستقرّ ما قامت عليه الحجّة. وكلا هذين النحوين من التصويب باطل: أمّا الأوّل فلشناعته ووضوح بطلانه، حيث إنّ الأدلّة والحجج، إنّما جاءت لتخبرنا عن حكم الله وتحدّد موقفنا تجاهه، فكيف نفترض أنّه لا حكم لله من حيث الأساس. وأمّا الثاني فلأنّه مخالف لظواهر الأدلّة، ولما دلّ على اشتراك الجاهل والعالم في الأحكام الواقعيّة»[18].
وهكذا يتبيّن أنّ التعدّديّة الدينيّة بمعنى تعدّد الحقائق لا تجد لها ما يؤيدها في كلمات الأصوليين، أما ما عرضناه من كلمات لبعض علماء الأصول من تأييد لمذهب التصويب، فهو فضلًا عن عدم صحّته، فهو مختصّ بالفروع، كما صرّح بذلك أهل هذا المذهب[19].

3- التعدّديّة الدينيّة عند المتكلّمين:
ليس المقصود من هذا العنوان الكشف عن التعدّديّة الدينيّة عند المتكلّمين، كما قد يتبادر إلى ذهن بعض القرّاء، بل المقصود هو محاولة بيان وجهة نظرة المتكلمين إلى التعدّديّة، سواء لجهة إمكانيّة تعدّد الحقيقة وتجلّياتها، أو لجهة تعدّد طرق النجاة والخلاص. ولا شكّ بأن التعدّديّة الدينيّة بالمعنى المطروح اليوم لم تكن مدار بحث بين علماء الكلام المسلمين، وإذا أردنا أن نستكشف نظرة علماء الكلام إلى مسألة تعدّديّة الحقيقة الدينيّة أو غيرها، فإننا لن نجد أحدًا من المتكلّمين يقبل بوجود أكثر من وجه واحد للحقيقة؛ لذلك فإنّنا نجد أنّ الخلافات الكلاميّة كانت قاسية جدًّا في ذلك الوقت، وكان من السهل على بعض المتكلّمين تكفير غيرهم ممن يخالفهم في آرائهم وعقائدهم، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقول مثلًا: «المجبر كافر، ومن شكّ في كفره فهو كافر، ومن شكّ في كفر من شكّ في كفره، فهو كافر»[20]، فهكذا نجد أن التكفير كان بهذه السهولة وبهذه البساطة، فكيف يمكن ـ والحال هذه ـ أن نجد قبولًا لتعدّد الحقيقة ومصادرها في كلماتهم!.

وهكذا فإنّنا إذا راجعنا كتب علماء الكلام ومصنَّفاتهم، فإنّنا لن نستطيع أن نجد أي نصّ يدل على إمكانية قبول التعدّديّة الدينيّة بمعنى تعدّديّة الحقيقة، بل على العكس نجد أنّ علماء الكلام يثبتون أنّ الحقيقة واحدة، ولا بدّ لكّل مؤمن أن يصدّقها ويؤمن بها، وهذا مما لا يحتاج إلى دليل يثبته، وذلك لشدّة وضوحه عند المتكلّمين، إذا إنّ كلّ متكلّم كان يعتقد بأنّه ينتمي إلى المذهب الحق، وأنّ كلّ المذاهب الأخرى ضالّة انحرفت عن الصراط المستقيم، وكانوا يستدلون على ذلك بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي قال مخاطبًا الإمام علي(عليه السلام): «يا أبا الحسن، إن أمّة موسى افترقت إحدى وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار، وإنّ أمّة عيسى(عليه السلام) افترقت اثنتين وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار، وإنّ أمّتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار»[21].
هذا وقد قسّم علماء الكلام المفاهيمَ والأصول والعقائد الدينيّة إلى قسمين: ضروريّة، وغير ضروريّة، أمّا الضروريّات من العقائد، فهي التي لا سبيل إلى إنكارها، بل إنّ إنكارها جحودًا أو عنادًا يخرج منكرها من دين الإسلام، كمن ينكر المعاد أو نبوة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا المفاهيم غير الضروريّة، فهي التي يجب الإيمان بها أيضًا، لكن منكرها لا يكون كافرًا.

وهكذا نجد أنه لا مجال في كلمات علماء الكلام إلى القول بالتعدّديّة الدينيّة بمعنى تعدّديّة الحقيقة الدينيّة.
وهنا يأتي السؤال، وهو أنه إذا كانت الحقيقة الدينية واحدة، وإذا كان إنكارها يعدّ ضلالًا وكفرًا، فهل هذا يعني حصريّة طريق الخلاص والنجاة بالانتماء إلى دين الإسلام، أو إلى مذهب محدّد من المذاهب؟ وبكلمة أخرى هل يعني ذلك أن الإسلام وحده هو طريق الخلاص، وأنّ كل من لا يؤمن بالإسلام ولا يعتقد به يكون كافرًا مستحقًا للعقاب الأليم يوم القيامة، كما رأينا ذلك عند الكاثوليك، أم أن هناك كلامًا آخر في هذا المجال؟!

مصير الكافر وعقابه يوم القيامة:
وقد حاولت في هذا المبحث أن أجمع كلمات وآراء علماء الكلام فيما يتعلّق بمصير الكافر يوم القيامة، والملفت للنظر في هذا المجال أنهم كثيرًا ما يبحثون مصير مرتكب الكبيرة، وقد شَغَلَت هذه المسألة أقلامهم وعقولهم، وذهبوا في ذلك مذاهب شتى، خاصّة أن حكم مرتكب الكبيرة من المسائل الكلاميّة التي بدأ علماء الكلام يبحثون عنها منذ بداية نشأة علم الكلام، فمِنْ قائل بأنّه مخلّد في النار، إلى قائل بأنّه يعذّب ثم يدخل الجنّة، وغيرها من الآراء الأخرى التي أخذت حقّها من البحث، لكن مسألة مصير الكافر لم تكن بهذه الأهميّة بالنسبة إليهم، إذ إنّ الباحث يجد أنّهم لا يفردون لمسألة مصير الكافر أكثر من بضعة أسطر، بل وفي بعض الكتب لا تجد أكثر من بضعة كلمات، فقد بحث علماء الكلام هذه المسألة بشكل عرضيّ، وعلى هامش البحث عن مصير مرتكب الكبيرة، أو في طيّات الحديث عن قضية الوعد والوعيد، وهذا إن دلّ على شيء، فلعلّه يدلّ على عدم اهتمام علماء الكلام بمصير الكافر، وقد يعود ذلك إلى عدم وجود خلاف يعتدّ به في هذه المسألة.

لكن على الرغم من قلّة ما كتب في هذا الموضوع، فقد حاولت أن أجمع كلماتهم، وأن أستكشف أراءهم ومقولاتهم في موضوع مصير أتباع الديانات الأخرى، فهل النجاة محصورة بمن اتبع الإسلام، فيكون مصير أتباع الديانات الأخرى بأجمعهم النار وبئس المصير! وهذا يحاكي ما كان يراه الكاثوليك في العصور الوسطى، وهذا يعني الحصريّة المطلقة التي لا أعتقد أنّه يمكن القبول بها على إطلاقها.

حكم الكافر المعاند:
يمكن القول إنّه لا خلاف بين المتكلّمين في أنّ الكافر الجاحد أو المعاند مخلّد في النار، وكذا الكافر المقلّد الذي قصّر في طلب الحق والكشف عنه، ويعتقد المتكلّمون أنّ الله سبحانه وتعالى زوّد الإنسان بالعقل والفطرة، وأنزل الرسل والأنبياء لهداية الناس، وبالتالي فإنّ قلّة من الناس معذورون في عدم وصولهم إلى الحق، فإذا كان أكثر الناس من الكفّار، فلا بدّ أن نعرف متى يكون الكافر كافرًا؟

لقد عرّف ابن ميثم البحراني الكفرَ بأنه «إنكار صدق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنكار شيء مما علم مجيئه به بالضرورة»[22].
هذا وقد عرّفه محمّد بن سليمان الحلبيّ في نخبة اللآلي بقوله: «الكفر لغة الستر، وأصله الكفر بفتح الكاف، لأنّه ستر الإيمان، وشرعًا جحد ما علم بالضرورة مجيء الرسول به».[23]

كذلك فقد استعرض السيد الحلّيّ بعض التعريفات، حيث عرّف بعضهم الكفر بأنّه عدم تصديق النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض ما علم مجيئه به بالضرورة، وهنا لا بدّ أن نشير إلى أنّ عدم التصديق أعمّ من التكذيب، وهذا يعني أنّ هذا التعريف سيشمل الإنسان الناظر أو الشاكّ الخالي من التكذيب والتصديق، في حين أنّ آخرين عرّفوا الكفر بأنّه إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به، وهذا التعريف، بخلاف السابق، لا يشمل إلا الكافر المنكر دون الشاكّ والناظر.[24]

ويبدو أنّ أغلب المتكلّمين يعرّفون الكافر بأنّه المنكر والمكذّب لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به، على أن يكون ضروريًا، وبكلمة أخرى فإنّ إنكار أيّ مبدأ من مبادئ الإسلام يعدّ كفرًا إذا أدّى إلى تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم). هذا، ولا شكّ بأنّ منكر أيِّ أصل من أصول الدين يكون كافرًا.
 ويمكن القول إنّه لا خلاف بين المتكلّمين في أنّ الكافر الجاحد المعاند مخلّد في النار، ويستدلّون على ذلك بآيات صريحة من القرآن الكريم، منها: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:39).

(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:257).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) (آل عمران:10).

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(لأعراف:36).

والكافر المعاند هو الذي اطّلع على الحقيقة وعرفها، لكنّه أنكرها جحودًا وعنادًا (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(النمل:14)، ومثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكون معذورًا أمام الله سبحانه؛ لذلك فإنّه تعالى توعّدهم بالعذاب الأليم يوم القيامة، وهذا ظاهر في الآيات التي ذُكرت أعلاه، لذا فإنّ الباحث لن يجد خلافًا بين المسلمين في هذه المسألة.

