الباحث : حسن خليل رضا
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 33
السنة : شتاء 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث : May / 16 / 2024
عدد زيارات البحث : 429
نمط الحياة الطيّبة بين الإسلام والغرب
(دراسة مقارنة)
حسن خليل رضا[1][*]
الملخص
يقدّم هذا البحث مقارنة بين ما شيّده الإسلام من أسس متينة للحياة الطيبة مبنيّة على الوحي الإلهي وبين ما راكمه الغرب من تجارب. لذلك عالج الباحث الموضوع بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة: أين تكمن المفارقة الإبستمولوجيّة بين الحياة الطيبة المبنية على الإسلام ونظيرتها في الغرب؟ وكيف نفسّر رُجحان طيب الحياة الإسلاميّة الناظرة إلى المستقبل الميتافيزيقي على طيب الحياة الماديّة عند الغرب؟ ما وجه الخلاف بين الأنساق الميتافيزيقيّة التي بناها الإسلام وبين الأنساق الميتافيزيقيّة التي بناها العقل الغربيّ؟ ما خصوصيّة القيم المتعالية التي يطرحها الإسلام في سعيه إلى تطهير الفرد والأسرة والمجتمع، بغية تحضير البنية السفلى للحياة الطيّبة إذا ما قيست بالقيم التي يحرص المجتمع الغربيّ على غرسها في أبنائه فكرًا وسلوكًا؟
الكلمات المفتاحيّة: الحياة الطيّبة – الإسلام – الغرب – الوحي – الخبرة البشريّة.
المقدّمة
يشترك البشر في مجالات التكيّف التي ينتمون إليها، فينتهجون من ضروب السلوك ما يمكن التنبّؤ بوجهة خياراته، ويصوغون من الأفكار والمفاهيم والتصوّرات ما يدور في فلك التواؤم والانسجام الحَاكِيَيْنِ عن وحدة النوع الذي يندرجون تحته، وتكاد الظواهر الاجتماعيّة -بمدلولها الأعمّ- تتناسخ، حاملةً صبغة المطابقة أو المضارعة في مختلف البيئات التي تشهدها، سواء اتّسمت بالتفاعل والانفتاح، أو انطوت على مسارات خبراتها الخاصّة، إلى الحدّ الذي يغلب فيه الحكم على الشكل والمظهر، طبقًا لبؤرة التأويل التي يرصد الناقد من خلالها نمط الحياة المخبوزة في ذات الآخر، واستجابةً لهويّة الإسقاط التي تضفي على المشهد معنًى مفارقًا لطبيعته، يمثّل الوجه اليوتوبيّ المعدوم، أو الغائب عن بيئة الانتماء، أكثر من حكايته - في الواقع - عمّا تستبطنه التماعات الأقنعة التي تحجب الآخر، ما دام متلبّسًا بالصرامة التكوينيّة لهذا التصنيف.
فإلى أيّ حدّ يمكن وَسْمُ الحياة التي صاغ الإسلام ضوابطها ومعالمها وأنساقها بالطيب، حيث يفيض به المتعالي على عبده الذي يجمع بين خصلتي الإيمان الحقيقيّ والعمل الصالح، في الوقت الذي قد نرى هذا المرء نفسه يتطلّع إلى طيب النمط الذي رسمه المجتمع الغربيّ لهذه الحياة فكرًا وممارسةً، وكأنّه الفردوس الذي يجتذب كينونته ويحثّه على تجاوز واقعه؟
ربّما لا تكون المقارنة بين الإسلام والغرب منصفةً إلّا في إطارها الكلّيّ، بينما تنأى التفاصيل في ذاتها عن هذا المطلب، نظرًا إلى كون تعاليم الإسلام تشكّلُ لبناتٍ أصيلةً في الصرح الذي أعلاه، فضلًا عن غيرها من العناصر التي جُمِعَت من أنحاء شتّى، وقد أضيفت إليها خصوصيّات خبراته وتجاربه التي انفرد بها، غير أنّ التصوّر لا يعني أنّ الغرب صنيعة الإسلام، وإنّما يُعَدّ مساهمًا في حضارته، فلا يعطي التداخل صورة نقيّة عمّا ينفرد به الواحد عن الآخر، بل يدعو التقاطع والاشتراك عادة إلى الإعلاء من شأن المواطن التي يلازمها هذا الاتّصاف.
وتأسيسًا على هذا الموقف، يمكن طرح جملة من التساؤلات التي يتمحور البحث حولها:
١- أين تكمن المفارقة الإبستمولوجيّة بين استحضار السماء في تعاليم الإسلام التي يفضي الالتزام بها إيمانًا وسلوكًا إلى الحياة الطيّبة، واستحضار الخبرة القائمة على توالف التجارب التي راكمها المجتمع الغربيّ، سعيًا وراء طيب هذه الحياة، ما دامت لُبنة العناصر التي تتألّف منها هذه الحياة مشتركة في تعبيرها عن حاجات البشر وتدابيرهم وخياراتهم؟
٢- كيف نفسّر رُجحان طيب الحياة الإسلاميّة، وهي تعتضد بالخيال الذي يستشرف المستقبل الميتافيزيقيّ، على طيب الحياة التي تلتزم غلاف المادّيّة، ثمّ تلجم الخيال في حدود التحكّم بالواقع؟
٣- لماذا تختلف الأنساق الميتافيزيقيّة التي بناها الإسلام، لتكون الجسد الذي تنبض الحياة الطيّبة داخله، عن الأنساق الميتافيزيقيّة التي بناها العقل الغربيّ، لتكون الحيّز الذي قد يناط به إضفاء الطيب على هذه الحياة؟
٤- ما خصوصيّة القيم المتعالية التي يطرحها الإسلام في سعيه إلى تطهير الفرد والأسرة والمجتمع، بغية تحضير البنية السفلى للحياة الطيّبة إذا ما قيست بالقيم التي يحرص المجتمع الغربيّ على غرسها في أبنائه فكرًا وسلوكًا؟
وتوخّيًا لتقديم إجابات منطقيّة؛ سوف يعتمد البحث ثالوثًا منهجيًّا، يتمثّل في التحليل والمقارنة والنقد. يُعوَّل على الأوّل في التعرّف إلى المكوّنات والعناصر المعرفيّة التي تقوم عليها الحياة الطيّبة في المجتمعيْنِ: الإسلاميّ والغربيّ؛ ويُطوّع الثاني في كشف جوانب الاتّفاق والافتراق التي تتمخّض عنها خصوصيّة نمط الحياة الطيّبة في الإسلام، بينما يُناط بالثالث بيان التهافت في الخيار الغربيّ لنمط الحياة الطيّبة، فضلًا عن التأسيس لقراءة عميقة في خيارات النمط الإسلاميّ لهذه الحياة، عقب محاكمة البدائل الممكنة على صعيد المسار نفسه.
