البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تعريف الدين - ثلاثة علماء اجتماع يقاربون المفهوم

الباحث :  روبرت ميلتون أندروود الابن
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  3
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 2 / 2016
عدد زيارات البحث :  1444
تحميل  ( 250.335 KB )
تعريف الدين
ثلاثة علماء اجتماع يقاربون المفهوم
روبرت ميلتون أندروود الابن[1][*]
يتضمن هذا المقال للباحث الأميركي روبرت ميلتون أندروود الابن، معالجة أبستمولوجية لتعريف كلمة الدين على صعيد المصطلح والمفهوم كما وردت في أبحاث ودراسات فلسفة الدين في أوروبا و أميركا الشمالية. وقد ركز الباحث هنا على التعريفات التي قدّمها ثلاثة من كبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع الغربيين وهم على التوالي: الفيلسوف واللاهوتي الألماني بول تيليش، وعالم النفس الأميركي أبراهام ماسلو، وعالم الأنثروبولوجيا المعاصر ملفرود سبيرو، الذي اشتهر بكتاب كان وضعه قبل سنوات تحت عنوان: «الدين.. مشاكل التعريف والشرح».
المحرر
تسعى الأنظمة الدينية كافة إلى فهم الغيب، فضلاً عن جوهر الوجود والحياة، رغبةً منها في مد جسور بين العالم المرئي والعالم اللامرئي والمجهول (نيس، 2). إلاّ أن عبارة «دين» قد تعني أموراً عدّة بحسب السياق الموجودة فيه، ولا وجود لتعريف موحّد للدين يُجمع عليه العلماء كافة. وبالتالي، يجب دراسة العديد من الآراء، فضلاً عن طريقة وضع التعريف لكي نتمكّن من الوصول إلى فهم أوضح لطبيعة الدين.
الآراء الثلاثة
تبلور الآراء المفصّلة أدناه لكلّ من بول تيليش، وأبراهام ماسلو، وملفرود سبيرو، فكرة حول مدى إمكان فهم الدين.
تيليش: كان بول تيليش (1886-1965) عالمَ دين مسيحيّاً، حاول «استعادة الانسجام المفقود في العلاقات البشرية مع الأعراف المسيحية واليهودية، والثقافة، والطبيعة» (هاغان 7). لعل كل «انسجام مفقود» نجم عن تركيز خاطئ على المادية. لذا، جاءت كل الجهود التي بذلها تيليش لمساعدة الناس على فهم الطبيعة الحقيقية للدين في محلها. كتب تيليش بأنّ الدين هو «حين يراودك هاجس أساسي، وهو هاجس يعتبر جميع الهواجس الأخرى مبدئية، ويتضمن بحد ذاته الإجابة عن مسألة معنى الحياة» (تيليش 4). انتقد البعض عبارة «هاجس أساسي» التي استخدمها تيليش لكونها مبهمة، إلاّ أن قراءة تعريفه أعلاه ضمن سياق عمله يساعد من دون شك على تحديد معناها.
واجه بعض الأفراد المتدينون صعوبة في تقبّل آراء تيليش، لا سيما وأنه غالباً ما يعبّر عنها باستخدام مصطلحات علمانية. إلاّ أنّ استخدام تلك اللغة العلمية بدلاً من المصطلحات التجسيمية كان مفيداً، لأنه استطاع جذب أوسع شريحة من الناس. ساعد هذا الأمر كذلك على وضع خط فاصل بين اثنين من الخصائص الأساسية للعقيدة الدينية التي يطالب بها الدين، ألا وهي الإيمان بإله محدد يأمرنا بعقيدة محدّدة». (هاغان 8)، وهو ما قام به تيليش خلال وصف الإيمان الديني على أنه الشاغل الأساسي أو الأكثر أهمية للبشرية، فضلاً عن أنّ الله والإيمان يشكلان جزءاً من نظام المنظور الديني.
