البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تحليل مفهومية لغة الدين من زاوية ما بعد الوضعية

الباحث :  السّيّد مرتضى حسيني شاهرودي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  37
السنة :  شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 19 / 2025
عدد زيارات البحث :  225
تحميل  ( 570.487 KB )
الملخّص
يعدّ التحليل المفهومي للغة الدين واحدًا من المسائل المهمّة في حقل لغة الدين. وعلى الرغم من تعدد وتنوّع الآراء الشائعة في هذا الشأن، إلّا أن الوجه المشترك الغالب في هذه الآراء هو القبول الضمني بمعايير الوضعية لتعيين معنى اللغة. إن وجود الإشكالات الأساسية في هذا المعنى، وانهيار المذهب الوضعي المنطقي، قد وفّر الأرضية لطرح هذا السؤال الأساسي القائل: كيف يمكن تحليل مفهومية لغة الدين؟ وعلى أساس أيّ أسئلة في هذا الشأن؟ سوف نعمل في هذه المقالة -من خلال جولة إجمالية حول نظريات مفهومية لغة الدين- في الخطوة الأولى على تقديم تعريف لمفهومية اللغة المطروحة، وفي ضوء التعريف المذكور سوف نبحث مفهومية لغة الدين في ثلاثة محاور، وهي إمكان مفهومية لغة الدين، وإمكان صبّ المفاهيم الوحيانية في قالب الألفاظ والقضايا البشرية، وإمكان إدراك وفهم المعاني الوحيانية من قبل المخاطب.

الـكَـلِـمَـات الـمَـفـَاتـيـح: لغة الدين، المفهومية، الوضعية المنطقية، المفهومية على مستوى المتكلّم، المفهومية على مستوى المخاطب.

مقدمة
إن من بين الأسئلة الأساسية التي يجب البحث حولها في تحليل بنية لغة الدين، عبارة عن مفهومية لغة الدين. في السؤال عن مفهومية لغة الدين يقع البحث حول هذه المسألة القائلة: ما هو معيار مفهومية لغة الدين؟ وفي معرض الجواب عن هذا السؤال تمّ طرح الكثير من النظريات المتنوّعة من قبل فلاسفة الدين والفلاسفة الإلهيين. على الرغم من تعدد وتنوّع الآراء الشائعة في هذا الشأن، إلّا أن الوجه المشترك الذي يمكن الإشارة إليه في جميع هذه النظريات هو أنه قد تمّ القبول في هذه النظريات بالمعيار الوضعي المفهومي بوصفه أصلًا ومبنى، وفي ضوء هذا المبنى تمّ العمل على تقويم مفهومية لغة الدين. وبعبارة أخرى: إن جميع هذه النظريات تقوم على أصول الوضعية في تعيّن المعنى وكونه مفهومًا.
على الرغم من أن الإيرادات الأساسية في الوضعية المنطقية قد دفعت بالمفكرين الدينيين إلى التشكيك بهذه المدرسة وأفكارها، والدفع بها نحو الأفول والانهيار التدريجي، حيث تمّ التعبير عنها بوصفها مدرسة ميّتة، فقد بقيت مسألة مفهومية الدين كما كان يتم بحثها وتحليلها على أساس القبول الضمني بمعيار المفهومية الوضعية؛ والآن يتمّ طرح هذا السؤال القائل: بعد انهيار هذه المدرسة، كيف يمكن بيان وبحث مسألة المفهومية في حقل لغة الدين، وفي ضوء أيّ أسئلة أساسية يتم هذا البحث؟ وذلك لأن بحث وتحليل مفهومية لغة الدين على مبنى الأصول المقبولة في نظريّة الوضعية المنطقية إنما يكون ممكنًا فيما لو كانت معايير هذه المدرسة في حقل مفهومية لغة الدين معايير متقنة وغير قابلة للتشكيك، ولكن كما سبق أن ذكرنا فإن المعايير الوضعية في مفهومية اللغة قد وقعت موردًا للكثير من التشكيكات الجادّة.

ضمن إطلالة إجمالية على نظريات الوضعية المنطقية وروايتها، وكذلك الآراء المذكورة في خصوص مفهومية لغة الدين استنادًا إلى الأنظار الوضعية المطروحة والانتقادات الواردة عليها، سوف نسعى في هذه المقالة إلى بحث مسألة مفهومية لغة الدين من زاوية جديدة ومختلفة عن الآراء التي تمّ بيانها في هذا الشأن حتى الآن.

ومن الجدير ذكره أن هذه النظريات والانتقادات الواردة عليها إنما يتمّ طرحها بشكل مختصر جدًا وعلى نحو عابر:
أولًا: لأن هذه المسألة قد تمّ تناولها وتحقيقها في الكثير من الأبحاث والدراسات.
وثانيًا: إن المسألة المهمّة في هذه المقالة ليست هي نقد هذه النظريات وطرح الإشكالات الوارد عليها، بل إن الهدف الرئيس المنشود لنا في هذه المقالة -على ما سبق أن ذكرناـ إنما هو بيان مسألة مفهومية لغة الدين على أساس الأسئلة الجديدة في هذا الشأن.
ولهذه الغاية سوف نعمل أولًا بعد نقد ودراسة إجمالية حول النظريات المذكورة في هذا الشأن على تقديم تعريف خاص عن مفهومية اللغة، وبعد ذلك وفي ضوء التعريف المذكور سوف نطرح أسئلة جديدة في حقل مفهومية لغة الدين.

جولة إجمالية حول نظريّة الوضعية المنطقية والنظريات القائمة عليها
لقد عمدت المدرسة الوضعية المنطقية التي تعدّ من أشهر المدارس الفلسفية في القرون الأخيرة إلى بيان مسألة المفهومية وتعيّن المعنى لغرض تقديم بنية جديدة للمعارف البشرية. يذهب أتباع هذه المدرسة إلى الاعتقاد بأن ثبوت أيّ أمر لن يكون ممكنًا خارج التجربة، وأن المعرفة لا تتحقق إلا في حقل الأمور التجريبية فقط. إن المبنى الأصلي لهذا النوع من التفكير له جذور في النزعة التجريبية لديفيد هيوم.

إن للوضعية المنطقية على أساس ملاك مفهومية القضايا، ثلاثة نظريات في الحد الأدنى، وهي:
قابلية الإثبات أو قابلية التحقيق
وقابلية التأييد
وقابلية الإبطال.

في ضوء أصل قابلية الإثبات إنما تكون اللغة واجدة للمفهوم المعرفي فيما لو أمكن إقامة شواهد تجريبية على موضوعاتها، يمكن عدّ هذه اللغة لغة معرفية، ومتعلّقة بالواقع أو مشتملة على معنى ومفهوم، وعلى هذا الأساس وفي ضوء أصل قابلية الإثبات تكون القضايا ذات المعنى على قسمين:

القسم الأول: القضايا التجريبية الحسية التي يكون معيار كونها مفهومة هو الحصول على شواهد تجريبية.
والقسم الثاني: القضايا المنطقية والرياضية التي يكون معيار مفهوميتها عبارة عن تحليليتها.
وأما سائر القضايا، من قبيل القضايا الفلسفية والكلامية والدينية والعرفانية والأخلاقية، فهي حيث لا تكون جزءًا من أي واحد من هذين القسمين المذكورين أعلاه، فسوف تعدّ من القضايا المهملة وغير المفهومة. وقد صرّح آير قائلًا: إن العبارات والقضايا مورد البحث في الحقول المذكورة لا تقول شيئًا بشأن العالم، لكي نتمكن بعد ذلك من الحديث حول صدقها أو كذبها.

إن النقطة الجديرة بالاهتمام في خصوص هذه الرؤية عن الوضعية المنطقية، هي أنه على الرغم من أنه لم يتم العمل فيها في الوضعية المنطقية على إقامة فصل وتمايز دقيق بين مسألة مفهومية اللغة وبين معرفية اللغة، أو بعبارة أخرى الناظرة إلى الواقعية، إلا أنه في الوقت نفسه، يمكن القول إن التقسيم الثلاثي المذكور للقضايا يمكن بشكل وآخر إقامة فصل مسألة مفهومية القضايا فيه عن المسائل الناظرة إلى الواقع، أو بعبارة أخرى القضايا المعرفة.

وبعبارة أوضح: إن القضايا المفهومة والتي لها معنى في ضوء أصل قابلية الإثبات إما أن تكون من النوع العلمي التجريبي، أو من النوع التحليلي؛ وأما بيان مفهومية القضايا من الطائفة الأولى والطائفة الثانية فإنها تختلف عن بعضها. إن مفهومية القضايا العلمية التجريبية يتمّ بيانها على أساس معيار القدرة على المشاهدة والتحقيق، وأما مفهومية القضايا من الطائفة الثانية، فتقوم على أساس الاعتبار أو تحليل مفهوم الموضوع، وعلى هذا الأساس، فإن مسألة مفهومية قضية ما سوف تكون منفصلة عن نظرتها الواقعية والمعرفية، وإن كان المدافعون عن الوضعية المنطقية قد اعتبروا هاتين المسألتين شيئًا واحدًا. وفي الواقع فإنه بالنظر إلى هذا التقسيم «الناظر إلى الواقعية»، وكذلك إلى «القابلية للتحليلـ، فإن موضوع قضية ما واندراج معنى ومفهوم المحمول فيها، سوف يكونان معيارين مختلفين بالنسبة إلى مفهومية القضايا، وبطبيعة الحال، فإن اختلاف بنية هاتين القضيتين قد أدّى إلى أن يكون معيار المفهومية في مورد كل واحد منهما مختلفًا عن الآخر. وعلى هذا الأساس، فإن معيار مفهومية القضايا لن ينحصر في القابلية على إثباتها فقط.
طبقًا لرؤية قابلية التأييد الذي هو بيان أكثر اعتدالًا عن قابلية الإثبات نجد أن القضية إنما تكون ممكنة التحقق، وتكون تبعًا لذلك مفهومة، حيث يمكن إثبات احتمال صحتها بواسطة التجربة. وبعبارة أخرى: إنما يمكن اعتبار القضايا قابلة للتحقيق ومفهومة فيما لو تمّ اعتبارها محتملة الصدق في ضوء بعض المعطيات الحسية والشواهد التجريبية. إن هذه الشواهد التجريبية لا تعمل أبدًا على إيصال قضية ما إلى مقام الإثبات أبدًا، وإنما تعمل على مجرّد إعداد الأرضية لإمكان تأييد تلك القضية فقط.

