البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الجدل اللاهوتي بين هيغل ونيتشه - فويرباخ.. راهناً

الباحث :  أحمد عبد الحليم عطية
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  3
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 2 / 2016
عدد زيارات البحث :  2224
تحميل  ( 325.091 KB )
الجدل اللاّهوتي بين هيغل ونيتشه
فويرباخ.. راهناً
أحمد عبد الحليم عطيّة[*]
تسعى هذه المقالة إلى توجيه الانتباه نحو شخصية فريدة في عالم فلاسفة الدين الألمان هو لودفيغ فويرباخ المعروف بنقديته العميقة للاهوت المسيحي. وإذا كان هيغل بحسب المفكر الألماني كارل لوفيت يمثل الصفحة الأكثر إشراقاً في تاريخ أوروبا الفلسفي، ونيتشه يمثل حاضر هذا التاريخ ومقبله، فإن فويرباخ هو الفيلسوف الذي يرمز إلى تلك المنطقة المعرفية التي أحاطت بمجمل الفضاء الروحي للحضارة الأوروبية الحديثة.
في ما يلي بحث في عالم فويرباخ، يقدمه أحد الباحثين البارزين في فلسفة الدين، المفكر والأكاديمي المصري الدكتور أحمد عبد الحليم عطيه.
المحرر
ذكر لنا كارل لوفيت K.Löwett وهو يتابع فكر القرن التاسع عشر في كتابه «من هيجل إلى نيتشه» von Hegel zu Nietzsche أنهما (أي هيجل ونيتشه) يمثلان الحدّين اللذين تحرك بينهما الحدث الأصلي لتاريخ الفكر الألماني في القرن التاسع عشر، هيجل يبدو بعيداً جداً عنّا، بينما يبدو نيتشه قريباً منّا، هيجل يُمثّل الاكتمال ونيتشه البداية الجديد[1]. يميز لوفيت في ما ذكره بين حقبتين وتيارين فلسفيين: الأول يمثله هيجل الذي تحددت في كتاباته معالم الحداثة، والثاني نيتشه الذي سعى إلى تجاوز الميتافيزيقا منبئاً بما بعد الحداثة؛ عبر نقده الذي يوجهه للعدمية الأوروبية. وعلى هذا تتناول محاولة نيتشه التغلب على العدمية، ويرى أنه فيلسوف زماننا. كذلك يقول أنّ هيجل يمثل الماضي التاريخي في الفكر الفلسفي الغربي بـ «صفحته الأشد اشراقاً»، وأما نيتشه فيمثل «حاضره ومستقبله الراهن»[2] ويمكننا أن نؤكد عبر اشتغالنا الدائم على فكر صاحب «جوهر الدين» أن ما ينطبق على نيتشه في حديث لوفيت؛ ينطبق قبل ذلك وبشكل أكثر دقة على فويرباخ الفيلسوف الذي تخترق فلسفته الأنثروبولوجية الدينية مجمل الحياة الروحية لعصرنا.
وهذا ما يتضح عبر تأثير فلسفة فويرباخ Feuerbach (1804 ـ 1872) في كثير من تيارات الفكر المعاصر وتجاوز تأثيرها ما أوجدته من حماس عارم لدى الهيجليين الشباب إلى الأثر العميق الذي أحدثته في تطور الفلسفة الوجودية، وفي نهضة وانبعاث الحركة الهيجلية، وما خلفته في سيكولوجيا الدين مما وضع فويرباخ في بؤرة الاهتمام في تاريخ الفلسفة المعاصرة فقد ظهرت بصماته الواضحة على فلسفات كل من: كيركجور وفرويد وهيدجر وسارتر وبرديائيف وتيلتش وفروم وفرويد. وقد اهتم بها أيضاً من رجال اللاهوت كل من: كارل بارث K. Barth وهانز اهرنبرج وكارل هايم. وفلسفته لها حضورها الملموس أيضاً في ثقافتنا العربية[3].
قد يرى البعض أن فويرباخ لم يكن سوى فيلسوف خلع البعض عليه أهمية فلسفية زائفة بسبب أن بعض مؤلفاته قد حازت إعجاباً مؤقتاً في عصره، ويرى آخرون أنه أحد الذين وقعوا تحت وطأة التاريخ الذي لا يرحم، وأن أهميته التاريخية ترجع إلى كونه مرحلة انتقالية «من هيجل إلى ماركس» كما رآه «سيدني هوك»، أو نقطة وصل بينهما وفق رأى «جان هيبوليت»[4].
يرى البعض أنه لا يمكن فصل فكر فويرباخ عن فكر كارل ماركس. فتاريخ الفلسفة الذي تحدده دراسة أنجلز الشهيرة، يقدم لنا مؤلِّفَ «ماهية المسيحية» كنوع من يوحنا المعمدان الخاص بدين التاسع عشر الجديد. وبعد أن يضع فويرباخ في هذا المنظور، يبدأ بإيراد المآخذ على فكره. وكما يحدث غالباً فإننا نجد أن فضائل المعلم تقبع في ظل نجاح التلميذ[5].
ونحن إن شئنا أن نكون عادلين مع فويرباخ يجدر بنا أن نعيد له ذلك الاستقلال النسبيّ الذي من حقه أن يطالب به إزاء ماركس الذي يلحقه، وإزاء هيجل أيضاً الذي يسبقه، وهذا ما نحاول أن نفعله في دراستنا هذه[6].
مشروع فويرباخ لتأسيس فلسفة جديدة عنوان يشير إلى دراسة لمارتين ســــاس التي نشرت في المجلة الدولية الفلسفية، العدد 101 عام 1972. وهي دراسة تلخص فكر الفيلسوف نقف عند فقرتين منها، الأولى تلك التي تبدأ بها والتي يخبرنا فيها أنه في الخامس عشر من آيلول/سبتمبر 1872 أعلن القسيس كارل شول الذي كان على رأس الطوائف الحرة في مدينة نورنبرغ في موكب دفن لودفيج فويرباخ بأن: «ما قام به كل من كوبرنيك وكيبلر وجاليلي قبل ثلاث قرون بالنسبة لكوكب الأرض حيث وضعوه في المكان المناسب ضمن المجموعة الشمسية، هو نفس «العمل» الذي قام به لودفيج فويرباخ بالنسبة للبشرية جمعاء»[7].
يقول ساس في فقرة ثانية «حاولت جريدة «آوجسبورجر ألقماين» ـ Augsburger Allgemeine في 11 ديسمبر (كانون الاول) سنة 1841 نقلا عن تقرير مراسل فرانكفورت بتاريخ 6 ديسمبر، أن تقدم الدليل بأن النقد الفويرباخي للدين هو بمثابة نتيجة لما أدت إليه فلسفة هيجل حول الدين، أي أنها بمثابة «الإعلان الأخير المناهض لهيجل الملحد وعدو المسيحية»، الذي جهر به برونو باور سنة 1841 دون ذكر اسمه ويختم المراسل تقريره بالقول: «إن صاحب الإعلان لم يكن أحداً آخر سوى فويربـاخ». ورداً على هذا المقال فنَّد فويرباخ قول مراسل الجريدة مبرزاً أن موقفه النقدي يتناقض تماماً مع مفهوم هيجل الفلسفي وكذلك مع صاحب الإعلان الأخير. «ففلسفة هيجل حول الدين تحلّق في الهواء، أما فلسفتي ـ يقول فويرباخ ـ فهي ثابتة بقدميها على الأرض[8] ولنتابع فكر فويرباخ منذ اللحظة التي ذكرها القس كارل شول حتى اليوم الراهن.