ماسلو: كان أبراهام ماسلو (1908-1970) عالمَ نفس أميركيّاً غالباً ما وُصف أبو الحركة الإنسانويّة. قام بتصوّر تسلسل هرمي للاحتياجات الإنسانية، ووضع رسماً بيانيّاً له على شكل هرم. خصّص أسفل الهرم للاحتياجات التي تعتبر أساسية للبقاء على قيد الحياة، أي تلك التي توفّر التوازن. وبعد تلبية احتياجات البقاء على قيد الحياة، سلّط الضوء على احتياجات السلامة. باعتقاد ماسلو، كان لا بد من تلبية احتياجات كل مستوى من الهرم قبل إيلاء الأهمية لاحتياجات المستويات الأعلى، ذلك لأن المستوى الأعلى، في نظره، هو التسامي، أي أعلى مستوى ممكن بالنسبة إلى الإنسان.
ساعدت نظريات ماسلو الناس ليصبحوا بحال أفضل وذوي أداء أعلى، إلاّ أن ماسلو لم يأتِ على ذكر الله عند أي مستوى من نموذجه. قد يعتبر بالتالي المفهوم الذي وضعه حول «التجربة الذروة»، مفهوماً عن نمط الحياة أو إطار الفكر، لا مفهوماً ذا طابع ديني متوارث. تُعنى غالبية التجارب الذروة التي قام بها ماسلو بعمق الروح البشرية، أكثر منه بعالَم الدين، ما لم يتمّ بالطبع استخدام تعريف للدين يستثني الله. مع ذلك، لاحظ ماسلو بأنّ التجارب الذروة وفّرت للعالم سعادة مماثلة للسعادة الدينية. «في نظر ماسلو.... تعتبر التجربة العادية، والصحية، والمتكاملة، والسعيدة هي جوهر الدين» (هاغان 12). ففي أقرب مرة أتى فيها ماسلو على ذكر الله ضمن لائحته المؤلفة من 34 معنى «للتسامي»، كانت حين قال أنّ الشخص يصبح مقدّساً أو ربّانياً (فارذر 264). لكنه سرعان ما أوضح أنّه قصد بذلك ما هو "ميتا بشري"، وليس ما هو خارق للطبيعة.
كتب ماسلو، في لائحته المؤلفة من 34 معنى للتسامي، بأنّ التسامي الأقصى كان «التسامي عن الثنائيات؛ أي التعالي عن الثنائية نحو الكلية المتفوقة» (فارذر 263). ويعتقد بأن تجاوز مفهوم ضرورة وجود تقاطبات وحالات تحتم الاختيار بين أمرين كان أعظم شكل من أشكال التسامي التي يمكن تحقيقها.
هذا وارتأى ماسلو بأنّ «تكريس جزء من حياة الإنسان للدين يميل إلى علمنة الجزء الآخر منها» (الأديان 31). فبالنسبة إلى شخص لا يعبِّر عن إيمانه بالله، كان ذلك ينطبق حتماً على ماسلو أو على أي شخص آخر يمكنه تجزئة الدين. لكن مما لا شك فيه أن ذلك لا يصح بالنسبة إلى كثيرين ممن يؤمنون بدين يشمل الله ويؤثر على كل ما يعتقدونه، ويرونه، ويفعلونه في الحياة.
سبيرو: كتب ملفرود إ. سبيرو، عالِم الأنثروبولوجيا المعاصر، في مقالته المعنونة: «الدين: مشاكل التعريف والشرح»، بأنه يمكن فهم الدين على أنه «مؤسسة تتكوّن من تفاعل نمطي من الناحية الثقافية مع كائنات خارقة مفترضة من الناحية الثقافية» (كيسلر 41). وبما أنه خبير في التحليل النفسي، كان لديه شعور قويّ بأنّ طبيعة الإنسان الفطرية، بما في ذلك تلك التابعة للبنى الواقية للأسرة، لعبت دوراً عظيماً في جميع وظائف الإنسان، ومن ضمنها التطور الديني. وبالتالي، ارتكازه على الجانب الثقافي للدين يجعله يختلف مع وجهة نظر ماسلو البشرية ورأي تيليش الربّاني. استنتج سبيرو بأنّ القيم، والمعتقدات، والتاريخ، والتقاليد التي تملكها كافة الثقافات حول الدين ساعدت هذه الأخيرة على تطوير مجموعة من المعتقدات الأسطورية والممارسات الدينية.
