البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نسيان التخلق (القيم الغربية وإشكالية الدلالة)

الباحث :  شريف الدين بن دوبه
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  4
السنة :  السنة الثانية - صيف 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 12 / 2016
عدد زيارات البحث :  3272
تحميل  ( 367.865 KB )
نسيان التخلُّق
القيم الغربية وإشكاليّة الدلالة
شريف الدين بن دوبه[1][*]
يدخل الباحث في هذه المقالة مدخل الاقتراب المعمّق من أنطولوجيا الأخلاق. أمّا خاصيّة هذه المدخل، ففي مقاربته للمفهوم الأخلاقي الغربي من الناحيتين النظرية والتطبيقية وما تثير كل ناحية منهما من إشكاليات معرفية في دلالتها ومقاصدها.
لعلّ التحديد الذي يقيمه الكاتب حول دلالات المفهوم إنما يستهدف بيان الإطار النظري للمشكلة الأخلاقية، حيث أن التغير الذي رافق الدلالة في مجال القيم يشكل التعبير الأكثر بياناً عن التصدّعات الأخلاقيّة الحاصلة في الاجتماع البشري.
المحرر
الإنسان كائنٌ مثلّث الأبعاد، عقلٌ يستقرئ الحقّ، وحسٌّ يستقطر الجمال، وإرادة تستقطب الخير. ثلاثية تنصهر فيها كينونة الإنسان، فتكوّن وحدة متعدّدة، وتعدُّد موحّد، فالنزوع نحو القيمة تلازم الفعل البشري في جميع أشكاله معرفياً كان أو عملياً، فالحقّ كمطلوب إنساني، يتصدّر سلّم القيم المعرفية في عالم البشر، ويقع الخير في صلب الفعل الإنساني السويّ، أمّا الجمال فيعمل على إقامة جسر التواصل بين عالم الحق، وعالم الخير مؤسِّساً عالم الأنموذج في مخيال البشر.
والفصل بين العوالم الثلاثة: الحقّ، الخير، والجمال مخاض الشعور بالمحدودية لدى الباحث، لأنّ الإحاطة بحقائق عدّة حقول معرفية، سواء طبيعية كانت، أو إنسانية أمرٌ مسيّج بأشواك الشبهات، فالحقائق كما يقول الحسن ابن الهيثم: «منغمسة في الشبهات»[2]، فكان التخصّص في مجال بحثي معين كفيل ببلوغ بعض الحقائق، وهو التقليد الذي توارثه الفكر البشري، مع العلوم التجريبية، فالتخصُّص ليس وليد النزعة التجريبية، بل عائد إلى قصور الطبيعة البشرية عن إدراك الحقيقة الموضوعية، والمطلقة.
ولكن الحنين إلى الأخلاق يبقى يراود البحث عن الحقيقة، فالتمكُّن من المعارف الدقيقة، والحقائق التجريبيّة لا يمكِّن الإنسان من حيازة السعادة، لأنّها متعالية على الدقة، والصرامة العلمية، والمنطقيّة، فالحضور الأخلاقي في مجالات عديدة من الحياة الإنسانية، بشكل قويّ يظهر في المرونة الدلالية التي تتّسم بها المفاهيم الأخلاقية، ولذا نجد لزاما علينا تحديد الشبكة المفاهيمية التي تؤلّف النسق الأخلاقي.
بداية ينبغي تحديد الغاية من التحديد الدلالي للمفاهيم التي تؤلِّف النسق الأخلاقي، فموقع المفاهيم، والتعريفات في النسق يكون بمثابة السفينة التي يقتضي من الباحث أن يستقلها حتى يتمكن من بلوغ ظلال الحقيقة، وهي أيضاً الأدوات المفاهيمية المساعدة على تفكيك الإشكالات الرئيسة في البحث، والمؤسف أن الملمح العام الذي ميز البحث كان نظرياً، حيث سقط المفهوم في صقيع المجرّد، والسؤال الذي تطرحه المفهمة في السياق الأخلاقي، هو كيفية التوفيق بين الطبيعة العملية للأخلاق، والبعد التجريدي للمفاهيم، وكيف كانت الزئبقيّة التي حايثت الدلالة وراء كل خلاف واختلاف قيميّ وأخلاقيّ في الفكر الغربي.
وسيكون القصد من التحديد الذي نقيمه للمفاهيم الأخلاقية ليس من قبيل الحذلقة الفكرية، بل بغرض التعليق عليها نظرياً، أو لبيان البعد النظري للمشكلة الأخلاقية، فالتعريف أو المفهمة لا تقدر على تجاوز الشروط المنطقية للتعريف، والتي منها مراعاة الوضوح، والدقة في إضافة المصاديق تبعاً للمواصفات الواردة في التعريف، والملاحظ على المفاهيم الأخلاقية مرونة الدلالة فيها، وسنلاحظ عبر هذه القراءة، التناقضات الدلالية التي عرفتها الأخلاق عبر مسارها النظري، فالتغير الذي رافق الدلالة في الأخلاق يعكس الأزمات الأخلاقية، والقيمية عند البشر.
السياق العربي
قال ابن فارس: «الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء، فأمّا الأول فقولهم: خلقت الأديم للسقاء، إذا قدرته.. ومن ذلك الخلق وهي السجية لأنّ صاحبها قد قدر عليه، وفلان خليق بكذا، واخلق به، وما أخلقه، أي هو ممن يقدّر في ذلك، والخلاق النصيب، لأنّه قد قدر لكل أحد نصيبه، وأمّا الأصل الثاني، فصخرة خلقاء، أي ملساء»[3]. و في لسان العرب: «اشتقاق خليق وما أخلقه من الخلاقة، وهي التمرين، من ذلك تقول للذي ألف شيئا: صار ذلك له خلقا، أي نمرن عليه، ومن ذلك الخلق الحسن.»[4]، ثم يفسّر ابن منظور ذلك بقوله «وحقيقته، أي الخلق، أنّه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلق لصورته الظاهرة، وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة»[5].
وفي هذا المعنى يقول الراغب الأصفهاني «الُخْلقُ في الأصل شيء واحد كالشّرب والشُّرب والصَّرْمِ والصَّرْمِ لكن خصّ الخَلْقُ بالهيئات والأشكال، والصور المدركة بالبصر، وخُص الخُلْقُ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [6]. والخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخُلُقِه قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا * فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) [7]. وفلان خليق بكذا: «أي كأنه مخلوق فيه ذلك كقولك مجبول على كذا، أو مدعو إليه من جهة الخَلْقِ..»[8].
والأخلاق جمع خلق بضمّ الخاء وبضم اللام وسكونها، ويطلق الخلق في اللغة العربية على معان:
جاء في تاج العروس: «والخلق بالضمّ: السجيّة، وهو ما خلق عليه من الطبع، وقال ابن الأعرابي، الخلق: المروءة، والخلق:الدين.. والجمع أخلاق»[9].
ويرفض بعض الباحثين التمييز الذي يقيمه بعض اللغويين بين الخَلق بالفتح، والخُلق بالضمّ، من مثل المعنى الآتي: «خصّ الخَلق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخُلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة»[10] لأن استعمال كلمة الخلق والخلق، يكون دوماً متلازمان، فالقول بأنّ فلانا حسن الخلق، والخلق، يعنى بها حسن الظاهر، وحسن الباطن، فيراد بالخلق الصورة الظاهرة، ويراد بالخلق الصورة الباطنة.[11] وخلاصة القول إنّ الناظر في كتب اللغة بجد أن كلمة أخلاق تطلق ويراد بها الطبع والسجية، والمروءة، والدين، وحول هذه المعاني يقول الفيروزابادي «الخُلْقُ بالضم وضمتّين السجية والطبع والمروءة والدين[12]» ويقول ابن منظور: «الخُلُقُ والخُلْقُ السجية.. فهو بضم الخاء وسكونها الدين والطبع والسجية»[13].
ومن خلال هذا العرض نلاحظ ثلاثة أمور هي: الخُلُق يدل على الصفات الطبيعية في خلقة الإنسان الفطرية على هيئة مستقيمة متناسقة، وتدلّ الأخلاق على الصفات المكتسبة حتى أصبحت كأنها خلقت فيه فهي جزء من طبعه، وعليه يكون للأخلاق جانبين: جانب نفسي باطني، وجانب سلوكي ظاهري.
في الاصطلاح:
يعرف «مسكويه»[14] الخلق في قوله: «الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر، ولا رويّة»[15]. وينحو يحي بن عدي نفس النحو الذي حدّ به الخلق مسكويه، والنص التالي يكشف عن مستوى التناص بين التعريفين، يقول يحي بن عدي[16]: «إن الخلق هو حال للنفس به يفعل الإنسان أفعاله بلا روية واختيار والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعا، وفي بعض الناس لا يكون إلاّ بالرياضة والاجتهاد وقد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمّد.. ومنهم من يصير إليه بالرياضة»[17].
