البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

" العلمانية مذهباً " - ستة بحوث تستقرئ المفهوم واستعمالاته

الباحث :  قراءة وعرض : عدنان درويش
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  2
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 27 / 2015
عدد زيارات البحث :  1322
تحميل  ( 431.969 KB )
“العلمانية مذهباً”
ستة بحوث تستقرئ المفهوم واستعمالاته
قراءة وعرض: عدنان درويش[*][1]
كتاب «العلمانية مذهباً.. دراسات نقدية في الأسس والمرتكزات»، هو مجموعة أبحاث لعدد من المفكرين والأكاديميين الإيرانيين، وقد صدرت ترجمته العربية عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت. وهذا الكتاب يمكن عدُّه من الكتب النادرة في موضوعه، إذ إن كل مشارك فيه بذل جهداً علمياً مميزاً لإظهار المعاني والتعاريف المتعددة لمفهوم العلمانية. بل أكثر من ذلك، فإن القارئ المتخصص قد يميل إلى اعتبار كل بحث من الأبحاث الواردة بمثابة أطروحة مكثفة حول المفهوم والطرق التي استعمل فيها بناء على التجربة التاريخية.
يتوزع الكتاب إلى ثلاث مقدمات وستة فصول كل فصل منها جاءعلى شكل بحث مستقل. وقد جاء التوزيع على الشكل التالي.
إلى مقدمة المركز، الكلمة الموجهة إلى القارئ من جانب مدير قسم «دراسات حول الإسلام والغرب» حبيب الله بابائي، نقرأ مقدمة عامة تمهِّد للكتاب كتبها المشرف العلمي على هذا المؤلف ورئيس مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي الشيخ الدكتور محمد تقي سبحاني.
في مقدمته يشرح د. سبحاني جدوى البحث في موضوع العلمانية، ويذكر المبررات الفلسفية والتاريخية التي تجعل من إثارة السجال حوله أمراً بالغ الأهمية في معرض الحديث الراهن عن زمن ما بعد العلمانية.
أما الأبحاث فقد تدّرجت على النحو التالي:
1. «المجتمع العلماني: المكونات والمميزات» للباحث أمان الله فصيحي.
2. «مدخل إلى العقلانية العلمانية (أفكار ماكس فيبر نموذجاً») للباحث محمد جواد محسني.
3. «الأخلاق العلمانية أم العلمانية الأخلاقية»، للباحث محمد سربخشي.
4. «العلمانية المعنوية»، للباحث والاستاذ الحوزوي حبيب الله بابائي.
5. «المنهج العلماني» للدكتور مهدي أميدي.
6. «العلم العلماني والعلم الديني من منظور الدكتور حسين نصر ورؤية نقدية لآرائه. كتبه الدكتور علي رضا صالحي.
في المقدمة التي صدَّرها الدكتور سبحاني للكتاب، إشارة مهمة إلى إشكالية المصطلح عند جورج هاليواك حين اقترحه لأول مرة عام 1846م. ففي ذلك الحين لم يصدق أحد للوهلة الأولى أن هذه المفردة (العلمانية) سوف تتحول بعد مضي عقود على إطلاقها، إلى إحدى أهم المفردات التفسيرية في علم الغربيات أو «الاستغراب». والطريف أن هاليواك كان يعلم إلى حد ما كم ستتعرض هذه المفردة لسوء الفهم، لذلك عكف في العديد من أعماله على تحديد معناها وتنسيقها. فقد ِنصرف هاليواك منذ ذلك الحين إلى تمييز معنى العلمانية والتشديد على خصوصياتها. لذا استخدم تعبير «العلمانية الانجليزية» English Secularism وجعله في ما بعد عنوان أحد أهم كتبه. في مجال تحديد المعنى والخصوصية رأى صاحب المصطلح أن العلمانية تشير قبل كل شيء وأكثر من كل شيء إلى رؤية ومنحى، وتحاول التعبير عن أهم عنصر يميز المرحلة الجديدة من الحياة الغربية عن المرحلة السابقة. وقد أشار ايضاً إلى أن العلمانية «نظام أخلاقي» بالمعنى الواسع للكلمة، يوجه الإنسان الحديث في مختلف أصعدة الحياة الدنيوية ومجالاتها.
أما الحصيلة النهائية للتعريف الذي يقترحه هاليواك للتعبير عن مراده فيمكن اختصاره وتكثيفه بما يلي: إدارة الحياة الجماعية للبشر وتنظيمها باستخدام الأدوات والتجارب الدنيوية حصرياً، وتفادي إشراك الأدوات والمرجعيات اللاّمادية والماورائية أو استخدامها.
