البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الإسلام والأديان الأخرى

الباحث :  محمد حسين الطباطبائي
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  3
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 2 / 2016
عدد زيارات البحث :  1181
تحميل  ( 649.451 KB )
بعث الله سبحانه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الشخصية السماوية الفذّة قبل ألف وأربعمائة سنة، كي يكون قائداً للبشرية ومرشداً للعالمين. بعثه الله بالقرآن كلام الله الأحد، الجامع لكليات التعاليم العلمية والعملية والمعجزة الباقية إلى الأبد، يكون برنامجاً لحياة مئات الملايين من المسلمين ودليلاً للبشرية جمعاء.
لقد أضحت البعثة ونزول القرآن (الإسلام) عاملين من أهم عوامل التحوّل والتكامل في حياة البشر، بل كانا العنصر الأهم الذي تركَ آثاراً عميقة على كافة أرجاء المجتمع البشري بما أفضيا إليه من تحولات طوال أربعة عشر قرناً على مستوى عقيدة وسلوك الملايين من بني الإنسان.
صحيح أن الإسلام أقلّ عمراً مما سواه، حيث مرَّ على عمر الوثنية البرهمية وهي تعيش في الوسط البشري، ما يقارب الثلاثين قرناً أو أكثر، وعلى البوذية ما يقارب الخمسة وعشرين قرناً أو أكثر، فيما ناهزت المسيحية العشرين قرناً من عمرها؛ وصحيح إنّ اتباع الاتجاهات والمذاهب أكبر عددً من المسلمين، بيدَ أنَّ الصحيح أيضاً أن مراجعة الكتاب المقدّس للبرهمية (كتاب ألفيدا) وسائرالمتون الأخرى لهذا الاتجاه تكشف بوضوح أنَّ كلّ أو معظم التعاليم الدينية لهذا المذهب هي تعاليم سلبية غير إيجابية، في نفس الوقت الذي تقتصر فيه على عدد قليل من اتباع هذا الإتجاه. أما الأكثرية فقد ظلت بعيدة عن المعطيات المعنوية للمذهب ومحرومة من الاستفادة من كتابه المقدّس، حتى أضحى المجتمع البرهمي مجتمعاً غير قابل خارج دائرته، يفتقر إلى خاصية الفعل والتأثُّر بالآخرين.
أما البوذية فهي لا تقل شيئاً في طابعها السلبي عن البرهمية، وكذلك المسيحية التي ظلَّت تفتقر ـ كما يتبيَّن من الأناجيل الأربعة وغيرها من النصوص الدينية الأصلية ـ إلى نظام تشريعي عملي وقوانين اجتماعية، فضلاً عما تضمره من سوء ظن للفلسفة العقلانية بشكلٍ عام.
إنّ قصة فداء السيد المسيح وغفران ذنوب جميع البشر، أو المسيحيين على الأقل لا تنسجم مطلقاً مع الروح الإيجابية التي تنطوي عليها التعاليم الدينية.
وبالنسبة للمذاهب والاتجاهات الدينية الأخرى، كالصابئة والمانوية. فهي إما أنها فقدت لياقتها وأهليتها بشكلٍ كُليّ أو إنها تحولت ـ كاليهودية ـ إلى أقلية خاصّة، وعجزت بالتالي عن استقطاب الأكثرية وجذبها.
وهكذا تبقى الساحة البشرية مفتوحة على الإسلام وحده، الدين الذي لاقى قبول واحترام الملايين من البشر لما تتسم به عقائده من طابع برهاني استدلالي ولما يحمله من قوانين وتشريع إيجابي يعمّ المجالين الفردي والاجتماعي.
كان للإسلام الدوام ولا يزال الملايين من الذين يحتذون في طل مناشط حياتهم تعاليمه الإيجابية ويطبقون أحكامه.
ومن الواضح أنَّ الأسلوب المنظَّم الإيجابي الذي ينطوي عليه سلوك إنسان واحد يمكن أن يكون مؤثراً على آلاف البشر الآخرين سواء بشكل مُباشر أو غير مباشر، فكيف إذا ارتبطت الحالة بمجتمع (إسلامي) وسيع! من هُنا نتفهم عدم غفلة الاتجاهات الأخرى المعادية وسعيها الدائب (كما تعترف بنفسها) في الكيد لإطفاء شعلة النور التي يأبى الله لها الانطفاء[2].
وبعد، فمن الواضح أنَّ مهمة إدراك ووعي شخصية ربانية كشخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحتاج إلى بصيرة ولغة ربانية، فضلاً عن وصف هذه الشخصية الفذة والإحاطة بآثارها، هما أمران يخرجان في سياق البحث عن نطاق المقالة والمقالتين، وإنما كل الذي نصبو لتحقيقه في هذا لبحث الوجيز هو أن نتلمس شيئاً من أبعاد هذه الشخصية عبر الإحاطة الكلية بمنهج دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الناس، الذي يُعد إتّباعه الدليل الحقيقي لسعادة الإنسان.
أصالة الفرد من زاوية الطبيعة البشرية
يتوقف إدراك هذه البحوث على مقدمة ندرجها في السؤال التالي:
هل للإنسان في حياته هدفٌ أعلى وأسمى من مجرد تأمين وجوده وإشباع حاجاته الغريزية بأقصى ما يستطيع؟.
حين يخطو الإنسان خطوته الأولى مع أفراد نوعه تنتهي الحصيلة إلى تشكيل مجتمع. ثمّ يتحرك للالتزام بمجموعة من القوانين والضوابط في سبيل الحفاظ على المجتمع. فيفقد بهذا الالتزام جزءاً من حريته الشخصية بيدَ أنَّ الإنسان يسعى من خلال هذا الحرمان إلى أن ينال قسطاً آخر من الحرية يُؤمِّن له وجوده ويُشبع حاجاته الغريزية.
ولذا فإنَّ الأصل في سعادة الإنسان بحسب نظام الخلق والتكوين يكمن في سعادة الفرد، في حين تكون سعادة المجتمع فرعاً لها وليس بالعكس.
بعبارة أُخرى: إنَّ المنظور في خلق الطبيعة الإنسانية هو الوجود الفردي وليس الهيئة الاجتماعية للأفراد، وإنما هدي الإنسان نحو العقد الاجتماعي من أجل الحفاظ على الفرد.
ولذا فإنَّ الإنسان ينقاد إلى الأسلوب المنظَّم في الحياة ـ والذي لا بدّ أن يتبلور بالصورة الاجتماعية ـ من أجل هذا الهدف الأساس الماثل في تحقيق السعادة الفردية. فهو يأكل ويشرب ويلبس ويتزوج ويتناسل ويفكّر ويتحرك من أجل تأمين بقائه.
أثر الرؤية الكونية في سلوك الإنسان
وبذلك تنبع الكيفية التي يختارها الإنسان في تكييف فعالياته المنظمة من حقيقة رؤيته الكونية ومن نظرته لموقعه في هذه الرؤية. من هنا نجد أن تلك الفئة التي تصدر من تصورٍ يفضي إلى إنكار الخالق وينسب وجود العالم للصدفة، وتنطلق من تصوّر يحصر الإنسان بهيكله المادي وحسب ـ حيث تؤرخ لوجود الإنسان وفنائه ما بين الولادة والموت ـ تُقيم حياتها وتنظمها بحيث تُلبّي الاحتياجات المادية لحياةٍ دنيوية عابرة، ولا تقيم حساباً سوى للسعادة في إطارها المادي.
هذا الأمر ينطبق على جميع القائلين بأصالة المادة وأصالة الحياة المادية كما هو مشهود.
أما الفئة التي تَكِل الكون إلى خالق حكيم مدبّر يأخذ بيده تدبير العالم والبشر بحكمته، فإنها لا تنظر إلى الإنسان في حدّه المادي وحده، وإنما تقيم تنظيمها للحياة بما يكفل رضا الخالق (جلّ وعلا) وينجي من غضبه وعذابه، وبما يحقق لها السعادة في الحياة ويجعلها بمأمنٍ من نقماته وغضبه (سبحانه).
إنّ الإنسان الذي يعتقد بدين التوحد وأن للخلق والمخلوقين رباً واحداً عالماً قادراً، وأنَّ للإنسان حياة خالدة بحيث لا ينتهي وجوده بالموت، سيقوم حتماً بتنظيم حياته بكيفية تفضي إلى سعادته في الدارين (قبل الموت وبعده).
وبهذا يتضح أنَّ الدين هو نهج الحياة، وأنَّ ليس هناك فصلٌ بين منهج الدين ومنهج الحياة. وبه يتبيَّن خطأ أولئك الذين يقدمون أصالة الحياة ويعطون للدين جنبة هامشية (تشريفاتية) ولأحكامه موقعاً ضئيلاً في الحياة.
على هذا الأساس عدَّ الإسلام منهج الحياة المتمثل في الطريق الذي وضعه الله للبشر ديناً، وأعتبر المذهب الحق طريقاً مستقيماً والمذهب الباطل طريقاً منحرفاً.(وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ‎﴿٤٤﴾‏ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ).الأعراف: ٤٤ ـ ٤٥.