والخلق عند أبي حامد الغزالي[18]: «عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً، سُميت تلك الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً، وإنّما قلنا أنّها هيئة راسخة، لأنّ من يصدر عنه بذل المال على الندور لحاجة عارضة، لا يقال خلقه السخاء، ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ..»[19].
الخلق عند الغزالي ليس فعلاً، بل هيئة للنفس وصورتها الباطنة، حيث تكون القابلية والاستعداد لأداء الفعل هي الدلالة الحقيقية لمعنى الخلق، والدلالة التي تأخذها الأخلاق في اللغة العربية تفتقر إلى الدقة، حيث تعتمد الدلالة التي نجدها في اللغة على حد تعبير الأستاذة نورة بوحناش[20] «على تحويل الأخلاق إلى حالة تمتزج مع بعض عناصر الشخصية الإنسانية مثل الطبع والعادة والسجيّة»[21].
والدليل الذي تعتمده الأستاذة في تبرير ذلك التعريف الذي يقيمه الجرجاني للأخلاق، حيث تصبح الأخلاق سلوكا آليا، يفتقد إلى سمة الإرادة الحرة، والتي تتحدّد بها الأخلاق، والتعريف هو: «الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإذا كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً سميت الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر من الأفعال القبيحة سميت الهيئة خلقاً سيئاً..[22].
وتورد الأستاذة اعتراضات على التعريف التراثي للخلق، أهمُّها المطابقة الدلالية بين دلالة الغريزة، والطبيعة الثابتة، المتحكّمة، والمحدِّدة للسلوك بطريقة قبليّة، والتي يترتب عنها فقدان الحكم الخلقي للمشروعية على قاعدة انتفاء حرية الإرادة عند الفاعل الخلقي، وينتج عن ذلك أيضا تجاهل الضمير المحرِّك الرئيس للأفعال الخلقّية الأصيلة، تقول: «يكون الخلق في هذا التعريف مجرد وحدة من الوحدات اللاواعية في الشخصية الإنسانية، فهو يرادف الطباع والعادات السلوكية التي لها أبعاد الضرورة النفسية في حين يمتاز الخلق بخاصية الإرادة.. ويظهر أنّ تعريف الجرجاني وقبله الفكر اليوناني قد أخلط بين مستويين من مستويات الأفعال الأخلاقية مستوى نفسي أولي، وهو مستوى الغريزة، ومستوى عاقل وواعي هو مستوى الضمير»[23].
وما يلاحظ على الحقل التداولي لكلمة أخلاق في اللغات الأخرى وجود بعض الفوارق الدلالية في الاصطلاح اللغوي، فهناك Morale و Ethique.
ويلاحظ المفكِّر طه عبد الرحمن على الدلالة الفلسفية للأخلاق في الممارسة التراثية الإسلامية «غلبة» صيغة التعريف التي جاءت عند جالينوس في كتابه الأخلاق، وهي: «الخلق حال للنفس داعية للإنسان أن يفعل أفعال النفس بلا رويّة ولا اختيار... فالأخلاق في مجال الممارسة الفلسفية الإسلامية المنقولة عن اليونان، إذن عبارة عن أحوال راسخة في النفس رسوخ طبع أو رسوخ تعود، تصدر عنها أفعال توصف بالخير أو بالشر»[24].
في التراث الغربي
تتقاطع كلمة Morale في اللغات الغربية في البناء الصوتي، والدلالي للكلمة، إذ نجدها متقاربة بين الفرنسية والانجليزية، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Mores ومعناها العادة، وتناظرها في اليونانية Ethice وفي اللاتينية Ethica. وتصبح الأخلاق بذلك تعبيراً عن الآداب العامة، أو أخلاقيات الحياة الاجتماعية، ولكن الأخلاق الاجتماعية لا تعكس فقط الآداب العامة، فالأخلاقيات الفردية مرجع ثابت في الخيرية الأخلاقية، و عادة ما يميز في الفكر الأخلاقي بين زاويتين: عملية، ونظرية، تكون الأولى مادة بحثية للأخلاق النظرية، ومجالا معياريا تقاس به صحّة، ونجاعة القيم الخلقية، وتظهر ضرورة الإشارة إلى النموذجين في الاختلاف الجليّ بين المدارس الخلقية في التعاطي مع المفاهيم، ومع مفهوم الأخلاق ذاته، فالأخلاق العملية تمثل الممارسة الفردية، والجماعية للقيم الأخلاقية، فالفرق بين عالم النظر، وعالم الواقع مسألة بارزة في تاريخ الفكر، فعالم النظر متميز بكماله، وتعاليه، أمّا الممارساتي فسيكون نسبياً، ومتغيراً، ويطلق على الممارسة الجماعية للأخلاق بالعادات الخلقية، وقد أطلقت العادات الأخلاقية على الممارسات الجماعية للقيم الأخلاقية تمييزاً لها عن الممارسة الفردية للأخلاق، والتي تترجم عند البعض بالأخلاقية Moralité فهي ممارسة خاصة بجماعة معينة، ونسبية، وقد اهتم بهذا اللون من الممارسات الأخلاقية العالم الاجتماعي الفرنسي لوسيان ليفي بريل[25] Lucien Lévy-Bruhl.
أمّا الأخلاقية: moralité فهي سمة فردية، قيمة ايجابية أو سلبية من زاوية الخير والشر، تقال إما على الأشخاص، وإما على الأحكام، أو على الأعمال، وهي ممارسة فردية، وشخصية للقيم الخلقية، وفي اعتقادنا أن الأخلاقية محكّ، ومعيار نجاعة القيمة الخلقية، فالواقع أغنى من كل نظرية، فالعادات الخلقية Mœurs موضوعية، ومستقلّة عن الأفراد، وصاحبة سلطة، فقوة السلطة التي تمتلكها العادات الخلقية، تتضح بشكل جليّ في التابوهات [26]Tabou التي تعيشها الجماعات البشرية.
وأهمّ سمة تميُّز الأخلاقية النسبية، التغيّر، فالممارسة الأخلاقية لدى الأفراد تختلف من فرد لآخر، على قاعدة التغاير القائم في الرؤية إلى الكون، فنظرة الشاب، وتطلُّعه إلى جماليات الحياة تؤسِّس لاختلاف بينه، وبين الشيوخ، وإذا اعتمدنا التجارب النفسية لوجدنا أن الطفل يعايش لحظة ينعدم فيها الشعور الأخلاقي، ثم يتدرَّج الضمير عنده من مرحلة الخطأ إلى مرحلة الندم، إلى أن يصل إلى قمة الشعور بالقيم الأخلاقية، والذي يصطلح عليه البعض من علماء الأخلاق بسيادة الحب، أي أن تصبح القيمة محل شوق واستقطاب من طرف الإنسان، فالأخلاقية تعبير عن الملمح النسبي في القيّم.
أمّا الأخلاق النظرية، أو فلسفة الأخلاق، فهي دراسات تأصيلية، أو تربوية للقيم الأخلاقية، وقد تباينت الرؤى الفلسفية حول المسائل الأخلاقية، ومن بينها الاختلاف حول مفهوم الأخلاق كعلم، حيث تعدّدت وجهات النظر في تعريف هذا العلم تبعاً لاختلاف الغاية منه..فأصحاب الإتجاه الاجتماعي مالوا إلى المرجعية اللغوية، فعرّفوه «بعلم العادات». ومال وإتجاه آخر إلى معيارية العلم، ويعنون بذلك أن علم الأخلاق لا يبحث في أعمال الإنسان الإرادية، التي صارت عادات وتقاليد، من حيث هي أمور حاصلة في الواقع، وإنّما يبحث في كيفية توجيهها صوب الطريق السوي، على نهج من قواعده وقوانينه، ثم يحكم عليها حسب المقاييس التي يضعها، وقد وردت لهذا العلم عدة تعريفات أخرى، منها أنّه «علم الخير والشر»، «علم الواجبات».. إلّا أن هذه التعاريف وغيرها لا تمسّ إلاّ الجانب النظري لهذا العلم، لأنّ تحصيل قواعده لا يجعل الإنسان بالضرورة ذا أخلاق حسنة.
وتاريخ الفلسفة الخلقية يكشف عن محاولات تأسيسية، تجريدية، سعى من خلالها الفلاسفة إلى منح القيم الأخلاقية صوراً، وقوالب منطقية مجرّدة، متعالية، حيث كان القصد في ذلك البحث عن رؤية واحدة للمسار البشري، والتي تستند في الأصل إلى وحدة الفطرة البشرية، في الأمل بالسعادة، والحلم بعالم خال من الألم، والهموم، فالرؤية الكونية التوحيدية للجنس البشري، وللوجود ككل هي الحل لأزمة التنظير، فالنظريات الأخلاقية تؤرّخ بشكل عفوي لأزمات الحياة الأخلاقية في عصرها، فالبحث في.. أو عن الأسس النظرية العامّة للفعل الأخلاقي يرتبط بالأزمة، فهي التي تولِّد الهمّة، والحقيقة تكون مرافقة للبحث.
