الباحث : حسن عبدي
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 35
السنة : صيف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : October / 21 / 2024
عدد زيارات البحث : 364
الملخّص
هذه المقالة بمنهج وصفي تحليلي تقوم بنقد ودراسة هدف التربيّة عند إیمانويل کانط هادفة تبيين عدم توافق موقف كانط من غرض التعليم مع أسسه النظرية، و تستنتج أن الأمور التي يدعيها کانط لاتتلائم مع الأسس التي یدعیها فی مجال العقل النظري و العقل العملي. يضاف إلى ذلك أن المبادئ المذكورة تخلو من الدقة والضبط من وجهة نظر الحكمة المتعالیة. یعتقد کانط أنّ الهدف النهائي للتربيّة هو آخر مرحلة من مراحل التربيّة، وسبب لتوجيه الأنشطة التربويّة الأخرى، والذي هو حصیلة التحوّل فی الطبیعة الحیوانیّة، و الذي يعتبر علامة على عدم إنحراف الإنسان فی حیاته. كانط يفترض أنّ الهدف النهائي للتربيّة أمر عقلانيّ، تدریجي، عالمي، و الذي یتناقض مع نقطة البداية في التربيّة، و هو الذي يكون متناغمًا مع الظروف. وجهة نظر كانط حول الهدف النهائي للتعليم تواجه مشاكل. فمن بين المشاكل التي تؤثر على موقف كانط من فلسفة التربية:
أولاً أنه بحسب الحكمة المتعاليّة فإن الهدف الأسمى و النهائي في التربية – خلافاً لما یتبنّاه کانط - هو الكمال الوجوديّ، إذن فإنّ «ما إليه الحرکة» في التربية «کمال وجودي».
ثانيًا إنّ الإنسان يتمتع بخاصيّة «إلهيّة» حین الخلق، مما يجعله «منسوبا» نسبةً وجوديّةً إلى الكمال الوجودي المطلق، فإذا وُضع على طريق التربية الصحيحة ، سيصل تدريجيًا إلى الكمال الوجودي الالهي. ثالثًا ينبغي أن يقال عن وجهة نظر كانط إما إنّ التربية خالية من أي جانب أخلاقي أساسًا، أو أن الأخلاق القائمة على الوظیفه قد تمّ تنقيحها. وبالتالي، لا يمكن قبول نفي النفعية كمبدأ للتربية في نظر كانط.
الكلمات المفتاحية: الطبیعة الانسانيّة، هدف التربيّة النهایی، فلسفة التربیه، التربيّه، التعلیم، الحکمة المتعاليّة، الفلسفة النقديّة، ایمانوئل کانط.
1. مقدمة
الهدف النهائي لتأسیس العديد من الأنظمة الفكرية هو إنشاء أساس لتربيّة النفوس. إن الغرض الأساسي للعديد من المفكرين هو توفير الأساس لتربيّة جيل يعتقدون أنه تم تربیتهم على أساس المعايير الصحيحة حتى يتمكنون من تنظيم مجتمع إنسانيّ مثاليّ.
إن قضية التربية والتعليم من القضايا الخطيرة التي تشغل المجتمع البشري، وهي قضية بالغة الأهمية لأنها تتعلق بتنظيم الأجيال القادمة، وقد اهتمّ كثير من المفكّرين بمسألة تربية الأجيال البشرية وحاولوا تقديم السبل الكفيلة بتحسين وتطوير هذه الأجيال، و إن أفلاطون وأرسطو وروسو وكانط وغيرهم من المفكرين الكبار قد عبروا عن آرائهم حول التربيّة بالإضافة إلى القضايا الفكرية البحتة والمجردة.
فمثلاً إيمانويل كانط قد اهتمّ بهذه القضية حيث جمع المواد على شكل محاضرات في مجال التربية، وحاول تقديم الحلول من أجل تربية أفضل للبشرية من خلال دراسة جوانب مختلفة من التربية. حاول كانط توضيح موقفه من مشكلة التربيّة من خلال تقديم عدة محاضرات بعنوان "فلسفة التربية". وقد أوضح في هذا الخطاب مختلف جوانب التربیّة، بما في ذلك الهدف النهائي للتربيّة[2].