الرؤية الكونية الإسلامية
إنَّ الرؤية التي قامت عليها دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تنتهي إلى أنَّ عالم الوجود مخلوق الله الواحد الأحد الذي هدى كل جزء من أجزاء الوجود لما فيه كماله ويحقق له سعادته؛ وهدى الإنسان أيضاً الذي خُلق لحياةٍ أبدية نحو سعادته الخاصة الماثلة في طي الطريق الذي أبانه سبحانه له.
لذا كان الإنسان الطبيعي (هو الإنسان الذي ينطوي على طبيعة إنسانية ومجهز بالشعور والإرادة الموهوبة من قبل الله. من دون أن يتلوث بعد الأفكار الخرافية أو يبتلى بالتقليد) هو متعلق دعوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن مثل هذا الإنسان المجبول على الفطرة الإلهية له أهلية إدراك التصوّر الذي أشرنا إليه آنفاً. فهو يدرك بنفسه وينتبه بأدنى مثير إلى هذا العالم العظيم الواسع بما ينطوي عليه من نظام متقن وتدبير، مخلوق لموجود مطلق غير متناهٍ، هو (سبحانه) مبدأ كل كمال وجمال، منزَّه عن كل سوء.
ومثل هذا الإنسان يدرك أنّ خلق الكون والإنسان لم يأت عبثاً دون غاية؛ وأنَّ الإنسان لا يمكن أن يترك سدى، بدون أن يكون هناك يومٌ تتميّز فيه عواقب الأمور ويُسأل عمّا كسَبت يداه خيراً كان أم شراً.
وفي المرحلة الأخيرة يدرك مثل هذا الإنسان إنّه لا بد وأن يكون هناك منهجٌ خاصٌ للحياة يُؤمن التصور الآنف.
إنَّ انتخاب الإنسان الطبيعي للتعليم والتربية تترتب عليه عدة نتائج أساسية تنتهي إلى الأصول التالية:
أصل المساواة
لا بدّ وأن يكون المنهج المنشود عاماً للجميع لا يفرّق بين الأسود والأبيض وبين المرأة والرجل، يتسوي فيه الشريف والوضيع، والغني والفقير، والقوي والضعيف والسلطان والرعية، والشرقي والغربي، والقطبي والإستوائي، والعالم والجاهل، والشاب والكهل، من دون فرق بين الموجودين الآن والآتين في المستقبل ومن عاش في الماضي، لأنَّ الجميع شركاء في الطبيعة الإنسانية، ومجهَّزين بأدواتها على حدٍ سواء.
هذه الأصالة في المساواة تختص بالمنهج الإسلامي وحده، لأن الاتجاهات والمناهج الأخرى ينطوي كل واحد منها على تبعيض ما. فالمنهج الوثني ـ مثلاً ـ يفرق على نحوٍ كُلّي بين الروحانيين (علماء المذهب) وغيرهم. وبين المرأة والرجل، فيما تضع اليهودية فروقاً بين بني إسرائيل وغيرهم. أما المسيحية فتفرّق بدورها بين الرجل والمرأة.
وحين نصل إلى المناهج الاجتماعية نجدها هي الأخرى تضع حدوداً فارقة بين أهل الوطن وغيرهم.
وبذلك تبقى الرؤية الإسلامية وحدها التي تضع النوع الإنساني في إطار نسيج موحَّد وتستأصل ـ من الجذور ـ أسس العنصرية والتفرقة.(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [3]. (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) [4].
الواقعية
نظر لكون الإنسان يتحلى غريزياً بالنظرة الواقعية، لذا فإنَّ تعاليم وضوابط المنهج المنشود لتنظيم حياته ينبغي أن تبتني على أساس الواقعية.
لبيان ذلك، نجد أنَّ الإنسان في نفس الوقت الذي يمارس نشاطه الطبيعي مستعيناً بالعواطف والمشاعر والأحاسيس فهو يندفع أيضاً نحو مقاصده الحياتية، وهي ـ طبعاً ـ مقاصد واقعية وليست مجرد أفكار وتصورّات فالطفل الرضيع الذي يلتصق بثدي أمّه أو أنّه يبكي من الجوع، إنما يحتاج واقعاً إلى الحليب وليس لصورة الحليب، وهو يبكي فعلاً من الجوع وليس من تصوّر الجوع أو فكرته.
والإنسان يهتمّ فعلاً بما يهدّد وجوده.
وحين ننتقل إلى عالم الحيوان نجد أنّ كل صنف منها مزوّد بجهازٍ هضميٍّ خاصّ يناسب نوع الطعام الذي يتناوله فالذئاب والسنانير والصقور مزودة مثلاً بجهاز هضمي يتناسب مع اللحوم التي تفترسها وتكون طعاماً لها.
نفس الكلام ينطبق على الجهاز الدفاع. فلكل حيوان آلاته الدفاعية الخاصة به، فالدجاج يدافع عن نفسه بالمنقار، والأبقار والخراف بقرونها، والعقارب والزنابير بلسعاتها، والأسود والنمور بأسنانها ومخالبها، والغزلان بالهرب والمقدرة على العدو السريع.
خلاصة الأمر، إنَّ كل واحد من هذه الموجودات يسعى في حياته نحو هدفٍ خاص، ويقوم بأعمال تبعاً لما قُدِّر له، ولما تهديه أليه ما زُوِّد به من أجهزةٍ تكوينية. وهذه الهداية والتقدير هما عين الهداية والتقدير العامين الذين أشار إليهما القرآن الكريم ونسبهما إلى الله سبحانه كما في قوله تعالى(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) [5].
وقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ‎﴿٢﴾‏ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) [6].
والإنسان كموجود لا يستثنى من بين المخلوقات الأخرى عن هذه القاعدة الكلية، وإنما تهديه خصوصيته الوجودية إلى النهج الذي عليه أن يسلكه في الحياة، وتبيّن ما يقع عليه من تكاليف وواجبات.
يقول تعالى:(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ‎﴿١٨﴾‏ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ‎﴿١٩﴾‏ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) [7].
ولذا فإنَّ النتيجة التي ننتهي إليها من حصيلة هذا البحث والذي سبقه، واحدة وهي: أنَّ ما يجب أن يختاره الإنسان من أعمال وأفعال حقة (أي مطابقة للمصلحة الواقعية) بموجب غريزة الواقعية، هي نفسها الأعمال والأفعال التي يهدي إليها وجوده التكويني وما ينطوي عليه من نظامٍ خاص جُهّز به.
لذلك رأينا القرآن الكريم ينسب النهج الذي يدعو إليه ويطلق عليه دين الحق، ودين الفطرة أيضاً، إلى الخلق (نظام الوجود) فيقول: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [8]. وقوله تعالى:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ‎﴿٧﴾‏ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ‎﴿٨﴾‏ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ‎﴿٩﴾‏ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [9].
ولجهة أنَّ الخلق نفسه هو فعل الله (سبحانه) وأنَّ كل ما نشهده من آثار الجمال هو من فيض رحمته، فإنَّ ما تقضي به الخصوصية الوجودية للإنسان نسبة لأعمال، تسمى إرادة الله (هذه الإرادة طبعاً هي الإرادة التشريعية التي تُعدّ ثمرة للتوجيه الذي يدع الإنسان مسؤولاً، وهي غير الإرادة التكوينية التي تتخلف مطلقاً). وما يصلنا ممن تكاليف وأوامر، هي تعبير عن أوامر الله ونواهيه، يقول تعالي: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [10].
ولما كانت تكاليف هذا الدين وأحكامه صادرة من قبل الله سبحانه وأن من يتبع نظامه العقيدي والعملي يكون قد سلّم لإرادة الله، لذا فقد سمى القرآن الكريم هذا الدين بالإسلام. يقول تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [11]. يقول تعالى:( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [12].
التوازن بين المادة والمعنى
الثمرة الثالثة التي تترتب على كون مُتعلق الدعوة هو الإنسان الطبيعي، والتي تعود إلى الإسلام، هي اعتماد النهج المتوازن الوسط بين المادية والمعنوية. وهذا الاعتدال هو من أهم خصائص هذا الدين السماوي خلافاً لما عليه اليهودية التي لا ينطوي كتابها المقدّس «التوراة» على أية ميول معنوية، وخلافاً أيضاً للمسيحية التي تنسب إلى السيّد المسيح إهمال الحياة المادية والعزوف عن الدنيا[13].
ولا يختلف الحال كثيراً حين نصل إلى الاتجاهات المذهبية الأخرى كالبرهمية والبوذية، بل وحتى المجوسية والمانوية الصابئة، فهذه الأخيرة رغم عنايتها بدرجة وأخرى بالجانب المعنوي، إلا أنها تفصل ـ بشكل كامل ـ النهج المعنوي عن نهج الحياة المادية.
وبذلك يبقى الإسلام الدين الذي يحافظ على سمة الاعتدال ويقوم على أساس الفطرة الإنسانية.