2 ـ تقلبات حياتية
ولد فويرباخ (لودفيج أندرياس فويرباخ) في 28 يوليه 1804 في مدينة لندسهوت Landshut ببافاريا[9]، وبعد أن أنهى دراساته الثانوية قرر تكريس نفسه لدراسة اللاهوت البروتستانتي. ونستطيع منذ هذه الفترة أن نلمح بذور ذلك الاهتمام القوي والدائم بالدين؛ الذي ظل يستشعره قلب فويرباخ الحي، ووعيه الذي لم يكف أبداً عن التساؤل، بقلق حول الأمور الدينية، وحول نظرية لوثر، التي أصابها الفتور أثر قرن هيمنت فيه العقلانية، ولسوف يكتب بعد ذلك حين يتحدث عن مسيرته الروحية قائلاً: لم يكن أول ميل استشعرته في حياتى ميلاً للعلوم أو الفلسفة بل للدين، وهذا الميل لم يأتني بفعل التربية الدينية التي تركتني ـ كما أذكر جيداً ـ غير مبال بها، أو بسبب تأثيرات خارجية، بل أتاني هذا الميل من ذاتي فحسب، إنطلاقاً من رغبتي في شيء لم تكن توفره لي بيئتي ولا التعليم الذي كنت أتلقاه في المدرسة[10]. لقد كان التفكير في الله يؤرقه دائماً. وقد لخص هو نفسه تطوره الفكري منذ كان طالباً للاهوت حتى نشر كتاب «جوهر المسيحية» مروراً بالمرحلة التي تأثر فيها بهيجل فقال: كانت فكرتي الأولى هي الله، وكان العقل هو فكرتي الثانية وكان الإنسان هو فكرتي الثالثة والأخيرة»[11]. تتبع فويرباخ محاضرات هيجل بانتظام وكان متحمساً لها وهو لا يزال طالباً في اللاهوت، ثم أصبح من مؤيدي هيجل وشعر أنه لم يستطع أن يوفق بين دراسته للاهوت واهتمامه بالفلسفة.
وبعد انتقاله إلى بروكبرج، بدأ يتحول إلى فيلسوف مستقل وتعتبر العشر سنوات التي قضاها هناك قمة حياته الفلسفية، وتعد ربما أسعد فترات حياته. لقد عُرف بكتابه «أفكار حول الموت والخلود» كباحث مدقق، كما أعطاه كتاب «تاريخ الفلسفة» شهرة كهيجلي كبير، وكانت أعماله في ذلك الحين تنتقد التجريبية انتقاداً لاذعاً مثل دفاعه عن هيجل ضد مقاله «باخمان» Bachmamm «نقد هيجل». وفي كتابه عن بايل P.Bayle، احتل موضوع الفلسفة واللاهوت معظم الكتاب وأصبح بايل الاسم الخاص بفويرباخ نفسه، الذي كان في هذا الوقت يتجه إلى رفض المثالية كضرب من ضروب اللاهوت، وجاءت دراسته عن «نقد الفلسفية الهيجيلية» kritik der Hegelschen philosophie عام 1839 انفصالاً وتجاوزاً للمرحلة الهيجلية. وقد غطى «جوهر المسيحية»، الذي نشر بعد سنتين على سمعته كهيجلي وجعل منه أشهر فيلسوف في ألمانيا بين الراديكاليين وخصومهم من اللاهوتيين. أما كتاباه: «قضايا تمهيدية لإصلاح الفلسفة» و«المبادئ الأساسية لفلسفة المستقبل» فقد نشرا على التوالي في سويسرا بسبب الرقابة[12].
وقد استمر فويرباخ في دراساته في مجال الدين، وراجع «جوهر المسيحية» عدة مرات، ودافع عنه وشرحه في ضوء النقد الذي وُجِه إليه. كما نشر العديد من المقالات والموضوعات اللاهوتية المرتبطة به والمكملة له. وكان عام 1844 عام عمل ونشاط في حياة فويرباخ حيث توصل إلى قناعات كافية بأنّ نقد كل من الهيجلية واللاهوت كان أساساً هاماً من أجل نظام اقتصادي واجتماعيٍّ وسياسيٍّ مستنير، كما أوضح مالفن كرنو M.Cherno في دراسته «لدفيج فويرباخ والأساس الفكري لراديكالية القرن التاسع عشر»[13]. لقد كان عاماً حافلاً بالعمل حيث اتفق مع ناشر كتبه على إعداد طبعات منقحة من أعماله النقدية والتاريخية وبدأ معاً في التفكير جدياً في عمل طبعة كاملة لكل كتاباته، وهو مشروع تم البدء فيه خلال عامين ولم ينته إلا بنشر المجلد العاشر من الأعمال بعد عقدين.
وفي نفس العام التقى فويرباخ بمجموعة من الاجتماعيين الراديكاليين من بينهم وتيلنجW.Weithing، الذي أثر فيه خاصة كتابه «ضمانات الحرية والسلام»، وفي نفس الوقت واصل دراسته للمسيحية وكانت كتاباته عن مارتن لوثر، هي التي شغلته أكثر من أي شيء آخر في هذا الوقت فحاول أن يقدم في دراسته «جوهر الإيمان لدى لوثر» The Essence of Faith ـ According Luther رؤية أكثر تجسيداً وتحديداً لأفكار «جوهر المسيحية» وهو كما يبدو في تقديمه للكتاب إكمالاً «لجوهر المسيحية». وفى نفس الاتجاه أصدر «جوهر الدين» عام 1846،[14] كما أصدر في نفس العام مجلدين من أعماله الكاملة. وقد أدرك أن المشاكل التي أثارها «جوهر المسيحية» قضت على ما تبقى من آمال في الحصول على تعين في الجامعة.
وكان الاعتراف بأستاذيته هو اعتراف طلابه في هيدلبرج الذين دعوه لإلقاء سلسلة من المحاضرات العامة عن «جوهر الدين»، كرمز للحياة الأكاديمية الجديدة الحرة، وقد استمرت هذه المحاضرات التي كان يلقيها مرتين في الأسبوع بقاعة المدينة من أول ديسمبر 1848 حتى أول مارس 1849، وقد حضرها لفيف من الأكاديمين والطلاب وسكان المدينة والعمال. وكانت هذه المحاضرات قمة النشاط العام لفويرباخ، وكانت تلك فرصة للمساهمة النظرية في ثورة 1848.
وفي أكتوبر 1851، نشر محاضرات هيدلبرج عن «جوهر الدين» في المجلد الثامن من أعماله الكاملة. وقضى فويرباخ أكثر من خمس سنوات في دراسة الأسس المادية للديانة الإغريقية، تلك الدراسة التي ظهرت بعنوان: «أنساب (تسلسل) الآلهة تبعاً للمصادر القديمة الكلاسيكية والعبرانية والمسيحية» 1857، وهو المجلد التاسع من أعماله الكاملة. وأصدر فويرباخ عام 1866، المجلد العاشر من أعماله الكاملة الذي يحتوي على عدد من الموضوعات جمعها تحت عنوان: «الله والحرية والخلود من وجهة نظر الأنثربولوجيا».
لقد كانت صورة فويرباخ في نظر معاصريه وفي نظر أوربا في القرن التاسع عشر هي صورة صاحب «جوهر المسيحية»، الذي أحل المذهب الطبيعى والإنسانى والمادية الأنثروبولوجية محل التقاليد الدينية، والذي كان اهتمامه بالدين أكثر من أي شيء آخر. يقول فوجل H.Vogel: «إن فويرباخ هو فيلسوف الإنسان والأنثروبولوجيا الفلسفية قد أمكنه أن يؤكد أن فلسفته كلها فلسفة دين وذلك بالمعنى العام لكلمة دين، والتي تعني الاهتمام بالمصير الإنساني، ومن وجهة النظر هذه فإن فويرباخ يشن انتقاداً دائماً ومكثفاً على ما عده ضلالاً للعقيدة أي زيف اللاهوت»[15].
