الباحث : آرزو زارع زاده ، بابك عباسي ، علي رضا دارابي
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 36
السنة : خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : February / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 92
الملخّص
إن مفتاح فهم الفلسفة المتأخرة لفتغنشتاين تكمن في الاهتمام بأبحاث القواعد اللغوية. إن هذا المفهوم عن قواعد اللغة يختلف عن استعماله التقليدي، وليس له التفات إلى اللغة من حيث كونها نظاماً من العلامات. وبهذا الاتجاه تكتسب ماهية القضايا الدينية صفة خاصّة تختلف عن سائر المقولات المعرفية الأخرى. إن القضايا من وجهة نظر فيتغنشتاين تنقسم إلى قسمين، وهما: القضايا “القابلة للتعويض\للبيان والتفسير”، والقضايا “غير القابلة للتعويض\للبيان والتفسير”، والقضايا الدينية من قسم القضايا “غير قابلة للتعويض”؛ وعلى هذا الأساس لا تقبل البيان أو التفسير بعبارات أخرى. وكذلك فإن ماهية لغة الدين “باطنية”، ولا تكتسب معناها إلا في باطنها فقط، ولا تكتسب مثل القضايا “الخارجية” معنى أوضح بمساعدة القضايا الأخرى. وعلى هذا الأساس فإن ارتباط القضايا الدينية ينقطع عن سائر القضايا الأخرى من قبيل القضايا العلمية. وعلى الرغم من أن المقولات الدينية تستعمل في حقل الدين على نحو مفهومي أنها تتضمن شؤونًا غير التطابق مع الواقع أو قبول الصدق والكذب. بالنظر إلى أهمية لغة الدين في فهم المسائل الدينية، يتمّ الجواب في هذه المقالة عن سؤالين أصليين بأسلوب توصيفي / تحليلي، وهذان السؤالان هما: ما هو الشأن المعرفي أو غير المعرفي للغة الدين من وجهة نظر فيتغنشتاين؟ ما هي الانتقادات الواردة على هذا الرأي من وجهة نظر العلّامة الطباطبائي؟ وعلى هذا الأساس بعد دراسة خصائص لغة الدين من وجهة نظر فيتغنشتاين سوف نتعرّض إلى بيان تبعات ذلك في ضوء آراء العلامة الطباطبائي.
الكلمات المفتاحية: فيتغنشتاين، العلامة الطباطبائي، لغة الدين، المفهومية، معرفة اللغة.
1 ـ المقدمة
هناك عدد من فلاسفة الدين يذهبون إلى الاعتقاد بأن لغة الدين تعدّ لغة معرفية؛ ولذلك فإنها تكون ذات معنى ومفهوم وناظرة إلى الواقع وتقبل الصدق والكذب. وإن أغلب الفلاسفة المسلمين ـ ومن بينهم العلامة الطباطبائي ـ يقولون بوجود الشأن المعرفي للغة الدين. ومن هذه الزاوية لا تكون القضايا الدينية مفهومة وذات معنى بالنسبة إلى عموم الناس فحسب، بل وهي تنشأ من الحقائق والواقعيات المحضة أيضاً. ومن وجهة نظر آخرين لا تقوم لغة الدين بتوصيف الواقعية، ولا ينبغي اعتبارها مجموعة من المعتقدات والقضايا التي تقبل الصدق والكذب. وفي هذه الرؤية تكون لغة الدين ناظرة إلى بيان الأحاسيس والمشاعر والمسائل الأخلاقية والأعمال التابعة لها. وعلى هذا الأساس، فإن الدين يحمل هاجس السعادة والفلاح، ولا أهمية للإثبات النظري للتعاليم والعقائد الدينية. ويعد فيتغنشتاين من زمرة الفلاسفة الذين يؤمنون بالتفسير غير المعرفي للغة الدين.
إن آراء فيتغنشتاين المتأخّرة حول الفلسفة تختلف عن آرائه المتقدمة بشأنها. ففي الفلسفة المتقدمة يتم تحديد حدود المعنى والمفهوم من خلال فهم البنية المنطقية للغة. يقول فيتغنشتاين: “إن حدود لغتي، تعمل على بيان حدود عالمي”؛ بمعنى أن اللغة في بيان المفهوم يجب أن لا تتجاوز حدود العالم. إن القضايا الدينية من وجهة نظره تفوق حدود اللغة وتفتقر إلى المعنى، وإن كل كلام في هذا السياق سوف يكون عديم المعنى. ومن هنا فإن فيتغنشتاين في فلسفته المتقدّمة وإن كان لا يُنكر الحقائق الدينية؛ إلا أنه كان يرى الحديث حول موضوعات غير قضايا العلوم الطبيعية والمنطق والرياضيات حديثاً مهملاً. يرى فيتغنشتاين أن الأمور الدينية تنطوي في الأصل على أسرار لا يمكن الحديث عنها، ويرى السعي من أجل بيانها عديم المعنى.
وفي فلسفته المتقدمة، كان فيتغنشتاين يركّز على “نظرية تصويرية المعنى”، حيث سعى في ضوئها إلى إيضاح العلاقة والارتباط بين اللغة والعالم، وأن يشرح طريقة إلصاق المعنى عند الاستفادة الصحيحة من اللغة. وأما في فلسفته المتأخرة فيتمّ التأكيد من قبله على “بحث القواعد اللغوية” في استعمال الألفاظ، ويتعرّض مسألة کیفیة العمل على إضفاء المعاني على الأصوات والكتابات بالنظر إلى “قواعد اللغة”. وفي هذا البيان يبدو أن الدين هو الموضوع الذي ترك تأثيره على مجمل حياة فيتغنشتاين، بل وقد أدّى به ذلك إلى أن يجد نفسه عاجزاً عن النظر إلى المسائل إلا من الزاوية الدينية فقط. وعلى هذا الأساس فإن معرفة ماهية القضايا الدينية من وجهة نظر فيتغنشتاين تساعد على فهم فلسفته بشكل أدق أيضاً. يسعى فيتغنشتاين ـ من خلال الاستفادة من الأبعاد الإيجابية والسلبية لفلسفته ـ إلى إظهار التمايز بين القضايا الدينية والمقولات المعرفية الأخرى. إن البُعد الإيجابي لفلسفة فيتغنشتاين هو الاهتمام بأبحاث القواعد اللغوية للألفاظ والعبارات، والمراد من البُعد السلبي رؤيته العلاجية، حيث سوف نتعرّض إلى بحثها لاحقاً.
إن آراء فيتغنشتاين حول ماهية لغة الدين تواجه بعض الانتقادات الافتراضية من قبل العلامة الطباطبائي؛ ولذلك فإننا بعد شرح آراء فيتغنشتاين وبيان الأبعاد الإيجابية والسلبية من فلسفته، سوف نعمل على دراسة أبستمولوجية القضايا الدينية من وجهة نظره، لننتقل بعد ذلك وفي نهاية المطاف إلى الانتقادات المحتملة عليه من قبل العلامة الطباطبائي.
2 ـ ممارسة الفلسفة من وجهة نظر فيتغنشتاين
يبدو بالنظر إلى أخذ النظام “المتعالي-الاستعلائي- الترنسندنتالي” (transcendental) بنظر الاعتبار، أن فيتغنشتاين قد مارس الفلسفة في المرحلة المتقدمة، وعمل على تقديم “نظرية تصويرية المعنى”. وأما في المرحلة المتأخرة، فتظهر الأبعاد السلبية من فلسفته. إن القراءة العلاجية في المرحلة المتأخرة تتضمّن هذا المعنى، وإن التفلسف بمعنى التنظير ليس من شأن الفلسفة. والأبعاد السلبية في فلسفة فيتغنشتاين ملحوظة، ولكن هذا لا يعني أن فلسفته تفتقر إلى الأبعاد الإيجابية. يرى بيتر هيكر أن الالتفات إلى أبحاث القواعد اللغوية وإيجاد مسار ينتهي إلى البصيرة في الفهم يُعدّ من الأبعاد الإيجابية لفلسفة لودفيغ فيتغنشتاين.
2 / 1 ـ الأبعاد السلبية والإيجابية في فلسفة فيتغنشتاين المتأخر
أ ـ البُعد الإيجابي
إن البُعد الإيجابي في فلسفة فيتغنشتاين المتأخّر هو التركيز على قواعد اللغة والإظهار الشامل لأقسام من اللغة التي تؤدي إلى الاضطرابات المفهومية. إن قواعد لغة استعمال المفردات لا تظهر بسهولة ولا يمكن فهمها بنظرة واحدة. إن قواعد اللغة السطحية هي عبارة عن الاختلاف بين الاسم والفعل والصفة يمكن التعرّف عليها بسهولة؛ إلا أن فهم قواعد اللغة العميقة يحتاج إلى المزيد من التدقيق في النظر، من ذلك أنه بالنظر إلى القواعد السطحية ـ على سبيل المثال ـ يبدو أن فعل “الامتلاك” في جملة “أنا عندي إيمان” وجملة “أنا عندي نقود” يدل على امتلاك شيء على نحو واحد. ولكن بالنظر إلى القواعد العميقة لا يكون الأمر كذلك. وعليه فإن اللغة في هذه الحالة تحتاج إلى إعادة إظهار كي لا يحدث في البين اضطراب مفهومي. يقول فيتغنشتاين في بيان هذا المطلب: “إن من بين المناشئ الأصلية لعدم فهمنا للدين أننا لا نمتلك رؤية شاملة لاستعمال مفرداتنا. إن قواعد لغتنا تنطوي على شحّ في الرؤية الشاملة، إن إعادة الإظهار تنتج شمولية الفهم، وهذا يعني رؤية الروابط. ومن هنا تأتي أهمية وإبداع الحلقات الوسيطة”.