لا شکّ أنّ العديد من المفاهيم المستخدمة في عملية التربية والتعليم، مثل المربي، والغاية النهائية، والوعي، والمعرفة، والعقل، وغيرها، ليست مفاهيم يمكن تحليلها في العلوم التربوية ذاتها، فهذه المجموعة من المفاهيم هي في الأساس مفاهيم فلسفية تتطلب تحقيقات فلسفية لفهم عمقها[3] .
على أية حال، في هذه المقالة، مع التركيز على محتوى هذا الكتاب، سنقوم بتحليل وتقييم موضوعاته. السؤال المطروح هنا هو "بالتركيز على الفلسفة الاسلاميّة ما هي الاعتراضات التي تثار على آراء كانط في هدف التربية؟" وهنا نحاول نقد وتقييم آراء كانط من خلال التركيز على بعض مبادئ کانط حول فلسفة التربية و هو «هدف التربيّة».
وقبل البدء بالمناقشة، من الضروري الانتباه إلى النقطة التي تشير إلى أن مراجعة كتاب كانط في التربية تظهر أنه تأثر بكتاب "إميل" لـ جان جاك روسو في تنظيم محتويات هذا الكتاب. بعبارة أخرى، فلسفة كانط ونظامه التربوي متأثرة بفكر جان جاك روسو، على سبيل المثال، يؤكد روسو على دور «الطبيعة» في التربية، على غرار موقف كانط، ويزعم روسو أن «الطبيعة توفر الأساس للنمو البشري، وكل ما يجب على المرء فعله هو الامتناع عن القيام بالأشياء التي تعيق الطبيعة عن العمل»[4]. يقول كانط: «إن أغلب المدارس تقوم بعمل سيء، لأنها تعمل ضد الطبيعة»[5].
ويعتقد الكثيرون أن كانط يتأثر بجان جاك روسو في التعبير عن آرائه حول التربية. هذه العبارة صحيحة وغير صحيحة في نفس الوقت، هذه العبارة صحيحة لأنه في كثير من الحالات يعكس كانط بالضبط ما عبر عنه جان جاك روسو في كتابه، على سبيل المثال، بينما يؤكد روسو على ضرورة الاهتمام بالحرية، يقبل كانط أيضًا دور الحرية بشكل عام في التربيّة كذلك، ويذكر أن التربية يجب أن تكون بحيث «يشعر الطفل بحريّته»[6]، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه في بعض الحالات، عارض كانط صراحة رؤية روسو، على سبيل المثال، بينما يتصور روسو أن الله خلق الإنسان حرًا وصالحًا وفرضت النقائص على الإنسان في المجتمع[7]، يرى كانط أن الإنسان لديه «طبيعة حيوانية» عند ولادته ومن الضروري أن يتحول إلى طبيعة بشرية على أساس التربية التي تتحقق في المجتمع.
1-1. مشکلة البحث و أهميّته
ومما يضفي على هذا البحث الأهمية اللازمة هو أن أي خطأ في رسم أسس التربية وأهدافها سيؤدي إلى ضلال جيل أو أكثر من الناس. لذلك، لا بد من الحذر الشديد حتى لا يتم تقديم محتويات غير صحيحة كالخطوط العامّة للتربیّة والهدف النهائي للتعليم للناس.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول أن «الهدف النهائي» للتربيّة يمكن أن يكون بمثابة مقياس حرارة ويظهر عمق ودقة النظام الفكري الفلسفي. كثير من الفلاسفة، على الرغم من الدقّة النظرية الجيدة التي قاموا بها في منظومتهم الفكرية، إلا أنهم فشلوا في التعرف بشكل دقيق وعميق على الهدف النهائي في التعليم، وبالتالي يمكن القول أن منظومتهم الفكرية خالية عمليا من أي تطبيق.
وباعتبار أن إيمانويل كانط هو أحد الفلاسفة الغربيين المهمّين الذين أثرت آراؤهم ووجهات نظرهم في الكثير من المفكرين، فمن الضروري انتقاد وتقييم وجهة نظره من خلال التركيز على وجهة نظره حول «الهدف النهایی» للتربيّة.