حكم أطفال الكفار والمشركين:
كذلك فقد وقع الخلاف في أطفال الكفار والمشركين، حيث إنّ التفتازاني حكم على الأطفال والنساء القاصرات بأنّهم كفار أيضًا، فأطفال الكفّار كفّار أيضًا، يقول التفتازاني في شرح المقاصد: «لا خلاف في خلود من يدخل الجنّة، ولا في خلود الكافر عنادًا أو اعتقادًا، وإن بالغ في الاجتهاد لدخوله تحت العمومات، ولا عبرة بخلاف الجاحظ والعنبري، وكذا الكافر حكمًا كأطفال المشركين، خلافًا للمعتزلة، حيث جعلوا تعذيبهم ظلمًا، فهم خَدَمُ أهل الجنّة».[25]
ويصرّح التفتازاني في موضع آخر بأن أطفال المشركين والكفار معذّبون في النار، حيث يقول: «أما الكفار حكمًا كأطفال المشركين، فكذلك عند الأكثرين، لدخولهم تحت العمومات، ولما روي عن خديجة سَأَلَتْ النبيَ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن أطفالها الذين ماتوا في الجاهلية، فقال: هم في النار».[26]

وفي هذا الرأي من القسوة ما لا يقبله عقل ووجدان، حيث نجد أنّ التفتازانيّ لا يرفّ له جفن وهو يحكم على الأطفال بالخلود في النار والعذاب الأليم، وقد أخذهم في ذلك بذنب آبائهم، ناسيًا قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الاسراء:15)، فهؤلاء الأطفال لم يرتكبوا أيّ ذنب سوى أنّهم ولدوا من أبوين مشركين أو كافرين، هذا هو ذنبهم الذي لم تشفعه لهم طفولتهم عند سعد الدين!!.
والعجب كلّ العجب في مستند التفتازاني، حيث صرّح بأن الدليل على تعذيب الأطفال هو دخولهم تحت العمومات، أي الدخول تحت عموم لفظ الكفار أو المشركين!! وكأنّ التفتازاني يعالج قضيّة فقهيّة صغيرة، تتعلّق بنجاسة شيء ما أو طهارته، فلا يجد دليلاًّ صريحًا يدلّ عليها، فيقوم عندها بإدخالها تحت العمومات. ولو أنّ ما ذكره كان قولًا لأتباع الديانات الأخرى لشنّعه عليهم.

أما الدليل الثاني الذي اعتمده التفتازاني، فهو الرواية التي وردت عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال لخديجة إنّ أطفالها الذين ماتوا في الجاهلية في النار، حيث ورد عن عثمان بن أبي شيبة، عن محمّد بن فضيل، عن محمّد، عن زاذان، عن عليّ قال : سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هم في النار، فلمّا رأى ما في وجهها قال: لو رأيت مكانهم لأبغضتهم. قالت: قلت فأولادي منك؟ قال: في الجنّة، والمشركون وأولادهم في النار». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ)(الطور:21)[27]. وهذه الرواية ضعيفة سندًا، ولا تصلح للاستدلال على قضية مشكلة وخطيرة كقضيّة تعذيب الأطفال، ويعلّق عمرو بن عاصم على سند هذه الرواية قائلًا: «إسناده ضعيف، رجاله ثقات غير محمّد، وهو ابن عثمان كما وقع في «المسند»(...)، وهو مجهول»[28].

العجيب هو أنّ أسلوب التفتازاني وغيره ممن يتبعه في رأيه هو أنّ هذه القضيّة لا تشكّل همًّا معرفيًّا أو كلاميًّا بالنسبة إليه، فتجده قد خصّص لمثل هذه المسألة الحسّاسة بضعة أسطر قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع، أفلا يستحقّ الحكم بتعذيب الأطفال في جهنّم يوم القيامة مزيدًا من التدبّر والتفكير؟!
وهكذا نجد أنّ التفتازانيّ ينطلق في موقفه هذا من حصريّة مطلقة تحصر الخلاص وطريقه بالإسلام دون غيره، بلا فرق في ذلك بين الأطفال وغيرهم أو بين القاصر والمقصّر.
هذا وقد ذهب الخوارج إلى القول بتعذيب أطفال المشركين، فضلًا عن الكفّار، كما نسبه إليهم الشهرستاني في الملل والنحل[29]. وقال العلاّمة المجلسي في البحار أنّ الأزارقة فقط من فرق الخوارج يقولون بذلك[30].
ونسب محيي الدين النوويّ في المجموع القولَ بتعذيب أطفال المشركين والكفار في النّار إلى الأكثر، حيث يقول: «وقد اختلف العلماء فيهم إذا ماتوا ـ أي الأطفال ـ  قبل بلوغهم (فقال) الأكثرون هم في النار»[31].
لكن محيي الدين لم يوافق على هذا الرأي، معتبرًا أنّ الحق هو أنّهم في الجنّة، حيث إنهم غير مكلّفين، بل إنّهم ولدوا على الفطرة، فكيف يُحكم بتعذيبهم؟! وقد استدل على ذلك في «شرح مسلم» بحديث إبراهيم الخليل«حين رآه النبي صلى الله عليه وآله وحوله أولاد الناس; قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين. رواه البخاري في صحيحه» [32].
كذلك فقد ورد في الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع أنّ العلماء اختلفوا في أطفال الكفّار إذا ماتوا ولم يتلفظوا بالإسلام، وانتشر الخلاف بينهم، وقد انقسموا إلى فرق ثلاث، فالأكثرون على أنّهم في النار، تبعًا لآبائهم، وتوقّفت طائفة منهم، فلم يحكموا عليهم بجنة ولا نار، والمحقّقون على أنهم في الجنّة؛ حيث إنّهم ولدوا على الفطرة، فضلًا عن كونهم غير مكلّفين[33].

هذا، وقد اختار بعضهم التوقّف في الحكم، فالشوكاني في نيل الأوطار استعرض رأي من يقول بأنهم معذّبون، واستعرض الرأي الآخر، ثم ختم هذه المقارنة بقوله: «إنّ مسألة أطفال الكفار باعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة، لاختلاف الأحاديث فيها، ولها ذيول مطوّلة لا يتّسع فيها المقام، وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة عن الوقوع في مضيق لم تدعُ إليه الحاجة ولا ألجأت إليه ضرورة»[34].

أما أهل العدل من المتكلّمين، فإنّهم لم يرتضوا الحكم بتعذيب الأطفال، حيث يقول العلاّمة الحلّيّ في تصحيح الاعتقاد إنّ أطفال المشركين والكفّار «يُحشرون في النعيم بلا ثواب؛ لأنّه لا يُستحق إلا بالعمل الصالح (...) وليسوا مؤمنين ولا كافرين لعدم التكليف في حقّهم»[35].
كذلك فقد عنون الحلّيّ في كتابه كشف المراد المسألة العاشرة بالآتي: «في أنّه تعالى لا يعذّب الأطفال» وقد نسب القول بتعذيبهم إلى الحشويّة، كما قال إنّ مقتضى قول الأشاعرة بالحسن والقبح الشرعيّين يلزم أن يكون تعذيب الأطفال جائزًا عندهم، ثم قال: «والعدليّة كافّة على منعه والدليل عليه أنه قبيح عقلًا، فلا يصدر منه تعالى»[36].

وقد نُسب إلى هشام بن الحكم القول بأنّ أطفال المشركين والكفّار في الجنّة[37]. ويقول الحرّ العامليّ في الفصول المهمّة بأنّ «أدلّة العدل تنافي القول بتعذيبهم؛ لأنّه ظلم ـ تعالى الله عن ذلك ـ».[38] وهنا نلاحظ أن الحرّ ينفي التعذيب عن الأطفال، إلا أنه لم يصرّح بدخولهم الجنّة، حيث إنّ هناك من يقول بأنّهم يسكنون الأعراف، وسيأتي الحديث عن هذه المسألة في خاتمة البحث.

حكم الكافر غير المعاند:
كذلك فقد وقع الخلاف بين المتكلّمين في الكافر غير المعاند، خاصّة إذا كان ممن يمتلك قدرات عقليّة جيّدة، أو يعدّ من أهل العلم والمعرفة كالفلاسفة والمفكّرين الذين لا يؤمنون بالإسلام، فإنه إذا اجتهد أحدهم وعمل بكل إخلاص على كشف الحقيقة لكنّه لم يصل لشبهة، أو لسوء فهم، أو لسبب من الأسباب، فهل يكون مصيره النار والخلود فيها؟! أم يكون مصيره الجنّة؟! أم أن القضية غير حاصرة بمعنى أنه يمكن أن يُجعل في مكان بين الجنة والنار، فلا يذوق العذاب والشقاء، ولا ينعم بالجنّة والحياة فيها!!.

وقد اختلف العلماء في هذا المجال اختلافًا كبيرًا، خاصّة أن بعض المتكلّمين اتخذ موقفًا قاسيًا جدًّا في حكمه على غير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى، إذ نجد أن التفتازاني في شرح المقاصد يؤكّد على أنّ دخول الجنّة حقّ حصريّ للمسلمين والمؤمنين، وهذا يعني أنّ مَنْ لا يؤمن بالإسلام دينًا لن يدخل الجنّة سواء أكان كافرًا معاندًا، أم طالبًا مجدًّا ومجتهدًا في طلب الحقّ وسلوك الطريق المستقيم؛حيث ذهب صاحب شرح المقاصد، كما بيّنا سابقًا، إلى أن الكافر لا يدخل الجنة مطلقًا، بل هو خالد في النار أبدًا، ولا فرق في ذلك بين الكافر الجاحد، وبين الكافر الذي بالغ في الاجتهاد، فهُما في ذلك على حدّ سواء.[39]
كذلك فقد ذهب الجرجاني في شرح المواقف إلى القول بأنّ الكفّار كلهم مخلّدون في النار، بلا فرق أيضًا بين الكافر المعاند وغيره، حيث يقول: «أجمع المسلمون على أن الكفّار مخلّدون في النار أبدًا لا ينقطع عذابهم، سواء بالغوا في الاجتهاد والنظر في معجزة الأنبياء ولم يهتدوا، أو علموا نبوتهم وعاندوا وتكاسلوا».[40] وهذا من غريب القول، فكيف يستوي من بالغ في الاجتهاد مع من تكاسل وتراخى في البحث عن الحق ولم يهتدِ إلى الصراط المستقيم؟!.

