البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

إعادة التفكير في العلمانية - محاورة بين يورغن هابرماس وتشارلز تايلور

الباحث :  أدار الحوار: كريغ كالهون Craig Calhoon
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  2
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 26 / 2015
عدد زيارات البحث :  1051
تحميل  ( 285.592 KB )
إعادة التفكير في العلمانية
محاورة بين يورغن هابرماس وتشارلز تايلور[1]
أدار الحوار:كريغ كالهون (Craig Calhoon)
عقد معهد المعارف العامة (Institute for Public Knowledge) في جامعة نيويورك، وكل من مجلس بحوث العلوم الاجتماعية” (Social Science Research Council) ومعهد العلوم الإنسانية (Humanities Institute) في جامعة (Stony Brook) ستوني بروك، ندوة حوارية جمعت في إحدى حلقاتها كلاًّ من يورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، وتشارلز تايلور(Charles Taylor)، ونوقش فيها مشروع “إعادة التفكير في العلمانية” (Rethinking Secularism). نشير إلى أن الفكرة الرئيسة التي دارت حولها المحاورة بين تايلور هابرماس تلك التي كان أوردها تايلور في مقالة سبقت الندوة وتقوم على فرضية أن الأنظمة التي تستحق أن تسمّى أنظمة علمانية في الديمقراطية المعاصرة يجب ألاّ يتم تخيّلها باعتبارها حصوناً في وجه الدّين، بلْ على أنّها محاولات ذات نيّة حسنة لتأمين الأهداف الأساسية في مجال إعادة التفكير بالعلمنة ومآلاتها في المجتمعات الغربية. وهذا يعني بأنّ هذه الأنظمة يجب أن تحاول تشكيل ترتيباتها الدستورية ليس من أجل البقاء وفيّة لعرفٍ مقدّسٍ بالنسبة إليها، إنّما من أجل زيادة أهداف الحريّة والمساواة الأساسية إلى أقصى حدٍّ بين المعتقدات الأساسية.
وفي ما يلي وقائع المحاورة بين هابرماس وتايلور اللذين ناقشا فيها مكانة الدين في الفضاء العام.. المحرر
كالهون (Calhoun): شكرًا لكما يورغن وتشاك (Chuck) على هذه المناقشات المهمة حقاً، والتي تشكل لنا تحديًا فعليا. إن مدى الترابط والتشابه بين المناقشات كافٍ ليجعلني أعتقد أننا نقف على أرضية مشتركة، وأن الاختلافات كافية لتدفعنا لترك الباب مفتوحا لمواصلة مناقشتها بطرق مثمرة.
أريد أن أعطي يورغن فرصة للرد أولا بعد أن سمعنا, للتو, تشارلز. في البدء، اسمحوا لي بطرح سؤال خاصّ.
كان جزءًا من عبء حديث تشارلز التنبيه على أن الدين لا يجب اعتباره حالة خاصة سواء بالنظر للخطاب السياسي أو بالنظر للعقل والمنطق والجدال عموما, بل الأولى اعتبار أن الدين هو، بكل بساطة, أحد النماذج للتحدي الأعم للتعددية، بما في ذلك التنوع ووجهات النظر الشاملة للخير، بلغة راولز (Rawls).
بناء على ذلك، وقياسًا على الفرق بين النفعيين (Utilitarians) والكانتيين (Kantians)، قد يتبين لنا الفرق الضعيف الممكن وجوده بين الأسقفيين (Episcopalians) والكاثوليك (Catholics) هذه الأيام.
هل هذا له معنى عندك؟ هل تتبنى هذه الحجة؟ في حالة النفي، هل يمكنك تفصيل موقفك قليلاً، فقط للتوضيح ؟
هابرماس (Habermas): أعتقد أنني أفهم الدافع، ولكني لا أقبل المنطق الذي يقدمه تشاك (Chuck) لتسوية التمييز الذي يبدو لي أنه لا زال قائما في سياقنا الراهن. بالنسبة للدافع، قد أوافق على الفور أنه لا معنى لوضع باعثٍ ما ـ العلماني ـ، ضد البواعث الدينية، بذريعة أن هذه البواعث الدينية مصدرها عالم هو غير عقلاني بطبيعته [...]. إن عقلانيتنا الإنسانية المشتركة تعمل وفق تقاليد دينية، وكذلك وفق أي مشروع ثقافي آخر، بما في ذلك العلم، لذا, لا فرق هنا.
