البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الروحانية في عصر العلمانية - بحث في مآلات الحداثة البعدية

الباحث :  جميل قاسم
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  2
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 26 / 2015
عدد زيارات البحث :  1763
تحميل  ( 325.116 KB )
الروحانية في عصر العلمانية
بحث في مآلات الحداثة البَعدية
جميل قاسمإدغ[1] [*]
يقصد هذا البحث الاقتراب من قضية شكلت على مدى قرن كامل محور مساجلات فكر ما بعد الحداثة في الغرب، عنينا بها التحوّلات الروحانية التي راحت تجتاح عصر العلمانية وتطرح أسئلة عميقة حول المآلات المنتظرة للحداثة المعاصرة.
يؤسس الباحث والأكاديمي جميل قاسم فكرته هنا على نقد السلطة المعرفية للحداثة التي فصلت الإنسان عن بعده المتعالي وحوّلته إلى شيئية في خضمّ ثورتها المعاصرة العلمية والاقتصادية.
المحرر
قامت الحداثة الغربية الراديكالية، في قطيعتها مع العصور الوسطى، والنظام القديم، على العودة إلى الطبيعة، والتفكير النقدي بالموجودات خارج كل مرجعية، ما خلا سلطة النقد ذاته. ومذهبها في ذلك اعتبار الإنسان معيار القيمة والمعنى، وراعي الوجود والكينونة، وكذلك على الفصل ما بين الحقيقة الأرضية والحقيقة العلوية، باعتبار العقل والعقلانية مرجعية الحقيقة المطلقة. وهكذا فصلت الحداثة الإنسان عن بُعده (الفطري) بنوع من نزع الطبعنة عن وجوده ككائن (désnaturalisation)، كما عزلته عن بعده القدسي (نزع القدسنة (déssacralisation) ناهيك عن امتداده العائلي والجماعي، والكوني. ونتيجة لعملية التفريد هذه سادت الإناسة المركزية (الانتروبودسية) أي الأنوسة المتمحورة على الذاتية الإنسانية وحدها، وحملت في طياتها إنفصاماً وجدانياً حوَّل العناية الإلهية إلى «عناية بشرية»، والحق الإلهي إلى حق بشري حصري، وأحل الأخلاق البروميتيسية محل الأخلاق اللاهوتية في العصرين الوسيط والقديم. ورغم إيجابيات الحداثة لجهة إعادة الاعتبار للأنسنة، فقد حولت الأنسان المنسلخ عن بعده الطبيعي، والقدسي، والكوني، إلى فرد بلا فرادة. كما أدى ربط التحديث والعلمنة باللاَّقدسنة إلى إفقارالدين والعلمانية على حد سواء، فكانت بالأحرى نمطاً من العلماوية، المناوئة للقيمة والمعنى؛ الأمر الذي أدى إلى إفقار البعد الروحاني للوجود، وتحويل القانون إلى شرعة ايديولوجية تقوم على صراعية السيد والعبد، والعقل والدين، والفرد والجماعة. وهكذا تحول الإنسان ـ المركزي، إلى إنسان من دون بُعد ولا امتداد ولا أفق ولا ماهية (وذلك على المستوى النفساني، والروحي والآدابي على الأقل).
لقد مهدت النهضة الاوروبية للحداثة، التي تتحدد بذاتية الحداثة، دون اي معطى سابق أو لاحق عليها، على كل أصعدة الوجود. وأدى عصر الأنوار، إلى بروز فلسفات وإيديولوجيات ونزعات مادية، وتاريخوية، ووضعية، وتطورية قامت على سيادة العقل ـ المركزي. وازدهرت في حينه كتابات مناوئة للدين، وراحت تسقط معايير النقد الطبيعي على الظواهر ذات الطبيعة الوضعية والميتافيزيقية على حد سواء. وقد اعتبر هذا التراث الدين في اصل كل استلاب، باعتباره نوعاً من الأنسنة الإلهية anthropomorphisme الحلولية، التعويضية، التي تسعى إلى تجسيد ما يعجز الإنسان عن تحقيقه فيحوله إلى الإله، بنوع من التشبيه الإلهي. هكذا تصورت هذه الفلسفات والأفكار «الذاتية» subjectivité رؤيتها للانعتاق من السلطة اللاهوتية وذك انطلاقاً من عدمية كل منحنى ميتافيزيقي وما ورائي. وما لبثت الفردية الذاتية ان تحولت إلى فردوية محورية، وصار العالم ـ رغم الفتوحات الهامة للحداثة ـ نوعاً من «العالم الباهت» بتعبير مارسيل غوشيه، الأمر الذي أعاد طرح سؤال المعنى والقيمة والغاية.
