البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

معالم الفكر التربوي عند جان جاك روسو ( مقاربة نقديّة)

الباحث :  الشيخ علي كريّم
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  35
السنة :  صيف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 21 / 2024
عدد زيارات البحث :  958
تحميل  ( 483.458 KB )
الملخص
لقد أظهر جان جاك روسو في فكره التربوي الكثير من الأفكار التي تعتمد عليها التربية الحديثة والمعاصرة؛ حيث أراد أن يحدث قطيعةً مع أساليب التربية التقليدية والتي تعتمد في جوهرها على مبدأ التلقين، ونادى بالتربية الطبيعيّة كأساس ٍ فكريّ وفلسفي انطلق منه مركّزاً على التربية السالبة التي تستمدّ مبادئها من طبيعة المتعلّم ذاته ويكون دور المربّي فيها المراقبة، وقد صبّ قوالب فكره التربوي بمعظمها في كتاب (إميل).

إنّ أهمّ أسس التربية عند روسو هي الإيمان ببراءة الطفل ومراعاة ميوله وطبيعته الخيّرة، والتركيز على التجربة الحسيّة إلّا أنّه مع ذلك اتسّم فكره بالمثاليّة وبالتركيز على البعد النظري للأفكار وبالمبالغة في التعامل مع ميول المتعلم وحاجاته ورغباته، ومناداته بالحرية المطلقة للطفل، بالإضافة إلى التناقض الكبير بين أقوال روسو ونظريّاته وبين حياته الشخصيّة وقد تجلّى ذلك في تأخير التربية العقليّة والدينية والخلقيّة إلى مراحل متأخّرة من عمر الطفل ونطرته السلبيّة إلى القراءة من الكتب وحرمانه للمرأة من أبسط حقوقها في التعليم .

الكلمات المفتاحية: جان جاك روسو، إميل، التناقضات، التربية الطبيعيّة، التربية السالبة.

المقدّمة
نبذة تعريفيّة عن جان جاك روسو:
إذا أردنا أن نطلق مصطلحاً يختصر حياة المفكِّر محور التوصيف والنقد جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau ( 28 يونيو 1712 - 2 يوليو 1788) فالأليق هو «الرحّالة المتمرّد».

هو الفيلسوف والروائي والموسيقي والملحِّن وعالم النبات والمنظّر السياسي المولود في جنيف، والده هو صانع الساعات إسحاق روسو، عاش طفولة قاسية كان لها دور واضح في الأفكار السياسية والاجتماعية والدينية التي تبناها فيما بعد حيث توفيت والدته بعد تسعة أيام من ولادته، وعليه تربى في كَنفِ والده حتى سن العاشرة قبل أن يوضع في رعاية أحد القساوسة حيث كان من المخطّط أن يصبح كاهناً بروتستانتيّاً، وعمل نقّاشا ثم خادمًا في منزل أحد النبلاء، ثمّ ترك روسو جنيف في عام 1728م وبعد وقت قصير من رحيله عن جنيف، وهو في الخامسة عشرة من عمره، التقى روسو بالبارونة لويز دي وارنز، وكانت أرملة موسرة وتحت تأثيرها، انضم روسو إلى المذهب الكاثوليكيّ تاركاً مذهبه الذي نشأ عليه، وقد ساهمت هذه السيّدة في تطويره على مختلف الصعد، فبعد أن وصل إلى بيتها في الخامسة عشر من عمره كمدرّبٍ متعثّرٍ خرج منه في التاسعة والعشرين فيلسوفاً وموسيقيّاً معروفاً، في عام 1740 م انتقل إلى ليون في عام 1740 ليصبح مدرسًا فيها، وهناك تعرّف على كونديلاك (Condillac) ودالمبرت (d’Alembert) وهما أحد روّاد عصر التنوير( (Age of Enlightenment[2]، في عام 1742 سافر إلى باريس مبتكرًا نظامًا عدديًّا للتدوين الموسيقي قدمه إلى أكاديمية العلوم، والتقى هناك بـ دينيس ديدرو ( Denis diderot) وبدأ بالكتابة الموسيقيّة معه عبر بعض المساهمات في موسوعته الموسيقيّة.[3]

بقيت الموسيقى اهتمام جان جاك روسو الرئيسي في هذه الفترة، وشهد عاما 1752 و1753 أهم إسهاماته في هذا الحقل أوبرا (Le Devin du Village) (كاهن القرية) التي لقت نجاحًا باهرًا، إنّ تحوُّل جان جاك روسو إلى الكاثوليكية جعله غير مؤهل للمواطنة الجينيفية (نسبةً إلى جينيف) لذلك في عام 1754 استعاد جنسيته بالعودة إلى المذهب البروتستانتي، نشر في السنوات اللاحقة كتابه بعنوان (مقالة في اصل التفاوت بين البشر)(Discours sur l’origine et les fondements de l’inégalitéparmi les hommes)، وفي العام التالي 1755م، وهو العامّ الذي يعتبر الأشدّ ثراءً فكريّاً في حياة روسو بدأ العمل على ثلاثة من أهمّ كتبه التي ما زالت حتّى الآن مدار الأخذ والردّ، وحازت شهرةً كبيرة في مختلف أنحاء العالم، وهي:

1. رواية «جولي» أو (La Nouvelle Héloïse) 1761م.
2. «إميل» (أو مقالة في التربية التعليم)( (Émile، ou de l’éducation) 1762.
3.العقد الإجتماعي (Du contrat social) 1762.
فالكتاب الثاني –إميل- والذي يفترض فيه روسو طفلاً اعتباريّاً هو الكتاب المشكّل لعصارة الفكر التربوي لروسو، أمّا الكتاب الثالث فهو عصارة الفكر السياسي لروسو وتصوّره للعلاقة بين الشعب والحاكم وفق فكرة الإرادة العامّة التي نظّر لها.

لم يلقَ هذان الكتابان استحساناً في باريس وجنيف حيث نظّر فيهما روسو لأفكار جديدة مخالفة للعقائد الكنسيّة ممّا أدّى إلى اتّهامه بالهرطقة -رفض روسو مثلاً أحد أهمّ أركان الاعتقاد المسيحي الكنسي وهي فكرة الخطيئة الأولى، فكلّ بني آدم يولدون مدّنسين بهذه الخطيئة الأولى، أمّا عند روسو فالإنسان يولد خيّراً والمجتمع هو الذي يلوّث فطرته الصافية النقيّة - فأُجبِر على الفرار للهروب من الاعتقال، باحثًا عن اللجوء في سويسرا، ثمَّ سافر إلى إنجلترا في يناير 1766 بدعوة من ديڤيد هيوم، حيث عمل هناك على تدوين سيرته الذاتية (الاعترافات)أو (Les Confessions)، عاد روسو إلى فرنسا عام 1767 وأكمل ماتبقى من حياته في إكمال سيرته الذاتية (الاعترافات)، وكذلك تأليف (حوارات جان جاك روسو قاضيًا في جان جاك)( Dialogues: Rousseau، Judge of Jean-Jacques)، وكتاب(استغراق الماشي المنعزل)( 1782 (Rêveries du promeneur solitaire.

توفي روسو إثر تعرّضه لأزمة قلبيّة حادّة عام 1778م ودُفِنَ في مقبرة على بعد 50 كلم من باريس، وفي عام 1794 نقل الثوار الفرنسيون رُفاته إلى البانتيون_وهو مدفن عظماء الفرنسيين_ في باريس تخليداً لذكراه ولآرائه الثوريّة التي شكّلت مصدر الإلهام الفكري للثورة الفرنسيّة ضدّ الحكم الملكي.[4]

أوّلاً: نظريّة التربية الطبيعيّة عند جان جاك روسو:
لطالما شكّل مفهوما التربية والحرية أحد أهمّ المفاهيم في الفكر الإنساني والفلسفي منذ أفلاطون وأرسطو في كتابيهما السياسة والجمهوريّة إلى أحدث النظريّات في هذا المجال؛ بحيث شكّلا حضوراً كبيراً في مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والتربوية، وقد يكون هذا الاهتمام وخصوصاً بمفردة التربية باعتبارها عملية تكاملية أي أنها لا تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية الفرد، بل تتناول جميع جوانبه الجسمية والعقلية والنفسية والخلقية، وباعتبار كونها ذات بعدين فردي واجتماعي؛ فهي لا تقتصر على تنمية الفرد وحده، بل تتعداه إلى المجتمع ككل؛ فتجعل من أفراده مواطنين صالحين يعملون لرقيّ المجتمع الذي ينتمون إليه وقد عُرِّفت بتعريفاتٍ متعدّدة ومتنوّعة بحيث أصبح لكلِّ متضلّعٍ في الشأن التربوي تعريفه الخاصّ لها بدءاً .

لم يقدّم جان جاك روسو تعريفاً محدّداً ومؤدلجاً للتربية إذ قد يكون في ذلك بحسب فلسفة التربية الطبيعيّة التي نظّر لها نوع استبدالٍ لردود الفعل الطبيعية للأطفال بردود فعل مصمّمة ومجهّزة وفق نماذج يُرغبُ بإنتاجها، إلّا أنّه ركّز على محوريّة الطبيعة فيها، حيث يوصف روسو بكونه زعيما للنزعة الطبيعة في الفلسفة والتربية وإن كانت هذه النظريّة لها جذورها في الفلسفة اليونانيّة عند سقراط مثلاً، ففي مؤلّفه إميل الذي يعرف بإنجيل التربية الحديثة يضمّن روسو منظومة من الأفكار التربوية التي تشكل نظرية متكاملة في التربية حسب الطبيعة، فهي قادرة بذاتها على تنمية ملكات الطفل فينبغي السماح للطفل أن ينمو نموّا حرّا و يُحترم تكوينه الطبيعي، فهو يستهلّ كتابه إميل بقوله:» يخرج كل شيء من يد الخالق صالحًا، وكل شيء في أيدي البشر يلحقه الاضمحلال»[5]، فالنفس الإنسانيّة كالطبيعة المحيطة بها هي مصدر الخير والشرّ والفساد ينشأ من الاجتماع البشري، من هنا فإنّ التربية يجب أن تنطلق على أساس الطبيعة ليكون الطفل إبن الطبيعة وربيبها ينمو فيها نموّاً حرّاً طليقاً.

