البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هنري كوربان وسيطاً بين هايدغر والسهروردي

الباحث :  حاوره: فيليب نيمو
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1446
تحميل  ( 505.201 KB )
ينزل هذا الحوار مع الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربان منزلة استثنائية في مجال المقارنة بين مارتن هايدغر وعدد من حكماء المسلمين كالسهروردي وملا صدرا وابن عربي. لقد تركزت الأسئلة والإجابات كما سيظهر لنا لاحقاً حول الوجود والموجود ومدارج الفهم المتعلقة بهما. ومثل هذا المبحث كان منذ اليونان ولما يزل،  يهيمن على مشاغل الفلسفة من دون أن يفقد شيئاً من سحره وجاذبيته.

 الحوار الذي أجراه فيليب نيمو  مع كوربان كان حواراً مباشراً  عبر  إذاعة فرنسا ـ الثقافة (Radio France - Culture). وقد تم تسجيله على مراحل بطلب من كوربان نفسه في تموز (يوليو) من العام 1976، أي قبل سنتين من وفاته في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1978. 

كان كوربان مجايلاً لهايدغر، وقد التقيا غير مرة وفي مناسبات مختلفة. وبهذا المعنى سوف يتبين لنا كيف أن تبادل المعارف والأفكار بين الرجلين أدى إلى إغناء كل منهما بعوالم إضافية في ميدان الفلسفة والإلهيات.

لنقرأ إذاً...

المحرر

----------------------

فيليب نيمو: سيد كوربان، كنت أوّل مترجم لهايدغر في فرنسا، وأوّل من أدخل الفلسفة الإيرانبة الإسلامية إلى الثقافة الفرنسية. كيف تتوافق هاتان المهمتان في الشخص نفسه، في الوقت الذي يعتبر فيه مارتن هايدغر الغرب وطناً له..  ففلسفته ذات طابع ألماني بالإجمال، أفلا يكون ثمة تباين في هذه الحال بين الانشغال بترجمة هايدغر، من جهة، وترجمة السهروردي، من جهة أخرى؟...

هنري كوربان: في الواقع، واجهت هذا السؤال كثيراً، وكنت ألاحظ باستمتاع، في بعض الأحيان، اندهاش المحاورين حين يكتشفون أن مترجم هايدغر هو نفسه من أدخل الفلسفة الإيرانية الإسلامية إلى الغرب. وكانوا يتساءلون: كيف تمكّن من التوفيق بين هاتين المهمتين؟ حاولت أن أقول لك منذ فترة، خلال حوار لنا بعد وفاة هايدغر بوقت قصير، أن هذا الاندهاش هو نتيجة الانغلاق الذي يتخبطون فيه، وتحديد سلوكنا بشكل مسبق. يُقال: هناك المتخصصون باللغة الألمانية وأدبها وحضارتها، وهناك المتخصصون باللغات والثقافات الشرقية الذين ينقسمون إلى متخصصين في الدراسات الإسلامية وآخرين في الدراسات الإيرانية، وغيرهم. لكن كيف نجمع بين الألمانية والإيرانية؟ فلو كان لدى من يطرح هذه الأسئلة فكرة بسيطة عن ماهية الفلسفة والأبحاث التي يقوم بها الفيلسوف، ولو أنهم تصوروا أن العوارض اللسانية بالنسبة إلى الفيلسوف ليست سوى أمور هامشية تشير إلى تنويعات طوبوغرافية ذات أهمية ثانوية فحسب، لما كانوا اندهشوا إلى تلك الدرجة؟

لقائي مع هايدغر

فيليب نيمو: إلى أي حدٍّ كانت صلتك بهايدغر وفلسفته مباشرة وعضوية، هل التقيتما، وكيف؟

هنري كوربان: أغتنم الفرصة لأبوح بتلك الأمور لأنني سبق أن صادفت مدوَّنات خيالية حول سيرتي الروحانية. فقد كان لي الشرف أن أمضيت لحظات لا تنسى مع هايدغر في فرايبورغ، في نيسان/أبريل 1934 وفي تموز/يوليو 1936، أي خلال الفترة التي كنت أقوم فيها بترجمة مختارات من نصوصه نُشرت تحت عنوان: «ما هي الميتافيزيقا؟». ومن المثير للدهشة سماعي أنني لو كنت تحوّلت نحو الصوفية، فسيكون نتيجة خيبتي بفلسفة هايدغر. هذه المقولة ليست صحيحة البتّة. فالمنشورات الأولى التي كتبتها عن السهروردي تعود إلى العامين 1933 و1935، أما شهادتي التي نلتها من معهد اللغات الشرقية فتعود إلى العام 1929، وقد نُشرت ترجمتي لهايدغر في العام 1938. فالفيلسوف يقوم بأبحاثه على جبهات مختلفة في الوقت نفسه، خاصة إذا كانت الفلسفة بالنسبة إليه تتخطى حدود المفهوم الضيق للعقلانية الذي ورثه آخرون اليوم عن «عصر الأنوار». فضلاً عن ذلك، يستلزم البحث الذي يجريه الفيلسوف الدخول في حقل أكثر اتساعاً لكي يتمكن من احتواء الفلسفة الأسطورية لأشخاص مثل يعقوب بوهم، وابن عربي، وسويدنبورغ، وغيرهم، لكي يتلقى، بكل بساطة، معطيات الكتب المقدسة وتجارب العالم الخيالي، كالعديد من المصادر المقدّمة للتأمل الفلسفي. لقد درست الفلسفة في الأساس، وبشكل خاص، لذا فأنا، في الواقع، لست متخصصاً باللغة الألمانية ولا حتى باللغات الشرقية، وإنما أنا فيلسوف يتابع مسعاه حيثما تقوده الروح. فإذا قادتني إلى فرايبورغ وإلى طهران وأصفهان، تبقى هذه المدن في نظري «مدناً رمزية»، أي رموزاً لمسير مستمر.

ما أطمح إلى استيعابه، مع أنني لا أتأمل ذلك خلال اللحظات القليلة القادمة، لأنه يجب عليّ أن أؤلف كتاباً، هو التالي: إنّ ما كنت أبحث عنه في هايدغر، وما أدركته بفضله، هو نفسه ما كنت أبحث عنه وعثرت عليه في الميتافيزيقا الإيرانية الإسلامية، في مؤلفات شخصيات سأذكر في ما بعد بعض الأسماء البارزة منها. ولكن مع هذه الأخيرة، جاءت الأمور على مستوى آخر يفسّر لماذا في النهاية لم يكن من محض الصدفة أن بعثني قدري في مهمة إلى إيران غداة الحرب العالمية الثانية، حيث لم أتوقّف، منذ ثلاثين عاماً حتى الآن، عن إقامة العلاقات وتعميق الثقافة الروحانية والمهمة الروحانية لهذا البلد حينها. لكن سيكون من دواعي سروري، لا بل من الضرورة، أن أحدّد أيضاً، لكي يفهم الآخرون، ماهية عملي، والبحث الذي أقوم به، وما الذي أدين به لهايدغر، وما الذي احتفظت به طوال مسيرتي المهنية كباحث.