لم ينشغل فويرباخ بقضية إنكار وجود الله بل دارت فلسفته كلها حول تأكيد حقيقة وجود الإنسان. وقد بين مهمته في مقدمته للمجلد الأول من أعماله الكاملة الذي نشر عام 1846 بقوله: «إنّ المشكلة اليوم ليست وجود أو عدم وجود الله، إنما وجود الإنسان أو عدم وجوده، ليست المشكلة ما إذا كانت طبيعة الله مشابهة لطبيعتنا ولكن ما إذا كنا نحن البشر متساوين فيما بين أنفسنا. وليس ما إذا كنا نشترك في جسد المسيح باعتبار أننا نأكل الخبز ونشارك في عقيدة «التناول» ولكن ما إذا كان لدينا خبزاً يكفينا، ليس ما إذا كنا نعطي ما لله لله، وما لقيصر لقيصر ولكن ما إذا كنا نعطي للإنسان ما للإنسان، ليس ما إذا كنا مسيحيين أو وثنيين، مؤلهين أو ملحدين ولكن ما إذا كنا أدميين أو سنصبح كأدميين نتمتع بصحة الروح والبدن والحرية والنشاط والحيوية... إنّ من يتحدث عني كملحد لا يقول ولا يعرف عني شيئاً.. ليس مهمة إنكار وجود الله هي ما يعنيني ولكن ما يعنيني هو مشكلة عدم وجود الإنسان[16].
3 ـ فلسفة الدين عند فويرباخ مراحلها وتعريفها
أهتم فويرباخ اهتماماً كبيراً بالدين واللاهوت أكثر من غالبية معاصريه ويؤكد كارل بارث K.Barth قضايا ثلاث هامة بخصوص موقف فويرباخ من الدين.
أولها: إنّه لا يوجد واحد من الفلاسفة المحدثين قد شغل نفسه بمشكلة اللاهوت مثلما فعل فويرباخ. وكما أكد هو نفسه أنّه في كل كتاباته يهدف إلى غاية واحدة وموضوع واحد، هو الدين واللاهوت وكل ما يتعلق بهما.
ثانيها: إنّ اهتماماته الدينية تضعه في مرتبةٍ أعلى من معظم الفلاسفة المحدثين، وهذا يتضح من كتاباته عن الأنجيل وعن رعاة الكنيسة وبصفة خاصة عن مارتن لوثر.
ثالثاً: لم يتعمق فيلسوف من فلاسفة عصره في الوضع الحالى للدين وبنفس الفاعلية كما تعمق فويرباخ. فهو ضمن القلة الذين تحدثوا وكتبوا عن الدين واللاهوت بأسلوب راق»[17].
إن فويرباخ فيلسوف الإنسان والأنثربولوجيا الفلسفية قد أمكنه أن يؤكد أن فلسفته كلها فلسفة دين، وذلك بالمعنى العام لكلمة «دين» والتي تعني الاهتمام بالمصير الإنساني، ومن وجهة النظر ذاتها فإنّ فويرباخ يشن انتقاداً دائماً ومركزاً على ما عدّه ضلالاً للعقيدة، والذي يعني ضلال اللاهوت بالمعنى المحدد والدقيق للكلمة فلم ينشغل أحد من معاصريه بدرجة مكثفة ودقيقة بهذه القضية مثله. وهو كما يقول فوجل Vogel «كان في مناقشته للاهوت أكثر لاهوتية من العديد من اللاهوتين أنفسهم»[18].
ويرجع ذلك إلى أن اهتمام فويرباخ الأساس، هو الدين الذي يظهر محوراً جوهرياً صلب كتاباته جمعياً. يقول في أولى محاضراته في «جوهر الدين»: «إنّ كل كتاباتي تهدف إلى دراسة الدين واللاهوت وما يتصل بهما». ويضيف «لقد كان شغلي دائماً وقبل كل شيء أن أنير المناطق المظلمة للدين بمصابيح العقل حتى يمكن للإنسان أن لا يقع ضحية للقوى المادية التي تستفيد من غموض الدين لتقهر الجنس البشري»[19]، فهو يهدف لا إلى محو الدين وإلغائه، وإنما الوصول به إلى حالة الكمال حيث يعتقد أن الفلسفة يجب أن تدخل حظيرة الدين وأن تجعله محوراً لها. فالدين مازال قائماً باعتباره وظيفة أبدية للروح الإنساني. ومن هنا فليس لنا أن نتوقع أن تتنازل الفلسفة يوماً عن حقها في بحث المشكلات الأساسية الدينية وحلها. تلك المشكلات التي يطالب اللاهوت باحتكارها.
4 ـ تطور تفكير فويرباخ في الدين
ويمكن تتبع اهتمامات فويرباخ بالدين منذ البداية حيث كان يدرس الدين واللاهوت اللذان كانا طريقاه إلى الفلسفة. ويمكن قبول تمييزه بين الدين واللاهوت وتقبله للأول، ورفضه للثاني، كما يقول كرنو: «بالرغم من معارضة فويرباخ لما يتضمنه اللاهوت وكونه شعر بأنّه خطر على التفتح البشرى والرفاهية الإنسانية، فإنّه أشار إلى تعاطف ملحوظ لوجهة النظر الدينية، وجوهر المسيحية أوضح دليل على ذلك»[20].
علينا تحديد أهم المفاهيم التي ظهرت في مختلف مراحل تطور فكر فويرباخ الديني. وإذا كان البعض قد حاول تحديد هذه المراحل في مرحلتين مثل مالفن كرنوCherno. فأننا يمكن أن نلمح أربعة مفاهيم أساسية للدين تمثل أربع مراحل متتالية تعبر عن فهم فويرباخ لماهية الدين الإنساني. وقد تمثل مفهومه الأول بـ«جوهر المسيحية» حيث قدَّم تصوراً للدين في نطاق الديانة المسيحية، أتبعه بـ«جوهر الإيمان عند مارتن لوثر»؛ الذي يعد مرحلة انتقالية بين «جوهر المسيحية» وكتابيه «جوهر الدين» و«محاضرات في جوهر الدين» بينما المرحلة الرابعة والأخيرة نجدها في كتابه Theogony «أنساب الإلهة تبعاً للمصادر القديمة الكلاسيكية العربية والمسيحية»، الذي كثيراً ما يغفل عنه الشراح عند الحديث عن «الدين عند فويرباخ». ويمكن بيان هذه المراحل كما يلي:
( أ ) المرحلة الأولى: «ماهية المسيحية»: وتبدأ منذ أول إبداعاته «تأملات حول الموت والخلود» والذي عرض فيه فكرة «المرآة». وهي تعني عند فويرباخ أن الله مرآة Spiegel تنعكس فيها صفات النوع البشري.
ويبين برديائيف في كتاب «الإلهي والإنساني «The Divine and the Human» أن فكرة فويرباخ بأن الإنسان ينسب إلى الله طبيعته السامية ليست جدلاً بهدف إنكار الله، بل على العكس تهدف على غير ذلك تماماً فهي توضح أن هناك توافقاً واكتمالاً بين الله وبين الإنسان ذي الروح الحرة»[21].
(ب) المرحلة الثانية: جوهر الإيمان: وهذه المرحلة نجدها في كتاب «جوهر الإيمان عند مارتن لوثر»، وهي تمثل انتقالاً من «جوهر المسيحية» إلى «جوهر الدين». ولقد كانت دراسة فويرباخ «جوهر الإيمان» محاولة لكي تقدم لنا دليلاً تسجيلياً لحقيقة الدين من خلال عبارات وأقوال لوثر حيث يتجه الدين نحو الإنسان ويتخذ من سعادة الإنسان هدفاً ومقصداً له[22]. ويمكن أن نجد لدى سيجموند فرويد Freud امتداداً لهذا الموقف السيكولوجي واستمراراً له، حيث يستخدم التحليل النفسي لتأكيد وتعميق أفكار فويرباخ وأنثربولوجية الدينية.