أوّلًا: غائيّة الحياة الطيّبة في غَوْر المشروع البشريّ فكرًا وممارسةً
يدرك المرء ذاته في خضمّ إحاطته بالعالم المحايث له، فلا يغيب عن أفق تبصّره حضورُهُ المؤقّتُ في المركّب الجسديّ الذي يعطيه هويّته الشخصيّة في نطاق النوع، بمقدار ما يحدّه في بؤرة الرصد التي يتطلّع منها إلى الغيريّ؛ وإنّما ينطلق من حبكته المعقّدة إلى مهمّة رفيعة المعنى، تتمثّل في اتّخاذ قرارات تكيّفه مع الوسط الذي ينتظم في الأساس منه، وذلك من طريقِ آليّاتٍ، يفرضها التناغم الطبيعيّ بين الذات والموضوع.
ولو كان حضوره -بصحبة هذه الخاصّيّة المائزة- قائمًا في عتمة مركّب آخر، نظير الكائنات الصدفيّة أو الرخويّة أو الحرشفيّة، يدبّره بحكمة ودراية؛ لتغايرت تجربته، وتباينت قراراته، واختلفت أفعاله، بحكم الاستعدادات المتوافرة لديه، وقابليّة بيئته للانقياد لها.
ولا ينفكّ هذا المركّب عن بنية جينيّة[2] تُملي عليه نظامها في صورة شبه تكراريّة، بل تكاد تتحكّم بمساره وفق متطلّبات النوع، تاركةً للفروق الفرديّة قنوات ضيّقة، لا تتجاوز الخيارات المتاحة من هذه البيئة، إلّا في نطاق الطفرة التي تُفْقِدُهُ وجهًا من هويّته على الأقلّ؛ ولا يبعد أن تكون لها بصمات قهريّة غير مطلقة في الفكر والسلوك، تقلّص -إلى حدّ كبير- من مساحة التفويض.
ولكنّ الأمر لا يقتصر على هذا البعد الممتدّ من الكائن البشريّ، وإنّما يسيل باتجاه البعد الذي يتقوّم بطبيعة الحالات النفسيّة والحوادث العقليّة، حتّى لدى منكري الثنائيّة من المادّيّين، وعلى رأسهم دعاة نظريّة الانبثاق[3].
وتكاد آليّة التكيّف التي تلوذ بها الكائنات الحيّة عمومًا في سعيها إلى حفظ ذاتها ونوعها، سواء تحقّق ذلك منها بالفطرة، أو بالرويّة، تعبّر عن المشتقّ الموازي لسنّة الحياة الطيّبة لدى الناطق خاصّة، فإنّها تمضي على وفق الطبيعة التي رأى شيلنغ في نظامها العقلَ متحجّرًا[4].
بَيْدَ أنّ الفارق يُشرق من كون عالم الإنسان مبنيًّا على الإدراك الذي تتيحه قوّته الناطقة، والممارسة التي تخبزُهَا الإرادة المتّصلة بهذا الإدراك؛ ما يضفي على التكيّف طابعًا واعيًا، ليغدو خيارًا قصديًّا.
فالحياة الطيّبة ثمرة، يمكن للمرء أن ينالها في طول عنايته بالأسباب المفضية إلى إيناعها ونضجها وقطافها، حيث تُتوّج بها الإرادة التكيفيّة الواعية والمدركة بمجرد أن تتدفّق في الأثلام المؤدّية -بلغة التكوين والنظام- إلى الجذور التي تمدّها -على المستويين: الفردي والجماعي- بمقوّمات النموّ، وموجبات الاستمرار.
وعلى الرغم من أنّ الإثمار خارج بذاته عن إرادة الراغب أو الزارع، مهما بلغت عنايته بالأسباب، فإنّ إداركه للنسق الذي تجري وفقه القوانين والنواميس والسنن، يدفعه باستمرار إلى السعي والعناية والانتظار، ولا سيّما بعد أن ألِفاها مطابقةً لمخرجات تجاربه، ومسامتةً للخبرات التي تراكمت لدى نظائره.
وعلى هذا الأساس، من الطبيعيّ أن يتحرّى العاقل عن الحياة الطيّبة، موغلًا في استحضار مقدّماتها وعواملها وأسبابها، وأن يُرخي لفكره زمام الإبداع، فيشرّع الأحكام والقوانين والوصايا ابتغاء تحقيقها، وينظّر لأنماطها ومكوّناتها وشروطها، ويهيّئ في نطاق الممارسة الفرديّة والجماعيّة ما يدعم مشروع إرسائها بأساليب عديدة، ملتفتًا إلى عنصر الاتّصال فيها، فإنّه من ضروب الحرمان أن يتطلّع إلى أحوال آنيّة منها، تتلاشى بمجرّد أن تنقطع عواملها.
وقد ازدحمت في مدارات هذا الغرض طروحات خصبة وغنيّة، لمّا يسكت العقل البشريّ عن المَخْر في عبابها، والنَّهْل من معانيها، في إدارته للمركّب الذي قد ينصاع له في حدود ما يتاح تكوينًا من حرّيّة ممكنة على صعيد الفعل والسلوك، حيث أناطت السعادة بالأخلاق[5]، وتفنّنت في صوغ مدارجها القيميّة التي تفضي إلى يفاع الفضيلة والانسجام والخير الأسمى، ولو في نطاق الفرديّة، ثمّ جرت السياسة - بما يفيض به رحمها من قوانين وأنظمة - بين السعف الذي يظلّل درب هذه السعادة في نطاقها الجماعيّ، فكانت دولة العناية الضمادَ الذي يخفّف من آلام المواطنين اللائذين بها؛ لتغدو المعاناة التي تقرضُ حياةَ الفرد موضعَ اهتمام رفيع في المجال العامّ.
وقد طرح الإسلام دلوه في جوف هذه الركيّة، فلم يرجئ وعده للمؤمن بطيب الحياة إلى اليوم الآخر، وإنّما أكّد إمكانيّة بلوغ رتبة من هذا الغرض في الدنيا نفسها، وإلّا ما جدوى تمسّك المؤمن بالتعاليم والأحكام والوصايا، إن كانت ثماره أخرويّة محضة، ولم يكن لها في طول ذلك محصولٌ دنيويٌّ؟!
ويبتني منطق هذا الدين على أساس أنّ منبع كلّ من الوجود والتشريع واحد، ولا بُدّ من أن تسري الثقة إلى الأخير من التأمّل في مظاهر الأوّل، فضلًا عمّا يدخل في حيّز التسليم من كون الواجب الذي برأ الإنسان، وأعطاه من حرّيّة الفعل مقدارًا، يمتلك الدراية الكاملة بحاجاته وإمكاناته ومقوّماته النوعيّة، فهو المنجم الحقيقيّ للتعاليم التي يناط بها توجيه حياته، بما يكفل له إسباغ الطيب عليها.
ومن الطبيعيّ أن تشهد المقاربات الإسلاميّة ضروبًا من التعارض والاختلاف، وهي تفتّش بين وريقات النصوص التراثيّة عن براعم الحياة الطيبة، نظرًا إلى طبيعة المادّة التي تتشكّل منها المعرفة الدينيّة، فضلًا عن أدواتها وآلياتها والروافد التي تبثّ فيها الحيويّة والاستمرار، استنادًا إلى سياقات الاجتهاد والمعاصرة.