كذلك فقد اعترض الإيجيّ في مواقفه على الجاحظ والعنبريّ لقولهما بعدم دخول الكافر الذي بالغ في الاجتهاد إلى النار، ويقول الإيجي في هذا المقام: «إعلم أن الكتاب والسنة والإجماع يبطل ذلك [أي القول بعدم تعذيب الكافر غير المعاند] إذ يُعلم قطعًا أنّ كفّار عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين قُتلوا وحُكم بخلوهم في النار لم يكونوا عن آخرهم معاندين، بل منهم من يعتقد الكفر بعد بذل المجهود»[41].
وكلام الإيجي لا يمكن أن يكون دليلًا على دخول الكافر الذي بالغ في الاجتهاد إلى النار، فمن غير المسلّم به أن يكون كفّار عهد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين حكم بدخولهم إلى النار ممن يعتقد الكفر مع بذل المجهود، خاصّة أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد ألقى الحجة على الكفّار في ذلك الزمن، ولم يقتل إلا من عاند وحارب رسالته.
أما الرازي في المحصّل فإنّه لم يصرّح بموقف واضح، ولكن يظهر من كلماته أنّه لا يوافق الجاحظ والعنبريّ في قولهما، حيث قال: «أمّا الكافر الذي بالغ في الاجتهاد ولم يصل إلى المطلوب، فقد زعم الجاحظ والعنبري أنّه معذور لقوله تعالى(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(...))(الحج:78)»[42]، حيث إنّ استخدام الرازي لكلمة «زعم» يدل ـ بحسب الظاهر ـ على عدم مقبوليّة قول الجاحظ والعنبريّ بالنسبة إلى الرازي، وعلى أنّ قولهما مما لا دليل عليه، لكن الرازي لم يبيّن حجّته أو دليله على ذلك، كما أنه لم يبيّن موقفه بشكل صريح.

وهكذا يظهر أنّ المتكلّمين من الأشاعرة والحشويّة وغيرهم ليس لديهم إشكال لجهة الحكم على الكافر الذي بالغ في الاجتهاد أو على أطفال المشركين بأنهم يعذّبون ويخلّدون في النار، حيث إنهم والتزامًا بالمباني والأصول الأساسية التي يعتمدون عليها ويعتقدون بها لا يستطيعون رفض أو معارضة ذلك، فهم ليسوا من أهل العدل كي يقولوا إنّ هذا مخالف لعدل الله سبحانه، وبالتالي فإنّه ليس لديهم ما يمنعهم من القول بتعذيب هؤلاء، بل إنّهم لا يستطيعون إنكار القول بتعذيب المؤمنين، حيث إن الله يفعل ما يشاء، ولا يُسأل عن أفعاله وأعماله، يثيب من يشاء ويعذّب من يشاء، فهو تعالى إن شاء عذّب المؤمنين وأثاب الكافرين وأغدق عليهم من نعمه، وهذا كلّه يتوافق مع أصول مذهبهم، فتعذيب المؤمنين لا يمكن أن يكون قبيحًا بنظرهم إذا فعله الله سبحانه وتعالى، حيث إنّ تعذيبهم ليس قبيحًا بذاته، بل هو حسن لأنّ الله فعله.

أمّا العدليّة ـ الذين يعتبرون العدل أصلًا من أصول مذهبهم ـ فإنّ موقفهم من هذه المسألة يختلف بشكل كبير، وذلك يرجع إلى أنّهم يقولون بالحسن والقبح العقليين، فكل ما يراه العقل قبيحًا، فإنّه يكون محالًا على الله أن يفعله، حيث إنّه لا يصدر عنه أيّ قبيح، لذلك نجد أنّ بعض متكلّمي العدليّة من المعتزلة يصرّحون بأنّ الكافر الذي بالغ في الاجتهاد لا يعذّب، وقد أشرنا سابقًا إلى ما قاله الجاحظ والعنبريّ ـ وهما من المعتزلة ـ، بل هو في الجنّة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء:15).
أما الشيعة من أهل العدل، فقد أجمعوا على خلود الكافر المعاند في النار «والكافر إنْ كان معاندًا، فهو مخلّد بضرورة دين الإسلام، وخلاف بعض الحكماء، كخلافهم في سائر الضروريّات لا يستحقّ اعتناءً والأخبار والآيات بذلك متواترة بلا فوق التواتر»[43].

أما الكافر الذي اجتهد في طلب الحقّ، فقد اعتبره الشيخ الطوسي في الاقتصاد مؤمنًا، حيث إن من بالغ في الاجتهاد ولم يصل إلى الحق، وبقي في مرحلة النظر والتحقيق لا يمكن أن يعدّ كافرًا؛ لأنه يؤمن بما وصل إليه، ولا ينكره، ولا يجحد به، لذا فإنّ حسابه يوم القيامة سيكون على قدر ما آمن به، يقول الشيخ الطوسي في هذا المقام: «من هو في مهلة النظر قد صدّق بجميع ما يجب عليه في تلك الحال؛ فلذلك يسمى مؤمنًا»[44].

وقد أشار الشيخ إلى أن الإيمان هنا ليس منفصلًا عن العمل، حيث إنّ هذا الإنسان الذي صدّق بما يجب عليه أن يؤمن به في هذه الحال، يكون فاسقًا إذا فعل بعض المعاصي. «ومتى قالوا يلزم أنّ كل من صدّق ما قلتموه يسمى مؤمنًا، وإن لم يترك شيئًا من القبائح إلا ارتكبه، ولا شيئًا من الواجبات إلا تركه، وهذا شنيع في المقال، قلنا ذلك كقول المرجئة، غير أن الذي نختاره أن يقيّد ذلك لئلا يوهم، فنقول هو مؤمن بتصديقه بجميع ما وجب عليه، فاسق بتركه ما يجب عليه من أفعال الجوارح»[45].
وهذا يعني أن قضية الإيمان والكفر ليست حاصرة، بمعنى أن الإنسان إما أن يكون مؤمنًا وإما أن يكون كافرًا، بل يمكن أن يكون بين هذا وذاك، فهو مؤمن بما يجب عليه أن يؤمن به في مثل حاله.

هذا وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الكافر غير المعاند لا يعّذب في النار؛ لأنّ ذلك خلاف قواعد العدل، وبناءً عليه فقد اعتبر أن مقتضى العدل الإلهيّ أن يمتحن، وبعدها يكرم المرء أو يهان، وبعبارة أخرى، فإنّ تعذيب الكافر غير المعاند أو الذي بالغ في الاجتهاد ظلم؛ لذا فلا بدّ من أن يكون ثمّة امتحان له، بحيث يُعرض عليه الحقّ، فإذا قبله فهو من أهل الجنة، وإلا فهو من أهل النار، ويبدو أن هذا هو الرأي هو الذي اختاره الكثير من علماء الإمامية، حيث ورد في عدة روايات أنّ أطفال المشركين والكفار وكذلك من لم تصله الحجّة يُمتحنون يوم القيامة، ومن هذه الروايات، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: «سألته هل سئل رسول الله عن الأطفال ؟ فقال: قد سئل فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم قال: يا زرارة هل تدري قوله الله أعلم بما كانوا عاملين؟ قلت لا، قال: الله فيهم المشيئة أنه إذا كان يوم القيامة جمع الله الأطفال والذي مات من الناس في الفترة، والشيخ الكبير الذي أدرك النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يعقل، والأصمّ والأبكم الذي لا يعقل والمجنون والأبله الذي لا يعقل وكل واحد منهم يحتجّ على الله، فيبعث الله إليهم ملكًا من الملائكة، فيؤجج لهم نارًا، ثم يبعث الله إليهم ملكًا، فيقول لهم: إن ربكم يأمركم أن تَثِبُوا فيها، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا....»[46].

هذا ولكن بعض العلماء لا يلتزمون بمسألة الامتحان المذكورة في بعض الروايات. كذلك، فإنه يمكن لنا أن نسأل أنه كيف يصحّ امتحان هؤلاء، خاصّة وأنّ الدار الآخرة دار جزاء، لا دار عمل وامتحان، وتكليف الأطفال وغيرهم ممن ورد ذكرهم في الروايات برمي أنفسهم في النار هو تكليف بلا شكّ، وهذا لا يصحّ في دار الجزاء، وقد أجاب بعضهم عن هذا السؤال بقوله: «إن ذلك لا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار».[47] لكن الوهن ظاهر في مثل هذا الجواب، حيث إنّ الدار الآخرة تتضمن الجنّة والنار والحساب وما قبلها، وليس خصوص الجنّة والنار.
والملاحظ في كلمات أكثر علماء الكلام الشيعة أنّهم يصرّحون بأن الكافر غير المعاند الذي بالغ في الاجتهاد لا يدخل النار، لكنّهم لا يقولون إنّه يدخل الجنّة، ويمكن أن يكون السبب في ذلك هو الروايات التي تتحدث عن الأعراف، أو المكان الذي يكون بين الجنّة والنار، فلا يعذّب ولا يدخل الجنّة أيضًا.

ومن المفيد أن نستعرض هنا أقوال بعض علماء الكلام الشيعة فيما يتعلّق بالكافر غير المعاند، يقول الخواجة نصير الدين الطوسي في نقد المحصّل إنّ الاجتهاد في البحث عن الحقّ لا يمكن أن يؤدّي إلى الكفر، فالمبالغ في الاجتهاد «إما أن يصير واصلًا، أو يبقى ناظرًا، وكلاهما ناجيان».[48]

وهنا يظهر أن الخواجة نصير الدين يوافق على رأي الشيخ الطوسيّ، حيث إنّ شيخ الطائفة لم يحكم على الناظر بالكفر، بل قال إنّه مؤمن بما وجب عليه أن يؤمن به، كما مرّ في فقرات سابقة، فصحيح أن الخواجة لم يسمِّه مؤمنًا كما فعل الشيخ، لكنه اعتبر أنّه ليس كافرًا، بل هو ناظر، وحكم الخواجة بنجاته من العذاب. ويؤكد الخواجة على أن الاجتهاد لا يمكن أن يؤدي إلى الكفر، حيث إنّ كلّ كافر، فهو إما مقلّد للكفار وإمّا جاهل جهلًا مركّبًا، وكلاهما مقصّر، لذا فإنّه لن ينجو من العذاب يوم القيامة[49].