العلمنة بوصفها لاهوتاً صارماً
في كتابه «المقدس والدنيوي» يتساءل مارسيا إلياد[2] إذا لم يكن الوجود العلماني الذي يخلو من الآلهة هو ايضاً ينطوي على شكل من أشكال الدين؟ ثمة فرق، إذن، بين الدين والدينوية religieusité، وإذا كان الدين يقتصر على اللاهوت، والفقه، والشعائر، فإن الدينوية كامنة في كل ما هو سامٍ وساحرٍ وعجيبٍ ومتعالٍ وقدسيٍ ورمزيٍ، وسرِّي. وأشكال القدسي والرمزي محايثة في أكثر أشكال الحداثة والمعقوليِّة، وكذلك في آداب الحياة وقواعد المعاملة. فالسلوك الدهري، كما تظهر علوم الإنسان، بارز في السلوك الديني، كما أن السلوك الديني ظاهر في أشكال السلوك الدهري. فالدهري والحداثي، في الحياة العلمانية يتضمن أشكالاً قدسية وحرمية أيضاً. ومن نافل القول إن موضوعات الحب، والجنس، والزي، والغذاء، والبيئة، والحق في الحياة لها قيمة مقدسة في حين أن الظاهرة الدينية ـ حسب إلياد ـ هي ظاهرة تاريخية وزمانية وإن كانت ميتافيزيقية، كما أن أشياء العالم الدهرية ذات قيمة أنطولوجية (وجودية). فالكون، من حيث أسراريته وجلاله وجماله وعظمته هو كون مقدس. والدنيوية تتجلى في الوجود والطبيعة، في البشر والشجر والحجر وأشياء العالم العادية.
والقدسي والدهري ذات أبعاد تبادلية، تقوم على جدلية المتعالي والمحايث، الرمزي والفعلي، المقدس والمدنس، الكينونة والغيبوبة، المتناهي واللامتناهي، الإيمان والإلحاد، أو الشك واليقين!؟ باعتبار الشك هو «الكفر» السلب، والنقيضة، والإيمان هو الإثبات، والطريحة. والحقيقة تقوم على جدلية النقش والطرح وصولا إلى الجمع المعرفي. والحداثة ـ حتى في عصر ما بعد ـ الحداثة، والعولمة، وثورة الاتصال، هي حداثة مثقلة بالأسرار الغيبية، واللامعقولة، والاحتمالية، والميافيزيقية. وإذا كان الإنسان «البدائي»، الأصلي، الفطري، يعتبر المكان مكاناً أنطولوجياً، وليس مجرد مكان هندسي، ويرى الزمان زماناً ميثولوجياً قابلاً للاستمرار، فإن الإنسان الحديث، بدوره، يقدس المكان والزمان والطبيعة والعالم بطريقة محدثة. وفي الإنسان الحديث رغبات بدئية(أصلية) متعالية، ذات بعد نفساني ـ ميقولوجي، كالرغبة في العود، والخلود، اللاتناهي، والتأله. في معرض انتقاله من طور الحيوانية إلى طور ما بعدـ الانسانية، والمحافظة على البيئة، ومناوأة سفك الدماء، فتكون حقوق الإنسان، والبيئة، ناهيك عن قتل الروح، حقوقاً مقدسة.
وهذه النقطة الأخيرة تطرح سؤالاً مؤرقاً، تعالجه هذه المحاولات، كما تتناوله الكتب السماوية: هل العنف، او الشر، راديكالي، جذري، متأصل في الطبيعة الإنسانية، أي باعتبار الخطيئة والعنف والشر أصلية في الذات الإنسانية؟
لقد حدّثنا الكتاب المقدّس ـ كما تبيّن الدراسات اللاهوتية ـ عن السقوط في العالم، والخطيئة الاصلية، والقتل الأخوي Fratricide (هابيل وقابيل)، وعن التضحية. وها هي ذي انتروبولوجيا وفلسفة العصور الحديثة تتناول جدلية السيد والعبد الصراعية، في النزاع من أجل تأكيد الذات، والتفوق على الآخر، والغلبة، في جدل المحاكاة بين الذات والآخر، وذلك للاستحواذ على الموضوعات، وهو الاصل الذي تنبع منه السلطة والسيطرة، والتملك وهيمنة الإنسان على الإنسان، باعتباره «موضوعاً» من موضوعات وأشياء العالم الموضوعية.
وتبين الحروب الأهلية (من البوسنة إلى رواندا، وحتى الجزائر، ولبنان وفلسطين وافغانستان) أن العنف كان، في كثير من الأحيان مجانياً واتفاقياً، الأمر الذي يؤكد على هذا البعد الاصلي للشر في الذات الانسانية، الذي تعمل الأديان، والعقائد، والشرائع، والفنون على كبحه واو تهذيبه اوتفريجه بالإحالات السامية والمتعالية والمقدسة.