سمات التعريف
بعد طرح النظريات التي جاء بها كلّ من تيليش، وماسلو، وسبيرو، أصبح من الواضح اتّساع تنوع المعتقدات حول ماهية الدين. وبالتالي، صار من المناسب مناقشة خصائص التعريف السليم. قد يتمتّع التعريف المناسب للدين بعدد من السمات التي، إن جُمعت، تجعله أكثر وضوحاً. ومن هنا يجب أن يكون تعريف الدين مفيداً من الناحية التحليلية، ومحدّداً، وخالياً من التحيّز غير المستحقّ على قدر المستطاع (كيسلر 33). كذلك يجب أن يكون ذي مغزى وأن يعالج مسألة وجود الله.
فائدة تعريف الدين
لدى مختلف الناس، من العلمانيين إلى العلماء، استخدامات مختلفة لتعريف الدين. فالمؤرخون يستخدمونه لغرض معيّن، وقد يستخدم علماء الاجتماع وعلماء النفس تعريف الدين لغرض آخر. وصف كيسلر نوعين من الأساليب: الأسلوب الأحادي البعد، والأسلوب متعدد الأبعاد، اللذين يساعدان على تحديد فائدة تعريف الدين.
الأسلوب الأحادي البعد
يدرس هذا الأسلوب أحد جوانب مسألة ما. فقد يجد المراسل الصحفي الذي يقوم بدراسة بسيطة حول الإيمان بالله، بأن أسلوباً كهذا يعود عليه بالمنفعة المباشرة. لنناقش المسألة المنفردة والبسيطة التالية: «هل تؤمن بالله»؟ قد تكون الإجابات الثلاث المتوقعة عن هذه الإستبانة «نعم»، و«لا»، و «غير متأكّد». يمكن وضع الإجابات بسهولة على رسم بياني دائري أو رسم بياني خطّي. إلاّ أن المشكلة في هذا المثال المحدّد ذي الأسلوب الأحادي الجانب، هي أنه يهمل الكثير من المعلومات التي قد تكون ذات أهمية كبيرة وتساعد على تحديد كيفية تأثير الإيمان بالله على ممارسة الشعائر الدينية.
الأسلوب المتعدد الأبعاد
يساهم هذا الأسلوب الذي يضمّ عدّة عوامل مختلفة إلى حد كبير في إدراك ماهية أن يكون المرء متديّناً. فعلى سبيل المثال، يمكن إضافة الأسئلة التالية على إستبانة «هل تؤمن بالله؟»: «كم مرّة تشارك في الطقوس الدينية؟» «كم مرة تصلي؟» «هل تشارك في النشاطات التي تقيمها مؤسستك الدينية غير الطقوس الدينية؟» «هل كان لأهلك تأثير عليك في اختيار الدين الذي تعتنقه؟» يمكن ههنا التأكّد من العلاقات والارتباطات من خلال اللجوء إلى الأساليب المتعددة الأبعاد (مثلاً: ما هي نسبة الأشخاص المؤمنين الذين يمتنعون عن المشاركة في الطقوس الدينية؟)
الدقّة
تعتبر الدقة ثاني العناصر الثلاثة التي وضعها كيسلر للوصول إلى تعريف سليم، حيث إن تعريف الدين يجب أن يكون دقيقاً وواضحاً قدر الإمكان. يجب أن يكون لكل تعريف حدود، أو قيود لصقل نطاقه الذي سيؤدي عند انحصاره إلى إغفال معلومات مهمة، والذي سيتتضمن عند اتّساعه الكثير من المعلومات السطحية. تعتبر بعض العبارات غير واضحة ما لم يتمّ تعريف عناصرها. يشير كيسلر إلى أنّ «بعض العبارات (مثل: هاجس أساسي) تعتبر غامضة جداً بحيث يمكن أن تندرج عملياً أي معلومات مناسبة ضمن حدودها» (35). قد يكون «الهاجس الأساسي» للمستثمر المصرفي جمع الثروات والمحافظة عليها. أما «الهاجس الأساسي» للعدّاء العالمي فقد يكون توقيت التهيئة المثالية من أجل الحضور إلى السباقات المحدّدة بأفضل حالة بدنية. لكن من الواضح بأنّ الإيمان بالله ليس بالضرورة أن يشكّل جزءاً من الهاجس الأساسي للمصرفي أو الرياضي.