لكن لا بدّ من الإشارة إلى أننا قد نستطيع تفهّم أن الكافر المقلّد للكفر يخلّد في النار بسبب تقصيره في تحصيل الحقّ وتكاسله في ذلك، لكن السؤال الذي يمكن أن يُطرح هنا هو أنه لماذا يعتبر الخواجة أن الجاهل جهلًا مركبًا مقصّر، وبالتالي مخلّد في النار؟! وهذه النتيجة نفسها هي التي يؤكّدها السيوري الحليّ في إرشاد الطالبين، حيث قال إنّ «غير المبالغ إمّا مقلّد لكافر أو جاهل جهلًا مركّبًا، وكلاهما غير معذور» فقد ساوى بين المقلّد وبين الجاهل جهلًا مركّبًا في عدم المعذوريّة أمام الله[50].
وهنا نسأل أيضًا أنه إذا اعتبرنا الناظر ناجيًا، حيث إنّه معذور لعدم اهتدائه إلى الحقّ، لكن أليس هذا الناظر ممن لديه قناعات واعتقادات خاصّة؟ فكلّ إنسان لا يمكن أن يكون خاليًا من ذلك أبدًا، وقد تكون بعض هذه الاعتقادات غير موافقة لأصول الدين الحنيف، فيكون هذا الإنسان جاهلًا جهلًا مركّبًا، فهو قد اجتهد في طلب الحق لكن الاجتهاد قد أوصله إلى بعض الاعتقادات، وبقي ناظرًا في أخرى، لكن هذا الإنسان يجهل أنّه مخطئ في بعض اعتقاداته، فما الفرق هنا بينه وبين الجاهل جهلًا مركّبًا من هذه الجهة؟!

كذلك فإنّ الجاهل جهلًا مركّبًا بحيث يكون قاطعًا بصدق قضيّة ما، وقد وصل إليها بالدليل، فلما لا يكون معذورًا أمام الله، فلو سئل عن سبب إيمانه بقضية ما تخالف مبادئ الإسلام لأعطى دليلًا على ذلك، وقد يكون هذه الإنسان مؤمنًا بشكل ما بما يعتقده، ولا يحتمل الخلاف في ذلك، فكيف يعّذبه الله يوم القيامة مع قطعه[51].

وفي هذا السياق يعلّق المحقّق الأردبيلي على القول بنجاة الكافر غير المعاند، فيقول: «مذهب الجاحظ والعنبريّ غير بعيد، فإنّ مقتضى العقل ما قالاه، لكن لما وقع الإجماع والنصوص على خلود الكافر ينبغي أن يقال: الغرض الذي قالاه لا يوجد، فإنّ الكافر إذا بذل جهده في تحقيق الحقّ، وبالغ ولم يقصّر لا يمكن خفاء الحق عليه، وعدم وصوله إلى الإيمان، فإنّ الله تعالى يجب عليه أن ينصب الأدلّة على ذلك، بحيث لو بالغ كلّ عاقل يجد، وإلا يكون تكليفًا بالمحال، وهو غير جائز، وإن جاز فهو غير واقع، فكما لا يمكن فرض مكلّف ما وصل إليه الدعوة والتكليف بعقله أو بالنقل، لا يمكن فرضها، ولو وجد فرضها، فالذي يقتضيه الدليل عدم التعذيب، فمن علم حكم الشارع، نصًّا وإجماعًا علم أن ليس ذلك الغرض بواقع، والمسألة، مشكلة والله أعلم».[52]

ويمكن القول إنّ الدليل الذي قدّمه غير تام، حيث إنّ القول إنّ الكافر إذا بالغ في الاجتهاد والتحقيق لا بدّ أن يصل هو خلاف الواقع، حيث إنّ هناك الكثير من الكفّار الذين بالغوا فعلًا في محاولة الكشف عن الحق، لكنّهم لم يصلوا إليه، بل وصلوا إلى خلافه.
كما أنه من الواضح أنّ العلماء من أهل الحقّ أنفسهم مختلفون في بعض الحقائق، فكيف بالكافر الذي لا يعرف شيئًا عن الإسلام؟! والقول بأنّ الله يجب عليه أن ينصب الأدلّة لا يفيد في المقام، حيث إنّ الله تعالى قد نصب الأدلّة فعلًا، وأرسل رسله، وجعل للإنسان عقلًا وفطرة يهتدي بهما للوصول إلى الحقّ، لكن مع كلّ ذلك، فإنّ هذا لا يعني أنّ كل الناس لا بدّ أن يهتدوا، فهذا لا يمكن أن يعتبر علّة تامّة للوصول إلى الحقّ؛ إذ يمكن أن يكون هناك بعض الشبهات ـ بل الكثير منها ـ التي تحيط بالباحث وتمنعه من الوصول إلى الحقيقة.

ويكفي في الشك بهذا الدليل ما قاله المصنّف نفسه بأنّ المسألة مشكلة، حيث إنّ العقل لا يمكن أن يتقبّل فكرة تعذيب الله للإنسان إذا لم يكن مقصّرًا؛ لأن هذا خلاف عدل الله وحكمته ورحمته، ووصول جميع المجتهدين في طلب الحق إلى غاياتهم غير واقع.
وقد احتمل بعض العلماء أن يكون «الكافر من غير تقصير ليس كافرًا، كشبّان اليهود والنصارى وعوامّهم، حيث لم يخطر ببالهم وجود أديان يجب البحث عنها والتفحّص فيها، وهذا حكمهم في الآخرة».[53]
وبهذا يتبيّن لنا أنّه ليس هناك دليل واضح يثبت نظريّة التعدّديّة الدينيّة بمعنى تعدّد الحقيقة، ونريد في هذا المبحث أن نستعرض رؤية الإسلام للتعدّديّة الدينيّة، ولسنا نريد أن نناقش دعاة التعدّديّة الدينيّة، بل أن نستكشف النظرة الإسلاميّة لهذا الموضوع، وهل أن الإسلام يقبل التعدّديّة الدينيّة أم لا؟.

موقف الإسلام من اليهودية والمسيحية:
من الواضح أنّ الإسلام يرفض التعدّديّة الدينيّة بمعنى تعدّد الحقائق، أو التعدّديّة المختزلة كما يسميها الدكتور محمّد لغنهاوزن[54]، صحيح أنّ الإسلام لا يفرض على الإنسان الإيمان بما جاء به من تعاليم، إذ تَرَكَ له حرّيّة اختيار الدين الذي يشاء دون إكراه إو إجبار (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256). لكن القرآن الكريم ـ وكما هو ظاهر في هذه الآية ـ أكّد على أنّ الحقّ واضح، والإنسان الذي يتمسّك به سينجو لا محالة، وهذا يعني أن اختيار الإنسان ـ أنّى كان ـ سيكون صوابًا وستكتب له المقبوليّة والحقّانيّة، فالقرآن الكريم يصرّح في العديد من الآيات على أنّ الدين عند الله هو الإسلام فقط دون غيره من الأديان، وليس هناك أيّ دين مقبول عند الله غيره.
لكن ماذا عن الأديان السماويّة الأخرى؟ أليست اليهوديّة والمسيحيّة أديانًا سماويّة؟ أليست التوراة والإنجيل من الكتب السماويّة التي أنزلها الله على الأنبياء؟! ألم يعترف القرآن بهذه الكتب؟ إذن كيف يكون أتباع هذه الديانات والمتمسكين بهذه الكتب من الضالّين والمنحرفين؟!!
نعم، لقد اعتبر القرآن الكريم أن في الإنجيل والتوراة هدى ونورًا كالقرآن، حيث يقول ـ تعالى ـ (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)

(وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (المائدة:46).

هذه الآيات وغيرها تؤكّد أنّ في هذين الكتابين هدى ونورًا، وهذا النور موجود الآن، ولا يريد القرآن أن يقول أنّه كان فيهما نور، ولم يعدْ هذا النور موجودًا الآن، بل يقول فيهما نور، لكن هذا لا يعني الاعتراف المطلق بحقّانيّة هذه الكتب، إذ إنّ القرآن الكريم يتّهم أهل الكتاب بتحريف الوحي، لكن على الرغم من التحريف الذي أصاب التوراة والإنجيل إلا أنّه بقي شيء من نور الوحي متجلّيًا فيهما، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ)  (وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ).
وهنا يتجلى الفارق الكبير بين التوراة والإنجيل من جهة ـ وبين القرآن الكريم من جهة أخرى، «القرآن يفرّق بين هذين الكتابين باعتبارهما محرّفين، وبين القرآن، فيقول في خصوص التوراة والإنجيل (فِيهَا هُدىً وَنُورٌ) و( فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) وليس جميعه هدى ونور، بينما يعبّر القرآن عن نفسه (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (النساء:174)»[55].

من جهة أخرى، فإنّه وبغضّ النظر عن قضية التحريف، فإنّ الإسلام يعتبر نفسه الدين الخاتم، وقد جاء مكمّلًا أو ناسخًا للشرائع السابقة، ومن الطبيعيّ أن على الإنسان أن يلتزم بآخر شريعة نزلت من عند الله. وخلاصة الأمر أنّ الإسلام يعترف بالديانات السماويّة، خاصّة اليهوديّة والمسيحيّة، لكنّه يخالف الكثير من التحريفات التي وردت فيها، خاصّة لجهة الحديث عن التثليث، والتجسّد، والصلب... (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (النساء:157).

هذا بالإضافة إلى أنّه يدعو أتباع هذه الديانات إلى الإيمان بما جاء به النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث إنّ الإسلام يمثّل الدين الرسميّ والنهائيّ للبشر؛ لأن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كما وصفه القرآن ـ هو خاتم النبيين(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (الأحزاب:40)، فالإسلام هو الرسالة النهائيّة الكاملة والتامّة التي يجب على الإنسان أن يؤمن بها، يقول تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3)، نعم، لقد رضي الله ـ تعالى ـ لنا الإسلام دينًا؛ لأنّه دين كامل وتامٌّ لا نقص فيه.
أمّا دعاة التعدّديّة الدينيّة الذين استدلّوا على صحّة التعدّديّة الدينيّة بكون المسيحيّة واليهوديّة أديانًا سماويّة، وبكون مصدرها واحدًا، إنّما غفلوا أو تغافلوا عن الجانب التاريخيّ لبعثة الأنبياء ولنزول الرسالات، فقد أنزل الله الرسالات بشكل تدريجيّ على البشر، وذلك كي يتمّ تأهيل الناس لتقبّل الدين النهائيّ الكامل، ومن الآيات التي يمكن الاستدلال بها على أن الإسلام هو الدين النهائي الذي لا يقبل الله غيره، قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران:85)

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (الاسراء:105) .

 هذا بالإضافة إلى الآيات التي تتحدّث عن وجود صراط مستقيم واحد، حيث يؤكّد ـ تعالى ـ أن اتّباع السبل الأخرى سوف يؤدّي إلى الضلال؛ لذلك أوصى الله تعالى الناس باتّباع الصراط المستقيم، بقوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153).

(وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الصافات:118).

(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (آل عمران:51)

(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران:101).

(وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (الأنعام:126) .

(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161)

(قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) (الحجر:41) .

(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المؤمنون:73).

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6 ـ 7). ويعتبر الشيخ جوادي آملي أن وصف الصراط بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم هو وصف مميّز، حيث إنّه تعالى يوضح في آية أخرى مصاديق الذين أنعم الله عليهم، حيث يقول: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء:69)، وهذا يعني أن طريق الأنبياء واحد «وإذا كان هناك اختلافات في الشريعة والمنهاج، فكلّها أجزاء صراط واحد، وليست طرقًا أخرى في قباله».[56]

هذا بالإضافة إلى الآيات التي اعترضت على أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ لأنّهم يلتزمون ببعض العقائد الباطلة، كالتثليث والشرك، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة:64) .

وقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30).

وكذلك قوله عز وجلّ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31).

وقوله سبحانه: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)(النساء:157).

بعد استعراض هذه الآيات لا يبقى شكّ في أنّ الله سبحانه دعا إلى اعتناق الإسلام وحده دون غيره، حيث اعتبر أن اتّباع الديانات الأخرى إنّما هو كفر وضلال، وهذا ما لا يتوافق مع النتائج التي توصّل إليها دعاة التعدّديّة الدينيّة.

مصير أتباع الديانات الأخرى يوم القيامة:
وهنا نسأل أنّه إذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقبله الله، فما هو مصير أتباع الديانات الأخرى؟ فهل يحكم الإسلام على الجميع بالعذاب يوم القيامة؟! هل نحكم على من لم يعرف أو لم يسمع بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو بولاية أهل البيت(عليهم السلام) بأنّه مخلّد في النار؟! وهل هناك فرق بين القاصر والمقصّر؟ وأين موقع المستضعفين من كلّ ذلك؟ وبكلمة أخرى هل يحصر الإسلام طريق النجاة بالمسلمين أو بالشيعة فقط، فيما يكون مصير مليارات البشر الآخرين بأنّهم في النار خالدون فيها أبدًا؟!!

في الجواب عن هذه الأسئلة لا بدّ أن نقول إنّه إذا كان الإسلام يرفض التعدّديّة الدينيّة بمعنى تعدّد الحقيقة، فإنّ هذا لا يعني أنّه يحصر طريق النجاة بالإسلام فقط، ولا بدّ من التأكيد ـ هنا ـ على أنّ كون بعض أتباع الديانات من الناجين لا يعني أنّهم على الصراط المستقيم، وهذا لا يناسب دعاة التعدّديّة الدينيّة، فالمستضعفون ـ مثلًا ـ ليسوا على الصراط المستقيم، ومع ذلك فهم من الناجين يوم القيامة، وكذلك مَنْ طلبَ الحقّ ولم يدركه، مع عدم تقصيره في ذلك.

ولا بدّ من التأكيد هنا على أن الأمر ليس محصورًا بين الإيمان والكفر، بمعنى أن القضيّة ليست من قبيل القضيّة الشرطيّة المنفصلة (الإنسان إمّا مؤمن وإمّا كافر)، بل هناك مرتبة محدّدة بين الإيمان والكفر، ويمكن أن نستدل على ذلك بالعديد من الروايات، فعن حمران قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن المستضعفين، قال: «إنهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكافرين وهم المرجَون لأمر الله».[57]
وفي رواية أخرى ناقش زرارة الإمام الصادق(عليه السلام) في قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن:2)، حيث اعتقد زرارة أنه ليس هناك مرتبة بين الإيمان والكفر، فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): «فأين أصحاب الأعراف؟ وأين المؤلّفة قلوبهم؟ وأين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا؟ وأين الذين لم يدخلوها وهم يطمعون؟. قال زرارة: أيدخل النار مؤمن؟ فقال أبو عبد الله(عليه السلام): لا يدخلها إلّا أن يشاء الله، قال زرارة : فيدخل الكافر الجنة؟ قال أبو عبد الله(عليه السلام): لا، فقال زرارة: هل يخلو أن يكون مؤمنًا أو كافرًا؟ فقال أبو عبد الله(عليه السلام): قول الله أصدق من قولك يا زرارة بقول الله أقول: يقول الله تعالى:(لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (لأعراف:46) لو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنّة، ولو كانوا كافرين لدخلوا النار»[58].

ويروي زرارة عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»[59]. ويؤكّد الشيخ السبحانيّ هذه النتيجة حيث يقول: «إنّ القاصر في مجال المعرفة لا مؤمن ولا كافر، إلا فيما كان العقل والفطرة كافيين في التعرّف على الحقّ وتمييزه عن الباطل كأصل المعرفة بالله وبعض صفاته، ويكون الكفر عندئذ عن تقصير، ولا يكون الإنسان جاحدًا لخالقه وبارئه إلا لعامل روحيّ أو ماديّ يدفعانه إلى الإنكار والجحد، أو الشكّ والترديد، وأما ما وراء ذلك، فالجاهل القاصر متصوّر ومحقّق، فهو ليس بمؤمن ولا كافر»[60].

وهذا يعني أن الإنسان لا يكون كافرًا إلا إذا كان معاندًا جاحدًا للحقّ، فمع علمه بالحقّ، يبقى مصرًّا على مخالفته، فهذا لا شكّ بأنّه كافر، ويبدو أنّ الآيات والروايات التي تتحدّث عن الكفّار ومصيرهم يوم القيامة تريد هذا المعنى من الكفر، يقول تعالى:

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:39) .

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (المائدة:10) .

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (الحج:57) .

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(التغابن:10)

فهذه الآيات وغيرها من الآيات التي توعّدت الكفار بالعذاب والخلود في النار يوم القيامة، وصفت هؤلاء بأنّهم كذّبوا بآيات الله، وهذا يعني أنّهم اطّلعوا على الحقّ ومع ذلك كفروا به، فقد سمعوا الحجّة وأنكروها، يقول تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل: 13ـ14).

ويبقى السؤال عن المستضعفين، ما هي أوصافهم؟ وما هو مصيرهم يوم القيامة؟.
من هم المستضعفون؟
ثمّة الكثير من الروايات التي تحدّثت عن المستضعفين وذكرت أوصافهم، وأشارت إلى بعض مصاديقهم، وأشارت الروايات إلى أنّ وصف الاستضعاف يجمع تحت إطاره مجموعة مختلفة من الناس، فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إنّ المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضًا، ومن لم يكن من أهل القبلة ناصبًا، فهو مستضعف»[61].

وقد حدّدت بعض الروايات المستضعفين بفئة من الناس، وهم الذين ليس لديهم القدرة العقليّة، كالمجانين والبله، وكذلك الأطفال والغلمان، والعواتق من النساء ـ وهي الفتاة الصغيرة أوّل ما تدرك ـ، فقد ورد في معاني الأخبار عن ابن الوليد، عن أبن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر وفضالة معًا، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن قول الله ـ عز وجل ـ: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) (النساء:98)، فقال: هو الذي لا يستطيع الكفر فيكفر، ولا يهتدي سبيل الإيمان فيؤمن، والصبيان، ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم»[62].

وفي رواية أخرى عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عمرو بن إسحاق، قال : سئل أبو عبد الله(عليه السلام) ما حدّ المستضعف الذي ذكره الله ـ عزّ وجل ـ؟ قال: «مَنْ لا يحسن سورة من القرآن، وقد خلقه الله عز وجل خلقة ما ينبغي له أن لا يحسن»[63].

وفي رواية أخرى عن سعد، عن البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن موسى ابن بكر، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن المستضعفين فقال: «البلْهاء في خدرها والخادم تقول لها: صلِ فتصلي لا تدري إلّا ما قلت لها، والجليب الذي لا يدري إلا ما قلت له، والكبير الفاني والصبي الصغير، هؤلاء المستضعفون، فأمّا رجل شديد العنق جدل خصم يتولّى الشراء والبيع، لا تستطيع أن تغبنه في شيء تقول: هذا مستضعف ؟ لا، ولا كرامة»[64].

هذا، وقد ذكرت بعض الروايات أنّ المستضعفين هم الذين لم يطّلعوا على الخلاف، والمراد من ذلك هم أولئك الذين لا يعرفون الخلاف القائم بين السنّة والشيعة ـ مثلًا ـ، فهم لا يعرفون الخلاف بين أهل البيت(عليهم السلام) وبين من سلبهم حقّهم وأنكر ولايتهم، وليس ذلك بسبب قصورهم العقليّ أو تقصيرهم في طلب الحقّ، بل قد يكون ذلك بسبب عدم وجود وسائل اتصال مناسبة في ذلك الزمن، ومن الروايات التي دلّت على ذلك ما ورد عن الإمام عليّ(عليه السلام)، حيث قال: «لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعَتْها أذنه ووعاها قلبه».[65] وهذا يعني أنّ كلّ إنسان لم تصل إليه الحجّة، ولم يسمع بالإسلام، يكون من المستضعفين.
ومن الروايات الدالة على ذلك ما ورد في معاني الأخبار، فعن أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي المغرا، عن أبي حنيفة رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «من عرف الاختلاف فليس بمستضعف». وعن المظفر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن حمدويه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف».[66]

وهكذا نجد أنّ هذه الروايات جَعَلَتْ كلّ مَنْ لم يعرف الخلاف، أو لم تصله الحجّة مستضعفًا، وهذا يعني أنّ عدد المستضعفين سيكون كبيرًا، فهناك الكثير من الناس في ذلك الزمن ممن لم يعرف الخلاف. نعم، ورد في بعض الروايات أنّه ليس هناك مستضعفون، فكلّ الناس يعرفون بأمر أهل البيت(عليهم السلام) ، فعن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن جندب، عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): ما تقول في المستضعفين؟ فقال لي شبهًا بالمفزع: «وتركتم أحدًا يكون مستضعفًا؟ وأين المستضعفون؟ فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق [ إلى العواتق ] في خدورهن، وتحدّث به السقايات بطرق المدينة».[67]

نجد في هذه الرواية أن الإمام(عليه السلام) نفى وجود مستضعفين، وقد استنكر السؤال عن المستضعفين! كيف وقد أصبح الخلاف حول الولاية من الأمور التي لا يجهلها أحد، فحتى الفتيات الصغيرات يعرفن ذلك، فكيف يكون هناك مستضعفون؟! ويمكن أن نقول إنّ الإمام(عليه السلام) يخاطب أصحابه في هذه الرواية، وهم يعيشون في بيئة لا يحتمل فيها أن يكون هناك من لا يعرف بأمرهم أهل البيت(عليهم السلام) ، فتكون الرواية مخصّصة ببيئة خاصّة وبزمن خاصّ، فهل يمكن أن نقول إنّ من كان يعيش في أوروبا في ذلك الزمن كان مطّلعًا على الخلاف، أو أنه كان يعرف بأمر أهل البيت(عليهم السلام) ؟!.