دحض علمنة المنفعة
إن علمانية عصر الأنوار المتأسسة على «اللاقدَّسنة» و»اللاَّطبعنة» ـ بمعنى الطبيعة الفرطية للإنسان ـ قد أحلت «المصلحة» و«المنفعة» محل الحاجة التي قامت على الفصل ما بين الديني والدنيوي. هذه العملية قادت إلى فك عرى العلاقة بين الإنسان والجماعة، والكائن والكينونة، على الصعد الثقافية والروحية. وقد تمخضت عملية التدهير الآنفة الذكر، عن علماوية مرادفة للتدهير القيصري، قامت على إبطال الطابع الحرمي، والى إفقار الدين والحداثة على حد سواء وذلك بتحويل الدين إلى أيديولوجيا اجتماعية من جهة، والإنسان إلى أداة وسيلية، ناهيك عن امتهان القيمة والمعنى، بإفراغ العالم من بعده القدسي والروحي والمتعالي.
والوصل ما بين الدهري والقدسي، بين الإنسان والطبيعة، بين الكائن والكينونة، بين السياسة والأخلاق، صار في عصر ما بعد الحداثة، أمراً لا مندوحة عنه، لإعادة اكتشاف معقولية العقل، ومعنى المعنى، وأصالة الطبيعة، وقيمة القيمة، إذ إن الوصل ما بين الديني والدنيوي، لا يقل أهمية عن الفصل ما بين الدين والدولة، كما أن إناطة العلمانية والديمقراطية ببطلان القدسية، وإبطال البعد الحرمي للوجود والطبيعة وحقوق الإنسان، يتنافى مع الروحانية والعقلانية بكل أشكالها، فبأي «معنى» على سبيل المثال يمكن اعتبار «إسرائيل» «دولة علمانية»!؟ أو«دولة ديمقراطية» بحسب التوظيف الغربي العلماني.
عود على بدء.. إذا كان سبينوزا في العصر الوسيط قد مهد للحداثة العقلية، بتجاوزه لإشكالية العقل والنقل، وتوطيده للعقل الفكري في المعرفة، من دون إلغاء القيمة، كنمط معرفي مصداقي، فإن كلود ليفي ستراوس يعتبر القيمة ـ بالمفهوم الأثنولوجي ـ محددة للقيمة. من هنا أهمية المقاربة للإنسان في بعده المعنوي، انطلاقاً من الكلية الثقافية، وليس من معطيات سابقة أو لاحقة، في بُعاده الشخصاني الكلي، الأمر الذي يخفف من غلواء الثقافة «الشائعة» التي ترى إلى الثقافة الحية والمعاشة كفولكلور أصولي، بدائي «وحشي» وما قبل ـ حداثوي؟
لقد تأسس الإصلاح الديني في الغرب على مبادئ العقل الكونية (اللوغوس) فتولد عنه نظرة أنسية جديدة ترى اللامتناهي في التناهي، والغيب في الحضور، والتعالي في المحايثة والملازمة، لكن الطابع الراديكالي «الانقلابي» للحداثة ما لبث أن أحل الأنوسة ـ المركزية (الأنتروبوديسية) محل الألوهة ـ المركزية (الثيوديسية)، والناسوت بدل اللاهوت، وذلك من دون تمييز ما بين الأبعاد الثيولوجية والميثولوجية، القدسي والدهري، الديني والدنيوي، الأمر الذي أفضى إلى تأليه الإنسان، فتحول الله ـ الإنسان في المسيحية إلى إنسان ـ إله، في حداثة أراد فيها الإنسان التخلق بالآلهة التي خلقته فأعاد خلقها (كما يقول فولتير).
التدهير في مواجهة القيم
إن نهاية اللاهوتية ـ الدينية، التدهير، العلماني، كل هذه الكلمات وغيرها، تؤشر، بنظر الفيلسوف الفرنسي لوك فيري[3]، إلى ذات الحقيقة الواحدة هي: ظهور العالم العلماني. وهكذا أصبح الاعتقاد بالله مع الحداثة العلمانية الغربية مسألة شخصية؛ إذ فقدت القيم الأخلاقية والحقوقية والجمالية طابعها القدسي، واقتصرت على الصعيد الإنساني، هذا، على الرغم من أن الأسئلة الميتافيزيقية، والسؤال عن المعنى لا زالت تغذي الوعي الحديث.