إن تغيير ملاك القابلية على الإثبات إلى القابلية على التأييد لم يُحدِث أيّ تغيير نظري في مفهومية القضايا الميتافيزيقية والدينية والأخلاقية. إن اللوازم غير المقبولة لهذا الملاك قد دفعت بعض هؤلاء إلى مجرّد التراجع المحدود عن مواقفهم السابقة فقط. من ذلك أن كارناب على سبيل المثال، حيث أعلن عن أن الميتافيزيقا وما بعد الطبيعة تشتمل على نوع من المضمون والمحتوى، ولكنه ليس من نوع المحتوى المعرفي والنظري، بل إن هذه القضايا في حكم بيان نوع من النظر إلى الحياة. إن الفيلسوف الميتافيزيقي هو مثل الفنان إنما يعمل على مجرّد بيان حالة فقط، لا أنه يتحدّث عن شيء حقيقي. بيد أن هذا الشيء بدوره لا يكفي؛ إذ حتى أفكار الفنان وتصوّراته التي تقع بدورها تحت تأثير قوّة خياله، لها نصيب من العينية والواقعية، وفي الحقيقة فإن خياله يمثل انعكاسًا عن الواقعية وإن كان على نحو مبهم. وعليه فإنه حتى في ضوء هذا التشبيه لا يمكن اعتبار الأفكار الميتافيزيقية مفتقرة إلى العينية والواقعية.
إن المبنى الآخر الذي تمّ في ضوئه إلى اعتبار بعض قضايا الدين بلا معنى، عبارة عن نظريّة بوبر في عدم إمكان الإبطال أو معيار قابلية التكذيب والدحض، والتي تعدّ معيارًا للفصل بين القضايا العلمية والقضايا غير العلمية. يذهب بوبر إلى الاعتقاد بأن القضية لكي تكون ذات معنى يجب أن تكون منسجمة مع وضع بعض الأمور وغير منسجمة مع بعضها الآخر. وعليه لو أريد لقضية ما أن تُختبر، فيجب أن تكون هناك شواهد قابلة للتصوّر، بحيث يمكن لتحقّقها أن يكذّب تلك الفرضية أو تبدو في الحدّ الأدنى مخالفة لها. وأما إذا لم يمكن افتراض أيّ ظروف لإبطال قضية ما، فإن تلك القضية سوف تكون بلا معنى. وقال تشالمرز في نقد هذا الرأي: لو صحّ القول بالتخلي عن كل نظريّة علمية في مراحلها الأولى لمجرّد رؤية بعض موارد النقض والإبطال التجريبي، لما حصلت التحوّلات في حقل النظريات العلمية أبدًا. وفي نقد آخر ذهب باربور إلى القول باعتبار هذا التهافت التجريبي نقطة ضعف في النظريّة العلمية، حيث يُعبّر عنها بـ «النشازات» أو الانحرافات غير المبيّنة، ويرى أن هذا النوع من الموارد لا يمكن أن يُشكّل دليلًا قطعيًا على تكذيب نظريّة ما.

إن الآراء المذكورة على الرغم من الإشكالات والانتقادات الكثيرة الواردة عليها من قبل فلاسفة الدين، قد حظيت بالقبول بوصفها مبنى لتفسير مفهومية أو عدم مفهومية قضايا لغة الدين. من ذلك أن جون ويزدم على سبيل المثال عمد في مقالة له تحت عنوان “الآلهات” إلى توظيف مباني الوضعية المنطقية لإثبات عدم مفهومية القضايا الدينية، وقد أرجع منشأ الاختلاف في الرأي بين المؤمن والملحد إلى نوع التفسير الذي يتبنّاه كل واحد منهما تجاه الحقائق الموجودة في هذا العالم. إن المؤمن ينظر إلى حقائق العالم برؤية توحيدية، والكافر ينظر إليها برؤية إلحادية، في حين أن واقعية العالم بالنسبة إلى طريقة فهم كل منهما واحدة تمامًا. إن أنطوني فلو من خلال الاستناد إلى أصل إمكان الإبطال في مفهومية القضايا يرى أن القضايا الدينية غير قابلة للإبطال. وقد ذهب إلى الاعتقاد بأن المؤمنين يعملون دائمًا على إضافة بعض القيود والتعديلات المتواصلة على عقائدهم، حتى لا يسمحوا لأحد بنقض شيء من معتقداتهم، وبذلك يجعلون القضايا الدينية غير قابلة للإبطال. بيد أن هذه القيود إنما تنتشل العقائد الدينية من براثن الإبطال على نحو ظاهري؛ وذلك لأن أقصى ما تقوم به هو أنها تجعل العقيدة غير قابلة للبطلان، ونتيجة لذلك سوف تكون فاقدة للمعنى، وقد ذهب هير إلى الاعتقاد بأن التعاليم الدينية لا تحتوي على مفهوم معرفي، ولكنها تنطوي على تفسير عميق للعالم؛ حيث لا يمكن للمشاهدات التجريبية أن تكون ناقضة لها. وقد اختار عنوان “المشاهدة” لهذا النوع من التفسيرات. إن المشاهدات الدينية لا تشتمل على مفهوم معرفي، بيد أن التفسيرات الدينية التي تقدّمها عن العالم في مقام العمل أجدى بكثير من المشاهدات غير الدينية؛ إذ يمكن في ضوء المشاهدة الدينية بيان الكثير من الأمور على نحو أيسر. من ذلك على سبيل المثال أن الاعتقاد بالنظام العلّي والمعلولي لا يحتوي على مزية ترفعه على الرؤية المقابلة له والتي تفسّر كل شيء على أساس الصدفة؛ وذلك لأن كل واحد منهما قادر على ذكر شواهد عن العالم لصالحه، بيد أن الرؤية العلية أجدى من الناحية العملية؛ وذلك إذ يمكن في ضوئها تفسير وبيان الكثير من ظواهر هذا العالم. وعلى هذا الأساس، فإن المدعيات الدينية بدورها من حيث عدم القابلية على الإبطال، لا تحتوي على مفهوم معرفي، بيد أن هذه البيانات تقدّم تفسيرًا عميقًا عن العالم، ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد الجمّة في مقام العمل.

خلافًا لرأي فلو وهير اللذين يذهبان إلى القول بأن العقائد الدينية غير قابلة للإبطال، ونتيجة لذلك فإنها تفتقر إلى المفهوم المعرفي، يذهب بازل ميتشل إلى الاعتقاد بأن المدّعيات الدينية ذات مفهوم معرفي وناظر إلى الواقع. وهو يرى أن أمورًا من قبيل الألم والعذاب لا تنسجم مع بعض المعتقدات الدينية من قبيل: العدل والحكمة وحبّ الله سبحانه، ومن هنا يمكن اعتبار هذه المعتقدات قابلة للإبطال، ونتيجة لذلك يمكن اعتبارها قضايا مشتملة على مفهوم معرفي. كما ذهب إيان كرومبي بدوره في أسلوب مماثل إلى الاعتقاد بأن وجود الألم والعنت في العالم دليل على إمكان إبطال المعتقدات الدينية أيضًا. كما قام جون هيك من خلال قبوله بمبنى إمكان التحقيق في هذا العالم بتقديم طريقة حل لإمكان التحقق الأخروي من أجل إضفاء المفهومية على القضايا الدينية، فهو يرى أن المعتقدات الدينية ليس لها قابلية التحقق في هذا العالم، ولكن يمكن توجيه تحققها في العالم الآخر، وإن الاعتقاد بالحياة بعد الموت يعدّ من بين القضايا التي يكون صدقها قابلًا للتحقق، ولكن لا يمكن إبطاله. في الاعتقاد المذكور يتمّ بيان هذه القضية، وهي القضية القائلة: “إن الناس بعد الموت الجسماني سوف تكون لهم تجربة واعية عن الحياة، بحيث تشمل حتى الموت الجسماني أيضًا». إن هذه القضية قابلة للإثبات بالقوّة؛ إذ يمكن تصوّر بعض الشرائط التي يمتلك فيها الناس مثل هذه الأوضاع، ولكن لو كانت هذه القضية خاطئة، فإنها لا تكون قابلة للإبطال؛ إذ لن يكون هناك بعد ذلك إنسان في البين على هذه الفرضية ليتمكن من إبطالها.

نقد النظريات المذكورة ومناقشتها
لا شكّ في أنّ هذه الطائفة من النظريات التي تم بيانها على أساس المباني الوضعية في حقل مفهومية لغة الدين، يمكن نقدها من عدّة جهات:
الجهة الأولى: نقد الاتجاه التجريبي لديفيد هيوم الذي هو المبنى الأهم في مذهب الوضعية المنطقية.
الجهة الثانية: نقد الرؤى المتنوّعة في الوضعية المنطقية.
الجهة الثالثة: نقد النظريات التي يتمّ طرحها على أساس المباني المذكورة حول مفهومية لغة الدين.