الجوهرية
إن الغرض من التعريفات هو محاولة ذكر جوهر أمر ما. فجوهر النافذة الزجاجية، هو مجموعة الخصائص التي تمتلكها والتي تميّزها عن الكوب الزجاجي. في هذا الإطار، يبرز نوعان من التعريفات الجوهرية: التعريفات الموضوعية والتعريفات الوظيفية. يسعى التعريف الموضوعي للدين إلى توضيح ماهية الدين، في حين أنّ التعريف الجوهري يحاول ذكر ما يقوم به الدين (أي دوره في الثقافة).
التعريفات التكتّلية
يمكن اعتبار جمع الصفات أو الخصائص بأنها تعريفات تكتليّة، وقد لا يستلزم ذلك صفات ضرورية، إلاّ أن جمع اثنين أو أكثر منها يعزّز الفهم بالإجمال. قام الفيلسوف الديني المعاصر ويليام ب. أليستون، بوضع قائمة من تسع خصائص تساعد، بمجملها أو من خلال تجميعات جزئية، على تفسير ماهية الدين (كيسلر 36):
1. الاعتقاد بوجود كائنات خارقة (الآلهة)
2. التمييز بين ما هو مقدّس وما هو مدنّس
3. الطقوس المرتكزة على المقدّسات
4. قانون أخلاقي يعتقد أنه يحظى بمصادقة الآلهة
5. مشاعر دينية مميزة
6. الصلاة وغيرها من أشكال التواصل مع الآلهة
7. رؤية عالمية أو صورة عامة حول العالم ككلّ وموقع الفرد فيه
8. تنظيم إجمالي إلى حدّ ما لحياة الفرد على أساس الرؤية العالمية
9. مجموعة اجتماعية ملزمة معاً بكل ما ذكر أعلاه
لعله كان بالإمكان إضافة خصائص أخرى، لكن قائمة أليستون تكوّن فكرة حول كيفية معالجة أفكار متعددة بشكل جماعي لتقديم تعريف أكثر شمولية للدين.
التعريف غير المتحيز
يعتبر عدم التحيّز ثالث العناصر التي وضعها كيسلر لتكوين تعريف سليم. قد تؤثر أنواع مختلفة للتحيز على الإدراك، وبالتالي على التعريفات. ناقش كيسلر خمسة أنواع مختلفة للتحيّز قد تؤثر على كيفية تعريف المرء للدين (37-40).
التحيّز الغربي: يعتبر التحيز الغربي أحد هذه الأنواع. بعبارة أخرى، إن الطريقة التي ننظر فيها نحن (الغرب) إلى التاريخ تؤثر على كيفية صياغة العبارات. فعبارة «الدين» religion مشتقّة من اللغة اللاتينية religio، واستخدمها المسيحيون اللاتينيون السابقون لوصف عبادتهم وتركيزهم على التبجيل. ثم استُخدمت هذه العبارة في وقت لاحق لوصف التقاليد الدينية المختلفة حول العالم. أما اليوم، فنحن نستخدمها للتعبير عن هذه التقاليد الدينية الأخرى، ولكن قد يجد ممارسون آخرون للدين عبارات مشتقة من مصادر مختلفة تكون أكثر ملاءمة لوصف ممارساتهم وتجاربهم.
التحيّز التقويمي: قد يُستخدم هذا الشكل من أشكال التحيّز عند نشوء الأحكام التقويمية. فالشخص المتديّن يصف الدين من حيث الإيمان بتغلّب الاعتقاد على عدم الاعتقاد. في السياق عينه، ينظر الملحد إلى العالم بماديّة، ويظهر تحيّزاً تقويمياً عند مناقشة مسألة الألوهية من وجهة نظر غير المؤمن.
التحيز النظري: يتّخذ هذا النوع من التحيّز شكله من خلال علاقة النظريات بالتعريفات. إذ يوجد خلف كل تعريف للدين نظرية حول ماهيته. وقد تتضمن كل نظرية وصفاً لمختلف الممارسات الدينية المرتبطة بها؛ فعلى سبيل المثال، قد تختلف النظرية اللاهوتية حول الدين عن تلك القائمة على أساس أنثروبولوجي أو نفسي.
التحيز القائم على الجنس: قد نجد هذا النوع من التحيّز في تعريف الدين الذي طالما هيمن عليه الذكور وكان بقيادتهم. لذلك، يمكن أن تظهر أوصاف الدين تحيّزاً ذكوريّاً، وغالباً ما تكون كذلك.