ولتوضيح ما نريد أن نصل إليه، نجد أنَّ هناك فئة من الناس نستطيع أن نقول أنَّها تشكل أغلبية أبناء النوع البشري، لا همَّ لها في الحياة سوى التقدم على طريق تحقق الأهداف المادية المحضة، ولا يشغلها سوى السعي الحثيث من أجل الجاه والمقام والمال وإشباع لذائذها المادية.
هؤلاء يصرفون جهدهم في تأمين المعاش، من دون أن نلمس في حياتهم أبسط توجّه خارج إطار الحياة الدنيوية العابرة وبعيداً عن العالم المادي. وفي مقابل أولئك نجد فئة ثانية من الناس، بلا شك ثلة قليلة جداً، أدركت بأملها في حقيقة هذا العالم، أنَّ الحياة لا تدوم وأنَّ كل لذة مقرونة بمئات الآلام والغصص، وكل سرور مقرون بمئات الأحزان، وكل ثروة وكسب يجرّان إلى مئات الهموم والغموم، وبالتالي فإنَّ كل وصال مُنتهٍ إلى فراق، وكل صحة إلى مرض، وكل حياة إلى موت. ثم أيقنوا أن وراء سجن الحياة هذا وسرابها الخادع الزائل، ثمة عالم أبدي لا تعب فيه ولا نصب، بل سرور دائم هو من نصيب المحسنين والأحرار.
إثر ذلك عزف هؤلاء عن الدنيا وما تزخر به من مباهج وأحزان، وركنوا في جانبٍ من الحياة بعد أن فتحوا لأنفسهم نافذة تطل بهم على عالم الأبدية بما يزخر به من جمال وكمال غير مُتناهيين، فملأوا بذلك آفاقهم، وكانت لهم فيه السلوة والعزاء.
إنَّ هاتين الطائفتين موجودتان في عصرنا الراهن، ويشهد التأريخ على وجودهما في كل العصور السابقة. وفي ذلك الدليل القاطع الذي يثبت أنَّ الإنسان مجبول بفطرته على تصديق صحة المسارين وحاجته إليهما، بل وأنَّه مُلزم بطي الطريقين ـ نهج الحياة المعنوية والمادية ـ إذ لا خيار له سوى ذلك.
فإذا قُدّر للإنسان أن يُغلق عليه أفق الحياة الاجتماعية وينكفئ على ذاته، فعليه ـ بلا شك ـ أن يودع الحياة ويتخلّى عن جانبها المادّي. وبذلك ينسدّ مسار الحياة المعنوية نفسها. أما إذا ترك الجانب المعنوي في الحياة، فإنَّ مقتضى ذلك أن يتخلى عن عقله وإدراكه اللذين يتميّز بهما عن سائر الحيوانات، ويتغاضى عما تمليه عليه واقعيته، فيكون بذلك رديفاً للحيوان!
ولذلك لا يستطيع الإنسان الفطري الواقعي أن يعيش الحياة ببعدٍ واحد؛ فيكتفي بالبعد المادي أو المعنوي لوحده.
فمن جهة لا يمكن له أن يعيش في العالم المادي بدون حياة مادية، ومن جهة ثانية لا معنى لما جُبلَ عليه فطرياً من استعداد لمعرفة الله وإدراك للعبودية من دون الحياة المعنوية.
أما ما لاحظناه سابقاً من ميل الديانتين اليهودية والمسيحية إلى أحد الجانبين دون الآخر، فإن حقيقة الأمر تعود إلى مقتضيات الزمن (المرحلية) التي كانت تملي تقوية أحد البعدين على حساب الآخر.
ففي عهد موسى الكليم j كان بنو إسرائيل يعيشون في مصر تحت وطأة الأسر والاستعباد الفرعوني. فحرموا من كل المزايا الإنسانية وعوملوا معاملة الحيوانات. وحين أنجاهم الكليم j بذَل المهم من جهوده في تنظيم حياتهم الداخلية وإرساء القوانين الاجتماعية وإعمار الأرض وغير ذلك، وفي سياق هذا المسار خصَّص هامشاً لتوجيههم نحو الحياة المعنوية.
أما حين بُعث السيد المسيح j فإنَّ بني إسرائيل وإن كانوا تحت سيطرة الروم، إلا إنهم كانوا ينعمون بأنظمة اجتماعية متَّسقة. بيدَ أنَّ الروحانيين (العلماء والأحبار) والمتنفِّذين كانوا قد جعلوا التوراة في ذمَّة النسيان، واتخذوا الجانب المعنوي وسيلة للمكاسب المادية واستغلال الناس.
لذلك انصرفت همة السيّد المسيح لإحياء الجانب المعنوي وهدايتهم إليه. أما الإسلام فقد جاءت نُظمه ـ كما أشرنا ـ لتختطَّ مساراً بين الحياتين المادّية والمعنوية. وفي هذا الاختيار عَمَدَ الإسلام ـ في الحقيقة إلى تحقيق المصالحة بين نمطين حياتيين متضادّين بشكلٍ كامل، فمزَجَ فيما بينهما بحيث لم يعد ثمة خيار أمام الإنسان لبلوغ كماله سوى ذلك، إذ أضحى من البيِّن أنَّ كل موجود من الموجودات يطوي طريقه نحو كماله الذي يُعدّ هدفاً لوجوده، عن طريق فعالياته الفطرية، ونوع هذه الفعاليات يرتبط بدوره بما زُوّد به من قدرات وأدوات.
والإنسان كأحد الموجودات لا يمكن أن يخرج عن إطار هذه القاعدة الكلية والناموس العام. فللإنسان نفسٌ (= روح) خُلقت للحياة الأبدية بحيث لا يمكن التفريط أو الفرار من هذا المصير أبداً، وإنما بمقدور الإنسان أن يصل بفعاله الحسنة إلى كماله يُعدّ بدوره أبلغ من كلّ سعادة.
بيدَ أنَّ هذه النفس السماوية ليست عائمة وإنما هي مرتبطة ببدنٍ أرضي، تثوي فيه أدوات فعلها، بحيث تضفي القوى والقدرات التي تستثمر الأدوات وتُحرّك أنظمة العمل نوعاً من الارتباط بهذا البدن.
علاوة على ذلك، فإنَّ خِلقة الإنسان تهديه إلى الاجتماع والحياة المدنية. ومن المؤكد أنَّ هذه الهداية تبلغ به أهداف الحياة وكماله النوعي، وهذا الكمال بدوره ينطبق في الواقع مع السعادة والكمال اللذين عيّنهما له نظام الخلق (الوجود) خلافاً لما يتصوره ـ سعادةً وكمالاً ـ أو ما تهديه إليه أفكاره السقيمة المنحرفة.
فكمال شجرة الورد يكمن فعلاً في نموها وتفتّها الطبيعي يرتد إلى (ما تهدي أليه) طبيعتها النباتية، ولا يتمثل (الكمال) بأن توضع في إناء فخاري مذهَّب في زاويةٍ من زوايا قصرٍ فخم.
لذلك كيف مكن للإنسان أن يبلغ كماله ويحقق سعادته الواقعية كاملة من دون استثمار الوسائل المادية التي وضعها الخلق (الوجود) بين يديه، ومن دون أن ينغمر في محيط الحياة الاجتماعية؟
لقد جعل الإسلام من محيط الحياة المادية للإنسان ـ التي هي في حقيقتها حياة اجتماعية ـ أرضية لتعليمه وتربيته. ثم شرّع له ـ بما ينسجم مع ما تهدي إليه فطرته الإنسانية وخصوصيته الوجودية ـ مجموعة واسعة من الضوابط والأحكام التي تنناسب مع أعماله الفردية والاجتماعية، والكلية (= العامة) والتفصيلية، كي تكون برنامجاً شاملاً لتربيته وكماله.
فمن هذه الضوابط والأنظمة هناك ما يختص بتنظيم صلة العبودية بين الإنسان وربّه، فهو الفقير المحتاج أمام الغني المطلق؛ الجاهل أمام العالم؛ العاجز أمام القادر؛ المسلِّم لإرادة الله ومشيئته.
ثم شرَّع له اجتماعات عبادية، منها اجتماع الصوات اليومية، وصلاة العيدين، وثمة اجتماع أكبر ماثلاً في صلاة الجمعة، وثمة ما هو أكبر منه ماثلاً في تجمّع الحج. وثمة من الأنظمة والأحكام ما يحدّد مسؤوليات الناس إزاء المجتمع وإزاء بعضهم البعض. وقد أخذت هذه الأنظمة بنظر الاعتبار تنمية حسّ المسؤولية لدى الإنسان أمام خالقه الذي عليه أن يسلّم لإرادته (وذلك مقتضى ما عليه خلقه).
بمعنى أنَّ جميع أعمال الإنسان وفعالياته ينبغي أن تتحرك في إطار الأصول الثلاثة: التوحيد، النبوة، والمعاد. يقول تعالى: P ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉO [14].