أ . نقد الاتجاه التجريبي لديفيد هيوم
في ضوء القول بأصالة التجربة لديفيد هيوم، إنما تكون المعرفة البشرية الموثوقة والتي يمكن الاطمئنان بها، هي المعرفة القائمة على التأثيرات الحسية، وحيث إن منشأ ظهور المفاهيم والأصول العقلية، من قبيل: العلية والضرورة، إنما هي من التداعيات النفسية، يكون هذا النوع من الأصول والمفاهيم وهميًا ولا يستند إلى أساس. بيد أن النقطة اللافتة للانتباه هي أن ديفيد هيوم من خلال تقديم بعض الأدلة والشواهد لصالح مدعاه، يكون من الناحية العملية قد أيّد هذا النوع من الأصول والمفاهيم، ومن هذه الناحية يمكن اعتبار هذا الرأي مسقِطًا لنفسه. وكذلك فإن هذا الرأي لن يكون مجديًا حتى في حقل العلوم التجريبية أيضًا. ويرى باربور أن هذا الرأي ضعيف حتى بوصفه توصيفًا لأرضية العلم؛ وذلك لأنه قد تجاهل الدور المهم لعنصر الخيال المبدع للإنسان في خلق المفاهيم والنظريات التي يتم شرح المعطيات التجريبية وتفسيرها في ضوئها.

ب. نقد الوضعية المنطقية
هناك الكثير من الانتقادات الأساسية التي تمّ توجيهها إلى هذه المدرسة من قبل المفكّرين. من بين هذه الإشكالات: الحديث عن ميتافيزيقية أصل إمكانية الإثبات، خلافًا لادّعاء نفي الميتافيزيقيا في هذه المدرسة، والقول بأنه مسقِط لذاته\متهافِت بنفسه، والقيام على أساس أصالة التجربة المتطرّفة، وعدم استطاعة وقابلية التجربة لنفي وجود العوالم الميتافيزيقية الأخرى، وعدم قدرة وقابلية التجربة في تعيين صدق وكذب القضايا العلمية بسبب الماهية المتغيّرة لهذه القضايا، وبالتالي عدم استناد الاكتشافات التجريبية إلى المعطيات الحسية البحتة، وتدخّل أمور أخرى من خارج التجربة، من قبيل: الحدس والإلهام والفراسة في هذه الاكتشافات. وبالإضافة إلى ذلك يمكن اعتبار المحدودية وعدم التحرّك وعدم تطوّر العلوم الفيزيائية على أساس القبول بالمعايير الوضعية، والافتقار إلى الطاقة اللازمة للإشراف في التحقيق، وبالتالي تجاهل الأسئلة الكبرى حول مصير الإنسان، والتزام الصمت في مواجهة المسائل الإنسانية، من قبيل: الأخلاق، والدين، بوصفها من اللوازم المرفوضة لهذا الأصل. إن هذه الإشكالات قد أدّت بشكل وآخر إلى انهيار مذهب الوضعية المنطقية، حتى إن بعض الباحثين قد عبّر عنه بوصفه مذهبًا ميّتًا.

ج نقد النظريات المذكورة في حقل مفهومية لغة الدين
حيث تقوم هذه النظريات على أصول تعيّن المعنى للفلسفة الوضعية، فإن الانتقادات الموجّهة إلى نظريّة الوضعية المنطقية والرؤى المتنوّعة عنها، تؤدّي إلى تعرّض هذه النظريات للنقد أيضًا. إن الانتقادات الموجّهة ضد نظريّة الوضعية المنطقية تعبّر عن هذه المسألة المهمّة، وهي أن المعايير الوضعية لتقويم المفهومية تفرض محدودية مفرطة، وهي بعبارة أخرى ضيّقة الأفق، بحيث إن هذا المعيار في بعض الموارد لا يستطيع توجيه حتى مفهومية القضايا العلمية أيضًا. وبطبيعة الحال هناك في كل واحد من هذه النظريات المذكورة بعض النقاط المتناقضة، ولكن بسبب رعاية اختصار المطالب في حدود بيان المقدمات، سوف نحجم عن ذكرها التفصيلي.

فلسفة التحليل اللغوي والتوجّهات العملية إلى لغة الدين
خلافًا للوضعية المنطقية، يذهب أتباع فلسفة التحليل اللغوي بدلًا من التأكيد على شروط مفهومية لغة الدين وبيان ارتباط هذه اللغة بالعالم الخارجي إلى التركيز على البُعد العملي من لغة الدين. إن أغلب هذه النظريات تعمل على التعريف بلغة الدين بأنها لغة غير معرفية. إن اللغة غير المعرفية لا هي صادقة ولا هي كاذبة، وفي الأساس، فإن وظيفة هذه اللغة ليست توصيف الواقعية. يذهب راندال إلى الاعتقاد بأن موضوع الدين هو مجموعة من الرموز والأساطير غير المعرفية. إن المراد من الرموز غير المعرفية هو أن هذه الرموز ليست رموزًا لنوع شيء خارجي يمكن الإشارة إليه، بل إن الذي تشير إليه هذه الرموز في الواقع إنما هو فعلها وتأثيرها وأداؤها في الثقافة الإنسانية. يرى بريث ويت أن آلية لغة الدين شبيهة بآلية القضايا الأخلاقية. فكما أن الأحكام الأخلاقية تعمل على بيان قصد المتكلم من أجل العمل بأسلوب خاص، كذلك الأحكام الدينية بدورها تنصح بأسلوب خاص من الحياة. من ذلك على سبيل المثال عندما يتمّ الحديث في الديانة المسيحية عن محبّة الله، فإن هذا الأمر يدل على هداية الناس إلى حياة مقرونة بحبّ الآخرين. وقد عمد استيس، وهو من فلاسفة التحليل اللغوي إلى التعريف بلغة الدين بوصفها «لغة تحفيزية»، وهو يرى أن لغة الدين تشتمل على ثلاثة أدوار، وهي: الدور التوصيفي، والدور التحفيزي، والدور العاطفي أو الإحساسي. إن اللغة في حقل العلوم التجريبية، والعلوم النقلية، والعلوم الفلسفية والبرهانية توصيفي، وفي دائرة الشعر عاطفي وإحساسي. وقد بيّن آلية لغة الدين في ثلاثة موارد، وهي أولًا: تفسير الوجدانيات الإنسانية وشرحها، وثانيًا: تحفيز التجارب العرفانية لدى الناس، وثالثًا: إعطاء الموضوعات للتأمّلات العرفانية.

يذهب فيليبس إلى الاعتقاد بأن الآلية الأصلية للمعتقدات الدينية عبارة عن إيجاد التغيير والتحوّل في حياة الفرد. من ذلك على سبيل المثال أن الاعتقاد بالحياة بعد الموت لا يعني أن الشخص بعد موته ينتقل من مكان إلى مكان آخر، بل يعني أن يعيش في هذه الحياة بتواضع وزهد ونظرة بعيدة بالنسبة إلى الآخرين. وكذلك فإن التوجّه إلى الله بالدعاء لا يعني السعي من أجل تغيير الوضع القائم والتأثير على الإرادة الإلهية، بل يعني وجوب البحث عن مفهوم الدعاء في الآلية الأصلية له، والتي هي عبارة عن إيجاد حالة الصبر وروح التحمّل.

نقد ومناقشة
1. نشاهد في النظريات المذكورة نوعًا من تغيير النظرة إلى الدين، وهي عبارة عن التأكيد على الدور العملي للغة الدين بدلًا من الدور المعرفي، ولكن بعضهم يرى أن هذا النوع من التغيير في الرؤية ليس صحيحًا؛ وذلك لأن الدين إنما يكون مفيدًا حيث ينطوي على الحقيقة، وحيث يؤمن الناس بتعاليم دينهم بوصفها حقائق ثابتة، لا تكون هناك حاجة إلى البحث حول فائدة الاعتقاد به. إن هذا الأسلوب نافع ومفيد بالنسبة إلى الأشخاص الذين لم يتمكّنوا من الحصول على معتقداتهم من طريق البراهين المُحْكَمة، وكذلك بالنسبة إلى الأشخاص الذين يحجمون عن طرح أي نوع من أنواع الشكوك والشبهات بشأن العقائد الدينية، بيد أن هذا النوع من النظام الاعتقادي يقوم على دعائم واهية ومتداعية تنهار عند أدنى اهتزاز.

2. وعلاوة على ذلك يمكن القول في نقد ودراسة النظريات الأخيرة، إنّه على الرغم من ملاحظة أبعاد متنوّعة عن اللغة في هذه النظريات، فقد تمّ بيان أدوار ومهام متنوّعة للغة الدين، إلا أن التأكيد على آلية الدين وبيان مفهومية لغة الدين على أساس آلية خاصّة يؤدّي في بعض الموارد إلى تقليل وتحويل الدين إلى حقل خاص؛ حيث تكون نتيجته الغفلة عن سائر أبعاد الدين. من ذلك مثلًا يتمّ في نظريّة بريت ويت حصر جميع أبعاد الدين في الأداء الأخلاقي ولا يتمّ لحاظ أيّ بعد آخر، في حين أن الدين يحتوي على الكثير من الأبعاد المتنوّعة.

بالنظر إلى الانتقادات الواردة على نظريّة الوضعية المنطقية وكذلك النظريات الأخيرة، يبدو أن إثبات أو بيان مفهومية لغة الدين على أساس المعايير المذكورة غير مقبول.
وعلى هذا الأساس، يجب البحث لبيان مسألة المفهومية في حقل لغة الدين عن معيار آخر لمفهومية لغة الدين. ولهذه الغاية يجب العمل في البحث عن مفهومية لغة الدين أولًا على تحديد معنى «المفهوم ووجود المعنى»، والخوض على أساس تعريف عنه في بحث مسألة مفهومية لغة الدين.