فالطبيعة عند روسو تتجلّى وتتمظهر بثلاثة تجليّاتٍ[6]:
الكون أو العالم الخارجي بما يشمل من تقاطعاتٍ مختلفة زمانيّة ومكانيّة.
العالم الداخلي للإنسان بما يشمل من ميولٍ ورغباتٍ وغرائز ومشاعر وأحاسيس وكلّ ما فُطِرَ عليه الإنسان وجُبِلَ عليه جبلّةً إلهيّة خيّرة.
الطبيعة الاجتماعيّة للوجود البشري، فالحالة الطبيعيّة للاجتماع البشري في العهود القديمة كانت قائمةً على الخير والأصالة، فالناس البدائيون شكّلوا حالةً إنسانيّة تتميّز بالأصالة والسموّ والعظمة، وكانت خالية من الكراهية والحسد، إلّا أنّه مع ظهور الملكيّة الفردية وتطوّر الاجتماع الإنساني ونشوء أنماط علاقات وحكم جديدة تحوّلت الإنسانيّة من حالة الطهر والحريّة إلى حالة العبوديّة والقهر.[7]

لقد شكّل كتاب إميل قفزة في مجال التربية فقد عدَّه التربويّون الحدّ الفاصل ما بين التربية التقليديّة والتربية الحديثة، لقد «طالب روسو المدرّسين بوجوب دراسة أطفالهم دراسةً تتناول تفكيرهم وعقولهم وملاحظاتهم، وطرقهم في النظر إلى الأشياء وعاداتهم وميولهم، وما يحبّون وما يكرهون، كيف نشوّقهم ونستميلهم ونجذب قلوبهم»[8] كما شكّلت آراءه منهلاً عذباً نهل منه كثيرٌ من المربّين سواء في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ك(بستالونزي) و(فروبل) و(هربرت سبنسر) أو المحدثون في القرن العشرين ك(جون ديوي) و(مونتسوري) و(جون آدامز ) وغيرهم، فالتربية عند روسو عملية مركّبة وليست بسيطة، ولذلك ينبغي على المربّي أن يلمّ إلماماً صحيحاً بمبادئها وشروطها والغاية النهائية منها، فمن شروط التربية الصحيحة والناجحة احترام أبعاد الإنسان والعمل على إشباع حاجاته بالقدر الكافي، وهذا بدوره يفرض على المربّي أن يتحين الوقت الملائم لكل مرحلة من مراحل التربية، فلا ينبغي تقديم مرحلة على أخرى أو تغليب بعد من أبعاد الشخصية على حساب بعد آخر، من هنا انتقد روسو مناهج التربية التقليدية إذ اعتبرها مخطأةً في تصورها لمفهوم التربية والغاية منها عندما جعلت من البعد العقلي الأساس في كل عملية تربوية أو تعليمية[9]، أمّا الغاية من التربية عند روسو فهي هي تشكيل شخصية متوازنة متكاملة من حيث مكتسباتها المعرفية ومن حيث أبعادها الأخلاقيّة والروحية والاجتماعية بجعله إنسانا فاضلاً ومواطناً صالحا قادراً على الاندماج في الحياة والمجتمع.

لقد حدّد روسو مساوئ التربية التقليدّية؛ واعتبر أنّ تجاوز هذه المساوئ كفيلٌ بأنّ يحافظ على مبادئ التربية وبالتالي إيصالها إلى غايتها المنشودة، ومن أهمّ هذه المساوئ:

الجهل بطبيعة الانسان وعدم الأخذ بعين الاعتبار كون الطفل موضوع التربية هو إنسانٌ قبل كلِّ شيء.
اهتمامها بتشكيل الفكر لدى الطفل قبل أن يحين أوان ذلك، عبر إعطاء الطفل واجبات الرجال، مع أنّ الأنسب في نظره هو الاهتمام بإنضاج ملكات وأدوات معارف الطفل.[10]

تضحيتها بحاضر الطفل لصالح مستقبله، فهي تتعامل مع الطفل من خلال ما تريد له أن يكون عليه في المستقبل، فهي تنظر إليه على أنه رجل وليس طفلاً، «هي تنشد الرجل دائما في الطفل من غير مراعاة ماذا يكون الطفل – فعلاً – قبل أن يغدو رجلاً»[11]
هي تربية طبقية تقوم على التمييز بين مكونات المجتمع، فهي تميز بين الفقير والغني، بإعطائها الثاني فرصاً أفضل، والأنسب في نظره هو تهيئة التلميذ سواء كان فقيرا أو غنيا للتكيف مع أي طارئ في الحياة.[12]

إنّ المنطلق الأساس لتجاوز سلبيّات التربية التقليديّة عند روسو يكمن في تأصيل مبدأ الحريّة لدى الطفل؛ فالتربية الطبيعية في ظل هذا الحق تعني أن يترك المربّي الطفل ويخلّي بينه وبين الطبيعة يتعلم منها دون تدخل منه إلّا في حال الضرورة، فقد انتقد بشدّة أسلوب التلقين في العمليّة التعليميّة التربويّة، واعتبره من أبرز العوائق أمام التربية الصحيحة «إن معظم أخطاء التربية تأتي من طريق الاعتماد على السماع من الناس أو تلقين المعّلمين»[13]، فباستخدامه تصبح التربية مرتكزة على نموذجٍ مُعَدٍّ سلفاً، وفيها يتمّ التعامل مع الطفل كما لو أنه مجرد كائنٍ منفعلٍ ويتمّ تزويده دفعة واحدة بمجموع المعارف حول العالم، مع أنّ دور المربّي ينبغي أن يقتصر على تعبيد الطريق وإزالة العوائق التي قد تواجه الطفل أثناء تنشئته، فهو الذي يهيّئ له المسرح ثمّ يلتزم الحياد ويترك الحرية للطفل وهو ما يعبر عنه روسو بمفهوم «التربية السالبة[14]” في مقابل ما قد يسمّى التربية الموجبة التي ينسبها بعض الباحثين الغربيون للفيلسوف الاستكلندي «جان لوك»- المعروف بنزعته التجريبيّة والحسيّة - ففلسفته التربويّة قريبة من فلسفة روسو وإن كانا يختلفان في بعض الموارد- فروسو يعتبر أنّ منهج التربية الموجبة يرتكز على مبدأ استبدادي يتجلى في العمل على تسريع النمو العقلي للطفل؛ فيسلبه أهم مقوّماته الطبيعيّة أثناء التعلّم[15].
إنّ التربية السالبة عند روسو تعني تحقيق نماءٍ للطفل بعيدٍ تدخل الراشدين وعبثهم، فمهمّة تربية الطفل موكولة إلى الطبيعة، وليُترَكَ الطفل في صدامه مع الحياة بتجاربها وعبثها ومفارقاتها، وليس على المربي أن يحتسب الزمن والوقت في عملية نماء الطفل وتربيته بل يجب عليه أن يبدد الزمن ويهدر إمكانية الإحساس به» ليست أهم قاعدة في التربية أن نربح الوقت بل أن نضيعه»[16].

يعود روسو ليدمج بين أهمّ مفهومين في فلسفته التربويّة وهما مفهوما الطبيعة والحريّة معتبراً أنّ التربية السالبة ترتكز على أربعة جوانب لمفهوم الحرية الطبيعة:

الحرية الجسدية التي توفر للطفل كل ما يحتاجه من إيقاعات النماء الجسدي الحر الذي يأخذ مساره عبر النشاطات والفعاليات والألعاب وتترك لجسده الحرية، فرفض روسو القماط وكلّ ما يحدّ إمكانيات الحركة والقفز والانطلاق واللعب، فالحريّة كلّ ٌ لا يتجزّأ لديه فلا يمكن لإنسان ما أن يكون حرًا في المستوى العقلي أو العاطفي إذا لم يمتلك الحريّة الجسديّة الكاملة.
الحرية العاطفية والانفعالية: حيث يجب إبعاد الطفل عن كل ما من شأنه أن يفرض عليه مشاعر وعواطف مقنّنة بل ينبغي تركه وأحاسيسه ومشاعره، فلا ينبغي للراشدين أن يتدخّلوا في توجيه النمو العاطفي والانفعالي للطفل فللطفل أن يشعر بحرية أن يحب ويكره ويغضب ويتسامح كما يريد من دون ايّ تسلّط أو إكراه.
الحرية العقلية: فلا يجب أن يُفرض على الطفل أي رؤية ومعتقد، فروسو يرفض التعليم المبكّر للطفل ويدعو إلى عدم الاهتمام بالإعداد العقلي للطفل حتى بعد سن الثانية عشرة، لأن فترة الطفولة هي فترة الركود العقلي وهي مرحلة الكمون؛ فيجب ألا ندفع الطفل إلى التفكير أو إلى القراءة أو إلى بذل أي مجهودٍ عقلي في هذه المرحلة.

الجزاء الطبيعي: تعتمد التربية السلبية على قانون الجزاء الطبيعي، بحيث يدعو روسو إلى عدم تدخّل أحد في مجازاة الطفل على أخطائه وهفواته، بل الطبيعة هي من تعاقبه بنفسها، فإذا أبطأ الطفل في ارتداء ملابسه للخروج للنزهة فاتركه في المنزل، وإذا أفرط في الأكل دعه يعاني ألم التخمة.