هل يدخل المستضعفون الجنة؟
كذلك فقد وردت روايات تؤكّد بأنّ من لم يكفر، ولم يجحد، ولم ينصب العداء لأهل البيت(عليهم السلام) ، فهو من المستضعفين الذين يرجى لهم رحمة الله ـ أي الجنّة ـ، ومن الروايات التي تدل على ذلك ما روي عن أن قيس بن الأشعث تعجّب من كلام أمير المؤمنين عندما كان يتحدث عن حقّه(عليه السلام) وبطلان ما ذهب إليه الآخرون، فقال الأشعث: «والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هَلَكَتْ أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) غيرك وغير شيعتك. فقال له علي(عليه السلام): فإنّ الحقّ ـ والله ـ  معي يا بن قيس كما أقول، وما هلك من الأمّة إلا الناصبون، والناكثون، والمكابرون، والجاحدون، والمعاندون، فأمّا من تمسّك بالتوحيد والإقرار بمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام، ولم يخرج من الملّة، ولم يظاهر علينا الظلمة، ولم ينصب لنا العداوة، وشكّ في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها، ولم يعرف لنا ولاية، ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله، ويتخوّف عليه ذنوبه»[68].

وعن أبي خديجة، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قي قوله ـ  عز وجل ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) فقال: «لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون، ولا يهتدون سبيل أهل الحقّ فيدخلون فيه، وهؤلاء يدخلون الجنّة بأعمال حسنة، وباجتناب المحارم التي نهى الله ـ عزّ وجلّ ـ عنها، ولا ينالون منازل الأبرار»[69].

هل يمكن توسيع رقعة المستضعفين:
لكن ماذا عن الكفار والمشركين؟ هل نحكم عليهم بالعذاب في نار جهنّم؟ وهل تُقبل أعمالهم الحسنة؟ هل يمكن القول بأنّ وصف الاستضعاف قد ينطبق على الجاهل الذي لم يقصّر في طلب الحقّ، أم أنّ كل من لم يؤمن بالإسلام وبنبيّ الله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يكون كافرًا أو مشركًا، ويكون مستحقًّا للعذاب، ولا تقبل أعماله يوم القيامة.

لا شكّ بأن القائلين بالتعدّديّة الدينيّة سيحكمون على الكافر والمشرك وعلى أتباع الديانات جميعًا بأنّهم سالكون طريق النجاة، حيث إنّ كلّ الأديان هي طريق للنجاة، بل ذهب بعض دعاة التعدّديّة الدينيّة ـ أمثال جون هيغ ـ إلى أن الملحدين يدخلون الجنّة؛ لأنّ بعضهم يساهم في إيصال الإنسان إلى الكمال.
وقد يقول بعض دعاة الانحصاريّة الدينيّة بأنّ الجنّة حِكْرٌ على المسلمين، وأتباع الديانات الأخرى كلّهم سيدخلون النار، والله لا يتقبّل أعمالهم، حتى ولو كانت حسنة ومقبولة في دين الإسلام.

لكن بناءً على ما تقدّم من أنّ هناك مرتبة بين الكافر والمؤمن، وأنّ الجاهل غير المقصّر لا يمكن الحكم بكفره، فإنّ هذا يعني أنّه بالإمكان توسيع رقعة المستضعفين إلى غير المسلم ممن لم يسمع بالإسلام، أو الذي سعى وجاهد للوصول إلى الحقّ، لكن منعه من ذلك مانع، ولم يكن عدم اهتدائه إلى الإسلام ناشئًا عن تقصير أو جحود وعناد، فلو وصل إليه الحقّ وفهمه لآمن وسلّم به دون عناد، وهذا ما يؤيّده العلامة الطباطبائيّ، حيث يقول عند استعراضه لبعض الروايات التي تتحدّث عن أوصاف المستضعفين: «والروايات وإن كانت بحسب بادئ النظر مختلفة، لكنّها مع قطع النظر عن خصوصيّات بياناتها بحسب خصوصيّات مراتب الاستضعاف تتفق في مدلول واحد، هو مقتضى إطلاق الآية على ما قدّمناه، وهو أنّ الاستضعاف عدم الاهتداء إلى الحقّ من غير تقصير»[70].
وقد وسّع العلامة نطاق المستضعفين إلى كلّ مَنْ لم يهتدِ إلى الحق، شرط أن لا يكون مقصّرًا أو معاندًا، فيكون مصداقًا لمن لم يهتدِ سبيلًا، حيث يقول تعالى(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) (النساء:98).

ويقول العلامة عند تفسيره لهذه الآية بأنّ الاستضعاف ليس محصورًا بمن لم يستطع الهجرة من دار الكفر، أو الذي منعه مانع من مرض أو ضعف في الفكر أو البدن، بل إنّ وصف الاستضعاف يتحقّق أيضًا «فيمن لم ينتقل ذهنه إلى حقّ ثابت في المعارف الدينيّة، ولم يهتدِ فكره إليه مع كونه ممن لا يعاند الحقّ ولا يستكبّر عنه أصلًا، بل لو ظهر عنده حقّ اتّبعه، لكن خفي عنه الحقّ لشيء من العوامل المختلفة الموجبة لذلك، فهذا مستضعف لا يستطيع حيلة ولا يهتدى سبيلًا، لا لأنّه أعْيَت به المذاهب بكونه أُحيطَ به من جهة أعداء الحقّ والدين بالسيف والسوط، بل إنّما استضعفته عوامل أخر سلّطت عليه الغفلة، ولا قدرة مع الغفلة، ولا سبيل مع هذا الجهل. هذا ما يقتضيه إطلاق البيان في الآية الذي هو في معنى عموم العلّة، وهو الذي يدل عليه غيرها من الآيات كقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة:286)، فالأمر المغفول عنه ليس في وسع الإنسان كما أنّ الممنوع من الأمر بما يمتنع معه ليس في وسع الإنسان»[71].

وعليه فإنّ عوامل الاستضعاف لا تنحصر بكون الإنسان واقعًا تحت حكم سلطان جائر يمنعه من الالتزام بدين الإسلام وهو لا يستطيع أن يهاجر، ولا بكون الإنسان مجنونًا، أو يعاني من قصور في الفهم، بل إنّ الاستضعاف قد ينشأ من الغفلة عن وجود حقّ في دين آخر غير الدين الذي يؤمن به، وعلى سبيل المثال، فإنّ المسيحيين الذين يعيشون في أوروبا ـ مثلًا ـ لا يحتملون أن يكون دينهم باطلًا، وهم لا يعرفون الإسلام حقّ معرفته، حيث إنّ الإسلام يتعرّض إلى أبشع أنواع التشويه. كذلك فإنّ ظهور بعض الفرق الإرهابيّة التي تدّعي الإسلام أدّى إلى ابتعاد الناس عن الإسلام، فنحن كمسلمين لا نستطيع أن نغفل حملة التشويه التي تعرّضَ ويتعرّضُ لها الإسلام كلّ يوم، وبالتالي فإنّ الباحث عن الحقّ سوف يبحث عن الحقّ في أديان أخرى غير الإسلام، لأنّه لا يحتمل أن يكون الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لعبيده، خاصّة في ظلّ ظهور بعض الفرق التي تظهر الإسلام على أنّه دين عنف وإرهاب وقتل وتخلّف.

ويعدّد الشيخ السبحانيّ أقسامَ الاستضعاف، ففرّق بين الاستضعاف السياسيّ، وبين الاستضعاف الدينيّ، وعدّد أقسام الاستضعاف الدينيّ، وذكر من المستضعفين: «أ: من يتوطّن في بلد لا يتمكّن من تعلّم المعارف لخلّوه عن العالِم العارف. ب: من لا يتمكّن - والحال هذه - من العمل بالوظائف لخلوّ قطره عن الفقيه والعارف بالأحكام، ويشترك القسمان في أنهما غير متمكنين من الخروج إلى بلد آخر يتوفّر فيه العارف والعالم. ج: من لا يتردّد في عقائده ودينه ويراه أصولًا رصينة كأنّها أفرغت من حديد أو رصاص، كأكثر البوذيّين في المناطق الشرقيّة وأمثالها. د: من كان ضعيف العقل والاستعداد لا يهتدي لشيء لضعف عقله وتفكيره. وهذا هو الاستضعاف الفكريّ الذي هو أيضًا قسم من أقسام الاستضعاف الدينيّ»[72].

كذلك نجد أنّ الإمام الخميني(قدس سره) يوسّع دائرة المستضعفين، ولا يحصرها بمن كان ضعيف العقل ـ مثلًا ـ، بل يعتبر أنّ أغلب الكفّار والمشركين هم قاصرون، وبالتالي فهم مستضعفون ولا يستحقّون العذاب يوم القيامة، وإليك نص كلامه (قدس سره): «أكثرهم [الكفار] إلا ما قلّ وندر جهّال قاصرون لا مقصّرون. أمّا عوامّهم فظاهر، لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب نظير عوام المسلمين، فكما أنّ عوامنا عالمون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب من غير انقداح خلافٍ في أذهانهم لأجل التلقين والنشؤ في محيط الإسلام، كذلك عوامهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة، والقاطع معذور في متابعة قطعه ولا يكون عاصيًا وآثمًا، ولا تصحّ عقوبته في متابعته. وأما غير عوامهم، فالغالب فيهم أنّه بواسطة التلقينات من أوّل الطفوليّة والنشؤ في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة، بحيث كلّ ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشئهم، فالعالِم اليهوديّ والنصرانيّ كالعالِم المسلم لا يرى حجّة الغير صحيحة وصار بطلانها كالضروريّ له، لكون صحّة مذهبه ضروريّة لديه لا يحتمل خلافه. نعم، فيهم من يكون مقصّرًا لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته عنادًا أو تعصّبًا، كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك، وبالجملة إنّ الكفار كجهّال المسلمين منهم قاصر وهم الغالب، ومنهم مقصّر، والتكاليف أصولًا وفروعًا مشتركة بين جميع المكلّفين؛ عالمهم وجاهلهم، قاصرهم ومقصّرهم، والكفّار معاقبون على الأصول والفروع، لكن مع قيام الحجّة عليهم لا مطلقًا، فكما أنّ كون المسلمين معاقبون على الفروع ليس معناه أنّهم معاقبون عليها، سواء كانوا قاصرين أم مقصّرين، كذلك الكفار طابق النعل بالنعل بحكم العقل وأصول العدليّة»[73].