يتضح مما مرّ أن الإسلام نظَّم الحياة بشكل يجعل الحياة الاجتماعية المادية للإنسان محضناً تنمو من خلاله الحياة المعنوية وتَيْنَع وتزدهر.
فالنور المعنوي الذي يتحلى به الفرد المسلم من خلال تنفيذه لتعاليم الإسلام على الصعيدين الفردي والاجتماعي، يجعله نقياً طاهراً، فهو يمارس الحياة مع الناس دون انقطاع عن الله، وهو في الناس ولكن من دون أن ينفصل عن عالم السّر الخاص، وهو يسعى لتحقيق مقاصده المادية ويواجه الحياة بحلوها ومرّها، بمسرّاتها وغصصها، لأنه جزء من هذا اعالم تجري عليه حوادثه، بيَد أنَّه يفعل ذلك بقلبٍ يقظ وعالم هادئ، وهو أينما يلتفت لا يرى سوى الله. يقول تعالى: P ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ O [15].
وهكذا يجد المسلم أنَّ ممارسته للحياة المادية تستبطن إزدهار الحياة المعنوية وتفتّحها، فهو أينما كان ولأيِّ عمل اتجه يجد السُبل سالكةً به، إلى ربّه وكل ممارسة مادية يجد فيها مرآة تدلّله على خالقه. أما الآخرون فهم حين يميلون إلى جانب الحياة المعنوية ويفكرون بها، نراهم يفترضون الحياة العادية التي فُطروا عليها حجاباً بينهم وبين الحقيقة التي يبحثون عنها. لذلك يتخلون عن الحياة العادية، كما هو شأن رهبان النصارى وبراهمة الهنود واتباع رياضة «اليوغا» الذين يسلكون طريقاً غير معتاد لطي المسافة نحو الحياة المعنوية والتكامل الروحي.
وأياً كان نوع هذا الطريق، فإنَّ سلوكه يعدّ أمراً صعباً للإنسان العادي الذي يعيش حياته المادية، حيث يحتاج إلى إرادة صُلبة وقوية جداً.
أما الإنسان الذي يسعى للحياة المعنوية عبر منهج الإسلام الماثل في قطع المسار من خلال الحياة الاجتماعية العادية نفسها، فهو بلا ريب يُدرك أن أسلوب أولئك أسهل من الأسلوب الإسلامي، وأنهم باعتزالهم الحياة العادية، أراحوا في الواقع أنفسهم تجشّم المراقبة والصبر على دوام المجاهدة.
وفي الحقيقة سدَّ هؤلاء على أنفسهم طريق الكمال الذي هيّأه لهم الخلق (نظام الوجود) بما يلزمه من أدوات، وانقادوا لطريق آخر أوصلهم إليه فكرهم (=تصورهم).
وهنا يحق لنا أن نسأل: هل يمكن الوصول في مثل هذه الحالة إلى الهدف الذي عيّنه نظام الخلق والوجود؟ علاوة على ذلك، أنّه إذا كان العالم وما فيه، هو من خلق الله (سبحانه) وأن كل ما هو حادث فيه يُعَبّر باختلاف درجته الوجودية عن آية من آيات الحق وتجلٍّ من تجليات الربوبية، وإذا كان الإنسان بأحواله الفطرية المختلفة لا يشذّ عن ذلك: فيجب حينها أن تنصب معرفة الله في كافة الأحوال في مسار الحياة المعنوية (= معرفة الله ومعرفة النفس) وأن يُستفاد من جميع هذه التجليات لتحصيل المعرفة التامة للنظر إلى جمال الحق (تعالى) وإلّا فإنَّ الإنسان سوف لن يكسب من اتكاء على جهده الذاتي سوى معرفة ناقصة أو أنه يقع ضحية الجهل المطبق.
العلم والمعرفة من وجهة نظر الإسلام
إنَّ من له أدنى اطلاع بالأديان والمذاهب المبثوثة في العالم، ومن له معرفة اجمالية في الموضوع سوف لن يتردد لحظة في أن ما أولاه الإسلام من تجليل واحترام للعلم والمعرفة وما أبداه من حضٍّ وترغيب في تحصيلهما، لا يمكن أن نتلمس له نظيراً في الأديان والمذاهب الأخرى السماوية كانت أم غير سماوية.
فهذا القرآن الكريم ينادي: P ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ O [16]. وهو نفسه يمدّد مقام العلم أفضل تمجيد. وحين ونصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نراه يقول «طلب العلم فريضة على كل مسلم» و«اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» و«اطلبوا العلم ولو بالصين».
القرآن الكريم يأمر أتباعه بدوره أن لا يتنكّبوا عن طريق العلم نحو اتباع الظن والشك وأن لا يقبلوا دون تأمل ما يلوح لهم للوهلة الأولى من طريق السمع أو البصر أو الفؤاد لأنهم مسؤولون.
يقول تعالى: P ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ O [17].
وبهذا يتضح أنّ الإسلام حثَّ أباعه على العلم والمعرفة بكل قوة ورغَّبهم في ذلك على النحو الذي ألزَم بالتفقّه في الدين على مستوى المعارف العقيدية والأحكام الشرعية التي تعدّ بمثابة القوانين العلمية.
يقول تعالى: P ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ O [18].
بيدَ أنَّ ما بينَ أيدينا فعلاً هو اختلاف أفراد البشر في درك الحقائق العلمية والمعارف الحقيقة، فمن البشر فئة لا تملك الاستعداد للتفكير الاستدلالي، وإنما تمارس عملها بذهنية بسيطة تمضي بها شوط الحياة المادية.
بينما هُناك فئة ثانية تحمل مزية التفكير الاستدلالي فيكون لها تبعاً لذلك نشاط خاص في درك المعطيات الفكرية العميقة والنظريات العلمية. وثمة مع الفئتين ثالثة تجد في نفسها ـ بغض النظر عن الفكر والعمل ـ انصرافاً نفسياً خاصاً عن عالم المادية المظلم وما يحفل به من لذائذ عابرة وجمال خادع، وانجذاباً مماثلاً إلى عالم ما وراء المادة، يبعث في نفسها شغفاً خاصاً بالجمال الثابت غير المتناهي الذي لا يعدو جمال هذا العالم أن يكون بالنسبة إليه سوى مثالاً (=نموذجاً) لذلك الجمال أو في الحقيقة تصوراً عنه.
أفراد هذه الفئة يستطيعون أن يدركوا ـ بسهولة وبالإشراق الباطني ـ حقائق وأسرار ذلك العالم.
بالاستناد إلى هذا الاختلاف الواضح الذي نشهده بين الناس اعتمد الإسلام ثلاث طرق مختلفة للتعليم، فتحدّث إلى كل فئة بلسانها. فكان نصيب الفئة الأولى التربية من خلال الظواهر الدينية، والثانية عن طريق الاستدلال الحر، فيما نصيب الثالثة هو التعليم عن طريق جهاد النفس وتصفية الباطن، كما يُشير المثال القرآني الذي تحويه الآية التالية ـ في خصوص تلقي بياناته ـ حيث يقول تعالى: P ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ O [19].
أما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: «نحنُ معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم».
لقد اختار الإسلام أسلوب البيان السهل لتلك الفئة من اتباعه التي تفتقد الذوق الاستدلالي، وتواجه في هذا الطريق خطر الضلال والانحراف، فلم يكلّفها بأكثر مما وراء الأصول الثلاثة (التوحيد، النبوة، المعاد) إذ درجَ على تعليم هؤلاء بالبيانات المولوية البسيطة (الأمر والنهي) كما نتلمس ذلك من آيات كثيرة من القرآن الكريم وما تزخر به الكثير من الروايات التي تنطوي على بيانات صادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة الدين وأوصيائه.
بيدَ أنّ الملاك في الأصول الثلاثة التي يستطيع الإنسان بفطرته أن يستدل عليها بأيسر وجه، هو العلم القطعي الذي لا يقبل سواه. وبهذا الأسلوب تستدل هذه الفئة على قبولها ببقية الأحكام والتعاليم دون استدلالٍ محدّد عليها. إذ بناءً على الاستدلال الأول الذي ثبتت بمقتضاه النبوة يصبح ما يصل عن هذا الطريق مستَلّاً وقطعياً.
طريق الاستدلال
إنَّ أسلوب التربية (والتعليم) بالاستدلال الحر يختصّ بالأفراد الذين يحملون فكراً سليماً ولهم استعداد في إدراك النظريات العلمية والاستدلال العقلي والمنطقي. وهؤلاء يُهدون إلى ما تدركه فطرتهم الواقعية غير الملوثة من تلقائها، لا أن يُحمَّلوا أوّلاً بالأفكار الاعتقادية التي يُلقَّونها، ثم يأتي الدور ـ ثانياً ـ للدفاع عنها (العقائد المُلقَّنة) باصطناع الأدلة والحجج لها.
إنَّ الكتاب والسنة، أي الآيات القرآنية والبيانات الصادرة عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة الهدىD ـ التي تعدّ مبيّنة لمقاصد القرآن ـ مليئة بأمثال هذه الاستدلالات.