لم يُباشر فرويد الدراسة الجدية لأصول الدين النفسية إلا في «الطوطم والتابو» 1911. إلاّ أنّ الحديث التفصيلي عن الدين عند فرويد لا يمكن أن يتم دون تحليل كتاب مستقبل الوهم، والذى يبين فيه فرويد أن الأفكار الدينية تنبع من الحاجة نفسها التي تنبع منها سائر إنجازات الحضارة: ضرورة الدفاع عن النفس ضد تفوق الطبيعة الساحقة أي «أنسنة الطبيعة»، التي تشتق من الحاجة التي تحاصر الإنسان إلى أن يضع حداً لحيرته وضياعه وضائفته أمام قوى الطبيعة المخفية، الأمر الذي يتيح له أن يقيم علاقة معها ويؤثر عليها في خاتمة المطاف.
فآراء فرويد الدينية تجد أصولها عند فويرباخ. وهذا ما يعترف به فرويد بشكل غير مباشر حين يقول: «هل قلت شيئاً غير ما قاله رجال آخرون أهلاً للثقة أكثر مني، غير أنّ ما قالوه تم بصورة أكمل وأقوى وأفصح وأبلغ، وأسماء هؤلاء الرجال معروفة لدى الجميع، لذا لن أحتاج إلى أن أسميهم لأنني لا أريد أن أبدو كمن يضع نفسه في مصاف هؤلاء ويعتبر نفسه واحداً منهم، وقد اكتفيت ـ وهذا الجانب الوحيد من بحثي ـ بأن أضفت إلى نقد المتقدمين العظام بعض الأسس السيكولوجية[23].
وسواء أكان فويرباخ واحداً من هؤلاء العظام الذين ذكرهم فرويد، وكان يقصدهم في عباراته السابقة أو لم يكن كذلك، فمما لا شك فيه أن في نظرية فويرباخ عن الدين أساساً يُفسر ملامح النظام الفرويدي النفسي. يعتقد فويرباخ أن هناك تشابهاً بين العقيدة الدينية والأحلام، فالشعور حلمٌ والعيون مفتوحة والدين وأنت في حالة وعي. فالحلم مفتاح أسرار الدين، ليس فقط الأحلام هي التي تلقي الضوء على طبيعة الدين، ذلك لأن انحرافات المتعصبين من المتدينين والمبالغات الدينية للإنسان البدائي تلفت انتباهنا إلى جوهر أكثر الأديان تطوراً وتحضراً». وهذا النوع ما يقر به من فرويد كما بينا. مما جعل هـ.باء أكتون H.B. Acton في كتابه «وهم العصر» The Illusion of the epoch يقول: «إنّه لا يمكن لأي إنسان على معرفة بتفسير فرويد للدين في كتابه «مستقبل الوهم»، إلا أن يتملَّكه الإعجاب للتشابه الشديد بينه وبين أراء فويرباخ. وقد استرعت العلاقة بين فرويد وفويرباخ انتباه عديد من الباحثين خاصة فيما يتعلق بنقدهما للدين. فقد نشر أ.هـ. فيزر A.H.weser دراسة بعنوان «نقد سيجموند فرويد ولدفيج فويرباخ للدين» في ليبيزج 1963 [24].
(ج) المرحلة الثالثة: جوهر الدين: ويمثل «جوهر الدين» المرحلة الثالثة من تفكير فويرباخ الديني، وقد ركز فيه وكثف مفهومه عن الدين الذي توسع فيه بعد ذلك في كتابه «محاضرات في جوهر الدين»؛ التي ألقاه في هيدلبرج عام 48/1849 ليشمل العديد من الديانات غير المسيحية. وأن كانت هذه الديانات تُعَّد عنده ملاحق أو تذييلات للمسيحية. فقد رأى أن المسيحية والديانات الروحية التي تمثل مرحلة أعلى من التطور الديني، كانت تسبقها فترة من الديانات الطبيعية وعلى ذلك، فإنّه إذا كان الدين في المرحلة الأولى والثانية مستمداً من الخصائص البشرية، فإنّه هنا يقوم على الموضوعات الموجودة في العالم الطبيعي.
(د) المرحلة الرابعة: الثيولوجونيا: وهي المرحلة الأخيرة في تفكير فويرباخ الديني، ويظهر فيها الارتباط بين الدين والأخلاق. وقد ظهرت هذه المرحلة عندما تطورت الفنون المتحضرة وقلت ضغوط قوى الطبيعة على الإنسان. وفي هذه المرحلة وانطلاقاً من الأسس النفسية للدين ـ كما ظهرت المراحل السابقة ـ فقط طوّر فرضية شعر أنها أكثر ملاءمة لتفسير الأوجه المتعددة للدين. ففي كتابه «أنساب الآلهة: حسب المصادر الكلاسيكية العربية والمسيحية القديمة» 1857 أشار على سبيل المثال إلى أن إدراك الإنسان لمُثُلِه العليا وإدراكه ضرورة اعتماده على كائنات أخرى يمكن أن يكونا معاً نوعاً من الحث على السعادة.
ورغم هذا الاهتمام بالدين الذي يظهر في هذه المراحل المختلفة في كتاباته والتي تبين تطور فهمه له. نجد فويرباخ يتعرض للوقوف خلف قضبان الفهم الديني الكلاسيكي «الحرفي المتزمت» في قضية هامة هي تهمة نفي الدين والإله. على الرغم من أن فيلسوفنا لا تشغله قضية انكار الإيمان كما ذكر في بداية المجلد الأول من أعماله الكاملة، إلا أنه يرفض تشويه أفكاره من خلال أي سياق. يقول «لم أؤله الإنسان خلافاً لمزاعمهم الحمقاء ضدي، كما أنني لا أريد الطبيعة مؤلهة لاهوتياً[25].
إن فويرباخ كما يعتقد ريردون B.H.Rardon قادر على أن يهب الإيمان لعصر خلا من الإيمان، ولهذا يضع فلسفة فويرباخ في تيار «الفكر الديني في القرن التاسع عشر» في كتابه الذي يحمل نفس الاسم ففويرباخ ليس مستهزئاً بالدين، ذلك لأن الجانب الديني للحياة ليس عبثاً، وإنما هو المفهوم الأساس لإدراك الإنسان لذاته وذلك لأن موضوع الدين الرئيسي هو الإنسان كما يتضح من تحليل الخبرات الدينية، التي تتعدى صور اللاهوت غير المتناسقة، فالله ببساطة انعكاس للإنسان ذاته»[26] ونجد نفس الرأي لدى جون لويس الذي يرى «أن فويرباخ كان رجلاً متديِّناً إلى أبعد الحدود ومن ثم، فإنّ ماديته جاءت مختلفة تماماً عن أية مادية سابقة، فهو لا يحتقر الدين وإنّما يرى في الله إسقاطاً لحالة الإنسان البائسة المحرومة[27].
ويمكن أن نقدم شهادتين لبيان موقف فويرباخ من الدين الأولى للفيلسوف الوجودى نيقولا برديائيف والثانية لفردريك أنجلز. يقول الأول في كتابه «الألهي والبشري»، ينادي فويرباخ بدين الإنسانية وقد كتب «جوهر المسيحية» بطريقة كتب التصوف وظلت طبيعة تفكيره هي طبيعة مؤلهة. ونجد ذلك أيضاً في كتابه «العزلة والمجتمع»، الذي يؤكد فيه على الناحية الوجودية من فلسفة فويرباخ، لأنّه يجعل من الإنسان الفكرة المسيطرة على حياته. ويضيف برديائيف، أن التعرض للإنسان معناه التعرض لله وهذه في نظري هي المسألة الأساسية[28].