واستقراء الفلسفة في مسارها الأفقي يكشف عن واقع الأزمة الأخلاقية التي حايثت الأخلاق، وقد أخذت هذه الحالة من المحايثة عدّة أوجه، وفي عدة مستويات، أهمها الأصول المرجعية للقيم الأخلاقية، حيث يضعنا البحث عن جذور الأخلاق في دور فلسفي يصعب علينا الخروج منه، وما نودُّ التنبيه عليه في هذه المحطة أنّ البعض من المفاهيم الأخلاقية، والقيم نتاج فئوي لا يمُتُّ بصلة إلى الأخلاق، حيث أن التمرُّد الواقع من الشريحة الواقعة تحت ضغط الطبيعة الماكرة التي تدفع بالكائن إلى الاستمرار في إرضاء نزواته الطبيعيّة، فالرضوخ للنفس يدفع الكائن إلى البحث عن مبرِّرات سلطوية لطمس منظومة القيم، ومنها إضفاء القداسة الوهمية على كل سلوك أو قيمة مصطنعة، والذي جعل من المنظومة الأخلاقية تأليفا بين متناقضات يفترض تجديداً، أو تأويلاً أو تثويراً داخل هذه المنظومة.
والبحث في ثنايا الأنساق الفلسفية يكشف عن الخلاف الذي حايث الإجابة عن سؤال المصدر الذي تعود إليه الأخلاق، فالمدارس الذاتية في جميع العصور تقرّر، وتحاجج في إثبات فردية، وذاتية القيم الأخلاقية، وفي المقابل نجد المدارس المتعالية تدافع عن وجهة نظرها في موضوعية القيم، وكتب التخصّص تزخر بذلك، كما ساهمت المدارس الدينية باعتقاداتها المتعددة، وبتوجهاتها المتباينة في تجريد الأخلاق، وسلبها البعد الذاتي الذي تحايث فيه الأخلاق الإرادة الإنسانية، فلا أخلاق بدون حرية إرادة، ووعي، فالتجربة الأخلاقية تأصيل لحقيقة الأخلاق، وليس التنظير الذي تصبح الأفكار الأخلاقية في رفوف المكتبات، ويموت المؤلف فيه، بمجرّد الكتابة.
وطرحت أيضاً نسبية القيم الأخلاقية بين المجتمعات البشرية، سؤالاً مركزياً عند النخبة الفكرية للجماعات، والفلاسفة بحث فيه هؤلاء عن دواعي الاختلاف بين المعتقدات القيميّة، وقد كانت الرحلات التجارية عاملا من العوامل الذي كشف للفلاسفة، والنخبة العلمية ملامح الأزمة القيمية، والأخلاقيّة داخل المؤسّسات المدنيّة المحليّة، حيث يذكر التاريخ رحلات سقراط، وكثير من فلاسفة الإغريق إلى مصر، فالنهل من علوم الشعوب، وحكمتهم مسألة ضرورية عند عاشقي الحقيقة، ولذا نجد أنّ الفلسفة السقراطية نتاج للفلسفات السابقة إغريقية كانت، أو شرقية، أو بتعبير أدقّ نجد في ثنايا الفلسفة الخلقية السقراطية شذرات، وأصول، وحكم أخلاقية سابقة.
من مظاهر الأشكلة اختلاف الفلاسفة حول مصدر، وطبيعة القيمة الخلقية التي يتعلّق بها الفاعل الخلقي بالطلب، وكانت صيغة المسألة في الشكل التالي هل القيمة الخلقية كصفة مطلبية متضمنة في الفعل الخلقي، أم خارج جوهر الفعل؟ وهل هي نتاج تجربة أخلاقية فردية؟ أم نتاج تراكمات قيمية تكوّنت بالعادة، والمألوف عبر التاريخ للمجتمع، فكانت الوجهات متعددة، ومتباينة في المدارس الخلقية، ففي البدء كان الإعلان عن ذاتية القيم مع جورجياس، وبروتاغوراس، ثم كانت الفضيلة، والمعرفة عنواناً لتجريد القيم، و قد أقصى سقراط حسب فريدريك نيتشهNietzsche حقّ الجسد في بناء القيم الأخلاقية، بتمثُّله، لروح أبولو[27]، وحمله سيف سلطته في حربه على حقوق الإنسان الذاتية، والتي تبدأ مع الجسد، ثم كانت المذاهب الخلقية المتباينة في اعتقاداتها، وفي القول بذاتية القيم، أو موضوعيتها.
كانت مذاهب السعادة بأنواعها تعبيراً عن ارتباط القيمة بتجربة الفرد الأخلاقية الذاتية، بداية مع أفلاطون الذي جعل السعادة أو الخير الأمثل في التوازن، والانسجام بين الدوافع، والرغبات المتضاربة، وفكرته في العدل تؤكد ذلك، فالتوازن داخل الموجود ينتج النموذج، والرجل الفاضل، وكذلك الدولة النموذجيّة.
وبدأت مع أرسطو الرغبة في ضبط الدلالة الموضوعية للسعادة، بالتمييز بين طلب اللذة، وطلب السعادة، فكانت السعادة عنده هي الخير الأعظم، الذي يتوخّاه الكل، فأسس بذلك أرسطو لمبدأ الغائية في الحياة الأخلاقية، فكانت بذلك الأخلاق الأرسطية أخلاقاً تداعياتية Conséquentialisme فالفعل الخلقي عند أرسطو ـ كما يقول توفيق الطويل ـ : «هو فعلٌ يقترن في العادة بوجدان من المتعة الذاتية، ولكنّه يجاهر بأنّ الفعل الخلقي لا يكون خيراً لأنّه يحقق متعة، بل يقول أنّه يحقق متعة لأنّه خير..»[28] ومع مذاهب المنفعة بدأت الطبيعة البشرية في اعتلاء مملكة الإنسان، بعيداً عن سلطة العقل المتحجّر في قوالب منطقية مجردة، فكانت المدرسة القورينائية، والأبيقورية، وأخيراً مذاهب المنفعة العامة.
الإيتيقا: L’éthique
«يتساءل المفكِّر التونسي عبد العزيز العيادي عن دواعي الاستعمال الجديد، فهل هي «شعار نرفعه عالياً لنستعيض به عن لفظ الأخلاق الذي كثيراً ما يرتبط في لغة التداول اليومي كما في الكتابات العالمة إمّا بدلالة التأزّم، وإمّا بدلالة تحقيرية حيث تصبح الأخلاق مرادفة للمواعظ والأوامر التي يأتيها الغافلون عن كثرة التحولات؟ هل الإتيقا تعبير عن حالة الاستنفار والمسائلة والضيق وبالتالي هي استئناف لتعبئة الوعي الأخلاقي المنهك؟»[29].
في الاشتقاق
الأصل التداولي لكلمة إيتيقا éthique في اللغات اللاتينية والأنجلوسكسونية، هو الكلمة اليونانية éthicos والتي تشتق من كلمة éthos وهي كلمة مرادفة لكلمة moralis اللاتينية،المشتقة من Mores وكل من Ethos وMores يؤدّيان مفهوماً مشتركاً هو العادة.
ولكن جاكلين روس [Jacqueline Russ] تقيم فرقاً جزئياً بين الإيتيقا éthique و الأخلاق morales فكلمة la éthé باللغة الإغريقية تعني العادات الأخلاقية، وMores تعني الأعراف[30].
ترجم العرب éthos بلفظة الأخلاق وأشار أرسطو إلى الفرق بين الإيتيقا والأخلاق بقوله: «فإمّا الفضيلة الإيتقية فهي ربيبة العوائد الحسنة..»أي الأخلاق كما فكر بها العرب مثل مسكويه أو الفارابي نفسه. وعليه، فالإيتيقا ليس خلواً من كل أخلاق Mœurs لكنّها ضد الجهاز الخلقي moral الذي تفرضه ذاتية الإكراه سواء بالدين أو بالدولة.
يتضح...أن ثمة فرقاً شاسعاً بين ما يصطلح عليه بالأخلاق la morale من جهة أولى وما يصطلح عليه بالإتيقا éthique من جهة ثانية. فالإيتيقا عند «سبينوزا» مثلا، لا تفيد الأخلاق بقدر ما تفيد الفن التجريبي لأنماط الوجود، إنّها مجرد مشكل اختيار شخصي لنمط من أنماط الحياة، بقصدية جمالية الوجود، على اعتبار أنّ الإنسان هو من يأتي بالأخلاق إلى العالم لا العكس.وبخلاف الإتيقا فالأخلاق بما هي كذلك، «غريزة» تعم الكل ولا تقبل بالاستثناء ما دامت تعرض نفسها في صيغة قانون قبلي على الدوام.
من هنا وجب الفصل ما بين الإتيقا التي هي قانونية بالضرورة، ل أنّها تحدّد الخير الحقّ (...) وتقوم على الاستقلالية الذاتية للكائن الإنساني الحر الذي يمارس مواطنته الكاملة، ولا يشعر بأي فرق سواء تجاه باقي المواطنين في وطنه، أو تجاه باقي ومواطني الدول الأخرى، و(نحن هنا نقترب أكثر من مفهوم المواطن الكوني الذي غدا يتحقق في ظل وسائل الاتصال التكنولوجية الأنترنت مثلا..)، وبين الأخلاق كلزوم وكأوامر تقتضي الطاعة، أي ما ينبغي أن يكونه الكائن لا وفق طبيعته وحريته الإنسانية، وإنّما وفق غايات ومبادئ تستند إلى معيار تيولوجي أو متعالي.