ومهما يكن، فإنّ كلّ مشروع بشريّ، يحظى بالتلقّف، ويلتهم التفكير، ويُدرج في خيارات الممارسة، بدءًا من الفلسفات الشرقيّة، ومرورًا بالشرائع السماويّة، ووصولًا إلى العلوم والفلسفات الغربيّة الحديثة؛ يستهدف الخلاص من العذابات والآلام والشرور، بوصفه الشرط الذي لا يُستغنى عنه في التأسيس العمليّ ليوتوبيا الحياة الطيّبة.
ثانيًا: مفارقات الحياة الطيّبة بين رافديّة الوحي وتراكم الخبرة البشريّة
ربّما لا يحظى تعبير الحياة الطيّبة بالذيوع الذي لامسته ألفاظ أو تعابير أخرى، نظير السعادة التي تتقاطع معها في زوايا دلاليّة عديدة، وتنساب إلى مختلف البيئات الثقافيّة، قاطنة في جوار مصطلحات أخرى، كانت قد اجْتُرِحَتْ في رحاب أفقها التراثيّ الخاصّ؛ غير أنَّ تجاوز قشرتها إلى لباب المدلول المرادف لها، يكشف عن كونها مكوّنًا افتراضيًّا حاضرًا -ولو بالقوّة والإمكان- على مستوى النوع برمّته.
والحقيقة أنّ لخيال البشر دورًا وسيطًا في تمثّل فكرة الحياة الطيّبة، حيث يربط بينها وبين الخبرة المتمخّضة عن العيان والتجريب، فيحيّد عن غرباله الزؤانَ، ويُراكم في الوقت نفسه حنطة هذه الحياة، ثمّ يوغل في إضفاء المثاليّة عليها، حتّى تغدو مستحيلة التحقّق في عالمنا المحسوس، ولا سيّما أنّ قوانين الحياة نفسها تأبى الامتلاء، ولا تقدّم لجلجامش أكثر ممّا قدّمته لأنكيدو في الأسطورة السومريّة[6].
ويستجيب هذا الخيال بشكل طبيعيّ لحاجات صاحبه، متوسّلًا المقاربات التي تسدّ رمق فضوله، وتجتذب أمانيه، فَيُيَمِّم شطر الموروث الثقافيّ الذي ينقاد إليه بصورة غير واعية، وقد يقترض من الأغيار ما يلبّي هذا الغرض، عندما يُصاب بأعراض الجفاف.
لا انفصام للخبرة التي راكمها المجتمع الغربيّ حول الحياة الطيّبة فكرًا وممارسةً، عن تعاليم المسيحيّة في العصر الوسيط، ولا سيّما تلك التي رُسِمَتْ في مؤلّفات أوغسطين، وأريجنا، وتوما الأكوينيّ، موفّقة بين تراث الإغريق، ونصوص العهدين، وتدابير الكنيسة؛ فإنّ هذه الروح لا تزال سارية في أروقته، تؤجّج أوارها التأويلات اللاهوتيّة المعاصرة، فضلًا عن الفلسفات التي شكّلت فيها الميتافيزيقا حجر الرحى، نظير ما نتلمّسه في كتابات كانط وفخته وهيغل وغيرهم، وهم يعيدون نِجارة أخشابها في بناء هيكل جديد، يُرَاهَن عليه في نقد العقل، وفهم الواقع، واستشراف المستقبل، وخاصّة أنّ هذه المشيمة هي المستقرّ المؤقّت لنطفة الحياة الطيّبة.
وإذا كان في المجتمع الغربيّ فريق، ما فتئ يتطلّع إلى الحياة الطيّبة من هذه النافذة، فيوفّق بين طاعتين: إحدهما لقيصر، والأخرى لله[7]، مصغيًا إلى نبوءات اليوم الآخر، إن على صعيد الإيمان، أو على صعيد السلوك؛ فإنّ شريحة واسعة منه استجابت لتطلّعات أخرى، معرّبة عن وثوقها بتراكم الخبرة البشريّة، حيث ابتنت على مشاريع فكريّة، أكبّت على هدم الميتافيزيقا، محدثةً طلاقًا أنطولوجيًّا بين الموروث في هذا المجال، والواقع الماديّ الذي شكّل المعطى النهائيّ لخطابها.
ولا يقف الأمر عند حدود ما نطق به القرن التاسع عشر على لسان ماركس وأنجلز ونيتشه وغيرهم، فإنّ المشهد لم يحجب وجوديّة كيركجارد المؤمنة التي تأخذ حرارتها من المثاليّة، بل يتخطّاه إلى القرن العشرين، ومطلع القرن الحادي والعشرين؛ ليبصر في الفلسفات الوجوديّة والتحليليّة والوضعيّة المنطقيّة والبراجماتيّة والتفكيكيّة وسواها مراسم دفن للميتافيزيقا في تراب التراكيب اللغويّة والمنطقيّة، وقد أعطى للعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والوضعيّة مشروعيّة الفطام عن السماء والدين والتراث؛ لتمضي على صراط العلوم التجريبيّة الموسومة بالدقّة والحياد، والتي غدا الرهان عليها في توفير الحياة الطيّبة القِبْلَةَ الحقيقيّة للمجتمع الغربيّ، مؤيَّدًا بمنجزات الطفرة التكنولوجيّة الآخذة في الانفجار، على الرغم من الانفكاك بين طبيعة المسارين، وعدم قابليّة الفيزياء نفسها لاختزال القوانين البيولوجيّة[8]، فكيف هي الحال بالنسبة إلى مسألة اختزال الأحوال النفسيّة والاجتماعيّة في القوالب التي يمليها هذان العلمان؟!
ولمّا كان الطابع المادّيّ قد غلب على المشهد الرسميّ في المجتمع الغربيّ، في محاولة منهم لاحتضان التنوّع والاختلاف، فقد أُقصي البعد الميتافيزيقيّ عن غمرة الممارسة، واستُعيض عنه بتصوّرات ومقاربات وتشريعات مشتّتة من الفكر الإنسانيّ، والتجارب التي احتفّت به، فباتت الحياة الطيّبة قائمة في حدود هذه الرؤية؛ لقناعة هذا المجتمع بأنّ بيئة المجال العامّ شرط أساس لتحقيقها، إن من زاوية ما توفّره من تشريعات حقوقيّة متقدّمة في النضج، أو من زاوية ما تكرّسه من ضمانة لتطبيقها بعدل ومساواة وكفاءة بين المواطنين بمختلف شرائحهم.
ويكشف التعديل والتطوّر المستمرّان لبنية النظام الغربيّ وقوانينه وتشريعاته عن رغبة عميقة في بلوغ طيب هذه الحياة، استنادًا إلى الاستقراء الميدانيّ المتجدّد دائمًا لميول المواطنين وحاجاتهم واتّجاهاتهم، وهذا ما يتضمّن اعترافًا ضمنيًّا بغموض المسلك الدقيق الذي يفضي إلى هذه الغاية القصوى، والحاجة المتواصلة إلى انتهاج مسلك تقويم الخلل.