الهرمينوطيقا الهايدغرية

فيليب نيمو: دخلت مع النص الهايدغري مؤوّلاً، ما الذي دعاك إلى هذا؟

هنري كوربان: أودّ في البداية التحدث عن فكرة الهرمينوطيقا التي تظهر في الصفحات الأولى لكتاب «الوجود والزمان». وتبقى المزيّة الكبرى التي يتمتع بها هايدغر هي أنه مَـحْور فعل التفلسف نفسه حول الهرمينوطيقا. فقد كانت عبارة «هرمينوطيقا» تبدو غريبة، لا بل همجية، عندما كان يستخدمها الفلاسفة قبل أربعين سنة. ولكن هذا المصطلح مستقى من الإغريقية، وكان يستخدمه المتخصصون في كتاب الإنجيل. ونحن ندين بالإستخدام الاصطلاحي هذا لأرسطو، فرسالته peri hermêneias قد ترجم عنوانها إلى اللاتينية بـ "De interpretatione"، أي «العبارة».

أما بالنسبة إلى فلهلم دلتاي، فهو يستقي هذا المفهوم من فريدريش شلايرماخر، اللاهوتي الكبير في الرومانسية الألمانية، والذي خصص له دلتاي عملاً كبيراً بقيَ غير مكتمل. هذا هو المكان الصحيح الذي نجد فيه الأسس اللاهوتية، لا سيما البروتستانتية، لمفهوم الهرمينوطيقا الذي نستخدمه اليوم بالشكل الفلسفي. وأعتقد للأسف بأنّ شبابنا الذين يتبنون أفكار هايدغر قد فقدوا شيئاً من هذا الرابط بين الهرمينوطيقا واللاهوت. لذلك، ينبغي لاستعادته، إيجاد فكرة عن اللاهوت مغايرة كلياً لتلك المتعارف عليها اليوم في فرنسا كما في البلدان الأخرى، وأقصد بذلك تلك التي أصبحت خاضعة لعلم الإجتماع بينما هي لا تعبّر عن الاجتماع السياسي. وهذه الفكرة الجديدة لا يمكن أن تتمّ إلاّ بمساعدة مفهوم الهرمينوطيقا الذي يمارس في ديانات الكتب السماوية؛ اليهودية والمسيحية والإسلام. ذلك لأن الهرمينوطيقا تطورت في هذا المكان كتأويل عفوي مع محافظتها على الانبعاثات المستقبلية. 

فيليب نيمو: لماذا؟ هل لأن كتابك يتضمن ـ كما تقول ـ كل الأمور التي تهمنا؟.

 هنري كوربان: يكفي أن نفهم المعنى الحقيقي، وذلك من خلال ثلاثة جوانب: عملية الفهم، ثم ظاهرة المعنى، وأخيراً اكتشاف حقيقة ذلك المعنى.

فيليب نيمو: لكن يبقى السؤال، هل هذا المعنى الحقيقي هو نفسه ما نطلق عليه عادة المعنى التاريخي، أم المقصود معنى ينقلنا إلى مستوى آخر بعيداً عن التاريخ على النحو المتعارف عليه لهذه الكلمة؟

هنري كوربان: للوهلة الأولى، فإن الهرمينوطيقا التي نمارسها في الكتب السماوية تأخذ بعين الاعتبار إجمالاً المواضيع والمفردات المتداولة في الظاهراتية. فما كنت أستمتع به لدى هايدغر، كان في المجمل صادراً عن الهرمينوطيقا التي تعود إلى اللاهوتي شلايرماخر؛ وإذا كنت أدّعي أنني أنتمي إلى الظاهراتية، فذلك لأن الهرمينوطيقا الفلسفية هي المفتاح الذي يكشف عن المعنى المستتر أو الباطني. وبالتالي، فما قمت به ليس سوى متابعة التعمّق الموجود في المناطق الشاسعة وغير المكتشفة في المعرفية الروحية للإسلام الشيعي، ومن ثم في المناطق المسيحية، واليهودية المجاورة. وما ذاك إلا لأن مفهوم الهرمينوطيقا كان له نكهة هايدغرية من جهة، ولأن منشوراتي الأولى كانت تتعلق بالفيلسوف الإيراني الكبير السهروردي، حيث أن بعض «المؤرخين» تمادوا في التلميح إلى أنني خلطت بين هايدغر والسهروردي.

في هذا السياق، ثمة كتاب لا يتم الحديث عنه كثيراً ضمن مجموعة مؤلفات هايدغر. صحيح أنه كتاب قديم، لا بل من الكتب الأولى التي ألّفها، لأنه كان الأطروحة التي قدمها. نحن نتكلم هنا عن كتابه «دانز سكوت» Duns Scot، الذي يتضمن بعض الصفحات الشيقة جداً والتي تتعرض لما كان يطلق عليه فلاسفتنا من القرون الوسطى «النحو التأملي».

إن ظاهرة المعنى التي تعتبر أساسية في ميتافيزيقا كتاب «الوجود والزمن» لهايدغر، هي الرابط بين الدال والمدلول. ولكن يجب أن نتعلم كيفية الحصول على هذا الرابط الذي من دونه سيظل الدال والمدلول موضوعاً للتقصي النظري.

فيليب نيمو: ماذا لو انتقلنا إلى المفردات الغريبة التي يطرحها أمامنا هايدغر والتي وضعت مترجمه الفرنسي الأول تحت اختبار عسير؟.

 هنري كوربان: تحضرني كلمات مثل Erschliessen، وErschlossenheit، وعبارات يقصد بها الأفعال التي تنكشف من خلالها كيفيات الوجود الإنساني، وعبارات مثل Entdecken، أي الاكتشاف، أو الـ Verborgen، أي كشف المستور. لكن ما لاحظته بشكل سريع أننا نجد مرادف هذه الكلمات في اللغة الغربية الكلاسيكية لدى كبار الثيوصوفيين المثاليين في الإسلام. تراودني كلمات عربية مثل ظاهر (zâhir) وباطن (bâtin). هناك أيضاً ظهور (zohûr)، وإظهار (izhâr)، ومُظهِر(mozhir)، ومَظهَر(mazhar)، ومَظهَرية (mazharîya). أما في اللغة الفارسية فهناك كلمات مثل hastkardan أي الخلق، و hastkonandeh أي الخالق، وhastkarde/ hastgardîdeh أي المخلوق. ليس عليّ استخدام المعجم، إذ يكفي مع هذه المصطلحات أن نستشعر ما يأتي به علم الظواهر من مفردات. هناك في الواقع ما يسمى بالمستويات الهرمينوطيقية. لقد أصبح هذا المصطلح شائعاً اليوم بخلاف ما كان عليه سابقاً. يقتضي الأمر بطبيعة الحال، وفي جميع الأحوال، النظر في المستويات الهرمينوطيقية من خلال مختلف أشكال الكينونة والتي تشكّل دعامتها، والتي لا بد من تمييزها لتفادي أي التباس متسرّع بين طرق الفهم، بالرغم من أنني لطالما حذرت طلابي في باريس وطهران من سوء فهم كهذا. من الضروري في هذا الإطار تكوين مفهوم محدد للظاهريات والهرمينوطيقا. لا شك في أننا غالباً ما تساءلنا حول كيفية ترجمة فكرة الظاهريات بكل دقة، إن إلى اللغة العربية أو الفارسية. يتمثل أحد الحلول في ترجمة الكلمة بكل بساطة  إلى الحرف العربي.