ومع ذلك، إذا تعلق الأمر بلمِّ شمل الكانطية والنفعية، وأي نوع من الهيغلية (Hegelianism) وهكذا أيضا مع المذاهب الدينية، فإنني سأقول أن هناك اختلافات نوعية بين العقلانيات المختلفة. من بين الطرق التي تؤدي إلى هذا الوضع هو أنه ـ سأستعمل، المصطلح الشائع “علماني”ـ ، هو أنه يجب علينا أن نتحدث عن ذلك في الخطوة التالية، بالمعنى السائد والمُجمع عليه الذي ما فتئ (Chuck) يحاول المراوغة للالتفاف حوله من خلال إقحام لغة “رسمية” في الكلام.
على أي حال، إذا كانت النزعات العلمانية تتعلق بسياق الافتراضات ـ لنقل، تلك المتعلقة بمقاربة فلسفية أو أي مقاربة أخرى تتميز عن أي نوع من التقاليد الدينية تميُّزا منشؤه عدم اشتراط العضوية ـ ، فإنه من المهم, في إطار أيّ نوع من النزعات الدينية، أن تكون منجذبًا نحو هاته العضوية ضمن طائفة دينية معينة أو منسجمة بسبب شيء واحد: أعني أنك لا تستطيع أن تشارك الآخرين تجربة من نوع خاص إلا إذا كنت عضوا وكانت لك القدرة على التكلم بصيغة الـ “أنا” حول مجموعة دينية ما.
لتوضيح الأمر بصراحة، إن التجربة الأهم ـ ودونما سعي مني لوضع ترتيب للأشياء، من فضلك ـ تنبع من المشاركة في ممارسة طقوس جماعية، طقوس لا يقدر لا “الكانتي” ولا “النفعي” المشاركة فيها بما يسمح بتقديم حجج كانتية أو نفعية جيدة. إذن، إنه نوع من التجربة قد تم حظره، على حد قولك، أو لم يتم أخذه بعين الاعتبار، إنه قد تم إقصاؤه, في هذه الفضاءات العلمانية المتخمة بالنزعات سواء المتسمة بالبذل أو بالأخذ.
ثانيًا، لا توجد أي معلومات عن صبغة اجتماعية تشاركية في المجتمع الديني يمكن إرجاعها إلى الديانات العالمية العظمى الأربعة أو الخمسة وذلك وفقا للمفكر الباحث في التاريخ أو بالتأمل في الجذور التاريخية. هذا الفكرة لازالت موجودة في صيغة مذهب قائم وتفسيرات هذا المذهب. إن اكتناه هذا البعد الاجتماعي يتوقف على فهم ما تنوي الأديان إحالتنا إليه، ضمن إطار نوع الأديان الذي لدينا على الأقل، ... إن هذا يشير إلى نوع محدد من الحقيقة الظاهرة (المكشوفة).
إنه لمن الصعب أن نشرح ما يقع في الخارج. لقد نشأت بروتستانتي لوثري، والآن أنا كما تعلمون “غنوصي” لذلك فأنا أمتلك ذكريات حيال تنشئتي الدينية، وهذا ما يجب أن نستخرجه إذا ما أقحمنا في حوار بين الكانتيين والنفعيين، وهو أنه بوجود هذه المذاهب فإنه ليس هناك طريق خاص ومتصل للخلاص. هذا الطريق الذي يعزز الدين، إلى حد كبير، كما نفهمه بطبيعة الحال.
الطريق إلى الخلاص يعني أن تتبع شخصية مثالية خصوصًا تلك التي تستمد قوتها وسلطتها من أصول قديمة أو شهادة شاهد. إن الطريق إلى الخلاص يختلف عن كل أنواع الأخلاق، الأخلاق من وجهة نظري يراد بها كيف يمكن للمرء أن يعيش حياة ليست فقط جيدة من منظور النفعيين، أو ليس مرغوبًا فيها بمعنى الأرسطيين أو الأوغستيين، ولكن في الواقع تلك الحياة حيث يمكنك أن ترى نفسك في المرآة اليوم الموالي دون أدنى إحساس بالحياء، وهذا نوع من الحياة.