الدين مقابل الروحانية: غالبا ما تُستخدم عبارتا «الدين» و«الروحانية» بشكل متبادل، إلاّ أن لكلٍّ منها دلالة مختلفة. تكشف النسخة الكاملة من قاموس اللغة الإنجليزية Random House Dictionary of the English Language استخدامات تسعة لـ«الدين» وأربعة لـ«الروحانية» (1628، 1840). وجاء التعريف الأول لكل منهما على الشكل الآتي:
الدين: مجموعة من المعتقدات حول سبب نشوء الكون، وطبيعته، وغرضه، لا سيّما عند اعتباره تقليداً لقوّة أو قوى جبارة فوقبشرية (Super human)، تتمحور عادةً حول تطبيقات لعبادات وطقوس، وغالباً ما تتضمن قانوناً أخلاقياً يحكم السلوك البشري.
الروحانية: كل ما يتعلق بطبيعة الروح أو وجودها؛ روحاني؛ غير مادي. يمكن للشخص أن يكون موجّهاً روحانيّاً دون أن ينتمي بالضرورة إلى كنيسة ما أو يكون من روّادها. يقصد بالتديّن ممارسة تعبير أو فعل ظاهري بطريقة ما، أو أحد المركبات الثقافية. في المقابل، تفترض الروحانية إدراكاً صامتاً وباطنيّاً للغيب. قد يكون بعض الأشخاص روحانيين ومتدينين في آن، في حين قد يكون آخرون روحانيين لكن غير متدينين.
بما أن النقاش يطول في «الروحانية»، يكفي القول أن "الروحانية" ليست مرادفاً لـ «الدين».
المعنى: يتمثل المظهر الرئيس الرابع لتعريف سليم للدين في أن لهذه الكلمة معنى. فمعنى الكلمة هو العلاقة بين الكلمة نفسها وفكرة تلك الكلمة (ناغل 42). تحوم الأفكار والمفاهيم على ما يبدو حول الكلمة، والمفاهيم والكلمات ذات الصلة المستخدمة في اللغة تساعدنا على استنباط المعنى من تلك الكلمة. إذا ما تمكنا من رصد شيء ما يخص الدين وتوصلنا إلى فهم أفضل له، فمثل هذه المقاربة الرصدية تستحق التقويم. وإذا ما تمكنا من اختبار أمر ذي مغزى على الصعيد الشخصي من خلال الدين أو الممارسات الدينية، عندها نستطيع تقويم مثل هذه المقاربة الاختبارية. فعبر الرصد، والاختبار، والتعبير عن مفاهيم دينية باللغة، نستطيع تقديم معنى فعّال.
مسألة الألوهية
تقع مسألة وجود الله في صميم أي نقاش حول تعريف الدين، وقد توسع استخدام مصطلح «الدين» ليشمل معناه أساليب العيش المركّزة (مثل: الرياضة هي دينه).ذلك لأنّ كون لفظ «الدين» يمكن استعماله في اللغة العامية بدون إرجاعه إلى اللّه، لا يعني أنّه ينبغي استعماله بدون الإشارة إلى اللّه حين مناقشة الموضوع. بالرغم من أن كلمة «دين» قد تستخدم حرفياً في سياق علماني، لا بد من أن تتضمن مفهوم اللّه عند دراسة الموضوع. فمن الاستهتار استبعاد مسألة الألوهية في أي نقاش ديني، كما هي الحال عند استبعاد مسألة أسعار صرف العملات عند الحديث عن نجاح مستثمر مصرفي، أو مسألة الجهاز القلبي الوعائي عند الحديث عن شروط تأهل متسابق في ماراتون إلى عدّاء من الدرجة الأولى.