الباحث عن المعنى المحتجب

فيليب نيمو: ما الذي تعنيه بالكشف وفق المنهجية الهرمينوطيقية؟

هنري كوربان: كشف المحجوب هو المقاربة التي تعتمدها الظاهريات، عبر كشف المعنى المستتر، أو الباطني. والحاجب هو نحن أنفسنا طالما أننا لا نثبت وجودنا، طالما أننا لسنا هناك على المستوى الهرمينوطيقي المفترض. ليس علينا بالتالي العمل معاً، حتّى كنا سنتوقع اختلافاً على مستوى الهدف، وهو اختلاف يتجلى في واقع أن هذا الكشف بحسب الثيوصوفيين لدينا هو كشف الباطن المخفي تحت الظاهر العلني. بهذه الطريقة، تبقى الهرمينوطيقا لديهم مطابقة للمصدر والأساس معاً، أي ظاهرة الكتاب المقدس المنزّل. وهذا تحديداً هو المقصود مما يشار إليه بالعربية بـ«التأويل». لا علاقة بالتالي للتأويل الأصيل بـ«المجاز»، لكن قد يحدث أن يترك صعود هذه المستويات الهرمينوطيقية الانطباع لدينا بأننا تركنا خلفنا شريكنا الظاهري الغربي. لكن بما أننا نسير على الدرب الهرمينوطيقي نفسه، فلمَ لا يلاقينا؟ ذلك هو السؤال الذي يجب أن يحكم علاقاتنا المستقبلية. إسمح لي أن أشير ههنا إلى كتابي عن ابن عربي الثيوصوفي العظيم لمّا شرح معنى أسماء الله الحسنى بشكل مبهر. ذلك هو محور تركيزي في الكتاب الذي يشكّل محور عملي كباحث في العلوم الفلسفية والدينية.

فيليب نيمو: ما دمت مهتماً إلى هذه الدرجة بالحكمة المشرقية وبالعرفاء المسلمين، لماذا لم تخصص مؤلفاً بيبليوغرافياً يؤرخ لسيرتهم الذاتية واختياراتهم الفلسفية والدينية؟

هنري كوربان: يسهل عليك عزيزي فيليب نيمو فهم سبب عدم قدرتي وعدم رغبتي في أن أكون مؤرّخاً بالمعنى الشائع والمتعارف عليه لهذه الكلمة، أي العالم الذي يكتب عن الماضي، إنما من دون أن يكون مسؤولاً عنه، أو حتّى عن المعنى الذي يعطيه له، في حين أنه هو من يعطي هذا الماضي هذا المعنى أو ذاك، ويطابق السببية التاريخية مع المعنى الذي يختاره له. فالوقائع، بالنسبة إلى المؤرخ، قد مضت، والأحداث أصبحت من الماضي، في حين أنه لم يكن هناك، ذلك أن المؤرخ يجب ألا يكون هناك أينما ومتى حصل ذلك، لا بل ينبغي ألا يكون هناك، وألا يظهر وجوده في ذلك الماضي لكي يتمكن من التحدث عنه بكل موضوعية تاريخية. حتى لو استخدم مصطلحات مثل ماضٍ حي، أو وجود الماضي، فلن يتعدى هذا الوجود كونه مجرد استعارة حميدة لحجته الشخصية.  في المقابل، على الظاهري الهرمينوطيقي أن يبقى دوماً هناك (Dasein)، فعبر إبراز وجوده يتجلّى ما هو مخفي تحت الظاهرة، وذلك عبر فتح المستقبل المتضمن في ذلك الماضي الغابر.

في سياق آخر، فإن التحليل يعني تطبيق الهرمينوطيقا بما يفترض مسبقاً وضمنياً خياراً فلسفياً مفهوماً للعالم، Weltanschauung أو رؤية كونية. يتجلى هذا الخيار في الأفق نفسه الذي ينتشر تحت إطاره تحليل انفتاح (Da) الوجود الإنساني (Dasein). لكن من غير الضروري البتة الاتفاق مع الرؤية الكونية الضمنية هذه لتشغيل كافة الموارد الخاصة بتحليل هذا الـDasein الذي ترجمته للتو بـ«الكينونة». فإن كانت رؤيتك الكونية لا تتزامن وتلك الخاصة بهايدغر، فسيترجم ذلك بواقع أنك ستعطي انفتاح الكينونة بعداً آخر لا يعطيه كتاب «الوجود والزمان». كنت قد قارنت ذلك للتو مع المفتاح الذي يوضع بين يديك لفتح قفل. فهذا المفتاح هو الهرمينوطيقا، وما عليك سوى أن تعطي هذا المفتاح الشكل الذي يجعله متناسباً مع القفل الذي تريد فتحه. تظهر لنا في هذا الإطار الأمثلة التي طرحتها منذ لحظات بأن مفتاح الهرمينوطيقا، عند تحديد شكله المناسب، يفتح جميع الأقفال التي تمنع الوصول إلى ما هو محجوب، وما هو مخفي، وما هو مستتر.

فيليب نيمو: أرجو أن توضّح لنا سيد كوربان ما الذي تقصده من النظر إلى الهرمينوطيقا بوصفها مفتاحاً للدخول إلى عالم هايدغر؟

هنري كوربان: أشرت قبل قليل كيف أن استعمال المفتاح التأويلي الذي وضعه هايدغر في متناولنا لا يعني الانخراط المباشر في فلسفته وفي نظرته للعالم. فالتأويليات تعمل انطلاقاً من فعل الحضور الذي توحي به «دا» الدا ـ زاين؛ ذلك بأن مهمتها تكمن في تسليط الأضواء على الحضور الإنساني، وهذا الفعل يدرك نفسه ويموضِعُها. كذلك يحدد «الدا» (الهنا) وضعية حضوره ويكشف الأفق الذي كان حتى ذلك الوقت محجوباً عنه. ميتافيزيقا الإشراقيين، وميتافيزيقا ملا صدرا على وجه الخصوص تبلغ أوجها في ميتافيزيقا الحضور. ولدى هايدغر تنتظم حول هذه الوضعية التباسات التناهي الإنساني الذي يحدِّدُه باعتباره «وجوداً من أجل الموت». أما لدى ملا صدرا وابن عربي،  فالحضور ليس كما يعيشانه في هذه الدنيا، أي بما هو حضور تكون غائيته الموت كما تكشفه لهما «ظاهرة العالم وظاهره» المعيش، وإنما هو «وجود في ما وراء الموت». نحن ندرك منذ الوهلة الأولى أن تصور العالم، والاختيار الفلسفي السابق للوجود، سواء لدى هايدغر أو لدى حكماء التصوف المسلمين الإيرانيين هي نفسها عنصر مكون لـ«دا» (هنا) الدازاين، ولفعل الحضور للعالم ولتنويعاته. ومن هناك، ليس علينا سوى حصر مفهوم الحضور عن قرب ما أمكننا ذلك.

 فيليب نيمو: من أجل ماذا يكون الحضور الإنساني حضوراً؟

هنري كوربان: سيبدأ التحقيق كما ينبغي في هذا الصدد بعرفان الإسماعيليين. فهم يميزون ما يلي: ثمة معرفة أو علم صوري هو العلم في صورته المعتادة؛ وهو يتم بواسطة إعادة تصور وشكل خيالي في النفس. وثمة علم يسمونه علماً حضورياً، وهو لا يمر بواسطة تمثيل أو تصور ولا بشكل خيالي وإنما هو حضور مباشر، ذلك الحضور الذي به يفترض فعل حضور النفس ذاتها حضور الأشياء التي يسمونها أيضا علماً إشراقياً، باعتباره في الآن نفسه بزوغ شمس الوجود على النفس وطلوع الإشراق الصباحي للنفس على الأشياء التي تكشف عنها وتتكشَّف لذاتها باعتبارها حضوراً مشتركاً comprésences. من المهم هنا أن نحفظ على الدوام الدلالة الأصلية الأولى لكلمة إشراق  أي طلوع ومشرق الكوكب، الكوكب في مشرقه. لكن المشرق هنا مشرق يجب عدم البحث عنه في خرائطنا الجغرافية، فهو النور الذي يطلع، النور السابق على كل شيء منزَّل وعلى كل حضور، لأنه هو الذي يكشف عنها، وهو الذي يوجِد الحضور.