إن الرؤية الأصلية لفيتغنشتاين هي أن سوء الفهم في اللغة إنما يمكن معالجته بالنظر إلى الاستعمال العملي للغة. إن علّة سوء الفهم تكمن في الرسم المتسرّع لكيفية أداء جزء من اللغة من وجهة نظرنا. يسعى لودفيغ فيتغنشتاين إلى إيضاح عدم إمكان الاستفادة من الصور المتعيّنة مسبقاً؛ ولذلك فإنه من أجل الوصول إلى فهم صحيح يقترح من خلال الاستعانة بتحليلات القواعد اللغوية الالتفات بالتدريج إلى عدم وجاهة أفكارنا الابتدائية، لنصل في نهاية المطاف إلى هذا الفهم والإدراك بأن ما هو ضروري لفهم كيفية أداء هذا القسم من لغتنا ماثل حالياً أمام أعيننا، ويمكن مشاهدته في مرتبة بنية وتركيبة الفعاليات العملية اليومية لنا. في هذا المستوى عندما نقيس الصورة الفلسفية والابتدائية لذهننا إلى الواقعية المنشودة للودفيغ فيتغنشتاين، ندرك أن شوقنا إلى البيان والتبيين في الربط بين فهم معنى مفردة ما واستعمالها الحقيقي سوف يقدّم لنا تعبيراً مجتثاً ليس له أساس. يؤكد لودفيغ فيتغنشتاين قائلاً: “إن بحثنا هو بحث القواعد اللغوية. وإن هذا البحث يسلط ضوءاً على مسألتنا، وبذلك يزول سوء الأفهام”. ثم يوضح قائلاً أن سوء هذه الأفهام يعود سببه إلى الاستعمال الخاطئ للكلمات؛ من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنها قد ظهرت من قبل القياسات بين أشكال البيان في الأنحاء المختلفة للغة. إن مراد لودفيغ فيتغنشتاين من “قواعد اللغة” في الفلسفة المتأخرة له يختلف عن مفهومه في الاستعمال التقليدي. وفي الواقع فإن استعمال “قواعد اللغة” ليس من جهة أن اللغة منظومة من العلامات فقط، بل ينظر إلى استعمال الكلمات من جهة استخدام اللغة والاهتمام ببنية الاستعمال العملي للغة. إن أسلوب لودفيغ فيتغنشتاين هو أسلوب يساعدنا على استذكار جزئيات الأشكال المختلفة لاستعمال الألفاظ المقوّمة لـ “قواعد لغة فهمنا”. إنما نستطيع إيضاح وبيان قواعد لغة مفاهيمنا بواسطة الإحاطة بالأشكال المختلفة لاستعمال الألفاظ والعبارات، وإنما يمكن تشخيص وحلّ وفصل مسائل الفلسفة من خلال التوصّل إلى هذا الشرح والتوضيح لطريقة وكيفية استعال الألفاظ والعبارات. ولهذا السبب يذهب لودفيغ فيتغنشتاين إلى التهكّم بالأب أوهارا وينتقده. يقول فيتغنشتاين بشأن الأب أوهارا: “إن الذي يبدو لي مضحكاً في موقف أوهارا، هو أنه يُظهر الإيمان بوصفه أمراً معقولاً”. وهنا تماماً يؤكد فيتغنشتاين على وجوب بحث القواعد اللغوية؛ وذلك لأن الإيمان ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ ينطوي على خصائص: “فهو ليس غير معقول فحسب، بل ولا يتظاهر بالمعقولية أيضاً”. لقد سعى أوهارا إلى إقامة صلة بين الإيمان والمعقولية، وكأنه يتحدّث عن مسألة علمية. في حين يذهب لودفيغ فيتغنشتاين إلى القول بأن المعقولية ليست هي معيار الحجية في الإيمان. قد تكون عبارة “اللامعقول” في الأبحاث العلمية مثاراً للنقد والشجب بالنسبة إلى الجميع، وأما في الدين فإن “المعقولية” لا صلة لها بمقولة “الإيمان” أصلاً. يقول فيتغنشتاين: “إن الاعتقاد بالله أياً كان، لا يمكن أن يكون من قبيل الاعتقاد بشيء يمكن اختباره أو أن نجد طريقاً لاختباره”. يقول فيتغنشتاين في الردّ على أولئك الذين يقولون بأن إيمانهم يستند إلى الشواهد أو التجربة الدينية: “إن مجرّد قول الشخص بأن اعتقاده وإيمانه يقوم على أساس الشواهد، لا يكفي لكي نقول بإمكان اعتبار هذه الشواهد في جملة (إن الله موجود) غير مقبولة أو غير كافية أم لا”. وفي الواقع فإن الشواهد في توجيه الإيمان الديني ليست من قبيل الشواهد العلمية في تفسير وتبرير المعتقدات العلمية؛ ولذلك فإن هذه الألفاظ والعبارات تحتاج إلى إعادة تظهير شاملة.
لا يعمد لودفيغ فيتغنشتاين في فلسفته المتأخرة إلى التنظير، وإنما يسعى من خلال العديد من الأمثلة إلى ترسيخ المطلب في أذهان مخاطبيه. وقد عمد لودفيغ فيتغنشتاين في الكتاب الأزرق والكتاب البني إلى توصيف هذا المطلب بالكثير من الأمثلة. إنه لمن المضلل ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ أن نتحدّث عن “التفكير” بوصفه “نشاطاً ذهنياً”. يمكن لنا أن نقول إن “التفكير” هو العمل من خلال استخدام العلامات والدلائل. عندما نفكر من خلال الكتابة، فإن هذه العملية تتمّ بواسطة اليد، وعندما نفكر من خلال التكلم، فإن هذه العملية تتمّ بواسطة اللسان والحنجرة، وعندما نفكر بواسطة تصوّر العلامات أو الصور، لا نستطيع التعريف بالعامل أو العنصر الذي نفكر به. يُشير فيتغنشتاين إلى اختلاف عاملية اليد والذهن. ففي الكتابة تكون الورقة محلاً وموضعاً للتفكير، والكلام يتحقق في الفم واللسان، ولكن هل يمكن القول أن التفكير يتحقق في الرأس أو في المخ؟ وفي الحقيقة فإنه يروم الإشارة إلى هذا المطلب، وهو أننا عندما نقول: “إن الذهن يفكر” أو “إن المخ هو موضع التفكير”، إنما نقول ذلك على سبيل الاستعارة والمجاز. علينا أن نفهم آلية هذا التعبير أو القواعد اللغوية الخاصّة به، أو أن نجري مقارنة لكي نفهم أين يكمن اختلاف القواعد اللغوية لهذه العبارة المرتبطة بالذهن والتفكير وبين العبارات المرتبطة بالكتابة أو التكلّم. من خلال هذه المقارنة ندرك السبب الذي يدفعنا إلى القول باعتبار المخ موضعاً للتفكير؛ وذلك لأن نضع التفكير إلى جوار أفعال من قبيل “الكتابة” أو “التكلّم” ونحصل على نتيجة مماثلة. وعلى الرغم من أن الكتابة نشاط جسدي، لذلك نميل إلى استعمالها بشكل مشابه. يجب القول إن مفردات من قبيل “التفكير” لها استعمالاتها الخاصة. أو حتى في الأمثلة المذكورة يتمّ استعمال مفردة “المكان” أو “الموضع” في معان متنوّعة. ولذلك لو جنح شخص إلى البحث عن موضع بصري لموارد من قبيل التفكير، يكون قد تعرّض ـ شيئاً ما ـ إلى نوع من سوء الفهم في قواعد اللغة.
إن البُعد الإيجابي من فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين يعمل ـ من خلال إيضاح المسار ـ على تزويدنا ببصيرة لكي نُدرك العلاقات المفهومية على نحو أفضل، وهي العلاقات التي نغفل عنها عادة، وإن هذه الغفلة هي التي تكون منشأ لإدخالنا في الكثير من المتاهات. إن المراد من إعادة النظر الشاملة عبارة عن جميع الأشياء التي تحول دون وضوح المسائل وشفافيتها. يجب توسيع دائرة هذه الرؤية المتجدّدة؛ وذلك لأن أفكارنا قد امتدّت إلى مديات بعيدة جداً. إن إعادة القراءة الشاملة عبارة عن تقديم ترتيب جديد لقواعد استعمال ألفاظ ومفردات من قبيل: “الاعتقاد”، و”التفكير”، و”الوجود”، و”الواقعية”، و”المعقولية”، و”الامتلاك”، و”المعرفة”، حيث يمكن وضعها أمام مرأى الآخرين بشكل واضح. ومهما كانت لنا معرفة بهذه القواعد، لا يمكن أن نمتلك رؤية شاملة عنها بسهولة. إلا أن هذا الأسلوب يعمل على إظهار الماهية المنطقية للألفاظ التي تؤدّي إلى تشويشنا وضياعنا في التأملات الفلسفية، وتجعل إعادة النظر فيها أمراً ممكناً.