ولم يغب عن ذهن هذا المجتمع أنّ المجال الفرديّ يمثّل متعلّق الطيب في هذه الحياة، فسكب عنايته عليه، ولم يفته أن يغرس فيه -بوساطة نظامه التربويّ- الوجهة الإبستمولوجيّة التي تتّسق مع خيارات المجال العامّ، لعلّ في هذا التدبير توحيدًا للرؤية، وإرساءً لمنظومة مشتركة من القناعات، وتوفيرًا لمقوّمات السعادة في كينونة الفرد الذاتيّة ومسار الجماعة التضامنيّ.
وفي المقابل، يتّجه الإسلام إلى هذا الداخل قبل أن يولي الخارج عنايته، بناءً على ما يراه من أنّ التغيير في المجال العامّ يتوقّف على التغيير في المجال الخاصّ[9]، فإنّ الإيمان شرط لازم لتحقيق الحياة الطيّبة، نظرًا إلى ما يرصفه في الباطن البشريّ من سكينة وطمأنينة وثبات، لا يلبث أن يفيض مودّة ورحمة وسَكَنًا في رحاب الأسرة، خالقًا النواة الأولى للاجتماع البشريّ، ثمّ يأخذ مسارًا مجتمعيًّا، يقوم على مبدأ التضامن الأخويّ؛ ليتشكّل المجتمع الإسلاميّ -على هذا الأساس- في صورة بنيان مرصوص، يعترف فيه المؤمن بكونه لبنَةً ضروريّة في الأعمدة التي يركن إليها.
ولا تطيب الحياة بمجرّد أن يشعّ الإيمان في أرجاء القلب؛ لأنّ المرء يحتاج إلى البوصلة التي تصوّب وجهته، وتدرأ التناقض بين إيمانه وسلوكه، ولا يكون ذلك في منطق الإسلام إلّا على أساس رافديّة الوحي، فهو الذي يزوّد الخبرة البشريّة بمعايير وتعاليم ووصايا متعالية، يُناط بها بلوغ السعادة في الدارين، حيث تأخذ قوّتها وعلوّها وقداستها منه، ومتى أضفى الالتزام بها صفة الصلاح على عمل المؤمن، توّج هذا المعطى باكتساب الحياة الطيّبة، طبقًا لصرامة السنّة التي غبّر عنها القرآن بقوله: Nمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَM (النحل: 97).
وربّما يُدرك الراصد تقاطعًا بالغًا في عناصر الحياة الطيّبة لدى الإسلام والغرب على حدّ سواء، ما دام كلّ منهما يتّجه إلى التعبير عن حاجات البشر وتوقهم إلى أمشاج المثال، وتمثّل الخيارات التجاوزيّة التي تُرْسَم أمامهم، بغضّ النظر عن أسبقيّة الإسلام، وسنّة الاقتراض المعرفيّ، وتداخل المجتمعات، غير أنّ الأمر يأخذ طابع المفارقة بين النسقين في المباني التي يتأسّسان عليها، فضلًا عن مدلول هذه العناصر، ومنبعها، وهيكلها، وترتيبها، وقوّتها، والأغراض المرصودة فيها؛ ما يدعو إلى الحوار الدائم بين هذين المسارين، فضلًا عن ضرورة الركون إلى التفضيل على مستوى الخيارات النسقيّة التي يتمسّكان بها إجمالًا وتفصيلًا، تبعًا للصرح المعرفيّ المثبت في حياض كلٍّ منهما.
ثالثًا: طِيْب الحياة من غلاف المادّيّة إلى رحابة المستقبل الميتافيزيقيّ
استقرّ في رؤية الغرب لطيب الحياة الدورانُ في غلاف المادّة، فكرًا وممارسةً، إذ إنّ على نظام الدولة أن يوفّر للفرد والجماعة خصوبة البيئة، فلا تغدو مقوّمات الحياة الأساسيّة موضع تهديد، ولا سيّما أنّ بلوغ الكمالات على هذا الصعيد يفتقر إلى تعاون وتضامن وانسجام، يفوق طاقة الأفراد، فيحمّل الجماعة مسؤوليّة احتضانهم، بمقدار ما يحمّلهم مسؤوليّة الانتظام الهادف في نسيج هذه الجماعة.
وقد أمعنت الطروحات الغربيّة في تقديم الخيارات أو البدائل الممكنة، مستوعبة شتّى المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والتربويّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة وغيرها، فبلغت من التضخّم مستوى غير مسبوق كمًّا ونوعًا، أملى عليها مهمّة الخوض في محاكمتها؛ لانتخاب الأصحّ من بينها، وإخضاعه لضوابط التجريب، واعتماده في مجرى الممارسة الفعليّة.
لم تمنع هذه التدابير من بقاء جزر روحيّة في ذلك المجتمع، غير أنّها غير فاعلة، ولا يمكن أن تحدِث انقلابًا حقيقيًّا فيه، ما دامت أمواج المادّة تطغى على المشهد العامّ، وتأخذ بمجامع القلوب، وتصادر مستويات الوعي، فلا تمنح الذات الفرديّة فرصة للاختلاء بطبيعتها، ولا وقتًا للإنصات إلى صفائها؛ ما يفقدها إكسير الحياة الطيّبة بمعناها الحقيقيّ، وهو الخيال الذي يُرفد الذات ببصيرة تأويليّة، تستشعر الخلود بما يتجاوز سطح المادّة، ويوغل في رحابة الباطن، ويحشو الأشياء بمعانٍ لا سياج لتداعيها.
وجدير بالإشارة أنّ الخيال الغربيّ ذو غورٍ عميق، وتنوّع مهيب، واتّساع مذهل، أتاح لحضارته أن تقفز فوق أسوار السرد الأسطوريّ نفسه، إلّا أنّه ظلّ رهين المادّة، يحفر في جسدها، ويجوب سماءها، ويوغل في قوانينها، ويطالع ظواهرها، ويفتّش معابدها بكرةً وأصيلًا، إلى الحدّ الذي تحوّلت فيه إلى معطى الوجود الوحيد. ولا يبعد أن يكون هذا المسار سرّ التقدّم الذي وصلت إليه، ما دامت قد أقصت الغيب عن دائرة اهتمامها، بوصفه النتاج المماثل قيمةً للمحتوى الشعريّ أو الموسيقيّ، يعبّر بصورة غير ناضجة أو مكتملة عن الشعور بالحياة[10].
وانطلاقًا من هذا التصوّر، يغدو الواقع الماديّ بمنزلة الميدان الحقيقيّ لإبداعات العقل الغربيّ، حيث تُوكل إليه مهمّة انتخاب صور الممارسة الجديرة بالإرساء والتبنّي في مختلف المجالات، استنادًا إلى معايير مرنة، يشتقّها من حاجة المواطن وميوله واتّجاهاته، على أساس أنّه المعنيّ فعلًا بحدود التصوّر اليوتيوبّيّ للحياة الطيّبة.
وكأنّ هذا المسلك يتنكّر لحاجات عميقة في جبلّة الكائن البشريّ، تدفعه إلى اللّوذ بالدين والإيمان والروحانيّة، وقد يدعمها المكوّن الجينيّ، إن ثبتت علاقته بخيارات الفعل والسلوك؛ لكونه حيّدها عن أفق انشغالاته، وإن أقرّ حرّيّة التديّن - اعتقادًا وممارسةً - في نطاق الخبرة الشخصيّة التي لا تمسّ ببنية المجال العامّ.