1-2. السؤال الاساس
ومن الواضح أن أي نهج نقدي لوجهة نظر ما يتطلب اختيار الموقف للنقد، بعبارة أخری، من الضروريّ مناقشة النظرية من وجهة نظر محددة. بإعتبار أن كاتب هذا المقال ينظر إلى مناقشة فلسفة التربية من منظور الحكمة المتعالية[8]، فإن السؤال الذي يشكل المحور الرئيسي لهذا المقال هو: من خلال التأكيد على أسس الحكمة المتعالية، ما هي الانتقادات الموجهة لوجهة نظر كانط حول الهدف النهائي للتربيّة؟
1-3. منهج البحث
المنهج المستخدم في هذا البحث هو المنهج التحليليّ - العقلي. وفي بعض الحالات، كان من الضروريّ الرجوع إلى نصّ كتاب كانط لفهم معنى تعبيراته. لذلك، استفادت هذه المقالة من بعض جوانب المنهج التأويليّ.
2. دراسة مشکلة البحث
قبل دراسة المشکلة لابدّد من إیضاح لبعض المصطلحات. ما نعنيه بـ «الهدف النهائي» في هذا المقال هو الهدف الذي هو:
أولاً المرحلة الأخيرة من عملية التربيّة، أي أنه لا مرحلة في التربيّة بعد ذلك.
ثانياً هو شيء واحد وليس عدة أشياء، بعبارة أخری، تنتهي عملية التربيّة عند نقطة واحدة، وليس الحال أن تكون الوجهة في هذا المسار والحركة مختلفة ونقاط عديدة.
ثالثاً هو دليل لأهداف أخرى بمعنى آخر، إن کانت هناک أهداف أخری فهي أهداف وسيطة تعمل جميعها على الوصول إلى الهدف النهائي.
1-2. الهدف النهائي من التربيّة عند كانط
تختلف تصريحات كانط في شرح الهدف النهائي للتربیّة. وسنحاول هنا تلخيص آرائه حول الهدف الأسمى للتربیّة من خلال مراجعة أقواله. ذكر کانط في إحدى كلماته «التأدیب يحول الطبيعة الحيوانيّة إلى طبيعة بشريّة»[9] ، وهذا يعني أن الإنسان له طبيعة حيوانيّة في البداية ونتيجة للتربية تتحقق فيه «الطبيعة الإنسانية» إذن یمکننا القول إنّ الهدف النهائي في عملية التربية، بحسب كانط، هو تكوين الطبيعة الإنسانيّة لدى الفرد. وذكر في جزء آخر من كتابه «التربيّة تمنع الإنسان من الانحراف عن هدفه النهائي، وهو الإنسانية، بسبب رغباته الحيوانيّة»[10] ويقول كانط في مكان آخر من كتابه أن «كمال الإنسان هو في العودة إلى الطبيعة»[11]، ووفقا له، فإن الهدف النهائي للتربيّة هو الوصول إلى الحالة الطبيعية.
يؤكد كانط على عنصر «الطبيعة» کأساس لصياغة وجهة نظره الخاصة حول الهدف النهائي للتربيّة، فوفقاً لوجهة نظر كانط فإن الإنسان له «طبيعة»، ولكن هذه الطبيعة تكون في صورة الطبيعة الحيوانية في المرحلة الأولى، والتي تتحوّل تدريجياً إلى «طبيعة بشرية» من خلال مشروع التربيّة[12]. بمعنى آخر، اتفق كانط على الرأي القائل بأن للإنسان جوهراً وطبيعة، ولكنه يعتبر هذه الطبيعة طبيعة حيوانية تتحول إلى طبيعة بشرية نتيجة «التربية». إذن، في رأي كانط، الإنسانية هي نتيجة التربية. ومن هذا الأمر، يمكننا أن نستنتج أن التربية عملية لها نقطة بداية ونقطة نهاية. بعبارة أخرى، التربية هي «مسار».
وبناء على هذا الاستنتاج، يمكن أن نستنتج أن أولئك الذين ينخرطون في التربية والتدريب، طالما أنهم لا يمتلكون المعرفة والوعي بالهدف ولا يسعون إليه بجدية، فلن يتمكنوا من تحقيق عملية التربية. بعبارة أخرى، في عملية التربية، يلعب «الهدف النهائي» دورا أساسيا في توجيه عملية التربية. ويمكن القول باستخدام الطريقة التحليلية عند کانط:
- الهدف النهائي للتربيّة :
هو آخر مرحلة من مراحل التربيّة، و
سبب لتوجيه الأنشطة التربويّة الأخرى، و
الذي هو حصیلة التحوّل في الطبیعة الحیوانیّة، و
الذي يعتبر علامة على عدم إنحراف الإنسان فی حیاته.