إن الإسقاطات الأخلاقية هي في الحقيقة إسقاطات للحياة، الحياة الفردية أو الجماعية، ضمن إطار التاريخ، ودون أن نتجاوز حدود ما يمكننا تعريفه بأنه أحداث مندمجة. هذا هو الفرق.
تايلور (Taylor): لقد طرحت العديد من النقاط المهمة لكني لا أتفق معها كلها، أنا لا أتفق مع فكرة التمييز بين الأخلاق والدين، يتحدث طوماس أكويناس (Thomas Aquinas) عن ثلاثة فضائل لاهوتية تعطي فكرة مختلفة عن طبيعة الحياة الجيدة.
لكن رغم ذلك دعونا نترك هذا جانبًا خاصة أنني أعتقد أن الموضوع الأساسي، والأساسي جدًا هو: ما علاقة كل هاته الحيثيات بالخطاب؟ إذا قلت شيئًا ما كقول “أنا مع مسألة حقوق الإنسان لأن الإنسان خلق على صورة الإله”، وهذا ما نستقيه من سفر التكوين، فهذا في الحقيقة لا يعطي صورة واضحة عن كوني أدين باليهودية أو بالنصرانية البروتستانتية، أو أنه مجرد اعتقاد بأن هذه هي الفكرة المفيدة التي يمكن الإفادة منها في سفر التكوين.
لا أدري كيف يمكن أن نتبع ذلك في أنواع مختلفة من الخطاب ـ إلا إذا كنا نتحدث عن أنواع أخرى من الخطاب، ومن هنا أقول لك “حسنًا”، كانت لي تجربة رائعة، رؤية العذراء أو القديسة “تيريز” وهلم جرا، وهذا الخطاب له علاقة مباشرة بهذا النوع من التجربة. بعض الأنواع من الخطاب، إذا حاولت أن أضيف إليك تجربة دينية فإنها سوف تكون مرتبطة بشكل مباشر بهاته التجربة.
لكن نوع الخطاب الذي نتقاسمه، مارتن لوثر كينغ كان له خطاب خاص حيال دستور الولايات المتحدة ومتطلباته التي لم يتم اتباعها. كما كان له خطاب مسيحي جد قوي إزاء النزوح الكبير (Exodus) وكذا التحرر. لم يكن لأحد منا أي مشكل في فهم هذا، ولم يكن ضروريًا أن نتصور أو نفهم أو ندرك عمق التجارب التي كان يمتلكها. وكيف يمكنك أن تميز الخطابات على أساس الخلفية النفسية؟
يمكنني في هذا المقام أن أسرد قصة حول الخلفية النفسية التي يمتلكها الكانتيون، ولمَ يتحمسون بسبب بعض الأمور التي تحمسني شخصيًا؟ لكن ما علاقة هذا بالخطاب؟ ألا يستطيع الناس الفهم؟ لماذا التمييز على هذا الأساس؟
هابرماس (Habermas) : الفرق هو أن الكلام الديني ينتمي إلى نوع معين من الخطاب، حيث إنك لا تتحرك فقط في وجهة نظر عالمية أو في تأويل ذهني لمجال ما من الحياة البشرية، ولكنك تتحدث، كما قلت سابقًا، من منطلق تجربة متعلقة بعضويتك في المجتمع. أما مقولة أننا خلقنا على صورة الإله، فهذا في ظروفنا يترجم بسهولة إلى ما يمكن أن يناله الأشخاص من حالة الحكم الذاتي أو من تفسير معين لحالة التسلح بحقوق الإنسان. هذه ليست رؤيتي ولكن يمكنك استخلاصها.
لطرح السؤال ـ وتمشيًا مع دافعك للرفع من مستوى هذا الاختلاف بين أنواع الاعتبارات أو الأسباب العقلانية ـ أنا أتساءل إذا كان لي الحق في افتراض أن هناك دوافع ضد إخضاع أسباب ودوافع دينية لأسباب عامة، أو ضد الأشخاص الذين وجدوا أن الخطاب الديني لم يرقَ إلى المستوى المطلوب أو لم يحين بشكل كافٍ، وأنه شيء يرتبط بالماضي؟
ما نقوم به الآن، أعني نحن الاثنين، هو أننا نسير على حد سواء وفي نفس مساحة الاعتبارات الاجتماعية والتاريخية والنفسية. في حين أن دافعك، بطبيعة الحال، هو الاعتبارات الدينية. على كل حال، لماذا يجب عليّ أن أقلق بشأن ذلك؟
الخطاب الذي نتحرك ضمنه لا يحتاج إلى ترجمة، إذا اعتبرنا الخطاب الشفهي الديني، هنا نحتاج إلى ترجمة، لكن إذا اعتبرنا القرارات العامة القابلة للتنفيذ، من أجل إعطاء تفسير للإشارة الواردة في سفر التكوين الأول فهنا نحن كلانا تحرريين.