ويبدو أن المرجعية الاشتقاقية للمصطلح طرحت أمام الباحثين إشكالات عدة، أهمُّها الأصل الجماعي للأخلاق، فالأخلاق في صورتها الرهطية لا تمثِّل إلاّ جانباً من الجوانب، حيث تكون في صورتها الخارجية مظهراً من مظاهر النفاق الاجتماعي، على قاعدة التطابق الأنطولوجي بين الحقيقة الأخلاقية عند الذات، وفيها، وبين التمظهر الخارجي للقيمة في صورة الفعل، وباستقراء التاريخ نجد أن القيم الأخلاقية المجتمعية كانت دوماً عائقاً أمام التطوّر الحقيقي للقيمة الأخلاقية في الغرب على مستوى التجسيد الفعلي.
كما نلمس تحوُّلاً، وزحزحة دلالية عند الدهماء حيث تحوّلت الأخلاق الاجتماعية ذات الطبيعة النسبية، إلى منظومة متعالية، مجرّدة، والتي طرحت أمام الفاعل الأخلاقي إشكالات عملية على مستوى ممارسة القيمة، فكانت لحظة انتقال للإيتيقا من مرحلة أخلاق العادة إلى أخلاق القيمة.
واستطاع المفكّر طه عبد الرحمن أن يفك بعضاً من خيوط الأشكلة التي تحايث اصطلاح الايتيقا، فالايتيقا: «كلمة إغريقية الأصل» [ايتوس] بمدِّ الهمزة المكسورة، يقصد بها «الطبع»، أو الخلق الراسخ في النفس في صيغة القابلية، أو الهيئة التي نجدها في المعنى التالي: «الصفة السلوكية، محمودة كانت أو مذمومة»، وهو لفظ قريب في النطق من لفظ إتوس بالهمزة المكسورة غير الممدودة ومعناه «العادة»[31].
فهي إذن تحمل دلالتين متقابلتين، الطبيعة الراسخة، والعادة المتغيِّرة، أي القابلة للتشكُّل.. ومنه أخذت الدراسات التراثية العربية والإسلامية إشكالاتها الأخلاقية، فكانت المواقف الثلاثة في أصل القيم، وتصنيفها، فكان: «القول بالطبع»، و«القول بالتعود»، «القول بالتأليف بين الطبع والتعود»، ويرجع هذا الموقف إلى القول بأنّ القابلية للخلق تكون بالطبع، في حين يكون الرسوخ في الخلق بالتعود[32].
ويفتح المفكِّر طه عبد الرحمن باباً للسؤال في الأخلاق النظرية أو الإيتيقا، من حيث التأثيل، أي بالبحث في المرجعية الدلالية التي تؤسّس عليها العبارات، أو الاصطلاحات، فالأخلاق النظرية تقوم على النظر، والذي يتضمن في جذره اللغوي على معنى الإبصار، وفي الاصطلاح على الفكر الذي يطلب الظفر بالمعرفة، وتكون المعرفة النظرية مقابلة للمعرفة الضرورية التي يراد بها المعرفة التي تقوم بالفطرة في نفس الإنسان..وعليه تكون المعرفة النظرية، أو النظر كخاصية دال على المعرفة الحاصلة بالاستدلال، وفي السياق الأخلاقي تكون الأخلاق النظرية أخلاقاً استدلالية قائمة على الحجة والبرهان، وباللغة المعاصرة تكون هذه الأخلاق مسلماتيّة، وليست أخلاقاً قابلة للمعايشة والتطبيق.
كما يلتفت الأستاذ طه عبد الرحمن إلى خاصية التجريد التي تضفى على الأخلاق، حيث تضع المتلقي أمام استقبال دلالة البعد عن العمل، والممارسة، فالمعنى الثابت الذي ينشئه المستمع للفظ التجريد هو المقابل لمعنى الممارسة، وعليه تصنف الأفكار، والنظريّات التجريدية في خانة الأنساق الميتافيزيقية.
نلمس من خلال القراءة الأولية للدلالات المتضمّنة في التعريفات المتعدِّدة لكلمة إيتيقا Ethique صعوبة الوقوف على دلالة عامة، وقطعية للكلمة، وتكمن الصعوبة في التفرقة المقامة بين عالم النظر، وعالم الممارسة.
تطلق الإيتيقا على القواعد الأخلاقية اللامشروطة التي تحيل إلى توجه كانطي بيِّن، أو إلى نظريات فلسفية مثل الأخلاق الأرسطية أو الأخلاق السبينوزية، فهي الدراسة الفلسفية لـ Morale للممارسات الأخلاقية، فهي بالتالي النظرية النقدية لـ Morale باعتبار هي المضمون العملي لـ Ethique. وتظهر الصعوبة بشكل جلي في تعريفات أندريه لالاند لـ الإيتيقا حيث نجدها تعبر عن البعد النظري للأخلاق تارة، وعن المنحى العملي تارة أخرى، «العلم الذي يتخذ من أحكام القيمة بما أنّها تفرق بين الخير والشر موضوعاً له» و هي أيضا: «مجموع القواعد المعمول بها في مجتمع معين وفترة معينة»[33]. وأيضا: «العلم الذي يتخذ السلوك البشري في علاقته بالأحكام التقديرية النظرية موضوعاً له، و هي العلم الذي يدرس أحكام القيمة»[34].
والأخلاق Morale عند زريفان طابع مصطنع، وبناء اجتماعي في سياق مجتمع محدد، وهي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد وبين هذا الأخير الخارج... تنظم السلوك البشري داخل المجتمع وتبلغ مداها حينما يتم استبطانها داخلياً من طرف الأفراد، وهي خطوة في اتجاه الإيتيقا..[35] أمّا الإيتيقا Ethique: فهي إلتزام فردي عميق يتجاوز مجرد الالتزام بما تعاقد عليه المجتمع(الأخلاق).
ومع المدرسة الوضعية المنطقيّة بدأت الإيتيقا مع لحظة المراجعة، فأصل الخلاف يكمن في الدلالات، والمدخل الأساس لضبط الدلالة هو اللغة، ولم يقف فلاسفة المدرسة عند حدود مراجعة المبادئ المنطقية، والأحكام فيها بل اكتسح التيار الوضعي مجالات أوسع، وكانت الأخلاق حقل مراجعة ونقد، فكانت أسئلة ما بعد الأخلاق أو الميتا أخلاق، والتي اهتمت بدلالة كلمة خير بدلا من الاهتمام بالخير، وعي ما عرفت مع الفيلسوف الإنجليزي جورج ادوادرد مور، الذي «رفض فكرة وجود علاقة تطابق مفهومي بين الخير ومختلف تحديداته»..[36] فالدلالة التي تحملها الأخلاق لا تخرج عن صنفين: نسبيّة ودلالة مطلقة.
الدلالة النسبية: ويقصد بها المفهوم الذي لا يطرح أي خلاف، ويمكن الاقتناع به بكل سهولة، وهو معنى بسيط، وساذج على حد توصيف الفيلسوف، والذي يظهر في التعريفات التالية: «الإيتيقا هي البحث عما هو خير»، و«البحث في ماله قيمة، ما له أهمية حقيقية»، و«البحث عن معنى الحياة»، أو «ما يجعل الحياة جديرة بأنّ تعاش»، أو «الطريقة السليمة للحياة»[37].
الدلالة المطلقة: وتظهر في الينبغيّة، والمطلوبيّة التي تستبطن الأحكام الأخلاقية: «كان عليك أن ترغب في التصرُّف على نحو أفضل» فهو حكم قيمة مطلق، متجاوز لنسبيّة الثقافة، والمنحى الشخصي.
لا تخرج نظرة فتجشتاين عن الرؤية العامة للمدرسة الوضعية، فهي تنظر إلى الأحكام الأخلاقية من زاوية مغايرة لنظرتها في نظرية المعرفة، «..فالأحكام الخلقية ـ عند المدرسة الوضعية ـ لا توصف بالصدق أو الكذب، ل أنّها تعبر عن رغبات وأحاسيس ومشاعر إنسانية فقط، ويترتب على ذلك... أن لا يمكن الحكم بالصدق أو الكذب على الحكم الأخلاقي، فإنّ كل وجهات النظر الأخلاقية في رأي الوضعية المنطقية مشروعة تماماً، وربما انحدرت إليهم هذه النظرة من جورج مور»[38].