2-2. خصائص هدف التربيّة عند كانط
وبعد توضيح ما هو الهدف النهائي للتربيّة عند كانط، سنوضح هنا خصائص الهدف النهائي من وجهة نظر كانط. ومن خلال دراسة كتب كانط، يمكن للمرء أن يحقق الخصائص الخمس للهدف النهائي للتربيّة. وهذه الميزات الخمس هي:
2-2-1. التفاوت مع نقطة البدایة
كما قلنا، فإن عملية التربية تبدأ عند النقطة التي تؤخذ فيها الطبيعة الحيوانية بعين الاعتبار، وتنتهي عند النقطة التي تؤخذ فيها الطبيعة البشرية بعين الاعتبار. ومن الواضح أن طبيعة الحيوان عند كانط لها حريات كثيرة، وأن تصرفات الحيوانات تتأثر برغباتها وغرائزها. في حين أن الطبيعة البشرية هي طبيعة لها «قيود» في بعض النواحي. فالإنسان الذي تتحقق فيه الطبيعة البشرية لا يفعل کلّ ما يريد. ووفقا لكانط، فإن إحدى خصائص هدف التربیّة هي أنه يخلق حدودا للإنسان[13] .ولذلك يمكن القول أنّ الهدف النهائي للتربيّة له اختلافات كبيرة وواسعة مع نقطة بدايته، وهناك فی التربيّة بون شاسع بین البداية و النهاية.
2-2-2. کونها عقلانيّة
قلنا أنه وفقا لكانط، فإن نتيجة التربيّة هي تحقيق الطبيعة البشرية. والآن، فإن أحد أبعاد هذه «الطبيعة البشرية» هو التفكير العقلاني. ولذلك فإن الإنسان يحقق التفكير العقلاني من خلال التربيّة. لذلك، يمكن القول أنه وفقًا لكانط، فإن الهدف النهائي للتربيّة هو أن يكون «عقلانيًا». إذن من الخصائص الأخرى للهدف النهایی للتربيّة في نظر كانط أن هذا الهدف يتم توفيره باتباع العقل[14].
2-2-3. کونها تدريجیّة
قلنا أنه من وجهة نظر كانط، فإن التربیّة يجعل الطبيعة الحيوانية تتحوّل إلى طبيعة إنسانية. ومن الواضح أن هذا التغيير لا يحدث في لحظة. إنّ مشروع التربيّة ليست مشروعاً فورياً. وهذا يعني أن التربيّة عند كانط يقوم على «التغيير التدريجي»[15].
2-2-4. کونها عالميّة
من الجدل الدائر حول فلسفة التربيّة، وخاصة حول الهدف النهائي للتربيّة، هو ما إذا كان التربيّة وهدفه النهائي لجميع الناس أم أنها مختصّة ببعض الناس؟ في الإجابة على هذا السؤال، يؤكد كانط على عالمية الهدف النهائي للتربيّة. وفقًا لكانط، يجب أن يكون الهدف النهائي للتربيّة هو جعل الناس يفكرون في «غايات جيّدة» ويسعون لتحقيق غايات جيدة. كانط ردا على سؤال ما هي النوايا الحسنة؟ ويقول إن الغایات الجیّدة هي الأشياء التي «یوافق عليها الجميع»[16].
2-2-5. أن يکون متناغمًا مع الظروف
من النقاط البارزة في أي نظام تربويّ أن تكون الأهداف المقترحة في ذلك النظام مناسبة للموقف والظروف. وهذا يعني أن الأهداف لا ينبغي أن تكون مثالية إلى درجة لا يمكن تحقيقها، ولا تافهة إلى درجة تتجاهل جوانب من الوجود الإنساني. وهنا تنكشف إحدى النقاط البارزة في نظام كانط التربوي. ومن خصائص هدف التربية عند كانط انسجامها مع الظروف. وفي هذا السياق، يؤكد كانط على أنه في نظام التربیّة، ينبغي للمرء أن يتصرف بطريقة تجعل الشخص متربيّاً وفقًا للظروف والأوضاع[17] فإن من السمات التي ذكرها كانط للهدف النهائي للتربيّة هو أن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل، كما أوضح هذا الأمر[18].