ويُسجَّل للإسلام تمكّنه بالفعل من تجاوز هذه المشكلة، إذ أولاها أهمّيّة بالغة، وبنى على أساسها رؤيته للحياة الطيّبة، فإنّ الاعتقاد بحقيقة عالم الميتافيزيقا هو الذي يفتح أفق المستقبل على فكرة الخلود، فلا تغدو هذه الدنيا فضاء الوجود الوحيد، وإنّما يكون المرء مسكونًا فيها بفكرة البعث والبقاء، على غرار مسكونيّته منذ ولادته بشيخوخة الموت[11]؛ لكون الحياة لا تطيب في واقع الأمر، مهما توافرت فيها مقوّمات الرفاه والإشباع، إلّا إذا اطمأنّ صاحبها إلى استمرار هذه المقوّمات، فإنّ الشعور بتلاشيها وزوالها يعكّر عليه صفوها، ويحول من دون استمتاعه بها، فمتى التفت إلى كونها قبسًا ممًّا ينتظره في عالم الآخرة، سرى إليه طيب هذه الحياة، ولزم عن إيمانه وعمله الصالح اكتسابه أولى ثمار الغاية البعيدة المترتّبة على خلقه.
وإذا كانت حياة الإنسان محكومة بقوانين ثابتة على مستوى أفراد النوع برمّتهم، تتعاقب عليها أطوار من الوهن والمرض والعجز والشيخوخة، وتساورها الهموم والشكوك وألوان المعاناة، حتّى يقطعها الموت بمعاييره المبهمة، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة الحرمان من طيب الحياة؛ لأنّ طيبها لا يقتصر على قابليّة هذا الخارج لخدمتها، ولا لتوفير العناصر المادّيّة لها، وإلّا لأدرك ذوو الاحتياجات الخاصّة في دول العناية الغربيّة مستوًى رفيعًا من هذا الطيب، وإنّما يفتقر إلى الإيمان بالبعد الغيبيّ الذي يسمح لصاحبه بتأويل الواقع، وإعادة إخراجه وتنظيمه وصياغته في صورة موائمة لتطلّعاته، فضلًا عن استشراف الحياة التي يبلغ فيها الطيب ذروة الإمكان خارج عالم الكون والفساد.
ويحرص الإسلام على تأجيج خيال المؤمن بما يتجاوز حدود هذا العالم، نظرًا إلى إيمانه بواقعيّته، وكونه حتميّة مستقبليّة، يَفِدُ إليها الإنسانُ مثقلًا بما قدّمت يداه في هذه الدنيا، فيعمد إلى تفسير الحوادث الظاهرة من خلال ربطها بالبواطن والغيوب، ويُمعن في تأويل النصوص القرآنيّة والروائيّة وفق أدوات أصيلة ودخيلة تنقله إلى تمثّل ذلك العالم واستحضاره، ولا يستغربنّ ناقد إن عثر على الفكرة ونقيضها لدى مفكّري الإسلام عندما يعمدون إلى تأويل النصّ بما يخدم مقولاتهم، فبينما أصرّ ابن سينا على إثبات المعاد الروحانيّ، مؤوّلًا النصّ القرآنيّ بما يصبّ في هذا الغرض[12]، ألفينا صدر الدين الشيرازيّ يطرح إخراجًا تأويليًّا مغايرًا لهذا النصّ، مثبتًا وقوع المعاد الجسمانيّ، وإن كان صوريًّا، ليس من سنخ العناصر التي يتراتب منها هذا الجسم[13]؛ وبينما أصرّ الأشاعرة على استفاده الكسب من الآيات الدّالة على صدور الفعل من الإنسان، فتمسّكوا بظاهر بعضها، وأوّلوا ما لم يطابقها بدقّة[14]، ألفينا المعتزلة يحذون حذوهم في آليّة الاستظهار والتأويل؛ لإثبات دلالتها على التفويض[15].
وربّما يوحي عدم اقتصار الإسلام على العناية بالجانب الماديّ من حياة الإنسان، كما هو المشهد الغالب في المجتمع الغربيّ، بكونه يرجئ تحرّيه عن الحياة الطيّبة إلى الآخرة، ولا يعطي لهذه الدنيا قيمة وازنة، غير أنّ هذا التصوّر لا يعبّر عن حقيقة موقفه، بدليل عنايته بالتعاليم والوصايا والتشريعات التي تعطي لهذه الحياة معنًى، فهو يهتمّ بالآخرة في طول اهتمامه بهذه الدنيا، إذ يرى الحياة الطيّبة نسقًا متّصلًا، تومض شرارته في رحاب هذا العالم، ثمّ يزيد اضطرابها إلى حدّ الاكتمال في العالم الآخر.
رابعًا: تقابل الغرب والإسلام إزاء النسق الميتافيزيقيّ للحياة الطيّبة
لمّا كانت الحياة الطيّبة في الإسلام منطويةً على مساحة غير محدودة من الايمان بالميتافيزيقا، سواء أكان من جهة حاجتها الدائمة إلى تأويل الظواهر والحوادث والمفاهيم، لإضفاء دلالات متعالية عليها، أو من جهة تطلّعها إلى الأبديّة التي تتجاوز الحضور المحدود في صياصيّ هذا العالم، فإنّها تقابل التصوّر الغربيّ لها، بسبب تركيزه في الغالب على دائرة الفيزيقا، فضلًا عن تعامله معها على أساس أنّها الحضور الممتلئ.
ولكنّ ثمّة موقفًا في المجتمع الغربيّ يغاير ما يطفو على سطحه من زبد المادّيّة ورغوتها، يولي الميتافيزيقا أهمّيّة كبيرة، سواء أكان دينيّ الاعتقاد، أو شرقيّ النزعة، أو مثاليّ المذهب؛ حيث يتقاطع إلى حدّ كبير مع رؤية الإسلام للحياة الطيّبة، إن على مستوى هيكليّتها العامّة، أو على مستوى المفردات التي تنتظم منها.
يشتمل هذا الموقف على قدر غير مكتمل من بنية الشرط الأوّل للحياة الطيّبة في المنطوق القرآنيّ، وهو الإيمان الذي تتعدّد متعلّقاته، لتشمل الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، حيث لا يستغرق الإيمان وفق المنهج المسيحيّ مثلًا غير عدد محدود من هذه المتعلّقات، وفي صيغ تحتاج إلى إصلاح بنيويّ عميق في نظر الإسلام، ولا سيّما على صعيد النسق الدليليّ الذي ترتكز عليه.
ولو أخذنا وجهًا آخر من تمثّلات هذا الموقف، وهو الإيمان الكانطيّ؛ لألفيناه يميل إلى الاعتقاد بوجود الله وخلود النفس، على نحو المصادرة؛ ليستقيم النسق الأخلاقيّ الذي شيّد أركانه[16]، فلا يتّسع إلى سائر العناصر التي أدرجها العموم القرآنيّ في الشرط الأوّل لتحقّق الحياة الطيّبة.