ب ـ البُعد السلبي
إن الفلسفة ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ قبل أن تكون نشاطاً إيجابياً تعد نوعاً من النشاط السلبي؛ بمعنى أنها بحث في متاهة كثيرة الطرق الملتوية والمتداخلة. وفي الواقع فإن اللغة متاهة ملتوية الطرق يتيه فيها الإنسان ولا يدري من أين ينطلق وإلى أين يتجه. إن البُعد السلبي من فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين يمثّل نوعاً من العلاج لأمراض العقل. وإن المشاكل الفلسفية بدورها تنشأ من اختلاط المفاهيم في الشبكة اللغوية. إن نجاح الفيلسوف في هذه الظروف من قبيل النجاح في معالجة المريض وإعادة السلامة إليه. إن البُعد السلبي لفلسفة لودفيغ فيتغنشتاين، ترفض النظريات الميتافيزيقية بشأن البنية الضرورية للواقعية مع ذهن البشر؛ ربما ذهب التصوّر إلى أن هذا البُعد يبدو مخرّباً. إن لودفيغ فيتغنشتاين يقرأ أذهان الآخرين ويشعر باحتمال أن ترد أسئلة على أذهان مخاطبيه؛ ولذلك نجده يبادر إلى طرح الأسئلة، ومن بينها هذا السؤال القائل: “من أين يكتسب هذا البحث أهميته، في حين يبدو أن مهمته بحسب الظاهر هي تحطيم كل شيء ممتع أو كل شيء عظيم ومهم؟”. إن لدينا تعبيراً خاطئاً عن العبارات القديمة واللغوية الشائعة ونصنع منها بيوتاً ورقية. إن هذه الصوَر الخيالية من الجاذبية بحيث لا نرغب في التخلي عنها، وتبعاً لذلك يجيب لودفيغ فيتغنشتاين عن هذا السؤال قائلاً: “بيد أن هذه الأمور التي نعمل على تحطيمها إنما هي مجرّد أبنية ورقية”. يعمد لودفيغ فيتغنشتاين إلى بيان نتائج هذا النموذج من الفلسفة السلبية بأسلوب علاجي، إذ يقول: “اكتشاف مهمل من المهملات الصريحة والأورام التي يتعرّض لها الفهم عند اصطدامه بحدود اللغة”. لو أخذنا الجانب العلاجي على نحو جاد، وعمدنا إلى التأكيد على الأبعاد السلبية من الفلسفة المتأخرة لفيتغنشتاين، لن يكون هناك سبب يدعونا إلى التنظير.
2 / 2 ـ مهمّة الفيلسوف
إن مهمة الفيلسوف ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ عبارة عن: “جمع المعلومات لغرض خاص”. إن مهمة الفلسفة هي إظهار المواجهات اللغوية وليس التغطية عليها. إن بعض المسائل من القرب من الإنسان بحيث يغفل عن أهميتها. إن مهمة الفلسفة عبارة عن: “إنها تضع كل شيء أمام ناظرنا فقط، ولا تعمل على بيان أيّ شيء، ولا تستنتج شيئاً، إذ إن كل شيء واضح هناك، وليس هناك شيء للتبيين”. وذلك لأن التبيين عبارة عن إعادة شيء إلى شيء والبحث عن العلة والدليل. إن المشاكل الفلسفية لا تُحلّ ولا تنحلّ من خلال توصيف المفردات. إن المعضلات الفلسفية تنشأ من الاستفادة الخاطئة للمفاهيم؛ ولذلك لا يمكن حلّ هذه المعضلات من خلال استبدالها بمفاهيم جديدة؛ لأننا بذلك لا نقوم إلا بتغطية المشاكل القديمة. يتعرّض لودفيغ فيتغنشتاين إلى توصيف الألعاب اللغوية. بمعنى أنه يعمل على توصيف عاداتنا ونشاطاتنا وأفعالنا وردود أفعالنا في حقول محدّدة، حيث يتعلق بها الاستعمال المعياري للمفردات. إن الفلسفة تبقي كل شيء كما هو. إن مراد لودفيغ فيتغنشتاين من حظر التبيين في الفلسفة هو أننا لو كنا في العلوم التجريبية نواجه الفرضيات العلية التي تعمل على تبيين ظواهر العالم في ضوء القواعد والشرائط الابتدائية، فإن التبيين بهذا المعنى ليس له موضع في الفلسفة أو الدين. إن الفلسفة والعلم ليسا من مقولة واحدة. وإن التبيين الوحيد الذي يمكن اتخاذه في الفلسفة، هو التوضيح بواسطة التوصيف، والمراد من التوصيف هو استعمال المفردات.
إن الفيلسوف يعمل على التفكيك والفصل بين الكلام المفهوم وبين الكلام غير المفهوم، وليس له من وظيفة أو مهمة أخرى. في هذا السياق يكون تعيين حدود الكلام المفهوم بواسطة التجربة هو المقدّم، ويمكن أن يكون فرضية لصدق وكذب القضايا. ليست هناك فرضية في ممارسة الفلسفة؛ إذ عندما نفهم معنى القضية، لا يمكن لهذا الفهم أن يكون قائماً على الفرض والحدس. وفي الواقع فإن “مهمة الفيلسوف لا تكمن في حل التناقضات من خلال الإبداع المفهومي؛ بل عليه أن يقدّم رؤية واضحة وصريحة عن التركيبة المفهومية للمشكلة، وأن يقدّم نوعاً من البصيرة عن الوضع القائم الذي يؤدّي إلى انحلال التناقض”. إن العمل اللازم في هذا المسار إنما هو الطريقة الصحيحة لاستعمال المفردات.
3 ـ ماهية القضايا الدينية في فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين
بعد عدول لودفيغ فيتغنشتاين عن فلسفته المتقدمة، أدرك قائلاً: “إن الذي نسمّيه قضية ولغة، ليس هو تلك الوحدة الصورية التي كنت أتصوّرها، بل هي أسرة من الأبنية المرتبطة ببعضها بشكل وآخر”. إن هذا الافتراض القائل بأن اللغة ليس لها ماهية ذاتية، يعمل على توفير هذه الإمكانية وهي استعمال كلمة واحدة للظواهر المختلفة؛ ولذلك عندما نتحدّث حول لغة الدين، علينا أن نعلم ما هي خصائص اللغة في فلسفة فيتغنشتاين.
هناك في الفلسفة المتأخرة للودفيغ فيتغنشتاين نوع من النسيجية؛ ولذلك فإن مفهوماً مثل “الاعتقاد” يكتسب مفهوماً متفاوتاً في مختلف النصوص؛ في حين أن الاعتقاد في الفلسفة التقليدية لا يعدو أن يكون مجرّد حالة ذهنية. يشرح لودفيغ فيتغنشتاين كيف تتغيّر معاني المفردات من نص إلى نص آخر، حيث إن الدين في فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين يُعدّ واحداً من نصوص الحياة، فإن المفردات في هذا السياق تكتسب معنى خاصّاً بها. لقد ذهب لودفيغ فيتغنشتاين المتأخر في نفي الجوهرانية ـ التي كنا نشاهدها في فلسفته المتقدّمة ـ إلى الاعتقاد بعدم وجود شيء بوصفه معنى لمفردة “الاعتقاد” أصلاً. وعلى هذا الأساس فإن كل سعي من أجل تقديم تعريف للمفاهيم سوف يواجه الفشل؛ وذلك لأن المفردة في مختلف السياقات سوف تكتسب معان مختلفة. إن “الاعتقاد الديني” و”الاعتقاد العلمي” ماهيتان مختلفتان من الاعتقاد تماماً؛ بحيث لا يمكن المقارنة بينهما أبداً. وعلى هذا الأساس فإن الأمور التي تندرج ضمن اسم واحد لا تكون مشتركة في أيّ شيء سوى ذلك الاسم. ومن هنا فإن لودفيغ فيتغنشتاين يعد من الاسميين بشكل أو بآخر. وفي هذه الرؤية لا تكون للكليات بدورها واقعية حقيقية ومستقلة. وفي الحقيقة والواقع فإن الوجه في إطلاق مفردة كلية على موارد متعددة إنما يكون بسبب أنواع التشابه التي تؤدّي إلى إدراجها ضمن اسم واحد، وهي الحالة التي يعبّر عنها لودفيغ فيتغنشتاين بالتشابه الأسري. لقد أعلن لودفيغ فيتغنشتاين في فلسفته المتأخرة عن أن المفردة يمكن استعمالها بشكل مفهومي في معان مختلفة في حين لا يكون أيّ واحد من المعاني الاستعارية والمجازية. ومن هنا فإنه يذهب إلى الاعتقاد بنظرية الاشتراك اللفظي. وبعبارة أخرى إن لفظ “الاعتقاد” أو أيّ لفظ آخر من قبيل “الواقعية” أو “المعقولية” عندما يتمّ استعمالها في الدين تكتسب في السياقات الأخرى معنى مختلفاً، ولو تمّ استعمالها ضمن مفهوم ديني فسوف يؤدّي ذلك إلى سوء الفهم؛ إذ لا يتمّ الالتفات إلى منطق اللغة. إن جذور جميع مشاكلنا تعود ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ إلى عدم إدراكنا لمنطق اللغة. إن الذي يريده منا لودفيغ فيتغنشتاين ـ من خلال التغيير في النظرة وإدراك أساليب أداء المفاهيم اللغوية في مختلف الحقول ـ هو فهم الأداء الحقيقي للغة، وأن نكافح القياسات الباطلة والتشابهات السطحية. لو كان لنا فيما يتعلق بأساليب استعمال اللغة توجّه خاطئ، فقد يؤدّي بنا ذلك إلى أن ندمج استعمال نوع من العبارات باستعمال نوع مختلف عنه، أو أن نسعى إلى استعمال العبارات بشكل منفصل عن النصوص التي تنشط فيها؛ وتبعاً لذلك سوف تدور اللغة حول نفسها، وسوف يكون حالها حال ذلك الشخص المحبوس في غرفة، وعلى الرغم من أن بابها غير مقفل، ولكنه مصمم بحيث لا ينفتح بدفعه نحو الخارج، وإنما يُفتح بسحبه إلى الداخل فقط؛ فما لم يخطر على باله أن يسحب الباب إلى الداخل بدلاً من دفعه إلى الخارج سوف يبقى حبيس تلك الغرفة مدى الحياة. يسعى لودفيغ فيتغنشتاين إلى بيان طريق الخروج. إن بحث القواعد اللغوية بالإضافة إلى تفكيك الألعاب اللغوية يكشف عن فراغ العبارات التي يقدّمها الفيلسوف لبيان الظواهر. إن بحث القواعد اللغوية يضع أمامنا كل ما نحتاج إليه في إدراك وفهم نوع وطريقة أداء اللغة وماهية الفهم.