ماهية «المعنى»
لقد تمّ العمل في أبحاث فلسفة اللغة على تقديم تعريفات متعددة عن “المعنى”. وإن من بين أكثر النظريات التي تمّ بيانها في خصوص ماهية المعنى شيوعًا وانتشارًا، هي: النظريّة المصداقية، والنظريّة التصورية، والنظريّة السلوكية، والنظريّة الوظيفية. إن التأمّل والتدبّر في التعريفات التي تمّ تقديمها في باب ماهية المعنى يثبت أن هذه التعريفات ما هي إلا تعريفات اعتبارية، بمعنى أن كل واحد منها قد تمّ بيانه بالنظر إلى بُعد خاص من المعنى. من ذلك أننا نجد في النظريّة المصداقية والنظريّة التصوّرية على سبيل المثال قد تمّ قصر النظر على البُعد التعبيري للمعنى. إن النظريّة المصداقية تعمل على بيان معنى اللّفظ على أساس ذلك الشيء الذي يُشير إليه اللّفظ أو على أساس الارتباط المصداقي، وإن النظريّة التصورية تقوم بتعريف معنى اللّفظ على أساس التصوّرات التي تتداعى إلى الذهن عنه. وفي المقابل يتعيّن معنى اللّفظ ومفهوم في النظريّة السلوكية من طريق المحرّكات التي تؤدّي إلى التفوّه بذلك اللّفظ، والتداعيات التي يتسبب بها ذلك اللّفظ لاحقًا.
وبطبيعة الحال هناك تعريفات أخرى قد تمّ بيانها بالنظر إلى أبعاد أخرى من المفهوم والمعنى. من ذلك أن ألستون على سبيل المثال بعد نقده ومناقشته لكل واحد من هذه النظريات المذكورة اتخذ بالنسبة إلى مسألة ماهية المعنى توجّهًا لغويًا بالكامل. إنه يرى أن معنى اللّفظ يعدل أن يكون له استخدام متّحد معه. وبعبارة أخرى: عندما يقال “إن لفظ (أ) يعني (ب)”، فإن هذا يعني أن للفظ (أ) استعمالًا مساويًا للفظ (ب) على نحو تام. وفي قبال هذا التعريف للمفهوم، يذهب آخرون إلى الاعتقاد بأن هذه النظريّة تحصر المعنى ضمن حدود العلاقات المفهومية، ونتيجة لذلك يتم التخلّي عن العلاقة بين اللغة وعالم الخارج والتي هي واحدة من الأبعاد الأصلية في المفهومية. إنهم يرون أن النظريّة المفهومية التي تقوم على مجرد مبنى المفهوم والعلاقات الداخلية للغة لا يمكنها حتى في الأصول أن تعمل على بيان مفهومية مصطلحات من قبيل الضمائر أو صفات الإشارة أو القيود الزمنية، وعلى هذا الأساس، فإن مثل هذا المعيار لن يستوعب جميع المستويات والأبعاد اللغوية. وتوجد نظريات أخرى في هذا الشأن أيضًا، ولكن لا نرى ضرورة لذكرها.

إن الذي نحصل عليه من خلال التعريفات المذكورة والانتقادات الواردة على كل واحد منها، هو أنه بالنظر إلى اعتبارية التعريفات المذكورة، يمكن أخذ جوانب وأبعاد مختلفة لتعريف المعنى بنظر الاعتبار. ومن بين هذه الأبعاد الرجوع إلى الفهم المشترك. وإن المراد من الرجوع إلى الفهم المشترك في تعريف «المعنى» هو أن يتمّ تعريف «المعنى» على أساس فهم العرف لاستعمال اللّفظ «المعنى» أو مشتقّاته. إن تعريف «المعنى» على أساس الفهم العرفي يعود سببه إلى أن السؤال عن ماهية المعنى ومفهومية اللغة يمكن بيانه في جميع المستويات اللغوية الأعم من مرتبة اللغة العرفية وسائر مراتب اللغات الفنية والتخصّصية المقتبسة من مرتبة اللغة العرفية، وحيث إن مرتبة اللغة العرفية هي الأساس والمبنى لجميع المراتب اللغوية، فمن الأفضل بحث ومناقشة هذه المسألة من خلال تسليط الضوء على مرتبة اللغة العرفية.

إن الكلام المفهوم وذا المعنى على مستوى اللغة العرفية هو الذي يتم فيه نقل حقيقة من المتكلّم إلى المخاطب، وعلى هذا الأساس يكون «المعنى» حقيقة يريد المتكلم أن ينقلها إلى مخاطبه بواسطة الألفاظ والعبارات اللغوية.
وبعبارة أوضح: إن اللغة وسيلة لإقامة التواصل والارتباط بين الناس. إن الشخص إنما يقصد السعي من أجل إقامة التواصل مع سائر أبناء جلدته فيما لو أراد أن ينقل إلى الآخرين مختلف أنواع الحقيقة التي أدركها. ومن بين طرق تحقق هذا الانتقال يمكن أن نشير إلى الارتباط اللغوي عبر الكلام. وبعبارة أخرى: إن «المعنى» حقيقةٌ تتبلور في ذهن الشخص بعد إدراك مراتب أو ظهورات الحقيقة، وإن الشخص في مرتبة الارتباط اللغوي يقصد نقل تلك الحقيقة إلى مخاطبه.

وفي مقابل المعنى يقع «المفهوم». إن «المفهوم» حقيقة تقع موردًا لفهم المخاطب، ويدركها المخاطب من كلام المتكلم. لا بدّ من الالتفات إلى أنه في ضوء التحليل المذكور على الرغم من أن المفهوم يُعدّ مرتبة أخرى من المعنى، إلا أن هذا لا يعني دائمًا أن المفهوم الذي يدركه المخاطب من كلام المتكلّم يتطابق تمامًا مع المعنى الذي قصد المتكلّم نقله إلى المخاطب. إن التطابق بين المعنى والمفهوم رهن بعوامل مهمّة من قبيل اتحاد المراتب الإدراكية للمتكلم والمخاطب، وكذلك سعة القوالب اللغوية من أجل انتقال المعنى، وسوف نبحث ذلك في المواضع اللاحقة من هذه المقالة.
وفي مقابل المعنى والمفهوم يقع «المصداق». وبعبارة أخرى: إن المحكي يقع إما بإزاء المعنى أو المفهوم، والذي يمثل حلقة الوصل والارتباط بين المعنى والمفهوم.

وفي ضوء التحليل المذكور لماهية المعنى، يمكن بحث مفهومية العبارات والقضايا في مساحة واسعة جدًا. وبعبارة أخرى: في ضوء هذا التحليل للمعنى، سوف تكون هناك مساحة واسعة من القضايا التي تحتوي على قابلية الفهم، وخلافًا لمعيار الوضعية المنطقية التي أعلنت عن أن المفهومية إنما تكون رهنًا بالحكاية عن الأمور التجريبية فقط. وعلى هذا الأساس، فإنها تعتبر الكثير من الحقول اللغوية من قبيل: الميتافيزيقا والدين والأخلاق فاقدة للمعنى، ويستحيل أن تكون اللغة والقضايا اللغوية فاقدة للمعنى، إلا في بعض الموارد الاستثنائية والنادرة جدًا. في العرف العام وعلى مستوى الارتباط الكلامي يلقي المتكلّم كلامه بقصد بيان المعنى المراد له، وإن المخاطب بدوره يدرك مفهومًا من كلامه. وحتى إذا كان المعنى الذي يدركه المخاطب لا يتطابق تمامًا مع المعنى المنشود للمتكلم، يبقى هذا الكلام بالنسبة إلى المخاطب كلامًا يحتوي على معنى. وسوف نأتي على المزيد من التوضيح في هذا الشأن في معرض الحديث عن مفهومية لغة الدين.

بحث مفهومية لغة الدين
في بحث مفهومية لغة الدين علينا أولًا أن نبيّن هذا السؤال الأساسي، وهو: هل بيان اللغة غير المفهومة أمر ممكن؟ وبعبارة أخرى: بالنظر إلى التحليل المذكور عن ماهية المعنى، هل يمكن تصوّر مرتبة من اللغة المشتملة على الكثير من القضايا، بحيث لا يكون لدى المتكلم أيّ قصد من بيان الألفاظ والعبارات والقضايا؟ وهل يمكن تصوّر مرتبة من اللغة بحيث لا يفهم المخاطب أيّ معنى أو مفهوم من كلام المتكلم؟ وهل يكون هذا الأمر قابلًا للتصوّر بحيث يمكن نقل عدم المفهومية من طريق العبارات والقضايا اللغوية التي تنعقد في الأساس بقصد انتقال المعنى؟ وبعبارة أخرى: هل يمكن تصور أن تكون اللغة التي هي في الأساس وبالذات وسيلة لنقل المعاني بحيث لا تنقل المعاني؟

كما سبق أن ذكرنا، فإن اللغة قد تبلورت في الأساس لغرض نقل المعاني، ومن هنا تكون المفهومية من لوازم اللغة والقضايا اللغوية. وبعبارة أخرى: إن الأصل في اللغة إنما هو مفهوميتها؛ ولذلك يكون العمل على إثبات مفهومية اللغة أمرًا مستغربًا وغير مألوف؛ وفي الأساس فإن تصور لغة بلا معنى بالنظر إلى التحليل المذكور لا يمكن القبول به. إن التأمّل في بعض الأمثلة المذكورة بقصد بيان نماذج من القضايا غير المفهومة، يؤيّد هذا الادعاء إلى حدّ ما.
توضيح ذلك أنه في بعض أبحاث فلسفة اللغة يقوم فلاسفة اللغة من أجل نقد وبحث معايير النزعة التجريبية في باب مفهومية القضايا الميتافيزيقية قبل كل شيء ببيان نماذج من العبارات غير المفهومة على مستوى لغة العُرف. إن هؤلاء يرون أن عبارات من قبيل: «لقد كان السبت نائمًا على السرير» أو «إن حلمي أكبر من حلمك بأربعة أضعاف»، عبارات بلا بمعنى، على الرغم من أن كل واحدة من مفرداتها ذات معنى معجمي، ولا يكون في هذه العبارات ما ينقض أي قاعدة نحوية ثابتة.