الحضور وفعل الحضور

فيليب نيمو: ماذا أيضاً وأيضاً حول هذه النقطة بالذات (الحضور والإحاطة)؟

هنري كوربان: الاختلاف كله سيكون هنا حين سنطرح السؤال: أي حضور يستحضر الحضور الإنساني لنفسه بممارسة فعل الحضور؟ بعبارة أخرى: بأي كوكبة من الحضور يحيط «دا» (هنا) الدازاين نفسه بتكشُّفه لذاته؟ ولأي عوالم يتم الحضور بالوجود هنا؟ هل عليَّ الاقتصار على ظاهرة العالم الذي يحلله هايدغر في كتاب الوجود والزمن؟ أم عليَّ الشعور بحضوري والقبول به وتمديده إلى كل العوالم البَيْنِيّة، كما يكشفها لي ويوحي بها إليَّ الحضور الإشراقي لأهل العرفان المسلمين الإيرانين؟ إنني بإثاراتي لهذا السؤال، أردت توضيح الاختلاف الذي تحدثت عنه قبل قليل. فإذا كان هايدغر يعرِّفنا كيف نحلل «دا» الدازاين، وفعل الحضور، فهذا لا يعني أبداً، كما ترى، أن حدود الأفق الهايدغري سوف تفرض نفسها على فعل الحضور هذا. لذلك كنت أشرت سابقاً إلى اللحظة الحاسمة التي انصرفت فيها نحو مستويات تأويلية لم تتوقعها التحليلية الهايدغرية التي كانت آنذاك بين يدي. مع فعل الحضور نجدنا بصحبة التراتبات الدينية للأفلاطوني الجديد بروقليس، وللعرفان اليهودي، والعرفان الفلانتيني، فضلاً عن العرفان الإسماعيلي. فالمستقبل وبُعد المستقبل انطلاقاً من ذلك، هو ما يتقرر. فإذا كان فعل الحضور هو المستقبل الذي لا يَكُفُّ عن التشكُّل في الحاضر، والآتي الدائم الخاص بي، فما هو هذا المستقبل؟ لا يمكننا هنا مداورة عملية الاختيار، أي الاختيار الفلسفي المضمر في ما قبل المسعى الهرمينوطيقي.  فالتأويليات لا تقوم سوى بالكشف عنه. فمن جهة، يصدح القول المأثور والمؤثر للتحليلية الهايدغرية: الوجود من أجل الموت. ومن جهة ثانية نحن مَدعوّون بقوة إلى حرية في ما وراء الموت. لنحافظ على كلمة هايدغر Entschlossenheit أي القرار الصارم، وهو ما يعبر عنه اليوم بالقرار بلا رجعة. إذ أن الأمر يتعلق بإدراك أن هذا القرار لم يكن حركة تراجع أمام الموت، وبالتالي ليس عجزاً عن أن يكون المرء حراً من أجل ما وراء الموت، ثم أن يكون حاضراً للموت ومن أجل ما وراء الموت. أخشى ما أخشاه بالفعل أن تخفق الإنسانية في أيامنا هذه أمام الحرية من أجل ما وراء الموت. لقد راكمنا بالكثير من الذكاء المعرفي في كل المعارف والعلوم المتاحة: تحليل نفسي، وعلم اجتماع، ومادية تاريخية، ولسانيات، وتاريخانية، إلخ. وكل شيء تم استحضاره لحجبنا عن كل نظر وكل دلالة في الماوراء. والبشرية المتطورة بالغ التطور، في منتهى مئات الآلاف من السنين، خصوصاً تلك التي يتصورها فرانز فرفيل في روايته «نجم الذين لم يولدوا»، حتى هذه الإنسانية ـ في ما عدا المؤهلين لذلك دائماً وهم «حكماء الزمان» ـ لا تكف عن السقوط باعتبارها إنسانية بالغة الوهن والشيخوخة. هنالك في آخر المطاف المعنى الميتافيزيقي لكلمة «غرب»: الانحطاط والغروب، وهو المعنى الذي أثبته السهروردي في قصته المؤثرة والقصيرة «الغربة الغربية». سوف أصرح يوماً ما كيف أن قصة "الغربة الغربية" هذه كانت بالضبط اللحظة الحاسمة الذي رميت فيها جانباً بثقل التناهي الذي كانت تنوء تحته السماء المكفهرة للحرية الهايدغرية. وكان عليَّ أن أدرك أنه تحت هذه السماء المعتمة، كان «دا» الدازاين جزيرة صغيرة ضالَّة، أي جزيرة «الغربة الغربية».

يُهدِّئ الناس أنفسهم دائماً بالقول: «الموت جزء من الحياة». وهذا أمر غير صحيح، إلا إذا نحن فهمنا الحياة في معناها البيولوجي. بيد أن الحياة البيولوجية بنفسها مشتقة من حياة أخرى هي مصدرها وهي مستقلة عنها هي الحياة الجوهرية. وطالما ظل القرار الصارم «من أجل أن يكون المرء حرّاً من أجل الموت» فإن الموت سيكون عبارة عن انغلاق وسياج لا مخرجاً، وآنذاك لن نخرج من هذا العالم أبداً. وأن يكون المرء حرّاً من أجل ما بعد الحياة يعني حدسه وجعله يأتي كمخرج وبوابة للخروج من هذا العالم باتجاه عوالم أخرى. بيد أن الأحياء هم الذين يخرجون من هذا العالم، لا الأموات.

أرجو أن أكون قد حققت النجاح على الرغم من كل شيء، خلال هذه اللحظات القصيرة.  وأن أجعل القراء يعرفون كيف أن الفيلسوف نفسه يمكنه أن يكون في الآن نفسه أول مترجم فرنسي لهايدغر والمتأوّل للواقعة الدينية الإيرانية. أعني بذلك أن يفهموا كل ما استقيته من تأويليات هايدغر، وكيف ولماذا استخدمتها لأبلغ الغاية التي رسمتها لمسيرتي الفلسفية. وأعتقد أن ذلك كان تجربة بالغة الاختلاف عما مثَّلته التقاطعات الناجحة إلى هذا الحد أو ذاك، بين فلسفة هايدغر واللاَّهوت. علينا أن ندرك أيضاً كيف أنني بعد الأعوام الطويلة التي مكثت فيها في المشرق بعيداً عن أوروبا، كان من الصعب عليّ إعادة التواصل من جديد بشخص هايدغر وفلسفته.