وما من شك، أن الأبحاث الواردة في هذا الكتاب تحمل اسهامات جادة في تأصيل العلمانية مصطلحاً ومذهباً، فضلاً عن الإجتهادات العميقة والجريئة التي قام بها المشاركون وتناولت أعقد المشاكل الفلسفية والفكرية المتعلقة بمفهوم العلمانية والمتفرعة عنه. ثم إن من يطالع الأبحاث، بحثاً بحثاً قد يتوصل إلى نتائج متعددة ناتجة بدورها عن رؤى ومقدمات متنوعة. لكن رغم ذلك، فإن أهمية هذا التنوع في الرؤى كان في إغناء الدرس العلماني الذي يشكل اليوم مدار سجال واسع في الغرب كما في بقية المجتمعات العالمية التي وَفَدَت إليها العلمنة مع المراحل الإستعمارية المتعاقبة.
ومن المفيد التذكير هنا، بأن الهيئة العلمية التي اعتنت بإنجاز هذه الأبحاث وجمعها ضمن كتاب مشترك، تدرك التكامل الحاصل بين الباحثين جميعاً في تناول العناوين المتنوعة للعلمانية.
وقد أشار المشرف العلمي إلى هذه الناحية بالذات فلاحظ أن كل واحد من أبحاث هذا الكتاب مستقل عن الآخر، ولا يعكس إلا تصورات كاتبه، لكنها على العموم توحي بقاسم مشترك هو أنه لا بد من فهم العلمانية بمديات أوسع وأشمل تستوعب أبعاد الحياة الانسانية كلها. سيدرك القارئ الكريم بكل وضوح ـ والكلام للمشرف على الكتاب ـ أن مرجعية باسم العلمانية لا ترتبط بمجالات السياسة والحقوق وحسب، إنما تتعدى تخوم الحياة الاجتماعية لتصل إلى أعمق طبقات الشخصية الفردية، وتكتب هناك وصفاتها لعقلانية الإنسان وأخلاقه وسلوكه. مرجعية العلمانية لا تترك حتى أكثر قضايا الإنسان خفاء وخصوصية وأعني بها المعنوية Spirtuality، وتنحت بدائل غير دينية حتى لمقولات من قبيل الهوية، والأصالة، ومعنى الحياة. (ص 19).
أطروحتان رئيستان
لا شك بأن قارئ أبحاث هذا الكتاب سيعثرعلى الكثير مما يحتاجه وهو يرنو إلى التعرف على معنى العلمانية وهويتها. ففي كل بحث من الأبحاث الستة اجتهادات ورؤى وأفكار قد لا نقع على بعضها حتى لدى بعض علماء الاجتماع الغربيين. إلا أننا ومن باب حصر القضايا ارتأينا أن نطل على قضيتين مثيرتين للجدل حول العلمانية في هذا الكتاب وهما:
1. العلاقة بين العلمانية والعقلانية في الفكر الغربي.
2. العلاقة بين المفهوم وتطبيقاته على مستوى المؤسسات.
الأطروحة الأولى: بين العلمانية والعقلانية
إن النظر إلى العقلانية كمكوِّن للمجتمع العلماني، هي من أبرز الإشكاليات التي وردت ضمن مقالة الباحث أمان الله فصيحي. فقد رأى أن العقلانية التي شكلت أحد أبرز مفاهيم الحداثة، ستشكل هي نفسها محور نشاط المجتمع العلماني على الصعيدين النظري والتطبيقي. ذلك يعني ـ حسب الاستعمال الغربي للعقلانية ـ أن هذه الأخيرة لا عمل لها سوى إقصاء كل ما هو خارج الفيزياء الطبيعية للوجود. إذ في ضوء معنى العلمنة وبالنظر إلى الدور الإداري والحُكْمي (القضائي) للدين في المجتمع بوصفه المكون الأساسي والأهم للمجتمع الديني، يلوح أن العنصر المكون الأهم للمجتمع العلماني هو إقصاء الدين عن مركز الحياة الاجتماعية للبشر. أي أن المجتمع العلماني هو المجتمع الذي لا يكون الدين في شتى أجزائه وقطاعاته أساساً للشرعية ولا للسلوك. يقول بلو منبرغ في هذا الخصوص:
التحول إلى العلمانية ليس سوى أن تتحرر الدنيا من رفض نفسها وتستقل وتترك ـ في استقلالها هذا ـ لنفسها وللوسائل اللازمة لتأمين هذا الاستقلال... استقلال مع أنه لا يفضي إلى الفلاح الحقيقي للإنسان، لكن بوسعه نظراً إلى الاستقرار والطمأنينة الناجمة عنه، أن يكون ذا نصيب في الفلاح والسعادة.