ويمكننا تلخيص خصائص الهدف النهائي للتعليم عند كانط فيما يلي:
- الهدف النهائي للتربيّة والذي يتّصف بأنّه:
عقلانيّ، و
تدریجي، و
عالمي، و
الذي يتفاوت مع نقطة البداية فی التربيّة.
الذي يتناغم مع الظروف.
2-3. التحديات التي تواجه وجهة نظر كانط حول هدف التربيّة
بعد وصف وجهة نظر كانط حول الهدف النهائي للتربيّة، حان الوقت الآن لفحصها بشكل نقدي. يمكن القول أن «التربيّة» هی عملية. ومن ثم فلها مراحل مختلفة. تبدأ هذه العملية من نقطة واحدة وتنتهي عند نقطة واحدة. يمكن تسمية النقطة الأولى «أ» والنقطة الثانية «ب». والآن نقول إن ما نعنيه بهدف التربيّة هو المرحلة التي سمينا منها النقطة «ب». وكما أوضحنا، بحسب كانط، في عملية التربية، النقطة أ هي «الطبيعة الحيوانية» والنقطة ب هي «الطبيعة البشرية». بالنظر إلى الفرق المهم الموجود بين الطبيعة الحيوانية والطبيعة البشرية، يمكن القول، وفقًا لكانط، في عملية التربيّة، تختلف النقطة أ اختلافًا جوهريًا عن النقطة ب.
وانطلاقا من مبادئ الحكمة المتعاليّة يمكن القول إن التربية هي «حركة وجودية»، لأن طبيعة الإنسان تقوم على وجوده و ذلك علی أساس «أصالة الوجود»[19] ، وبما أن الوجود الإنساني يخضع لحركة جوهرية علی أساس «الحرکة الجوهريّة»[20]، فإن كل تغيير وتحول في الإنسان يتأثر بالحركة الوجودية الجوهريّة. ولذلك، بحسب رأي صدرالمتالهین، فإن للتعليم نقطة بداية تسمّی بـ «ما منه الحركة» ونقطة نهاية تسمى «ما إلیه الحركة». وبما أن في الحكمة المتعالية تعتبر نفس حركة الكمال الوجوديّ وهدفها كمالاً آخر، فإن حركة التربية الوجودية تسير حتماً نحو الكمال، ومن هنا يمكن القول أنه بحسب الحكمة المتعاليّة فإن الهدف الأسمى في التربية هو الكمال. إذن فإنّ «ما إليه الحرکة» فی التربية «کمال وجودي».
والآن سنتناول هذه المسألة، بحسب أصول الحکمة المتعاليّة، ما هي العلاقة بين الهدف النهائي للتربية ونقطة الانطلاق للتربيّة؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الذهاب إلى رأي الملا صدرا في خلق الإنسان. يعتقد الملا صدرا أن خلق الإنسان هو أن الإنسان «الخليفة الالهيّ»[21] .
2-3-1. المتلائم مع نقطة البدایة
والآن، إذا اعتبرنا أن الوجود الأكمل في حكمة الكائن الأسمى هو وجود الله، الذي هو «واجب الوجود بالذات» وجميع الكائنات الأخرى «عین الربط» به[22]، يصبح من الواضح أن الهدف النهائي للتربيّة لا يتعارض مع إلى نقطة انطلاق الحركة، فإذا تمت عملية التعليم بشكل صحيح، فسيكون هناك انسجام بين نقطة البداية للتعليم و نقطة النهاية النهائية من هدف التعليم. لذلك وبالطبع لا ينبغي للمرء أن يتصور أن الهدف الأسمى للتربية عند جميع البشر هو الانسجام مع البعد الإلهي لطبيعتهم، ولكن ما تم التعبير عنه هو وجهة نظر الملا صدرا للتعليم المثالي، وربما لن يصل بعض البشر إلى الغاية النهائية من كمال التعليم باختيار الطريق الخطأ.