فالعقائد الإسلامية بُيِّنت تفصيلاً بأبسط بيان وبأكثر الحجج قطعية، ثم أشير أيضاً إلى ما تنطوي عليه الأحكام والقوانين الإسلامية من مصالح كلية ومنافع عامة.
بيدَ أن البحث في مصالح ومقاصد قوانين الشريعة لا يعني أنَّ الإنسان والمجتمع المسلم يملكان حرية عدم قبولها إلا في حالة يُفهم بها مصالح الحكم ومنافع القانون، لأنه سبق وأن أشرنا إلى أنَّ كل الأحكام جاءت عن طريق النبوة، ودليل ثبوت النبوة هو بنفسه دليل اجمالي على ثبوت هذه الأحكام، وإن لم يكن بين أيدينا دليل تفصيلي عليها.
ثم أنَّه بمقتضى الأصول الجارية لا يمكن إيقاف سريان أي قانون في المجتمعات البشرية المتقدمة أو غير المتقدمة، على قناعة الفرد وقبوله، أو أن نعلق التنفيذ استناداً إلى فرضية حرية الفرد في قبول أو ردّ القانون. غاية ما هناك أنَّ الانتقاد الفكري مسموح به بموجب القانون نفسه، وإلا فخلاف ذلك يلزم انحلال المجتمع وتفككه.
إنَّ ما يملكه الإنسان في أمثال هذه الحالات هو الحرية في إبداء الرأي فقط _الرأي المخالف للقانون) لا أن يخالف عملياً القانون الساري إلا في حالة أن يعلن مجلس التقنين (=التشريع) عن نسخ المادة القانوينة المختلف عليها.
في السياق نفسه، علينا أن لا نتصور أنَّ مسألة التقليد[20] مُنافية لقاعدة وجوب العمل من خلال العلم، ولا ناقضة للآية المارة آنفاً في في قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم).
والسر أن حقيقة التقليد ـ الذي يعنيه ـ يَتمثُل في رجوع الجاهل الذي يعجز عن تشخيص التلكيف إلى من يعلم به. وأصل رجوع الإنسان إلى أهل الخبرة فيما لا يستطيع تشخيصه يُعدّ من الأصول العقلائية المسلّمة، وهو غير التقليد المذموم الذي يستسلم فيه الإنسان تماماً إلى من لم تُحرز صلاحيته العلمية.
إنَّ الإنسان وبدافع غريزة الواقعية لا يسلك طريقاً لا يعرفه، وإذا اضطّر لسلوكه يستفيد بسؤال من يعرف الطريق، وحينئذٍ سيكون ما يحصل عليه من علم ومعرفة بمثابة علمٍ ومعرفة خاصَّين به.
فالمريض حين لا يكون طبيباً يرجع إلى الطبيب، والإنسان يجعل المتخصص وذا الخبرة مناراً وقائداً له في جميع ما يفتقد إليه، بحيث لا نستطيع أن نجد في العالم كلّه شخصاً تتوفّر لديه الخبرة والتخصص في جميع الشؤون.
طريق التهذيب والتصفية
إنّ من يملك استعداداً لقطع قلبه عن التعلّق بالأمور المادية والانجذاب إلى ما يمتلئ به هذا العالم ـ المؤقت ـ من أمنيات وهمية وزينة خادعة؛ ومن يجد في نفسه الاستعداد لرسم خط النسيان حول كل ما عداه، بحيث يغمض عينيه عن هذه الدنيا الزائلة بما ينطوي عليه من قبح وجمال ولذة ومرارة، وتقلّب في الأحوال، وينفتح ببصيرته على عالم الأبدية، فإنّه سيفلح في إدراك أنوار العظمة وكبرياء الحق، مُخترقاً حجاب المادة، وسيطوي مسيره إلى مدارج الكمال الإنساني حتى يصل بعد توديعه لهذه الحياة الفانية إلى بساط القُرب (الإلهي).
أمثال هؤلاء يتحدّث إليهم الإسلام باللسان الذي يعرفونه، وبأسرار ورموز يفهمونها فيرتفع بهم من حضيض الجهالة، ويهديهم إلى أوج المعرفة.
العرفان الإسلامي
يذهب بعض العلماء الأجانب (المستشرقين واضرابهم) إلى أنّ العرفان الإسلامي مستقى من العرفان الهندي؛ وإلّا فإنَّ ثقافة الإسلام نفسه لا تعدو أن تكون مجموعة من العقائد البسيطة الجامدة وسلسلة من العبارات الجافة[21]!
أما بالنسبة إلى جوابنا على هذه الشبهة ينبغي أن نوضّح أولاً أننا لا نريد الدفاع (مطلقاً عن العرفاء الإسلاميين ولا أن نصحح الطرق المختلفة التي انتهجت في مسار السير والسلوك، ولا أيضاً أن نضفي الاستقلال على طريقتهم في مقابل الهنود. وكذلك الحال بالنسبة لبحثنا الذي مرَّ عن أسلوب الاستدلال، إذ لم يكن قصدنا أن نسبغ الصحة المطلقة على محتويات جميع الكتب الفلسفية التي خطّها يراع الفلاسفة المسلمين. نفس الكلام يقال عن أسلوب (التربية والتعليم) من خلال الظواهر الدينية التي عرضنا لها فيما سلف، إذ لم يكن المقصود الحكم بالصحة على أسلوب عامة المسلمين كيفما كان ومن أي مكانٍ صدر، وإنما هدفنا في هذا المقال هو فقط المرور إجمالاً على مدراك الإسلام الأصلية الماثلة بالكتاب والسنة دون أن نتعرّض لا بالنفي ولا بالإثبات لأعمال أو أقوال كل فئة من الفئات (الثلاث) المذكورة آنفاً.
لقد أشاد هؤلاء العلماء دعوتهم على أصل التطور الذي أشيدت عليه الأفكار العلمية ووُجّه على أساسه مسار التحوّل والتكامل في الحادثات الطبيعية (الوجود الطبيعي) وبدوره عاد هذا الأصل ليُعمّم على كافة الحوادث بما في ذلك العادات والرسوم والمظاهر الغريزية والآثار الفطرية، بما فيها الجانب المعنوي، بحيث أضحى التقليد أنَّ أصل ـ كل حادثة يكمن في التفتيش عن جذورها في الأحداث السابقة. وفق هذا المنهج بالذات زعموا أنَّ القوانين الإسلامية أخذت من قوانين الروم، والعقائد الإسلامية اقتبست من الأفكار الفلسفية لفلاسفة اليونان؛ بل ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك حين قالوا إنَّ العقائد الدينية هي الصبغة المتكاملة التي وُلدت نتيجة تحوّل وتكامل الأفكار من عهد الأساطير!
إنَّ ما يلاحظ على وجهة نظر هؤلاء العلماء إنها سلكت طريقاً خاطئاً من جهتين: فمن ناحية تصوّروا إنَّ ما نسميه بالإدراك العرفاني هو من نوع الإدراك الفكري العادي؛ وبالتالي فإنَّ ما يستخلصه ويصل إليه أهل العرفان من معلومات عن طريق التهذيب وتنقية الباطن هو من نوع الأفكار الشاعرية، تماماً كما يحصل للشاعر حين ينسج الأفكار بالاستعانة بعاطفته الملية ولسانه الجميل الذرب، فتكون الحصيلة أفضل مما يقوم به عالِم (بكسر اللام) رباني. نظير هذا الخطأ جرى على طبيعة إدراك هؤلاء للوحي الذي هو تعبير عما يدركه الأنبياء من السماء ووسيلة لتلقّي المعارف الإلهية والقوانين السماوية. فادراك هؤلاء أفضى بهم إلى أن ينظروا إلى أفكار اليونان وقوانين الروم بوصفها الجذر الأصلي لعقائد الإسلام وقوانينه.
هذا المعنى يتمثل على نحوٍ جلي بما كتبه العلماء في بحوثهم عن النبوة وطراز تفكير الأنبياء، فيما نجد أنَّ ما بين أيدينا من بيانات الأنبياء ـ أعم من أن تكون كاذبة أو صادقة ـ تُخطِّئ هذا الرأي وتكذبه.
أما الجهة الثانية في الخطأ فتمثل في أننا إذا قبلنا أصل التطوّر واعتبرناه من الثوابت والمسلمات، فإنَّ أصل ظهور الغريزة في النوع أن لا يكون له صلة بالأصل المذكور. ذلك أنَّ الغريزة التي أودعت حسب نظام الخلق (والتكوين) في بنية ذلك النوع، تبدأ بالظهور في فرد ذلك النوع ـ إن لم يكن هناك مانع خارجي ـ سواء أكانَ هناك سابقة في العمل أم لم تكن.