ثانياً: آراء روسو في التربية والتعليم من خلال كتاب إميل:
يعد كتاب إميل مصدرا أساسيا في الفكر التربوي الحديث، وقد أجاد الأبراشي في توصيفه قائلاً:» كتابٌ معقّدٌ فيه الكثير من التناقض، ولكّنّه لا يخلو من آراءٍ ثمينة وأفكارٍ سديدة..،وقد خلط فيه روسو بين الحقيقة والخيال، وبين القصّة والفلسفة، وبين الصواب والخطأ»[17] وقد كان الدافع له على كتابة هذا الكتاب أن سألته مرّة إحدى السيّدات عن الطريقة المثلى في تربية أبنائها فألّف كتاب إميل كجوابٍ عن هذا السؤال ويقسّم كتابه إلى خمسة أقسام بحسب المراحل العمريّة للطفل:

- الجزء الأوّل : وتبدأ هذه المرحلة التربوية من الميلاد وتنتهي في نهاية السنة الخامسة.
- الجزء الثاني: من نهاية الخامسة الى نهاية الثانية عشر.
- الجزء الثالث: من الثانية عشرة الى الخامسة عشر.
- الجزء الرابع: من الخامسة عشرة الى العشرين.
- الجزء الخامس: تعليم البنت أو المرأة التي تصلح أن تكون زوجةً لإميل، وأن تكون أمّاً لأطفاله، وقد اختار روسو لها إسماً وهو صوفي.

الجزء الأوّل أيّ من الميلاد إلى الخامسة:
يؤكد روسو على أهمية الأبوين كمربيين طبيعيين للطفل، فالأبوان هما الأكثر قدرة على أن يمنحا الطفل الحنان الضروري لنموه إنسانيا وأخلاقيا على نحو طبيعي، فروسو يرفض ذلك التقليد السائد بين الأسر والذي يعهد فيه الوالدين طفلهم إلى مربية مستأجَرة، ويهيب بالأمهات أن تقمن بواجبات الأمومة لأن غير ذلك يؤدي إلى مخاطر مذهلة على عقل الطفل وقلبه. [18]

يرفض روسو قطعيا وضع الطفل في القماط المعهود أو في « المهاد» لأن المهاد يمنع عليه الحركة وتدفق الدماء ويميت قلبه الحر، ويحذر من استخدام هذه الطريقة كما يحذر من آثارها المدمرة للطفل جسديا ونفسيا.
ينصح روسو بأخذ الطفل إلى الريف، بعد ولادته ليعيش بين احضان الطبيعة وهوائها العليل، فروسو يكره المدينة ويعتبرها مملوءة بالشرور والآثام، ومقبرةً للنوع الإنساني.

الإهتمام بالتربية الجسميّة في هذه المرحلة، وكذلك الرياضة الحرّة حيث يجب أن تعطى الحريّة الكاملة للطفل في تحريك عضلاته.
يرفض روسو مبدأ العادة، فينبغي أن لا يعتاد الطفل على ايّ عادة، كالأكل والنوم في مواعيد خاصّة، فروسو ضدّ النظام ومع الحريّة المطلقة.

عدم التسرّع في تعليم الأطفال الكلام واللغة، فهم يتعلّمون بالمحاكاة وبالتدريج.
الفقراء ليسوا بحاجةٍ للتعليم، لأنّهم يستطيعون أن يصبحوا رجالاً من خلال التجارب التي يخوضونها في الحياة، أمّا الأغنياء فلابدّ من تعليمهم لكي يصبحوا رجالاً[19].

الجزء الثاني: من نهاية الخامسة الى نهاية الثانية عشر:
يركّز روسو على أهمية هذه المرحلة العمريّة من التربية، فيعتبرها أخطر المراحل التربوية في حياة الإنسان، أمّا أهمّ المعالم التربويّة التي يرسمها روسو لإميل في هذه المرحلة فهي:

التركيز على التربية الحسيّة؛ عبر تربية الحواس بالتجربة والاحتكاك المباشر مع الطبيعة؛ فيجب ترك الحريّة للطفل في أن يحتكّ بالأشياء دون إفراطٍ في الخوف عليه منها، وفي هذه المرحلة يتجلّى مفهوم التربية السالبة بشكلٍ صريح عند روسو بحيث يُترَك الطفل بعيدا عن مختلف التأثيرات الخارجية حتّى لو كانت المربي فلا يتدخّل إلا عند الضرورة «لقد اتخذت منهج الطبيعة نفسها في تربية تلميذي، وما لم أكن أخطأت في تطبيق هذا المنهج، فإني أفلح ولا شك في توجيه هذا التلميذ عن طريق مملكة الحواس إلى حدود العقل الطفلي»[20].
التقليل من الأوامر بالنسبة للطفل، وقصر التربية بالنسبة للطفل على الأشياء التي يحسّ بها، كالرسم والتكلّم والغناء، ولا بُدَّ من إبعاد الطفل في هذه المرحلة عن الكتب كليّا، فلا حاجة إلى القراءة والكتابة، ولا للتربية العقليّة وتلقين المعارف والعلوم .
تعلّم الأخلاق والآداب بالمحاكاة والمثل الحسنة التي يراها الطفل أمامه وليس من طريق الوعظ والإرشاد اللفظي للطفل، ولا يجب مناقشة الطفل أبداً لتفهيمه أيّ معلومة لأنّ في ذلك نوعاً من التربية العقليّة غير الملائمة في هذه الفترة، ولّأنّ المناقشة تستلزم نوعاً من التفكير، والأطفال لا يفكّرون في هذ الفترة.

كما تحصل التربية الخلقيّة بالمحاكاة فإنّها كذلك عن طريق الجزاء الطبيعي، فعندما يسقط الطفل دعه يتألّم، وعندما يُتخَم دعه يعاني من الألم، وعندما يخرج في ليلة باردة يصاب بالزكام، وعندما يضع يده على مكان لاهب يشعر بألم الحرارة ووخزها، وفي كل هذا يجب أن يشعر الطفل بأن العقاب الذي استحقه كان عقابا طبيعيا ينبع من طبيعة الأشياء ذاتها وأن هذا العقاب لم يكن انتقاماً أو إكراهاً يمارسه المربّون الكبار.

عدم إرهاق ذاكرة الطفل-رغم اعتراف روسو بأنّه يملك ذاكرةً قويّة- بحفظ الأشياء عن ظهر قلب أو بأن يحفظ الطفل قصصاً أو مقطوعات استظهار لا يفهم معناها، من هنا نرى روسو يحمل حملة ً شعواء على القصص المشهورة التي كان يسمعها الأطفال في عصره، كقصص (لافونتين) وأشهرها قصّة « الغراب والثعلب» معتبراً أنّ الطفل ليس بحاجة في هذه المرحلة إلى أيّ قصّة خياليّة بل يجب أن يعيش فقط في عالم الحقيقة.[21]

الجزء الثالث: من الثانية عشرة الى الخامسة عشر:
في هذه المرحلة تبدأ عملية تعليم إميل، أو ما يسمّى بالتربية الإيجابيّة أو الموجبة؛ فقد اكتملت لإميل أسباب التعلم بعد أن نضجت ملكاته الطبيعية واختمرت وهيأته الطبيعة لتلقي العلوم والمعارف.

يرسم روسو سبل التعلم والاكتساب ويحدد مساره وطريقته، وأهمّ هذ التحديدات في عمليّة التعليم التي يتبنّاها هي:
التعلم والاكتساب يجب أن يتم عن طريق التشويق وأن يتساوق مع الرغبة في التعلم وحب الاستطلاع؛ فطبيعة المعرفة التي يجب أن نزودها للطفل ينبغي أن تكون متوافقة مع اهتماماته وميوله.
يرفض روسو مبدأ التلقين، ومبدأ النصح والإرشاد، ويؤكد على الأهمية الكبرى للملاحظة والتجربة، فينبغي أن يكون التعليم عمليّاً، فإذا أراد الطفل أن يتعلّم علوم الفلك والجغرافيا مثلاً فليشاهد الشمس وهي تشرق وتغرب في الفصول المختلفة، وليتأمّل ظواهر الطبيعة المختلفة ويلاحظها ويستنتج النتائج من المتغيّرات .

على الرغم من اعتراف روسو بأهميّة التربية العقليّة للطفل في هذه المرحلة إلّأ أنّه ضدّ القراءة والاستفادة من الكتب والمدرّسين، فالطفل يمكنه أن يتعلّم كلّ شيء من الطبيعة، وإذا أراد أن يقرأ شيئاً فليقرأ فقط قصّة «روبنسون كروزو» لأن هذه القصة تؤكد أهمية التعلم وفهم الحياة وفقا لقوانين الطبيعة حيث تبرز أهمية الاعتماد على النفس فيها؛ باعتبار احداثها تدور حول روبنسون الذي شاءت الظروف أن يعيش وحيداً في جزيرة ومع ذلك استطاع تكييف نفسه مع هذه الظروف مستمدّاً أفكاره و حاجيّاته من الطبيعة دون الاستعانة بأيّ فردٍ من بني البشر.
على الطفل في هذه المرحلة أن يتعلم حرفة معيّنة يدويّة كالزراعة والحدادة والنجارة، حتّى لوكان من أسرةٍ غنيّةٍ، وذلك ليس من أجل الكسب، بل من أجل غرض أسمى من هذا، وهو التغلّب على العقائد الفاسدة التي تحط من قدر هذه الحرفة، كما أنّه قد تتغيّر الظروف ويجور الزمان فلا ينقذ الإنسان من التسوّل إلّا الحرفة التي تعلّمها.
فيما يتعلق بالمواد الدراسية يتوجب علينا أن نعلّم إميل العلوم الطبيعية مثل الفلك والجغرافيا وخير وسيلة لتعلم الخرائط هي الأسفار والتنقل والترحال. وهو يرفض تعليم إميل النحو واللغات القديمة وعلوم البيان والتاريخ لأنه يريد لإميل أن يعيش في عزلة عن المجتمع وفي دائرة الطبيعة تحديداً.

على الطفل أن يتعلّم من ذوات الأشياء وليس من صورها إلّأ مع العجز عن الإتيان بذواتها، وليتعلّم فقط ما ينفعه في الحياة ويحتاجه، وليس المهمّ أن يأخذ الطفل الكثير من المواد، بل المهمّ أن يفهم ما يأخذ، ويدرك ما يعرف.