يلجأ لودفيغ فيتغنشتاين إلى الاستفادة من مفردة “التصوير” لكي يعمل على إظهار التمايز بين “العبارات القابلة للتعويض” و”العبارات غير القابلة للتعويض”، ويقول إن القضايا الدينية لا تقبل التعويض والاستبدال بعبارات أخرى؛ إذ في التبيين يتمّ استبدال جملة أو عبارة بجملة أو عبارة أخرى.
نحن نتحدّث عن جملة أو عبارة واحدة بمفهومين:
أ ـ العبارات التي يمكن وضع عبارة أخرى بدلاً منها.
ب ـ العبارات التي لا يمكن وضع عبارة أخرى بدلاً منها.
في الحالة الأولى تكون الفكرة الموجودة في العبارة شيئًا مشتركًا في العبارات البديلة أيضاً، وفي الحالة الثانية لا يمكن بيان العبارة إلا بتلك المفردات. ويبدو أن إمكان توضيح العبارة لا يكون ممكنًا. إذا كانت عبارات المجموعة الأولى “خارجية”، وعبارات المجموعة الثانية “باطنية”؛ فإن عبارات من قبيل: “إن عين الله ترى كل شيء” أو “من الممكن أن يرى أحدنا الآخر بعد الموت”، يجب أن تدرك على نحو “باطني”، بمعنى أن العبارة يجب أن يتمّ فهمها في داخلها وباطنها؛ إذ ليس لها أيّ نقطة اشتراك مع أيّ جملة أو عبارة أخرى. وعلى هذا الأساس عندما نتحدّث عن عين الله لا تكون هناك ضرورة إلى التفكير بحاجب الله أيضاً. إن العبارات الدينية هي مثل النوطات الموسيقية التي هي نوع من التصوير؛ فهل يمكن استبدل نوته موسيقية بنوته موسيقية أخرى؟ إن أيّ تغيير لقضية دينية سوف يكون مقروناً بنوع من التحريف.
4 ـ أبستمولوجيا القضايا الدينية في الفلسفة المتأخرة لفيتغنشتاين
4 / 1 ـ تصويرية / استعارية القضايا الدينية
إن القضايا الدينية ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ عبارة عن صوَر موجودة لدى المؤمنين ويفتقر لها غير المتدينين. ومن هنا فإن الواقعيات وتطابقها مع الحقائق العينية في العالم المحيط بنا ليست مفروضة بوصفها سابقة على اللغة أو خارجة عن اللغة بحيث لا تكون قادرة على تبلور المعنى، ولو قلنا غير ذلك نكون ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ قد قلنا شيئاً شططاً. يقول لودفيغ فيتغنشتاين: “يبدو الأمر وكأن الذهن يدل على المفردة”. إن واقعية الصوَر الدينية ليست شيئاً خارجاً عن ذهن مستعمل اللغة. وبعبارة أخرى: “إن كل دلالة وحدها تبدو ميتة؛ فما هو الشيء الذي يضفي عليها الحياة؟ إنها تكتسب الحياة من الاستعمال الحي”. وعلى هذا الأساس فإن مفهوم ومعنى الواقعية رهن باستعمال اللغة؛ ولذلك لا تكون الواقعية في الألعاب اللغوية المختلفة شيئاً واحداً، ولو أصدرنا عليها حكماً واحداً نكون قد ارتكبنا خطأ.
إن الواقعية ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ ليست شيئاً يضفي المعنى على اللغة. وعلى هذا الأساس فإن الاختلاف بين الواقعي وغير الواقعي، وكذلك التطابق والتناغم مع الواقعية إنما يتعلق بحقل اللغة. إن مفردة الواقعية لا تحتوي على معنى ذاتي بحيث يمكن تعريفها بشكل متقدم على اللغة أو تقييمها والحكم في موردها. فهل لغة الدين تعمل على إظهار الواقع أم لا؟ في ضوء آراء لودفيغ فيتغنشتاين يمكن افتراض كلا النوعين.
على الرغم من أن رؤية لودفيغ فيتغنشتاين في مورد القضايا الدينية ـ في ضوء رأي الشارحين ـ ليست واقعية. ونظرية أخرى لا يكون لودفيغ فيتغنشتاين في ضوئها واقعياً ولا مخالفاً للواقعية. إن هذه الرؤية التي تعتبر علة وجود لهذه الثنائية الكاذبة تعود إلى عدم الفصل والتفكيك بين الواقعية والواقعية الميتافيزيقية. ومن هذه الناحية يكون وضع لودفيغ فيتغنشتاين من هذه الناحية في واحدة من هاتين المجموعتين ناشئاً من سوء فهم قواعد “الواقعية”. وبهذه الرؤية يبدو أنه لا يمكن اعتبار لودفيغ فيتغنشتاين شخصاً واقعياً أو مخالفاً للواقعية؛ وذلك لأن هذا النوع من التقسيمات إنما ينشأ من الفهم الخاطئ لقواعد مفردة “الواقعية” التي لم يتم استعمالها بشكل صحيح. ومن هذه الزاوية من الأفضل أن نتجاوز الثنائية الكاذبة للواقعية ومخالفة الواقعية.
إن من أهم أركان فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين أن قواعد اللغة أو شبكة المفاهيم التي نعمل على الاستفادة منها، لا تتعارض مع أمور الواقع ولا تتطابق معها. إن “قواعد اللغة” ليست مسؤولة تجاه أيّ واقعية من الواقعيات أبداً. ومن هذه الزاوية لا تكون المعتقدات الدينية صادقة أو كاذبة. إن المعتقدات الدينية لا تقوم على الحقائق التي تقوم عليها معتقداتنا العادية عادة. يستند لودفيغ فيتغنشتاين إلى الدور الاجتماعي للمفاهيم في الحياة المشتركة مع الآخرين وتلك المنظومة الفكرية الخاصّة. إن الذي يضفي المعنى على المفاهيم هو استعمال اللغة في الحياة الاجتماعية؛ وليس ذلك الموجود الوقعي الذي يقع مدلولاً أو مسمّى لمفهوم ما. إن غير الواقعيين يعتبرون الحقيقة نوعاً من الارتباط مع اللغة البشرية بأساليبها العملية الخاصة. ونتيجة لذلك بالنظر إلى قابليات ومحدوديات الإنسان، تقوم الواقعية على شرائط قد تتبلور ضمن الساحة الذهنية للإنسان.
هناك نوعان من التصوير في كتاب (التحقيقات الفلسفية):
أ ـ التصوير الذي يعمل على بيان واقعية محدّدة.
ب ـ تصوير واقعية كلية يوجد فيها مشهد أو أشخاص مختلفون، وعندما ينظر الفرد إلى هذه الصورة لا يتصوّر ولو للحظة واحدة أن لهؤلاء الأشخاص وجوداً في الخارج.
إن الصوَر من النوع الثاني تمتنحنا المتعة واللذة وتنقل لنا شعوراً وإحساساً. ولكن ما هو المعنى الآخر لهذه الصوَر؟ قد ترسم لنا لحظة من الواقعية، ولكن هل أفهمها كما هي؟ إن لغة الدين بدورها مثل الصورة أو الرسم الذي لا يكون متطابقاً مع الواقع بالضرورة؛ وحتى إذا كان لها واقعية، لا يمكن الحصول من خلال صورة على مضمون واقعي للحقيقة. وفي الحالة المنفصلة والمعزولة لا يمكن فهم شيء من نصّ الواقعية اعتماداً على صورة في لحظة واحدة.
إن الإنسان المتدين يمتلك بعض الصوَر التي تتساوى مع الواقعية. يعمد لودفيغ فيتغنشتاين إلى مقارنة صوَر موضوعات الكتاب المقدّس بلوحات مايكل آنجلو، ويقول في ذلك: “هل كان يدور في خلد مايكل آنجلو أن نوح كان في سفينته على هذه الشاكلة، وأن الله عندما كان يخلق آدم كان بهذا الشكل؟”. لا شك في أن مايكل آنجلو لم يكن يقول إن النبي آدم كان على هذه الصورة؛ وإنما مراد لودفيغ فيتغنشتاين هو أن صوَر الكتاب المقدس على هذه الشاكلة أيضاً؛ بمعنى أنه ليس من اللازم أن تكون متطابقة معها بشكل دقيق.