وفي مايتعدى الأصوليات الدينية، فإن الغرب الحديث يطمح ويصبو إلى أشكال متجددة من الروحانية، الأمر الذي يفسر العودة إلى الحكمة الشرقية، وظهور الفِرَق والأديان ـ الجديدة. وهنا نطر السؤال التالي: كيف نفسر العودة إلى الروحانية في عالم العلمانية؟
لتفسير هذا الامر يعود الفيلسوف الفرنسي لوك فيري إلى أصول الثورة العلمانية، إلى اللحظة الديكارتية، بوصفها اللحظة التي توطد الذاتية، الكوجيطية، وتضع على محك الشك، والاختبار النقدي، العقائد الدوغماطية، بوساطة العامل Sujet سيد ـ ذاته؟ وهكذا فإن الوعي الحديث المتأسس على الذاتية والوعي الفردي، وليس على التقاليد يفرض نفسه، كمقوم للحداثة الفكرية: العامل Sujet في علاقته مع الذات. ويرفض أهل الحداثة، والحال هذه، كل رأي سلطوي، لا يخضع لهذه القاعدة، (علاقة العامل مع الذات)، باعتباره «منطق سلطة»، بغض النظر عن طبيعة وشكل هذه السلطة، الخارجية، إلا إذا كانت سلطة وجيهة، تفرض الاعتراف بها، والقناعة فيها. وهي، إذ لا تستبعد الامتثال للدُرجة (الموضة) أو الانبهار بالقادة والزعماء، فإن هذا الإذعان يقوم على الضمير والوعي، على الصعيد السياسي او الثقافي او العلمي، وعلى الأخلاق الآدابية المتأسسة على الإنسان. ولكن هل تعني هذه الأنسية الحديثة نهاية كل شكل من أشكال الروحانية؟ يرى فيري أن الجواب السائد على هذا السؤال بالنسبة إلى الأغلبية، الملحدة واللاأدرية، يقوم على كفاية أفكار عصر الأنوار الكبرى. إذ يرى أهل الحداثة أن القدماء كان لديهم الدين ولدى المعاصرين الأخلاق، أخلاقية الواجب، ولا يوجد ثمة حاجة، والحال هذه، للدين ليكون المرء شريفاً، وليتحلى بالمعروف والاحسان، ولا للاعتقاد بالله كيما يؤدي واجبه، غير أن كل هذا، رغم كفايته يبرز عدم الكفاية بإزاء التعالي. من هنا تنطرح مسألة العلاقة ما بين الأخلاقية éthique والدين. وهنا يلاحظ فيري أن المجتمعات العلمانية لا تستأصل البعد الدينوي، وإنما تموضعه في أنحاء جديدة، ليست في المتعالي وإنما في «سافلة» الإهتمام الأخلاقي.
في القرن السابع عشر، كان يتم التفكير بالإنسان، انطلاقاً من الله، او بحسبه، باعتباره الخالق، الكائن المطلق واللامتناهي، فيما يكون الإنسان، بالنسبة اليه تناهياً ونقصاً، باعتباره كائناً ضعيفاً، جوهرياً، وهذه النظرة تتوافق مع اللاهوت ـ الأخلاقي، حيث يأتي الله ـ حسب هذا اللاهوت ـ، منطقياً وميتافيزيقياً، قبل الإنسان، في التأسيس الديني للأخلاق. غير أن العصر العلماني وطَّد النظرة إلى الكائن الإنساني في كل المجالات إلى درجة أصبحت فيها «فكرة الله» فكرة إنسانية. فمن كانط إلى فيورباخ وحتى ماركس وفرويد، لم تعد علامة الروح تؤخذ مأخذ الجد، في حين دقت الأجراس قرعة الحزن Glas في تأبين اللاهوت الأخلاقي، وأصبحت الأخلاق تتأسس على مبادئ الكرامة الإنسانية، وليس على الألوهية. وهكذا لم يعد المسيح نفسه سوى قديس إنساني في نظر الفلاسفة، أو بحسب كانط ـ الذي يربط مفهوم الدين و«المصير» بالأخلاقية moralitat. فإذا كانت الأخلاق، بذاتها، تلتقي مع تعاليم المسيحية فلا يوجد ثمة حاجة إلى المسيحية لإقامتها. رغم هذا الموقف، ظلت الدينوية، تشكل أفقاً للأخلاق العلمانية، من دون ان تأتي قبل الأخلاق لتأسيسها، وإنما بعد الأخلاق لإعطائها المعنى. وهكذا لم يعد الإنسان كغاية وليس كوسيلة، وتمت التسوية بين الإيمان والإلحاد. كما أن فكرة «الله الذي يأتي إلى الروح» بحسب الفيلسوف لفيناس لم تتوارَ، بل ظلت قائمة، تضفي المعنى على القانون، والأمل على الواجب، والحب على الاحترام، انطلاقاً من إشكالية إنسانية بحتة. وعلى هذا النحو بدأ الذهاب من الإنسان إلى الله وليس على العكس. وإذا كانت المسيحية، اليوم، ترى في ذلك علامة من علامات الغرور فإن العلمانيين، والمسيحيين العلمانيين من ضمنهم، يرون في ذلك علامة