الجزء الرابع: من الخامسة عشرة الى العشرين:
في هذه المرحلة تنمو استعدادات الطفل وقدراته على التكيّف مع الآخرين، فيستطيع البدء بخوض غمار الحياة الاجتماعيّة، فلا بد من تأهيله وتدريبه على العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، فهذه المرحلة هي مرحلة البناء والتشكّل العاطفي والروحي للطفل بعد أن اكتمل نضجه جسديّا ًوحسيًّا وعقليّاً في المراحل السابقة.

العنصران الأساسيان اللذان يركّز عليهما روسو في هذه المرحلة التربويّة هما التربية الدينية والتربية الأخلاقيّة.
أ- التربية الأخلاقيّة هدفها إخماد نوازع الأنانيّة في النفس وذلك من خلال زرع عاطفة الشفقة والرأفة في قلب الطفل عبر الخبرة والتجربة والاحتكاك بالمواقف المؤلمة والبائسة في حياة الناس، وكذلك تتمّ بمخالطة المثل من المربّين، وهنا يركّز روسو على أهميّة أن يقرأ الطفل في هذه المرحلة كتب التاريخ، وخصوصاً الكتب القديمة للمؤرّخين الإغريق مثلاً إذ هي أقرب إلى الواقع بنظره وأبعد عن التصوير والمبالغة، فبقراءة هذه الكتب يأخذ الطفل العبر والدروس اللازمة ويتمثّل بما فعلته هذه المثل العليا التاريخيّة، كذلك يركّز روسو على الضمير الحيّ والشعور الرقيق الموجود لدى المراهق باعتباره تلقّى التربية الطبيعيّة وكان بعيداً عن لوثاء المجتمع، فالتربية عند روسو تُكتسب بالقدوة والمحاكاة وليس بالتعليم والتلقين المدرسي في دروسٍ وكتبٍ ومقرّرات اخلاقيّة معدّة سلفاً، فهو يرفض بشكل مطلق أي نوع من التربية يقوم على مبدأ ترسيخ حقائق أخلاقية مجرّدة للطفل حتى وإن كانت تلك الحقائق مما يمكن أن يكون في متناول عقله وفكره[22].

ب- التربية الدينيّة: يرفض روسو بشكلٍ قاطع البدء بالتربية الدينيّة قي المراحل السابقة على المرحلة الرابعة، إذ قبل هذه المرحلة لا يستطيع الطفل فهم الحقائق الدينيّة المعقّدة والمفاهيم المجرّدة عن الله وصفاته والروح وأمّا في هذه المرحلة فيستطيع معرفة الله عن عقيدة وفهم وإدراك لا عن مجرّد محاكاة وتلقين، مركّزاً على كون الدراسة الدينيّة أيضاً ناتجة من الطبيعة مهما أمكن، فبملاحظة الطبيعة وما فيها من مخلوقات ونظام يستطيع إدراك وجود الخالق وعظمته، أمّا عن ماهيّة الدين فروسو يقول بإعطاء الطفل كلّ الوسائل التي بها يختار لنفسه الدين الذي يهتدي إليه عقله وتفكيره، وأن لا نعلّقه بدين معيّنٍ أو مذهبٍ محدّد.

بالنسبة للتربية الجنسيّة، يوصي روسو بعدم صدّ المراهق في هذه المرحلة، ففيها تبرز لديه الأسئلة وحبّ الاطلّاع، فعلى المربّي أن يجيبه عنها بأجوبةٍ قصيرةٍ ومحدودة وجادّة تمثّل الحقيقة بتمامها، فأيّ كذبٍ من قبل المربّي ولو لمرّة واحدة يضيع فيه كلّ ثمرات التربية، كما يوصي روسو بالزواج المبكّر، فهو الحلّ الأمثل بنظره لكثير من المشاكل والمخاطر التي تعتري هذه المرحلة الحسّاسة من الحياة.

الجزء الخامس: تعليم البنت أو المرأة:
يكرّس روسو الجزء الخامس من كتابة إميل لتربية المرأة التي أطلق عليها اسم(صوفي)، يؤكد روسو في هذا الجزء على أهمية التربية الجسديّة لصوفيا، فلا بدّ من الاهتمام بتربيتها جسميا لكي تتمتع برشاقة جسمية وباكتمالٍ صحيّ، ويرى بأنه يتوجب عليها أيضا أن تتعلم فن الطهي والتطريز والعناية بالطفل وأن تتعلّم كيف تتزين لزوجها، وأن تتقن الموسيقى لغرض اسعاد زوجها وإمتاعه. فوظيفة المرأة هي إسعاد الرجل وإرضائه والقيام بتربية الأطفال. وهو يقف موقفا سلبيا من المرأة المثقفة التي قد تسبّب المشاكل لزوجها وأطفالها وعائلتها.

فالمرأة بنظره يجب أن تخضع تمام الخضوع في الأمور العقليّة والأدبيّة والدينيّة لزوجها أو ابيها فتتبعهما في دينها وتفكيرها، ولا حريّة لها في هذا المجال، ولا يجب أن تتثقّف إلّا بما يفيدها في إسعاد زوجها وتسيير شؤون منزلها، فذهنها لا يصلح لدراسة الفلسفة والعلوم العقليّة وليس لها قوّة كافية لفهمها وأقصى ما يمكنها دراسته هي الطبيعة والكيمياء، فأهمّ علم ينبغي أن تدرسه المرأة هو عقل الرجل وما يدور في خلده، ينبغي تعويدها على إطاعة الأوامر والنواهي، كما أنّ أهمّ صفة تتّصف بها هي ضبط الشعور والانفعالات.[23]

ثالثاً: مقاربات نقديّة لفكر جان جاك روسو التربوي.
ممّا لا شكَّ فيه أنّ روسو قدّم آراءً تربويّة هامّة في كتابه (إميل)، من هنا وكما أسلفت عُدّ مؤسّساً للتربية الحديثة، وفاصِلاً بين مرحلتين منها، ومنبعاً فكريّاً نهل منه من جاء بعده، إلّا أنّه وكما في كلّ فكرٍ له ما له وعليه ما عليه يخضع للتقييم والنقد خصوصاً مع اختلاف المبتنيات المعرفيّة لدى الباحثين في علم التربية ومناهجهها وأساليبها.

إنّ كل ّمفكّرٍ أو منظّرٍ في ايّ مجال له بصمته الفكريّة الخاصّة به وبالتالي منظومته الفكريّة وهي عبارة عن القواسم الخاصة المميزة لتفكير الإنسان عن الآخرين.
وتلعب عدّة مؤثرات وعوامل دوراً أساسيّاً في بناء البصمة الفكرية للشخص وأهمّها مبانيه المعرفيّة والبيئة الثقافيّة والمعرفيّة المحيطة به، بالإضافة إلى العوامل الشخصيّة أيّ الصفات الداخليّة لدى الإنسان التي تؤدي به إلى تبنّي رأيٍ او رفضه او بناء نظرية او رفضها.

فيما يخصّ روسو وكنقدٍ عامٍّ لفكره التربويّ قبل الدخول في التفاصيل يمكن القول بأنّه يتسّم بالمثاليّة المفرطة في بعض الأحيان، كما أنّه اعتنى كثيراً بالبعد النظري للأفكار بحيث لا يمكن تطبيق هذه الأفكار بطريقة عمليّة، بحيث يروّج روسو لنظريّة الطفولة السعيدة الانعزاليّة عن تاثيرات المجتمع والثقافة الخارجيّة، وهذا من الصعب جدّاً تطبيقه في الحياة اليوميّة للأطفال، فكيف يمكن تحقيق العزلة الكاملة وتوفير بيئة خالية عن التأثيرات الخارجيّة، كما أنّ الكثير من المهارات والمعارف الأساسيّة يكتسبها الطفل من التنشئة الاجتماعيّة التي يكتسبها من الاحتكاك بالأقران والآخرين في دورة الحياة الاجتماعيّة.
لقد لعبت عدّة عوامل في غلبة البعد النظري والمثالي المفرط على الفكر التربوي لروسو فالحياة الشخصيّة المليئة بالمعاناة والمتقلّبة في البيئات والثقافات، بالإضافة إلى البيئة الاجتماعيّة الفاسدة التي نشأ فيها جعلته يصبّ جام غضبه عليها في كتاب إميل، فروسو كان بنفسه بحاجة إلى التجربة العمليّة، فهو في خياله وتقكيره أقوى منه في الملاحظة والنظر، فهو لم يربِّ أطفاله الخمسة وأرسلهم إلى الملجأ، فأراد ان يكفّر عن خطيئته بدراسة ابناء غيره والتفكير في أصول تربيتتهم وتعليمهم المثالي.

إنّ تربية إميل المثاليّة هي ردود فعل نفسيّة صاخبة على ما عاشه وتربّى فيه روسو، فهو لم يكن راضياً مطلقاً عن التربية التي تلقّاها وجعلت منه شخصاً تائهاً منحرفاً، ولا عن المجتمع الذي عاش فيه، فأراد لإميل أن يعيش حياةً ويتربّى بطريقة مضادّة لما عاشه ممّا جعلها مثاليّة وبعيدة عن الواقع فهو لا يريد لإميل أن يعيش مشرّداً ولا فقيراً معدماً ولا يعاني من ظلم المجتمع ولا أن يحرم من تربية الأبوين، فكان إميل المثل الأعلى في قوّة الجسم والعقل والطهارة والتربية الحقّة المصونة عن الرذائل والمتحليّة بالفضائل، ولهذا نادى بأن يعيش إميل وحده منعزلاً بين أحضان الطبيعة بعيداً عن المجتمع الفاسد والمدنيّة السامّة.