ويرى أنجلز في كتابه «لدفيج فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية»، أن موقف فويرباخ من الدين واضح وصريح فهو يبقي عليه، على العكس من موقفه من اللاهوت، وفي الفصل الثالث يؤكد أنجلز أنّ هدف فويرباخ هو الوصول بالدين إلى أسمى درجات الكمال[29]. موضحاً رأي فويرباخ في مقالته «ضرورة إصلاح الفلسفة»، أن عصور الإنسانية لا تتميز إلاّ بتغيرات دينية، ولا تكون الحركات التاريخية أساسية إلاّ إذا كانت جذورها متأصلة في قلوب البشر، مع ملاحظة أن «القلب» عند فويرباخ ليس فقط صورة من صور الدين بل هو «ماهية الدين»[30].
5 ـ التحليل السيكولوجى للدين
إن الأنثربولوجيا الفلسفية الفويرباخية تجعل من الشعور أساس الدين. هنا قلب فلسفة فويرباخ الدينية، فالإنسان هو تكامل الحواس والمشاعر، وإذا كانت الحواس أساس الإدراك والمعرفة النظرية، فالشعور أساس الدين. والتحليل النهائى للدين يعود إلى مصدر سيكولوجي، هو ما يطلق عليه فويرباخ مصطلح «الشعور بالتبعية»، ففي الفقرة الأولى من «جوهر الدين» وكذا في المحاضرة الرابعة من «محاضرات في جوهر الدين»، يبين الأصل الذاتي للدين محاولاً بيان الجذور السيكولوجية، التي تمثل الركيزة الأولى للدين وهو الشعور بالتبعية Feeling of dependency[31].
1 ـ تعريف الدين بالخوف: وأوّل التفسيرات لمصدر الدين، هو الخوف Fear. فقد جعل الكثير من القدماء والمحدثين من الخوف أساس الدين، «فالخوف في مبدأ الأمر خلق الآلهة في العالم وعند الرومان كانت كلمة «الخوف» metus تحمل معنى الدين، وكانت كلمة الدين Relgio أحياناً تشير إلى الخوف والرهبة Fear and awe وهكذا كان اليوم الديني dies keligiaus، يعني يوماً غير ميموناً أو يوماً يخافه الناس. وفي اللغة الألمانية فإن كلمة Ehrfurant تعني: الرهبة awe والشفقة peity وهي تعبير عن منتهى احترام الدين وتتكون من Ehre أي احترام honor والمقطع الثانى Furcht خوف Fear [32].
2 ـ التفسير الثانى: الحب مصدراً للدين: بعد أن عرض فويرباخ للتفسير الأول لمصدر الدين «الخوف»، يرى أن الخوف ليس هو الأساس الكامل والكافى للدين، وبالتالي ليس تفسيراً لمصدره. والسبب الحقيقي هو أن الخوف لا يعطي تفسيراً كاملاً للدين لأنّه بمجرد زوال الخطر، فإنّ الخوف يستبدل بعاطفة عكسية وهذه تلتصق به كما كان يلتصق به الخوف، وهذا الشعور بالتحرر من الخطر والخوف والقلق، هو الشعور بالفرحة والسعادة والحب والامتنان. والواقع أنّ مظاهر الطبيعة التي تثير فينا الخوف والفزع هي إلى حد كبير المظاهر التي تعود على الإنسان بالخير، بالآلهة التي تدمر الأشجار والحيوانات والإنسان بعاصفة رعدية هي نفسها التي تبعث الحياة في الحقول، فمصدر الخير هو نفسه مصدر الشر، ومصدر الخوف هو مصدر السعادة.
لا ينطلق فويرباخ إذن من الخوف وحده، وإنّما من العواطف المخالفة له، العواطف الإيجابية، السعادة، الامتنان، الحب، التبجيل كأساس للدين. يمتد إذاً المجال الشعوري ليشمل الإيجابي مع السلبي، فالخوف وحده لا يخلق الآلهة وإنّما الحب والسعادة.
3 ـ الشعور بالتبعية كمصدر للدين: لا يجعل فويرباخ أساس الدين في الخوف فقط أو السعادة والمحبة فقط على حدة ولكن يبحث عن الصيغة الشاملة التي تضم هذين الوجهين، وهي ليست سوى الشعور بالتبعية، الاعتماد، الافتقار Feeling of dependency. الخوف مرتبطٌ بالموت والسعادة مرتبطة بالحياة إنّ الخوف شعور بالاعتماد يمنحني اليقين بأنّني أحيا، ونظراً لأنني أحيا كجزء من أجزاء الطبيعة، أو من الله فأنني أحبه ونظراً لأنني أعاني وأموت من خلال الطبيعة فأنا أخشاها، والإنسان يحب من يعطيه سبل الحياة والتمتع بها ويكره من يحرمه إياها، ولكن الاثنين يُجتمعان في شيء واحد هو الدين.
ويستشهد فويرباخ لتأكيد ذلك بالقرآن الكريم حين يخاطب الله تعالى عبدة الأوثان بأنّ ما يستحق العبادة هو ما يضر وما ينفع، هو من بيده الحياة والموت[33] ومن هنا فالتعريف العام الذي توصل إليه فويرباخ، هو أنّ «الشعور بالتبعية هو الشعور الحقيقي الشمولي وهو المفهوم الذي يفسر الأساس السيكولوجي للدين».
يؤكد فويرباخ أنّ الأنثربولوجيا دينية في الأساس. فالإنسان بطبيعته كائن متدين، والدين تتغلغل جذروه في صميم الشعور البشري «القلب ليس فقط صورة الدين بل هو جوهر الدين». ومن هنا فإنّ محاولة فويرباخ تسعى للوصول بالدين إلى حالة الكمالة وتؤكد معظم الدراسات الفويرباخية أنّ ما قدمه الفيلسوف ما هو إلاّ استمرار للإصلاح الدينى البروتستانتي. ويُعَد صاحب هذه الأبحاث في طليعة رجال التجديد الدينى وليس كما يفهم خطأ، خارج حظيرة الدين. يقول أميل بربيه E.Brehier «لا يهدف فويرباخ إلى تحطيم المسيحية بل يعمل على تحقيقها وإكمالها وهو يعتقد أن مذهبه ترجمة عقلانية واضحة للدين المسيحي من لغة الأشباح الميتة إلى لغة إنسانية»[34].
ويمكن أن نستفيد من تفرقة أزفلد كولبه الهامة بين الثيولوجيا وفلسفة الدين؛ فهو «يميز بين الثيولوجيا وبين فلسفة الدين من حيث هي جزء من الفلسفة العامة على أساس أن الثيولوجيا تبحث في دين من الأديان بعينه (وهو ما يحاول فويرباخ أن يتجاوزها)، أما فلسفة الدين فتُعنى بنقد وتحليل المفاهيم التي تستعلمها الثيولوجيا والمبادئ الأولى التي تفرضها»[35]. ومن هنا تجاوز للفهم الضيق الغيبي للدين ونقداً له وتؤسس لكثير من العلوم التي تهتم بتحليل الدين مثل: تاريخ الأديان ومقارنة الأديان وعلم الإجتماع الديني وعلم النفس الديني وفلسفة الدين، التي تعد أوسع هذه العلوم في النظر إلى الدين وتلك كانت أساس أبحاث فويرباخ.
وتظهر فلسفة فويرباخ الدينية التي تُرجع الدين إلى الشعور الإنساني بالمقارنة مع غيرها، فهي تتفق مع رأي هربرت سبنسر، الذي يُعرِّف الدين «بالشعور» الذي يحدث لنا حتى نتخيل أنفسنا في مجال مليء بالغموض والأسرار، على أن نفهم هذا الغموض باعتباره غموض الطبيعة البشرية نفسها. ومولر الذي يؤكد أن الدين هو الشعور باللامتناهي وكذلك شليرماخر، الذي عرَّف الدين في «مقالات عن الدين» بأنه الشعور بالتبعية والاعتماد المطلق[36] وكذلك جويو Guyay، الذي يرى أن الدين هو تصور الجماعة البشرية وشعورها بالتبعية لمشيئة أخرى والخضوع لها.