ويُظهر هذا التقريب المفارقة بين التصوّرين الإسلاميّ والغربيّ في تقديم النسق الميتافيزيقيّ الذي يشكّل الخلفيّة الإيمانيّة للحياة الطيّبة، إن من زاوية المنهج الذي يتوسّله، أو من زاوية المحتوى الذي يمتلئ به.
ولهذا الأمر صلة وثيقة بالشرط القرآنيّ الثاني لانبثاق الحياة الطيّبة، وهو التلبّس بالعمل الصالح، غير أن اتّصاف هذا العمل بالصلاح يفتقر إلى معيار مرجعيّ ثابت، يبتني على كاشفيّة الوحي، حيث يُؤَسَّس على منظومة التعاليم والوصايا والتشريعات التي يفيض بها.
وعلى الرغم من اختلاف نظرة الإسلام إلى العمل الصالح عن نظرة الغرب إليه، فإنّ هناك حيّزًا من التقاطع والاشتراك بين تَيْنِكَ النظرتين، ينطلق من الوصايا العشر التي فصّلها العهد القديم[17]، وصدّقها العهد الجديد[18]، ويصل في بعض مقارباته إلى النظريّات الأخلاقيّة المعاصرة، سواء أكانت روحها مستمدّة من التأمّل الفلسفيّ المحضّ، أو من محتوى التشريعات السماويّة، وكانت متطلّعة إلى المسؤوليّة عن الآخر، أو قائمة على مبدأ الحيطة والحذر إزاء منجزات التقانة، وكانت منفتحة على مبدأ الاعتراف يما يستوعبه من تنوّع واختلاف، أو مؤسّسة على مقتضيات المضمون التواصليّ...
وإذا كان صلاح العمل في الرؤية الغربيّة خاضعًا لمعايير متحرّكة، إن على أساس التأويل الهرمينوطيقيّ لبعض التعاليم المغروسة في النصوص المقدّسة، أو على أساس القيمة التي يعطيها العرف التداوليّ لأنماط السلوك أو الفعل، وقد تشهد تبدّلًا خاضعًا لشروط المكان والزمان والأفراد المعنيّين به؛ فإنّ هذا الصلاح يحمل في الرؤية الإسلاميّة قيمة واحدة، تبعًا لمعايير ثابتة، لا يعتريها تغاير إلّا في الثبوت والفهم والتشخيص، فإنّه لا يمكن الاجتهاد في مقابل النصّ، ولا تجاوز الخطوط الثابتة للتشريع، ولا التنكّر للقيم التي حرص الإسلام على ترسيخها فكرًا وممارسةً.
وقد نحكم على العمل الصادر عن الغرب دولةً أو مجتمعًا بالصلاح؛ لمطابقته التصوّرَ الذي يُدرجه الإسلام في قائمة الفضائل، بغضّ النظر عمّا إذا كان فضاء هذا العمل داخليًّا أو متّجهًا إلى الآخر المختلف، فإنّ لكلّ مجتمع آلياته وضوابطه ومعاييره التي يحاكم من خلالها صور السلوك، فيحكم عليها بالحسن أو القبح، والخير أو الشر، غير أنّه لا ينبغي إغماض الطرف -في حقيقة الأمر- عن الاختلاف البنيويّ في الركيزة التي يقوم عليها هذا العمل، فإنّ هناك فرقًا بين إغاثة الملهوف استجابة للحسّ الإنسانيّ الذي يحثّ عليه الشرع، مصحوبًا بحفظ كرامة هذا الإنسان وحرّيّته، وإغاثته استجابةً للمصلحة أو المنفعة التي يراها النظام في هذا الخيار، مصحوبًا بالمنّ والاستعلاء ونيّة الاستعمار.
وتبرز ثمرة هذا التمييز في بنية المنظور الذي يضفي على العمل صفة الصلاح؛ لأنّه في صورة الابتناء على الإيمان يغدو مادّة لاكتساب الحياة الطيّبة بمدلولها القرآنيّ، وفي صورة عدم ابتنائه على هذا الإيمان قد يجلب قبسًا من البهجة والسرور لدى الفاعل والقابل من غير أن يشكّل خيطًا ملوّنًا في عروة هذه الحياة.
وجدير بالإشارة أنّ هذا التمايز لا يحول من دون تحقّق الحياة الطيّبة لدى الإنسان الغربيّ الذي يجمع بين الإيمان والعمل الصالح، وإن لم يرتكز فيها على رؤية الإسلام، فإن الإطلاق في قوله تعالى: Nمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَM (النحل: 97)، يستوعب جميع المصاديق، ولا يختصّ بالمسلمين وحدهم، وإن كانوا يشكّلون وجه الصدارة فيها.
ويجري هذا الحكم على المسلم الذي لا يقترن إيمانه بالعمل الصالح، فإنّه لا يدخل في أسوار هذا الإطلاق، إذ لا يحقّق له هذا الإيمان وحده طيب الحياة، بل قد يكون الناقوس الداخليّ الذي يخيفه عند حدوث القوارع الصغرى، ويعكّر عليه صفو حياته، حتّى يعيده إلى صوابه، ويملي عليه الالتزام بضوابط العمل الصالح، وفق ما قرّرته تعاليم الشريعة، وأوصت بمراعاته تذكيرًا أو تصديقًا.
ولا يغيبنّ عن الذهن أنّ نظرة الإسلام إلى الميتافيزيقا تقوم على المخزون الثقافيّ الذي تحاورت معه، ثمّ اعتضدت به في إيصال مفاهيمها وتصوّراتها إلى المتلقّي، حتّى رسخ في ذهن من آمن به كونُ القرآن إلهيّ المصدر بلفظه ومعناه، في مقابل التصوّر الغربيّ الميتافيزيقا، حيث شكّل العهدان لدى المسيحيّة مثلًا مضمونًا مقدّسًا، كتبه بشر مختلفون، لكنّهم كانوا مؤيّدين بالروح القدس[19]، ثمّ لم يرَ كثير من فلاسفة الغرب المعاصرين منطقًا جديرًا بالقبول والتسليم في سرديّات هذا الدين، فبنى المثاليّون منهم، والمتمسّكون بأستار اللاهوت خاصّة، أنساقًا ميتافيزيقيّة غير شاهقة، ينتابها الحذر، ويلّفها الجدل، نظرًا إلى ارتسامها في أفق واسع الجانبين من الإنكار والتقويض اللذين انهالا عليها، واستهدفا جذورها.
خامسًا: دور القيم الإسلاميّة المتعالية في التطهير الرساليّ وإنتاج الحياة الطيّبة
يكاد العمل الصالح يستغرق مجمل الأفعال التي تأخذ باعثها أو مشروعيّتها من وحي السماء، ما دامت مدوّنة على خلفيّة الإيمان؛ وهذا ما يعني الاستناد إلى مختلف التعاليم التي جاء بها الإسلام، إن على نحو الإلزام الوجوبيّ والتحريميّ، أو على نحو الندب بمعناه الأعمّ؛ ما يعني شمولَ الأحكام والآداب والوصايا والقيم المتعالية، سواء أكانت متعلّقة بالفرد، أو بالأسرة، أو بالمجتمع، حيث تنظّمها في بنيتها الداخليّة، وتوجّهها في روابطها الخارجيّة، وفق الغرض الأسمى الذي يتجسّد في بناء المجتمع الرساليّ، أو إقامة الدولة العادلة.