ومن الضروري أيضًا الانتباه إلى حقيقة أنه من بين مخلوقات العالم، فإن البشر فقط هم الذين لديهم مثل هذه الخاصية ولديهم القدرة على أن يصبحوا «خليفة الله»[23] .
وبحسب هذا الرأي فإن الإنسان يتمتع بخاصية «إلهية» وقت الخلق، مما يجعله «منسوبا» نسبة وجوديّةً إلى الكمال الوجودي المطلق، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لديه قدرات ومواهب، إذا وُضع على طريق التربية الصحيحة، سيصل تدريجيًا إلى الكمال الوجودي ويأخذ خطوة ويصبح «الخليفة الإلهية»[24] .
2-3-2. کونها تدريجیّة
وهناك نقطة أخرى ينبغي مراعاتها في شرح وجهة نظر الحكمة المتعالية حول التربيّة، وهي أن التربيّة عملية تدريجية، لأن التربيّة "حركة" والحركة أيضًا «تغيير تدريجي»، فالتربيّة عملية تدريجية[25].
2-2-3. کونها عقلانيّة أیضاً
ولما كان مشروع التربيّة، انطلاقا من مبادئ الحكمة المتعالية، يؤدي إلى تحقيق القوى الإنسانيّة، وباعتبار أن جزءا من القوى الإنسانية هي القوى الإدراكية، وإحدى قوى الإنسان الإدراكية هي «قوة العقل»[26] ، فإنه ومن الواضح أن تطبيق التربيّة سيؤدي إلى هدف «عقلاني». لذلك يمكن الاستنتاج أنه بحسب الحکمة المتعاليّة فإن الهدف النهائي للتربيّة هو هدف عقلاني. لكن لا ينبغي أن يتصور أن هذا الهدف النهائي مجرد أمر عقلاني فحسب، بل إن هذا الهدف هو أيضاً یتمتّع بأبعاد شهودیّة کما أنّه متضمّن بأبعاد إلهيّة، بالإضافة إلى كونه عقلانياً. إذن لا يوجد تناقض بين كونه عقلانيًا و شهوديّاً وإلهيًا معاً. فإن أساس فلسفة كانط النظرية يقوم على معرفة الطبيعة[27] ولا يوجد شيء يتعلق بالأبعاد الإلهية في نظام كانط التربوي.
لقد ذكرنا أن كانط يولي التربية دورا هاما، فهو يعترف بأن التربية تمنع الإنسان من الانحراف عن هدفه النهائي، وهو «الإنسانية». وكأن الإنسان بدون التربية يصبح مخلوقا ماديًا أرضيًا- بريًا، حسب كانط[28] ، والآن لنعد إلى ما قاله كانط في نقد العقل العملي. ففي هذا الكتاب يعارض كانط بشدة «النتيجة» ويرفضها بشدة[29]. ويرى كانط أن ما يعطي الأفعال البشرية صفة الأخلاق هو أساساً أداء تلك الأفعال على أساس «الواجب» أو ما یعبّر عنه ب«الوظیفة»، وأن أي جهد لتحقيق «الهدف» هو مسألة تجريبية خالية من الجوانب الأخلاقية[30]. ولكن ينبغي أن نعلم أن التربية لا يمكن أن تتحقق بدون خطة، وأن كامل النظام الفكري والفلسفي عند كانط يقوم على «نفي المثالية». فكيف نظرنا إلى ما إذا كان ينفي تماماً علم الآخرة في كتابه نقد العقل العملي؟!
فمن الواضح أن لكل ظاهرة أسباباً عدة. ومن بين هذه الأسباب السبب الغائي. والظواهر الإنسانية، بما في ذلك التربية والأخلاق، ليست خالية من الأسباب أيضاً. فبسبب تنوع السبب الفعال (الفاعل الطبيعي، الفاعل العمدي، إلخ)، تتنوع النتائج.