تايلور (Taylor): الفرق هو أنني أقول لك أنه لا يمكن أن تملك هذه الأنواع من المراجع لأنها هي المراجع التي تقارب أو تمس بعض الجوانب الحياتية الروحية لبعض الأشخاص وليس آخرين. لكن الشيء نفسه ينطبق إذا أشرنا إلى ماركس (Marx) أو كانت إذا، فنحن نحاول أن ننظر إلى، ليس السبب لدينا هو استبعاد تلك الإشارات لأغراض العدالة أو العالمية (الكونية)، ولكن لما يجب أن نعالجها بصفة خاصة ـ حقيقة مازالت لا أفهم ـ فقط لأنها تنتمي إلى مجال مختلف. أنا أتفق بالتأكيد أن هناك اختلافات كبيرة جدًا بين عقلانية شخص شديد التدين إزاء الأخلاق وبين عقلانية شخص ليس كذلك. هذا لأن هناك مفاهيم معينة لتحولات بشرية محتملة والتي يؤمن بها واحد دون الآخر. هذه هي القضية بالتأكيد.
من الممكن أنه لدي بعض التعاطف مع الموقف الكانتي، على سبيل المثال، أستطيع أن أفهم خطاب كانت حول “السماء المرصعة بالنجوم من فوق، والقانون الأخلاقي في الداخل” و“احترام القانون” … الخ. أستطيع أن أفهم ذلك. هناك في حقيقة الأمر تجربة وراء ذلك، يمكنني أن أتخيل شخص ما يقول “لا أستطيع أن أفهم ما تتحدث عنه رهبةُ واحترام للقانون؟ هل أنت مجنون؟ بعض الأشخاص لا يستطيع فهم ذلك.
هابرماس (Habermas): أريد أن أحتفظ كذلك بالطابع الأمري للخطاب الديني في المجال العام لأنني مقتنع بأن هناك بديهيات دفينة يمكن أن نكتشفها بمجرد خطاب مؤثر. الاستماع إلى مارتن لوثر كينغ يجعلنا لا نفرق إن كان علمانيًا أم لا، نفهم ما يعنيه، لقد كان يتكلم أمام العموم ولذلك قتل.
هذا ليس ما يفرقنا، إن الفرق بيننا هو أنه في أحد جملك، قلت بأن هناك دعوة لتأسيس أعمق لتبرير علماني للأساسيات الدستورية من حيث السيادة الشعبية وحقوق الإنسان. هذا هو الفرق إذن. أظن أني لم أكن أستطيع أن أتبعك لأن اللغة الرسمية التي نتفق عليها تعتمد على خلفية توافق مسبقة ـ على تجريدها وغموضها ـ على ما يمكن أن نسميه أساسيات دستورية، لأنه لم يكن ممكنًا أن نذهب إلى المحاكم أو الاستئناف لدى مجالس حقوق الإنسان أو حتى أن نضع أو نقدم حجج بالإشارة إلى الدستور، سواء أكان ذلك في التشريعات أو في الإدارة، أو… أو في التعليم أولاً وقبل كل شيء.
كيف نسوي خلفية التوافق هاته في المقام الأول إن لم يكن يدخل في إطار الاعتبارات المحايدة؟ في الواقع هاته الاعتبارات علمانية من وجهة نظر غير مسيحية، هذا في الحقيقة ما وصفته بشكل رائع في كتابك “A Secular Age” (زمن علماني). العلمنة داخل أسوار الكنيسة يعني هدم جدران الأديرة والحصول على أوامر جدية من الرب ومن ثم نداء “تقليد الرب” (Imitation Christi) ]…[ هذه صورة للعلمنة من داخل المجتمع المسيحي. الآن، في هذه اللحظة عندما تكون مضطرًا للحصول على توافق، خلفية توافق، يمكنك من خلالها فقط أن تطعن لدى المحكمة من أجل حل قضايا حالات ارتداء الحجاب ـ المسلمون لهم حججهم حيال هاته الحالات ـ هناك إجراءات ومبادئ.