ويظهر مما تقدّم أنّ رقعة المستضعفين أصبحت واسعة جدًا، فهي تعمّ، على حدّ قول الإمام الخميني(قدس سره)، السواد الأعظم من الناس، بل لا يشذّ عن هؤلاء إلا ما قلّ وندر من المعاندين والجاحدين، وهذا يعني أنّ أكثر الناس على وجه الأرض ناجون يوم القيامة، فهل النجاة أعمّ من الدخول إلى الجنّة؟ وهل هذا يعني أنّ هؤلاء المستضعفين سيدخلون الجنّة رغم أنّهم لا يؤمنون بالإسلام؟! أم أنّ النجاة شيء والدخول إلى الجنّة ونيل نعيمها الأبديّ شيء آخر؟؟.
تؤكد الكثير من الروايات على أنّ المستضعفين لا يدخلون الجنّة ولا يدخلون النار، بل يبقون في منزلة بين الجنّة والنار تسمّى بالأعراف وهذا هو المعروف بين كثير من العلماء، لكن بعض العلماء رفضوا أن تكون الأعراف مكانًا وسطًا لا شقاء فيها ولا نعيم، ويقول الشهيد الثاني إنّ هذا هو المذهب الحقّ[74]، مصرّحًا بأنّ المستضعف يدخل الجنّة، حيث إنّه ليس كافرًا كي يدخل النار، وبناءً على عدم وجود منزلة بين السعادة والشقاء، فلا شكّ بأنّه ينال السعادة يوم القيامة، ويكون ذلك تفضّلًا من الله، حيث إنّه لا يستحقّ الجنّة، فهو صفر اليدين يوم القيامة، لكن رحمة الله تسبق غضبه.

ويؤكد العلاّمة الطباطبائيّ على أنّ السعادة والشقاء نسبتهما إلى بعضهما نسبة التقابل، ويكفي الحرمان من السعادة كي يكون الإنسان شقيًّا، فإذا قلنا إنّ المستضعف لا يعذّب، لكنّه يحرم الجنّة، فإنّ هذا سيكون شقاءً له في حقيقة الأمر، «والمستضعفون وإن كانوا صنفًا ثالثًا بالنسبة إلى من استحق بعمله الجنّة ومن استحقّ بعمله النار، لكن من الضروريّ أنّهم لا يذهبون سدى ولا يدوم عليهم الحال بالإبهام والانتظار، فهم بالآخرة ملحقون بإحدى الطائفتين: السعداء أو الأشقياء داخلون فيما دخلوا فيه من جنّة أو نار»[75].
ويؤكِّد الشهيد مطهري على أن غير المسلم إذا لم يكن معاندًا، وإذا كان ممن يتقبّل الحق ويسلّم به لو عرفه، فإنّه يكون مسلمًا بالفطرة، ولا يمكن أن نحكم عليه بالكفر؛ لأنّ حقيقة الكفر هي العناد والجحود[76]، ويؤكد الشهيد مطهري بأن «الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويقومون بالأعمال الصالحة قربة إليه ـ عز وجل ـ وبنيّة خالصة، يتقبل الله أعمالهم ويستحقّون ثوابه ودخول الجنّة سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين»[77].

ويعتبر هذا الرأي خطوة جريئة تفسح المجال أمام أتباع الديانات الأخرى للدخول إلى الجنّة، إذا كانوا ممن عمل عملًا صالحًا يريدون بذلك وجه الله، شرط أن يكون عملهم هذا مما يقبله الإسلام، فالله لن يقبل صلاة المسيحيّ، لكنه يقبل إحسانه إلى الآخرين، لأنّ الإسلام دعا إلى الإحسان، وهذا الرأي ينسجم مع حكمة الله سبحانه وعدله ورحمته.

المصادر والمراجع
1.    الأردبيلي، أحمد: الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد، تحقيق أحمد العابدي، الطبعة الثانية، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، 1419هـ،
2.    آملي، عبد الله جوادي: "الدين بين التعدد والتعددية"، مجلة الحياة الطيبة، (التفاصيل التوثيقية الأخرى ذكرت سابقًا)، السنة الرابعة، العدد الحادي عشر، بيروت، 1423هـ/ 2003م.
3.    الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن، المواقف، ج3.
4.    البحراني، كمال الدين ميثم: قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، منشورات المرعشي النجفي، قم، 1406هـ.
5.    بن أبي عاصم، عمرو: كتاب السنة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1413هـ/ 1993م.
6.    التفتازاني مسعود بن عمر سعد الدين: شرح المقاصد، تحقيق: عبد الرحمن العميرة، الطبعة الأولى، منشورات الشريف الرضي، لا مكان، 1409هـ/ 1989م، ج5.
7.    الجرجاني، علي بن محمد: شرح المواقف، الطبعة الاولى، مطبعة السعادة، مصر، 1325هـ/ 1907م، ج8.
8.    الحر العاملي: الفصول المهمة في أصول الأئمة، تحقيق: محمد بن محمد الحسين القائيني، الطبعة الاولى، مؤسسة معارف إسلامي، قم، 1418هـ، ج1.
9.    الحلبي، محمد بن سليمان: نخبة اللآلي  شرح بدأ الأمالي، لا طبعة، مكتبة الحقيقة، إسطنبول، 1407هـ/ 1986م.
10.  الحلي، مسلم: القرآن والعقيدة، تحقيق فارس حسون كريم، لا طبعة، لا ناشر، لا مكان، لا تاريخ.
11.  الخراساني، محمد كاظم: نهاية النهاية، لا طبعة، لا ناشر، لا مكان، لا تاريخ، ج2.
12.  الخميني، روح الله: المكاسب المحرّمة، تعليق: مجتبى الطهراني، الطبعة الثالثة، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم، 1410هـ، ج1.
13.  الرازي، محمد بن عمر (فخر الدين): كتاب المحصّل، تحقيق الدكتور حسين أتاي، الطبعة الأولى، منشورات الشريف الرضي، لا مكان، 1420هـ/ 1999م.
14.  زراقط، محمد، الحياة الطيبة، العدد الحادي عشر.
15.  السبحاني، جعفر: الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، لا طبعة، مؤسسة الإمام الصادق، قم، 1409هـ.
16.  السبحاني، نظرة إلى التعددية الدينية، مجلّة التوحيد.
17.  السقاف، حسن بن علي: صحيح شرح العقيدة الطحاوية، الطبعة الأولى، دار الإمام النووي، عمان ـ الأردن، 1416هـ/ 1995م.
18.  سليم بن قيس: تحقيق محمد باقر الأنصاري، لا طبعة، لا ناشر، لا مكان، لا تاريخ.
19.  السيوري الحلي، جمال الدين مقداد: إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، تحقيق السيد مهدي الرجائي، لا طبعة، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1405هـ.
20.  الشربيني، محمد بن أحمد: الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع، لا طبعة، دار المعرفة، بيروت، لا تاريخ، ج1.
21.  الشهرستاني، أبو الفتح أحمد: الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، لا طبعة، دار المعرفة، بيروت، لا تاريخ، ج1.
22.  الشهيد الثاني، زين الدين العاملي، حقائق الإيمان مع رسالتي الاقتصاد والعدالة، تحقيق: مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1409هـ.
23.  الشوكاني، محمد: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ـ شرح منتقى الأخبار، لا طبعة، دار الجيل، بيروت، 1973م، ج8.
24.  الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن: الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، الطبعة الثانية، دار الأضواء، بيروت، 1406هـ/ 1986م.
25.  الصدر، محمد باقر: بحوث في علم الأصول، تقريرات السيد محمود الهاشمي، الطبعة الثانية، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 1417هـ/ 1997م، ج7.
26.  الصدر، محمّد باقر: دروس في علم الأصول ـ الحلقة الأولى، لا طبعة، دار التعارف، بيروت، 1425هـ/ 2000، ج 1.
27.  الصدوق، محمد علي بن بابويه: التوحيد، تعليق السيد هاشم الحسيني الطهراني، لا طبعة، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، لا تاريخ.
28.  الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، لا طبعة، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، لا تاريخ، ج5.
29.  الطباطبائي، محمد رضا (سيد): تنقيح الأصول، تقرير ضياء الدين العراقي للطباطبائي، لا طبعة، المطبعة الحيدرية، النجف، 1371هـ/ 1952م.
30.  الطوسي، نصير الدين: تلخيص المحصّل المعروف بنقد المحصّل، لا طبعة، دار الأضواء، بيروت، 1405هـ/ 1985م.
31.  عبد الله: هشام بن الحكم، الطبعة الثانية، دار الفكر اللبناني، بيروت،1405هـ/ 1985م.
32.  العراقي، ضياء الدين: نهاية الأفكار، لا طبعة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1405هـ، ج2.
33.  العلامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: الشيخ حسن زاده آملي، الطبعة السابعة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ.
34.  الغزالي، أبو حامد: المستصفى في علم الأصول، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، لاطبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ/ 1996م.
35.  لغنهاوزن، محمد: الإسلام والتعددية الدينية، ترجمة مختار الأسدي، الطبعة الأولى، مؤسسة الهدى، طهران، 1421هـ/ 2000م.
36.  المازندراني محمد صالح: شرح أصول الكافي، تحقيق الميرزا أبو الحسن الشعراني، الطبعة الاولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1421هـ/ 2000م، ج10، سيأتي الكلام عن هذه النقطة بالتفصيل في خاتمة البحث.
37.  المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ/ 1983م،  ج30.
38.  مطهري، مرتضى: العدل الإلهي، سلسلة أصول الدين، ترجمة عرفان محمود، الطبعة الأولى، مؤسسة أم القرى، قم، 1423هـ/ 2003م.
39.  النووي، محيي الدين: المجموع ـ شرح المهذب، لا طبعة، دار الفكر، بيروت، لا تاريخ، ج1.