وإن قلنا إن أصل التربية في الإنسان هو الطبيعة ذاتها، فينبغي أن يقال إن للتربية غاية، لأن لكل فعل ومعلول علة غائية، لأن خروج الشيء من القابلية إلى الفعل لا يكون إلا إذا كان للفاعل بين الفعلين الممكنين رغبة في فعل خاص وآثره؛ وإلا فإنه أولا يصبح تفضيلا لغير مفضل أو ترجيحًا لأمر غير راجح وبلا ترجيح (اختيار أحد شيئين متساويين على الآخر بلا سبب)، وهو أمر مستحيل، وثانيا تصبح العواقب والأفعال الطبيعية للأشياء غير متوقعة وغير مؤكدة، ويصبح كل معلول يحدث من أي سبب. ومن هذا المنطلق يكون هناك مساواة بين الغاية والسبب النهائي؛ «وهذا يعني أن كل حالة لها غاية لها سبب نهائي، وكل حالة لها سبب نهائي لها غاية»[31] .
وعلى كل حال، وبناء على ما تقدم، إما أن يقال إن التربية خالية من أي جانب أخلاقي أساسًا، أو أن الأخلاق القائمة على الوظیفة قد تم تنقيحها. وبالتالي، لا يمكن قبول نفي النفعية كمبدأ للتربية في نظر كانط.
ومن الغريب أن كانط، على الرغم من نفي الغائية في الأخلاق العملية، أعطى أيضًا معيارًا للغاية الطيبة. ففي رأيه، يمكن اعتبار شيء ما بمثابة غاية طيبة «يوافق عليها الجميع»[32] . وهنا يُطرح السؤال: بالنظر إلى الاختلافات بين البشر، كيف يمكن للمرء أن يجد شيئًا مشتركًا للجميع؟ بالإضافة إلى ذلك، إذا لم يكن هناك إجماع على الغاية الطيبة، فهل تظل التربية بلا غاية؟ إضافة إلى هؤلاء، المجتمع نفسه، الذي من المفترض أن يكون إجماعه معياراً لتحديد الغاية الحسنة، في أي ظروف نشأ، وعلى أي أساس نشأ؟
3. نتایج البحث
هذه المقالة بمنهج وصفي تحليلي تقوم بنقد و دراسة هدف التربيّة عند إیمانويل کانط تهدف إلى تبيين عدم توافق موقف كانط من غرض التعليم مع أسسه النظرية، و تستنتج أن الأمور التي يدعيها کانط لاتتلائم مع الأسس التی یدعیها فی مجال العقل النظري و العقل العملي. يضاف إلى ذلك أن المبادئ المذكورة تخلو من الدقة والضبط من وجهة نظر الحكمة المتعالیة. یعتقد کانط أنّ الهدف النهائي للتربيّة هو آخر مرحلة من مراحل التربيّة، و سبب لتوجيه الأنشطة التربويّة الأخرى، و الذي هو حصیلة التحوّل فی الطبیعة الحیوانیّة، و الذي يعتبر علامة على عدم إنحراف الإنسان فی حیاته. كانط يفترض أنّ الهدف النهائي للتربيّة أمر عقلانيّ، تدریجي، عالمي، و الذیي یتناقض مع نقطة البداية في التربيّة، و هو متناغم مع الظروف.
وجهة نظر كانط حول الهدف النهائي للتعليم تواجه مشاكل. فمن بين المشاكل التي تؤثر على موقف كانط من فلسفة التربية هو ذلك أولاً أنه بحسب الحكمة المتعاليّة فإن الهدف الأسمى و النهایی في التربية – خلافاً لما یتبنّاه کانط - هو الكمال الوجودیّ، إذن فإنّ «ما إليه الحرکة» في التربية «کمال وجودي». ثانيًا إنّ الإنسان يتمتع بخاصيّة «إلهيّة» حین الخلق، مما يجعله «منسوبا» نسبتاً وجوديّةً إلى الكمال الوجودي المطلق، فإذا وُضع على طريق التربية الصحيحة ، سيصل تدريجيًا إلى الكمال الوجودي الالهیّ. ثالثا ينبغي أن يقال عن وجهة نظر كانط إما إنّ التربية خالية من أي جانب أخلاقي أساسًا، أو أن الأخلاق القائمة على الوظیفه قد تمّ تنقيحها. وبالتالي، لا يمكن قبول نفي النفعية كمبدأ للتربية في نظر كانط.