تخيل لو أن مواطنا أمريكيًا قبل الوضعية الراهنة. هذا هو الافتراض الضروري الذي ينطبق على جميع الخلافات.
خذ موضوع العلمنة من الداخل. في الوقت الذي يجب أن يستبدل التشريع الديني بتشريع ليبرالي، في هاته اللحظة يجب علينا أن نجد اعتبارات مشتركة ليس فقط بين المجتمعات الدينية وفي الولايات المتحدة، ولكن حتى في فرنسا وغيرها من أوساط غير المؤمنين. كانوا يشكلون حزبًا نخبويًا صغيرًا، ورغم ذلك كانت هناك ثلاثة أحزاب: حزب المؤمنين بقوة، وحزب المؤمنين بتوسط، وحزب غير المؤمنين. يجب علينا أن نجد أرضية للحصول على الأسباب أو الاعتبارات التي تشكل الطابع العلماني بصورة غير مسيحية، هذا لأن الشق المسيحي في الخطاب أو النضال كان في النهاية ليشكل الموافقة على وجهة النظر المرتبطة بمجتمعنا الديني أو مجتمعات أخرى دينية أو غير دينية، وكذلك إجبار أو فرض منظور متبادل لنستطيع في الآخر أن نكون منظورًا آخر أكثر شمولاً. هذه الأنواع من الأسباب أو الاعتبارات في حديثنا التقليدي الذي نسميه علمانية بهذا المعنى الخاص التي أود أن ألتحق بها.
كالهون (Calhoun): اسمحوا لي أن أعود شيئًا ما إلى الوراء للمرة الأخيرة. قد نكون هنا بدون وقت كافٍ تقريبًا. إذا ما ركزنا على القواسم المشتركة نرى أن واحدًا منهم يبدو له علاقة بالقدرة على المشاركة من وجهة نظر كليكما في وقت لا أحد له القدرة إلى اللجوء إلى قوة خطابية زائدة. وهذا لا يستبعد مجموعة من القضايا التي من شأنها أن تنطوي على مجموعة من القضايا الدينية.
يبدو كذلك، في الواقع، عندما يتحدث يورغن عن الكلام الديني في المجال العام، وليس كل الكلام الديني على المحك، وليس بدوافع دينية، ولكن، على وجه التحديد، تلك المبررات غير قابلة، أو مؤدية إلى إمكانية التقاسم، لأنها تتركز على شيئين: إما التجارب الطقوسية، والتي استبعد الكثير منها، أو شيء ما خارج المجال السياسي. لذلك فهذا الخطاب ليس كله ديني. فالمصادر الدينية للأخلاق وأشياء أخرى كثيرة تتداخل. لكن هناك أشياء معينة، وهي على وجه الخصوص تطرح إشكاليات إذا كانت تنتج عجزا إزاء تقاسم المبررات.
أعود إلى (تشارلز) وأسأل، ولو بطريقة عكسية، هل تظن أن هناك عجز مماثل إزاء تقاسم وحل، من وجهة نظر خطابية، أنواع أخرى من الاختلافات التي قد تقول إنها جزء من المجموعة نفسها وبالاختلافات الدينية نفسها، وكذلك الاختلافات الأخلاقية، والاختلافات الفلسفية؟ الطرح هنا هو أن هناك العجز نفسه، بصفة عامة، لأن تجد قرارات خطابية كاملة أو مبررات.
تايلور (Taylor): نعم، التفكير في تاريخ الليبرالية. كانت هناك محاولات قاسية من طرف النفعيين للاستيلاء على اللغة في ثلاثينات القرن التاسع عشر، هذا كل ما في الأمر. حتى أن الأشخاص الذين لم يكونوا متدينين بالضرورة يظنون كذلك أن “هذا استيلاء. نحن لا نثق في هذه الطرق”.
إذا أردت التركيز على التفاوض حيث وضعنا كلنا ميثاقًا للحريات من مختلف الناس، فإنه لا يمكن أن يكون كذلك بلغة بنثامية، أو بلغة كانتية أو باللغة المسيحية. ما يسميه يورغن “العلمانية” سأسميه أنا “محايد”. هذه هي الطريقة التي أرى الأشياء فيها، وإنه أمر لا غنى عنه على الإطلاق.