لقد كان روسو نبيلاً في آرائه، عظيماً قي آماله، دنيئاً في تصرّفاته وأعماله بسبب الظروف التي عاشها، فقد كان ساخطاً على المجتمع والحياة الصعبة االتي عاشها، من هنا كتب إميل بأسلوبٍ عذبٍ مثاليّ فيه الكثير من المبالغة والتناقضات.
إنّ هذه التناقضات بين ما عاشه روسو وما تلقّاه من تربية وما نظّر له في إميل انعكست على وجود بعض التناقضات التنظيريّة في كتاب إميل نفسه:

في بداية الكتاب يؤكّد روسو مثلاً على أن يتولّى تربية الطفل مرشدٌ ومربٍّ واحد» ولئن قال قائلون أن القابلة تخرج الطفل إلى النور فترضعه الحاضنة ويؤدبه المؤدب ويثقفه معلم المدرسة فهذا التفريق ساء استعماله وينبغى لخير الطفل أن يتولى قياده مرشد واحد لذا يجب أن نوسع أفقنا ونستهدف فى تلميذنا الإنسان المجرد المعرض لجميع عوارض الحياة البشرية»[24]، ليعود فيما بعد ويؤكّد على أهميّة الرضاعة والتربية الرضاعيّة التي يتلقّأها الطفل من الأمّ « إن لهذه المٍسألة أهمية أكثر مما يظن فإن أردت أن يلتزم كل إنسان بواجباته الأولى فابدأ بالأمهات وستعجب للتغير الذى ينجم عن ذلك فهذا الحرمان من لبن الأم هو الأصل الذى نبعت منه كل الشرور إذ خمدت فى القلوب جذوة الفطرة وقلت فى البيوت نسمة الحيوية ومنظر الرضعاء لم يعد يجتذب الأزواج فلا آباء ولا أمهات ولا أطفال ولا إخوة ولا أخوات منذ انحل رباط الأسرة»[25]، ففي هذا الكلام يؤكّد روسو على أهميّة الأسرة في التربية التي تنطلق من الأمّ المرضعة، إلّا أنّه عمليّاً وحين أراد أن يطبّق ذلك على إميل وهو المثل الأعلى للتربية لديه في مراحله العمريّة المختلفة لم يكن للأسرة دورٌ يُذكَر في عمليّة التربية، أو أهمل جوانبها الأساسيّة وتمسّك بالأشياء العرضيّة، فإميل عاش بعيداً عن والديه وإخوته وأخواته وحرم من البيئة الأسريّة.

على أنّه ووفق الرؤية الإسلاميّة تلعب الأسرة دوراً مركزيّاً في التربية إلى جانب المربّين في المدارس والمؤسّسات وعلى مختلف مستوياتها واساليبها وأنواعها كالتربية بالحبّ والتربية بالقدوة والتربية العقائديّة والعقليّة والجنسيّة ..
لقد ركّز روسو كثيراً على موضوع التربية الطبيعيّة، والملاحظ في هذ المجال أنّ روسو اخترع للطبيعة مفهوماً تركيبيّاً من عدّة مفاهيم ليست ذات طبيعة واحدة، فالطبيعة عنده كما مرّ هي العالم الخارجي بحيث ينبغي للطفل التعلّم عبر ملاحظة الظواهر الطبيعيّة، والتأمّل بما في الكون من أسرار، وهي أيضاّ الميول والغرائز والنزعات الفطريّة المودعة في قلب الطفل، والتي اعتبرها روسو خيّرة بالمطلق وما يلوّثها هو المجتمع وأمّا العنصر الثالث فهو الطبيعة الاجتماعيّة للوجود البشري في مراحله الأولى حيث كانت قائمةً على الخير والأصالة.

لقد بالغ روسو أيضاً في القيمة التربويّة التي اعطاها لكلّ واحد من هذه المفاهيم، فممّا لا شكّ فيه أنّ الطبيعة أو الوجود والعالم وكذلك النفس البشريّة وما فيها من جوانح تحظى بأهميّة كبيرة في البنية المعرفيّة الإسلاميّة { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[26]، كما أنّ التأمّل بالطبيعة والعيش في أحضانها يورث الراحة والصفاء في النفس إلّا أنّ إعطاء التأمّل فيها دوراً رياديّاً في العمليّة التربويّة فيه الكثير من المبالغة.

أمّا بالنسبة لغرائز الطفل وميوله الفطريّة التي اعتبرها روسو خيّرة بالمطلق وتطرّف في ذلك ربّما ردّاً على النظريّة الكنسيّة السائدة في وقته وهي أنّ نفس الإنسان جُبلت بأصل الخلقة على الشرّ، وعُجنت طينته بالرذيلة والأطباع الخبيثة والسيّئة، بسبب الخطيئة الأولى التي ارتكبها النبي آدم ؟ع؟ وفقاً لهذا القول، إلّا أنّ النظرة المنصفة في موضوع خيريّة الطفل الفطريّة أو شريّته أو حياديّته:» الإشكالية التي شُغل بها الفكر الفلسفيّ والتربويّ والأخلاقيّ من حيث التساؤل عمّا إذا كان الإنسان بطبعه خيّراً أو شرّيراً هي إشكالية زائفة، ذلك أنّ الطبيعة الفطرية للإنسان محايدة، صفحة بيضاء، مثلها مثل المادّة الخام»[27] تفضي إلى القول بأنّ الطفل في مراحل الطفولة المبكرة لا يعرف أصلاً معنى الخير أو الشر، فإن سُلّم جدلاً بميل طبيعة الطفل نحو أيٍّ منهما فهو ميل فطريّ جبلّيّ غير واعٍ، كذلك لا يمكن إنكار وجود ردّات فعل طبيعية في الطفل بأصل الخلقة، والمقصود بها السلوكات الصادرة عن الغريزة والتي تُسبّبها القوى الطبيعية (الشهوية والغضبية) المجبول عليها الإنسان بأصل الفطرة، كالخوف أو الحبّ، فهذه القوى النفسية تعمل بأصل الفطرة بحسب ما يقتضيه طبعها المسخّرة له، إنّما تكمن المشكلة في كيفية توظيف هذه القوى النفسية وتسييرها في أيّ اتّجاه، ووظيفة التربية تكمن في إيجاد حالة من التحكّم والقيادة والسيطرة على هذه الانفعالات بنحو ينضبط السلوك على ضوء التعاليم التربوية الحسنة والجميلة، من هنا يمكن القول بأنّ النظرة الصحيحة لهذه المسألة والمراعية لكلّ حيثيّاتها هي أنّ نفس الطفل بلحاظ كونها من نور الله تعالى فهي خير وتميل إلى الخير، وبلحاظ قوّة الشهوة والغريزة تميل إلى الشرّ، وبلحاظ كونها مختارة فهي مستعدّة لكلّ واحد من الطرفين، بمعنى أنّها غير مجبرة على أحدهما دون الآخر، وإنّما تسير باتّجاه الخير أو الشرّ نتيجة عوامل خارجية، وهنا يأتي دورالتربية والتأديب والتعليم والبيئة لأخذ زمام النفس بالاتّجاه الصحيح.

يعتبر روسو أيضاً أنّ من مقتضيات التربية الطبيعيّة أن يفكّر المربّي في ميول الطفل وغرائزه، ويراعي ما يميل إليه وما لا يميل إليه، فيزوّد المتربّي بما يرغب بمعرفته. إنّ مراعاة ميول الطفل أوفهم احتياجاته ـأمرٌ مهمّ، إلّا أن المبالغة في ذلك بحيث لا نزوّد الطفل إلّا بما يميل إليه ليس في مكانه، فالحياة العمليّة مملوءة بما يحبّ الإنسان وبما يكرهه، فيجب إعطاء المتربّي ما يحتاجه في حياته سواء مال إليه أو لا مع مراعاة الأسلوب والكيفيّة التي لا تؤدّي إلى نفوره.

لقد بالغ روسو أيضاً في موضوع إعطاء الحريّة للطفل؛ حيث قال بضرورة توفير الحريّة للطفل على مختلف المستويات سواءً على مستوى الحريّة الجسديّة فرفض روسو كلّ ما يحدّ من إمكانيات الحركة والقفز واللعب عند الأطفال، أو على مستوى النمو العاطفي والانفعالي للطفل فلا ينبغي للراشدين أن يتدخّلوا في توجيه النمو العاطفي والانفعالي للطفل، أو على مستوى الإعداد العقلي حيث يرفض روسو قراءة الأطفال للكتب حتّى سنٍّ متأخّرة، كما لا بدّ من عدم إيداع أذهان الأطفال إلى المرحلة الرابعة بتقسيمه أيّ أفكار ومعتقدات من قبل المرشدين سواء كانت دينيّة أو أخلاقيّة.