أكد کانط على أنّ التربية تبتنی علی أساس ملاحظة الوظیفة، في حين رفض النزعة النفعية في الأخلاق. ونتيجة هذا الرأي أنه ينبغي أن يقال إنّ التربية منفصلة عن الأخلاق، أو أن وجهة نظر كانط في مجال الأخلاق غير صحيحة.
يرى كانط أن السبيل الوحيد لتحقيق هدف التربية هو وجود «مربيّ»، والسؤال هنا: كيف يمكن التعرف على هذه الطبيعة البشرية؟ كما اعتبر كانط أن تغيير الطبيعة الحيوانية إلى طبيعة بشرية هو هدف التربية، وأكد أن هذا التغيير لا يمكن أن يتم إلا عن طريق مربي، والسؤال المطروح هو كيف استطاع المربي أن يغير طبيعته الحيوانية إلى طبيعة بشرية؟
المراجع والمصادر
الشيرازي، محمد بن ابراهیم(صدرالمتالهین)، الحکمة المتعاليّة فی الاسفار الاربعة العقلية، بيروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1981.
ــــــــــــــــــ، تفسیر القرآن الکریم، تصحیح محمد خواجوی، قم، انتشارات بیدار، 1366.
ــــــــــــــــــ، المبدأ و المعاد، طهران، بنیاد حکمت صدرا، 1381.
الطباطبايي، سیدمحمد حسین، نهاية الحکمة، قم، انتشارات جامعه مدرسین، 1361.
Ducasse, C. J., On the Function and Nature of the Philosophy of Education, in what is Philosophy of Education? New York, Macmillan.
Elias, John L., Philosophy of Education; Classical and Contemporary, Florida: Krieger Publishing, 1995.
Friedman, Michael, Kant’s Construction of Nature: A Reading of the Metaphysical Foundations of Natural Science, Cambridge: Cambridge University Press, 2013.
Kant, Immanuel, Critique of Practical Reason, translated by Lewis White Beck, Indiana: Library of Liberal Arts, 1975.
ــــــــــــــــــ, Philonenko, Alexis, Réflexions sur l›éducation, Paris: Vrin, 2018.
Rousseau, Jean-Jacques, Emile: On Education, Translated to English by Barbara Foxley, New York: Nuvision Pubns, 2018.
--------------------------------------
[1]* استاذ مشارك و عضو هيئة التدريس في جامعة باقر العلوم علیه السلام(abdi@bou.ac.ir).
[2]. Elias, Philosophy of Education; Classical and Contemporary, 19.
[3]. Ducasse, On the Function and Nature of the Philosophy of Education, in what is Philosophy of Education?, 169.
[4]. Rousseau, Emile: On Education, 8.
[5]. Kant, Réflexions sur l’éducation, 10.
[6]. Ibid, 92.
[7]. Rousseau, Emile: On Education, 35
[8]. النظام الفلسفي المسمى بالحكمة المتعالية هو النظام الذي أسسه صدر المتالهين الشيرازي (ت 1050 هجري).
[9]. Kant, Réflexions sur l’éducation, 58.
[10]. Ibid, 59
[11]. Ibid, 150
[12]. Ibid, 58
[13]. Ibid, 59.
[14]. Ibid, 61.
[15]. Ibid, 64.
[16]. Ibid, 72- 73.
[17]. Ibid, 69.
[18]. Ibid.
[19]. الشيرازي، الحکمة المتعاليّة فی الاسفار الاربعة العقلية، 9: 64.
[20]. م. ن، 3: 61
[21]. م. ن، 5: 296.
[22]. م. ن، 1: 144.
[23]. الشيرازي، تفسیر القرآن الکریم، 2: 308.
[24]. الشيرازي، الحکمة المتعاليّة فی الاسفار الاربعة العقلية، 3: 420.
[25]. م. ن، 3: 22.
[26]. الشيرازي، المبدأ و المعاد، 2: 793.
[27]. Friedman, Kant’s Construction of Nature: A Reading of the Metaphysical Foundations of Natural Science, 56.
[28]. Kant, Réflexions sur l’éducation, 59.
[29]. Kant, Critique of Practical Reason, 5: 28.
[30]. Ibid.
[31]. الطباطبايي، نهاية الحكمة، 29.
[32]. Kant, Réflexions sur l’éducation, 73.