وتقدم نظرية فويرباخ في «الدين الإنساني» في إطار الدراسات الإجتماعية في تفسير الدين ويربط الباحثين بينها وبين نظريات علماء الإجتماع مثل أوجست كونت A comte ودوركيم. يقول Thomas F.o.Dea في كتابه «علم الاجتماع الديني»: إنّ وضع فويرباخ يشابه دوركيم في جانب هام هو أنّ كلاهما يرى المحتوى الخيالي للدين إسقاط لحاجات الإنسان.ويرى أميل بربيه: «إن فويرباخ مثل كونت Comte في تناول العلاقة المباشرة بين الإنسان والطبيعة على أساس التأليه الطبيعي في القرن التاسع عشر»، بل إنّ «بربيه» كان يقم علاقات بين فويرباخ وغيره من المفكرين الفرنسيين لا كونت فقط بل أيضاً «أرنست رينان»، الذي يحاول الإبقاء على روحانية المسيحية دون عقائدها، فهذا «الملحد المتدين» نسخة من المثالية الحسية التي قدمها فويرباخ[37]. إنّ نظرية فويرباخ الأنثربولوجية في الدين تتعدى الفهم المتعصب الجامد لديانة معينة بحثاً عن الدين الإنساني الأشمل، أي تجاوز الثيولوجي إلى الأنثربولوجي وهو يتفق مع كل المحاولات الجادة التي تسعى لتأسيس علم النفس الديني وعلم الإجتماع الديني وفلسفة الدين. وقد وجدت اهتماماً كبيراً لدى كثير من اتجاهات اللاهوت المعاصر.
وفي نهاية دراسته يبين مارتن ساس أن فويرباخ واجه الفكر الغيبي، الذي تبناه رجال الدين والفلاسفة بنظرتهم التاريخية والتقدمية بالرجوع إلى طبيعة الإنسان الأزلية. ويرى ساس أن في الاستناد إلى مقولة ثبات الطبيعة البشرية تكمن جدة وقوة الفلسفة الجديدة وراهنيتها... لقد أصبحت فلسفة فويرباخ بمثابة «ثورة في مجال الفكر» تماثل في ذلك الثورة الكوبرنيكية[38]، وانطلاقاً من الأمثلة العديدة التي أحيت هذه الفلسفة الجديدة يقدم لنا مثالين يعبران على أثر الثورة الكوبرنيكية، التي أحدثتها فلسفة فويرباخ في المواقف الفلسفية المعاصرة، هما: كارل لوفيت وإيرك فروم.
ينطلق لوفيت من مبدأي الإحساس وحب الآخر ليضع دراسة تحليلية فينومينولوجية لبني العالم[39]. ففي كتاباته المتأخرة يوسع مجال المنظور الفويرباخي حيث ينظر فيه إلى الفرد في علاقته مع الآخر، لا من خلال علاقة صورية للأنا والأنت خارجة عن بقية الطبيعة، بل إن هذه العلاقة تدخل في إطار علاقة الإنسان بالعالم وأن عالم الإنسان ينصهر في العالم.
ويسعى إيرك فروم E. Fromm إلى التأكيد على النتائج المحتملة والصادرة عن التحول الفويرباخي في الفلسفة، بما في ذلك التقيد بالتصميم الإنساني الناتج عن التأثر بالبعد النفسي الاجتماعي، الذي آثاره لديه فرويد ودفع الإصلاح على مستوى الوعي لكي يتقدم الإصلاح الاجتماعي، وكأنّه تصميم تقني لمسار المجتمع ذاته. ويرى ساس أنّ فروم يتفق مع فويرباخ في أنّه من الممكن للإنسان ككائن طبيعي أن يضع مقاييس طبيعيّة وأخلاقية موضوعية صحيحة، أي أن يحدد ما هو حسن للنمو الكامل للإنسان ككل[40]. إنّ السعي إلى وضع مثل هذا التصميم لبنية تامة للإنسان تفوق حقاً مناشدة فويرباخ الطبيعيّة «الطبيعة»، حيث ينظر فروم إلى إمكانية التأثير التقني على الإنسان في إطار المنظور الفويرباخي للطبيعة على أنه نوع من التصميم الإرادي والعملي النافع بالنسبة للمجتمع والاقتصاد[41].
إنّ الإشارة إلى كل من لوفيت وفروم تبين بجلاء كيف يمكن للتحول الفويرباخي أن يصبح مثمراً ومواكباً للعصر، وذلك في الاستناد على طبيعة الإنسان وفي ربط المؤهلات العقلية بالبنية الطبيعية الحاكمة في رغبات الإنسان وحاجاته ككائن مسير من قبل العقل والقلب على السواء. وأخيراً في البرنامج المؤدي إلى الحقيقة التي لا تدرك إلا تدريجياً من خلال الحوار[42].
6 ـ فويرباخ واللاهوت الراهن
وجد فكر فويرباخ من بين علماء اللاهوت في القرن العشرين، من يتابعه مستلهمين أطروحاته جاعلين منها أساس تجديد الفكر اللاهوتي، متخذين منها سبيلاً لافساح مكانٍ للدين في وعي الإنسان المعاصر، هذا ما كتبه هنري أرفون عن فويرباخ واللاهوت[43].
لقد حدث تحول في الاهتمام في الدراسات الفويرباخية، عن تلك الصورة التي حددتها دراسة أنجلز عن «لودفيج فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية» إلى الاهتمام بالتقارب بين علماء اللاهوت الجدد وفكر فويرباخ ودمجه في تطور اللاهوت. وهو ما نجده لدى عدد من هؤلاء نذكر منهم هانز أهرنبورج، الذي أكد على كون الصراع الذي خاضه فويرباخ ضد اللاهوت كان مستوحى من هموم دينية. كما ألح على الدور الهام الذي يلعبه مفهوم فويرباخ عن الحب القائم أساساً على العلاقات بين الأشخاص في بلورة فكر مسيحي حقيقي ويقول أهرنبورج: «إنّ إلحاد فويرباخ يقوم بكلتيه على أكتشاف روحي ذي قيمة دينية عالية، بل ومسيحية تنطلق من مفهومَيْ «الأنا» و«الأنت» باعتبارهما حاملين للحياة الحقيقية ومنطقه هو منطق حب الآخر، منطق «الأنت» محل منطق «الأنا» وميتافيزيقا فويرباخ تقوم على الحب وتنفتح عليه، أي على «الأنا»و «الأنت»[44].
يرى فويرباخ، أنّ علم المسيح Christologie الخاص باللاهوت البروتستانتي يقودنا في نهاية المطاف حتماً إلى الأنثروبولوجيا. ويستشهد في (جوهر المسيحية ) (الفصل 14) بأقوال مارتن لوثر، التي يفسر بها تعبيره الشهير pra pra me pra malis «ما تؤمن بالله بقدر ما تناله: فبإيمانك به تناله وإن لم تؤمن به لن تنال شيئا منه». ولهذا يتوقف مصيرنا على إيماننا إذا اعتبرناه إلهنا فلن يكون أبداً إلهنا. إنّ فويرباخ متيقن من أجل جعل الإيمان بالله حميمياً وداخلياً يمكنه أن يؤدي إلى تبادل المواقع بين الله والإنسان، «ليس الإنسان هو الذي يعتمد على الله، ولكن الله هو الذي يعتمد على إيمان الإنسان».