------------------------------
[1]*ـ باحث في الفكر الإسلامي، لبنان.
- راجع: الصدر، محمّد باقر: دروس في علم الأصول ـ الحلقة الأولى، لا طبعة، دار التعارف، بيروت، 1425هـ/ 2000، ج 1، ص:243.
[2]- راجع: مصدر نفسه، الحلقة الثالثة، ج2،ص: 39 . راجع أيضًا: الصدر، محمد باقر: بحوث في علم الأصول، تقريرات السيد محمود الهاشمي، الطبعة الثانية، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 1417هـ/ 1997م، ج7.
[3]- ستتم معالجة هذه النقطة في نهاية هذا البحث.
[4]- هذا السؤال طرحه الشيخ محمد زراقط وهو أستاذ في الدراسات العالية في الحوزة العلميّة.
[5]- زراقط، محمد، الحياة الطيبة، العدد الحادي عشر، م.س،  ص: 200.
[6]- الصدر: دروس في علم الأصول ـالحلقة الثالثة، م.س، ج2، ص:40.
[7]- راجع. م.ن، ص: 41.
[8]- الطباطبائي، محمد رضا (سيد): تنقيح الأصول، تقرير ضياء الدين العراقي للطباطبائي، لا طبعة، المطبعة الحيدرية، النجف، 1371هـ/ 1952م، ص: 23.
[9]- راجع: الصدر، دروس في علم الأصول ـ الحلقة الثالثة، م.س، ج2،  ص: 35 ـ 36.
[10]- م.ن، ص: 35.
[11]- م.ن،  الصفحة نفسها.
[12]- راجع: الصدر، دروس في علم الأصول ـ الحلقة الثالثة، ص: 35.
[13]- الصدوق، محمد علي بن بابويه: التوحيد، تعليق السيد هاشم الحسيني الطهراني، لا طبعة، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، لا تاريخ، ص:353
[14]- الخراساني، محمد كاظم: نهاية النهاية، لا طبعة، لا ناشر، لا مكان، لا تاريخ، ج2، ص: 40.
[15]- العراقي، ضياء الدين: نهاية الأفكار، لا طبعة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1405هـ، ج2، ص: 189.
[16]- الغزالي، أبو حامد: المستصفى في علم الأصول، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، لاطبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ/ 1996م، ص:352.
[17]- الغزالي، م.ن، ص: 353.
[18]- الصدر، دروس في علم الأصول ـ الحلقة الثالثة، م.س، ج2، ص16.
[19]- راجع في ذلك: الغزالي، م.س. ص: 353.
[20]- هذه العبارة نسبت إلى أبي علي الجبائي، راجع: العلامة الحلي، نهج الحق وكشف الصدق، تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي، لا طبعة، دار الهجرة، قم، 1421هـ، ص: 373.
[21]- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ/ 1983م،  ج30، ص: 337.
[22]- البحراني، كمال الدين ميثم: قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، منشورات المرعشي النجفي، قم، 1406ه، ص: 171
[23]- الحلبي، محمد بن سليمان: نخبة اللآلي  شرح بدأ الأمالي، لا طبعة، مكتبة الحقيقة، إسطنبول، 1407هـ/ 1986م، ص: 100.
[24]- راجع: الحلي، مسلم: القرآن والعقيدة، تحقيق فارس حسون كريم، لا طبعة، لا ناشر، لا مكان، لا تاريخ، ص: 29 ـ 30.
[25]- التفتازاني مسعود بن عمر سعد الدين: شرح المقاصد، تحقيق: عبد الرحمن العميرة، الطبعة الأولى، منشورات الشريف الرضي، لا مكان، 1409هـ/ 1989م، ج5، ص: 131.
[26]- م.ن، ج5، ص: 132.
[27]- بن أبي عاصم، عمرو: كتاب السنة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1413هـ/ 1993م، ص: 94.
[28]- م.ن، الصفحة نفسها.
[29]- راجع: الشهرستاني، أبو الفتح أحمد: الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، لا طبعة، دار المعرفة، بيروت، لا تاريخ، ج1، ص:122 ـ 130 ـ 135.
[30]- راجع: المجلسي، م. س، ج6، ص: 97. راجع أيضًا: الطبرسي، الفضل بن الحسن: مجمع البيان، تحقيق لجنة من العلماء والمحققين، الطبعة الأولى، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1415هـ/ 1995م، ج5، ص: 43.راجع كذلك، الإيجي، عضد الدين: المواقف، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت، 1417هـ/ 1997م، ج3، ص: 702.
[31]- النووي، محيي الدين: المجموع ـ شرح المهذب، لا طبعة، دار الفكر، بيروت، لا تاريخ، ج1، ص: 178.
[32]- نقلًا عن المجلسي، م.س، ج5، ص: 295 ـ 296.
[33]- راجع: الشربيني، محمد بن أحمد: الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع، لا طبعة، دار المعرفة، بيروت، لا تاريخ، ج1، ص: 178، راجع أيضًا مصدر نفسه، ج2، ص: 216.
[34]- الشوكاني، محمد: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ـ شرح منتقى الأخبار، لا طبعة، دار الجيل، بيروت، 1973م، ج8، ص:15.
[35]- الحلي، ص: 167، نقلًا عن نعمة، عبد الله: هشام بن الحكم، الطبعة الثانية، دار الفكر اللبناني، بيروت،1405هـ/ 1985م، ص:200.
[36]- العلامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: الشيخ حسن زاده آملي، الطبعة السابعة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ، ص: 437.
[37]- راجع: عبد الله نعمة، م.س، ص: 200.
[38]- الحر العاملي: الفصول المهمة في أصول الأئمة، تحقيق: محمد بن محمد الحسين القائيني، الطبعة الاولى، مؤسسة معارف إسلامي، قم، 1418هـ، ج1، ص: 281.
[39]- التفتازاني، م.س، ج5، ص:131.
[40]- الجرجاني، علي بن محمد: شرح المواقف، الطبعة الاولى، مطبعة السعادة، مصر، 1325هـ/ 1907م، ج8، ص: 307 ـ 308.
[41]- الإيجي، م.س، ج3، ص: 398.
[42]- الرازي، محمد بن عمر (فخر الدين): كتاب المحصّل، تحقيق الدكتور حسين أتاي، الطبعة الأولى، منشورات الشريف الرضي، لا مكان، 1420هـ/ 1999م، ص: 556.
[43]- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن: الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، الطبعة الثانية، دار الأضواء، بيروت، 1406هـ/ 1986م، ص:233.
[44]- م.ن، الصفحة نفسها.
[45]- م.ن، ص: 233.
[46]- المجلسي، م.س، ج5، ص: 289.
[47]- السقاف، حسن بن علي: صحيح شرح العقيدة الطحاوية، الطبعة الأولى، دار الإمام النووي، عمان ـ الأردن، 1416هـ/ 1995م،ص:89.
[48]- الطوسي، نصير الدين: تلخيص المحصّل المعروف بنقد المحصّل، لا طبعة، دار الأضواء، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ص: 400.
[49]- م.ن، الصفحة نفسها.
[50]- السيوري الحلي، جمال الدين مقداد: إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، تحقيق السيد مهدي الرجائي، لا طبعة، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1405هـ، ص: 425.
[51]- راجع المبحث الأول من هذا الفصل.
[52]- الأردبيلي، أحمد: الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد، تحقيق أحمد العابدي، الطبعة الثانية، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، 1419هـ،
[53]- المازندراني محمد صالح: شرح أصول الكافي، تحقيق الميرزا أبو الحسن الشعراني، الطبعة الاولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1421هـ/ 2000م، ج10، ص: 131. سيأتي الكلام عن هذه النقطة بالتفصيل في خاتمة البحث.
[54]- راجع:  لغنهاوزن، محمد: الإسلام والتعددية الدينية، ترجمة مختار الأسدي، الطبعة الأولى، مؤسسة الهدى، طهران، 1421هـ/ 2000م، ص: 113
[55]- السبحاني، نظرة إلى التعددية الدينية، مجلّة التوحيد، م.س. ص: 53.
[56]- آملي، عبد الله جوادي: «الدين بين التعدد والتعددية»، مجلة الحياة الطيبة، (التفاصيل التوثيقية الأخرى ذكرت سابقًا) ، السنة الرابعة، العدد الحادي عشر، بيروت، 1423هـ/ 2003م، ص:144.
[57]- المجلسي، م.س، ج: 69، ص:165.
[58]- م.ن، ج.ن، ص: 166 ـ 167.
[59]- م.ن، ج2، ص: 120.
[60]- السبحاني، جعفر: الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، لا طبعة، مؤسسة الإمام الصادق، قم، 1409هـ، ص:98 ـ 99.
[61]- المجلسي، م.س، ج 69 - ص 159.
[62]- م.ن، ج 69 - ص 159 – 160.
[63]- م.ن، الجزء نفسه، الصفحة نفسها.
[64]- المجلسي،  الجزء نفسه، ص 161 – 162.
[65]- نهج البلاغة، م.س، ج2، ص: 129.
[66]- المجلسي، م.ن، ج 69 – ص: 163.
[67]- المجلسي، ج 69 - ص 160
[68]- كتاب سليم بن قيس: تحقيق محمد باقر الأنصاري، لا طبعة، لا ناشر، لا مكان، لا تاريخ، ص 219
[69]- م.ن، ج 69، ص: 160.
[70]- الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، لا طبعة، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، لا تاريخ، ج5، ص: 60.
[71]- الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، لا طبعة، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، لا تاريخ، ج5، ص: 51
[72]- السبحاني، الإيمان والكفر، م.س، ص102.
[73]- الخميني، روح الله: المكاسب المحرّمة، تعليق: مجتبى الطهراني، الطبعة الثالثة، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم، 1410هـ، ج1، ص: 133.
[74]- الشهيد الثاني، زين الدين العاملي، حقائق الإيمان مع رسالتي الاقتصاد والعدالة، تحقيق: مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1409هـ، ص: 134.
[75]- الطباطبائي، الميزان، م.س، ج11، ص: 18.
[76]- مطهري، مرتضى: العدل الإلهي، سلسلة أصول الدين، ترجمة عرفان محمود، الطبعة الأولى، مؤسسة أم القرى، قم، 1423هـ/ 2003م، ص:413 ـ 414. راجع أيضًا الإسلام والتعددية الدينية، لغنهاوزن، م. س، ص: 180 ـ 182.
[77]- م.ن، ص: 483.