في هذه الأمثلة تمّ ضمّ بعض الكلمات إلى بعضها على شكل جملة، وهي بالمناسبة على مستوى الكلمات والمفردات ذات معنى ومفهوم؛ ذلك لأنه بغض النظر عن العبارات المذكورة يمكن لكل واحدة منها أن تنقل حقيقة إلى ذهن المخاطب. ولكن وضع الكلمات إلى جانب بعضها من وجهة نظر علماء اللغة وإن كان متطابقًا مع الأبنية النحوية، إلا أنه لا يستوجب تحقق جملة مفهومة أو قضية؛ إذ إن العبارات المفهومة كما سبق أن ذكرنا إنما يتمّ إظهارها بقصد بيان ونقل المعنى، في حين أن المتكلم بالعبارات في الأمثلة المذكورة كان يقصد منذ البداية أن يرتب الكلمات ويضمها إلى بعضها بحيث تنسجم مع الأبنية اللغوية لكي ينقل عدم مفهوميتها إلى المخاطب.
ولكن في مقابل الأمثلة المذكورة، يمكن طرح هذا السؤال الأساسي، وهو أنه بناء على التحليل المذكور، هل يمكن اعتبار العبارات المذكورة عبارات فاقدة للمعنى؟ وهل المخاطب في مواجهة هذه الأمثلة لا يفهم أيّ معنى منها؟

من خلال التأمّل في الأمثلة المذكورة والمعاني المحتملة التي تتبادر إلى الذهن من هذه الأمثلة، تبيّن هذا الأمر، وهو أن الكلمات في العبارات المذكورة قد تبلورت منذ البداية في ذهن المتكلم بقصد تركيب جملة لا تفيد معنى، ولكن مع ذلك يمكن للمخاطب غير المدرك لقصد المتكلم أن يفهم من ذات هذه العبارات غير المفهومة بعض المعاني والمفاهيم أيضًا. وعلاوة على ذلك فإنه حتى بناء على التحليل المذكور، فإن هذه الأمثلة تعمل بشكل وآخر على نقل هذا المعنى إلى ذهن المخاطب، وهو أن هذه الكلمات قد تمّ تكوينها في ذهن المتكلم منذ البداية بقصد صياغة جملة غير مفهومة؛ ولهذا السبب يمكن القول إن اللغة الخالية من المعنى ضرب من المحال؛ وذلك لأن الإنسان في الحالة الاعتيادية يستعمل اللغة بقصد بيان الحقائق والمعاني المنشودة له، وإن أراد أن يقوم بخلاف ذلك، بمعنى أن ينقل عدم المعنى من طريق اللغة سوف يقع في العنت والتكلّف، بل وربما أمكن القول إن هذا الأمر محال إلا في بعض الموارد التي هي من قبيل السهو والعادة والعبث والهذيان إلى حدّ ما، وذلك لأن اللغة تلازم المفهومية، بمعنى نقل الحقائق من ذهن إلى ذهن آخر، وإن اللغة قد وجدت في الأساس بقصد بيان المعنى.

بالإضافة إلى ذلك، حتى لو قبلنا بأن الأمثلة المذكورة عبارات وقضايا بلا معنى، وأن صياغة العبارات الفاقدة للمعنى أمر ممكن، يبقى هذا الأمر أي: إمكان تحقق العبارات الفاقدة للمعنى محصورًا في حدود بعض العبارات والفقرات فقط. وبعبارة أخرى: بغض النظر عن التحليل المذكور القائم على عدم إمكان انتقال عدم المفهومية من طريق اللغة يمكن القبول بأن يعمل الشخص المفكر والمجد على ترتيب الكلمات والمفردات وضمّها إلى بعضها بحيث يراعي القواعد النحوية للغة وفي الوقت نفسه لا ينقل للمخاطب أيّ معنى، بيد أن هذا الأمر لا يبدو مقبولًا في مورد حقل لغوي، وفي الواقع فإن العقل السليم لا يمكنه القبول بهذه المسألة القائلة بأن جميع العبارات والقضايا الموجودة في حقل لغوي معيّن هي عبارات غير مفهومة بحيث لا تنقل أيّ معنى من قبل المتكلّم إلى الآخرين، وأن المخاطب بدوره لا يدرك أيّ مفهوم من كلام المتكلم.

وكذلك من الممكن أن تكون مجموعة من الألفاظ والقضايا بحيث تكون بالنسبة إلى مخاطب خاص بلا معنى، بحيث لا يدرك المخاطب منها أيّ معنى أو مفهوم. من ذلك على سبيل المثال أن الشخص غير المطلع على المفاهيم الفيزيائية، يعتبر اللغة الفيزيائية لغة فاقدة للمعنى، ولكن هذا الفقدان للمعنى سوف يكون أمرًا نسبيًا؛ وذلك لأن المخاطب المطلع على اللغة الفيزيائية يفهم ذلك النص ويدرك معناه بسهولة.
في ضوء التحليلات المذكورة في مواجهة العبارات التي لا يدرك المخاطب منها مفهومًا يمكن تصوّر حالتين:

الحالة الأولى أن يكون المتكلم منذ البداية قاصدًا بيان قضية من دون معنى، حيث يكون هذا الأمر طبقًا للتحليل المتقدّم محالًا أصلًا، بمعنى أنه يجب اعتبار القضية الفاقدة للمعنى أمرًا متهافتًا أو ناقضًا لنفسه. إن القضية الفاقدة للمعنى تعني الشيء الذي يكون من جهةٍ تقريرًا وبيانًا للحقائق، ويكون وصفها من جهة أخرى عبارة عن عدم التقرير أو عدم نقل المعنى.
أما الحالة الثانية، فهي أن يكون المتكلّم قاصدًا للمعنى حقيقة، وأن يكون له مراد في ذهنه، ولكنه في مقام نقل المعنى لا يعثر على الألفاظ الصحيحة أو المناسبة على مستوى لغة العرف من أجل بيان مراده؛ فيضطر إلى استعمال المرادفات الغريبة وغير المألوفة بالنسبة إلى المخاطب. كما يحتمل أن يتمكّن المتكلّم من العثور من بين ألفاظ اللغة العرفية على الكلمات المتناسبة مع المعنى المنشود له، ولكن المخاطب، لبعض الأسباب ومن بينها عدم الاطلاع على الحقل المفهومي المنشود للمتكلم ومدركاته، يعتبرها فارغة وبلا معنى.

والنتيجة هي:
أولًا: لا يمكن اعتبار العبارات والقضايا في حقل لغوي فاقدة للمعنى بالكامل؛ إذ كما سبق أن ذكرنا قد يمكن العمل بواسطة السعي والتفكير على ترتيب الألفاظ وضمّها إلى بعضها، بحيث يتمّ فيها رعاية القواعد النحوية، ومع ذلك لا تنقل معنى إلى ذهن المخاطب، ولكن هذا الأمر غير قابل للتصوّر في دائر لغوية واسعة.

ثانيًا: إن مفهومية العبارة أو القضية يمكن تحليلها وبحثها على مستويين، وهما: المتكلّم والمخاطب. إن مفهومية الكلام على مستوى المتكلّم رهن بهذا الأمر، وهو أن يتمكّن المتكلّم من بيان المعاني المنشودة له في قالب الألفاظ، أو أن تحتوي الألفاظ والمفردات من زاوية أخرى على إمكانية هذا النقل. بيد أن مفهومية الكلام على مستوى المخاطب قابلة للبحث من هذه الناحية أيضًا، وهي أن يتمكّن المخاطب من إدراك المعنى المنشود للمتكلم والذي أفاده من طريق الألفاظ والعبارات في قالب العبارات والقضايا.
بالنظر إلى ما تقدم، هناك أسئلة جديدة يمكن طرحها في حقل مفهومية لغة الدين، حيث يمكن بيانها ضمن ثلاثة محاور كلية، وهي:

أ. السؤال عن مفهومية لغة الدين على أساس التعريف المذكور للمعنى.
ب. إمكان إدراج المعاني الوحيانية في قالب الألفاظ والقضايا البشرية القابلة للفهم (تحليل مفهومية لغة الدين على مستوى المتكلّم).
ج. إمكان إدراك المعاني الوحيانية من قبيل المخاطب، والتي تمّ بيانها في القوالب اللغوية المتناسبة مع فهمه (تحليل مفهومية لغة الدين على مستوى المخاطب).