ولا يخفى ما تكرّسه منظومة القيم الإسلاميّة من أعمال محكومة بالحسن والخير والفضيلة، حتّى لدى الناقد المنصف الذي لا ينتمي إلى هذا الدين، مثل: تحريم الربا، والحثّ على الإقراض والتصدّق[20] على مستوى العمل الاقتصاديّ؛ وتحريم قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى[21]، والتمثيل بجثث القتلى[22]، والإجهاز على الجرحى[23]، على مستوى العمل الحربيّ؛ ولا تتقطّع النظائر التي تتجلّى على مختلف المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتربويّة وسواها، فإنّه يُناط بها تقديم لوحة، تمتاز بالجمال، والأصالة، وسموّ معناها ووظيفتها في صميم النهج الرساليّ.
تُعدّ هذه المنظومة الأساس الذي يغرس قداسة هذا الدين ورفعته في نفوس البشر، إن لم يحجبها غمامٌ عن فئة المخاطبين، سواء تشكّل هذا الغمام من قصديّة التشويه، أو شذوذ الفهم والتشخيص، ولا سيّما أنّها تأخذ صورتها المثاليّة من صورتها الكليّة، فلا يمكن التعامل معها وفق منطق الانتقاء الجزئيّ؛ لأن في ذلك غبنًا لقيمتها التناسقيّة والانسجاميّة التي أُخذت بالحسبان في أصل عمليّة التقنين.
إنّ لهذه القيم الإسلاميّة المتعالية دورًا بارزًا في عمليّة التطهير المعنويّ لشخصيّة المسلم، فهي تؤهّله؛ ليكون مواطنًا أو عنصرًا رساليًّا فاعلًا ومنتجًا في المجتمع الإسلاميّ، يمارس وظائفه بروح قرآنيّة مزدانة بالبرّ والعدل والإحسان، بوصفه خليفة الله في عمارة أرضه.
ويعبّر التطهير -في مدلوله المجازيّ- عن عمليّة تنقية السلوك من أدران الغرائز والشهوات والأهواء التي تمنع صاحبها من بلوغ الكمالات، وتعرقل ارتقاءه إلى مستوى المسؤوليّة الرساليّة. ولا يتاح هذا الغرض إلّا من خلال تفريغ هذا السلوك من الرذائل، واستبدال الفضائل بها؛ ما يجعل من منظومة القيم الإسلاميّة ركيزة الأنماط السلوكيّة الرفيعة التي ينبغي استحضارها، واللوذ بأفيائها، نظرًا إلى كونه إكسير الخلاص الذي تلقّاه الإنسان من ربّه، لعلّه يشكّل النور الذي يسعى بين يديه يوم النشور[24].
ويأخذ هذا التطهير رتبة الوسيط بين هذه المنظومة القيميّة وإنتاج الحياة الطيّبة، إذ إنّ للقيم الإسلاميّة المتعالية دورًا جوهريًّا أيضًا في إنتاج هذه الحياة، استنادًا إلى شرطيّة العمل الصالح فيها، وكونه يختزل في مدلوله هذه القيم، فمتى حرص المؤمن على العمل الصالح، وحوّله إلى طَبْع وسِمَة ومَلَكَة لديه، أوجد لنفسه مقوّمات الحياة الطيّبة، بانتظار أن يتوّج سعيه باكتسابها.
وربّما يتحوّل هذا الطيب من سياق الفرديّة إلى المجال العامّ، عندما يصبح العمل الصالح جزءًا ركينًا من سلوك المجتمع وممارسته، يضاف إلى جذوة الإيمان الحقيقيّ؛ لنكون بذلك أمام مجتمع يتدبّر شؤونه في الدنيا، متطلّعًا في ما يؤدّيه من عمل إلى نصاعة آثاره الدنيويّة والأخرويّة على حدّ سواء.
الخاتمة
إنّ للإسلام رؤيته التي يطرحها حول النمط الذي ينبغي أن تكون عليه الحياة الطيّبة، كما أنّ للغرب رؤيته التي تقابلها أيضًا في هذا المجال؛ وليس الاتفاق بينهما في تفاصيل عديدة، تعود إلى المكونات الجزئيّة لكلّ منهما، بمانعة من وجود تمايز على مستوى المشهد الكلّي الذي يقدّمانه، فإنّ كلًّا منهما يبني هذا المشهد بشكل مخروطيّ في ضوء القبليّات والتصوّرات المعرفيّة التي سبق له أن سلّم بها، أو برهن عليها.
ولمّا شيّد الإسلام تفاصيل هذه الرؤية على أساس محوريّة الميتافيزيقا، ولم يرَ في الوجود الماديّ غير مزرعة للآخرة، لا يشكّل حقيقة نهائيّة، فإنّه جعل من الإيمان الحقيقيّ والعمل الصالح الحصانين اللّذين يقودان عربة الكينونة البشريّة نحو طيب هذه الحياة، سواء في صيغتها المحدودة بالموت، أو في صيغتها المتطلّعة إلى الخلود.
وليس غريبًا أن ينتهج الغرب خيارًا آخر، ما دام يقيم رؤيته على محوريّة العالم المادّيّ، ولا يولي الآخرة عناية إلّا في نطاق الإيمان الفرديّ لدى بعض مواطنيه، فمن الطبيعيّ أن يصبّ إمكاناته وطروحاته واهتماماته على الإنسان في حدود حضوره المادّيّ في هذا العالم.
ويمكن تفسير تطلّع كثير من المسلمين إلى نمط الحياة الطيّبة في المجتمعات الغربيّة، أو بالأحرى في الدول التي تُوِّجَتْ بها نضالات هذه المجتمعات، بتخلّي هذه الفئة عن مسؤوليّاتها، بعد استهانتها ببنية المجتمع الإسلاميّ الذي تنتمي إليه، وضمور ثقتها بقدرته على النهوض، فضلًا عن ضعف آليّة إعدادها معرفيًّا وثقافيًّا ونفسيًّا.
يضاف إلى ذلك أنّ من طبيعة الإنسان، بغضّ النظر عن دينه وجنسه وقوميّته، أن يستحضر الجوانب الناقصة أو المعدومة من حياته، متطلّعًا إلى تحقيقها أو اختيارها بفضول كبير، ويزيد الأمر حدّة عندما تجتاحه أحاديّة التصوّر، فيبصر في تجربة المجتمع الآخر ما يفتقده، مُعرضًا عينيه عن الجوانب الثريّة في بيئته، كما هي الحال عند المسلم الذي يُذْهَل بريادة الغرب للتكنولوجيا، في مقابل الغربيّ الذي يُذْهَل بريادة التجارب الروحيّة في المجتمعات الشرقيّة، فإنّ لدى كلّ منهما شغفًا يدفعه إلى إضافة عنصر جديد إلى خبرته، لعلّه يكون الخيار الذي يرجو التزامه، أو الاستمرار في التفاعل معه.