على سبيل المثال، نستطيع أن نقول أنَّ العرب أخذوا من العجم مسألة التنوّع في الغذاء بيد أنا لا نستطيع أن نقول أنَّ العرب تعلموا من العجم أصل عملية الأكل. كذلك نستطيع أن نقول أنَّ الديمقراطية والتشكيل الإداري (= النظم الإدارية) سَرت من الغرب إلى الشرق، بيدَ أنَّ هذا الكلام لا يصح في أصل بناء المجتمع وتأسيس الحكومة.
لذا فإنَّ طريق التهذيب وتنقية الباطن ـ الحياة المعنوية والذوق العرفاني ـ هي مسألة غريزية مودعة في بُنية الإنسان وتكوينه كما اتضح من بحوثنا السابقة، وإنَّ الغريزة تستيقظ بالاستعداد وارتفاع الموانع، فيسير الإنسان في هذا الطريق.
وبوجود الأديان والمذاهب التي لها هذا الحجم أو ذاك من الصلة بعالم الأبديةوما وراء الطبيعة، فإنّنا من المؤكد سنجد بين أتباع هذه الأديان والمذاهب أشخاصاً يقودهم استيقاظ الحس المودع فيهم إلى أن تنقطع قلوبهم عن علائق هذه الدنيا العابرة المليئة بالآلام والإحباط، ويتحولون إلى الأفق الطلق، فيوّلوا وجوههم نحو عالم الأبدية.
أما من الناحية العملية فإنَّ من بين أتباع كل دين أو مذهب ينتسب إلى الله بهذا القدر أو ذاك، ثلة من العشاق الولهين بالحياة المعنوية والنهج العرفاني.
وحين نقوم بمقارنة الجانب المعنوي فيما تنطوي عليه أصول الأديان والمذاهب التي بين أيدينا، نرى بوضوح إنَّ المتون الأصلية للإسلام تميل أكثر من أي دين أو مذهب آخر إلى وصف السعادة الأبدية للإنسان وعالم الخلود.
وبذلك يتأكد أنَّ نهج التهذيبي وتنقية الباطن في الإسلام هو أمر طبيعي دون الحاجة إلى ربط أصل وجود هذا النهج بالهند أو بمصادر وأماكن أخرى.
علاوة على ذلك، يؤكد لنا التأريخ عبر الوقائع الثابتة أنَّ عدة من أصحاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب j من أمثال سلمان وكميل ورُشيد وميثم وأويس عاشوا في إطار النهج التعليمي التربوي للإمام حياة معنوية زاخرة، في حين لم تكن أقدام المسلمين قد وطأت الهند حتى ذلك الوقت أو اختلطت مع الهنود.
ثم أنَّ دعوى اتصال السلاسل المختلفة للتصوّف في الإسلام بالإمام عليj ونسبتها إليه (بغض النظر عن صدق النسبة أو كذبها) هي أمر يقودنا إلى التسليم بما ذكرناه أعلاه ـ من استقلال العرفان الإسلامي ونشوئه في البيئة الخاصة للثقافة الإسلامية.
اختلاف بيانات العرفان الإسلامي عن الآخرين
حين نريد أن نقارن البيان الإسلامي (العرفان) الذي يتّسم بالذوق، مع بيانات الآخرين، وبالأخص بيان العرفان الهندي نجد أنَّ البيان الإسلامي يتميّز بكونه يحمل حقائق العرفان في مطاوي خطابٍ عام مُوجّه لسائر الطبقات والفئات، بحيث تستطيع كل فئة أن تستفيد بما يُناسب إدراكها الخاص، دون الوقوع بمحاذير الغموض.
أما البيانات العرفانية للآخرين فلا تحمل مثل هذا الامتياز. ولهذا السبب بالذات بقي الإسلام مصوناً عن النتائج الضارة التي لحقت بمناهج الآخرين وتعاليمهم المفكّكة. على سبيل المثال، حين نعود إلى العرفان الهندي ونراجع مقاطع من الكتاب المقدس «الفيدا» فماذا نجد؟ عندما نركز على قسم المعارف الإليهة في هذا الكتاب، ثم نمارس على النصوص عملية تحليل ومقارنة وتقويم، نجد أنها لا تبغي في مقصدها الأخير سوى التوحيد الدقيق الذي ينطوي على عمق كبير. بيد أننا نلمس في الوقت نفسه أنَّ القوام المحكم لهذه المعرفة التوحيدية، يعكس نفسه في عبارات مُباشرة مفككة بحيث يشتبه الأمر على المُراجع إن لم يكن من أصحاب الإحاطة والدراية بالفكر العرفاني.
بل الأكثر من ذلك يخرج المراجع لهذه المعارف التي تقوم على أساس كلام عميق محكم، إنها لا تعدو أن تكون مجرد مجموعة من الأفكار الخرافية، أو هي على الأقل لا تفهم إلا على أساس الاتحاد والحلول وعبادة الأصنام، رغم أنها تصف الحق بمنتهى الدقة.
والشاهد الذي يؤيد رأينا، هو معطيات الاستشراق السنسكريتي في العرفان الهندي. حيث لم تبتعد نظريات هؤلاء بعد رحلة أمضوها في دراسة وتقويم النصوص الأصلية للبرهمية والبوذية، عن القول أنَّ أساس العرفان الهندي هي مجموعة من الأفكار الخرافية التي نضج بها العقل الهندي نتيجة لما يعانيه من حرمان في الحياة[22] ومبعث ذلك ـ فيما نرى ـ هو اللغة المباشرة والطابع المفكّك غير اللائق الذي تظهر به بيانات هذا العرفان.
النتائج الفاسدة للعرفان الهندي
انتهى العرفان الهندي لما ينطوي عليه من أسلوب غبر مُتناسب إلى ثلاث نتائج ضارّة، هي:
1- نجد أنَّ هذا العرفان الذي لم يكن له هدف سوى التوحيد الخالص لله، انتهى حين دخل أذهان العامة من أتباعه، إلى نتيجة معاكسة تماماً لما يبغيه، فتبدّل إلى النقيض الماثل في عبادة الأصنام بدلاً من توحيد الله (سبحانه) وأوجد بالتالي أرباباً ـ من دون الله ـ بعدد أهواء الناس، إذ نكبّ هؤلاء على عبادة الملائكة والجنّ والمقدَّسين من البشر.
وفي السياق ذاته وجدنا أنَّ العرفان المجوسي المنبثق من بطون الديانة انتهى هو الآخر إلى نفس المصير. فرغم أن أتباع هذا الاتجاه لم يتعودوا اتخاذ الأصنام، إلا أنَّ مآلهم في تقديس الملائكة والمقدسين (الصالحين) من البشر والعناصر المختلفة وبالخصوص النار، أفضى بهم إلى نفس النهج الذي انتهى إليه الهنود.
نفس النتيجة ألقت بظلالها أيضاً على العرفان المسيحي الذي نجد له مثالاً في أول أنجيل يوحنا، إذ ما إن نزل (العرفان) إلى مرحلة العمل حتى اكتسب حالة العرفان الهندي، لأنَّ مردّ التثليث في هذه الديانة ينتهي إلى نفس التثليث الوثني[23].
2- اتسمت التعاليم التي يعطيها هذا العرفان لاتباعه بالسلبية، مما أدّى في النتيجة أن تنأى عن مجال الحياة المعنوية وبشكلٍ كلّي، كافة الأعمال الإيجابية التي أودعها الله في العالم الإنساني، وفي إطار وجود الإنسان نفسه، والتي يُعبّر كل واحد منها عن آية من آيات الله وتجّلي صفة من صفاته.
هذه الخصلة هي بحد ذاتها نقصٌ كبيرٌ أصابَ هذا العرفان (الهندي) وتبعه في ذلك العرفان المجوسي والمسيحي.
يبقى الإسلام وحده الذي بسطَ الحياة المعنوية على الوجود الإنساني بجميع ما ينطوي عليه من ظواهر إيجابية وسلبية.
3- يحرِم العرفان الهندي بعضَ فئات الناس ـ كالنساء وطبقة من الرجال ـ من الحياة المعنوية. المنحى نفسه نجده في المسيحية التي تحرم المرأة من الحياة المعنوية.
وهنا أيضاً يبقى الإسلام وحده الذي لا يضع خطوط الحرمان على أحد، وإنما يمنح كل انسان حظّه من التعليم والتربية بما هو جدير به، وبما يناسب قابليته واستعداده.
لنعد إلى نهج الإسلام
لنعد بعد الاستطراد آنف الذكر إلى نهج الإسلام، لنرى أن نظام الخلق الإلهي الذي وضع الحياة المادية بين يدي النوع البشري وهيأ للإنسان مستلزمات متساوية دون أن يفرّق بين أحد وآخر؛ هو نفسه وضَعَ بين يدي الجميع الحياة المعنوية التي تأتي ما وراء الحياة المادية. وكما أنَّ آثار إيجابية وسلبية، فكذلك ينبسط كمال الحياة المعنوية على جميع أعماله وآثاره الإيجابية والمعنوية ثم إن الإسلام عمد أيضاً إلى مبدأ التناسق في وجود الحياة المعنوية بين جميع أفراد البشر دون أن يضع فرقاً بين الطبقات، ثم بسط الحياة المعنوية على جميع الشؤون الإيجابية والسلبية لحياة الإنسان، ودهاه إلى سلوك طريق بعينه ينتظم حياته الاجتماعية وفعاليته الإيجابية.