خلاصة
تضم الكثير من المجموعات الأصولية أعداداً كبيرة من الأعضاء ذلك لأنها تطرح الدين كنوع من أنواع علم نفس العيش الإلهي (هاغان 15). ففي عالم يتسّم بالتعقيد، الإنسان بحاجة إلى أجوبة بسيطة، وهذه الأجوبة البسيطة المستندة إلى الدين توفرها المؤسسات الدينية الأصولية. لكن ليس من السهل اعتماد مقاربة تحليلية لدراسة الدين، لأن الأمر يتطلّب عناية كبيرة. من الصعب التوصل إلى تعريف دقيق يجمع عليه الناس كافة، إذ يبدو أن «البحث عن تعريف شامل موحّد للدين يمكن الاستفادة منه في جميع الاختصاصات الأكاديمية خاطئ» (كيسلر 34). يستخدم الناس الدين بكل بساطة للإشارة إلى أمور مختلفة، بمعانٍ متنوعة. الاختصاصي النفسي الذي يُهدئ من روع المريض قبل دخوله غرفة العمليات في المستشفى؛ المبعوث الذي يساعد على إعادة بناء قرية قطّعت الحرب أوصالها؛ عالم الدين الذي يدرس آثار الصلاة؛ عالم الأنثروبولوجيا الذي يسعى إلى فهم كيف يمكن لقبيلة بدائية تعيش في الأدغال أن ترى الغيب، كل هؤلاء الأفراد يرغبون في فهم العقيدة الدينية، وكل منهم له طريقته الفريدة في رؤية موضوع الدين.
يتمثل أحد الأسباب المهمة لفهم ماهية الدين في مساعدة الأشخاص على تعلّم التسامح تجاه الآخرين بالرغم من عقائدهم المختلفة. ثمّة توتّرات كثيرة قائمة بين معتنقي مختلف الديانات. قال البابا بندكتوس السادس عشر في خطاب علني ألقاه في الآونة الأخيرة أن «ما نشهده هو غالباً التلاعب العقائدي بالدين، أحياناً لغايات سياسية. وهذا بالضبط ما يولّد التوتر والانقسام، وفي بعض الأحيان، العنف في المجتمع»، وذلك حسبما أفادت صحيفة لوس أنجلس تايمز. لذلك، من أجل تخطي الصعوبات بين مختلف البشر من حيث اختلافاتهم الدينية، يجب الإقرار بأنه «نظراً إلى أنه ما من كلمة أو وصف يعبّر عن الله، فكل هذه الأساليب المتناقضة تشير على الأقل إلى الواقع نفسه، أو أن جميع الديانات عبارة عن لغات مختلفة يتحدث عبرها البشر عن الله، أو أن جميعها دروب مختلفة تؤدي إلى الهدف نفسه» (باوكر 372). لو أن جميع البشر يعتمدون مقاربة أكثر انفتاحاً لمناقشة الدين، فلن يتعلّموا التسامح ويتقبلوا آراء الآخرين فحسب، إنما سيعطون معنى وقيمة أفضل لمعتقداتهم. فاكتشاف التنوع ليس جسراً ممدوداً بين مختلف الآراء فحسب، إنما يساعد أيضاً في الفهم الفردي.
المراجع المذكورة
- ويليام م. هاغان، “What is Religion?” Humanities 547 Images of Humanity: World Religious Perspectives. دليل، منشورات جامعة كاليفورنيا، 1997.
- غاري إ. كيسلر، Studying Religion: An Introduction Through Cases، بوسطن: ماجروهيل، 2003.
- صحيفة لوي أنجلوس تايمز، Extremists exploiting religion, pope says.، 10 مايو 2009، Austin American-Statesman، مايو 2009.14.
- أبراهام ماسلو، Religions, Values, and Peak Experiences، نيويورك: فايكينغ، 1964.
- The Farther Reaches of Human Nature، نيويورك: بنغوين، 1971.
-توماس ناغل. ?What Does It All Mean. نيويورك: منشورات جامعة أوكسفورد، 1987.
- دايفيد نوس، A History of the World’s Religions، الطبعة الحادية عشرة، أبر سادل ريفر نيو جرسي: Prentice Hall، 2003.
- The Random House Dictionary of the English Language، ستيوارت برغ فلكسنر. الطبعة الثانية، نينيورك: راندوم هاوس، 1987.
- بول تيليش، Christianity and The Encounter with World Religions، نيويورك، منشورات جامعة كولومبيا، 1963.
[1]*- كاتب وباحث أميركي.
نقلاً عن موقع: www.home saustin.com.
ـ العنوان الأصلي للبحث: Defining Religion
ـ تعريب: منار درويش، مراجعة: كريم عبد الرحمن.