ويعتقد دانييل بِلْ أن العلمانية قلّصت ـ على المستوى المؤسساتي ـ الاقتدار المؤسساتي للدين ودوره باعتباره محوراً للمجتمع، وعلى المستوى الثقافي أضعفت الاعتقاد بالعدل الالهي بوصفه المُعد لمجموعة من المعاني ذات الصلة بشرح العلاقة بين الإنسان وما وراء الطبيعة. في المجتمع الحديث أقصي الدين عن مركز الحياة الانسانية، وحل العقل والعقلانية محله في تنظيم الحياة البشرية. إذ أن إقصاء الدين واحلال العقل محله في المجتمع الحديث هما وجهان لحقيقة واحدة، بل يمكن اعتبار النزعة العقلانية أيضاً، من العناصر المكونة للمجتمع العلماني الحديث. وهذان العنصران في المجتمع الحديث يدلان على شيء واحد. ماكس فيبر يعتبر العقلانية أهم مميزات المجتمع العلماني لحديث، وقد أشار في مواضع عدة، من كتاب «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية» إلى هذه الفكرة بل إن روح كتابه هي إثبات العقلانية باعتبارها سمة الثقافة والمجتمع العلماني. يقول في هذا المجال:
من العناصر الأساسية للرأسمالية الحديث، بل الروح العامة للثقافة الحديثة، أي السلوك العقلاني القائم على فكرة الواجب، هو العنصر النابع من روح التقشف والزهد المسيحي.(ص27)
بغية تشخيص العقلانية السائدة على المجتمع العلماني من الضروري تسليط الأضواء على العقلانية التي يطرحها فيبر، والتي تنقسم إلى اربع فئات:
أ ـ العقلاني الصورية أو الأسمية: (Formal Rationality) العقلاني الصورية تطلق على العقلانية التي تستدعي أهمية مضطردة لُبنى من قبيل البيروقراطية والتي تفرض على الأفراد التصرف العقلاني في انتقاء الأدوات التي توصلهم إلى أهدافهم.
ب ـ العقلانية الذاتية: (Substantive Rationality) انتقاء أفضل الأساليب للوصول إلى الاهداف المنشودة داخل «نظام قيمي منسجم».
ج ـ العقلانية النظرية: Theoritical Rationality)) والمراد منها:
د ـ العقلانية العملية: (Practical Rationality) العقلانية العملية هي العقلانية اليومية، أو الانتقاء العقلاني للوسائل الموصلة إلى الأهداف. وعلى حد تعبير كالبرغ، فإن هذا النوع من العقلانية هو عبارة عن «أسلوب الحياة الذي يشمل الرؤى والأحكام الخاصة بالمساعي الدنيوية، والمتعلقة بالمصالح الشخصية الخالصة».
العقلانية التي يقصدها فيبر والسائدة في المجتمعات العلمانية هي العقلانية الصورية، ذلك أن الأقسام الثلاثة الأخرى توفرت في الحضارات الأخرى، ولا تعد من خصائص المجتمع العلماني. أما أهم مميزات هذه العقلانية:
1. عدم الثقة بالتقاليد، أي إفساح المجال للتشكيك في المعتقدات القديمة.
2. إسقاط الاعتبار عن الشرائع، أي الاعتقاد باستغناء البشر عن الهداية السماوية في بناء المجتمع وإدارته.
3. الإكتفاء الذاتي للإنسان، أي كفاية العقل البشري لحل مشكلات الإنسان.
4. الاكتفاء الذاتي للعقل بما يعني قبول حجِّية العقل في القضايا المتنازع عليها.
5. الاقتناع بالدور الذرائعي للعقل: الانصراف عن العقل الباحث عن الحقيقة نحو العقل الكفؤ من الخصائص الأخرى لهذا النوع من العقلانية: أي أن الكفاءة تقع في مركز اهتمامات العقلانية الصورية والعثور على أفضل الطرق وبأقل التكاليف للوصول إلى الهدف هي الغاية الرئيسة للعقلانية الصورية.
6. إمكانية الحساب الكمي: وتهدف هذه العقلانية إلى العثور على أشياء يمكن حسابها أو تحديد درجاتها.
7. إمكانية التخمين: الأشياء التي تعمل بصورة متشابهة في الظروف الزمانية والمكانية المختلفة.