من علامات الأصالة والإيمان المتأسس على أفول الأخلاق اللاهوتية. لم يعد التعالي مرفوضاً، وفق هذا التصور، بل مشمولاً، كفكرة، في العقل الإنساني، لكنه ينطوي في المحايثة، الملازمة للذات، في استقلالية العالم الذاتي Sujet. إن الثورة العلمانية التي دخلت إلى الكنيسة ذاتها ـ لم تعد تعترف بمنطلق السلطة، وصارت تدعو إلى «أخلاقية حوار» تغير العلاقة بين الأخلاق والدين، وهذه الأخلاق تقترح نوعاً آخر من التعالي يقدمه هوسرل في منهجه الظواهري مندمجاً في المحايثة. فالحقيقة العلمية تتجاوز الفرد والفردية، مع كونها ملازمة للوعي. وليس ثمة حاجة إلى الركون إلى «منطق السلطة» لفرضها او افتراضها. فالمتعالي محايثٌ، ملازِمٌ ـ في ـ الظاهرة. بحسب المعرفة الترنسندنتالية الظواهرية. فتعالي الحب يندرج في دخيلة الانسان الصميمة، وتعالي الله ينوجد في الطبيعة والوجود والروح، إن هذا المظهر من مظاهر الطبيعة هو الذي يتفق ويتوافق مع العلمانية، وهو الذي يعطي المعنى للروحانية الحديثة. في اي إطار تنطرح العودة إلى القدسي والمتعالي في الغرب المعاصر؟ إنه المعنى واللاَّمتناهي الذي ينطرح بإزاء التناهي المطلق، الموت، والرباط المعقود بين نهاية الحياة ومعناها الأقصى، بالتجرد عن التملك، في مقابل الكينونة الحقة، في حين أن المعنى، في العالم العلماني الباهت يقتضي طرح سؤاله (التناهي).
يفقد الإنسان في الحداثة المأساوية اكتماليته وأصالته، وغاية وجوده، ولقد اصطدم جهابذة الحداثة ـ وعلى رأسهم ـ ماركس بالصعوبة التي توقعها جان جاك روسو، الذي ذكَّر الإنسان بالانحطاط والعدمية، فاقترحوا فكرة خلود «النوع» الإنساني في مقابل الانحطاط الفردي. لكن كيركجارد كشف عن هشاشة هذا الموقف. باعتبار ان الفرادة الوجودية، هي حقيقة الإنسان الفريدة. لقد ألهم المقدس ـ على امتداد آلاف السنين ـ كل قطاعات الثقافة الإنسانية، من الفن إلى السياسة، ومن الميثولوجيا إلى الأخلاقية.. فهل تستطيع الأخلاق الحداثوية الخالية من التسامي ان تعوّض الحضارة الغربية عن إقصاء الدين من فضائها؟
طغيان الأداتية
لا شك بأن إحدى السمات الفريدة للمجتمع العلماني هي وجوده في إطار مشروع يستمد منه المشروعية والقيمة والمعنى. مع ذلك، ففي مجتمع الأتمتة والاستهلاك تطغى الأداتية بحيث ينطرح معنى المعنى، وفائدة الفائدة للمشروعات القائمة. أي ينطرح المعنى الأقصى، النهائي، للمعنى والقيمة. وبما أن السؤال عن «معنى الوجود» يفوح بميتافيزيقيته، يظل قائماً في عهدة الإيمان القديم، ولا يظهر السؤال إلا في ظروف استثنائية، كالحداد، والمرض العضال في قوالب من المؤاساة الشكلية.
لا يعني هذا الأمر أن التعالي ليس كامناً في الحداثة. فالأفكار الطوباوية الكبرى، كالماركسية، كانت عبارة عن «ديانة خلاص أرضية» طوباوية بامتياز، يستبدل الجنة في الحياة الاخرى بجنة موعودة فوق الارض، يزول فيها صراع الطبقات، وتنتهي الدولة، وتتعمم ملكية وسائل الانتاج، وكانت هذه النظرية تنطوي على فكرة : «حياة أخرى» تتعدى الحياة الحاضرة، تجمع ما بين الإلحاد والتعالي.
لكن السؤال عن معنى الحياة قد اختفى في مجتمع الأتمتة التكنوقراطية، مجتمع الاستلاب والاغتراب، الذي وصفه هيدغر بأنه المجتمع الذي يستدعي فيه الفعل فعلاً آخر بلا غاية. وفي كنف أفول المعنى لا يقدم العلم أية حكمة، لكونه يصف العالم، كما هو، وليس كما ينبغي أن يكون. وتتحول الفلسفة إلى التفكير في فروع المعرفة الاخرى (دون أن تتحول هي ذاتها إلى معرفة فروعية، متعددة ـ الفروع)، والى تعليم تاريخها الخاص من أفلاطون إلى فرويد، ويكون «التفكير» نوعاً من التفكير في التراث، وهو ما يخالف مفهوم الفلسفة والتفكير بالموجود كموجود، او الحكمة بما تعنيه معرفة الحق لذاته، معرفة محكمة (إبستمية) والتفكير بالأشياء على ما هي به، كما هي، بدون وساطة.