فليب نيمو: تحدثتَ قبل قليل عن هايدغر الذي قمت بترجمته سنة 1938. وقد شدَّدتَ على التباين بين التأويليات الهايدغرية للدازاين والتأويليات التي كشف لك عنها الفلاسفة والمتصوفة الإيرانيون. هذا التباين تقيسه بالإحالة إلى كلمَتيْ «شرق» و«مشرقي»، كما يستعملهما هؤلاء الفلاسفة. لكن هل علينا أن نفهم أن مؤلفات هايدغر بعد 1938 شهدت توقفاً وثباتاً على المواقف المكتسبة إلى حدود ذلك الوقت. هل علينا أن نفهم أن القسم الثاني من مؤلفات هايدغر، بعد مرحلة كتاب «الوجود والزمن» و«ما هي الميتافيزيقا؟» لم تغير من هذا الانغلاق الذي أحسست به في القسم الأول من مؤلفاته؟

هنري كوربان: حذار! لا أريد بأي حال أن أستعمل كلمة «انغلاق» إزاء فيلسوف عَلَّمنا أن نفتح العديد من أقفال الوجود. بيد أن السؤال الذي طرحته عليَّ يتعلق بحالتي أنا: ما الذي كانت تمثله مؤلفات وفكر هايدغر لباحث معروف ويُنظر إليه في الوقت نفسه باعتباره متأوّلاً لفلسفة إيرانية إسلامية ظلت أرضاً مجهولة في الغرب؟ لقد حاولت الإجابة حسب مستطاعي علي سؤالك، وطبعاً لم يكن للأمر أن يتعلق فقط بمؤلفات هايدغر كما كانت متوفرة لدينا سنة 1938 والتي كانت مؤلفات ذات وزن لا يستهان به آنذاك. والسؤال الذي تطرحه عليّ الآن يستهدف مجمل أعمال هايدغر. وللإجابة عنه يلزمنا دراسة مقارنة كاملة لهذا المجموع مع مجموع الفلسفة الإيرانية الإسلامية. قد تكون هذه المهمة ممكنة في يوم ما، لكني أعترف أنها تتجاوزني حالياً، فلا يزال أمامي الكثير مما أقوم به حيال الفلاسفة الإيرانيين، وعلى وجه الضبط لكي يغدو ذلك البحث الفلسفي المقارن ممكناً في يوم ما. وهذه المهمة سوف تكون أكثر لياقة ـ من جهة ـ بزملاء فلاسفة شباب، من الذين حافظوا على علاقة وطيدة مع الإنتاج الفلسفي اللاحق لهايدغر، وهو الاتصال الذي فقدتُه لا محالة خلال سنواتي المشرقية الطويلة، ومن جهة ثانية بالفلاسفة الشباب، وسواهم الذين شجعتهم على الدراسة الشخصية للعربية والفارسية، حتى يستطيعوا الفعل في مجال الفلسفة والتصوف الإسلاميين عبر تخليصها من «كهف» ما يسمى عادة «بالاستشراق».

لقد كانت وفرة المؤلفات وامتدادها، كما تعلم، هائلة. فقد تم الإعلان عن نشر الأعمال الكاملة التي تتضمن نصوص المناظرات، في ما يناهز السبعين مجلداً. وهو ما يعادل منشورات فلاسفتنا المشرقيين. ثمة إذن، آفاق جميلة للعمل و«لإرادة الوجود»، وهي لامحدودة وتتطلب الفهم. ولقد آن الأوان لإعادة القول: أيها الفلاسفة، لتركبوا سفنكم للإبحار. وعلى كل حال، فأنا أعتقد أنه من المفيد القيام بشهادة في أفق الجواب عن سؤال يبدو أشبه باللغز. هذا السؤال يتعلق بمصير ما كان يعتبر الجزء الثاني من كتاب الوجود والزمن، وهو الجزء الذي من دونه لا يغدو الجزء الأول سوى قوس محروم من عماده، والذي كان سيكمل البنيان الأنطولوجي للتاريخية الأصلية الهايدغرية. ولقد رأيت بأم عيني مخطوط الجزء الثاني هذا على طاولة عمل هايدغر في يوليو 1936 بفرايبورغ. وهو كان موضوعاً في مشَدٍّ كبير. بل إن هايدغر تسلّى بوضعه بين يدي كي أقدر وزنه، وكان ذا وزن ثقيل. ما الذي حدث بعد ذلك لهذا المخطوط؟ ثمة إجابات متناقضة، ولا يمكنني أنا بنفسي أن أقدم إجابة عن ذلك.

الوجود الأحد والموجود المتكثِّر

أعود لسؤالك: فكما أنني لا يمكنني الحديث عن «انغلاق» في المسعى الفلسفي لهايدغر، كذلك لا تمكِّننا سعة مؤلفاته من الحديث عن توقف أو ثبات. والحقيقة أن المسألة لا تكمن هنا. فالمسألة تتعلق بمعرفة إذا ما كانت التحليلية الهايدغرية طيلة هذا الإنتاج التأليفي، والتي تم تشغيلها في مظاهر متعددة، قد حافظت ضمنيا على المسلمات المضمرة لفلسفة ورؤية للعالم قابلة لأن نقف عليها منذ البداية. فتحليل الوجود من أجل الموت باعتباره استباقَ إمكانية تكوين كلٍّ مكتمل عند الكائن الإنساني، هل هذا يفترض أم لا، من البداية، فلسفة للموت؟ أعتقد أن فكرة تناهٍ مفترض، لدى الفلاسفة «المشرقيين» الذين أتيت على ذكرهم، يرفض بالعكس القبول بتناهي وجود محكوم عليه أن يتراجع إلى الخلف. لهذا فضلت الحديث عن تأويليات للوجود الإنساني تتوقف مبكراً عند منتهىً هو في الحقيقة لا يقبل أبداً الاكتمال والانتهاء من غير قفز إلى الأمام يكون قفزاً باتجاه الماوراء.

فليب نيمو: أريد أن أطرح عليك سؤالاً أخيراً. لقد بينتم التباين بين أفق التحليلية الهايدغرية والأفق «المشرقي». لكن إذا كان صحيحاً عدم وجود مكان لمفهوم الله لدى هايدغر، بما أن الله يتمثل لديه في مفهوم ميتافيزيقي، مفهوم الكائن المطلق، ثمة مع ذلك لدى هايدغر مكان لبُعد المقدس، ولأمرٍ يسميه الاختلاف الأنطولوجي بين الوجود والموجود، أي للاختلاف بين عالمين، العالم الأبدي الأعلى، وعالم مؤقت دنيوي. بناءً على هذا كله، ألا يوجد هنا سبيل للمصالحة واللقاء بين هايدغر والفكر الديني؟