إنّ الحريّة كمفهوم له تقاطعاته المعرفيّة القديمة وسؤالها سؤالٌ وجوديّ يتعلّق بموقع الإنسان داخل الكون وداخل عالم المخلوقات والأشياء، ولم يحصل اتّفاق في مفهومها ومحدّداتها منذ العصور الفلسفية القديمة وصولاً إلى التوسّع الكبير الذي حصل في مفهومها وتطبيقاتها في الفكر الغربي المعاصر، من هنا يعتبر روسو من المفكّرين الذي بالغوا في توظيف هذا المفهوم في التربية، فممّا لا شكّ في فيه أنّ إعطاء الطفل الحريّة في اللعب والاكتشاف بنفسه وبذل الجهد في عمليّة التعلّم وتعويده على الاعتماد على نفسه من الأمور الأساسيّة التي نادى بها الفكر التربوي الإسلامي كذلك، إلّا أنّ المبالغة فيها بحيث لا يتدخّل المربّي في تحرّكات الطفل وألعابه ونشاطاته ليس في مكانه خصوصاً في المراحل العمريّة الأولى من الطفولة حيث قد يؤدّي ذلك إلى إلحاق الضرر الجسدي بالطفل، وكذلك قد يؤدّي إلى إلحاق الضرر بالآخرين، فعلى الرغم من كون الرغبة في اللعب واللهو من الميول الفطريّة التي أودعها الله تعالى في ذات كلّ طفل، من هنا نجد الكلام عن أهميّته لدى الفلاسفة و علماء الأخلاق والتربية قديماً وحديثاً حيث أصبح موضوعاً مستقلّاً للتفكير فيه، إلّا أنّه لا بدّ له من ضوابط بحيث يكون جزءاً من عمليّة التربية المنظّمة فيما اصطلح عيه في النظريّات التربويّة الإسلاميّة» التربية باللعب» بحيث يقوم المربّي بتهيئة البيئة الحاضنة للعب الطفل، وتحضير الألعاب المناسبة لمرحلته العمريّة، لتنمية قدراته العقليّة والنفسيّة والجسميّة، واستثمار غريزة اللعب في تعليم الطفل، وتأديبه على القيم، فقد أكّدت الروايات على اللعب بالنسبة للأطفال وخصوصاً في السنوات السبعة الأولى، فعن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «دع ابنك يلعب سبع سنين»[28]، وعنه ؟ع؟، قال: «الغلام يلعب سبع سنين». [29]وهذا يعني أنّ الخصوصيّة الغالبة على السبع الأولى هي اللعب، ولكن هذا لا يمنع من ممارسة نشاطات أخرى لها علاقة بأبعادٍ اخرى في شخصيّة الطفل، والملفت في الرواية «دع ابنك يلعب سبع سنين» هي أنّها في مقام إرشاد الوالدين لفسح المجال أمام الطفل ليمارس أنشطته الحركيّة بحرّيّة فلا ينبغي أن تشكّل الاعتبارات الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو الخوف أو الحرص على النظافة مثلاً حجر عثرة في طريق لعب الطفل إلّا أنّ هذا لا يعني الغفلة عن نشاطه و تنظيم وقت اللعب مثلاً؛ فينبغي أن لا تكون حرّيّة اللعب على حساب الشؤون الأخرى، كالطعام أو النوم، أو أداء الفروض المدرسيّة.

أمّا بالنسبة للنوع الثاني من الحريّة وهي الحريّة العاطفيّة والإنفعاليّة، فالطفل يمرّ بحالات إنفعاليّة متعدّدة خلال تطوّره العمري كالغضب والحبّ والخوف التي تعتبر من الإنفعالات الغريزيّة التي تظهر مبكّراً عند الأطفال، إلّا أنّ هذه الإنفعالات قد تصبح مرضيّة إذا لم يجرِ ضبطها من قبل المربّين إذا تجاوزت حدودها الطبيعيّة، وكذلك بالنسبة لانفعالاتٍ متأخّرة كالغيرة مثلاً خصوصاً من الأخوة في البيت الواحد أو شعور الطفل بالقصور وعدم الثقة بالنفس حيث يلعب المربّي الدور الأساسي في عدم تذكية هذا الشعور الذي قد يدمّر شخصيّة الطفل إذا لم يتمّ ضبطه، ومع تطوّر الطفل تدريجيّاً وانخراطه في المجتمع والمدرسة والبدء بكسب الأصدقاء والاحتكاك مع الآخرين قد تظهر انفعالات جديد بحاجة إلى علاج كالعدوانيّة المفرطة أو الخجل والانطواء والقلق، فكلّ هذه الانفعالات ينبغي اعتماد أسلوب مدروس في التعامل معها يخلط بين الحريّة في التعبير والضبط والتقويم عند الحاجة.[30]

يركّز روسو كثيراً على التربية الحسيّة للطفل، فيعتبر أنّ أوّل شيءٍ يجب الاعتناء به هي حواس الطفل، فيجب تربيتها والاهتمام بها حاسّةً حاسّةً، باعتبار أنّ الحواس هي أبواب المعرفة والعقل، وأمّهات الأفكار، ولم يقتصر روسو على التوصية بتربية الحواس بل أرشد إلى الوسائل المثلى لتنميتها وتطويرها [31]إلّا أنّ روسو وكعادته في المبالغة يجعل الشغل الشاغل له أن يدرب حواس تلميذه وينميها.
لا شكّ أنّ التربية الحسيّة أساسية، خصوصاً بالنسبة للطفل في المراحل العمريّة الأولى إلّا أنّ الاقتصار عليها وإهمال الأبعاد العقليّة والروحيّة في شخصيّة الطفل ليس في مكانه، فالطفل مخلوقٌ ماديّ وروحيّ في نفس الوقت واستعداداته الفكريّة والعقليّة تنمو مع الوقت وهي بحاجة إلى من يغذّيها ويطوّرها،فلديه قوّة وهميّة وخياليّة ومتصرّفة وتذكريّة وتخزينيّة بالإضافة إلى قواه القلبيّة والجوانحيّة.

إنّ هذا الإهمال للجوانب العقليّة والروحيّة في شخصيّة الطفل بحيث يؤخّر روسو بدء الاهتمام بها إلى المرحلة الثالثة بحسب تقسيمه أيّ إلى سنّ الثانية عشر من الخطورة بمكان، يقول روسو:«يجب أن لا يكون هناك كتابٌ آخر يتعلّم الطفل منه سوى العالم، وألّايرشد إلى شيءٍ غير الحقائق، فالطفل لايفكّر حينما يقرأ، فهو يقرأ ويقرأ فقط، ولايفهم شيئاً ممّا يقرأ، لأنّه لا يتعلّم إلّا الألفاظ “[32] ويقول في موضعٍ آخر:» انني أمقت الكتب، فهي لا تعلّم المرء إلّا التحدث عمّا لا يعلم»[33]، بل حتّى حينما سمح لإميل بالقراءة جعله يقرأ كتاب (روبنسون كروزو ) الذي كان بمثابة كتاب في التربية الطبيعية.

إنّ هذه النظرة السلبيّة للكتب وللقراءة والتعصّب للتجربة والحسّ وعالم الطبيعة يحرم الطفل من الكثير من المعلومات والأفكار، فتعويد الطفل على قراءة ما يحبّه من القصص والروايات المفيدة تفيد في تفتّق ذهنيّته، بل حتّى بعض الروايات الخياليّة المناسبة لعمره تساهم في بلورة أفكاره، نعم لابدّ من مراعاة رغبته في ما يقرأه خصوصاً في المراحل الأولى، فالطفل لا بدّ أن يتعوّد على التفكير منذ الصغر، وكذلك هو بحاجة لمختلف العلوم وإن في نسبٍ معيّنة بحسب رغبته وميوله، فلا مبرّر لتعصّب روسو لعلوم الطبيعيّات فقط ،حيث تقتصر الدراسات التي يوصي بها روسو فتاه على العلوم الطبيعية، وعلى رأسها الفلك و الجغرافيا، ويمنع من دراسة الأدب وعلوم اللغة والنحو إذ يعتبرها أقرب إلى الخيال، فكلا الجانبين العلمي والأدبي له دورٌ في صياغة شخصيّة الطفل وتطوير ابعاده المختلفة.
المراحل العمريّة في التربية عند روسو: اختلفت الآراء في الدائرة الإسلاميّة والغربيّة في بدء مرحلة الطفولة ومنتهاها، فالبعض يعتبر المرحلة الجنينيّة مبتدأً لها ومنتهاها سن 18 إلّا أنّ الأشهر في بدايتها إسلاميّاً وغربيّاً هو خروج الجنين من بطن أمّه، وإسلاميّاً تنتهي بسنّ البلوغ لدى الذكر والأنثى على الاختلاف بينهما،أمّا في الدائرة الغربيّة فالبعض يجعلها ممتدّة إلى سنّ 18 بلا فرق بين الذكر والأنثى.

النقطة الخلافيّة الثانية في الدائرتين التربويّة الإسلاميّة والحقوقيّة والغربيّة هي تقسيم مراحل الطفولة أو مايسمّى بالمراحل العمريّة للطفل.
يتّفق روسو مع النظرة الإسلاميّة في مبتدأ الطفولة، امّا في منتهاها فهو وإن كان لم يحدّدها بوضوح إلّا أنّه يظهر منه أنّها تنتهي ببلوغ إميل وصوفي السنّ الأفضل للزواج أيّ العشرين بنظره.

بالنسبة لتقسيم المراحل العمريّة، فممّا لا شكّ فيه أنّ تقسيم مراحل الطفولة له دور رئيس في العمليات التربوية؛ لأنّ كلّ مرحلة من المراحل التي يمرّ بها الطفل تُعتبر ظرفاً لبعض الأحكام التربوية الخاصّة بها. وهناك عدّة تقسيمات لمراحل الطفولة عند علماء النفس والتربية، وضعت وفق معاييرهم التي اعتمدوها في المقام ليستفيدوا منها في التربية والتحليل النفسي، فعلماء نفس النموّ ركّزوا على عمليّات وآليّات العقل والسلوك، بعضهم ركّز على الفرد كمنظورٍ كليّ وآخرون على الوظيفة أو على الدمج بينهما[34]،ومن ابرز التقسيمات في هذا المجال تقسيم جان بياجيه، حيث سلّط الضوء في أبحاثه على مراحل الطفولة من خلال ربطها بعملية تكوين المعرفة المتأثّرة بالبيئة المحيطة بالطفل، فقسّمها إلى خمس مراحل، هي:

المرحلة الأولى: الذكاء الحسّيّ- الحركيّ: من صفر يوم إلى سنتين (0-2).
الثانية: مرحلة الصور العقلية: (2-4 سنوات).
الثالثة: مرحلة الذكاء الحدسيّ: (4-7 سنوات).
مرحلة العمليات الحسّية أو الذكاء المحسوس: (7-12 سنة).
الذكاء المجرّد، سنّ 13 وما فوق.
أمّا في الدائرة الإسلاميّة، فالتقسيم مختلف بناءً للأسس المعرفيّة الخاصّة بهذه المدرسة وارتباطها بالوحي والغيب والنصّ الديني والقول بتعدّد العوالم ووجود الروح، والارتباط بين المعتقدات والسلوك الإنساني والمصير في الدنيا والآخرة، بالإضافة إلى عقلانيّة التربية واعترافها بالجسد واحتياجاته.