وتسعى الأديان ـ الجديدة، كالبوذية، إلى إحياء أشكال قديمة من الروحانية، غير ان المعنى هنا، لا يلبث في منطق العلمنة الديمقراطية أن يكتسي شكلاً من أشكال إنكار المعنى، في مقابل نسيانه، فلا تزيد عن سد فراغ أفول المعنى.
وكان كارل ياسبرز قد افترض المتعالي في فلسفته الوجودية المنفتحة على الروحانية باعتباره الحاوي englobant الذي يشتمل على المحتوى englobé، في جدلية الوجود الظواهري، والوجود السامي، الكائن والكينونة الشاملة.
والأسئلة الوجودية التي كانت تجد أجوبة تلقائية عليها، بنتيجة الانفصال ما بين الدين والدنيوي، في العالم الباهت، كالزواج، تربية الأطفال، الوفاء، العلاقة مع الجسد، لم تعد خاضعة لقواعد معروفة، الأمر الذي يستدعي غايات متعالية لها.
وليس المقصود بالتعالي الصُري، الذي يُفرض من الخارج، بل التعالي الذي يتعدى قيم الخير والشر، باعتباره قيمة محددة لكل قيمة، أي أنه التعالي الذي يختص بالمعنى وليس بالقانون والقاعدة والفريضة.
وبناء على ذلك يرى الفيلسوف فيري انه ينبغي استبعاد سوء الفهم الذي بموجبه تختزل الحداثة إلى «ميتافيزيقيا الذاتية» في مقابل نهاية الروحانية والتعالي، بغية الانخراط في عالم التقنية ـ المركزي، التكنوقراطي. والإنسية، على العكس، من شأنها أن تدخلنا لأول مرة في التاريخ الحديث، في روحانية أصيلة منعتقة من البهرجة اللاهوتية، متأصلة في الإنسان وليس في تصور دوغماطي للألوهة.
فالسؤال عن المعنى في العالم العلماني يترسخ في اليقين والاختبار الواقعي، وكذلك في استقلالية الذات، وملازمة الذات للذات كما يؤكد التيار النقدي المابعد حديث.
وعند الفيلسوف فيري فإن التعالي في مجال الأخلاق هو المعنى الأقصى. الكلي والكيفي، للخبرة والتجربة المعاشة. وهذا التعالي يخص جميع قطاعات الذهن من الجماليات إلى العلم وحتى الأخلاق والدين. ولا تقوم الحداثة على إنكار التاريخية او العلية، بل في التفكير بها بمنأى عن الأوهام الميتافيزيقية، بصيغة عقل يقود إلى إثبات اللامعقول، خارج ذاته. من هنا تنطرح إعادة النظر بمفهوم العلية ليس باعتبار أن الذات التي يقوم عليها مبدأ العلة تتحكم بالعالم بادماجه في الوعي، وإنما كما يرى كانط بأن ينقلب مبدأ السبب إلى نقيضه عبر إثبات الميزة غير المحدودة لسلسلة النتائج والأسباب، الامر الذي يبين أن طرف السلسلة يفلت منا أبداً، وأنه، بالتالي، من المعقول افتراض اللامعقول. ولا تعني الغائية هنا دوراً منطقياً، أو حلقة مفرغة. ما دامت تقوم على تسلسل ملازم، وليس على تسلسل ذهني صرف. وهذا هو الفرق بين الاختزال الظواهر، الذي يقوم عليه المتعالين وبين التعالي الذهني، الصوري المجرد (بذاته ـ ولذاته) من جهة أخرى. أن التعالي في الحالة الاولى يقوم على غائية عليّة، ظواهرية، وتفترض هذه العليّة غاية قصوى، نهائية، هكذا نجد أن مبدأ العقل لا يلغي الغاية.
وإذا كان الدين يجعل التعالي في خارج الذات ـ كما يبيِّن فيري ـ فإن التعالي الظواهري، يكون في الذات، فيأخذ شكل المكبوت في اللاوعي، والسامي في الجمال، والروحي في الأخلاق، والمعنى في الصورة او الفكرة او الكلمة الخ.
وكان لايبنتز كما يلاحظ فيرّي، المنظّر الأول للّاوعي، وهو المفكر الديكارتي الملتزم بمبدإ العلة. ثم إن العلوم تصف جزئياً ما هو كائن، ولكن كينونة الأشياء، سؤال الكينونة لا يخصها، هنا يتقاطع الفيزيائي في موضوع الانفجار الكبير (بيغ بانغ)، مع الميتافيزيائي، باعتبار ان سؤال أصل الكون، هو سؤال أسراري، يتعلق، بالغاية، والبعد الوجودي الميتافيزيقي للظاهرة الكونية. ولذا فإن سؤال الغاية، والقيمة والمعنى، هو المتعالي، في موضوعات الوجود كافة.