إن النقطة التي يجب الاهتمام بها قبل الدخول في البحث هي أن المحاور المذكورة قابلة للبحث والنقاش في جميع أبعاد لغة الدين، وإن التأكيد على نماذج خاصة من بعض الأبعاد من قبيل القضايا الوارد بيانها في توصيف مرتبة ذات الله تعالى وصفاته وأسمائه، لا تعني انحصار لغة الدين في الأبعاد المذكورة، بل يعود سبب هذا التأكيد في الأبعاد المذكورة إلى أن إمكان استيعاب الحقائق الوحيانية في قالب الألفاظ والقضايا البشرية المفهومة، وكذلك إمكان إدراك هذه المعاني اللطيفة أكثر تعقيدًا بالقياس إلى سائر الأبعاد الأخرى. وبعبارة أخرى: في لغة الدين بالإضافة إلى الموارد المذكور، تمّ الحديث أيضًا عن الأبعاد الأخرى من قبيل: الأخلاق والأحكام وتوصيف الطبيعة، والأحداث والوقائع التاريخية وما إلى ذلك أيضًا. إلّا أن تحليل مفهومية لغة الدين في الأبعاد الأخيرة بسبب أنس المخاطب بهذه الأبعاد، فإنها تنطوي على صعوبة وتعقيد أقل بالمقارنة إلى القضايا الواردة في توصيف الله تعالى أو المراتب ما بعد الطبيعة.

أ. السؤال عن مفهومية لغة الدين
في ضوء النتائج التي تمّ التوصّل إليها في البحث السابق، لا يمكن القبول بعدم مفهومية العبارات والقضايا ضمن حقل لغوي بشكل كامل. وإن لغة الدين بدورها لا تُستثنى من هذه القاعدة. إن هذه اللغة مثل الكثير من المراتب اللغوية لغة مفهومة؛ حيث تتنزّل بواسطتها تلك الحقائق والمعارف الوحيانية إلى مرتبة الفهم والإدراك البشري. وبعبارة أوضح: إن للوحي ارتباطًا مباشرًا بهداية الإنسان، وإن هذه الهداية إنما تتحقّق حيث يكتسب الإنسان في تكامله الإدراكي والفكري قابلية إدراك المعاني الوحيانية، وكذلك يحصل على إمكانية نقل هذه المعاني أيضًا.

وعلى هذا الأساس، فإن مفهومية لغة الدين من الزاوية المذكورة أمر ثابت ولا يمكن إنكاره أبدًا. وفي الواقع، فإن شائبة عدم مفهومية القضايا الوحيانية، إما أن يكون ناشئًا من محدودية اللغة في توصيف الحقائق الميتافيزيقية والكامنة في ما وراء الطبيعة، أو ناشئًا من محدودية المرتبة الإدراكية للمخاطبين وعدم مألوفية الحقائق الوحيانية بالنسبة إليهم، وهو ما يجب أن يُبحث في المحورين الثاني والثالث من البحث، وهما: محور تحليل مفهومية لغة الدين على مستوى المتكلم، ومحور تحليل مفهومية هذه اللغة على مستوى المخاطب.
إن التأكيد على مفهومية لغة الدين في ضوء هذا الأصل القائل بأن المعنى والمفهوم من لوازم اللغة يؤدّي إلى الاهتمام بأبعاد جديدة من مفهومية لغة الدين. وبعبارة أخرى: بعد التسليم بمفهومية لغة الدين على أساس الأصل المذكور، يمكن الاهتمام في مواجهة الأبعاد التي تكون مفهوميتها مشكوكًا فيها بالنسبة إلى المخاطب بمسائل من قبيل سعة اللغة في بيان الحقائق الوحيانية، وإمكان إدراك الحقائق الوحيانية من قبل المخاطب. في حين أن هذه الأبعاد لن تكون منظورة في البحث عن مفهومية لغة الدين على أساس مباني سائر النظريات المذكورة في حقل ماهية المعنى.

ب إمكان استيعاب الحقائق الوحيانية في إطار الألفاظ والقضايا البشرية المفهومة
سبق أن ذكرنا أن المعنى حقيقة يعتزم المتكلم نقلها إلى المخاطب بواسطة الألفاظ والعبارات. من البديهي أنه في مرتبة النظم اللغوي إنما يكون نقل المعنى إلى المخاطب ممكنًا فيما لو اشتملت اللغة على ألفاظ وعبارات مناسبة للتعبير عن المعاني المنشودة للمتكلم. إن الالتفات إلى هذه المسألة يحظى بأهمية بالغة في حقل مفهومية اللغة. وفي بُعد التداول اللغوي ومن خلال نقل المعاني حيث لا يكون هناك مرادفات مناسبة للألفاظ والعبارات في المعاني المنشودة للمتكلم يمكن القول إن القضايا اللغوية تكون غير ذات معنى بالنسبة إلى المعنى المقصود للمتكلم. وتتجلّى هذه المسألة في بعض المراتب اللغوية، من قبيل: لغة الدين أو لغة الفلسفة؛ حيث يكون بيان المعاني فيها أبعد من حدود الحسّ والتجربة بشكل أكبر.
توضيح ذلك، أن إمكان فهم الحقائق الوحيانية يستلزم بيان تلك الحقائق بلغة مفهومة ومألوفة بالنسبة إلى المخاطبين بها، كما وردت الإشارة في بعض الروايات، من قبيل: “إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم”، إلى هذا الأمر بشكل ضمني. وفي الحقيقة، فإن مبنى كلام الله مع البشر يقوم على أساس لغة العرف المقتبسة من التجارب الحسيّة والمشتركة بين الناس؛ حيث إن الشارع المقدّس يستعمل في نقل المعاني والحقائق الوحيانية اللغة نفسها التي يستعملها عموم الناس لنقل المعاني والمقاصد المنظورة لهم في مرتبة اللغة العرفية. ولكن في مقابل هذا الرأي يطرح هذا السؤال الجوهري نفسه، وهو أنه بالنظر إلى أن أغلب الحقائق الوحيانية، حقائق مرتبطة بأمور ما وراء الطبيعة، هل يمكن بيان هذه الأمور ضمن القوالب والأطر اللغوية المأخوذة من الأمور المحدودة والمقيَّدة؟ وبعبارة أخرى: هل يمكن للألفاظ والعبارات المقتبسة من التجارب الحسيّة والمشتركة بين الناس، أن تتسع لبيان الحقائق المرتبطة بالمساحات التي تفوق الأمور الحسية والتجريبية؟ وإذا تمّ التشكيك في سعة اللغة في بيان بعض المراتب التي تفوق الطبيعة، فكيف يمكن بيان مفهومية لغة الدين في الأبعاد المذكورة؟

من ذلك على سبيل المثال أن مرتبة ذات الله تعالى التي يتم التعبير عنها بالهوية المطلقة، والغيب المطلق أو الذات الأحدية، هي مرتبة الوجود الصرف والذي لا يتقيّد بأيّ قيد، ولا يحتوي على أي اسم أو صفة. من الواضح بداهة أن القوالب المقيّدة للقضايا لا تتسع للحقيقة المطلقة والعارية من جميع القيود. وعلاوة على ذلك فإن مرتبة صفات الله تعالى بدورها مثل مرتبة الذات غير قابلة للبيان بنحو من الأنحاء. ويذهب بعض الحكماء إلى القول بأن شدّة ظهور وعلوّ المرتبة الوجودية للصفات، وانحطاط وتنزّل الألفاظ والعبارات، يحول دون دلالة الألفاظ على كنه حقيقة الصفات الإلهية، وفي الواقع فإن الألفاظ قد تمّت استعارتها بشكل وآخر من مرتبة اللغة العرفية للدلالة على الصفات الإلهية.
وبعبارة أخرى: في ضوء القبول بعينية الصفات الإلهية لذات الحق تعالى، تحتوي صفات الله تعالى مثل مرتبة الذات على ذات تلك الشدّة الوجودية، ولا يمكن العثور على أي لفظ أو عبارة تتسع لبيان هذه المرتبة من شدّة الوجود. إن سائر مراتب عالم الوجود التي هي مراتب تفوق عالم الطبيعة، على الرغم من أنها لا ترقي في درجة البساطة والصرافة إلى مرتبة الوجود المطلق، إلا أن التوصيف الدقيق لهذه العوالم بسبب إحاطتها وشموليتها واتساعها بالنسبة إلى عالم الطبيعة، ليس ممكنًا. وقد ورد في بعض الروايات تشبيه محدودية كل مرتبة أدنى من عالم الوجود بالنسبة إلى المرتبة الأعلى منها بحلقة خاتم في صحراء لا متناهية.

وهكذا نلاحظ أن الألفاظ والعبارات قاصرة وعاجزة عن بيان بعض مراتب الوجود، وعلى الرغم من الحديث في لغة الدين عن هذه المراتب، ولكن بسبب بعض الخصائص الخاصة من هذه المراتب وعدم وجود الألفاظ والعبارات الدالة عليها في مرتبة اللغة الطبيعية، يجب عدّها جزءًا من الحقول التي لا يمكن بيانها.
بالنظر إلى هذا الأمر القائل بأن القوالب اللغوية لا تتسع للتعبير عن قسم كبير من مراتب ما بعد الطبيعة والميتافيزيقا وتعجز عن توصيفها وتعريفها، كيف يمكن بيان مفهومية لغة الدين في الأبعاد المذكورة؟
يبدو أنه في ضوء نظريّة السعة الدلالية للألفاظ، يتوفر إمكان بيان مفهومية لغة الدين في الأبعاد المذكورة. إن دلالة الألفاظ والعبارات على أساس هذه النظريّة لا تنحصر في المعاني الموضوعة والشائعة لها، وإن هذه الدّلالة في حالة من الاتساع المستمر والمتواصل، ففي هذه الرؤية لا تكون دلالة الألفاظ على المعاني ثابتة، وإنما تسلك مسارًا متغيّرًا ومتوسّعًا على الدوام.
إن نظريّة الاتساع الدلالي للألفاظ تسمح للمتكلّم باللغة بأن يعبّر عن المراتب والظهورات الجديدة من الحقائق التي لم تكن معروفة في السابق وتوصيفها بألفاظ وعبارات تدلّ على المعاني المعهودة والمعروفة ضمن قوالب وأطر المعاني الجديدة لها. وفي الحقيقة والواقع، فإن الألفاظ والعبارات تحظى بهذه القابلية، بحيث تكتسب على الدوام وبشكل مستمر دلالات جديدة في حقل المعاني، والمصاديق تبعًا لها.