أخذت الإيتيقا مع الوضعية المنطقية إذن سياقات جديدة تقاطعت فيها مع التجريبية المعرفية، والأخلاقية في اعتبار الواقع مقياساً، ومعياراً للصدق في الأحكام، ومع التعالي الإيتيقي، في القول بندّية الأحكام الأخلاقية، وتجاوزها لمعايير التقييم، وهو ما يعبّر عنه بما وراء الأخلاق أو ميتاإيتكس Meta ـ Ethics حيث اعتبر رواد مدرسة علم الأخلاق «علم الواجب، وهذا ما دفعهم إلى هذا العلم الخال من الدلالة المعرفية، والسبب في هذا عدم حديثه عمّا هو قائم فعلاً، وإنّما حول ما يجب أن يكون.. فهو لا يتصل بالواقع facts، ولا يتصف بالعلمية مطلقاً»[39].
ومع الفيلسوف بيري [40]Ralph Barton Perry: أخذت الأخلاق منحى آخر، وهذا يدل على خلفيات الأزمة في الثقافة الغربية، فالأخلاق مفهوم قائم مستمر على نحو موصول في العالم، أو على أية حال يوجد شيء مستمر من المناسب أن نخلع عليه اسم (الأخلاق)، ولا يوجد شيء أكثر تداولاً وشيوعاً، كما لا يوجد شيء أكثر غموضاً، من هذا اللفظ..[41] ويبيّن الفيلسوف رالف بارتون بيري أسس الالتباس في مفاهيم الأخلاق، وإشكالاتها، من خلال مناقشة تحليلية، ونقدية لدلالات المفاهيم الأخلاقية المتعارف عليها، والتي اعتبرها أخطاء ساهمت في انحراف الفهم، والتفسير الذي اجتهدت المذاهب الأخلاقية في إقامته، من خلال اللحاظ التالية:
أولاً: يكمن في الربط بين الأخلاق والزهد، والتي أزلّت بالباحثين، في دراساتهم الأخلاقية، حيث أعتبر رجال الأخلاق الميول، والرغبات، والحاجات مسائل طبيعية، تعكس الأنانية، والتعلُّق بالحياة، أي أنّها تجليات الجسد: أرضية النوازع، ومصدر المنازعات. لكن القول بلا أخلاقية الرغبة هو إنكار لجزء من الطبيعة البشرية، يقول بيري : «إنّ الأخلاق لا تتطابق مع أي ميل وقتي أو أي رغبة خاصة ولما كانت تحتاج إلى ميول تضبط وتنظم، فإنّ الواجب يحسب على أنّه يتطابق مع عدم الرغبة وإحلال السلبي مكان الايجابي، وكل مصلحة ترفع رأسها تعتبر عدُّواً أو على الأقلّ خطر، أو هذا ما يعرف بالزهدية أو النسكية»[42]
ثانياً: الزلة الثانية التي وقع فيها البحث الأخلاقي هي فكرة السلطانية، أو الولاء المطلق لسلطة القيم الأخلاقية، وهي ما تمثِّله أخلاق الطفولة، فالالتزام، والقبول بصدقية الأحكام، أو الأوامر، والنواهي، هو تنازل عن حق الفرد في الحرية، والاختيار، وحسب [ بيري] تحتاج السلطة التي نقدم لها الولاء مبررات لشرعيتها، وسلطتها، وعليه فالعلاقة بيننا، وبين هذه السلطة لا تخرج من جنس الانفعال العاطفي :الخوف، أو الرهبة، أو الحب.. وعليه تكون العلاقة بين القيمة والمريد، أو الفاعل الأخلاقي فاقدة للشرعية الأخلاقية التي تقوم على تعلُّق الفاعل بالقيمة.
ثالثاً: يصطلح عليه بالناموسية والذي استشفه بيري من البحث الأخلاقي، يقول «..الناموسية، وفيها تتطابق الأخلاق مع مجموعة من القواعد أو النواميس، فهي شبيهة بما يسمى في عالم القانون بإتباع حرفية القانون، وهي إحلال الحرف محل روح القانون أو قصده..»[43]
فابتعاد القيم، والقواعد الأخلاقية عن المرونة، التي تعود في الأصل إلى روح المعاني الأخلاقية، وغاياتها، المرونة التي تمنح القيم بعدها الإنساني، إذ يصبح التعامل مع القيم تعاملاً صورياً، شكلانياً، في حين أن القيم، أو القواعد الأخلاقية إذا أخضعت للبحث، والدراسة، تفقد القاعدة الأخلاقية صفة المطلقية التي أضفتها السلطة الاجتماعية عليها.
رابعاً:الأخلاق حقل فعل وممارسة قبل أن يكون نظرية مجرّدة، على قاعدة المطلبية، وليس في سياق التفسير، لأن الولوج في البحث عن العلّة المصدرية للآخر يوقعنا في دور فلسفي لا نخرج منه أبداً، فالفكرة سابقة للفعل، أو العكس مسألة نظرية لا تفيدنا بشيء، والأمر الواقع هو التسليم بوجود نمطين داخل الحقل الأخلاقي: الأخلاق العملية، والأخلاق النظرية.
الأصل في التباين الذي عرفته الدراسات الأخلاقية يكمن في التعددية المرجعية التي عرفتها الرؤية الأخلاقية، فقد ساهمت العقائد في بناء الجدل على مستوى المضمون الأخلاقي، وعلى مستوى المنهج، ونجد في تاريخ العقائد التوحيدية: اليهودية، والمسيحية، والإسلام، اهتماما بالمسائل الأخلاقية، ولكن الملاحظ أنّها ترنّحت بين التعاطي الميتافيزيقي، والشرعي في الفكر الديني.
وأزمة الأخلاق الغربية عائدة إلى تمثلاتها الثقافية لمؤشرات مختلفة، حيث ورثت المسيحية كثقافة الموروث اليهودي كشرائع، وكقيم أخلاقية، خصوصاً الأصيل منها، وأضافت إلى هذا التراث لمسات أخلاقية، وشرعية تجازوت فيها المسيحية المحرف من الموروث اليهودي، ولذا نجد أيضا هذا اللون من التباين في الرؤية للمسائل الأخلاقية، فالاعتقاد بالقانون الأخلاقي عند المسيحية يتعارض مع القول بحرية الإرادة الأخلاقية، يقول سيدجويك: «.. أول ما ينبغي ملاحظته لطرافته هو فكرة الأخلاق باعتبارها قانوناً إيجابياً لجماعة ذات حكومة إلهية لديها قانون مكتوب قد فرضه إله بوحي إلهي، وأيّدته وعود وتهديدات إلهية قاطعة..»[44]. ونستشفّ من هذه العبارة اعتماد الأخلاق المسيحية فكرة القانون، أو القاعدة الملزمة، والذي قعّد للموضوعية في القيم، المسألة التي شهدت خلافاً نظرياً بين الفلاسفة، والذي برز في مسألة ذاتية القيم والملفت في الدراسات الأخلاقية المسيحية اعتبار الله المصدر الأول، والخالق المطلق لكل شيء، والتي كانت المسلمة المربكة للاستدلال العقلي عند المسيحيين، حيث وجد علماء اللاهوت أنفسهم في موقف محرج في تفسير ارتباط الشر بالخالق، والخير المطلق، وسنحاول الإشارة إلى بعض من هاته التصورات الأخلاقية في الفكر الأخلاقي المسيحي على قاعدة ارتباط القيم الأخلاقية في الغرب بهذا الموروث.
تبرز المسألة الأخلاقي في الفكر القروسطي من خلال التعاطي مع مسألة الشر، حيث اهتم فلاسفة العصر القديم، والوسيط، بالمسألة من حيث بعدها الأنطولوجي، ومصدرية الوجود، حيث سلمت المانويّة بعنصرين: الخير، والشر، كحل لمعضلة أصل الشر، ولكن مع الفكر الديني بدأت تأخذ وجهة أخرى، وبما أنّ الله الخير المطلق أصل الوجود ككل، بدأت الإشكالية تزداد حدة، لأنّ التسليم بوجود الشر مسألة واقعية، واقتران الشر بالخير قديم وجوداً، الذي استدعى تفسيراً لأسبقيته لمبدأ الخير، أو اقترانه به، والذي يمنحه قدسية نابعة من أقديمته، لذا وجد القديس أوغسطين تفسيرات متضاربة في المسألة، لم تمنحه اطمئناناً معرفياً، يقول: «.. ومع ذلك لم أقتنع بالشر وبسببه كما هو مشروح وموضح «.مهما يكن، كنت أرى أنّه يتوجب عليّ أن ابحث عن سبب الشر،دون أن يقودني ذلك للاعتقاد بأنّ الله الثابت هو متغير، وهكذا فتشت عن السبب بكل أمانة، مع العلم بأنّ نوايا أو مقاصد الذين كنت لا أتفق معهم لم تكن حقيقية»[45].
فالانحراف الخلقي عند أوغسطين مرده إلى الإرادة الإنسانية، والنزوع نحو تحقيق السعادة البشرية، واصطدامها بحجاب الجهل.