4 / 2 ـ أهمية العالم / الصورة في شكل الحياة الدينية
إن القضايا الدينية في الفلسفة المتأخرة لفيتغنشتاين لا تحتاج إلى توجيه أو تفسير أبستمولوجي؛ وذلك لأنها من المعتقدات التي تظهر العالم / الصورة (world - picture) للإنسان المتديّن، وتشكل ـ بوصفها عقائد رئيسة ـ أساساً لعقائد المتدينين، وهي في الأساس لا تحتاج إلى تفسير أو توجيه. يقول لودفيغ فيتغنشتاين: “إن المشكلة تكمن في تشخيص عدم وجود أساس لمعتقداتنا”. ويشير لودفيغ فيتغنشتاين إلى المعتقدات التي لا تستند إلى دليل. نشهد نوعاً من المبنائية في آراء لودفيغ فيتغنشتاين. يقول فيتغنشتاين في كتابه (حول اليقين): “أنا أعلم”، بمعنى أني أمتلك أدلة صحيحة على كلامي، ولو كان هناك شخص على معرفة بالألعاب اللغوية سوف يقبل بمعرفتي، وأما الأشخاص الذين هم خارج هذه اللعبة سوف يكونون محرومين من هذا التفسير المعرفي. لقد كان البنيویون التقليديون يقولون بأن المعتقدات إنما تكون من المباني فيما لو كانت مبنائيتها ذاتية أو عينية؛ وأما من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين فإن المعتقدات المبنائية إنما تظهر على شكل الحياة، ولا يمكن الشك فيها، وإن هذا الوضع رهن بالقوانين الحاكمة على المعاني والمفاهيم والتوجيه والتفسير في ذلك الشكل من الحياة.
إن بعض معتقداتنا الأساسية ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ هي هذه المعتقدات التي لا تستند إلى دليل، حيث لا نقيم عليها أيّ دليل؛ ولكن يمكن اعتبار هذه المعتقدات جزءاً من النظام المعرفي الذي تعرّضنا إلى بحثه في كتاب (حول اليقين). إن هذه المعتقدات وإن تمّ الإيمان بها من دون دليل، ولكنها ليست غير مبررة. وفي الفقرة رقم: 167 من كتاب (حول اليقين) يشير لودفيغ فيتغنشتاين إلى العالم / الصورة التي لم يبدعها الإنسان؛ بل تعلمها في طفولته، ويسمي ذلك بالعالم / الصورة وليست فرضية، وذلك لأن هذا العالم / الصورة هو الأساس في معتقداته. وإن عالم الصوَر هذا ليس من سنخ الشواهد التجريبية. وفي الفقرة رقم 262 يشير لودفيغ فيتغنشتاين إلى إمكان تعليم الشخص عالماً من الصوَر غير الواقعية ولكنه يعتقد بها، وتعدّ بعد ذلك من معتقداته الأساسية. وبهذا البيان يكون للمعتقدات الدينية تفسيراً معرفياً، وليس من اللازم على المؤمنين أن يأتوا بشاهد على إثبات عقائدهم أو أن يسعوا إلى إثبات أنها معتقدات حقيقية. يقول لودفيغ فيتغنشتاين: “لو كانت هناك شواهد فإن هذا الأمر في الحقيقة سوف ينسف موضوع الإيمان ويقضي عليه تماماً”. إن العالم / الصورة في رؤية لودفيغ فيتغنشتاين يعمل على بيان تعامل الإنسان مع العالم المحيط به، والذي تتبلور اللعبة اللغوية على أساسه. إن عالم / صورة الإنسان المتديّن يتعلق بعالمه، ولا يقبل النقل والتبيين، ولا يقبل النقد أو الإثبات بواسطة الحقول الأخرى، وليس مهمّاً أن يمتلك الإنسان المتديّن بعض المعتقدات التي تتعارض مع العقل أو العلم، ولا ضرورة بعد ذلك إلى البحث عن جواب عن الشبهات العلمية أو العقلية، أو أن يسعى إلى الدفاع عن عقائده بالأساليب العلمية والعقلية.
4 / 3 ـ العملانية من دون دعامة اعتقادية
إن ملاك المفهومية ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ ليس عينياً أو نظرياً، بل هو أسلوب عملي وتطبيقي. قد يخطر على الذهن سؤال يقول: إذا كانت المعتقدات الدينية لا تحتاج إلى تفسير وتوجيه، فما هو الدليل على صدقها؟ إن لودفيغ فيتغنشتاين بعد الإشارة إلى ضرورة الدخول والانخراط في شكل الحياة الدينية يذهب إلى التأكيد على أن الذي يلعب دوراً أساسياً في الحياة الدينية إنما هو عمل الشخص. إن الدين مجموعة من المعتقدات والقضايا التي لا تقبل الصدق والكذب، فعلى سبيل المثال ليس مهماً “ما الذي قاله عيسى لبولس؟”. لذلك لا ينبغي للإنسان أن يهدر وقته في إثبات القضايا الدينية من الناحية العقلية والعلمية أو التاريخية؛ بل عليه أن يتقي ويحصل على الفلاح، وإن الحصول على الفلاح لا يكمن في هذه الأمور. إن الاستدلال في إثبات العقائد الدينية لا أهمية له، وإن سلوكنا يجب أن يكون نهاية التوجيه والتفسير. إن المهم في الحياة الدينية أكثر من القضايا هو عمل المتديّن وسلوكه. إن المتديّن لا يبحث بشأن الدين، بل يعمل على تغيير أسلوب حياته. عندما يسعى الإنسان إلى أن يكون مساعداً للآخرين، فإنه سوف يصل في نهاية المطاف إلى القرب من الله. يذهب ملكم نورمان إلى الاعتقاد بأن توظيف لودفيغ فيتغنشتاين لمصطلح اللعبة اللغوية يعكس هواجسه بالنسبة إلى العمل.
4 / 4 ـ الاهتمام بقواعد مفردة “المعقولية”
إن المتدينين ـ في رؤية لودفيغ فيتغنشتاين ـ يحصلون على اليقين بشكل إيماني، وطبقاً لذلك لا تحتاج العقائد الدينية إلى توجيه وتعليل أبستمولوجي ومعرفي. وفي هذا السياق يؤمنون بوثاقة وأحقية المعتقدات الدينية على أساس ماهية الإيمان، لا على أساس العقل والاستدلال. يحق للمؤمنين أن يقبلوا بالمعقدات الدينية من دون برهان. إن المطروح تحت عنوان النزعة الإيمانية من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين إنما هو النزعة الإيمانية المعتدلة. في الحياة الدينية لا يكون اليقين قابلاً للقياس بالمعايير العقلية. إن الإيمان حماسي وملحمي من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين، وإن التعقّل والتنظير يجب أن لا يحاصر القضايا الدينية. إذا كانت المعقولية تعني إمكانية التفسير والتوجيه، وإذا كانت عدم المعقولية تعني عدم إمكان الشرح والتفسير، فإن هذه المعتقدات بدورها لن تكون معقولة أو غير معقولة أيضاً. وعلى هذا الأساس فإن الدين ليس مجموعة من القضايا التي تقبل الصدق والكذب؛ بل هو نوع من الشعور الحماسي والملحمي الذي يحمل هاجس السعادة والفلاح. وعلى هذا الأساس فإن الاهتمام بقاعدة مفردة “المعقولية” ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ إنما تعكس هذا المطلب، وهو أن هذه المفردة في مختلف السياقات تحتوي على معان مختلفة، بل ومن المحتمل أن تكون عديمة المعنى أيضاً.
5 ـ نقد آراء فيتغنشتاين بالنظر إلى آراء العلامة الطباطبائي
1 ـ إن لغة الدين لغة مفهومة لجميع الناس. ليس هناك لغة مطلسمة لا يفهمها أحد، أو أن تكون بحيث لا يفهمها إلا مجموعة خاصّة من الناس؛ وذلك لأن غاية الدين هي العمل على هداية جميع الناس. وعليه لو كانت لغة الدين لغة مبهمة وغامضة فسوف لا تتحقق هذه الغاية ولن يكون بمقدور الإنسان أن يلتفت إلى ترجيح خطاب الدين ولغته على سائر اللغات الأخرى. يذهب العلامة الطباطبائي إلى الاعتقاد بأن القدرة على فهم لغة الدين ليست حكراً على طبقة أو فئة خاصّة من الناس. إذا كانت لغة الدين في إيصال المطالب غامضة ومبهمة أو ملغّزة فإنها لن تكون في مثل هذه الحالة لغة بليغة، وعلى هذا الأساس لا يوجد في كلام الله شيء بحيث يكون مدلوله الحقيقي مشتبهاً أو مجهولاً بالنسبة إلى الناس؛ ولذلك فإن الطريق إلى فهم لغة الدين ليس مغلقاً على أحد، وبطبيعة الحال فإن بعض الأشخاص في ضوء تخصصهم في العلوم المختلفة لن يكون لهم حظ أوفر في فهم الدين.