وفي سياق تعليم هذا النهج إعتمد إشارات جاءت في طي بيانات عامو وخطابات عادية. والسر ـ في هذا الأسلوب ـ أنَّ بياناتنا اللفظية أياً كانت، فهي لا تعدو أن تكون وليدة أفكار استفدنا منها (ووظفناها) من أجل التفاهم في حياتنا الاجتماعية المادية، ومن أجل أن نوصل أفكارنا ومفاهيمنا الذهنية إلى بعضنا البعض.
أما الإدراك الذوقي والشهودي يعد أكثر ندرة من (الأكسير) ولم يكتسب في تأريخ الإنسانية صفة الحالة العامة، فهو بعيد كلياً عن هذه المرحلة.
فالشخص الذي يريد أن يُبيّن معلومات هذا الإدراك ـ الذوقي ـ عن طريق آخر ـ «الفكر» سيكون حاله تماماً كحال من يريد أن يعرّف مجموعة من الألوان المختلفة لمولودٍ أعمى بواسطة القوة السامعة!.
لذا فإنَّ الذي يريد أن يضع المعاني الشهودية في قالب الألفاظ يكون مثله تماماً كمثل الذي ينقل الماء بالغربال من كانٍ لآخر!
من هنا اعتماد الإسلام في هذه الحالة على الإشارات والرموز، كي يكون مصوناً عن النتائج المضرّة التي كانت من نصيب الآخرين.
نظرة إجمالية في السير المعنوي
قد يتصور البعض أنَّ دعوانا بأنَّ الإسلام يعتمد الرموز والإشارات في بيان طريق الباطن، هي دعوى بلا دليل، أو هي في الواقع مجرد تخميين أو فكرة رمينا بها في الظلام ـ قد تصيب وقد تُخطئ ـ بيد أنَّ التأمّل الكافي في بيانات الإسلام وتعاليمه ومقايستها بحالة الوله والعشق التي يعيشها أفراد هذه الطبقة تثبت لنا خلاف هذا التصوّر، كما تدلنا على ذلك ـ بنحو إجمالي ـ المراحل الكمالية التي يطويها السائرون في هذا الطريق، وإنَّ كان ليس هناك سوى الذوق طريقاً في إدراك حال أولئك على نحوٍ حقيقي وتفصيلي.
هذه الطبقة تنجذب بما تملك من استعداد فطري ـ تحمله ـ نحو جمال الحق وكماله غير المتناهيين. وهي تعبد الله (سبحانه) عن طريق الحب لا عن طريق الطمع بالثواب أو الخوف من العقاب، لأنَّ عبادة الله بأمل نيل جنته أو خوفاً من ناره هي في الحقيقة عبادة لهذا الثواب أو العقاب نفسه وليست عبادة لله (سبحانه).
فعلى أثر ما يجذب هذه القلوب العاشقة الولهة من حب ـ خصوصاً بعد أن تسمع قول الحق (جلّ وعلا): P ﯩ ﯪ O [24] ومئات أخرى من الآيات الحافلة بذكر الله (سبحانه) ـ نراها مشغولة بذكر الله أينما اتجهت، وفي أي حالٍ كانت P ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ O [25].
وحين تستمع ـ هذه القلوب ـ إلى نداء محبوبها: P ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟO [26]. Pﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟO [27] وP ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜO [28] تعي أنَّ كل الموجودات، إنما هي تجليات ـ كل موجود برتبته وعلى قدر جدارته وحاله ـ لجمال الحق (جلّ وعلا) الذي لا نظير له، وإنّها لا تملك إلا أن تكون تجلياً، من دون أن تملك القدرة على الوجود أو الاستقلال بذاتها.
أمثال هذه النفوس تنظر بعين الحب وبقلب مستبصر إلى كل شيء فلا تجد سوى جمال المحبوب.
وحين تصغي ـ هذه النفوس / القلوب ـ إلى نداءٍ آخر من نداءات الحق (جلّ وعلا) P ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶO [29] وP ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ O [30] يتبيَّن لها أنها حبيسة ـ حسب نظام الخلق والوجود ـ أربعة جدران نفسها، وأنَّها لا تملك طريقاً إلى ربِّها سوى طريق النفس وإنَّ كل ما تراه وتقف عليه من أفناء هذا العالم الواسع إنّما تراه في نفسها وتلمسه من خلالها.
في هذه المرحلة يجد الإنسان نفسه مُنقطعاً من كل شيء؛ وعن كل شيء ـ سوى الله ـ ولا يرى سوى نفسه وربّه.
مثل هذا الانسان يكون وحيداً حتى وهو بين مئات الألوف، وإذا كان الآخرون ينظرون إلى جوده بين الجموع، فهو لا يرى نفسه إلا في خلوة خالية من الأغيار (الآخرين) وإن ليس ثمة شيء سوى الله (جلّ وعلا).
حين ذاك ينظر إلى نفسه وإلى كل شيء من خلال نفسه، وعنده لا يرى نفسه سوى مرآة يبين بها (يتجلى بها) جمالُ الحق الذي لا نظير له، ولا شيء سوى ذلك؛ أي لا شيء سوى الله.
وعندما يذكر (الإنسان) بهذا الشكل، وينجز العبادات والتوجهات المختلفة المترتبة عليها، بحيث يقرّ ذكر الله في قلبه ويكون نقيّاً من كل غفلة، يُصبح في صّ أصحاب البقين، فيصدُق عليه وعدُ الحق في قوله تعالى: P ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆO [31].
وهنا تفتح عليه أبوابُ ملكوت السماء والأرض، فيستيقن أنَّ كل شيء هو للحق (تعالى) وملكه المطلق.
يقول تعالى: P ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ O [32].
لهؤلاء يُكشف أولاً التوحيد الأفعالي فيشاهدون عياناً أنَّ الله (سبحانه) يدير العالم وكلّ ما فيه؛ من الأسباب والعناصر (السنن) غير المتناهية التي يحفل بها عالم الوجود بما ينطوي عليه من فعاليات مختلفة تنتهي بحركاتها وما تتصف به (الحركات الاختيارية تتصف بالاختيار والحركات الاضطرارية بالاضطرار) إلى يد القدرة الإليهية فيما تنقشه على صفحة الوجود.
فسواء أكانت علة أم معلولة أم رابطة بين العلة والمعلول، فهي جميعاً مصنوعة منه مملوكة إليه P ﮧ ﮨ ﮩ ﮪO [33].
بعد التوحيد الأفعالي ينكشف ـ لهؤلاء ـ التوحيد الأسمائي والصفاتي فيشاهدون عياناً أنَّ ما يبين ويتجلى في أفناء هذا العالم الوسيع من صفة الكمال وما تقع عليه العين جمالٌ وجلالٌ من حياةٍ وعلمٍ وقدرةٍ وعزةٍ وعظمةٍ وغيرها ما هي سوى لمعة وشعاع من نبع نور الحق غير المتناهي، المشعّ من منافذ الوجود لمختلف الأشياء ـ بما تنطوي عليه من اختلاف فيما بينها P ﭳ ﭴ ﭵ O [34].
أما في المرحلة الثالثة فيشاهد ـ هؤلاء ـ أنَّ كل الصفات المختلفة ما هي إلّا تجليات للذات غير المتناهية، وأنَّها جميعاً ـ في الحقيقة ـ مثل بعضها، والجميع هو عين الذاتﱡ P ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ O [35].
أفضلية الإسلام ورقيّه في التوحيد
هذه هي المرحل الثلاث في التوحيد التي تنصب أمام السائرين في طريق الحق والعاشقين ـ للحق والحقيقة ـ من أتباع الأديان والاتجاهات المختلفة التي لها صلة بالله (سبحانه) وهم يتخذونها هدفاً أعلى لهم في طيّهم لطريقهم.
إلّا أنَّ الإٍسلام شقَّ للسائرين المتربِّين من أتباعه درباً يبلغ بهم إلى ذروةٍ أعلى يرقون إليها، لتكون أرفع من أهداف الآخرين وأسمى، واعتبرها هدفاً نهائياً لهم. فغاية ما نستخلصه من متون البراهمة والبوذيين والصابئة والمجوس والمسيحيين وغيرهم لا يعدو سلب (= تنزيه) الحق صفة غير متناهية أرفع من كل اسم وأسمى من كل رسم. بيدَ أنَّ ما يفعله الإسلام أنَّه ينفي عدم التناهي (من زاوية كونه صفة) وينظر إلى الذات القدسية بوصفها أعلى من كل اسم وأسمى من كل رسم، وأرفع حتى من هذا الوصف.
وهذه المرحلة من التوحيد لا نجد لها نظيراً سوى في الإسلام نفسه.