أما القديس أنسلم فقد كان موقفه من الإرادة الإنسانية، تأسيساً لنظريته الأخلاقية، حيث يبرز تأثره بأوغسطين، وما يتميز به عنه قوله: «بأنّ آدم قد سقط من تلقاء نفسه وبمحض اختياره الحر، وإن لم يكن بمحض حريته.. وبهذا يقيم تفرقة ضمنية بين الحرية التي تقابل الحتمية وحرية التحرر من عبودية الإنسان للخطيئة.. ويتميز أيضا بأطروحته القائلة بأنّ الحرية في إرادة ما هو حق لم تُفقد كليّةً حتى عند الإنسان الذي يقترف الإثم، إنّها فطرية في الطبيعة العاقلة وإن كانت منذ خطيئة آدم لا توجد في الإنسان إلاّ بالقوة كالقدرة على النظر في مكان مظلم إلاّ إذا وجدت بالفعل بفضل من الله»[46].
وارتباط الفعل الخلقي بالإرادة الإنسانية مسألة بدهية في الحياة الخلقية، ولكن في الاعتقاد الغربي المسيحي تصبح البرهنة على هذه المسلمة مسألة شائكة، وقد حاول رواد المنطق الغربي مقاربة المسألة في صورة منطقية، مثل ابيلارد[47]، إذ يؤسس الرؤية الأخلاقية على مبدأين: الخير في ذاته، ومبدأ النية والقصد.
الدلالات التي أخذها الخير في الاصطلاح الأخلاقي لا تخرج عن جنسين: خير في ذاته، وخير يُطلب لغيره، والذي يتبلور مع القديس توما الإكويني، حيث يظهر الأثر الأرسطي بارزاً في فكره الأخلاقي، ويعتقد ابيلارد أن التصور المتعالي للخير في ذاته في الفكر الأخلاقي الإغريقي يتقاطع مع التصور المسيحي للخير.. «إنّ مفكري الأخلاق من قدماء اليونان وهم يوصون بحب الخير لذاته مجرداً من الهوى أقرب في الحقيقة إلى المسيحية من التشريع اليهودي..وقد كان هؤلاء الفلاسفة مِثالاً في السيطرة على الرغبات الحيوانية وفي احتقار الأمور الدنيوية والولاء لمطلب النفس مما قد يشين أكثر رهبان عصره»[48].
أقامت العقيدة المسيحية فلسفتها الخلقية على مجموعة من المبادئ، يمكن إيجازها في مجموعة من الخصال الرئيسة، والتي تتفرع عنها مجموعة من الأخلاقيات في المعتقد المسيحي، والتي حاول علماء اللاهوت التنظير لها، وهي:
الإيمان: تحيل دلالة الإيمان العقل إلى القبول، والتسليم بالقانون كحقائق متعالية، مما يفترض تعارضاً بينه، وبين العقل، وهذا ما يلاحظ على الإشكالات الفلسفية التي عرفت في المسيحية «آمن ثم تعقّل»..التي حاول فيها القديس أنسلم التوفيق بين الديالكتيكيين، واللاهوتيين في مسألة العلاقة بين العقل والنقل، فالإيمان في المسيحية هو قوة الاستمساك بالأفكار الخلقية، والدينية، دون النظر في قوة البرهان العقلي، والإيمان هو السبيل، والدليل إلى تمثل، وتجسيد الاعتقاد في المسيح عليه السلام، فالإيمان في المسيحية هو نفسه الإيمان في العقائد الأخرى، يقول سيدجويك: «.. ليس ثمة فرق أخلاقي بين الإيمان المسيحي والإيمان اليهودي أو الإيمان الإسلامي..»
الحب: ارتباط الإيمان بالعمل لا يمر إلاّ عبر الحب، فالالتزام بالقيمة، والسعي نحو تجسيدها يفترض تعلقا بها، وعشقاً لها، وموضوع الحب في الأخلاق المسيحية هو الله، ثم يليه حب جميع الناس باعتبارهم تجليات الله، وموضوعاً للحب الإلهي، وسنرى مع فلاسفة المسيحية إسقاطات جمة لهذا الحب، على مستوى تقابلي، النفور من الشر، ومحاولة اجتناب الخطيئة، وهذه العاطفة الدينية، والأخلاقية بين المسيحيين هي المؤسسة لروح التكافل الاجتماعي، والإيمان به كواجب اجتماعي ملزم.
الطهارة: فكرة الدنس بصورتيه المادية، والمعنوية هاجس رافق المعتقد المسيحي، منذ البداية، وهي أوسع معنى من العفة، فالعفة تتناول طهارة الأعضاء، وسلوك الغريزة في مجراها الطبيعي دون انحراف، أمّا الطهارة فهي الفضيلة التي تشمل قداسة الفكر، وطهارة المشاعر، وعفة السلوك، فالإنسان الطاهر طاهر في حواسه وفي خلجات قلبه، وفي أقواله، وفي نظرات عينيه وفي ملمسه وملبسه وأحاديثه وكل ما يتناول حياته الباطنية والخارجية معاً، الطهارة هي فضيلة مسيحية من عمل الروح القدس في المؤمن ولكنها تحتاج إلي جهاد وسهر ويقظة قلب.
وتستمد القيم، والخصال الأخلاقية من سيرة المسيح عليه السلام، والتي تم بلورتها، وتأويلها حسب الطبيعة البشرية، التي تضفي على النصوص الشرعية، والتاريخية أخلاقيات ذاتية، ومن بين الصفات التي اتسمت بها الأخلاق المسيحية:
الطاعة والالتزام: شكّل الالتزام، الامتثال لأوامر المسيح عليه السلام، أو القانون الشرعي، أو الأخلاقي، ولكن هذه الطاعة استثمرت من قبل السلطة في تمرير أطماعها، والذي نجده في التاريخ اليهودي من مرجعية تاريخية في إثبات سلبيات الطاعة العمياء، حيث اقتنع عامة المؤمنين في الديانة بخدمة الأحبار، والثقة المطلقة في أقوالهم، وأوامرهم، حيث أصبحت أقوالهم، وطلباتهم جزءاً من الأوامر الإلهية، وفي المسيحية برزت أيضا فكرة الصكوك، والتزكية من طرف القسيس، والرهبان لدخول عالم الملكوت، والذي لم يكن إلاّ مظهراً من مظاهر التخدير.
النفور من الدنيا: ارتبطت العقيدة المسيحية بالزهد، والنفور من ملذات الدنيا، وبهرجها، وهذا ما لوحظ على القسيسين، والرهبان، فاحتقار عالم الدنيا، انعكس على العلاقات المدنية في المجتمع المسيحي، فالأسرة قيد، وأسر للمؤمن، وربطه بعالم الأرض، وعائق على الارتقاء إلى عالم الملكوت، وهذا ما نجده عند المسيحيين الأوائل، مثل جوستين مارتيرjustin martyr، وأوريجين origen وترتوليان، وسيبريان Cyprian، وكان من النتائج المترتبة عن هذا الاعتقاد، أن نزعت: «الوطنية والإحساس بالواجب المدني تحت تأثير المسيحية إمّا إلى التوسع في حب إنساني شامل للبشر جميعاً أو إلى التركيز في المجتمع الكنسي، يقول ترتوليان: «إننا نعرف حكومة جمهورية واحدة هي العالم، ويقول أوريجين: «إنّنا نعرف أنّ لنا وطناً أقامته كلمة الله..»[49].
الصبر: من الفضائل العقلية والعاطفية، واقترن تاريخ القيم والأديان بالتأكيد على هاته القيمة، وقد أكد المسيح عليه السلام على اجتناب التعامل بالمثل، والرد على العنف بالعنف، إذ تؤكد الحكم المسيحية على ذلك، وقد جاء في هاته الصيغة : «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ[50] «وقد أكد القديس أمبروز، وأغلب رجال الدين على وجوب احتمال الآلام لمنع إراقة الدم حتى في حالة الدفاع عن النفس.
الإحسان: قيمة عاطفية تقابل العدالة كقيمة عقلية، والمشهود به في تاريخ الإنسانية الحرص الحثيث للقديسين على ممارسة هذه الفضيلة، والأسماء تطول في المسيحية، ويتقاطع الإحسان مع الجود، والسخاء على الغير، وقد ساهمت هذه الممارسة الخلقية في إنماء ظاهرة التشارك الوجداني بين الأفراد، وهي قيمة رئيسة في بناء الوحدة، والتماسك داخل الأمة، أو داخل الدولة القومية، ولهذا نجد قيمة التعايش داخل المجتمع المسيحي بشكل قوي، وهذا يرتبط أيضا بنظرة المسيحية للثروة، فامتلاكها لا يمنح الشرعية للفرد على التمتع بها لوحده، بل من الواجب مواساة، ومساعدة الغير.
الخشوع: تسير فكرة الخشوع في المسيحية بطريقة عكسية مع الثقافة الإغريقية والرومانية التي تنطلق من تقديس الذات، وعزة النفس عند المواطن اليوناني، والروماني، فلا خنوع، ولا ركوع إلاّ للسلطة، والسلطة تؤسس مبادئها، وتشريعاتها وفقا لقيم المواطن، ففي الاعتقاد المسيحي الخشوع، وطلب الاستمداد من القوة العليا الغيبية أصل عقدي.