بين هايدغر واللاَّهوت

هنري كوربان: لديّ انطباع، يا عزيزي نيمو، أن السؤال كما تطرحه يسعى ليجعل من هايدغر أفلاطونياً كبيراً. وهذا سيقودك في طريق وعر، حيث سيكون عليك أن تلاحظ كل خطوة من خطواتك. وأنا لست متأكِّداً من أن بإمكاني أن أتبعك فيه. لنذكِّر أولاً أن بإمكاننا القول بأن هايدغر على الأقل قد حدس بالبعد «المشرقي» رغم  أن الأمر لا يتعلق بـ«المشرق» بالمعنى الذي يمنحه له الإشراقيون، «أفلاطونيو بلاد فارس». وقد تكون أنت نفسك قد بلغتك أصداء عن تصريحات مدهشة لهايدغر تتعلق بالأوبانيشاد جعلتنا نحس أن ما كان يرغب فيه هو أمرٌ من ذاك القبيل. ثم علينا أن نعترف أن العلاقة بين الوجود والموجود لا تعادل البتة العلاقة بين العالم العلوي والعالم الدنيوي. فلا يكفي أن نعارض بين عالمٍ للوجود وعالم للموجود للوصول إلى المقدس. فعالم الموجود أو الكائن لا يعني كونه العالم الباطل والمؤقت، ذلك أن كل أكوان الآلهة والملائكة هي أكوان خالدة للموجود. بالمقابل، أنت تضع الأصبع جيداً على شيء أساسي بتذكيرك أن مفهوم الله في نظر هايدغر هو المفهوم الميتافيزيقي للموجود الأسمى أو المطلق، وهو كان يدرك صعوبة ذلك المفهوم بالتساؤل عن العلاقة الممكنة بين هذا الكائن الأسمى وبين اللاموجود، أي العدم، حين يقال أن الموجود المخلوق موجود من عدم، أي من العدم بفعل الموجود الخالق. ونحن هنا نلامس صعوبة أساسية، بل جذرية أيضاً، بحيث أنها تشكك في معنى التوحيد بكامله. وقد رصد حكماء التصوف المسلمون بحذر فائق هذه الصعوبة بما أن أفق الفكر والروحانية الإسلاميين بكامله يهيمن عليه التوحيد أي توكيد الواحد. فما هو حال هذا الواحد؟

بإمكان هذا الخلط الكارثي أن يحدث. وقد ندَّد به حكماء التصوف الإيرانيون بفكر ثاقب، محذرين من الخلط الذي مارسه الكثيرون من المتصوفة، ومن بعدهم أكثر من مستشرق. إنه الخلط بين الوجود والموجود. صحيح أننا نقارب هايدغر في هذه النقطة. ففي الحكمة الصوفية الإسلامية، تكلم ابن عربي (القرن 13) بشغف على الاختلاف بين التوحيد الألوهي والتوحيد الوجودي. فالتوحيد الألوهي الظاهر يؤكد وحدانية الله باعتباره موجوداً مطلقاً، وبوصفه الموجود الذي يبسط هيمنته على كل الموجودات الأخرى. أما التوحيد الوجودي الباطني فإنه يؤكد الوحدانية المتعالية للوجود. فالوجود في جوهره واحد أحد. والموجودات التي يحيِّنها الوجود في فعل وجودها هي جوهرياً متعددة. والوجود الواحد الأحد هو الألوهة الواحدة الوحيدة، غير القابلة للمعرفة في غيبها. إنه ما يستعصي على التعرّف، وهو لا يمكن معرفته إيجابياً إلا في تجلياته. فالتجلي إذن أمر جوهري كي يكون ثمة لاهوت توكيدي ممكن. لهذا بالضبط تكون الألوهة واحدة ووحيدة، أما الآلهة، أي الأسماء الحسنى، والصور الإلهية وصور التجلي فهي متعددة. ولا أحد منها يمكن أن يأخذ وظيفة العلَّة المطلقة. والخلط بين إحدى هذه الصور الضرورية والإله الواحد الأحد يعني إقامة صنم وحيد مكان الأصنام الأخرى بحيث يتهدم التوحيد في انتصاره. وتوكيد الوجود في أحديته، باعتبار ذلك الوجود الأحد هو الألوهة نفسها، يعني توكيد جوهره نفسه، لكن هذا لا يعادل أبداً وفي أي شيء توكيد وحدانية الموجود. فسيكون أمراً مخيفاً القول بأن ليس ثمة غير موجود واحد؛ إذ سيكون ذلك ضرباً من العدمية الميتافيزيقية يتكفل الواقع بتفنيدها. فإن الموجودات الأخرى تغور في اللاتحدُّد والعدم، وينمحي انتظام الوجود في تراتبية الموجودات. وذلك هو الوهم الذي أسكر العديد من المتصوفة المدّعين، وهو ما سماه بعض المتأوِّلة الغربيين «وحدة الوجود» onisme existentiel، من غير أن ينتبهوا إلى أن هذا الاصطلاح يتضمن تناقضاً في الصفة، باعتبار أن الوجودي l'existentiel هو جوهرياً متعدد. أما العلاقة بين الوجود الأحد والموجودات (هذا الأحد المتعالي في الحقيقة على الوجود الذي يوجِده في الموجودات)، فقد بلوره في الأصل في أفضل صورة بروقليس الكبير، في العلاقة بين إله الآلهة l'Hénade des hénades وتراتبيات الموجودات التي تجوْهِر فرديتها بمنحها الوجود. فليس ثمة فعلاً من وجود ـ موجود إلا كل مرة باعتباره وجوداً (سواء تعلق الأمر بإله، أم بملك أو بإنسان أو بنوع، أو مجموعة من النجوم، إلخ). لهذا، فإن حكماء التصوف المِرآوي لا التأملي (spéculatifs) الكبار قد اعتبروا دائماً أن ذات التوحيد هي الواحد نفسه. إنه الواحد الموحِّد. فهو الذي يجعل من كل موجود، ومن كل واحد منا موجوداً أحداً وفريداً باعتباره هو أحده. ذلك هو ما عبر عنه الحلاج بقوله: «حَسَبُ الواحد إفراد الواحد له».

ربما كنا قد انسقنا هكذا بعيداً عن الوجود والموجود لدى هايدغر. لكن ذلك ليس سوى مظهر، بما أن سؤالك هو الذي جرّنا إلى إثارة هذا الجانب الحِكْمي الإلهي من ميتافيزيقا الوجود، الذي يظل ابن عربي في مضماره مُعلِّمَنا الكبير. وكما ترى فقد قلت بأن التجلي الإلهي جوهري، وذلك في صور متعددة توافق كل واحد من أولئك الذين لهم ومن أجلهم يتم التجلي. لكن الإله الشخصي المتجلِّي لا يمكنه أن يقوم بوظيفة العلة المطلقة المحجوبة. هذا الخلط، بخلفياته، هو ما لا يتخلص منه التوحيد إلا بالمفارقة الباطنية للواحد المتعدد. من الناحية الوجودية الأصلية قد نقول بأن الإنسان هو الذي يكشف لنفسه شيئاً (كائناً) كالله. من الناحية اللاهوتية الله هو الذي يتكشف للإنسان. والحكمة التصوفية المِرآوية تتجاوز الاختيار الصعب بجعلها الحقيقة التزامنية للطرفين مترابطين ترابطاً لا ينفصم. فالله المتشخص personnalisé بالتجلي الشخصي، وهو يتكشف للإنسان، يكشف الإنسان لنفسه، وبكشفه الإنسانَ لنفسه يتكشَّف لنفسه ويكشف ذاته لذاته. فمن هذا الجانب وذاك، تكون العين التي تنظر هي العين التي يقع عليها النظر. وكل تجلٍّ (بدءاً من الدرجة الدنيا للرؤية الذهنية) تتم في تزامن هذين الجانبين. وربما كان لدينا هنا شيء يشابه أفلاطونية جديدة متجاوَزة، بيد أن التجاوز يعود لابن عربي أكثر منه لهايدغر. صحيح أنه يبقى علينا القيام بالعديد من الأبحاث في هذا المنحى. لكن، بانتظار ذلك، يبقى الانطباع الذي أحتفظ به هو ما عبر عنه أحد الزملاء، وأعتقد أنه بيير تروتينيون بقوله: إن التأويليات الهايدغرية تترك لدينا انطباعاً أنها لاهوت من غير تجلٍّ.