إلى ذلك نشير، أن العقلانية ذاتية المحور تتحقق على ثلاثة مستويات هي «البنية الاجتماعية» و«الثقافة» و«الفكر والعقل» (ص 30).
الأطروحة الثانية: السمات المؤسسة للعلمنة
يتطرق الكتاب في هذه النقطة إلى قضية في غاية الأهمية وتتعلق بالجدل الدائر حول المفهوم وطبيعة التجربة التاريخية للعلمانية التي تعبِّر عن نفسها من خلال المؤسسات. يرى الكاتب في هذا الصدد أن المراد من الخصائص المؤسساتية هي تلك الخصائص التي تتجلى واقعياً في الخارج على شكل مؤسسات ومنظمات وعلاقات اجتماعية. وأما تجلياتها فتقوم على اعتماد الصناعة والتقنية بدل التوكل على الله من خصائص المجتمع العلماني. وهذه الحالة هي من نتائج هيمنة العقلانية الذرائعية والطمع والحرص الشديدين لدى الإنسان على تسخير الطبيعة والآخرين. ومن استحقاقات هذا الأمر تنامي أدوات الانتفاع والاستخدام. ولهذا نرى أن النزعة الصناعية المتفاقمة قد تنامت في النظام الحديث القائم على العقلانية العلمانية.
ومن وجهة نظر عالم الاجتماع الهندي كريشنا كومار، فإن أهم خصائص المجتمع الحديث سيادة الصناعة فيه. أي أن تحديث المجتمع هو في الخطوة الأولى جعله مجتمعاً صناعياً. ويعتقد أن ظهور المجتمع الحديث مرتبط من الناحية التاريخية على نحو حتمي بظهور المجتمع الصناعي. ويلاحظ بوضوح أن جميع الخصائص المساهمة في ظهور العالم الحديث مرتبطة بمجموعة من التغييرات التي أدت قبل أقل من قرنين إلى ظهور المجتمع الصناعي. وهذا ينم بشكل غير مباشر عن أن مصطلحات النظام الصناعي والمجتمع الصناعي لها معنى أوسع من العناصر الاقتصادية والتقنية وغيرها من الأجزاء المكونة له. يعتقد كومار أن النظام الصناعي اسلوب حياة يشتمل على تغييرات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية، ومعرفية عميقة فالمجتمعات التي يكتب لها التحديث هي تلك التي تتعرض لتحولات صناعية واسعة النظاق. التطورات في الحياة المدينية، وفي شكل العائلة، وفي القيم الفردية والاجتماعية، وفي التصورات الفكرية، كلها حسب رأي كومار من تبعات النظام الصناعي وآثاره. يعتقد كومار على غرار ماركس أن الاقتصاد هو أساس النظام الصناعي في المجتمع الحديث، وتتكون على امتداده بنى أخرى غير اقتصادية. وهو يرجح التأثيرات الاقتصادية إلى جانب اعتقاده بالعلاقة الديالكتيكية بين الاقتصاد وسائر المؤسسات الاجتماعية(ص 35-36).
على أن الاعتماد المتزايد على الصناعة والتقنية الحديثة ومطالبتهما وحدهما بالاحتياجات المتنوعة، ساقت المجتمع إلى العلمانية من طريقين:
أ ـ خلق روح الاستغناء لدى الإنسان.
ب ـ إشاعة النزعة الاستهلاكية: حيث يعتقد عدد من علماء الإجتماع أن زوال الإيمان لم يكن لمجرد النقد العقلاني للدين والإيمان، إنما هو حصيلة تطورات وتغييرات دائمة في الحياة اليومية يتلاشى بواسطتها أساس الاعتقاد الديني الذي يقوم على الإيمان.
أهمية هذا الكتاب أنه استطاع أن يملأ الكثير من الفجوات المعرفية حول العلمانية وقضايا في ميداني النظرية والمنهج والتطبيق التاريخي. وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أن نقله من الفارسية إلى العربية يساهم في تعزيز التواصلات الفكرية والعلمية والثقافية بين النخب العربية والنخب الإيرانية وهما تواجهان معاً الموجات الثقافية المتعاقبة على مجتمعات العالم الإسلامي.
ـ العنوان: العلمانية مذهباً: دراسات نقدية في الأسس والمرتكزات ـ مجموعة مؤلفين
ـ الإشراف العلمي: محمد تقي سبحاني
ـ إعداد: مهدي أميدي
ـ ترجمة: حيدر نجف
ـ المراجعة والتقويم:
فريق مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ 2014.
[1]* ـ كاتب وباحث.