لعل الفرضية الاولى التي يدور حولها كتاب «الإنسان ـ الله»، للفيلسوف لوك فيرّي بأن المعنى والمقدس ليسا منفصلين. الفرضية الثانية أن المعنى والمقدس ينعقدان على أساس ما تمخضت عنه حركة أنسنة الإلهي (الإنتربودسية) التي طبعت بطابعها صعود العلمانية في القرن التاسع عشر، وما أدت إليه، بنتيجة قطيعتها الحاده، من بهتان القيمة والمعنى، وبالمقابل، تقوم العودة إلى البحث عن المعنى والقدسي عبر تأليه ـ الإنساني، فيبدو الانسان، كإنسان، مع ولادة الحب الحديث (الحب المتسامي. والمتجرد والمتعالي: حب ـ الصداقة (فيليا) philia والحب المتجرد Agape (وليس الحب الشهوي Iros) يغدو الانسان إنساناً ـ إلهاً. فتنطرح الألوهية. كفكرة إيمان عملي. إنطلاقاً من إشكالية إنسية. تذهب من الإنسان إلى الله. وليس العكس. (باسم نبذ منطق السلطة حرية الضمير..) فنبذ منطق السلطة. مجدداً. يوجب بأن يظهر التعالي في صميم المحايثة. لذلك تعتبر الاستقلالية Autonomie وليس الاستلحاقية Heteronomie مناط هذه العلاقة. على الصعيد الأخلاقي. وهذه الحركة العلمانية المحدثة. تجد لها تحققات وتجليات في داخل الكنيسة ذاتها. فأكثر الكاثوليك ـ حسب بعض الإحصاءات ـ أصبحوا في الغرب إلهيين Deiste. وهو المذهب الذي يقوم على الإيمان الشخصي بالكائن المطلق être supreme. مذهب فولتير الفلسفي المعروف، إلى درجة أن «أدب الحوار» داخل الكنيسة بات يستقرئ رسالة المسيحية باعتبارها خطاباً رمزياً على صورة الأساطير او الروايات الشعرية، بحيث يظهر تفكيك رموزها أنها تتوجه إلى الأفراد من داخل ذواتهم، وليس من الخارج. بل ان الكاهن الألماني دريورمان يلجأ إلى العلوم الإنسانية، والتحليل النفساني، بروح فلسفة الأنوار الأنسية فيضع على المحك الطابو المسيحي ذاته، ليستخرج المعنى الحقيقي، غير الحدثي لأسطورة الميلاد من «الرواية التاريخية» وليس من التاريخ الحدثي. ويضع موضع المساءلة بتولية مريم باعتبارها «مسألة رمزية» فتعتبر مختلف الحوادث في حياة المسيح وقائع رمزية منبثقة من أعماق النفس البشرية ومكتسبة بعداً لا زمنياً. وهكذا يؤسس المؤمنون إيمانهم على أساس المحتوى العلماني لإعلان حقوق الإنسان. فتصبح الأخلاقية بالنسبة إليهم أخلاقية دينية أكثر مما هي أخلاقية لاهوتية.
الوحي كمنبع للحقيقة
غير أن السؤال الذي يطرحه المتمسكون بالتقاليد ينطوي على التشكيك نفسه بحرية الضمير المطلقة، اللامحدودة، التي أطلقتها العلمانية الحادة، والتي تمثل تهديداً لفكرة الألوهية ذاته. إن حرية التفكير مطلقة. ويرفض البابا يوحنا بولس الثاني اختزال الأخلاق المسيحية إلى فكرة حقوق الإنسان، واعتبار الضمير ـ بل الوحي ـ منبعاً للحقيقة. كما يرفض الإقرار بأخلاقية الصدقية والنفعية، كمعيار يربط الفعل بنتائجه. ويجد البابا أن الضمير والحقيقة لا يتعارضان وفق مبادئ اللاهوت ـ المشترك Théonomie Participée وأن الناموس الأخلاقي يظل أساساه ومناطه التشريع الإلهي Théonomie. أما بالنسبة إلى الفيلسوف فيرّي فيجد أخلاقية الإنسان ـ الله، المتعالية في العمل الإنساني العام، والمحبة، والمحافظة على البيئة، والأخلاق الحيوية Bioetique والرفق بالحيوان (بالمعنى البوذي للكلمة) وهو يرى أن الإنسان مع فتوحات العلم اليوجينية والأونانية (الإيلادات الاصطناعية والتناسخ) قد صار يمارس الفعل والخلق الإلهي.
وهذه الأخلاق ـ الإنسية. رغم تطلبها للمعنى المتعالي، في السياسة والأخلاق والعلم. إلا أنها تجد منبع المعنى والقيمة في سافلة الوعي وليس في عاليته.