2 ـ من وجهة نظر العلامة الطباطبائي ليس هناك من سبب يدعو إلى الفصل والتفكيك بين الدين والعلوم الأخرى، ثم استنتج بعد ذلك أنه لا يمكن إثبات المعتقدات أو الحقائق الدينية بالأساليب العلمية. وقال في هذا الشأن: “ليس للدين من هدف سوى الوصول ـ بالدليل وسلاح المنطق والعمل وبقوّة البرهان التي زوّد بها الناس ـ إلى معرفة ما وراء الطبيعة، وهذه هي الفلسفة الإلهية”. لو اعتبرنا الفلسفة والمنطق عملاً مستقلاً عن الدين، فسوف تكون هذه العلوم أداة لفهم الحقائق الإلهية بشكل أفضل؛ ولذلك فإن الارتباط الوثيق بين العلوم التي هي من قبيل الفلسفة والمنطق وبين الدين، بحيث لا يمكن من دونها فهم ومعرفة الحقائق التي هي الغاية التي يهدف إليها الدين. لقد أشار الدين إلى مختلف العلوم وأثنى عليها ودعا الناس إلى تعلمها. يذهب العلامة الطباطبائي إلى الاعتقاد بجامعية الدين وكماله؛ وعلى هذا الأساس تكون العلوم الأخرى موجودة في صلب الدين. ومن الجدير ذكره أن العلامة الطباطبائي في حالة التعارض بين العلم والدين يرجّح كفّة الرجوع إلى الدين؛ وذلك لأن العلم ليس كاملاً، ولأن ظرف وجوده هو العالم المادي الذي يعاني بطبيعته من النقصان، وكذلك فإن العلم يقتصر على المحسوسات، ولذلك فإنه لا يستطيع الوصول إلى الأمور الوحيانية والغيبية، وكذلك في التعارضات لا تمتلك العلوم الطبيعية والاجتماعية شأنية تقويم المقولات الدينية أيضاً.
3 ـ يرى العلامة الطباطبائي أن شرح وتفسير الدين كان قائماً منذ بداية النزول. إن من بين مهام الأنبياء بيان وتفسير القضايا الدينية. وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر لا يتحقق من خلال إيجاد المسار أو وضع المقاصد أمام المخاطبين بالوحي؛ بل إن النبي من خلال تبويب المطالب وتسهيل المقاصد يدفع بالمخاطب بالوحي إلى الأنس بكلام الله، لكي يدركه بشكل أفضل ولا يجنح نحو الخطأ. وفي هذا المسار يقوم النبي ببيان المسائل الدينية التي يدلّ عليها كلام الله. وإن هذه المسائل هي ذات المطالب التي يريد الله سبحانه وتعالى تفهيمها بكلامه إلى البشر. ويرى العلامة الطباطبائي أن الوصول إلى هذه المعارف أمر ممكن للناس، وعليه ليس الأمر كما لو أن الإنسان لا يمتلك طريقاً لفهم الدين أو لا يستطيع فهم كلام الله سبحانه وتعالى. وبشكل عام فإن العلامة الطباطبائي يؤمن بإمكان تفسير وتبيين القضايا الدينية، وذلك لأن القضايا الدينية في إطار السعي إلى فهم الدين في مسار التوضيح والتبيين أو التفسير تمتلك القابلية والقدرة على التحوّل والاستبدال بالقضايا الأخرى؛ إذ الشرط في ذلك هو أن يمتلك الأشخاص القدرة على ذلك بفعل الخبرة والممارسة.
4 ـ يرى العلامة الطباطبائي أن هناك ثلاثة عناصر مهمّة تؤدّي إلى سعادة الإنسان وفلاحه، وهي على النحو الآتي:
1 ـ الاعتقاد بنزول سلسلة من المعتقدات الدينية والأحكام العملية والأخلاقية من عند الله سبحانه وتعالى بواسطة الأنبياء لأجل هداية الإنسان.
2 ـ العمل بجميع الأحكام الشرعية والتعاليم الإلهية.
3 ـ الأخلاق الحسنة.
في هذه الرؤية لا يكون هناك معنى للعملانية البحتة، بل يجب أن ينطوي العمل الصالح أو الأخلاق الحسنة على دعامة اعتقادية وحقيقية؛ إذ من المحتمل جداً أن يقع الإنسان في الخطأ في التمييز بين الحق والباطل. في حين أن المعارف الدينية إنما تكون معياراً في معرفة الحق والباطل، حيث لا يكون هناك شك فيها. ونتيجة لذلك فإن العملانية المجرّدة عن الاعتقاد والإيمان بالحقائق ذات الصلة بالمبدأ والمعاد لا يمكن أن تكون ضامنة لسعادة الإنسان وفلاحه.
5 ـ إن الذي نشاهده في الآراء الدينية للودفيغ فتغنشتاين إنما هو النزوع نحو الأخلاق، ولا نشاهد شيئاً من وجوب القيام بالأعمال الدينية. في حين أن العلامة الطباطبائي يرى أن العمل بالفرائض الدينية يُعدّ من الأصول والمباني الدينية التي لا محيص عن العمل بها. وإن العمل بهذه الفرائض من الأهمية بمكان بحيث إذا لم يستطع العمل بها في المجتمع، يجب عليه حينها الخروج من ذلك المجتمع والهجرة إلى البقاع الأخرى من أرض الله الواسعة. وقد ذهب الخبراء في الشأن الديني بدورهم، إلى بيان البُعد العملي من الدين واعتباره عنصراً في إضفاء المعنى على الدين أيضاً. يقول غيرتز في هذا الشأن: “إن الأجزاء والتقاليد والطقوس الدينية من وجهة نظر المختصين في الشأن الديني تعدّ نقطة الاشتراك بين الأفراد المنتمين إلى نسيج ومجتمع ما، ونتيجة لذلك يكون من المهم والمؤثر جداً أن تكون ذات معنى في حياة الإنسان”. عندما تتصل الأعمال والسلوكيات بالمصدر الإلهي، فإنها سوف تعمل على بيان معرفية القضايا المرتبطة بهذه المسائل. ولذلك يجب أن تكون هناك حقيقة خارجية كي تكتسب الأعمال والسلوكيات الأخلاقية معناها بواسطة الإيمان بها والتقرب من الحقيقة بواسطتها. ومن خلال الاستناد إلى وجود هذه الحقائق الغيبية سوف يحصل ـ كل مطلب ينعكس في النصوص المقدسة على شكل القضايا الدينية ـ على امتياز معرفية اللغة الدينية.
6 ـ إن القول بأن الدين يعمل على تقديم صور، قد لا تكون متطابقة مع الحقيقة، لا يبدو صحيحاً؛ إذ ليس من شأن الدين أن يسرد القصص الخيالية لمجرّد استثارة العواطف الإنسانية برواية الحكايات غير الواقعية ليهديه بذلك إلى فعل الخير والصلاح. ليس هناك من سبب يدعو إلى أن لا يكون المراد اللفظي من القضايا الدينية سوى ما يُفهم من اللفظ. وكذلك فإن جانباً من القضايا الدينية لا يشمل القصص. وكذلك فإن جانباً من القضايا الدينية يشمل القصص التي لولا نزولها من طريق الوحي، لما حصل الناس على معلومات تاريخية بشأن مصير الأمم السالفة والأنبياء السابقين. إن هذه اللاواقعية الدينية قد تؤدّي إلى حذف الميتافيزيقا. إن لودفيغ فيتغنشتاين ـ بطبيعة الحال ـ لا يقصد عدم وجود شيء فيما وراء العالم المادي، وإنما يسعى إلى الحفاظ على الدين من خلال التنصّل من الأبحاث الفلسفية والكلامية الطويلة والمعقّدة. ولكن لا مفرّ ـ بطبيعة الحال ـ من هذه الحقيقة، وهي أننا لو ارتضينا بعدم الواقعية، فسوف نفقد شطراً من منافع الدين؛ وذلك لأن جانباً من فوائد الدين يكمن في هذا الارتباط الحقيقي مع الموجود والكائن الواقعي الغيبي والماورائي.
7 ـ إن الإيمان ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ يمثّل نوعاً من الإحساس، ولا يمكن إثباته وإبطاله بواسطة التجربة، وتبعاً لذلك لا تكون هناك علاقة ضرورية بين العقل والإيمان. في حين أن الإيمان يجب أن يقوم على العقل والعلم، ولا ينطوي وحده على قيمة. حيث يمكن للإنسان أن يفهم المسائل استناداً إلى عللها وأدلتها، لا يكون التقليد الأعمى جائزاً. إن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالإيمان العشوائي ولا يريد الإيمان الذي لا يستند إلى الوعي والإدراك. يذهب لودفيغ فيتغنشتاين إلى القول بعدم وجود ضرورة للاستفادة من البراهين العقلية في الدين، في حين أن بعض القضايا الدينية قابلة للاستدلال. إن الإنسان باعتبار العقل ومن خلال الاستعانة بالأساليب الفلسفية والمنطقية يمكنه أن يستدلّ على عقائده الدينية ويدافع عنها بشكل منطقي. كما يقول آيير في نقد النزعة الإيمانية عند فيتغنشتاين: “لو كنت متديّناً لكنت في شك فيما لو كان يجب أن أكون راضياً ليقال لي إني أمارس لعبة تتفق مع القانون المتعارف. بل يجب عليّ أن أكون على اطمئنان بصحة معتقداتي”.
8 ـ يجب أن يكون هناك في المفاهيم اشتراك معنوي بين المفاهيم، لكي يتمكن المتكلم من نقل مقاصده إلى المخاطب بنجاح. يذهب العلامة الطباطبائي إلى الاعتقاد بنظرية الاشتراك المعنوي بين الألفاظ التي تبدو متشابهة بحسب الظاهر في القضايا الدينية وغير الدينية. بحيث يكون هناك بين معاني الألفاظ المتشابهة في القضايا الدينية وغير الدينية نوع من العلاقة والسنخية. ومن هنا فإن اللغة المستعملة في الدين شبيهة باللغة المتعارفة بين عموم الناس. إن المعتقدين بالاشتراك اللفظي ـ من وجهة نظر العلامة الطباطبائي ـ لا يعتبرون الأسماء والصفات المشتركة بين الواجب والممكن بمعنى واحد. إن العلامة الطباطبائي يعتبر كلام المفكرين الذين يقبلون بالاشتراك اللفظي ـ ويؤكدون على أن اللفظ الواحد إذا حُمل على ماهية يكون بمعنى ذات تلك الماهية ـ كلاماً لا أساس له من الصحّة. وكذلك لو كان اللفظ الواحد ـ طبقاً لموازين أمثال لودفيغ فيتغنشتاين ـ له في كل موضع معنى مختلفاً، وكان في تحوّل وتغيّر مستمر، لكن لازم ذلك أن يتعثّر العقل في معرفة الله سبحانه وتعالى، وهذا على خلاف الوجدان.