كلمة الله واسم الوجود

فليب نيمو: علينا تعميق البحث، لأن ثمّة موضوع الكلمة التي أسست في العمق في العصر الحديث من قِبل هايدغر، والتي تتوافق مع التقليد المسيحي لكلمة الله، وهنا نجد أنفسنا في قلب تقليد المقدس. وسواء أأخذ هذا المقدس اسم الله أم أخذ فقط اسـم الوجود، فالذي يعنينا أساساً هو الاختلاف الأنطولوجي في ذاته، أي الاختلاف بين الوجود والموجود، بالشكل الذي يتداول في الديانات لجهة التمايز والاختلاف بين العالم العلوي والعالم الدنيوي. وإذا ما نحن أخذنا هذا الاختلاف في ذاته ولذاته، ألا نجد ثمة وحدة في المصادر بين هايدغر وعالم الديانات؟

هنري كوربان: إنني أدرك جيداً هاجسك هذا. سؤالك يقودنا إلى العلاقة بين اللوغوس الوجودي الهايدغري واللوغوس اللاهوتي، أو بعبارة أفضل: لوغوس لاهوت الديانات الكتابية كلها. وقد ذكَّرت في البداية بهذا القول المأثور المشترك بين كل الحكماء الإلهيين، والذي هو ليس سوى إشراقة من إشراقات إنجيل يوحنا: «لا يصعد إلى السماء إلا ما نزل منها». فهل نزل لوغوس التحليلية الهايدغرية من السماء كي يصعد إليها؟ أنا أعتقد أني أرمِّز بذلك بحثك عن استلهام مشترك بين هايدغر والديانات الأخرى. لكن، إن نحن تمكنّا من القراءة الميسَّرة لسيرورات العلْمنة التي نزعت الطابع المقدس عن المقدس، فلا يبقى لنا أي شاهد على إعادة تقديس ما صار علمانياً. صحيح أننا نلاحظ انتعاشاً متواتراً لـ "المُعَلْمَن"، يمنح لهذا الأخير الحظوة والامتيازات التي كانت للمقدس. لكن ذلك ليس في الواقع سوى كاريكاتور شيطاني. فالعلمنة الميتافيزيقية لا تقنع إلا بموت الآلهة لا بانبعاثها. وعلينا إذن، أن نركز جهدنا كله على كلمة «انبعاث» هذه. فكل المعاني التي تفترضها تعني القطيعة مع نظام منتظم للأشياء: انتزاع، وخروج من القبر. والانبعاث يتم إعلانه لنا في ما بعد، من خلال لغز قبر الفراغ. بالمقابل، فإن "علْمنات" يومنا هذا  تروح ترتضي بالتقديس المزيف. وأعتقد أن المبشر المعلن لكل انبعاث وبعث هو الكلمة بامتياز، أي الكلمة ذات النبرة الإلهية العليَّة. على هذا النحو، وبهذه الطريقة الوجيهة يقودنا سؤالك إلى موضوع الكلمة، وإلى التقليد التوراتي للكلمة الإلهية. ثمة بالتأكيد لدى هايدغر موضوع للكلمة. لكن لا يلزم أن ننسى أن أصدقاءنا "القباليين"[2] اليهود مثلهم مثل المتصوفين في المسيحية والإسلام كانوا ولا يزالون منذ قرون، في هذا المضمار، معلمينا الأفاضل ومرشدينا. فقد حللوا بروعة ظاهرة الكلمة، أي كيف تغدو الكلمة كتاباً، وكيف تنبعث الكلمة المكتوبة في الكلمة الحية. ومقارنة مع ذلك فإن كلمة هايدغر تبدو لي موسومة بلَبْس يتمثل في ما يلي: هل هي غروب، غروب يكون عبارة عن علْمنة للكلمة؟ أم هي فجر يعلن عن ولادة ثانية وعن انبعاث للكلمة في التقليد التوراتي؟ والجواب متعلق بهؤلاء وأولئك، والأجوبة الكامنة في هذه الإجابات تجعلني أعتقد أن فلسفة هيغل إذا كانت مصدرا لولادة نزعة هيغلية يمينية ونزعة هيغليّة يسارية، فإن السؤال الذي طرحت من بين تلك الأسئلة التي يمكن أن تقود الفلسفة الهايدغرية إلى أن تكون مصدراً لنزعة هايدغرية يمينية ونزعة هايدغرية يسارية.

لكن ما يبدو لي جوهرياً الآن، وما يبدو لي أيضاً أنه يؤكد على انسجام حوارنا هذا، هو أن سؤالك يعيدنا إلى بداية حديثنا. فقد انطلقت من فكرة التأويليات لدى هايدغر، التي ذكَّرت بأصولها اللاهوتية. وها هو سؤالك عن الكلمة، باعتباره يحتل الصدارة في التأويليات، يعيدنا إلى تلك الأصول. وهكذا نكمل معاً الدائرة الهرمينوطيقية، ذلك فأل حسن.

أعتقد أن تجربتي الخاصة، كما حاولت رسمها، تتوافق مع الهمّ الذي يشي به سؤالك، بالمقدار الذي كانت به التأويليات الهايدغرية، المنبثقة من بعيد من شلايرماخر، كانت لدى العتبة المنفتحة على تأويليات كاملة. لنوضح مرة أخرى تلك الملامح. لا أعتقد أن المعاني الأربعة العادية التي ارتبط بها التفسير الوسيطي المعروف كان لها الفضل في دفعنا إلى مستوى غير مشهود من الوجود، أي نحو مغامرة تأويلية «لا تراجع فيها» ولا عودة. تلقاء هذا، ثمة تأويليات للكلمة مخصوصة بالديانات الكتابية، كان لها جوهرياً فضل إنتاج تسامٍ وخروج وانفتاح نحو هذه العوالم "الغيبية" التي تمنح لعالمنا معنىً حقيقياً. وأنا أفكر في المجال المسيحي في يواكيم دو فلور، وسيباستيان فرانك، وجاك بوهم، وسويدنبورغ، وف. ك. أوتنغير، وغيرهم. إنهم شاهدون يؤكدون إلى جانب زملائهم الباطنيين في اليهودية والإسلام أن ظاهرة الكتاب المقدس، بعيداً عن تجميد انطلاق مبادرات الفكر، هي المحفز الأكبر لها. ولكن، مثلما أن آخرين تحدثوا عن ضرورة «ثورة دائمة»، فأنا أدعو إلى ضرورة «تأويليات دائمة». وأعني بذلك التكيف مع الاكتشافات التاريخية والأركيولوجية، التي تصل في الغالب إلى اختزالٍ لـ«النشيد التاريخي» للكتاب المقدس في بُعْدٍ عاديٍّ ووقائعَ يومية ذات تفسيرات سوسيولوجية جاهزة، تكتفي بإقصاء بعض الكلمات التي تعتبر نافلة وذات بُعد مقدس مزعج شيئاً ما. فالتأويليات الدائمة لا تزيح أي كلمة من التقليد، فكل كلمة يجري الحفاظ عليها، كونها تساهم في اللقاء الصريح بين الصورة والفكرة. أما السؤال المطروح في هذه النقطة بالذات فهو: هل كان هايدغر سيتبعنا في هذه العملية التي تنحو إلى تحويل اللوغوس من طابعه الأنطولوجي إلى لوغوس لاهوتي؟ حيث إن الحيرة التي يمكن نواجهها بفعل جوابه الممكن هي أمر ثانوي. فالحديث عن «أرثوذوكسية» هايدغر أمر غير مقبول، وعلينا متابعة مهمتنا بالشكل الذي نراه. ربما استطعنا العثور في خضم الكم الهائل من مؤلفاته غير المنشورة، أو في أحد حواراته المسجلة، على إيماءة نحو جواب معين. وربما أيضا قد يكون سره قد دفن معه إلى الأبد.