وقد يعظم هذا الشعور عند المسلم نتيجة ما يعانيه مجتمعه من وهن أو انكفاء، تراكم عبر قرون، صاحبه حرص الغرب على تعزيز إمكاناته، وتطوير نظمه، وإسراج طموحه، حتّى تمكّن من إحراز قصب السبق في تأسيس حضارته، مستفيدًا من معالم الحضارات الأخرى، ومنها الحضارة التي طالما دأب الإسلام على تشييد أركانها.
لائحة المصادر والمراجع
1. القرآن الكريم.
2. أرسطوطاليس: علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، ترجمه إلى الفرنسيّة: بارتلمي سانتهلير، وإلى العربيّة: أحمد لطفي السيّد، ط١، القاهرة - مصر، دار الكتب المصريّة، ١٩٢٤م.
3. الإشارات والتنببهات مع شرح نصير الدين الطوسيّ، تحقيق: سليمان دنيا، ط١، القاهرة - مصر، دار المعارف، ١٩٧٥م.
4. روزنبرج، أليكس، ودانييل ماك شي: فلسفة البيولوجيا - مدخل معاصر، ط١، القاهرة - مصر، المركز القوميّ للترجمة، ٢٠١٨م.
5. كانط، إمانويل، نقد العقل العمليّ، ترجمة: غانم هنّا، ط١، بيروت - لبنان، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ٢٠٠٨م.
6. إنجيل لوقا.
7. شميث، جينا، عصر علوم ما بعد الجينوم، ترجمة: مصطفى فهمي، ط١، القاهرة - مصر، المركز القوميّ للترجمة، ٢٠١٠م.
8. بن سينا، الحسين بن علي، الرسالة الأضحويّة في أمر المعاد: تحقيق: حسن عاصي، ط١، بيروت - لبنان، المؤسّسة الجامعيّة، ١٩٨٧م.
9. كارناب، رودولف، البناء المنطقيّ للعالم والمسائل الزائفة في الفلسفة، ترجمة: يوسف تيبس، ط١، بيروت - لبنان، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ٢٠١١م.
10. سفر التثنية.
11. أونيني، سين ليقي، ملحمة جلجامش، ترجمها عن الإنجليزيّة: أنور الموسويّ، ط١، بغداد - العراق، دار أقواس للنشر، ٢٠١٥م.
12. إسحاق، شنودة ماهر، مخطوطات الكتاب المقدّس بلغاته الأصليّة، ط١، القاهرة - مصر، مطبعة الأنبا رويس الأوفست، ١٩٩٧م.
13. المعتزليّ، عبد الجبّار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، تحقيق: عبد الكريم العثمان، ط١، القاهرة - مصر، مكتبة وهبة، ١٩٩٦م.
14. بدوي، عبد الرحمن، مذاهب الإسلاميّين، ط١، بيروت - لبنان، دار العلم للملايين، ١٩٩٦م.
15. بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ط١، قم - إيران، منشورات ذوي القربى، ٢٠٠٦م.
16. العهد الجديد، إنجيل متّى.
17. العهد الجديد، إنجيل مرقس.
18. العهد القديم، سفر الخروج.
19. كامل، فؤاد، فلاسفة وجوديّون، ط١، القاهرة - مصر، مطابع الدار القوميّة، ١٩٦٥م.
20. الشيرازيّ، محمّد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، ط٢، قم- إيران، منشورات طليعة النور، ٢٠٠٧م.
21. العامليّ، محمّد بن الحسن الحرّ، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ط٢، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربيّ، ١٩٨٢م.
22. زيدان، محمود، في النفس والجسد - بحث في الفلسفة المعاصرة، ط١، بيروت - لبنان، دار النهضة العربيّة، ١٩٨٠م.
23. شلتوت، محمود، الإسلام عقيدة وشريعة، ط٨، القاهرة - مصر دار الشروق، ٢٠٠١م.
24. مفاتيح الغيب، ط١، بيروت - لبنان، مؤسّسة التاريخ العربيّ، ٢٠٠٨م.
[1]*- أستاذ جامعي، الجامعة اللبنانية.
[2]- راجع: شميث، جينا، عصر علوم ما بعد الجينوم، ص٨١ وما بعدها.
[3]- راجع: زيدان، محمود، في النفس والجسد - بحث في الفلسفة المعاصرة، ص١٨٨-١٩١.
[4]- بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج٢، ص٢٨ و٥٨٠.
[5]- أرسطوطاليس، علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، ج١، ص١٦٧ وما بعدها.
[6]- أونيني، سين ليقي، ملحمة جلجامش، ص٧٢ وما بعدها.
[7]- م.ن، ص٧٢ وما بعدها.
[8]- العهد الجديد، إنجيل مرقس: ١٢/ ١٢-١٧.
[9]- روزنبرج، أليكس، ماك شي، دانييل، فلسفة البيولوجيا - مدخل معاصر، ص١٦٧-٢١٧.
[10]- كارناب، رودولف، البناء المنطقيّ للعالم والمسائل الزائفة في الفلسفة، ص٥٦٩ وما بعدها.
[11]- كامل، فؤاد، فلاسفة وجوديّون، ص٣٧.
[12]- بن سينا، الحسين بن علي، الرسالة الأضحويّة في أمر المعاد، ص١٢٠ وما بعدها؛ والإشارات والتنببهات (مع شرح نصير الدين الطوسيّ)، ج١، ص١١٩ وما بعدها.
[13]- الشيرازيّ، محمّد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، ج٩، ص٢١١ وما بعدها؛ ومفاتيح الغيب، ص٦٨٥ و٧٥٢.
[14]- راجع: بدوي، عبد الرحمن، مذاهب الإسلاميّين، ص٥٥٥-٥٦١.
[15]- المعتزليّ، عبد الجبّار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، ص٣٢٣ وما بعدها.
[16]- كانط، إمانويل، نقد العقل العمليّ، ص٢١٥-٢١٧.
[17]- انظر: العهد القديم، سفر الخروج: ٢٠/ ٢-١٧؛ وسفر التثنية: ٥/ ٦-٢١.
[18]- انظر: العهد الجديد، إنجيل متّى: ١٩/ ١٦-٢٢؛ وإنجيل مرقص: ١/ ١٧-٢٢؛ وإنجيل لوقا: ١٨/ ١٨-٢٣.
[19]- إسحاق، شنودة ماهر، مخطوطات الكتاب المقدّس بلغاته الأصليّة، ص١٠.
[20]- شلتوت، محمود، الإسلام عقيدة وشريعة، ص٢٧٠ وما بعدها.
[21]- م.ن، ص٤٥٤-٤٥٥.
[22]- العامليّ، محمّد بن الحسن الحرّ، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج١٩، ص٩٦، (ب٦٢/ ح٦).
[23]- م.ن، ج١٥، ص٧٣-٧٤، (ب٢٤/ ح١).
[24]- انظر: سورة الحديد الآية ١٢.