الملاحظ عند روسو في تقسيمه للمراحل العمريّة في كتاب إميل أنّه لم يعتمد منهجاً واضحاً أو معياراً محدّداً كالنموّ العقليّ أو السلوكي أو الوظيفي، فالمرحلة الأولى التي تمتدّ من 0إلى 5،لا تختلف جذريّاً عن المرحلة الثانية الطويلة جدّاً من (5إلى 12 سنة) إذ الأساس فيهما التربية الحسيّة والجسميّة والطبيعيّة والسلبيّة في التربية، أمّا المرحلة الثالثة فقصيرة جدّاً (12-15) مع أنّها من أهمّ المراحل لأنّها مرحلة التربية الموجبة بحسب توصيفه ومرحلة الإعداد العقلي.

إنّ الفكر التربوي لروسو بالإضافة إلى احتوائه على التناقضات كما مرّ فيه أمورٌ مستهجنة وبعيدة كلّ البعد عن العدالة التربويّة، وأبرز هذه الآراء قوله بحرمان الفقراء من التعليم لأنّهم يستطيعون أن يصبحوا رجالاً من خلال التجارب التي يخوضونها في الحياة ،مع انّهم قد يكونون بحاجة إلى التعليم والتربية أكثر من الأغنياء و بالإضافة إلى رايه في تعليم المرأة الذي يخلو تماماً من الإنصاف والعدالة فحينما ينظر لصوفيا على انها شخص ناقص لا يجب ان يربى تربية عقلية، فانه بذلك يتجاوز الخطوط الحمراء، بظلمه للمرأة، فالمرأة المتعلمة هي التي تساهم في بناء المجتمع وتطويره، والمدة التي يقضيها الطفل مع امّه اكثر بكثير من المدة التي يقضيها بعيدا عنها خاصّة في مراحله العمرية الأولى، فهي التي تشكّله كما تشاء.
يؤخّر روسو كثيراً التربية العقليّة، وقد تمّ تبيين موقفه المتطرّف من القراءة والكتابة، كذلك يظهر هذا التأخير في ناحيتين أخرتين مركزيتين وهما التربية الخلقيّة والتربية الدينيّة، فلقد اصاب روسو في تقديره للطفولة، وأهميّة دراستها وعدم معاملة الأطفال كالرجال، إلّا أنّه حدّ كثيراً من قدرات الأطفال، ومن الأمور التي يمكن للأطفال فهمها، وقد يكون للبعد الانعزالي الذي أراد روسو أن يهيمن على حياة إميل الدور الأساسيّ في ذلك،فالطفولة الوسطى هي أخصب المراحل في التربية الخلقية وهي أهمّ مرحلة من مراحل النموّ الإنساني لبثّ أحسن العادات الخلقيّة في نفس الطفل، وهذا ما يعبّر عنه الإمام علي ؟ع؟ في وصيّته للإمام الحسن ؟ع؟ قائلاً:» وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيئ قبلته»[35]. من هنا نجد روسو يخلط كثيراً في التربية الخلقيّة للأطفال، ففي موضعٍ من المواضع يقول:»إنّ هناك نوعاً، ونوعاً واحداً من العلم ينبغي أن نعطيه الأطفال، ذلك هو الشعور بالواجب»[36]، وفي موضعٍ آخر يقول:»ليس من عمل الطفل أن يميّز الصواب من الخطأ لكي يشعر بالواجب»، كما أنّه في بموضعٍ ثالث يعتبر أنّ الطفل يولد وفي قلبه شعورٌ غريزيٌّ بما هو عدلٌ وبما هو ظلمٌ، يعود ليقول :» إنّ الإنسان بعمل الخير يصبح خيّراً، وإنّي لا أعرف تجربة أصدق من هذه التجربة»[37].

إنّ روسو يرفض البدء بالتربية الدينيّة قبل المرحلة الرابعة، محتجاّ بأنّ الطفل لا يستطيع فهم الحقائق الدينيّة المعقّدة والمفاهيم المجرّدة عن الله وصفاته والروح، إلّا أنّ هذا مخالفٌ بشكلٍ واضح للنظريّة التربويّة الإسلاميّة، حيث تشير بعض الروايات إلى البدء بعمليّة التربية العقائديّة من السنة الثالثة»»إذا بلغ الغلام ثلاث سنين، يقال له: قل: لا إله إلا الله سبع مرّات..»،[38] أمّا قضيّة عدم استيعاب الجهاز الإدراكي للطفل للمسائل العقائديّة فليس المقصود البدء بالقضايا العقائديّة العميقة والفلسفيّة بل المقصود بثّ الروح الدينيّة في نفس الطفل عبر القصص المؤثّرة والجذّابة، حيث تنطوي التربية العقائديّة للطفل على بعدين: الأول موجِب: أي القيام بكلّ ما من شأنه إعداد نفسه وتهيئتها لقبول أصول العقائد الدينيّة الحقّة. والثاني سالب، أي إبعاد الطفل عن البيئة التي تشتمل على عقائد باطلة أو منحرفة، ومن الروايات التي تشير إلى ذلك عن أبي عبد الله ؟ع؟ قال: «بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة» [39]كما تلعب التربية العقائديّة دوراً حيويّاً في بناء هويّة الطفل، إذ تشبع حسّ المعرفة عن الأسئلة الكونيّة والحياتيّة التي لها صبغة ما ورائيّة، كالسؤال عن الخالق والموت، وتعزّز الصحّة النفسيّة، لأنّ الإيمان الدينيّ يعطي للحياة تفسيراً ذا هدف، ويدفع النزعة العدميّة.

كما أنّ بعض الروايات تشير إلى فطريّة المعرفة التوحيديّة بحيث يسهب للأطفال إدراك فكرة الإله، نعم أسلوب المربّي له دورٌ أساسيّ في ذلك، فعن النبيّ موسى بن عمران ؟ع؟، قال: «يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي، فإن أمّتهم أدخلتهم برحمتي الجنّة»[40]. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه».[41]

هذ بالإضافة إلى التركيز الإسلامي على جانبٍ آخر من التربية الدينيّة وهو ما يمكن أن نسمّيه بالتربية العباديّة عبر تعويد الطفل العبادات التي من شأنها تنمية الشعور الفطريّ عنده، بوجود قوّة عظمى في هذا الكون وخضوعه لها، وتهيئته لطاعة الله تعالى والارتباط السلوكيّ به، كالصلاة والصوم والصدقة والدعاء،وذلك عبر مراعاة عدّة مبادئ تربويّة كمبدأ التدرّج في تعويد الطفل العبادة، و مبدأ تكليف الطفل على قدر والطاقة، ومراعاة مبدأ اليسر والسهولة والرفق واللطف والجذب.

الجزاء الطبيعي عند روسو: تعتمد التربية السالبة على قانون الجزاء الطبيعي، بحيث يدعو روسو إلى عدم تدخّل أحد في مجازاة الطفل على أخطائه وهفواته، بل الطبيعة هي من تعاقبه بنفسها،وقد أعطر روسو عدّة أمثلة عليها،فإذا كسر مثلاً الطفل زجاج نافذته أبقه فيها دون نوافذ بحيث يهبّ الهواء ليلاً ونهاراً فيها،وليصبه البرد،فيجب أن لا يعامل الطفل معاملةً يُفهَم منها أنّ هذه عقوبة،بل يعامل معاملةً يفهم منها أنّها نتيجة طبيعيّة.
إلّا ّأنّ هذا المذهب مناقش بعدّة أمور، فالطبيعة لا تعاقب المذنب دائماً، وربّما لا تعادل العقوبة الطبيعيّة الذنب في جميع الأحوال، فقد تلحق به الضرر الكبير، بل قد تؤدّي به إلى الموت، فالطبيعة لا تعرف الرحمة ولا تقدّر الأمور بقدرها، ولا تفكّر بطفولة الطفل ورهافة مشاعره، من هنا نجد الشريعة الإسلاميّة قد فصّلت فيما يسمّى التربية بالعقوبة والتدرّج فيها بحيث لا تجرح الطفل وتؤذيه، وتحقّق في نفس الوقت أهدافها،فقد وضعت الشريعة شروطاً وضوابط مشدّدة للعقوبة البدنيّة للطفل، نقسّهما إلى ثلاث جهات:

1-من جهة الطِّفل المؤدَّب.
2-من جهة الوليّ المؤدِّب.
3-من جهة كيفيّة التأديب ومقداره.

فمن جهة المؤدَّب: أ- تنحصر مشروعيّة العقاب بالطفل المميّز كما لابدّ من معرفة الطفل بكون هذا السلوك غير مرغوب فيه مع قدرته على القيام بالفعل المرغوب.