وقد يكون في القول بأن اللاهوت الجديد خرج من عباءة فويرباخ مبالغة ـ كما يذكر هنري أرفون ـ ولكن ثمة نقاط إلتقاء بين فكر فويرباخ وعلماء اللاهوت في القرن العشرين وهي نقاط يصعب معها أن نحرم فويرباخ من فضل تبشيره، قبل قرن من الزمان، بالحركات اللاهوتية في عصرنا الحالي. يتعلق الموقف الذي يرى في المسيح تجسيداً للانسان وليس الله. مثل هذا التصور فضلا عن أنه يقف على حدود اللاهوت لم يجد بعد صيغته النهائية. ويطلق عليه تجاوزاً «لاهوت موت الاله» ويمثله في الولايات المتحدة كل من: ذى، جى، ألتجزر وب.ف.بيرن وهملتون وجي فونونيتش[45].
وهناك اللاهوت الأنثروبولوجي، الذي يعد أقل تطرفاً وأكثر وضوحاً كما عند بولتمان ود. بونهومر ورولنسون وبول تيلتش. هذا اللاهوت يشبه الفكر الفويرباخي في أن الأنثروبولوجيا تشكل أساسه العام. ولكن تظل مسارات الفكر التي تقود إلى النتيجة نفسها مختلفة، فبالنسبة لفويرباخ يفقد الله جوهره في الإدراك الإنساني، لأن الإنسان يخلع عليه صفاته الإنسانية الخاصة. يبغي اللاهوت الأنثروبولوجي أن نُطِبق على العلاقة بين الإنسان والله العلاقة نفسها بين الذات والموضوع. فلا يمكن أن يكون الله موضوعاً لأنّه من حيث المبدأ غير قابل للفهم، فمن المستحيل أن يُعزى إليه وجوداً موضوعياً، لا يمكن أن يتم اللقاء بين الإنسان والله إلاّ على مستوى الذوات، فمعرفة الله تمر بالضرورة عبر معرفة الإنسان ويبدو أن قول فويرباخ «سر اللاهوت هو الأنثروبولوجيا» قد وجد صدى جديداً وغير متوقع لدى علماء اللاهوت أنفسهم.
ويظهر التقارب الشديد بين فويرباخ وبين أصحاب اللاهوت الجديد خاصة بول تيلتش، اللذان يعرض لهما أرفون في قوله: عندما يعلن فويرباخ في مقدمة «مبادئ فلسفة المستقبل» أن مهمة فلسفة المستقبل هي أن تنقل الفلسفة من مملكة «النفوس الممية» إلى مملكة «النفوس المتجسدة»، أي النفوس الحية، وأن تنزلها من نشوة الفكر الإلهي، إلى حقيقة البؤس الإنساني. ليس الغرض هو رفع العبء الإلهي الذي يقع على كاهل الإنسان، بقدر ما هو دفعه لأن يتحمل مسؤلية قدره، أن يتجاوز نفسه بفضل المعنى الذي يعطيه للحياة. من الآن فصاعداً إنّ هذا الالتزام الشامل تحديداً وهذا التأثير الذي يمارسه الإنسان على الحياة، هو في الواقع ما يحاول اللاهوت الجديد أن يدمجه في بحثه عن الله، وكتاب بول تيلتش الرائع في الأعماق تكمن الحقيقة Tiefe ist Wahrheit شهادة على ذلك[46].
يرى تيلتش أنّ هذا العمق اللانهائي وهذا النبع الذي لا ينضب في كل كائن هو الله. وإذا لم يكن لهذه الكلمة معنى بالنسبة لكم، فتحدثوا عن عمق حياتكم، وعن أصل وجودكم، وما يتعلق بكم بصورة مطلقة وما تأخذونه مأخذ الجد بلا أي تحفظ. إذا فعلتم ذلك ربما تنسون بعضاً مما تعلمتوه فيما يخص الله، وربما حتى الكلمة نفسها لأنه عندما تدركون أن الله يعنى العمق، فستكونون قد عرفتم الكثير عنه ولا يمكن أن تطلقوا على أنفسكم ملحدين وغير مؤمنين لأنه لن يُمكنكم التفكير أو القول بأن الحياة بلا عمق، وأن الحياة سطحية لأن الوجود نفسه ظاهريٌ، ولا تكونوا ملحدين إلا عندما تتمسكون بهذا المنظور من يعرف العمق يعرف الله أيضاً»[47].
ولكن الاتفاق يتسع بين فويرباخ واللاهوت الجديد على وجه الخصوص، عندما يتعلق الأمر بموضوع الموت والخلود. ويعتبر هذا الاتفاق أمراً يبعث على الدهشة، لأن كتاب فويرباخ «تأملات في الحياة والخلود» 1830 هو الذي ألصق بفويرباخ تهمة الملحد في رحاب الجامعة. فعلى ما يبدو أن هذا الكتاب يقوم بقلب كامل للمذهب المسيحي. إذ ينزل بالخلود إلى مستوى الوهم الضار بالإنسان، لأنه يجعل الإنسان يعتقد في خلود شخصي». فيتركه منكفئاً على ذاته لا رغبة له في المساهمة في الجهد الإنساني. أما الموت، في المقابل، لو أُخِذَ على محمل الجد، فإنّه يؤدي بالإنسان إلى الرغبة في تأكيد خلوده بالعمل لصالح تقدم الإنسانية بأكملها «عندما يعترف الإنسان من جديد بأنه ليس هناك فقط موت ظاهر، ولكن هناك موت حقيقي واقعي تنتهي به حياة الفرد تماماً، عندئذٍ تكون لديه الشجاعة أن يبدأحياة جديدة، وأن يشعر بالحاجة الملحة، لأن يقيِّم نشاطه الروحي على ما هو حقيقي وجوهري ولا نهائي حقاً، عن طريق الاعتراف بحقيقة الموت وعدم التنكر له، يستطيع الإنسان انكار ذاته حقيقية»[48]. وهكذا نلاحظ مجدداً أن اللاهوت الجديد وإن انطلق من مقدمات مختلفة، يبدو وكأنّه قد التقى بفويرباخ الذي حث من جانبه البشر على السعي إلى الخلود بقبول فكرة الموت الحقيقى.
ويتساءل أرفون: أليس أمراً مزعجاً أن نقدم فويرباخ على أنّه في أعماقه مفكر مسيحي في حين أن جان جيتون يعتبره في كتابه الأخير «هذا ما أعتقد» 1971، «أكبر خصومنا وضوحاً وأهمية: ويجيب أنّ فويرباخ هو نفسه الذي يحررنا من الحيرة، لقد قدم لنا هو نفسه هذا الانقلاب الذي يجعل من ملحد ملعون مفكراً مسيحياً. ويحتوي تعليقه على «تأملات في الموت والخلود» على هذه السطور التي تبعث صوتاً تنبؤياً: «باختصار، بينما كان الفقراء والمظلمون والبؤساء هم المسيحيون في الأزمان الغابرة، نجدهم اليوم ليسوا مسيحيين، أي تَغَيُر غريب، أولئك المسيحيون والمؤمنون اسماً هم عملياً وفعلياً وثنيون. ومن هم وثنيون اسماً، هم عملياً وفى الحقيقة مسيحيون. ومع ذلك أبشروا يا من تعانون، إنّ الإنتصار السياسي للمسيحية هو ضياعها الأخلاقي. ومن يعتبرون اليوم من وجهة نظرهم ـ أو من وجهة نظر الآخرين ـ أصدقاء وحماة المسيحية، سيسفرون عن وجوههم كأعداء حقيقيين للمسيحية، ومن يعتبرون اليوم أعداء المسيحية سيعرفون يوماً على أنهم أصدقاؤها الحقيقيون»[49].