رغم كل ذلك، ومع التصور الذي يقدمه الكاتب للإنسان ـ الإله باعتباره إنساناً كاملاً، فإننا لا نجده، بعد، إنساناً فاضلاً بدليل إمارات الشر الجذري المتأصلة في الطبيعة الانسانية، كالعنف المجاني المعاين في الحروب الأهلية.
وتلك المسألة، كمسألة نظرية، أثارتها ظواهرية الأديان، في دراستها لإشكالية العنف والمقدس (رينيه جيرار)، حيث تشكل «موضوعات» العنف قرابين رمزية للعنف الملازم للطبيعة البشرية. والسؤال المطروح، ههنا، كيف نوفق بين اعتبار الإنسان إنساناً متألهاً، يسترد فعل الخلق في الخليقة، إذا أدركنا بأنه شريرٌ بالطبيعة؛ لا ريب في أن الأخلاق الحيوية، والدين، والفن، والقانون، هي كوابح لتهذيب النفس وإعلاء الروح، والتنفيس عن المكبوت. ولكن سؤال التعالي يعود فينطرح، تارة أخرى، هنا في إزاء الذات الإنسانية. فإذا اعتبرنا الإنسان إنساناً متألهاً، خالقاً، فاعلاً في الطبيعة والمجتمع، في النطاق العلماني ـ وهذا حق ـ فهل من الضروري أن يخضع الدين التقليدي ـ بمنظور تعددي، إلى العلمنة الراديكالية مرة أخرى. وماذا تكون حصة المعنى، والقيمة، والمتعالي إذا نزعنا عن الدين طابعه الميتافيزيقي، التزامني، وهل يمكننا الكلام عن ميتافيزيقا علمانية؟ إن سؤال الفصل ما بين الدين والدينونة يظل ـ ولا ريب ـ مناط وأساس العلمانية، بما تعنيه من تمييز بين الحق الإلهي، والحق البشري، الوجود ـ في ـ العالم، والطبيعة، وتزمين شؤون الحياة، والأخلاق والحقوق. ما دامت هذه العلمانية ـ كما لاحظ الفيلسوف المؤرخ هنري كوربان، لا تحول الدين إلى أيديولوجيا بين أيديولوجيات أخرى، فتفقد الدينوية وليس الدين وحده طابعها الرمزي والمقدس والمتعالي أيضاً. والحال هذه، مم تستمد العلمانية الإنسية المعنى والقيمة والقداسة إذا تحول الدين، والشعر، والميثيولوجيا إلى موضوعات من مواضيع العالم الباهت، عالم الحداثة ـ الباهتة، التي ينعيها الفيلسوف بالعودة إلى روسو، الذي يرى فيه رائداً لأزمتنا المعاصرة، لكونه ذكرنا بالتناهي، والموت كأوجه من وجوه الحياة المتناهية؟... وما الفرق إذن، بين الإنسية «المتعالية» والإنسية ـ المحورية، إنسية عصر الأنوار المحورية المركزية؟
في خاتمة كتابه ينعي فيرّي على «مادية العلمانية» أصابتها بالتناقض الإدائي، فهي تنسى في التعبير عن قضاياها موقفها الخاص. ويجد أن نيتشه نفسه قد وقع في هذا التناقض الأدائي. بإصداره حكماً على الحياة يتصف بالخارجية، في هجومه على فكرة التعالي، فيما تفترض الحياة نطاقاً متعالياً، مثالياً، ماورائياً، ليحظى الحُكم الصادرـ ضدها بالمعنى والصدقية.
لا ريب في أن أحد أبرز مآلات النقاش حول العلمنة الذي يملأ فضاءات العالم اليوم هو النظر إلى اعتبار الإنسان الكامل، المتكامل شخصاً كلياً، جميعة للعقل والروح والجسد، هو حيث يتعالى الإنسان على طبيعته المتناهية، باعتبار الطبيعة الصغرى امتداداً للطبيعة الكونية، والكائن نموذجاً للكينونة الكبرى، والعالم الأصغر صورة للعالم الأكبر، وتكون الأحدية والفرادة، في هذه العلاقة التي تقوم، فيما يتعدى الرمز، على علاقة الحرية وليس الاستعباد، علاقة الكائن بالكينونة، التي يقترن فيها الخلق والحق، الوجود والشهود، فيتخلى الإنسان عن صفات الاستعباد ويتحلى بصفات الربوبية، في جدلية الوجود والموجود...
[1]* ـ باحث وأستاذ فلسفة الجمال في الجامعة اللبنانية.
[2] ـ Mircea Eliade ـ the sacred and the Profane/ edition Harcourt Brace Jovanovich 1987.
[3] ـ Luc Ferry ـ L’homme ـ Dieu, au le sens de la vie/ edition Grasset, 1996.