كالهون (Calhoun): لكن هذا لا يبدو أنه قلب الفوارق والاختلافات. يبدو لي أن الاختلافات الأقوى هي أنك، في الواقع، تقول أن ليس مستحيلاً أن تجرد أو تبعد هاته الاختلافات ضمن التزامات عميقة ووجهات نظر عالمية شاملة، سواء أكانت ذات أرضية دينية أم غيرها.
إذن الموضوع أو القضية الخطابية الأساسية هي أنك لا تستطيع أن تجرد الأشياء بشكل كافٍ لكي تكمل الخطاب ومن ثم تسوي الأمور خطابيًا تبعًا لأي من هذه الالتزامات التأسيسية العميقة، إذن فالدين ليس حالة خاصة.
تايلور (Taylor) : نعم، إنه كذلك.
كالهون (Calhoun): في حين أعتقد، إذا أردنا التأكيد، أن يروغن يقول أن هناك ميزات معينة خاصة ويراها في الخطاب الديني أكثر استبعادًا من القرار الخطابي ومن المشاركة والمقاسمة في الساحة الخطابية.
إذن، في وقت وجود إشكالات ممكنة من شأنها جر الكانتيين والهايدكريين للتحدث مع بعضهما. أو أن هناك إشكاليات ممكنة أن تجر أشخاصًا من جنسيات مختلفة للتحدث مع بعضهما. قد يكون هناك قرار خطابي لحل هاته الإشكالات، لكن ليس بالنسبة للمشكلات الدينية بشكل خاص.
هل هذا صحيح، يورغن، أو أن هذا شيء بعيد المنال؟
هابرماس (Habermas): أنا، في المقام الأول، أقول أن هناك اختلافات نوعية بين الديني والعلماني. ثانيًا، مازلت أعتقد أن الدين، علاقة مع شرعنة الأساسيات الدستورية وغيرها، يؤسس للاختلاف بسبب الانصهار التاريخي للدين مع السياسة و التي كان لابد أن تميز بشكل واضح. هذا حقيقة هو الجزء التافه.
إذا تعلق الأمر بخطاب وضع الدستور، فأنا لا أظن أنه يجب أن يكون هناك أي عواقب ذات صلة بالاختلافات النوعية؟
الأشخاص المتدينون ربما يعلمون مسبقًا أن بعض الحجج لا تعول بنسبة كافية على هؤلاء الأشخاص الذين يريدون التوصل إلى اتفاق معهم. هكذا أفكر في طريقة تطوير أسئلة العدالة والتفريق بينها وبين ما هو الوجودي والأخلاقي والديني. في هذا المستوى، لا أحتاج أن أشير إلى أي اختلاف.
كالهون (Calhoun): في هذا المستوى، لا يمكن أن تكون في خلاف قوي معي، أليس كذلك؟
تايلور (Taylor) : لا، لا.
كالهون (Calhoun): الخلاف يكمن في مستوى آخر.
تايلور (Taylor) : أريد فقط أن أخبرك شيئًا آخر. حينما نقول “دين” لا يجب أن نفكر فقط بالديانة المسيحية، فهناك البوذيون، والهندوس. كثير من الأشياء التي قلتها لا تنطبق البتة على حالات كثيرة أخرى مما يدعونا إلى التوقف قبل أن نعطي إشارات عامة حول ذلك.
كالهون (Calhoun) : نعم، هذا ما يثار حوله النقاش خاصة ضمن التجربة الغربية (نسبة إلى الغرب). لكن ما تزال هناك حاجة إلى حزمة من نقاشات مختلفة ضمن مساراتنا التاريخية.
تايلور(Taylor): وهي كلها هنا الآن.
كالهون(Calhoun): بالفعل هي كذلك. وهي نحن.
[1]ـ نقلاً عن: موقع معهد المعارف العامة في جامعة نيويورك.
ـ العنوان الأصلي للمقال:Rethinking secularism -Jürgen Habermas and Charles Taylor in conversation ـ مقتطف من كتاب:
ـ The power of religion in the public sphere-edited and introduced by Edwardo Mendieta and Jonathan van Antwerpen/columbia university press 2011.
ـ تعريب: هيئة التحرير والترجمة، مراجعة محمد سليم.