9 ـ إن القضايا الدينية ـ من وجهة نظر لودفيغ فيتغنشتاين ـ تنشأ من حقيقة محضة وواحدة. إن التعبير بـ “نفس الأمر” من قبل العلامة الطباطبائي، يقصد به التطابق مع الواقع الذي يُعدّ ملاكاً لصدق القضايا. إن دعوى الفلسفة ـ في النظرة الفلسفية للعلامة الطباطبائي ـ هي أن لدينا حقائق في الخارج ونثبت هذه الحقيقة على نحو فطري؛ إذ لولا ذلك لما كان بمقدورنا أن نقوم بترتيب أثر منظم بالنسبة إلى الموضوعات. إن ميلنا إلى تناول الطعام بعد الشعور بالجوع، والنزوع إلى الهرب عند الشعور بالخطر، يعود سببه إلى الاعتقاد بالواقعية. في حين أنه في اعتقاد الشارحين لآراء لودفيغ فيتغنشتاين في فلسفته المتأخرة، تكون النسبية “الثقافية” و”المعرفية” مشهودة. إن النسبية الثقافية قابلة للفهم والإدراك إلى حدّ ما، وأما في النسبية المعرفية فهناك أساليب مختلفة لإدراك العالم. إن لكل جماعة تفسيرها، وقد تفهم جماعة أخرى ذات تلك المسألة بشكل مختلف تماماً؛ لذلك فإن الحقائق ليست مطلقة، بل يتمّ تحديدها بفهم الجماعة. ونتيجة لذلك تكون هناك “حقائق” و”قيَم” بعدد جميع أشكال الحياة، وإن شكل الحياة هو الذي يضفي المعنى على “الحقيقة” و”القيمة”. بالنظر إلى الشكل الأخلاقي للفلسفة عند لودفيغ فيتغنشتاين، فإنه في المجموع لا يستطيع الاعتقاد بالقيَم غير الأخلاقية، وإن نوع توجّهه التعددي يتضمّن بدوره هذا البحث، وهو أنه يمكن سماع كلام الآخرين، وليس هناك ما يدعو الجماعات إلى تصوّر أن حياتهم أفضل من الآخرين، وبطبيعة الحال يمكن إساءة استغلال هذا المطلب على المستوى الأخلاقي وحتى الديني؛ إذ لم يتمّ تعيين الحدود بشكل جيّد.
10 ـ يذهب لودفيغ فيتغنشتاين إلى الاعتقاد بوجود شبه بين بعض الألعاب اللغوية. ومع القبول بوجود وجه الشبه بين الألعاب اللغوية، فسوف تتوفر إمكانية الحكم أيضاً؛ ولذلك ليس الأمر كما لو لم يكن هناك من وجود للحكم خارج حدود الوجود. يمكن النظر من خارج الألعاب إلى داخلها والحكم بشأنها على نحو عادل وبشكل عقلاني. وكذلك فإن الناس يمتلكون على نحو مشترك هذه الأدوات المعرفية الحسية والعقلية والفطرية، حيث يمكن توفير الأرضية لإصدار مثل هذه الأحكام. إذا لم يكن هناك ارتباط بين أشكال الحياة، فإن التفاهم لن يكون ممكناً، وإذا كان هناك من ارتباط، فإن هذا يدل على وجود شكل للحياة ويدل على وجود لعبة لغوية تغطي جميع أشكال الحياة، وهذا مخالف لكلام لودفيغ فيتغنشتاين.
11 ـ ليس هناك ـ من وجهة نظر لودفيغ فتغنشتاين ـ في مصاديق لفظ ما وجه اشتراك ذاتي. كما وقد أعلن لودفيغ فتغنشتاين صراحة: “إن تصوّر مفهوم كلي ـ تكون له الصفة المشتركة لموارده الخاصّة ـ يرتبط على الدوام مع التصوّرات الأولية الأخرى وبشكل مبسّط للغاية بالبنية اللغوية”. كما كان كارل بوبر بدوره يعتبر نظرية عدم وجود المسائل الواقعية للفلسفة من وجهة نظر فيتغنشتاين، وعدم وجود غير الألغاز والأحاجي اللغوية من نقاط ضعفه أيضاً. إن لودفيغ فتغنشتاين لا يتحدّث عن الماهية أو الكليات، وإنما يبحث عن أوجه الشبه فقط، وإن الذي يبدو من بين الألفاظ دالاً على المفاهيم الكلية، يُعدّ ـ في ضوء المباني الاصطلاحية من قبيل الألعاب اللغوية وأوجه الشبه الأسرية ـ من نوع المشتركات اللفظية؛ حيث يدلّ اللفظ الواحد على أمور متعددة. وعلى هذا الأساس فإن لودفيغ فتغنشتاين يعارض النزعة الذاتية، ويُعدّ من الأسمائيين. إن العلامة الطباطبائي يندرج ضمن القائلين بالنزعة الذاتية. إن الذاتانية تعني الاعتقاد بوجود “الذات” و”الخواص الذاتية”؛ بمعنى أن هناك في الأشياء “واقعية بالفعل”. إن الجوهرانية في الأنطولوجيا هي أساس الواقعية في الأبستمولوجيا. وفي المقابل فإن مخالفة الجوهرانية في الأنطولوجيا تعدّ أساساً لمخالفة الواقعية في الأبستمولوجيا. يذهب العلامة الطباطبائي إلى الاعتقاد بأن المفاهيم الماهوية تتبلور في الذهن بسهولة؛ فعندما يواجه الذهن من طريق أحد الحواس مصداقاً واحداً أو عدداً من المصاديق لماهية خاصّة، فإنه يعمل بذلك على إعداد ماهيتها الكلية لنفسه. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه من خلال تذوّق عدد من الأطعمة الحلوة، يتبلور عنده المفهوم الكلي لـ “الحلاوة”. إن العلامة الطباطبائي يصطلح على هذا النوع من النشاط الذهني مفهوم الانتزاع؛ بمعنى أن الذهن بعد إدراكه لمجموعة من الأشياء المشابهة لبعضها، يعمل على المقارنة بينها، ويميّز الصفات الخاصة بكل واحد منها من الصفة المشتركة، ويصنع من تلك الصفة المشتركة مفهوماً كلياً يصدق على جميع الأنواع الكثيرة. وفي الواقع فإن الطريق الوحيد لإيضاح المعلومات الفكرية هو العمل على اكتشاف الماهية الحقيقية لموضوع القضية، أو أن يتمّ في الحدّ الأدنى أخذ المعرفة المشتملة على أقرب خواصّها. وبعبارة أخرى: إن هذا على خلاف فطرة المفكر المدقق الذي يبحث عن الأحكام الموضوعية، ولكنه يغفل عن حقيقة الموضوع؛ وذلك لأن الفلسفة والمنطق ليسا من الموضوعات الحسية، وعليه فإن المفكّر إذا لم يأخذ هذه النقاط بنظر الاعتبار، فإنه سيقع في الخطأ. المسألة الأخرى هي أن الاسميين ينكرون الجواهر ويقبلون بالأعراض، وتبعاً لذلك يواجهون المشكلة التي تؤدّي إلى إنكار الماهية؛ وذلك لأن الأعراض تابعة للجواهر، وبعد إنكار الجواهر لا يشير الموضوع والمحمول بإشارة ذاتية إلى ظاهرة أخرى، وبعد إنكار الجواهر لن يكون هناك وجود للماهية في نهاية المطاف.
إن آراء لودفيغ فتغنشتاين المتأخّر تحتوي على بعض الإشكالات، وإن من بين أهمّ هذه الإشكالات أن القبول باللوازم والعناصر المرتبطة بأشكال الحياة التي تشتمل على موارد تتعارض مع شهودنا. ولذلك لا نستطيع استخدام هذه القاعدة دائماً وعلى نسق واحد، وإذا أردنا الاقتصار على استعمالها في بعض الموارد فقط فإنها سوف تفقد قيمتها. وكذلك إذا أردنا غض الطرف عن مجموع فلسفة لودفيغ فتغنشتاين بسبب الإشكالات الواردة عليها، فإننا سوف نفقد جوانب مهمّة ومثمرة لها أثرها في فهم الأبحاث الفلسفية وحتى الدينية أيضاً. على الرغم من جميع الانتقادات الواردة على الرؤية الدينية للودفيغ فتغنشتاين، إلا أن فلسفته تنطوي على آثار ونتائج مثمرة في حقل المعنى والفهم الصحيح للمقولات المعرفية، حيث يسعى بأسلوب علاجي إلى حلّ معضلات الفكر واللغة. ولذلك يمكن الاستفادة ـ بغض النظر عن الانتقادات الوارد والاشكالات القائمة في بعض عقائده في باب القضايا الدينية ـ من سائر النتائج المثمرة في فلسفته.