تشكِّل هذه المسلمات المسيحية جزءاً من الشخصية الأخلاقية الغربية، فهي متعلقة بموروث روحي يمارس على الوعي الغربي مجموعة الزامات ضاغطة في الفعل الفردي، والجماعي، فلا يوجد فعل ثقافي خارج المحددات والأطر التكوينية لعقل الجماعة، فالأخلاق الغربية حبلى بمتناقضات عدّة، حيث تظهر أثر العقيدة المسيحية في ظاهرة الحب، والتسامح، والإحسان عند الغرب، كما نجد أيضاً ظاهرة التقديس للمصلحة فردية كانت، أو جماعية، والتي نعتبرها نتاجاً لرؤية ضيقة الأفق، تمخضت عن اعتقاد خاطئ في فهم العقل، والعقلانية.
يمكن القول أنّ الفكر الغربي في مجمله، قائم على رؤية للعقل، والعقلانية، إذ نجد أن العاقلية في تعريف الإنسان تحتل موقع الفصل النوعي لبني الإنسان، فهي الخاصيّة التي يسمو بها الإنسان عن باقي الموجودات، فالعقل هو جوهر، وبه تكتمل الإنسانية، وما يحسب للأستاذ إثارته لبعض التساؤلات حول العقل والعقلانية، فإذا كانت العقلانية سمة مطلوبة وليست وجودية أي وجوبية وكيف يمكن قراءة، وتوصيف الإنسان الطفل أو المبتدئ في اكتساب العقلانية، فهل ينبغي إقصاءه وإخراجه من دائرة الماصدق الذي ينطبق عليه المفهوم، وعلى حد تعبير الأستاذ طه عبد الرحمن: «أضحى الجميع يتنافسون على نسبة العاقلية والمعقولية والعقلانية لِما يقولون ويفعلون، لكي ينتزعزوا المشروعية لأقوالهم والتزكية لأفعالهم..»[51]، وعملت الإيديولوجية على حذف العقلانية على الشخص الآخر، والذي يكون مخالِفاً.
والعقلانية لا تعكس الإنسانية، فالفعل هو البديل لمصطلح العقل عند طه عبد الرحمن، ومعلوم أن الفعل لم يرتبط بشيء قدر ارتباطه بالأخلاق، فيتحدد تبعا لهذا أن التخلق مقابل للتعقل، كما يناقش فكرة أنّ الأصل في الأخلاق هو حفظ الأفعال الكمالية، حيث يستفاد من المعنى «..إنّ الأخلاق أفعال يتوصل بها إلى ترقية الإنسان إلى مراتب لا تدخل فيها هويته ولا بالأولى وجوده، أي أفعال تتعلق بما زاد على هذه الهوية وعلى هذا الوجود، وعلامة ذلك الاسم الذي اشتهر بالدلالة على الأخلاق الحسنة، ألا وهو الفضائل فالفضيلة من الفضل، والفضل هو ما زاد على الحاجة أو ما بقي من الشيء بعد الوفاء بالحاجة..»[52].
وإذا قرأنا الدلالة من خلال الغائيّة التي تملكها الأخلاق، أو من خلال الاصطلاح الذي تواضع عليها علماء اللغة، وفلاسفة الأخلاق، لوجدنا أنّ الأخلاق مجرّد خصوصيات عرضية لا تتعلّق إلاّ بالشكل، وبمرحلة في سُلّم الترقّي للشخصية الإنسانية، ويُصبح الإنسان كائن مجرد من الأخلاقية في البدء، وفي التكوين، كما يضع الأخلاق في مستوى التخليق، أو بلُغة فلاسفة الغرب: «الأخلاق المكتسبة، وطه عبد الرحمن في مشروعه، مشروع البحث عن آليات تراثية لتنظيم، وتحيين الهوية، الهوية المو هوية العربي، وهوية المسلم، هي المرمى الذي استقطبه الاستشراق، ومهّدت له الأمة بمجموعها، فالأخلاقية كما يقول طه عبد الرحمن هي وحدها التي تجعل أفق الإنسان مستقلا عن أفق البهيمية، فلا مراء أن البهيمية لا تسعى إلى الصلاح في السلوك كما تسعى إلى رزقها مستعملة في ذلك عقلها، فالأخلاقية هي الأصل الذي تتفرّع عليه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانية التي تستحقّ أن تتفرع عليه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانية التي تستحقّ أن تنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي.»[53]
والأخلاقية ليست في مستوى واحد، بل هي متغيِّرة، ومتفاوتة، فهي نتاج فعل إرادي، وتراكم ثقافي، يقول : «إنّ هذه الأخلاقية ليست رتبة واحدة، وإنّما مراتب مختلفة، أدناها رتبة الإنسانية التي تكتفي بأخلاق مجردة لا يقين في دوام نفعها وحسنها، تليها رتبة الرجولة التي هي كمال الإنسانية، ثم رتبة المروءة التي هي كمال الرجولة، وأعلاها رتبة الفتوة التي هي كمال المروءة.»[54].
فدلالة العقل لا تنفصل عن تاريخه، وتتبع تاريخ العقل في الدراسات الفلسفية يسافر بنا إلى كثير من الدلالات، فهو تلك الملكة، التي نميز بها بين الصحيح والخاطئ، وتلك القدرة التي تؤهلنا لمعرفة الخير من الشر أيضًا، واعتباره ـ العقل ـ كقدرة وملكة سكونية طرحت عند طه عبد الرحمن كثيرًا من التساؤلات، منها الاختلاف الحاصل في أنماط المعرفة، وهو « على الحقيقة ـ أي العقل عقول شتى، لا بالإضافة إلى الأفراد المختلفين أو الطوائف الكثيرة، وإنّما بالإضافة إلى الفرد الواحد.. فالعقل يتكثر من أجل جلب المنفعة لصاحبه، أمّا العقل الذي يجلب المضرّة لصاحبه فهو عقل متقلّل، وليس أبداً عقلا متكثِّرًا»[55].
وإذا كان العقل متكثِّرا، أي أنّه متغيرًا تبعا لنوع الموضوع، ولطبيعة الغاية، فإنّ أوجه العلم تكون أيضًا متكثرة، والعلم على نوعين: علم يطلب لذاته، وهو علم معرفة الله تعالى، وصفاته، كالكمال، والجمال والوحدانية، كما جاء في قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [56]، وعلم يطلب تعلمه من أجل العمل به، وهذا النوع يسمّى العلم التطبيقي، وهو على نوعين: أولهما الأمور التي تؤدى بواسطة الجوارح، والأعضاء كالصلاة والصوم والحج، ويُدعى هذا العلم في علم الأخلاق بالفقه الأصغر، ثانيهما: علم الأعمال الروحية والنفسية، كالأعمال التي تؤدى بواسطة القلب والجوانح، وهو ما يسمى بالفقه الأكبر.[57]
وعليه تكون العقلانية على قسمين: «..عقلانية مجردة من الأخلاقية، وهذه يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك العقلانية المسدّدة بالأخلاقية، وهي التي يختصّ بها دون سواه..... والصواب أنّ الأخلاقية هي مابها يكون الإنسان إنسانًا..»[58]، فالهوية الإنسانية لا تتأسس على العقل بل على الأخلاق.
ولكن التقديس الذي منحه الغرب للعقل، من خلال أنطولوجيته أي إضفاء البعد الجوهري المستقل له ساهم في انحراف التوجه الأخلاقي لديه، خصوصًا ما تعلّق بازدواجية النظر إلى العقل، فالقول بعقل نظري، وعقل عملي أنتج تعارضًا بين المستوى النظري المجرد للقيمة، والفعلية الممارساتية للقيم، فالتغيّر، والنسبيّة عنوان مميز للفعل الخلقي، في مقابل التعالي والترانسدنتالية لمنظومة القيم، والرؤية البراغماتية (الذرائعية في الأخلاق) تعبر عن الأزمة، إذ تكون المصلحة، ومعيار التحقق وفقًا لمعايير ذاتية مقياسًا للحقيقة. الأخلاق الغربيّة بريادة الولايات المتحدة الأميركية تتعاطى مع القيم الأخلاقية داخل مجالها الاجتماعي بالمنظومة الإنسانية، أو بما تعرف بأخلاق المحبة، وتقديس الإنسان، ولكن أي إنسان؟! الغربي فقط، ولكنّها مع المجتمعات الشرقية تجعل من المصلحة القومية معيارًا رئيسًا لتعاملاتها القيمية.