في ضوء القبول بهذه النظريّة سوف يتم التشكيك إلى حدّ ما في هذا الرأي القائل بأن الألفاظ والعبارات حيث تكون في مرتبة اللغة العرفية، فإنها تكون مقتبسة من المصاديق الحسية والأمور المحدودة، وعلى هذا الأساس، فإنها لا تتسع لبيان الحقائق الوحيانية. إن شبهة عدم مفهومية القضايا اللغوية بالنسبة إلى بيان الحقائق الوحيانية إنما تنشأ من حصر دلالة الألفاظ والعبارات على المعاني الحسية المعهودة والمعروفة لها. إن نظريّة الاتساع الدلالي للألفاظ من خلال القبول بهذا الأصل القائل بأن دلالة الألفاظ على المعاني في حالة من التغيّر المتواصل، تضع الرأي المذكور آنفًا في دائرة الشك والترديد. وفي الواقع فإنه في ضوء القبول بهذه النظريّة، تكون ظرفية الألفاظ للدلالة على المعاني الجديدة في حالة من التغيّر والاتساع المتواصل، وسوف ترتفع القيود اللغوية في الدّلالة على بعض مراتب الوجود إلى حدّ ما.

في تتمّة هذا البحث من المهم التذكير بنقطتين جوهريتين:
النقطة الأولى: إن هذه النظريّة تعمل على رفع شبهة عدم مفهومية القضايا الوحيانية بالنظر إلى المحدوديات اللغوية، بيد أن التساؤل الذي يمكن أن يطرح هنا هو أنه هل المخاطب بالكلام قادر على التوصّل إلى المعنى المنشود للمتكلّم الذي يتمّ بيانه من طريق الدلالات اللغوية الجديدة أم لا؟ فهذا أمر آخر سيتمّ تناوله في المحور الثالث من البحث عن مفهومية اللغة.
النقطة الأخرى: هي أن علماء الدين قد بيّنوا هذه النظريّة على أساس مبان مختلفة، من ذلك على سبيل المثال أن صدر المتألهين قد بيّن توسّع معاني الألفاظ على أساس تجريد اللّفظ من عوارض وخصائص المعاني الحسيّة والوصول إلى حقيقة المعنى. وقد ذهب العلامة الطباطبائي إلى توضيح وبيان هذه المسألة من خلال القول بأن اتساع معاني الألفاظ ينشأ من التوسع في المصاديق، ومع أخذ مهام المصاديق بنظر الاعتبار واستقرارها في المصاديق الجديدة. ويرى إيزوتسو أن معاني الكلمات تتغير بسبب حلولها في نظام فكري جديد، أو بعبارة أخرى في حقل اعتقادي خاص. إن المعنى الأساسي في الواقع هو المعنى الذي يحتوي عليه اللّفظ خارج أيّ خلفية مفهومية ويكون ثابتًا على الدوام، وأما المعنى النسبي، فيتحقّق للفظ بفعل حلول هذا اللّفظ في دائرة مفهومية خاصة، وإن هذا المعنى في حالة من التغيير المستمر.

وعلى هذا الأساس، بالنظر إلى نظريّة اتساع دلالة الألفاظ وعدم انحصار دلالة الألفاظ على المعاني الحسية والتجريبية المعهودة، يمكن عدّ القضايا الوحيانية في حقل بيان وتوصيف ما وراء الطبيعة من القضايا المفهومة والمشتملة على المعنى والمفهوم.

ج. إمكان إدراك المعاني الوحيانية اللطيفة من قبل المخاطبين
إن المحور الثالث في بحث مفهومية لغة الدين، عبارة عن تحليل ودراسة مفهومية القضايا الوحيانية على مستوى المخاطب. كما سبق أن ذكرنا فإن المعنى حقيقة يسعى المتكلم إلى إيصالها ونقلها إلى المخاطب. من الواضح بداهة أن تشابه المرتبة الإدراكية للمتكلم والمخاطب بدوره بالإضافة إلى القدرة الاستيعابية للغة في نقل المعنى تحظى بأهمية ملحوظة أيضًا. لو كان المتكلم والمخاطب كلاهما على مستوى واحد من الإدراك، فإن المتكلم في نقل المعنى وكذلك المخاطب في أخذ هذا المعنى وفهمه، لن يواجها تكلّفًا وعنتًا في هذه العملية، وتكون عملية نقل المعنى من المتكلم إلى المخاطب انسيابية على نحو تام إلى حدّ ما، ولكن كلما كان مستوى المعنى أعلى من مستوى فهم المخاطب وإدراكه، فإن هذا الانتقال سيكون أصعب قطعًا، ولن يتمكن المخاطب من إدراك كل ما يريده المتكلم.

إن عدم تشابه المرتبة الإدراكية للمتكلم والمخاطب سوف تؤدّي بالمخاطب إلى إدراك مرتبة أدنى من المعنى. بيد أن النقطة الأهم التي يجب الالتفات إليها في بحث مفهومية اللغة على مستوى المخاطب عبارة عن إمكان إدراك المعاني المتنوّعة والمتعددة على أساس مختلف المستويات الإدراكية للمخاطبين. وفي الحقيقة فإن المعنى الذي يسعى المتكلم إلى نقله بواسطة الألفاظ والعبارات اللغوية إنما هو معنى واحد، إلا أن المستويات المختلفة من الفهم لدى المخاطبين هي التي تؤدّي إلى تحقق أفهام متنوّعة لكلام المتكلم. إن المعاني المتعددة والمتنوّعة التي هي حصيلة الأفهام المختلفة، بمنزلة الصوَر المتنوّعة التي يتمّ التقاطها للشيء الواحد من زوايا مختلفة. وعلى هذا الأساس يمكن ذكر سؤالين رئيسين في حقل لغة الدين، وهما:

1. بالنظر إلى ما تقدم بيانه، هل يمكن للمخاطب أن يدرك الحقائق والمعاني الوحيانية التي تمّ بيانها ضمن القوالب اللغوية بشكل كامل؟
2. هل هناك إمكانية للأفهام المتعددة والمتنوّعة للغة الدين؟
بالنظر إلى التحليلات المذكورة، يتضح الجواب عن هذين السؤالين إلى حدّ ما؛ حيث إن بعض المراتب والمعارف الإلهية إنما تكون من خصائص المرتبة الوجودية للإنسان الكامل، وتنطوي على أسرار ورموز وغموض، بحيث لا تندرج ضمن القوالب المفهومية واللغوية لكي يتمّ بيانها إلى الآخرين أو أن يتمكّن الآخرون من فهمها. وفي الحقيقة، إن استحالة بيان هذه المفاهيم، يستتبع بدوره عدم إمكان فهمها أيضًا؛ من ذلك على سبيل المثال أننا قد أشرنا في البحث السابق إلى أن الحقيقة المطلقة والعارية من جميع القيود والحدود والتي هي مرتبة ذات الأحدية لله عزّ وجل والتي تفوق جميع أنواع الكشف والشهود، لا تتسع لها القوالب اللغوي والقضايا المحدودة. كما أن هناك مراتب أخرى من المعارف الإلهية الرفيعة التي يتم بيانها ضمن الأطر اللغوية المفهومة للبشر، إلا أن عدم اطلاع المخاطب على المراتب المذكورة يشكّل مانعًا كبيرًا يحول دون فهم المخاطب للمعاني الحقيقية للقضايا الوحيانية بشكل صحيح.

وأما بالنسبة إلى الجواب عن السؤال الثاني في خصوص إمكان الأفهام المتعددة والمتنوّعة في لغة الدين، فيجب القول: إن إمكانية فهم المعاني المتعدّدة والمتنوّعة لقضايا لغة الدين ليست موجودة ومتوفرة فحسب، بل إن هذه المسألة في لغة الدين تحظى بأهمية أكبر بالقياس إلى سائر الحقول اللغوية الأخرى. وبعبارة أخرى: على الرغم من عدم توفر الإمكانية لنقل جميع المعاني في لغة الدين بسبب عدم التشابه في المرتبة الإدراكية للمتكلّم والمخاطب، بيد أن إدراك بعض المراتب والمستويات من المعنى بالنظر إلى المستوى الإدراكي لدى المخاطبين لن تكون ممكنة فحسب، بل هي واجبة ولازمة. يمكن بيان ضرورة الأفهام المتعددة في حقل لغة الدين في ضوء بعض المقدمات والمباني؛ إذ أن للدين قبل كل شيء مخاطَبٌ عام، ولا شكّ في أن هدفية إرسال الرُسُل وبعث الأنبياء، ونزول الدين وإنزال الكتب السماوية، يمثّل نوعًا من التأييد لهذا المدّعى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الشواهد الدينية بدورها تؤكّد على الفهم العام للغة الدين. فهناك بعض الآيات في القرآن الكريم يُستنبط منها عمومية الخطاب في القرآن، من ذلك على سبيل المثال عندما يخاطب الناس بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، و{يَا أَيُّهَا الذين آَمَنُوا}، أو يدعو الجميع إلى التدبّر في القرآن، فإن هذا الأمر يمثّل شاهدًا على هذا الأمر. كما يذهب بعض المفكرين إلى الاعتقاد بأن الآيات التي تصف القرآن بصفات من قبيل «النور»، و«الكتاب المبين»، و«البرهان»، تحمل في طياتها كناية على هذا المطلب، وهو أن النور وإن كان له درجات مختلفة، إلّا أن مشاهدة مراتبه الشديدة غير ممكنة لبعض الناس، ولكن مع ذلك فإّن بمقدورهم مشاهدة المراتب الأضعف منه بما يتناسب مع ظرفيات وقابلية رؤيتهم. وعلى هذا الأساس، فإن المخاطب بالدين هم جميع الناس، وحيث توجد مستويات مختلفة للفهم والإدراك بين أفراد الناس، فإن وجود المعاني المتعددة في حقل لغة الدين أمر لا يمكن إنكاره.