6 ـ النتيجة
إن لغة الدين ـ في ضوء آراء فلاسفة الدين ـ لا يخلو أمرها، فهي إما أن تكون ذات معنى أو عديمة المعنى. فإن كانت ذات معنى فإما أن يكون لها شأن معرفي أو تعدّ غير معرفية، وإن لم يكن لها معنى فإن البحث حول معرفيتها أو عدم معرفيتها بدوره لن يكون له معنى أيضاً. يذهب العلامة الطباطبائي إلى القول بأن لغة الدين ـ من أيّ نوع كانت ـ فإنها تعدّ ذات معنى. لقد كان لودفيغ فتغنشتاين المتقدّم يعتبر الكلام عن الأبحاث الدينية يفوق حدود اللغة، وفي ضوء ذلك لا تمتلك اللغة ظرفية بيان الكلام ذي المعنى في حقل الدين، وأما في فلسفته المتأخرة فإن لغة الدين لو تمّ استعمالها بشكل صحيح ومع أخذ القواعد والحدود اللغوية في دائرة شكل الحياة الدينية من قبل المستعملين المتدينين بنظر الاعتبار، فسوف تعدّ ذات معنى، وما كان خارج ذلك لا يكون له معنى. وعلى هذا الأساس فإن العلُوم البشرية تفتقر إلى الشأنية في تقويم القضايا الدينية، في حين أن العلم والدين ـ من وجهة نظر العلامة الطباطبائي ـ لا يحتوي على حدود منفصلة. إن أصحاب النزعة اللامعرفية يندرجون ضمن زمرة اللاواقعيين الذين يعتقدون بأن الحقائق الدينية لا تعتبر مستقلة عن الذهن ولغة المستخدم؛ وعلى هذا الأساس فإن لغة الدين لا تشتمل على قيمة ذاتية مقتبسة من الحقائق العينية والخارجية. بالنظر إلى ما تقدّم من المسائل حول آراء العلامة الطباطبائي ولودفيغ فتغنشتاين، يتضح أن العلامة الطباطبائي كان يعتقد بوجود شأن معرفي للغة الدين ويُعدّ من بين القائلين بالواقعية. ويبدو من خلال معايير الفلاسفة التقليديين أن القضايا الدينية تحتوي ـ من وجهة نظر لودفيغ فتغنشتاين ـ على شأن معرفي؛ إذ ليس من اللازم أن تكون لغة الدين قد تبلورت على أساس التطابق مع الحقائق والواقعيات العينية. وبعبارة أخرى: إن “الواقعية” و”المعنى” هو الشيء الذي يصنعه المستخدم بنفسه، لا أنه يحصل عليه من الخارج بوصفه أمراً خارجياً. إن الشخص الذي يستخدم اللغة يكون له ـ في فلسفة لودفيغ فتغنشتاين ـ دور محوري وحيوي في تبلور المعنى، وإن شرط صدق القضايا رهن باستخدام المفردات والكلمات في سياقاتها المختلفة. إن هذا الاتجاه يؤدّي إلى نوع من التعددية، في حين أن الدين ـ من وجهة نظر العلامة الطباطبائي ـ حقيقة واحدة وعينية.
قائمة المصادر:
ادموندز، ديويد وجان آيدينو، ويتگنشتاين / پوپر و ماجراي سيخ بخاري، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حسن كامشاد، نشر ني، طهران، 1396 هـ ش.
استيور، دان آر، فلسفه زبان ديني، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أبو الفضل ساجدي، انتشارات أديان، قم، 1393 هـ ش.
أكبري، رضا، ايمان گروي: نظريات كركگور، ويتگنشتاين و پلانتينگا، پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامي، قم، 1386 هـ ش.
أوسي، علي رمضان، روش علامه طباطبائي در تفسير الميزان، سازمان تبليغات اسلامي، شركت چاپ و نشر بين الملل، طهران، 1381 هـ ش.
تريگ، راجر، دانشنامه فلسفه دين: واقع گرائي و ضد واقع گرائي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إنشاء الله رحمتي، انتشارات سوفيا، طهران، 1399 هـ ش.
الجوادي الآملي، عبد الله، دين شناسي، انتشارات إسراء، 1392 هـ ش.
حسيني، مالك، ويتگنشتاين و حكمت، انتشارات هرمس، طهران، 1394 هـ ش.
دباغ، سروش و أبو الفضل صبر آميز، “واقع گرائي و ضد واقع گرائي اخلاقي در ويتگنشتاين”، مجلة ميتافيزيك، السنة الثالثة، العدد: 9 ـ 10، 1390 هـ ش.
دادجو، إبراهيم، ذات گرايي جديد در فلسفه علم معاصر (جرياني مهم أما نا آشنا در ايران معاصر)، مجلة ذهن، العدد: 74، ص 51 ـ 82، صيف عام: 1397 هـ ش.
ديويس، برايان، درآمدي بر فلسفه دين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مليحه صابري نجف آبادي، انتشارات سمت، طهران، 1392 هـ ش.
زنديه، عطية، دين و باور ديني در انديشه ويتگنشتاين، انتشارات نگاه معاصر، طهران، 1386 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، آغاز فلسفه، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد علي گرامي، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علمية، 1387 هـ ش. (د).
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، إعجاز قرآن، نشر فرهنگي رجاء، طهران، 1362 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، أصول فلسفه رئاليسم، دفتر تبليغات اسلامي حوزة علمية، قم، 1387 هـ ش. (أ).
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، اصول فلسفه و روش رئاليسم، شرح مرتضى المطهري، انتشارات صدرا، قم، 1364 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، انسان از آغاز تا انجام، دفتر تبليغات اسلامي حوزة علمية، قم، 1388 هـ ش. (أ).
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، شرح و ترجمة بداية الحكمة، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي شيرواني، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علمية، 1388 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، بداية الحكمة، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد باقر سعيدي روشن، دار الفكر، قم، 1376 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ترجمه إلى اللغة الفارسية: السيد محمد باقر الموسوي الهمداني، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه، قم، 1374 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، شيعه در اسلام (الطبعة القديمة)، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه، قم، 1378 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، خلاصه تعاليم اسلامي، دفتر تبليغات اسلامي حوزة علمية، قم، 1370 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، طريق عرفان (ترجمة رسالة الولاية)، ترجمها إلى اللغة الفارسية: صادق حسن زاده، انتشارات بخشايش، قم، 1423 هـ.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، قرآن در اسلام، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه، قم، 1387 هـ ش. (ب).
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، علي (عليه السلام) و فلسفه إلهي، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علمية، 1388 هـ ش. (ب).
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، نهاية الحكمة، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي شيرواني، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزة علمية قم، قم، 1387 هـ ش. (ج).
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، نهاية الحكمة، انتشارات جامعة المدرسين، قم، 1430 هـ.
. گريلينگ، اي. س.، ويتگنشتاين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أبو الفضل حقيري، انتشارات بصيرت، طهران، 1394 هـ ش.
لموس، نوح، درآمدي بر نظريه معرفت، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مهدي فرجي پاك وعاطفة حقي، انتشارات مركز، طهران، 1397 هـ ش.
مكگين، ماري، راهنمايي بر پژوهش هاي فلسفي ويتگنشتاين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إيرج قانوني، انتشارات علم، طهران، 1389 هـ ش.
ملكم، نورمن، ويتگنشتاين: ديدگاهي ديني، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد هادي طلعتي، انتشارات دانشگاه مفيد، قم، 1383 هـ ش.
ويتگنشتاين، لودويك، تحقيقات فلسفي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مالك حسيني، انتشارات هرمس، طهران، 1398 هـ ش. (أ).
ويتگنشتاين، لودويك، درباره اخلاق دين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مالك حسيني و بابك عباسي، انتشارات هرمس، طهران، 1395 هـ ش.
ويتگنشتاين، لودويك، درباره يقين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: السيد موسى ديباج، انتشارات مولى، طهران، 1397 هـ ش.
ويتگنشتاين، لودويك، رساله منطقي / فلسفي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مالك حسيني، انتشارات كرگدن، طهران، 1398 هـ ش. (ب).
. ويتگنشتاين، لودويك، كتابهاي آبي و قهوهاي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إيرج قانوني، نشر ني، طهران، 1398 هـ ش. (ج).
هايمن، جان، دانشنامه فلسفه دين: مكتب ويتگنشتاين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إنشاء الله رحمتي، انتشارات سوفيا، طهران، 1399 هـ ش.
هكر، پيتر، ماهيت بشر از ديدگاه ويتگنشتاين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سهراب علوي نيا، انتشارات هرمس، طهران، 1399 هـ ش.
Ayer, A. J, Wittgenstein, New York: Random House, (1985).
Butchvarov, Panayot, Resemblance and identity, Bloomington,: Indiana University Press, (1966).
Diamond, C, "Wittgenstein, Mathematics and Ethics: Resisting the attractions of Realism" in Sluga, H & Sterm D eds The Cambridge Companion to Wittgenstein, Cambridge university press, (1996).
Geertz, C, “Religion as a cultural System”, in M. Banton (ed) Anthropological Approaches to the study of Religion, A. S. A. Monographs no. 3, London: Tavistock, (2004).
Malcom, N, Wittgenstein: A Religious Point of View?, ed. With a response by G. H. Von Wright. Oxford University Press, (1977).
Philips, D. Z, "What God Himself Cannot Tell us: Realisim Versus Metaphisical Realisim", Faith and Philosophy: Journal of the Society of Christian Philosophers: vol. 18: ISS4, Article 6, (2001).
Wittgenstein, Ludwig, Philosophische Untersuchungen : Wissenschaftliche Sonderausgabe, Frankfurt am Main: Suhrkamp, (1967).