لهذا أفضّل أن أقول اليوم وببساطة، ما يقال عنه بالعربية: رحمة الله تعالى عليه.

-----------------------------

[1]- العنوان الأصلي للمحاورة: From Heidegger To Suhravardi: An Interview With Philippe Nemo.

نقلاً عن: www.imagomundi.com.br /espiritualidade/corbin-heid-suhr.pdf            .

تعريب: رشا طاهر ومنار درويش - مراجعة: كريم عبد الرحمن.

[2]- القباليون: كلمة تطلق على المتصوفين اليهود.



--------------------------


من سيرته الذاتية

ولد هنري كوربان في 14 نيسان/أبريل 1903 من أسرة بروتستانتية في مقاطعة نورماندي (بشمالي فرنسا). وأتقن اللاتينية واليونانية، كما أتقن اللغة الألمانية، وألمّ باللغة الروسية. درس الفلسفة في كلية الآداب ـ جامعة (السوربون) في باريس. لكنه تأثر خصوصاً بمحاضرات الفيلسوف أتيين جلسون Etienne Gilson  في المدرسة العملية للدراسات العليا، حيث كان يلقي محاضرات آنذاك عن الترجمات اللاتينية لمؤلفات ابن سينا.

يعدّ هنري كوربان من أبرز الشارحين الغربيين للحكمة المعنوية والفلسفة الإسلامية. وقد اطلع لأول مرة على الفلسفة الإسلامية، وبالذات على ترجمة كتاب النفس لابن سينا، في العامين 1923 ـ 1924م، من خلال دروس آتيين جلسون، الفيلسوف الفرنسي (التومائي الجديد). وكانت آراء ابن سينا حول صدور العالم، وارتباط العالم بالملائكة، قد أثارت إعجابه كثيراً، بحيث إنه لم يترك البحث عن الملائكة وارتباطها بالعالم الإنساني والعالم المادي حتى آخر لحظات حياته.. تعرَّف في السنين التالية على المستشرق الفرنسي لويس ماسينون، وبالرغم من عدم توافقه معه في أسلوب البحث ونوع التقويم وغيرها من الأمور إلا أنه تأثَّر بتوجهه المعنوي إلى الإسلام والتشيع. وقد مكَّنته الاستفادة من المفكّرين الألمان، أمثال: هامان، لوثر، وبعض اللاهوتيين البروتستانت، وأخيراً هايدغر، من دخول آفاق جديدة في تأويل الكتاب المقدس، والتوصل إلى منهج في التأويل والظاهراتية، وأدت إلى استعماله لهذا الأساس في ما بعد في تأويل الحكمة الإسلامية الإيرانية، وإحيائها.

اهتمّ بأعمال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1962م)، وخصوصاً في أعماله العرفانية، فقد تأثر بهذه الأعمال حتى ترهبن في أحد أديرتها، ففي سنة 1945 م التحق باحثاً بـ (المعهد الفرنسي الإيراني للبحوث IFRI) في طهران، وظل فيه سنين يجمع آثار العرفان في مكتبة المعهد ويترجمها إلى الفرنسية ويطبعها باسم المعهد، ومن هنا جاء اهتمامه بترجمة ونشر آثار مؤلفين عدة من السهروردي...الى صدر الدين الشيرازي، لينتقل عقب وفاة أستاذه ماسينيون لاحتلال كرسيه في «المدرسة التطبيقية للدراسات العليا EPHE» في باريس إلى أن تقاعد في خدمة نفسه المشروع.

 كان كوربان أستاذاً محاضراً في جامعتي السوربون وطهران وكان أيضاً رئيساً للمعهد الفرنسي الإيراني وقد استغل فترة وجوده الطويلة في إيران فاطلع على كثير من المخطوطات والوثائق الإسلامية وكان على اتّصال وثيق بكبار رجال الفكر والدين هناك خاصة اتصاله الوثيق والصداقة التي نشأت بينه وبين العالم والفيلسوف الإسلامي محمد حسين الطباطبائي الذي يعتبر رائداً في منهج البحث العقائديي الحديث وتفسير القرآن. كان  هنري كوربان يلجأ الى أحد المتنزهات في ضاحية طهران ويقضي ساعات طويلة مع العلامة الطباطبائي حيث يتركّز الحديث حول الفلسفة الإلهية والعرفان. وله أيضاً مع الفيلسوف الإيراني الدكتور السيد حسين نصر جولات فكرية ومؤلفات مشتركة.

توفي كوربان في 7 أكتوبر 1978.

 *      *      *

تتناول مؤلفات هنري كوربان العديد من مجالات الفكر الإسلامي، لكن أعظم أعمال كوربان هو من غير شك كتابه: «في الإسلام الإيراني» (أربعة أجزاء، عند الناشر غاليمار، باريس 1971): في الجزء الأول منه تناول مذهب الشيعة الإثنا عشرية. أما الجزء الثاني فكرّسه للسهروردي المقتول وللإشراقيين في إيران. والجزء الثالث تناول فيه «المخلصين للعشق» الإلهي، أعني كبار الصوفية الإيرانيين. والجزء الرابع خصصه كوربان لمفكرين إيرانيين محدثين: مدرسة أصفهان في القرن السابع عشر؛ والمدرسة الشيخية في القرن التاسع عشر.

يُضاف إلى هذا الكتاب:

1ـ «كشف المحجوب» لأبي يعقوب السجستاني، تحقيق ومقدمة بالفرنسية ـ 1949، طهران.
2 ـ «جامع الحكمتين» تأليف ناصر خسرو، تصحيح ومقدمة، بالاشتراك مع محمد معين ـ طهران، 1953.
3 ـ «شرح قصيدة فارسي خواجه أبو الهيثم أحمد بن حسن جرجاني»، تصحيح ومقدمة، بالاشتراك مع محمد معين، ـ طهران، 1955.
4 ـ كتاب «عبير العاشقين» تصنيف شيخ روزبهان بقلي شيرازي (522 ـ 606 هـ) تصحيح ومقدمة، بالاشتراك مع محمد معين ـ طهران، 1958.
5 ـ كتاب «المشاعر» لصدر الدين محمد الشيرازي، نص عربي مع ترجمة فارسية قام بها بديع الملك ميرزا عمار الدولة، ترجمة ومقدمة فرنسية ـ 1964، طهران.
6 ـ «شرح شطحيات شيخ روزبهان بقلي شيرازي»، متن فارسي بتصحيح ومقدمة ـ طهران 1966.
7 ـ «المقدمات من كتاب نص النصوص في شرح فصوص الحكم لمحيي الدين بن عربي»، من تصنيف شيخ سيد حيدر آملي، تصحيح، ومقدمة بالاشتراك مع عثمان يحيى، جـ 1 (المتن ومقدمتان) ـ 1974، طهران.

وقد كتب فصلاً في تاريخ الفلسفة الإسلامية ضمن «تاريخ الفلسفة» الذي صدر في مجموعة La pleiade (لدى الناشر غاليمار، باريس)، وهذا الفصل طبع أيضاً على حدة كتاباً قائماً برأسه في مجموعة «أفكار» Idees (لدى الناشر نفسه).