[1]ـ كارل لوفيت: من هيجل إلى نيتشه، التفجر الثوري في فكر القرن التاسع عشر، ترجمة ميشيل كيلو، منشورات وزارة الثقافة السورية دمشق 1998 ص8، يتناول لوفيت «محاولة نيتشه للتغلب على العدمية» ويرى أنه فيلسوف زماننا. وهو يعني بذلك ثلاثة أشياء: أن نيتشه هو كقدر أوربي أول فيلسوف لعصرنا، وأنه كفيلسوف في عصرنا، عصري وغير عصري بالقدر نفسه وأنه كواحد من أواخر محبي «الحكمة» واحد من أواخر محبي «الخلود» أيضا»ص 231.
*ـ مفكر وباحث في فلسفة الدين ـ جمهورية مصر العربية.
[2]ـ المصدر السابق، ص 215.
[3]ـ عرف فويرباخ الثقافة العربية منذ عدة عقود خاصة لدى كل من: عبد الله العروى في كتابه مفهوم الحرية، والياس مرقص في دراسته وترجمته بعض نصوص فويرباخ وحسن حنفى فيما كتبه عن الاغتراب الدينى عند فويرباخ، وحنا ديب: هيجل وفويرباخ، دار امواج، بيروت 1994 بالاضافة إلى دراساتي المتعددة حوله، خاصة، فلسفة فويرباخ وترجمتي لبعض نصوصه الفلسفية راجع: فويرباخ: ماهية الدين، قضايا أولية لاصلاح الفلسفة مع دراسة فلسفة فويرباخ، دار الثقافة العربية، القاهرة، 2007. وهناك عدد من الأطروحات الجامعية تتم حول فلسفته في الجامعات الجزائرية.
[4]ـ هنرى ارفون: فويرباخ، ترجمة ابراهيم العريس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1981 ص42، جان هيبوليت: دراسات في هيجل وماركس، ترجمة جورج صدقنى، وزارة الثقافة السورية، دمشق.
[5]ـ هنرى ارفون: فويرباخ، ص24. وانظر ايضا دراسة د.فريال حسن خليفة: نقاد هيجل، دار قباء، القاهرة.
[6]ـ أحمد عبد الحليم عطية، مقدمة ترجمة ماهية الدين، وقضايا أولية لاصلاح الفلسفة، دار الثقافة العربية، القاهرة، 2007، ص 13.
[7]ـ مارتن ساس: مشروع فويرباخ لتأسيس فلسفة جديدة، محمد التركى، أوراق فلسفية، العدد 13 ص 37.
[8]ـ المرجع السابق، ص38.
[9]ـ تولى والده رئاسة المحكمة العليا، وكان الآب أول بروتستانتى متحرر يرأس جامعة بافارية، وقد كتب كتاباً هاماً عن القانون الجنائى في القرآن الكريم. أنهى فويرباخ المرحلة الابتدائية 1814 وترك بيت أسرته والتحق بمدرسة في أنسباخ، وفى عيد ميلاده السادس عشر أظهر ميولا دينية واضحة وأكمل امتحاناته في الثانوية 1822 ومكث عاماً قبل أن يكمل دراسته في اللاهوت في بيت والده حيث ازدادت في بافاريا حدة رد الفعل الكاثوليكى المتطرف وقد أدى هذا بدوره إلى رد فعل جذرى في المجتمع البروتستانتي الصغير الذي ينتمى إليه فويرباخ، وهذا التعصب الدينى مسئول إلى حد كبير عن المصاعب العامة في ألمانيا وعن إرسال لدفيج إلى هيدلبرج.
[10]ـ أرفون، ص17، وراجع مارتن ساس، السابق الاشارة اليه.

[11]ـ انظر مقدمة دراستنا عن فلسفة فويرباخ في: فويرباخ في ماهية الدين، ونصوص أخرى، دار الثقافة العربية، القاهرة، 2007، ص 14.
[12]ـ هناك ترجمتين إنجليزتين لمبادئ فلسفة المستقبل، وأخرى فرنسية لألتوسير وترجمة عربية لإلياس مرقص، وسوف نعتمد الترجمات الإنجليزية؛ الأولى قام بها فوجل Vogel، والثانية مختارات فويرباخ التي ترجمها Zawar Hanfi عام 1972.
[13] ـ Cf. M. Chirno, Feuerbach and The Intellectual Basis of Ninetseth Century. Radicalism ph., dissertation Stanford Uni., 1955.
[14]ـ راجع ترجمتنا للعمل تحت عنوان أصل الدين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت 1991، والذي طبع بعد ذلك تحت عنوان ماهية الدين. عن دار الثقافة العربية بالقاهرة، 2007.
[15] ـ H. Vogel in his Introduction to Principles of the philosophy of the Future. Indiana Polis Bobls, Merril 1960, P. vii.
[16] ـ Kamenka: The philosophy of Feurbach, Routledge, Kegna Paul, London 1970, P. 15.
[17] ـ K. Barth: The Introduction to the Essence of Chrisianty p.x.
[18] ـ Vogel, p. viii. انظر دراستنا جوهر الدين عند فويرباخ، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، العدد 74-75، أبريل 1999.
[19] ـ Feurbach: lectures… p5.
[20] ـ M. Cherno., p. 12.
[21] ـ Berdyaeve: The Divin and The Human, p. 44.
[22] ـ The Essence of Faith. P. 11.
[23]ـ فرويد: مستقبل الوهم ص49.
[24] ـ A. H. Weser: Freud and Feurbach, Religions Critic In augural Dissertation, Leipzig 1939.
[25] ـ Lectures on.. p. 26.
[26] ـ B.M. Reardon., p. 83.
[27]ـ جون لويس: ص187.
[28] ـ Berdyaeve: The Divine and The Human, p. 32.برديائيف: العزلة والمجتمع ص30.
[29] ـ انجلز: فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، ص55.
[30] ـ The Necessity of the Reform of Phil., p.
[31] ـ Lectures on… p. 21.
[32] ـ Lectures on… p. 21.
[33] ـ Ibid., p. 31.
[34] ـ E. Brehier: The Nineteenth Century, Period of System trans., by Wade Baskin, The Uni, Of Chicago Press 1968. p. 209.
وانظر بارت: مقدمة ماهية المسيحية لفويرباخ. وبرديائيف العزلة والمجتمع وجون لويس مدخل إلى الفلسفة، وفوجل: مقدمة ترجمته لمبادئ فلسفة المستقبل.
[35] ـ ازفلد كولبه: المدخل إلى الفلسفة. أبو العلا عفيفي، القاهرة 1955، ص124.
[36] ـ انظر محمد عبد الله دراز: الدين، ص39، د. حسن شحاته سعفان: علم الاجتماع الديني، ص22.
[37] ـ Brehier, p. 209.
[38] ـ مارتن ساس: مشروع فويرباخ لتأسيس فلسفة جديدة، تر: محمد التركي، أوراق فلسفية، العدد 13، ص 48.
[39]ـ كارل لوفيت، الفرد في علاقته مع أخيه الإنسان، 1928، ط 1962، ص 4.
[40] ـ إريك فروم، التصميم الانساني ضمن: علم النفس الاجتماعي ونظرية المجتمع، 1970، ص 166.
[41] ـ مارتن ساس، ص 49.
[42] ـ المرجع السابق، ص 49.
[43] ـ هنري أرفون: فويرباخ واللاهوت، ترجمة أنور مغيث، أوراق فلسفية، العدد 13، ص 53 وما بعدها.
[44] ـ المرجع السابق، ص 56.
[45] ـ المرجع نفسه، ص 58.
[46] ـ الموضع نفسه.
[47] ـ فويرباخ؛ الأعمال الكاملة، T.X.2 P. 136.
[48] ـ فويرباخ؛ الأعمال الكاملة، T.I. P. 27، نقلا عن أرفون، ص 62.
[49] ـ أرفون، ص 62.