الإمام السادس من أئمة أهل البيتb [36] يستفيد في الإشارة إلى هذه المرحلة ـ حسب رواية ينقلها عنه كتاب الكافي[37] ـ من الآية الكريم P ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖO [38].
والآن نغضّ الطرف عن الاستمرار في البحث، لأنه اكتسب طابعاً أرفع من مستوى ما كانت عليه الدراسة في الفقرات السابقة.
الولاية الإلهية
للسائرين في طريق الكمال الكثير من المشاهدات بين نقطة البداية ولحظة الهدوء والاستقرار، تبقى خافية عن قلوب المثقلين الملتصقين بالعالم المادي، وتناول ـ هذه المشاهدات ـ يخرج عن نطاق هذا المقال.
بيد أن ما يهمّ التذكير به في هذا المقام هي مسألة الولاية الإلهية. فهؤلاء السائرون حينما يردون مرحلة التوحيد ويضعون أقدامهم على بساط القُرب، يعطون مرة واحدة ما كانوا يرونه حتى ـ الآن ـ مُلكاً لهم ينتحلون له دعوى الذاتية والاستقلال، ويرون أنَّه ـ بات ـ ملكاً لله وحده، فيسحبون عند ذلك دعواهم الأولى ـ الكاذبة ـ وحينذاك يحققون الراحة القصوى ويتحررون من مطلق التعب والألم والخوف والحزن، الذي لا يملك شيئاً لا يخشى ما يمكن أن يصيبه ـ الشيء من ضرر، وإن أصابه لا يحزن.
يقول تعالى P ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ O [39] وقوله تعالى P ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ O [40].
في ذلك الوقت تستوي لدى هؤلاء حالات الدنيا وتقلب أحوالها بين المرارة والفرح، والحسن والسوء، والتقلب من حال إلى حال، فيعيشون حياةً أخرى، وينظرون إلى العالم وكلّ ما فيه نظرة جديدة: P ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥO [41].
وفي نهاية المطاف يرون أن أنفسهم وما يحوزونه هو لله وأن الله سبحانه لهم (من كان لله كان الله له»
خاتمة البحث
يتضح مما مرّ في البحوث السابقة أنّ الحياة المعنوية للإسلام، أوسع وأعمق مما عليه في الأديان والمذاهب الأخرى. لانَّ في فضاء هذه الحياة تنبسط كل حركات الإنسان وسكناته الإيجابية والسلبية، وترتقي في مسارها إلى الذرى، إلى أهداف أرفع بمراحل من أهداف الآخرين.

[1]*ـ هذا النص مستل من كتاب العلامة الفيلسوف الطباطبائي: مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي.
ـ ترجمة: جواد علي كسار ـ مؤسسة القرآن الكريم ـ قم.
[2]ـ يعلل هندريك وليام وام في كتابه «قصة البشر» أسباب تقدم الإسلام وغلبة المسلمين للمسيحيين في الحروب الصليبية وغيرها، بقوله: «جاء عن نبي االإسلام أنّ من يقُتل وهو يجاهد الكفار فسيذهب إلى الجنة مباشر. لذلك رأينا مجاهدي الإسلام يضحون برجولة بأنفسهم في ميادين القتال وهم يفضلون القتل على العيش في هذه الدنيا الفانية وعلى حياةٍ تحفّها المتاعب والآلام. من هذه الزاوية بالذات نستطيع تفسير غلبة المسلمين للمسيحيين في الحروب الصليبية، فأتباع الدين العيسوي يخشون عالماً مجهولاً يلاقيهم هو عالم ما بعد الموت، ويظهرون تعلقاً بالدنيا وارتباطاً بملذاتها وأنساً بنعم هذه الدنيا الزائلة.
وفي الواقع هذا ما يفسّر لنا أيضاً ـ وفي الوقت الحاضر بالذات ـ إقدام الجنود المسلمين على مُواجهة مدافع الأجانب بأجسامهم دون أن يعبؤا بشيء، الأمر الذي يجعل المسلمين أعداء خطيرين جداً» المصدر، الترجمة الفارسية، ص138 ـ 139، ترجمة جمال زاده.
[3] ـ الحجرات:13
[4] ـ آل عمران:195
[5]ـ طه:50.
[6]ـ الأعلى:2 ـ 3.
[7]ـ عبسى:18ـ 20.
[8]ـ الروم:30
[9]ـ الشمس: 7ـ 10.
[10]ـ القصص 68.
[11]ـ آل عمران:19.
[12]ـ آل عمران:85.
[13]ـ ورد هذا المعنى في النقاش الذي دار بين السيد وبين وهيرودس على شكل سؤال وجواب حول محنة السيد المسيح. والمفهوم بعينه مبثوث في الأناجيل المتداولة، مضافاً إلى الرسالة التاريخية التي أدرجها مؤلف كتب «قصة البشر» أثناء حديثه عن قصة المسيح، ومضمونها صريح في تأكيد هذه المعاني.
[14]ـ آل عمران:64
[15]ـ البقرة:115.
[16]ـ الزمر:9.
[17]ـ الإسراء:36.
[18]ـ التوبة:122.
[19] ـ الرعد:17
[20]ـ إنّ المسلم الذي لا يستطيع أن يُمارس بنفسه عملية (تحديد الموقف الشرعي) عبر استنباط الأحكام الشرعية من مداركها الأصلية، عليه أن يعود في ذلك إلى المجتهد القادر على الاستنباط، ويعمل وفقاً لما يستنبطه من آراء فقهية.
[21] ـ من المستشرقين يكتب جولد تسهير: «لكي نقدّر التصوّف الإسلامي تقديراً صحيحاً من الوجهة التأريخية، يجب أن لا نغفل مطلقاً الأثر الهندي الذي ساهم في بناء هذا النظام الديني المتولد عن الأفلاطونية الحديثة» جولد تسهير، العقيدة والشريعة في الإسلام، ص:146 الترجمة العربية. أ/ا هاملتون جب فيكتب: «فكما أنَّ علم الكلام استثير عن طريق الاحتكاك بالفلسفة والعقلانية اليونانية، كذلك التصوّف ابتعث عن طريق الاتصال بالتصوّف المسيحي والغنوصية» هاملتون جب، دراسات حضارة الإسلام، ص:276، الترجمة العربية.
ومن الباحثين المعاصرين يلاحظ كتابات المثقف المغربي محمد عابد الجابري الذي يلحّ على المسألة بما يكشف أن وراء إصراره على نسبة العرفان إلى أصول أجنبية وقطع صلتها كاملاً بمصادر الإسلام، هاجساً خفياً لا نعرف كيف نفسّره! يلاحظ على سبيل المثال: نقد العقل العربي،ج1، صفحة 174 ـ 175 ـ 199 ـ 194 ـ 176 وغيرها، وكذلك يلاحظ الجزء الثاني من مشروعه. نشير أخيراً إلى الدراسة النقدية التي أنجزها الباحث السيد كامل الهاشمي بعنوان: «التصوّف الشيعي» فقد اطلعنا عليها وأفدنا منها. (المترجم).
[22]ـ من ذلك ما ذهب اليه المستشرق هرمان الدنبورك، حيث ذكر مراراً في كتاب ألّفه لشرح مذهب بوذا ورهبانيته «إنَّ أفكار العرفان الهندي، هي أفكار مزجت بالحماقة». وكذلك قوله: «جعل بوذا العالم مستقلاً عن الله مستغنياً عنه». تلاحظ النصوص في كتاب: فروغ خاور، وهو ترجمة لكتاب هرمان الدنبورك عن مذهب بوذا ورهبانيته.
[23]ـ لاحظ كتاب: العقائد الوثنية في الملة النصرانية.
[24]ـ البقر:152.
[25]ـ آل عمران:191.
[26]ـ الجاثية:3.
[27]ـ الإسراء:44.
[28]ـ البقرة:115.
[29]ـ المائدة:105.
[30]ـ الانشقاق:6.
[31]ـ الحجر:99.
[32]ـ الأنعام:75.
[33]ـ الجاثية:27.
[34]ـ الأعراف:180.
[35]ـ الرعد:16.
[36]ـ البحث في هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من العمق والدقة. وما يعنيه المؤلف كما نفهم من بعض بحوثه في الميزان أنَّ التوحيد كان محوراً غير قابل للتحوّل في جميع الديانات السماوية إلا أنَّه بلغ في الإسلام درجة من التكامل فاقت ما كليه في الديانات السابقة، حيث قطع مزيداً من الأشواط على طريق الارتقاء والكمال وتوغّل دّقة وعمقاً. يراجع تفسير الميزان، المجلد الرابع، ص118 (المترجم).
ـ هو الإمام أبو عبدالله جعفر الصادق j المترجم.
[37]ـ تلاحظ الرواية التي يعنيها المؤلف في: أصول الكافي، المجلد الأول، كتاب التوحيد، باب حدوث الأسماء، الحديث الأول، ص112 (المترجم)
[38]ـ الإسراء:110.
[39]ـ فصلت: 30ـ 31.
[40]ـ يونس:62.
[41]ـ الأنعام122.