يمكن بيان المراتب المفهومية لقضايا لغة الدين ضمن بُعدين من المعاني الطولية والعرضية. وبعبارة أخرى: إن ألفاظ وعبارات لغة الدين تحتوي على مفاهيم طولية وعلى مفاهيم عرَضية أيضًا. وحيث إن الحقائق الوحيانية تفوق المرتبة الإدراكية لعموم الناس، فإن هذه الحقائق لجهة الاقتراب من الأفق الفكري للمخاطبين قد نزلت في مراتب متعددة، وتبعًا لكل مرتبة من نزول المعنى، يمكن تصوّر تحقق مرتبة من المعاني الطولية للغة الدين. إن تعدّد معاني الألفاظ وقضايا لغة الدين لا تنحصر بالمعاني الطولية، بل إن الحقائق الوحيانية بعد النزول إلى آخر مرحلة من مراحل التنزل، وهي المرحلة المتمثّلة في عالم الطبيعة، والحلول في القوالب اللغوية وفي قالب القضايا، تكتسب قابلية الحصول على المعاني العرَضية أيضًا. وبعبارة أخرى: يمكن اعتبار كثرة الحقائق والمعاني الوحيانية في المساحتين الطولية والعرَضية، شبيهة بالبيان الذي يذكره الفلاسفة في كيفية ظهور الكثرة من الوحدة. في ضوء المباني الفلسفية تتحقق كثرة الوجود في مرتبتين؛ المرتبة الأولى: في السلسلة الطولية لمراتب الوجود الشامل للعقول الطولية، وبعد ذلك تأتي المرحلة المرتبة الثانية، حيث يصل الوجود إلى آخر مرحلة من مراحل النزول، سوف تتحقق الكثرة العرضية فيها. كذلك فإنّ الحقائق الوحيانية بدورها تكتسب قابلية وإمكانية الكثرة العرَضية بعد نهاية السير النزولي والظهور في القوالب اللغوية وأطر القضايا أيضًا. إن ظهور الكثرة العرَضية في المعاني الوحيانية يمكن أن تكون معلولة لعوامل متعدّدة، من قبيل اختلاف الأوليات الفكرية لدى المخاطبين، والعقود والمحدوديات اللغوية، وكذلك مسارية اللغة الطبيعية واتساع الدلالات اللغوية.

إطلالة على نتائج البحث
يمكن بيان حصيلة الأبحاث المتقدّمة في خصوص مفهومية لغة الدين ضمن عدّة نقاط أساسية:
1. إن القول بعدم مفهومية الألفاظ والقضايا في حقل لغوي لا يمكن القبول به على نحو تام، وإن لغة الدين مثل سائر المراتب اللغوية لغة ذات معنى، حيث تتنزل بواسطتها الحقائق والمعارف الوحيانية اللطيفة إلى مرتبة الفهم والإدراك البشري.
2. إن مفهومية قضايا لغة الدين تنسجم مع عدم اتساع البنية المقيدة للغة بالنسبة إلى الحقائق المطلقة ومراتب ما وراء الطبيعة، وإن هذا الانسجام يمكن بيانه في ضوء نظريّة «التوسعة الدلالية للألفاظ».
3. إن عدم التشابه في المرتبة الإدراكية بين المتكلم والمخاطب يؤدّي إلى خفاء جانب من المعنى على المخاطب، ولكن على الرغم من ذلك حيث إن الدين يمتلك مخاطبًا عامًا، يكون هناك إمكان لإدراك المعاني المتنوّعة والمتعددة وفهمها على أساس مختلف المستويات الإدراكية للمخاطبين.
4. إن القضايا الوحيانية بالإضافة إلى المعاني الطولية تحتوي على معان عرَضية أيضًا.

المصادر
أديب سلطاني، مير شمس الدين، رسالة وين، طهران، ‏مركز إيراني مطالعه فرهنگ‌ها، 1359 هـ ش.
استيس، والتر ترنس، زمان وسرمديت: جستاري در فلسفه دين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد رضا جليلي، قم، ‏دانشگاه أديان ومذاهب، 1388 هـ ش.
ايزوتسو، توشيهيكو، خدا وانسان در قرآن، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، طهران، ‏شركت سهامي انتشار، ط 5، 1381 هـ ش.
آلستون، ويليام، فلسفه زبان، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد إيران منش وأحمد رضا جليلي، طهران، ‏انتشارات دفتر پژوهش ونشر سهروردي، ط 1، 1381 هـ ش.
آير، أ. ج.، زبان حقيقت ومنطق، ترجمه إلى اللغة الفارسية: منوچهر بزرگمهر، طهران، ‏انتشارات علمي دانشگاه صنعتي.
باربور، إيان، علم ودين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: بهاء الدين خرمشاهي، طهران، ‏مركز نشر دانشگاهي، 1362 هـ ش.
پالمر، فرانك، نگاهي تازه به معناشناسي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: كوروش صفوي، ط 1، 1366 هـ ش.
پوپر، كارل ريموند، شناخت عيني برداشتي تكاملي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، انديشه‌هاي عصر نو، 1374 هـ ش.
الجوادي الآملي، عبد الله، دين‌شناسي، قم، مركز نشر إسراء، 1380 هـ ش.
چالمرز، آلن. أف.، چيستي علم، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سعيد زيبا كلام، طهران، ‏شركت انتشارات علمي وفرهنگي، 1374 هـ ش.
حسيني شاهرودي، سيد مرتضى، «معرفي ونقد پوزيتويسم منطقي»، مجله إلهيات وحقوق، ‏ العدد: 7 8، 1382 هـ ش، ‏ ص 127- 147.
ـــــــــــــــ، «مراتب معارف إلهي»، كيهان فرهنگي، ‏العدد: 206، شهر آذر، 1382 هـ ش، ص 43 -49.
خرمشاهي، بهاء الدين، نظري إجمالي وانتقادي به پوزيتيويسم منطقي، طهران، ‏انتشارات علمي وفرهنكي، 1361 هـ ش.
الشيرازي، محمد بن إبراهيم، تفسير القرآن الكريم، قم، انتشارات بيدار، ط 2، 1366 هـ ش.
ـــــــــــــــ، شرح أصول الكافي، تصحيح: محمد خاجوي، تحقيق: علي عابدي شاهرودي، طهران، ‏مؤسسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي، ط 1، 1366 هـ ش.
صفوي، كوروش، درآمدي بر معناشناسي، طهران، ‏سازمان تبليغات إسلامي، 1379 هـ ش.
الطباطبائي، السّيّد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، دفتر انتشارات اسلامي جامعه مدرسين حوزه علميه، ط 5، 1417 هـ.
فرو، تاليا، فلسفه دين در قرن بيستم، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إنشاء الله رحمتي، طهران، ‏دفتر پژوهش ونشر سهروردي، ط 1، 1382 هـ ش.
فعالي، محمد تقي، درآمدي بر معرفت‌شناسي ديني ومعاصر، قم، معاونت أمور أساتيد ودروس معارف إسلامي، ط 1، 1377 هـ ش.
فولكيه، پل، فلسفه عمومي يا ما بعد الطبيعه، ترجمه إلى اللغة الفارسية: د. يحيى مهدوي، طهران، ‏انتشارات دانشگاه طهران، 1366 هـ ش.
المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، طهران، ‏انتشارات إسلامية.
نائس، آرن، كارناب، ترجمه إلى اللغة الفارسية: منوچهر بزرگمهر، طهران، ‏شركت سهامي انتشارات خوارزمي، 1352 هـ ش.
وين، مارك، «زبان ديني»، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي موحديان عطار، مجله هفت آسمان، العدد: 28، ، 1384 هـ ش، ‏ص 107 -136.
هيك، جان، فلسفه دين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: بهزاد سالكي، مشهد، دانشگاه علوم اسلامی رضوی، 1381 هـ ش.
Braithwaite, R. B. “An Empiricist’s View of the Nature of Religious Belief.” In The Philosophy of Religion, edited by Basil Mitchell. Oxford: Oxford University Press, 1971.
Carnap, Rudolf. Logical Foundations of Probability. Chicago: University of Chicago Press, 1950.
Crombie, I. M. “The Possibility of Theological Statements.” In The Philosophy of Religion, edited by Basil Mitchell. Oxford: Oxford University Press, 1971.
Flew, Antony, R. M. Hare, and Basil Mitchell. “Theology and Falsification.” In The Philosophy of Religion, edited by Basil Mitchell. Oxford: Oxford University Press, 1971.
Peterson, Michael, William Hasker, Bruce Reichenbach, and David Basinger. Reason and Religious Belief: An Introduction to the Philosophy of Religion. New York: Oxford University Press, 1991.
Phillips, D. Z. Death and Immortality. New York: St. Martin’s Press, 1970.
ـــــــــــــــــــــــــ. The Concept of Prayer. Oxford: Basil Blackwell, 1981.
Randall, John H. Jr. The Role of Knowledge in Western Religion. Boston: Beacon Press, 1958.
Simon, Walter M. European Positivism in the Nineteenth Century: An Essay in Intellectual History. Ithaca: Cornell University Press, 1963.