ولتوضيح هذه الازدواجية نشير إلى زئبقيّة مفهوم الإنسان في الفلسفة الغربية، حيث تؤكّد القراءات أنّ ماصدق الإنسان في الحكم الغربية يصدق فقط على الرجل، وليس على المرأة، يقول إمام عبد الفتاح إمام متحدّثًا عن روسو : «..علينا أن نلاحظ بدقة إنّ كلمة الناس أو البشر التي يستخدمها بكثرة أو حتى كلمة الإنسان (وهي كلمة مضلِّلة) التي كثيرًا ما تخدعنا لا يقصد بها هنا سوى الرجل المساواة بين الرجال، والحرية للرجال، والعدالة من أجل الرجال وعبارة: ولد الإنسان حرًا وهو الآن مكبل بالأغلال في كل مكان لم تكن تعني البشر جميعًا رجالًا ونساءًا، بل تقتصر على الرجال فحسب.».[59] و في موقف جون لوك من المرأة أيضا تلاعبًا في الدلالة من خلال نظريته في الملكية، فالقواعد التي تؤسس حقوق التملك تبنى على قاعدة الاحتياج، وبما أنّ المرأة تابع للرجل انطلاقا من التراث الاجتماعي والديني، فهي مصداق الضعف، يقول: «هناك مبدأين رئيسيين يحكمان نظرية «لوك» عن الملكية و المرأة هما ضعف بنية المرأة، فالرجل بما له من قوة بدنية «هو الأرقى و الأقدر»، إنّ المرأة أقل من الرجل من حيث الفهم و الإدراك فإذا كان أساس الملكية الخاص هو الجهد و الكد والتعب.. الخ.. الأمر الذي لا تطيقه المرأة ولا تقدر عليه، وإذا كانت ملكية الأرض وفلاحتها هو الأساس في باقي أنواع الملكية، وهو ما يحتاج إلى جهد وتعب وقوة عضلية لا تملكها المرأة لهذه الأسباب كلها كانت الملكية أساسًا هي ملكية الرجل، ومن هنا فقد كان تركيز [لوك] على ضمان حق الرجل في الملكية...[60]. ويتبيّن لنا من خلال هذه النصوص مراوغة الفيلسوف في الخطاب، والذي يعكس ازدواجية الخطاب الغربي في كل المستويات الأخلاقية، والسياسية، فالتباين حول الحقيقة لا يبرِّر نفيها، فعدم إيجاد الشيء لا ينفي وجوده، فالطرق إليها نسبية، ووجودها مطلق، واختلاف الفلاسفة راجع إلى طبيعة العلاقة بينهم وبين السلطة، وليس إلى آليات البحث، واعتبار الفيلسوف العقل المفكر للجماعة، فكرة تحتاج إلى إعادة نظر، لأنّ التنظير بكيدية لا يزيد المجتمع إلاّ بعداً عن الحقيقة.

[1]*- باحث وأستاذ في شعبة الفلسفة، جامعة سعيدة ـ جمهورية الجزائر.
[2]- الحسن ابن الهيثم، الشكوك على بطلميوس، تحقيق عبد الحميد صبره، ص : 4.
[3]- أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج2 ص213
[4]- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر بيروت، ص:
[5] - المرجع نفسه، ص:
[6]- سورة القلم، الآية:4
[7]- البقرة الآية 200
[8]- الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن تحقيق وضبط محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، بيروت لبنان ط 1ـ 1998، ص 164.
[9]- محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق مصطفى حجازي، ج25 دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع، ج25، ص: 275
[10]- الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن مرجع سابق، ص 158.
[11]- كمال الحيدري، مقدمة في علم الأخلاق، دار فراقد ايران. الطبعة الثانية 2004 ص :30.
[12]- الفيروز ابادي، القاموس المحيط، فصل الخاء: باب القاف، ص 236.
[13]- لسان العرب، مادة : خلق، ج 2 ص 1244-1245.
[14]- أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي توفي 421 هـ من مؤلفاته: ترتيب السعادات ومنازل العلوم، كتاب الفوز الأصغر، كتاب الهوامل، والشوامل، كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، كتاب تجارب الأمم وتعاقب الهمم، رسالة في ماهية العدل، رسالة في النفس والعقل، وصية مسكويه لطالب الحكمة، وصية مسكويه.
[15]- مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ص :51.
[16]- يحيى بن عدي بن حميد ابن زكريا التكريتي، فيلسوف، ومترجم للفلسفة. صرف جلَّ عنايته للمنطق فلقِّب بالمنطقي. انتهت إليه الرئاسة في المنطق ومعرفة علوم الحكمة، أي الفلسفة، من مؤلفاته: تهذيب الأخلاق، مقال في حالة ترك طلب النسل...
[17]- يحي بن عدي، تهذيب الأخلاق، دار الشروق، بيروت، 1985 ص :47 (د.ط).
[18]- أبو حامد الغزالي عالم إسلامي، غني عن التعريف،ترك مكتبة ضخمة في الفلسفة والتصوف والفقه.. من أهم مؤلفاته: إحياء علوم الدين، القسطاس المستقيم، المنقذ من الضلال، مقاصد الفلاسفة، تهافت الفلاسفة....
[19]- الغزالي، أبي حامد، إحياء علوم الدين، ج3
[20]- أستاذة فلسفة الأخلاق، بجامعة منتوري قسنطينة الجزائر.
[21]- نورة بوحناش، الأخلاق والرهانات الإنسانية، إفريقيا الشرق، المغرب 2013 ص : 36.
[22]- الشريف الجرجاني، التعريفات، مكتبة لبنان، بيروت، طبعة جديدة 1985 ص:106.
[23]- نورة بوحناش، الأخلاق والرهانات الإنسانية، المرجع نفسه ص:37
[24]- طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي المغربي، الرباط، الطبعة الثانية، ص: 381
[25]- ليفي بريل (1857/1939 ) فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي
[26]- كلمة تابو من لغات سكان جزر المحيط الهادئ، وتعني المحرم أو الممنوع وقد تعني المقدس أحيانا، وهي تشير إلى الأشياء الممنوع على الفرد القيام بها من فعل أو قول لأن هذا يطلق الأرواح الشريرة الموجودة داخلها(والفكرة موجودة تقريبا لدى كل الشعوب البدائية)، وكان الكابتن جيمس كوك أول من ذكرها ونقلها للغرب، والكلمة نفسها موجودة في النصوص التشريعية في تونغا
[27]- الاله أبولو إله الحكمة، والمعرفة في مقابل الاله ديونيسيوس اله المرح، والخمرة والشهوة.
[28]- توفيق الطويل، الفلسفة الخلقية، دار النهضة العربية، مصر الطبعة الثانية 1967 ص :66.
[29]- عبد العزيز العيادي، ايتيقا الموت والسعادة، دار صامد للنشر تونس، الطبعة الأولى 2005 ص : 24.
[30]- جاكلين روس، الفكر الأخلاقي المعاصر، ترجمة عادل العوا، عويدات للنشروالطباعة بيروت، ط/1. 2001 ص:11.
[31]- طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، مرجع سابق، ص: 381.
[32]- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج:3 - ص 1440.
[33]- اندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة، وتحقيق:خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، 2001.
[34]- جاكلين روس، الفكر الأخلاقي المعاصر، ترجمة عادل العوا، عويدات للنشروالطباعة بيروت، ط/1. 2001.
[35]- عامر عبد زيد الوائلي وآخرون، النظرية الأخلاقية، ابن النديم للنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2015، ص : 280.
[36]- مونيك كانتو، الفلسفة الأخلاقية، تر جمة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت ط:1 2008 ، ص 66.
[37]- ورد في دروس ومحادثات حول الاستيتيقا وعلم النفس والمعتقد الديني، منشورات غاليمار 1992، ص 143-146.
[38]- مابوت، مقدمة في الأخلاق، ترجمة ماهر عبد القادر محمد علي، دار النهضة العربية، بيروت، ص:16.
[39]- مابوت، مرجع سابق، ص :17.
[40]- فيلسوف أمريكي (1876-1957).
[41]- رالف بارتن بيري، آفاق القيمة، ترجمة عاطف سلام، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2012 ص : 123.
[42]- المرجع نفسه، ص : 125.
[43]- المرجع نفسه، ص : 127
[44]- سيدجويك، المجمل في تاريخ علم الأخلاق، ج:1، ترجمة: توفيق الطويل، عبد الحميد حمدي، دار نشر الثقافة، الاسكندرية، الطبعة الأولى1949 ص: 207.
[45]- القديس أوغسطين، الاعترافات:7/3.
[46]- هج سيدجويك، المرجع نفسه، ص: 241.
[47]- بطرس ابيلارد 1079/1142.
[48]- ه.ج.سيدجويك، المجمل في علم الأخلاق، مرجع سابق، ص: 214.
[49]- ه.ج.سيدجويك، المجمل في علم الأخلاق، مصدر سابق، ص: 219
[50]- إنجيل متى الإصحاح 5 : 39 العهد الجديد
[51]- المرجع نفسه ص : 173
[52]- طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، ص : 53
[53]- طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، ص : 14
[54]- طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص : 189
[55]- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان، المركز الثقافي العربي، المغرب الطبعة الأولى 1998 ص: 405
[56]- سورة محمد الآية 19
[57]- جوادي آملي، الحياة الخالدة في علم الأخلاق، دار الهادي بيروت، الطبعة الأولى 1996 ص ص:9/10
[58]- طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، ص : 13
[59]- إمام عبد الفتاح إمام،روسو والمرأة، مرجع سابق ص 9
[60]- إمام عبد الفتاح إمام،روسو والمرأة، مرجع سابق ص 128.