ب- أن يكون الفعل قابلاً للملاحظة الحسّيّة مع ارتكاب الطفل للسلوك غير المرغوب فيه فعلاً.
و من جهة المؤدِّب:
أ- تنحصر العقوبة بيد وليّ الطفل، أي الأب، أمّا غير الأب كالأمّ والمعلّم وغيرهما، فلا يحقّ له ذلك ابتداءً، بل يحتاج إلى إذن خاصّ من الأب.
ب- فشل المربيّ في تحقيق الأهداف التربويّة بالأساليب الأخرى مع اطلاع الطفل على سبب معاقبته و احتمال تأثير العقاب في تغيير سلوك الطفل.
ج- أن يكون المؤدِّب بحالة هدوء نفسيّ؛ليكون التأديب بداعي إصلاح سلوك الطفل وتعديله، لا بداعي الانتقام والتَّشَفِّي.[42]
3- من جهة كيفيّة التأديب ومقداره: أ- يجب أن يكون العقاب برفق لا بغلظة مع مراعاة مبدأ التناسب بين طبيعة العقاب ونوع السلوك مع كون هذا العقاب غير ضرريٍّ.
ب- التدرّج في العقاب، فيبدأ بالتغافل ثمّ التغيير في قسمات الوجه،فالتلميح،ثمّ التهديد والحرمان إلى التوبيخ واللوم وأخيراً العقاب الجسدي.[43]
ج- لا بدّ من تحقّق شرط السلامة في أداة الضرب مع تجنّب ضرب الأماكن الحسّاسة من الجسم.[44]

خاتمة:
بعد هذا الجوَلان في الفكر التربوي لجان جاك روسو، ومن باب الإنصاف يمكن القول بأنّ روسو رغم المعاثر والتناقضات والمثاليّة المفرطة التي طبعت حياته الشخصيّة ومسيرته الفكريّة وانعكست عل كتاب(إميل) ممّا تمّ التعرّض له تفصيلاً في هذه المقالة، إلّا أنّه كان مؤسسّاً للتربية الحديثة ،وكثيرٌ من الأمور التي انتقد فيها التربية التقليديّة كان مصيباً فيها، وكذلك تقديره للطفولة، ولأهميّة التجربة الحسيّة واللعب في تربية الطفل، كذلك أهميّة التربية بالمحاكاة وأخذ القدوة، إلّا أنّه مع ذلك تبقى العديد من المآخذ والنقوض، وأهمّها :

يتسّم الفكر التربوي لروسو بالمثاليّة وبالتركيز على البعد النظري للأفكار بحيث لا يمكن تطبيق هذه الأفكار بطريقة عمليّة، بالإضافة إلى التناقض الكبير بين أقوال روسو ونظريّاته وبين حياته الشخصيّة فهي عكسها تماماً، فروسو قد يشكّل المثل الأعلى في التناقض بين النظريّة والتطبيق التربوي.
يروّج روسو لنظريّة الطفولة السعيدة الانعزاليّة عن تأثيرات المجتمع والثقافة الخارجيّة، وهذا من الصعب جدّاً تطبيقه في الحياة اليوميّة للأطفال.
عدم مرونة النظريّة وصرامتها بحيث لا تتعامل مع التنوّع والاحتياجات المتغيّرة للأطفال،وإهمالها للتنشئة الاجتماعيّة للطفل التي يكتسبها من الاحتكاك مع أقرانه في المدرسة.

غموض مفهوم الطبيعة لدى روسو، وإعطائه ومفهوم الحريّة ومراعاة ميول الطفل تطبيقات مبالغ فيها في فكره التربوي.
التركيز على التربية الحسيّة وتأجيل الأنواع الأخرى من التربية كالتربية العقليّة والروحيّة والخلقيّة والدينيّة والعاطفيّة إلى مراحل عمرية متأخّرة.
لم يعتمد منهجاً واضحاً أو معياراً محدّداً في تقسيمه للمراحل العمريّة، بحيث كان بعضها أقصر بكثير، وبعضها اطول بكثير من اللازم.
النظرة السلبيّة للكتب وللقراءة منها و التعصّب للتجربة والحسّ وعالم الطبيعة ممّا يحرم الطفل من الكثير من المعلومات والأفكار التي يحتاجها في عمليّة تشكّله المعرفي.
النظرة التشاؤميّة تجاه المجتمع واعتباره الأساس في إفساد فطرة الطفل بحيث اعتبرها روسو خيّرة بالمطلق، مع أنّ التفصيل في ذلك هو الصحيح.

القول بفكرة الجزاء الطبيعي كعقوبة للطفل عند أخطائه وتجاوزاته، مع ما فيها من عدم تناسب مع الخطأ وتعريض الطفل للخطر في كثيرٍ من الأحيان.
10-إنّ رأيه في تعليم المرأة يخلو تماماً من الإنصاف فهو ينظر لها على انها شخص ناقص لا يجب أن يربى تربية عقلية، ووظيفتها فقط في الحياة إسعاد الزوج فانه بذلك يتجاوز الخطوط الحمراء بظلمه للمرأة وتنكّره لقدراتها.

المراجع والمصادر
الأبراشي، محمد عطيّة، «أصول التربية المثاليّة في إميل لجان جاك روسو»، ضمن سلسلة مذاهب وشخصيات، العدد، 146، القاهرة، دار الكاتب العربي، 1967م.
بيرترام، كريستوفر، «جان جاك روسو»، ترجمة: هاشم الهلال، مقال منشور في موسوعة ستانفورد للفلسفة- مجلة حكمة، 2020م، صص 9-11.
الحر العاملي، محمد بن حسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة مؤسسة أهل البيت؟ع؟ لإحياء التراث، ط2.
روبنسون، ديف، زاريت، اوسكار، روسو: سلسلة اقدّم لك، ترجمة: إمام عبد الفتّاح إمام، القاهرة، مصر، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2005م.
روسو، جان جاك، اصل التفاوت بين البشر، ترجمة: عادل زعيتر، القاهرة، دار المعارف، 1956م.
ــــــــــــــــــ، إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشد، نقله إلى العربية نظمي لوقا، تقديم: أحمد زكي محمد، الشركة العربية للطباعة والنشر.
عجمي، سامر، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، مركز الأبحاث والدراسات التربويّة،بيروت، دار البلاغة، 1435ه-2014م.
علي، سعيد إسماعيل، وفرج، هاني عبد الستار، فلسفة التربية رؤية تحليلية ومنظور إسلامي.
فضل الله، محمد رضا، المعلّم والتربية، بيروت، دار أجيال المصطفى، ط1، 1437ه-2016م.
قائمي مقدّم، محمد رضا، إيّاك ان(نقد الأساليب المضرّة في التربية وفق معايير التربية الإسلاميّة)، تحقيق الشيخ عباس كنعان، بيروت، لبنان، دار الأبحاث والدراسات التربويّة، ط2، 1444ه.
كجك، محمد باقر، نمر، محمّد، المراحل العمريّة في التربية (نظرة تاصيليّة ومقارنة)، دار الأبحاث والدراسات التربويّة، ط1، 2024م-1445ه.
الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط3، 1388ه.
المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبارالأئمة الأطهار، تصحيح: محمدباقر البهبودي، دارإحياء التراث العربي، ط3.
مركز المعارف للتأليف والتحقيق، تربية الطفل ( الرؤية الإسلامية للأصول والأساليب)، 2018م- 1438هـ.
وطفة، علي اسعد، «الثورة التربويّة في فلسفة جان جاك روسو»، مجلة نقد وتنوير، مارس-آذار، 2015م.
Arboux, Béatrice, La Spiritualité de Jean Jacques Rousseau, France, Edition Nouvelle Terre, 2011.
Dérathé, Robert, le rationalisme de Jean Jacques Rousseau, Genève, Slatkine Reprints, 2011.

--------------------------------------
[1]* باحث وأستاذ في الحوزة العلمية- لبنان.
[2]- مصطلح يشير إلى القرن الثامن عشر في الفلسفة الأوروبية وغالبا ما يعتبر جزءا من عصر أكبر يضم أيضا عصر العقلانية. المصطلح يشير إلى نشوء حركة ثقافية تاريخية دعيت بالتنوير والتي قامت بالدفاع عن العقلانية و مبادئها كوسائل لتأسيس النظام الشرعي للأخلاق والمعرفة (بدلا من الدين. رواد هذه الحركة كانوا يعتبرون مهمتهم قيادة العالم إلى التطور والتحديث وترك التقاليد الدينية والثقافية القديمة والأفكار اللاعقلانية ضمن فترة زمنية دعوها «بالعصور المظلمة, وقد شكلت هذه الحركة أساسا وإطارا للثورة الفرنسية , أهمّ روّادها الفرنسييون: مونتسكيو, فولتير,ديدرو,كوندورسيه.
[3] -راجع: كريستوفر وروسو، مقال منشور في موسوعة ستانفورد للفلسفة، 4-7.
[4]. للاطّلاع التفصيلي على حياة روسو وفكره يمكن مراجعة كتاب: روبنسون واوسكار، روسو.
[5]. روسو، إميل، 24.
[6]. وطفة، الثورة التربويّة في فلسفة جان جاك روسو، 7.
[7]. راجع: روسو، اصل التفاوت بين البشر.
[8]. الأبراشي، أصول التربية المثاليّة في إميل لجان جاك روسو، 4.
[9]. Arboux, La Spiritualité de Jean Jacques Rousseau, 32.
[10]. Dérathé , le rationalisme de Jean Jacques Rousseau, 25.
[11]. روسو، إميل، 48.
[12]. م. ن.
[13]. م. ن، 174.
[14]. Education Negative
[15]. Dérathé, le rationalisme de Jean Jacques Rousseau, 25
[16]. روسو، إميل، 28.
[17]. الأبراشي، أصول التربية المثاليّة في إميل، 66.
[18]. روسو، إميل، 84 .
[19]. م. ن، 23 - 75
[20]. م. ن، 145.
[21]. م. ن، 75-100.
[22]. م. ن، 26.
[23]. م. ن، 233- 260.
[24]. م. ن، 32 .
[25]. م. ن، 37.
[26]. فصّلت: 53.
[27]. علي وفرج، فلسفة التربية رؤية تحليلية ومنظور إسلامي، 299.
[28]. الحر العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، 21: 473.
[29]. م. ن، 15: 194
[30]. راجع: فضل الله، المعلّم والتربية، 275-305.
[31]. الأبراشي، أصول التربية المثاليّة في إميل لجان جاك روسو، 42.
[32]. روسو، اميل، 157.
[33]. م. ن، 159.
[34]. راجع: كجك والنمر، المراحل العمريّة في التربية (نظرة تاصيليّة ومقارنة)، 12-17.
[35]. نهج البلاغة، 3: 40
[36]. روسو، اميل، 95.
[37]. م. ن، 101.
[38]. المجلسي، بحار الأنوار، 101: 100.
[39]. الكليني، الكافي، 6: 47.
[40]. المجلسي، بحار الأنوار، 101: 97.
[41]. الكليني، الكافي، 2: 13.
[42]. راجع: مركز المعارف للتأليف والتحقيق، تربية الطفل – الرؤية الإسلامية للأصول والأساليب، 19.
[43]. راجع: قائمي مقدّم، إيّاك أن(نقد الأساليب المضرّة في التربية وفق معايير التربية الإسلاميّة)، 195 - 210.
[44]. للتفصيل راجع: عجمي، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة.