البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مفهوم الجسد عند هايدغر

الباحث :  ويزة غالاز
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  5046
تحميل  ( 367.801 KB )
يقصد هذا النص استخلاص معنى «الجسد» في الفكر الفلسفي بصفة عامة وعند هايدغر على وجه الخصوص. كاتبة المقال الباحثة الجزائرية ويزة غالاز تسعى إلى معرفة ما إذا كان رأي هايدغر يحمل نظرة مستقلة للجسد، أو مجرد فكرة ضمنية توحي بها مؤلفاته الكثيرة ولا سيما كتاب «زاين أوند زايت» (Sein und Zeit) أو نصوص «ملتقيات زوليكون» (Les séminaires de Zollikon).

تحت هذا العنوان: "مفهوم الجسد عند هايدغر ـ بين الثنائية وفلسفة الكينونة"، توضح لنا الكاتبة تأويليات هايدغر ومنظوريته في ما يعني ثنائية الجسد / النفس وصلته بالكينونة.

المحرر

------------------------

تعددت الأسئلة حول الجسد في وجوده المادي وفي علاقته بالروح، ومن الصعب تجنبه في حديث العامة لأنه وسيلة للحركة والتواصل بين الناس؛ فالجسد هو الذي يتحرك ويعمل ويبكي ويضحك. كما أن التساؤل الفلسفي انطلق من أسباب وجود المادة، والجسد جزء منها. لكنه لم يؤخذ بعين الاعتبار وعلى انفراد إلا في حالات استثنائية، فقد ربط على الدوام بالروح ضمن ثنائية تعقدت عبر التاريخ حتى صارت أهم ما يوجد في تلك العلاقة القديمة المتشعبة والمتعددة التفسيرات، وكانت هذه العلاقة محل اهتمام في شتى المجتمعات والفلسفات والديانات والاعتقادات كلما تساءلت عن قضايا أصل الوجود.

وفي عقود من التاريخ كان الجسد يشكل حلقة منسية (كالعصور الوسطى)، حيث كان تظاهره الروحي أهم من وجوده لذاته، فتزايد تساؤل الفلاسفة والأطباء وعلماء النفس عن سر حيويته وعن موته أي فنائه أمام احتمال خلود الروح أو دوامها. كما طُرح سؤال حول إمكانية تعذيب الجسد عند تعذيب الروح في العالم الآخر حسب الديانات الوحيانية.

إن الاهتمام الأول الذي أقلق المرء في هذا الموضوع ليس حالة الثبات التي يعيشها الجسد طيلة حياته بل التغير الذي يطرأ عليه عند موته أي عند مفارقة الحياة له. لحظات قليلة تغير جذريا من جوهره من جسم حي إلى جثة جامدة، إنها لحظة عبور من هذا العالم إلى العالم الآخر وعلى أساس هذا الجزيء من زمن بُنيت آلاف النظريات.

وأما الاهتمام الثاني الذي شغل أهل الفكر هو وجود الجسد كمادة أو شيء متحرك (objet animé) لا غير، فلقد عرّفه أرسطو «كجسم طبيعي يحمل الحياة كقوة»[2]، ويتابع ديكارت (Descartes) (1596- 1650) قائلا أن «جوهره التفكير»[3]، فتكون المادة هي الأصل دون أي شيء آخر وهي التي تفكر. كل هذا القلق فتح المجال على المستوى العلمي لكمّ هائل من المدارس ذات الأفكار البناءة متضاربة كانت أو متوافقة لم يضعف صداها على مرّ الزمن.

قبل أن نتوغل في تفسيرات هذه العلاقة الثرية، يستحسن المرور ببعض التوضيحات اللغوية والتاريخية التي تفرض نفسها. أولا، من الجانب اللغوي نستعمل عبارة «الجسد» بدل «الجسم» لنميز بين الأول الذي يخص المادة التي تسمح للإنسان أن يولد ويحيا، والثاني الذي يكون أعم من ذلك وقد يلم بكل أنواع الأجسام التي تحدث عن المادة. 

ثانياً، إذا كان الجسد هو الجانب المادي المحسوس للكائن الحي وللإنسان، فالجانب غير المادي هو ما يسمى الروح أو النفس أو الفكر أو العقل. عبارات لا تترادف لكنها تؤدي كلها معنى ما هو «غير مادي» وقد تُستعمل الواحدة بدل الأخرى دون قصد التمييز أو لأسباب فلسفية. هذا إشكال يطرح في اللغة العربية بالتحديد حيث يميَّز بين مفهومي النفس والروح، إذ يفضل البعض استعمال عبارة «النفس» لأن «الروح من أمر ربي»[4]. ولعل استخدام ابن سينا لكلمة «نفس» في قصيدته كان لتفادي حكم بعض رجال الدين في أيامه. لقد حاولنا ألا ندخل في متاهة المفاهيم العربية، وارتأينا أن نتعامل مع عبارة «الروح» لأنها أكثر استعمالاً في هذا الميدان وأفضل ما يترجم عبارة (âme) بالفرنسية، وفيها نجد المعنى الفلسفي لكل ما هو في علاقة مع الجسد لتفسير ما يؤسس حياة الإنسان. كما أن «الروح» بالعربية تؤنث وتذكر، فاخترنا تأنيث الروح أمام تذكير الجسد. 

ثنائية الجسد والروح

تاريخياً، أهم ما قيل عن الجسد يخصّ علاقته الوطيدة بالروح، حيث لا يمكن تصوره دون حيويته وقيمه ونشاطاته، ولا يمكن الحديث عن هذه الحيوية والقيم والنشاطات إلا وهي في جسد يُؤويها، وفيه توضع كل الأشياء غير المرئية التي تساهم في تركيب جسديته وماديته.

في الفكر الفلسفي تعددت الآراء والأقوال والتعريفات والنظريات التي تخص علاقة الجسد بالروح، لتتحدد ماهية الإنسان بكل معانيها، وفي أغلب الحالات بهذين الطرفين في علاقتهما الدائمة. ومهما كان اتجاه الفيلسوف أو العالم، فمن الصعب الحديث عن الجسد دون التطرق إلى ما يقابله، ولا يمكن الإحاطة بمعنى الإنسان بالنظر إلى جزء واحد فيه. في هذه الثنائية (dualisme) بين الجسد والروح يكمن سر كينونة الإنسان. لذا يقول لوقريطوس (Lucrèce): «إن الجسد غلاف الروح وهي (أي الروح) حارسه وواقيه». لكن لا يشاطره أفلاطون الرأي في فكرة الحماية، لأنه يرى أن الروح لوحدها تكون في كامل قواها وتفكر بجد ورزانة طالما لم تأبه بالجسد.

وفي خضم هذه الإتجاهات، يتضح جليّاً أنّ للرأي الفلسفي اتجاهيْن هامّين: من يقول بالاتفاق التام بين الجسد والروح أمثال سبينوزا (Spinoza)[5]، ومن يقول بالتنافر أو الثنائية (dualité) أو التوازي (parallélisme)، وبين هذا وذاك تتعدد الآراء.

الثنائية في ما قبل الفلسفة

اعتدنا في الفلسفة الكلاسيكية الرجوع إلى العهد اليوناني لنتفحص السؤال الفلسفي ومنه سؤال العلاقة بين الجسد والروح الذي ما فتئ أن سُمي «ثنائية الجسد والروح». احتار ديمقريطس (Démocrite)[6] في أصل المادة لذاتها، بينما تساءل أفلاطون عن الإنسان في صورته المتكاملة بين المادة المرئية والفكرة غير المرئية. لكن لا يُمكن اعتبار هذا المرجع كالبداية الوحيدة للفكر الفلسفي أو انطلاق التساؤل والدهشة، إذ نجد عند الهنود الحمر والديانات الآسيوية والفرس والمصريين القدماء والأفارقة شمالا وجنوبا أراء لا تقل أهمية. تساءل كل منهم عن الجسد وعن الروح والعلاقة بينهما وانفصالهما ومآل كل منهما، وقد بنوا حول هذه اللحظة ـ أي الانفصال ـ طقوسا يزيد تعقيدها بقدر تعقيد ثقافات المجتمعات وأثر بصمتها في تاريخ الحضارة الإنسانية.

كانت معظم قبائل الهنود الحمر تعتقد أن للجسد روحيْن تسكنانه على الأقل، واحدة حرة طليقة تستطيع أن تخرج منه أثناء نومه أو في حالة الغيبوبة وأخرى ماكثة فيه. عند الممات تنتقل واحدة منهما مباشرة إلى عالم الأرواح فتنعدم قدرته على الحركة والحيوية، بينما تبقى الثانية وقتا من الزمن حتى تنتهي الطقوس المقامة من أجله ويُنهي أهله كل الأشغال التي لم يقدر على إنهائها في حياته.

أما أهل البوذية فهم ينظرون إلى العلاقة بين المادة والروح كوحدة تجمع الجوانب المرئية وغير المرئية في وعاء واحد. كل ما هو كائن مادي أو روحي مرئي أو مخفي ما هو إلا تَجَلٍّ للشيء نفسه في إطار قانون كوني أساسي يتمثل في «الواحد»، كل أشياء الكون مرئية كانت أم غير مرئية تأتي من ينبوع واحد للحياة، فهي ليست منفصلة وكل الجوانب المادية كالجسد أو الروحية كالعقل والعاطفة والإرادة لها الأهمية نفسها. يقول «نيشيران[7]» أنه «يمكن لأي شخص أن يعرف أفكار شخص آخر من خلال الاستماع إلى صوته لأن الجانب المادي يكشف عن الجانب الروحي»، فالمادة والروح جوهر واحد وإن يبدوان بمظهرين مختلفين.

كما نجد عند المصريين القدماء نظرة غنية ومتنوعة حول الجسد أو على الأقل جسد من سيتمكن من بلوغ عالم البقاء بمعرفته الواسعة واحترامه لقوانين الكون. وهم يعتقدون أن الإنسان يتجاوز معنى الازدواجية بطرفيها الجسد والروح لأن لكل شخص عشرات المكونات المادية واللامادية تجعله ينتمي إلى المجال الدنيوي المحسوس المتمثل في موجودات الدنيا وإلى المجال الروحاني غير المحسوس الذي يكوّن دائرة الآلهة والأسلاف. وبفضل مكوناته غير المادية أو اللطيفة يمكن لكل شخص بعد موته أن يتوقع البقاء على قيد الحياة وإلى الأبد بجوار القوى الغيبية الخارقة للطبيعة التي تقنن الظاهرة الكونية. ومن أجل ذلك، عليه أن يعمل على المحافظة على «آنخ» أي نفَس الحياة (souffle de vie) باحترام مبادئ «معت» (Maât) إلهة النظام والسلم والعدالة والحقيقة والتوازن في العالم لأن التوازن هو الذي يسمح للبشر بفهم عالم الآلهة وإدراكه واستيعابه.

وفي الأراضي الإفريقية، كان الاعتقاد بوجود قوة غير مادية في الجسد المادي من وقت مبكر، منذ أن شرعوا في دفن جثث موتاهم بتطبيق طقوس خاصة بها[8]. فمن يعتقد بخلود الروح ومن يذهب إلى خلود الإثنين وعودتهما بعد الموت، كل ورشات العمل ما زالت مفتوحة، إلا أنّ نتائجها لم تُعْطِنا نتائجها الأدلة الكافية لتفهم طبيعة العلاقة الدقيقة بين الروح والجسد قبل مجيء أولى الديانات السماوية. فالظروف التاريخية لهذه المناطق وكثرة الحركة فيها تجعل البحث في الماضي متعدد الجوانب، ولم توفر لهذا النوع من الاكتشافات الاهتمام والإمكانيات والوقت الكافية. كما أن الديانات السماوية أضفت لونها الروحي على معتقدات وطقوس هذه الشعوب بوضوح جعل ما سبقها عديم الحضور.

حقا، إن للديانات السماوية رأياً مؤكَّداً في النظر إلى الجسد في علاقته بالروح والآراء حول لحظة اللقاء ولحظة الفراق بين الطرفين حاسمة ومتنوعة. هذا ما جعل الميتافيزيقا تسعى مسعاها وتقيد إتجاه الفكر لعدة قرون.

عُرفت الميتافيزيقا على أنها القدرة على تفسير الكون، وقال أرسطو أنها الفلسفة الأولى (philosophie première)، يقصد بها كل ما لم يستطع العلم أن يحصره في التجربة. لكنها تطورت مع تطور الفكر خاصة في ظل الديانات لتبني هرما من المعتقدات يصعب تجاوزه. وقد عرّفها كانط (Kant) على أنها «علم الأصول الأولى للفكر الإنساني» تلم بمعرفة أسرار الكون وتطمح إلى معرفة اللامحسوس أي اللامادي.

تطورت الميتافيزيقا وتأكد نفوذها في تفسير أصل الوجود إلى أن صارت هي أساس تفسير الكون والحياة، طبعت الفكر الإنساني في العصور الوسطى حتى استحال التفكير بالجسد دون المرور بدواليبها. وقد نُسبت لها قضايا عديدة كالروح والله والخلود وأصل الوجود ومصير الإنسان وأشياء أخرى. وهي تفسر علاقة الجسد بالروح على مبدإ «الثنائية» على غرار العلاقات التأسيسية للفكر كتقابل الخير والشر أو الجنة والنار أو السماء والأرض أو النهار والليل، ما يؤكد علاقة الثنائية والتضاد بين الروح الإيجابية والجسد السلبي. في هذا التقابل تتغذى الروح بالروحانيات وهي الغذاء المناسب لوضعيتها حتى تكون خفيفة ولطيفة وطاقتها علوية طاهرة ويتغذى الجسد بالشهوات فيكون دنيئاً من مادة غليظة وطبيعة دنيوية. هذه الفرضية الموسومة بالعداوة فرضت فكرة سقوط الروح من عالم علوي إلى العالم المادي حيث تعرفت على الجسد، فاقترحت سؤال تحديد أصل العلاقة بين الطرفين وإمكانية أسبقية الروح عن الجسد في الخلق وكذا أزليتها، ثم إمكانية بقائها أي أبديتها بعد اندثاره وفنائه. يقول ابن سينا أنها «هبطت» إليه ويقول أفلاطون أنها «فقدت أجنحتها». وقد حاول بعض الفلاسفة أمثال القديس أوغسطين[9] (Saint Augustin) الخروج من هذه المقابلة إلى فكرة أكثر شمولية، إلا أن الرأي الثنائي  بقي سائدا طيلة القرون الوسطى.

بالمنظور الفلسفي، يقول المؤرخون أن «الثنائية» فكرة أفلاطونية، وينسبون النقاش حول علاقة الروح بالجسد إلى نظرية «عالم المُثل» أو «الأرواح» (idea) حيث أكد في (Phédon) عن وجود عالمين متميزين وجعل نوعين من الكائنات المرئية وغير المرئية تتقابل[10]، كما تحدث في «كتاب السياسة» عن روحين كونيتين تمثلان إلهين متضادين[11]، وفي «كتاب القوانين» سلّم بأخلاق الكون الذي كان يسير في طريق إيجابي لما كانت تقوده الآلهة وتحوّل طريقه إلى عكس ذلك لما تركته الآلهة يسيّر نفسه بنفسه[12].

لكن قد يكون الإشكال أقدم من ذلك إذ تتطرق الأساطير اليونانية الأولى (قبل القرن السادس قبل الميلاد) إلى علاقة الآلهة الخيرة بالعمالقة الشريرين، ومن هذه العلاقة ولد الإنسان. وقد تتحدى قوة هذه العلاقة حتى الموت الذي لا يستطيع أن يُفرق بين الطرفين، لذى تنصح «أرفي» (Orphée)  بالزهد المتشدد لتحرير الخير من قبضة الشر أي تحرير الروح من الجسد. ولم يختلف رأي فيتاغورس (Pythagore) وأمبادوقليدس (Empédocle) عن ذلك في الخطوط العريضة[13]. نلاحظ في هذه الأسطورة وجود كل المكونات الأساسية لبناء نظرية أو نظريات حول علاقة الروح بالجسد وما يميز بينهما.

في كل الحالات يتمثل المشكل الأساسي في الاتفاق أو الاختلاف بين الجسد والروح وفي إمكانية فناء الأول وبقاء الثانية. إلا أن هذا إشكال قد يكون في الحقيقة غير صحيح منهجيا، فالمصادقة على الاتحاد في مسألة الأصل تستلزم أن يتّحدا في مصيرهما أيضا. ولو أن الميتافيزيقا تنادي ببقاء الروح وفناء الجسد بعد موت الشخص، إلا أن الآراء تختلف في لحظة الانطلاقة: هل يولدان معا أو في وقت واحد في حيزين مختلفين، أم أن الروح توجد قبل الجسد بأزمنة متفاوتة، أو أنها لم تولد ولن تفنى بل هي أزلية أبدية؟ يؤكد أفلاطون أنها كانت موجودة قبله، بينما لا يفصح ابن سينا عن أصلها لكن يجعل هذه العلاقة تمر بمراحل فيبدأ قصيدة «النفس» بلحظة نزولها أو هبوطها عن كره إلى الجسد، ثم المعاشرة والألفة فتتعود عليه وتتعلق به، وأخيرا تضطر إلى فراقه بعد أن تدرك حبها له.

تتساءل النصوص اليهودية عن بداية الخلق فتقول: «لما أخذ الله شيئاً من الطين وصنع به الإنسان، ثم نفخ في أنفه سمة الحياة، فصار الإنسان»[14]. الكلام نفسه نجده في المسيحية والإسلام، فيفسر «تريمونتان» (Tresmontant[15]) أنهما لا يختلفان أنطولوجياً بل هما قد خُلِقا في وقت واحد ويمكن أن يكونا قد خلقاً واحداً، فالروح لا يمكن أن تأتي قبل الجسد، وعبارة الجسد (بازار) في اللغة العبرية لا توحي بمعنى «التضاد» كما نجد ذلك في الفكر الديكارتي أو الأفلاطوني، بل تعني التعبير الملموس لما هو غير ملموس أي الحياة والحيوية أو الروح والروحية في كيان الإنسان ككل[16]. يكمن دليل هذا الالتحام في الوظائف المعرفية العليا التي يقوم بها الجسد كالصلوات وحب العلم.

إن للغة الدينية أو الكلام الديني أيضاً مكانة أساسية أو تأسيسية في تحديد العلاقة الإشكالية بين الروح والجسد لأنها تلعب دورا رمزيا هاما في بناء معنى الجسد. فتعبر المسيحية عن ذلك في النص القائل «صار الكلام جسما ـ أو جسدا ـ »[17] حتى تفسر كيف خلق الإنسان كجسد من روح الله التي يمثلها الكلام، ويبين النص الإسلامي كيف أن الكلام اللامادي يُحدِث الأشياء المادية «يقول للشيء كن فيكون[18]». إلا أن بهذا المنظور وفي كل هذه الحالات لا يمكن للروح أن تسبق الجسدَ لأنها قبل أن تلتقي بالمادة وتلتحم بها حتى يكون الجسد والإنسان كانت نَفَسا إلهيا لا روحا إنسانية. 

عموما تبقى الروح من الأمور المسكوت عنها في الديانات السماوية ويُعبر عنها بمفهوم «السر» أو «الحكمة» «أو القدرة الالهية». جاء في القرآن الكريم: « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً»[19].

في العصر الحديث بقي الفصل بين طرفي الإنسان مستمرا وإن حاول بعض المفكرين التوفيق بينهما. والأمر يتجاوز حدود الفلسفة إذ ما زال علماء الفلك آنذاك يعتقدون أن الأرض مركز الكون والإنسان خير الكائنات وسيدها، لكنه سيدها بروحه لأن هذا الجسد الذي يعيش فيه وبه شيء ثانوي لا قيمة له، وهو مجرد وسيلة تسمح للروح بالتقرّب من الله.

أما في الفلسفة فمن أهم من تطرقوا إلى قضية الجسد وعلاقته بالروح هو «ريني ديكارت» الذي صرح في بداية القرن السابع عشر أن الحديث عن الروح  أسهل من علاج مسألة الجسد. وإن أراد الفكر الديكارتي أن يكون علميا إلا أنه بقي نظريا لأن الثقافة الدينية المسيحية ما زالت تمنع دراسة الجسد من الداخل، تمنع التشريح والتعامل مع الأعضاء والأحشاء والدم. فالجسد وعاء الروح والروح هي الشعلة الإلهية التي تعطي الحيوية للجسد، حتى قال ديكارت أن الروح تسكن في «الغدة الصنوبرية» (glande pinéale). وقد أفصح في (Méditations métaphysiques) بالتحديد عن نوعية العلاقة التي تربط بين الجسد والروح وفسر بكل وضوح الثنائية التي تفصل بين (res extensa) وهي المادة والامتداد وكل ما هو ملموس، و(res cogitans) وهي الفكر أو النفس أو الروح التي تقرب الإنسان من الله وتؤكد وجوده. كما أكد هذا الكلام في كتب أخرى كذلك.

ثم جاء سبينوزا مباشرة بعد ديكارت ليطالب بضرورة الوحدة بين الروح والجسد عند الإنسان وإمكانية وجود قوة خاصة بالجسد مستقلة عن كل شيء حتى عن الروح. «أن يُسمح للجسد أن ينفرد بقواه مؤكدا تأثيراته، هذا إشكال جديد يؤدي إلى أطروحتين أساسيتين: إما أن يؤسس التمثيل المعرفي لهوية الإنسان كفرضية تؤيد العلاقة بين الجسد والروح ككل متكامل، وإما أن يكون التمثيل سبباً لوجود الجسد لوحده بناء على قوانين الطبيعة والحركة والسكون». هذا قياس يشبه نوعاً من الرجعة إلى الفكر اليوناني لكن على أمثال فكر لوقريطوس وديمقريطس القائلين بإمكانية التفكير في الإنسان على أساس الجسد أي المادة. هكذا بدأ الإبتعاد أخيرا عن الفكر الأفلاطوني الذي لم ينهزم لمدة عشرين قرنا.

عموما مهما كانت الإنتقادات، فالثنائية كمفهوم تبقى مقبولة شكلا لأن معظم التفكير الفلسفي مبني على أشكال ثنائية كالتحليل والتركيب أو الإيجابي والسلبي أو الإستنتاج والإستقراء أو الكينونة والعدم... هذه المقابلات ليست مجرد تمرينات لغوية أو أدبية، بل هي أسس وجودية تُبنى عليها كينونة الإنسان بكل أبعاده.

وحتى الجسد في حد ذاته وإن تميز بالحسية فهو لا يخلو من التقابل والتناقض بل يجمع في سماته الأساسية صفات تتقابل كالحدود والامتداد، وصفات تتنافر كالجمود والمرونة. 

الفكر المعاصر: مدخل إلى الجسد الشاعري

لقد حاول «ديكارت» التوفيق بين طرفي الإنسان إذ مثّل الجسد كمادة تكوّن العالم الملموس أي الكون (univers) بمعنى كل ما هو كائن مقابل الروح كجوهر. لم يوافقه «سبينوزا» (Spinoza) في هذا الرأي وراح يربط جسم الإنسان بعلاقة مباشرة مع جوهر الله الذي يمده بروحه في علاقة توحيدية. ما سماه «لايبنيز» (Leibniz) الآلة الإلهية التي عرفها كآلة طبيعية تفوق كل الآلات المصنعة. ثم قسم «كانط» (Kant) الحقيقة إلى «مظهر» (phénomène) حيث توجد المادة والجسم والجسد، و«جوهر» (noumène) حيث توجد الروح والنفس والفكر والذهن. لكن رفض «سارتر» (Sartre) هذا التقسيم لأن الواقع عنده واحد وكل ما هو غير مرئي غير موجود. هكذا تضاربت الآراء الفلسفية لكي تشق طريقها وتمهّد لقاعدة جديدة تؤسس عليها حقيقة أخرى تعطي للمادة دورا رئيسيا. 

ما تميز به الفكر المعاصر هو التنوع والإختلاف. ولعل أهم ما يجلب الأنظار من الإتجاهات المادية هو تساءل الإتجاه  الأنجلوساكسوني: «كيف يمكن للمادة بمعنى «مخ» الإنسان (brain) أن تنتج الفكر أو الأفكار (mind)؟»

لقد برزت هذه الأسئلة في الولايات المتحدة فسمحت بتطور كبير في العلوم الإنسانية وعلوم الإتصال والفلسفة لكنها بقيت محتشمة في الدول الأوروبية ولم تقتحم الميدان إلا بصعوبة[20]. 

فبدأ الفكر يتسم بالصبغة المادية فلم يهتم بعلاقة الروح بالجسد بقدر ما اهتم بالجسد كمصدر الحيوية والحركة والعمل وحتى الإنتاج الفكري والفني. بحكم العلوم التجريبية والعلوم الدقيقة التي استقلت عن الفلسفة وتطورت، صار للجسد وجود مؤكد وفعال، على غرار الفيزياء التي تتساءل عن الإنسان كجسم بين الأجسام والبيولوجيا التي ترى فيه مجموعة خلايا وأعضاء، وكذا الميادين الأخرى. كما وجد الجسد مكانته بين العلوم الإنسانية والفلسفة، إذ لقي صدى عند علماء الأنثروبولوجيا الذين أدركوا أهميته في كل مجموعة إنسانية لكل عصر حين نظروا في الكيفيات التي استُعمل بها في شتى الثقافات، وكذلك في علم الاجتماع الذي جعل منه فاعلاً إجتماعيّاً وعلم النفس الذي نظر إليه كذات عضوية يعبر بها الإنسان عما يدور بداخله. بينما يتوقف نظر الفينومينولوحيّين عند حدود الجسد كغلاف جسدي (enveloppe corporelle)، الذي يتمثل في ما تراه العين، هذا الهيكل المكوّن من الرأس والأطراف ويتسم بالحركية (mobilité)، وهو يعمل ليعيش ويسمع الموسيقى ويحب أو يكره ويتدين أو يلحد...

أخيرا وجد «الجسد» مكانه في شتى اتجاهات الفكر وجلب أنظار المثقفين بصفة عامة، فترجّح فهمهم له في معنيين: الأول أن يكون للجسد علاقة بالذاتية (subjectivité) وبهذا المعنى يبقى للميتافيزيقا مكان في حياته وإن انتُقدت كيفية تفسيرها وفهمها للأشياء. الثاني أن يكون الجسد جسماً ماديّاً فيه تسكن الحيوية والإنسانية، ما يؤدي إلى نظرية مادية بحتة. فتفسر «كاتي لوبلان» (Cathy Leblanc)[21] هذه الآراء التي تقدّر حدود إمكانيات الجسد في كون مادته على مثل الرسومات اليابانية (estampes japonaises) التي ترسم المحيط الخارجي للهيكل بخط أسود وتسميه «الخط الواضح». لكن هذا التعريف الذي يكتفي بمحيط خطي أي الغلاف الجسدي غير كافٍ، تنقصه إضافات وصفات تجعل الجسد حركيا وديناميكيا ينسجم مع الفكر وأبعاده والكينونة التي تحركه وتبعث فيه الحياة[22]. هذا ما وجدته في بعض نصوص هايدغر.

هايدغر والجسد الشاعري:     

لم يتفق هايدغر مع أيٍّ من هذه الآراء لأنه لا يقبل بفكرة أن الجسد مادي بحت ولا بميتافيزيقا مهما كانت نقدية تفسر سر وجود الإنسان. إلا أنه سعى إلى جمع الأفكار التي يجدها مفيدة في كل رأي ليكشف عن نظرة جديدة تقول بجسد يتأثر بالحياة التي يعيشها ويتأقلم مع الأحداث ويتجاوز حدوده ليملأ المكان ويتصرف فيه، سماه «الجسد الشاعري»[23].

جاء هايدغر في بيئة تتميز بالنزاعات الفكرية المبعثرة والمتناقضة تتنافس حول كل المواضيع الفلسفية حتى البديهية منها والتي غالبا ما تؤول إلى طرق  مسدودة أو «الطرق التي لا تؤدي[24]»، أفكار تحتاج إلى من يجمعها ويوجهها ويعطيها سياقاً وانسجاماً ومحوراً تتلاحم حوله. في هذا الخضم، شعر الفيلسوف بضرورة الرجعة إلى «سؤال الكينونة» الذي طُرح في العهد اليوناني ثم نُسي مباشرة بعد طرحه «لماذا هناك الكينونة وليس العدم؟[25]».

وإن تصفحنا معظم مؤلفاته، قد لا نجد نصا واضحا يعرّف الجسد. لكن هناك العديد من الأمثلة حول الجسد في كتبه المعروفة[26] ابتداء من «زاين أوند زايت»[27] وكل تساؤلاته تهتم بحركية الإنسان وأعضائه، استعملها كأدلة تثبت كينونة الإنسان.

كشفت «كاتي لوبلان» عن نص «ملتقيات زوليكان»[28] وهو يحتوي على حقائق هايدغرية جديدة في ميدان الجسد. فيه يحاول الفيلسوف، حسب ترجمة «كاتي لوبلان»، تجاوز الحدود التي تضايق الجسد وتجبره وتقلل من شأنه وتحدّ من أبعاده وتعيق حريته، كما يحاول تجاوز البعد القصير الذي يكتفي بتعريفه كمادة متحركة تسكنه روح حرة. فيوسّع الأبعاد حوله ليحرره من التعسف الأحادي، ثم يضعه ككل في الوسط الذي يعيش فيه ويوفق بينه وبين الأماكن التي يملأها وهي تتبناه بدورها. إنها فكرة «الجسد الشاعري» التي تضع الإنسان بكل جوارحه وصفاته وميزاته وقلقه في وسط يتأقلم معه، فيسميه «سكن الإنسان» وهو سكن شاعري (habitat poétique) لا يختلف في المعنى والأهداف عن ذلك الإنسان الذي سماه «دازاين» (Dasein) ويترجم «بالكائن هنا» (Etre-là). فيقول بضرورة الرجوع إلى «الأنطولوجيا الشاعرية» التي قد تجعل الجسد مستقلا في أفعاله وقراراته وتطوراته: إنه «ذلك الآخر الذي لم يعد جسديّاً حتى وأن بقي هو جسديّاً[29]».

لقد أكدت «ماري جائيل»[30] (Marie Jaëll) على هذا الرأي من قبله. هي موسيقية عظيمة كرست حياتها في تدريس هذا الفن، فاهتمت بحركات الجسد، ما جعلها تنظر إلى الفن بمنظور آخر معتمدة على المدرسة الفيزيولوجية والدراسات الفلسفية والسيكولوجية المعاصرة لفهم دور الجسد في سر هذا النغم الذي يهدهد الإنسان. كانت تبحث عن العلاقة بين تحسين العزف وتطوير الحس الموسيقي، فطرحت السؤال حول ماهية العلاقة بين مهارة اليد وحب الفن. ثم قالت: «أن امتداد الأعضاء خاصة اليد لا يتوقف عند الغلاف المادي أي الجسدي»، وأطلقت على ذلك عبارة «ديناميكية الامتداد» (Dynamique du prolongement)[31].

لقد انفردت «جائيل» في عصرها بهذه الرؤية العبقرية وكأنها تتنبأ وتعلن قدوم فكرة «الجسد الشاعري» الهايدغرية، بل رجعت إلى بعض الأفكار الفلسفية اليونانية بحيث كانت لا تنظر إلى أجزاء الجسم العازفة على حِدَةٍ بل تربطها بكل مكونات الإنسان، على حسب تعبير هيرقليطس «الكلُّ واحد». يجب أن توضع الفكرة في كلٍّ شامل يحتويها وللكل ترجع الأجزاء. ليس الجسد مجموعة أعضاء فقط، بل «هو كلٌّ متحرك في علاقات دائمة»[32]، بمعنى أن الإلتحام دائم بين الوظائف الجسدية والوظائف العقلية وكل من الجسد بكل جوارحه والحركة والفكر والعقل قوة واحدة[33].

كذلك الجسد الشاعري عند هايدغر، هو يدلي بنوع من التوازن والانسجام بين أعضاء الجسم والفكر حتى تكون الحياة ممكنة وتعبر عن ذلك كل أفعال الإنسان العادي. بينما يؤدي أي مرض نفسي أو عاهة جسدية إلى اختلال توازن في حياة الشخص وتغيير تصرفه. فيتحدث عن علاقة ضمنية داخلية يسميها «الداخل الضمني» (l’en-dedans de l’implicite)[34]، كما يقول بمبدإِ الشمولية (entièreté) الذي يعطيه أهمية كبرى إذ يجب «أن يكون الشيءُ كاملاً وشاملاً»[35].

هذه العلاقة الضمنية التي تضمن التوازن والانسجام تؤدي إلى سؤال مزدوج: هل يمكن الاقتناع بجسد ضمني أو أن الجسد كما هو معروف يكون عملية تجريبية؟ في الإجابة عن هذا التساؤل رأيان، للأول علاقة بتاريخ الفكر ويستنطق الطب النفسي والتحليل النفسي، والثاني وهو يكمل الأول يعتمد على الفلسفة. يلزم الطب النفسي على الجسد أن يبقى شفافا وإلا فقد موضوعه وحريته. مثلا إذا كان المرء أثناء الكلام ينتبه إلى وجود كل أعضائه التي تشارك في عملية الكلام متخيلا الشكل المقعر أو المحدب لأسنانه أو نعومة غشاء حنجرته، فلن يستطيع أن يركز على موضوع حديثه لأنه منهمك في الأعضاء التي تجعله يكون ويتحدث، إلا أن الشفافية تلغي الحواجز المادية والنفسية المتعلقة بالجسد، وتكون مهمة الإنسان هي الأهم بشرط ألا يكون خلل في جسمه. ومن رواد هذا التحليل البروفيسور «فوش» (Fuchs)[36].

بينما يحاول الفيلسوف «مارك جونسن»[37] (Mark Johnson) تفسير معنى الجسد الشاعري الذي قال به هايدغر وفهم «المسكن الشاعري» للجسد تحت ضوء الفلسفة التحليلية، فيرجع علاقة «الدازاين» بالكينونة إلى نوع من التجربة الجسدية تبعد حدود الجسد بالمعنى المادي وتوسعها ليقترب في مضمونه بمعنى «المسكن الشاعري»، حتى يصل إلى نفس معنى «الوجود».

هذه الشفافية التي تضع الجسد في بُعد ضمني موحّد تجمعه كذلك بشبكة علاقاته، ومن الميزات الخاصة لفكر هايدغر أن الجسد أساس التجربة التي تمتحن الفكر ككل[38]. وكما لا يمكن الفصل بين النفس والجسد فلا يمكن أن نفصل صفات النفس عن صفات الجسد كذلك ولا يمكن فصل الجسد عن وسطه وبيئته. الجسد هو الذي يسمح للإنسان أن يحس ويشعر بالعالم ويفكر وينتج الأفكار، الفكر يتأثر بالجسد بقدر ما يؤثر فيه، وتجربة الفكر تحدث وتصبح حقيقة عن طريق الجسد.

ومن الشروط الأساسية للفكر في تجربته مع الجسد أن يكون هذا الأخير في علاقة ضمنية دائمة الحضور مع وسطه، إنه من ميدان الوجود ولا يمكن أن يُختزل إلى مجرد شيء مُعرف بطريقة محدودة. قال هايدغر في بداية «ملتقيات زوليكون»: يجب أن يُعتبر الدازاين من ميدان إمكانية الإدراك وليس كمجرد شيء «موضوع ها-هنا» (موضوع في المقدمة[39]) أي (être-là devant). ما يشترط وجود فضاء يتصرف فيه الإنسان ويسميه «السكن» بمعنى «الوجود».

ثم يتحدث هايدغر عن منطق التجربة أو الممارسة ويحاول الجمع أو التوحيد بين النفس والجسد بطريقة تقنية أو لغوية على شكل «الفاعل والموضوع» (sujet /objet) في منطق يجعل اللغة هي مسكن أو «منزل الكينونة». 

إن اللغة وسيلة اتصال، وهي في علاقة أساسية بالجسد، عن طريقها يقول ويفهم العالم الذي قُذف فيه. «المَقْذُوف هنا» (être-jeté-là) هو اسم من أسماء الدازاين، ما يعني أن الجسد جاء ليكتشف العالم، وهو ينتمي إلى وحدة تواصلية تحددها اللغة[40] التي تعبر عن علاقة الكينونة بالكائنات. واللغة الفكرية أي التفكير المعبر عنه بالكلام هو الذي يجعل الإنسان يفهم العالم الذي قذف فيه غريبا، فآلفه وانفتح له حتى صار جزءاً منه. في «رسالة في المذهب الإنساني» (Lettre sur l’humanisme) يفسر هايدغر كيف يقف الإنسان في ضوء الكينونة والانفتاح (l’ouvert)[41]، لأن «اللغة التي تعتبر نتاج الانفتاح المستنير تندمج بعملية الانفتاح في الآن نفسه»[42] من أجل نور المعرفة. ثم يعمم اللغة إلى كل الكيان قائلا أنها تمرّ عبر الأعضاء الحسية سواء كانت لغة الكلام تعبر باللسان أو لغة الحركات ولغة العيون ولغة الجسم[43].

ثم يطّلع هايدغر إلى مفهوم الشفافية ويحاول تجاوزه بإضفاء أبعاد أخرى على الجسد بالنظر إليه كمادة حية لها وظائف وصفات أساسية تتميز بالحجم والامتداد. ما جعل «جان لوك نانسي[44]» (Jean Luc Nancy) يقول أن «الجسد غير قابل للتدقيق ولا قابل للتعريف أو التحديد، إنه فريد المعنى يختبر قدراته في لعبة التفوق والامتداد». لذلك عمل الفينومينولوجيون على التمييز بين جسم الإنسان أي الجسد الذاتي (corps propre) والجسم الممتد المادي أي البدن ويسمى (Korper) بالألمانية و(corps) بالفرنسية. فيقول هايدغر: «إن الجسد محدد بما (الشيء الذي) يحدده لكونه امتداد»[45].

« Le corps est déterminé par cela qui le détermine en tant qu’il est étendu » 

« Der Ort Kِrpers ist durch das bestimmt،was er als ausgedebnter umgrez»

للملاحظة، نجد بعض الفوارق بين النص الألماني والترجمة الفرنسية إذ تؤدي عبارة (sich debnen)  بالألمانية معنى «يمتد» (s’étirer)  وتؤدي (debnbar) معنى «ممكن الامتداد» أي مطاطي. توحي هذه العبارة الألمانية الأخيرة «بعامل تنشيطي» لا يمكن الحصول عليه بالفهم الفرنسي. هذا العامل التنشيطي هو الذي يمثل الجسد وليس فقط الامتداد الساكن، أي أن الغلاف الجسدي يزيد انبساطا ليملأ الفضاء بتجاوز حدوده المرئية على شكل حركية مستمرة يمتد حينها الجسد إلى حد معين. هذه الفاعلية بالذات تمثل علامة الحيوية التي تسكن الجسد أو تحتله.

في ما يخص المفاهيم، يستعمل هايدغر بالألمانية عبارتين متميزتين للحديث عن الجسد: «Kِrper» (البدن) و«Leib» (الجسد) وتترجم كلتاهما إلى الفرنسية بـكلمة «corps». لهذا التمييز أهمية كبرى عنده، لأنه يقوم بمحاولة إعادة تعريف الجسد على أساس أصول لغوية، فيقدم مجموع الملامح اللفظية له. «Kِrper» من أصل لاتيني «corpus» يعني «الجسم المادي» باحتلاله الفضاء بأبعاده الثلاثة، أما عبارة «Leib» (الجسد) فهي أكثر تجريد مبدئيا وتشمل الحيوية والحركية المرئية، ـ وإن كانت العبارتان تترادفان ـ. أما تأريخياً فإن «Leib» نتيجة تطور كلمة «liba» من الألمانية القديمة التي كانت تحمل المعنى نفسه، وقد أعطت إلى الإنجليزية كلمة «life» بفعلها «to live»، والإثنان يوافقان الكلمة الألمانية «Das Leben» والفعل الألماني «leben». لكلمة «Leib» إذن معنى يربطها مباشرة بالحياة، منها استمدت عبارة «sein Leib leben» التي تكون ترجمتها «الحياة» أو «أن يعيش المرء حياته». بينما يعني «Kِrper» البدن أو الجسم الذي يملأ فضاءً معيّناً بكل الأعضاء التي تتكون منها ماديته. نستنتج من هذين المعنيين أن الحياة ليست مجرد وجود مادي، إنها أكثر من ذلك بكثير ويصعب وضع تعريفٍ يحتوي على ملامح تعريفية تضم هذا الجانب الملموس أو تتجاوزه. إن الحياة التي تحرك الجسد تحتوي على معطيات من الحياة الحيوانية البحتة والحياة النفسية في الوقت نفسه، كل هذا في عبارة واحدة تعني الجسد. عموما يختلف معنى «الجسد» من الألمانية إلى الفرنسية أو الإنجليزية، فلعبارة «body» الإنجليزية مثلا علاقة بالكلمة الألمانية القديمة «botab» التي تختلف هي الأخرى لفظاً عن «liba» من الأصل  نفسه وعن «corpus» اللاتنية. ولا يمكن تعويض كلمة (Leib  بكلمة  Kِrper) لأن معنى Leiben ليس الوجود في مكان ما بل هو القدرة على احتلال المكان بينما يتجه Kِrper  نحو معنى الإمتداد في المكان الذي يحتله[46].

زيادة على هو موجود، يعمل هايدغر على ابتكار كلمات خاصة تمكّنه من الإحاطة بمعنى الجسد الذي يحتل المكان حتى يعطي «أصالة» (originellité) خاصة لتفكيره. فعند الحديث عن العلاقة بين الجسد والمكان أو الفضاء يقول «إن الجسد يجسد» (Le corps corporéise) بمعنى أنه يمثل مادته، أمره في ذلك أمر «الفضاء يُفَيّض» (L’espace spatialise) بمعنى أنه يتسع أو أن «الفضاء يخلق الفضاء» إذا صح التعبير. ولا يمكن التمييز عنده بين (corporéiser) و(corporéifier)، «لأن تجسيد الجسد يتحدد حسب الكينونة[47]».

Le corporéiser du corps se détermine selon mon être

Das Leiben des leibes bestimmt sich aus der Weise meines Seins.

 كما يستعمل عبارة «التفعيل» (Verbifier/ verbification)[48] (بمعنى أنه يجعل الشيء فِعلاً أو عمليّاً)... إلى جانب أسماء أخرى مرادفة للدازاين ليعبر عن حالات الإنسان كأمثال: «الكائن في العالم» و«الكائن المنفتح»  و«الكائن إلى» و«الممتلك للعالم»...  

هذه الكلمات التي وضعها من أجل الحاجة الفلسفية لا يمكن في أغلب الحالات نقلها إلى لغة أخرى إلا بالمقاربة بسبب العجز الديناميكي بنقص أو غياب الحركية الداخلية للعبارات نفسِها في لغة معينة.

نفسه الفاعل الديناميكي نفسه نجده في الجسد وهو الذي يجعله يتحرك بوجود أمر من الداخل استجابة لإرادة الفرد كإشارة اليد إلى البعد. هذا النشاط  أو الفاعل التنشيطي لا يمكن أن يكون مُحتَوىً في الغلاف الجسدي، بل هناك ديناميكية تنشيط تجعله يقوم بأشياء بمحض إرادة المرء فنسميه «الفاعل»، عكس العملية العفوية التي تأتي طبيعيا كدقات القلب. هذا النشاط الجسدي يشارك الفاعل في أفعاله بحيث ليس الجسد (Leib) لوحده هو الذي يرى أو يفكر أو يسمع إلخ... بل «الأنا» (je) أي (ich) حتى إن كان بالفهم الديكارتي. فالأنا هو الذي يجمع العناصر المشارِكة في الفعل، يضمن علاقة الشخص بالعالم وهو أساس كونه الدازاين أو أنه «دازاينيتة» (daseinité). بعملية «تجسيد الأنا» يصل هايدغر إلى القول «إنني أقف بجسدي في المكان/ الفضاء» (Se-tenir de mon corps dans l’espace)، هذا المكان الذي هو العالم لأن الدازاين هو «الكائن في العالم» (L’être-au-monde) كما أنه «المنفتح على العالم» لأنه يحتل فيه مكانا، فيقول: «إن التجسيد ينتمي للكائن في العالم، يشارك دوما وفي الوقت نفسه في تحديد «الكائن في العالم» و«الكائن المنفتح» (être ouvert) و«الممتلك للعالم» (l’avoir-au-monde) [49]. 

تعبر هذه المفردات الخاصة عن صعوبة الإحاطة بحدود الجسد. وهذه المسألة، في رأيه، وإن كانت تجريبية، فهي ليست «تجربة الحدود» في الجسد بقدر ما هي «تجربة بلا حدود». بهذا الرأي المتعدد المعاني يمكن القول أن هايدغر ابتعد تدريجيا عن الفكر اليوناني حيث كان للأشياء مَعَانِ أحاديةٌ تٌحدَّد في أماكن حسب ثقلها، فلا تكون الأجسام في علاقة مع العالم أو الفضاء حسب إرادة الشخص بل حسب كيانها، الثقيلة منها في درجة أدنى والخفيفة في الأعلى[50]».

إضافة إلى هذه التعريفات، عمل «مارك جونسن» في كتابه «The boby in the mind» على تكملة مسألة الحدود وتنقل الجسد عبرها. فيرجع إلى علاقة الجسد بالعالم ليبين أن الثاني يتغذى من تجربة الأول لكونها تجربة جسدية (corporelle) على الأقل إن لم تكن تجربة بدنية (charnelle). فيقول أن الجسد يوفر خريطة جغرافية تسمح للمخيلة بإنشاء شبكات مكانية لفهم العالم، وهي تهيكل الفهم المادي للعالم طبعا، بل والفهم المجرد كذلك[51].

هكذا ندرك أن مسألة حدود الجسد عند هايدغر لا ترتسم في قضية فصل الروح عن الجسد كما هو معتاد في الفلسفة التقليدية ولا اعتبار الجسد مادة بحتة من خلال مجموعة وظائفه البدنية كما يرى الفيزيولوجيون، بل هي تركيب معقد فيه أشياء مرئية وأشياء مخفية وأخرى منسية[52]. لقد حدثنا مسبقا عن النسيان لما اقترح العودة إلى سؤال الكينونة الذي طُرح في العهد اليوناني ونُسي مباشرة بعد طرحه. وهو يقصد بهذا النسيان نوع من التناسي التدريجي للكينونة بعد أن كانت محور الفكر وتعويضها بالميتافيزيقا التي أصبح الفكر الإنساني يحوم حولها. ولَما اقترح إعادة النظر في كل ما كان منسيا أو تجاوزه الزمن، كان يقصد استرجاع السؤال الأنطولوجي أي السؤال حول الكينونة والإنسان الذي يتضمن الجسد بكل عناصره وأبعاده وشروطه. أسئلة رئيسية مهدت لفكر جديد يدعو فيها بالعودة إلى موضوع قديم يقتضي تقديم «الجسد» في علاقة انسجام تامة مع العالم. 

في حديث عن الجسد الشاعري تعمق هايدغر في تحليل عبارة «شعر» (poésie) وتفسير «الشاعرية» بالرجوع إلى الأصول اللغوية. وهو يفضّل بالألمانية عبارة (dichterisch) عن (poetisch) لأن (poetisch) كلمة يونانية الأصل يقترب معناها من «الإنتاج»، بينما يبقى (dichterisch) في المعنى الشاعري الأولي. فيستعمل عبارة «يسمح للكينونة أن تكون» (Laisser-être)، ويقصد بها الضمان أو على الأقل الشرط الأساسي الأولي للسكن الشاعري، لأن الشاعر يحترم الكينونة و«يسمح لها أن تكون»[53] فيه بكل ضمان. كما أنه يحترم بصفة شاملة الوعود أو الوعد (acte de parole) ما سماه «حكم كلمة» أو «فعل كلمة» الذي يجعل من حس الشاعر نوعاً من القرار والضمان والاطمئنان يسكن إليه الدازاين أو فيه، كما لو كان مسكناً له وكأنه «قرار مسكن» أو «حكم مسكن» (acte d’habitation) لأن الجسد بكل حركاته وأفعاله يسكن في الكلمات التي تعبر عنه، وهو أي الدازاين يعطي الأسماء للأشياء حتى يجمعها ويوحدها. إن هذه العملية الفكرية توسع وتمدد حدود الجسد ليؤثر في العالم بمعنى «التفعيل» أي أنه يفعل فيه (agir). وفي هذا الإطار يصبح الجسد شاعريا ويسكن المكان بحدود تتجدد باستمرار، في علاقة دائمة مع العالم[54] كجواب له، لأن الفعل (verbe - entsprechen) بهذا الاستعمال يعني الإتفاق (correspondre) أو الجواب (répondre).

هذه الديناميكية الوجودية لفهم الدازاين للكون، وهو جزء منه، تجعله يتمتع بنوع من راحة البال (bien-être) لأنه ينسجم مع محيطه في السكن الشاعري الذي يجعل من الأجزاء كلاّ متكاملاً ومتجانساً ومتوازناً.

يعطي هايدغر في «ملتقيات زوليكون» أدلة عملية لإثبات أن الدازاين -الذي كان قلقا لما كان متغربا في العالم- صار يسكن في الكلام الشاعري بكل رزانة. يفسر ذلك بالنتائج الإيجابية التي تحققها ورشات العلاج الفني كالموسيقى أو الرسم أو النحت وأثرها على الأمراض النفسية[55]. إذا حدث خلل بين أعضاء الجسد لدى شخص ما أو مع وسطه وبيئته (يعطي مثل القلق) يجب عليه أن يمارس نشاطا رياضيا أو فنيا لاسترجاع توازنه، لأن النشاط الجسدي والعمل الفني يعيدان التوازن للشخص، وكأن الجسد يرجع إلى شبكة علاقاته التي تجعله أهم من مجرد شيء.

وإن كانت فكرة التحام الجسد بالروح أو الفكر أو النفس لا توحي بالأفلاطونية المبنية على التمييز إلا أن فكرة أهمية تعليم أو ممارسة الفن قد تكون من ذوق أفلاطون وسقراط[56]، لأنه يجعل الجسد والعقل يتفقان. تبقى الفوارق في مسألة أسلوب التعليم ونوعية الفن وذوق الأشخاص.

إن الجسد في نظر هايدغر يحتل المكان ويتمدد وينفتح فيتجاوز غلافه، إذ يرى أصحاب الهندسة والفيزياء أنه يتردد أو يتقدم نحو حدود الحدود وحتى نحو اللاحدود، بينما يغذي الوجود الضمني الامتداد في المكان. فقال في محاضرة «نبني نسكن نفكر» (Bâtir Habiter Penser) «أن الجسد يوحي بالامتداد». أخذ مثال الإصبع الذي يشير إلى النافذة ليفسر أن الحدود لا تتوقف عند الغلاف الجسدي الذي يتمثل هنا في الأصابع بل يمتد إلى معنى النافذة وما فوق حيث سبب الإشارة إليها[57]. ولا يقصد بهذا المثال العودة إلى إشكالية الدلالة (signe) التي لا تدرج في منطقها الالتحام، بل بالعكس تقول بالفصل والتجزئة، فهو يقصد الوصول إلى كل متكامل. في هذا الصدد، تقول «ماري جائيل»: يمكن لليد أن تحجب كل مفاتيح البيانو، وهي تلعب بالمسافات حتى يتلاحم الجسد بالبيانو كشيء واحد. الخيال يحجب الفراغات فتجتمع أبعاد المرئي بغير المرئي حتى يمكن التعامل معهما كشيء واحد. هكذا نصل إلى القول أن الامتداد من المكونات الأساسية للجسد والذات[58].

يقول هايدغر كذلك: إذا كان الكشف (Ereignis) أحد مفاتيح الكينونة، فالإمتداد مفتاحها الآخر. لذا فإسكان أو إعادة إسكان الجسد في المسكن الشاعري خاصة بواسطة اللغة يضعه في وضعية ملء أصلي وأصيل حيث يصبح غير مرغم وغير محبط وغير ناقص وغير محروم حتى يجتمع بالكينونة التي تحركه. أما الحدود أو الحد الأقصى فهو ليس النقطة التي فيها ينتهي الشيء المادي أي الكائن على حسب فلاسفة الإغريق، بل تكون الحدود حيث يبدأ جوهر شيء.[59] 

هكذا يعيش الإنسان في هندسة متغيرة ينتقل فيها الجسد كذات نحو الكينونة. وفي ضرورة إبيستيمولوجية معرفية تلتقي ميزة الامتداد بعملية الانفتاح والتجريد فيكون الجسد فيها بدون حدود وبدون قطيعة. وهو قد يشكل لوحده الميزان الشاعري، أي الخط المستقيم الذي يجمع ويوحد الأرض والسماء في فعل شاعري يسمح للكينونة أن تكون ليعبر عن جمالية وشاعرية هذا الالتحام. نجد هذا المعنى العميق في إحدى قصائد هولدرلين «بالأزرق المعبود» (En bleu adorable) لما قال: «إن النظر إلى الأعلى يقيس الفاصل بين حدين، السماء والأرض. هذا الفاصل هو مقياس سكن الإنسان. أما الحد القطري المخصص لنا والذي عن طريقه يبقى الفاصل بين السماء والأرض مسافة مفتوحة، فنسميه «البعد»[60]. هكذا يصبح سكن الجسد وبذلك الإنسان يتمثل في كل ما هو موجود بين السماء والأرض وهي حدود تمد بأبعاده إلى أبعد ما يمكن. 

بهذا البعد الشامل يقترح هايدغر نوعاً من اللاتمركز أو لامركزية الموضوع تجاه الكينونة التي نجد نفسها في وحدة جديدة تجمع حولها ذات الجسد وذات الشخص والصفات والأعضاء والعناصر والمحيط - إنه نوع من التحام الكل. وباحتوائها الطبيعي للفكر واللغة الشاعرية تبلغ هذه الوحدة أوج معنى المسكن الشاعري بحيث يتمسك الكل بكيفية ديناميكية في علاقة ضرورية مع الجسد، تظهر فيها جليا العلامات التي يتركها الجسد في تطوره وحركاته وإيماءاته. كل هذا يساهم في عملية تدوين الجسد في مركزية أنطولوجية تعيده إلى الكينونة. 

المراجع

-  هايدغر مارتر:  «Sein und Zeit»، ترجمة ألفونس والنس، باريس، غاليمار، 1986.

- هايدغر مارتن: « Essais et conférences «، ترجمة فرنسية أندري برييو، باريس، غاليمار 1958.

- هايدغر مارتن: «رسالة حول المذهب الإنساني»  ( - 1946 - ـber den Humanismus) (Lettres sur l’humanisme)،  الطبعة الفرنسية أوبيي برييو، باريس 1958. 

 - هايدغر مارتن: «هولدرلين وجوهر الشعر»  (Hِlderlin et l’essence de la poésie) في (Approche de Hِlderlin)  ترجمة هانري كوربين (Henry Corbin)، باريس، غاليمار، 1996.

  - هايدغر مارتن: (Bauen Wohnen Denken)، «نبني نسكن نفكر» (Bâtir Habiter Penser)  «المجموعة الكاملة»،  ستوتجارد، 2000.

- ديكارت ريني: «مقالة في المنهج» (Discours de la méthode)، طبعة إليكترونية:

http://classiques.uqac.ca/classiques/Descartes/discours_methode/Discours_methode.pdf

- أفلاطون: «Phedon»، طبعة إليكترونية:

 http://beq.ebooksgratuits.com/Philosophie/Platon-Phedon.pdf 

- سبينوزا باروخ: «كتاب الأخلاق» (Ethique)، طبعة إليكترونية:

http://classiques.uqac.ca/classiques/spinoza/ethique/ethique_de_Spinoza.pdf

- الإنجيل.

- القرآن الكريم.

- لوبلان كاتي (Cathy le Blanc): «النظر إلى الجسد الشاعري» ( Regarder le corps poétique )، في موسوعة الجسد  (Corps encyclopédies): المطبعة الجامعية لرين: (Presses Universitaires de Rennes)،  2011.

- ﭬلاز ويزة: «مفهوم الإنسان عند هايدغر»، رسالة دكتوراه، جامعة وهران، 2015.

-  ﭬلاز ويزة: « تلقي هايدغر في ديناميكية الفكر العربي المعاصر- معركة المفاهيم»، مجلة محكمة للعلوم الإنسانية، جامعة مستغانم، 2014.  

- ﭬلاز ويزة: « Heidegger et son environnement » ، المجلة الدراسات الفلسفية، جامعة الجزائر- قسم الفلسفة، 2015.

[1]  *ـ أستاذة جامعية ـ وباحثة في مركز البحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ ـ الجزائر.

[2] - أرسطو: «النفس»، ترجمة تريكو،  باريس، مطبعة فران (Vrin)، ج 2، 420 أ 20.

[3] - ديكارت: مقالة في المنهج (Discours de la méthode)، طبعة ليبريو، ص. 4.

[4] - راجع الآية « ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً» ـ سورة  الإسراء. الآية 85.

[5] - سبينوزا يرى أن بين الروح والجسد نوعاً من التوازن ويعبر عنه بمفهوم «الوحدة» (monisme). سبينوزا (Baruch Spinoza): فيلسوف هولاندي ديكارتي (1632- 1677)، أخذ حذره من التطبيق الديني دون أن يتناقض مع الفكر اليهودي والمسيحي. وقد أثر بشدة في معاصريه وعدد كبير من المفكرين من بعده. فسماه «جيل دولوز» (Gilles Deleuze) أمير الفلاسفة.

[6] - ديمقريطس (460 - 370)  فيلسوف يوناني يعتبر مؤسس المذهب المادي لاعتقاده أن في الكون ذراتٍ وفراغاً.

[7] - أحد شيوخ البوذية من القرن الثاني عشر.

[8] -  إن قراءة البقايا الأثرية والرسومات العتيقة التي عُثر عليها في شمال الجزائر (في منطقة «أفالو« و«عين لحناش») أو في جنوبها الصحراوي (في «جانت» و«تاغيت» و«تامنراست») وعدة اكتشافات في إثيوبيا وليبيا والمغرب، تؤكد وجود عمليات دفن الجثث بتطبيق طقوس خاصة. وتؤرخ أقدم القبور المكتشفة في الجزائر من 5.000 إلى 20.000 سنة، وقد يصل تاريخ أقدم الآثار فيها إلى 2 مليون سنة.

[9]- القديس أوغسطين (saint Augustin d’Hippone) (345-430) فيلسوف نوميدي من شرق الجزائر (حاليا)، رجل دين مسيحي روماني أمازيغي لاتيني وفينيقي، أحد أباء الكنيسة الغربية الأربعة وأحد دكاترة الكنيسة الستة وثلاثون.

[10] - أفلاطون: «Phedon»  المعروف بكتاب النفس، طرجمة شامبـيـري، 64 س.

[11]  -  أفلاطون: «كتاب السياسة»، أ 268- 270.

[12]  -  أفلاطون:  «كتاب القوانين»، 10، 896. 

[13] - دفاتر فلسفية (Cahiers philosophiques) «الروح والجسد»، أندري بيران (André Perrin)، رقم 53، 1992.

[14]- الإنجيل: Genèse- 2، ترجمة De Vaux.

[15]- كلود تريمونتان (Claude Tresmontant) فيلسوف فرنسي (1925 - 1997)، أستاذ في السوربون، اهتم بالفكر اليوناني والقرون الوسطى.

[16] -  كلود تريمونتان (Claude Tresmontant) «مشكلة النفس»، باريس، طبعة لوسوي (Le Seuil)، 1971، ص. 61.

[17] - الإنجيل، ترجمة سيجون (Segond)  المزمور 145، 21، (Et le Verbe s’est fait chair).

[18] - القرآن الكريم: سورة يس 36، الآية 82.

[19] - سورة الاسراء 17، الآية 85.

[20]- مجلة التيولوجيا والفلسفة:  فابريس كليمون (Fabrice Clément): علاقة الروح بالجسد في فلسفة الفكر المعاصرة (Les rapports de l’âme et du corps dans la philosophie de l’esprit contemporaine )، ج. 131، رقم 1، ص. 3.

[21]  - «كاتي لوبلان» ((Cathy Leblanc أستاذة فلسفة في المعهد الكاثوليكي في باريس.

[22] - كاتي لوبلان (Cathy le Blanc): «النظر إلى الجسد الشاعري» ( Regarder le corps poétique )، في موسوعة الجسد  (Corps encyclopédie): المطبعة الجامعية لرين: (Presses Universitaires de Rennes،  2011). ص. 84.

[23]  -  مارتن هايدغر: ملتقيات زوليكون (Les séminaires de Zollikon)، ترجمة كاتي لوبلان، موسوعتة الجسد، 2011، ص. 83-97. 

[24]  - مارتر هايدغر: «Holzwege»، بالترجمة فرنسية:  «Chemins qui ne mènent nulle part»، غاليمار، باريس، 1986.

[25] - « Pourquoi il y a l’être et non pas plutôt rien »، مقدمة كتاب  Sein und Zeit. يعيد نفس السؤال في العديد من كتبه مثال «مدخل إلى الميتافيزيقا».

[26]- إلى يومنا هذا، لم تترجم كل كتب هايدغر إلى الفرنسية ونسبة قليلة منها توجد بالعربية. - 

[27]  -  مارتر هايدغر: Sein und Zeit (الكينونة والزمن) أي (Etre et temps) وحول ترجمة Sein نقاشات طويلة (أنظر مقال: ويزة ﭬلاز: هايدغر والعرب، مجلة محكمة للعلوم الإنسانية، جامعة مستغانم، 2014).  

[28] -  «ملتقيات زوليكون» (Séminaires de Zollikon): مجموعة  قراءات ومحاضرات وتبادلات جرت بين هايدغر والعالم النفساني «ميدار بوس» (Medard Boss) في مدينة زوليكون (Zollikon) السويسرية الألمانية. كان ذلك بين 1947 و1971. ويعتبر مقال كاتي لوبلان المحاولة الأولى لترجمة جزئية إلى فرنسية.

[29] -  مارتر هايدغر: «ملتقيات زوليكون» ص. 85.

[30] -  «ماري جائيل» (Marie Jaëll) (1846-1925) مؤلفة موسيقى تأثرت بالمدرسة الفيزيولوجية.

[31]- كاتي لوبلان: «النظر إلى الجسد الشاعري»، ص 85.

[32]  - Le corps est essentiellement animé et en relation

[33] - ماري جائل: «الموسيقى والسيكوفيزيولوجيا»، باريس، مطبعة آسو، 1998، ص. 5.

[34]-  كاتي لوبلان: «النظر إلى الجسد الشاعري»، ص.  85.

[35]- أنظر في هذا الصدد «جان قريش» (Jean Greisch) في «الكلمة السعيدة» (La parole heureuse) مكتبة بوشان، باريس، 1987، ص. 22 - 23. وكذلك ريتشاردسون (William Richardson)  في كتاب، Through Phenomenology to Thought

 Fordham University Press، نيويورك، 2003، ج. 1، ص. 32-33.

[36] -  البروفيسور «فوش» (Thomas Fuchs): فيلسوف وطبيب نفساني معاصر من جامعة هيدلبورغ (Heidelberg).

[37]  - مارك جونسن فيلسوف أمريكي معاصر، أستاذ الفنون وفلسفة العلوم في جامعة أوريجون (Oregon) في الولايات المتحدة.

[38] -  مارتن هايدغر:  «المجموعة الكاملة»، GA 31.

[39] -   مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»»، ص. 5. ما تترجمه  كاتي لوبلان:كالآتي

Le Dasein humain doit être considéré comme un domaine du pouvoir-percevoir et jamais comme un simple objet mis là-devant.

Menschliches Da-sein ist ein Bereich von Vernehmen-kِnnen nie ein bloss vonbandener Gegenstand.

[40] -   مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»، ص. 139.

[41]  - مارتن هايدغر: «رسالة حول المذهب الإنساني»، و «Questions 3– 4»، ترجمة روجي مينيي، باريس، غاليمار، 1996، ص. 47-49. 

[42]- مارتن هايدغر: «هولدرلين وجوهر الشعر»  (Hِlderlin et l’essence de la poésie) في (Approche de Hِlderlin)  ترجمة هانري كوربين (Henry Corbin)، باريس، غاليمار، 1996، ص. 49.

[43]  - مارتن هايدغر: «رسالة حول المذهب الإنساني»، ص. 47. 

[44]  - جان لوك نانسي: فيلسوف فرنسي معاصر ولد في 1940. مفكر في ما بعد الحداثة عرف ديريدا وقرأ هايدغر وألتوسر وهولدرلين وغيرهم.

[45]  - مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون» ص. 39. 

[46] - كاتي لوبلان: «النظر إلى الجسد الشاعري»، ص. 87. 

[47]  - مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون «، ص. 113.

[48]  - في إطار نظرية الإشتقاق نتحدث عن (verbification) بمعنى (verbalisation)  بنزع الاسم وتحويله إلى فعل. وقد اخترع شيكسبير فعل (Fantômer) أو (Fantomiser) للحديث عن «بروتوس» الذي جعل «سيزال» شبحا (Ghosted).

[49]  - مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»، ص. 126. وتترجمه كاتي لوبلان كالآتي:

Le corporéiser appartient toujours à l’être-au-monde. Il co-détermine toujours à la fois l’être-au-monde،l’être-ouvert،et l’avoir-au-monde.

Das leibengebِrt immer mit sum In-der-Welt-sein. Es bestimmt das In-der-Welt-sein،das Offensein،das Haben von Welt immer mit.

[50] -  مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»، ص. 40، وتترجمه كاتي لوبلان كالآتي:

Chez les Grecs،la nature de tous les corps est spécifiée et leur correspond en propre،à chacun،un lieu (Ort) : les corps lourds sont en dessous،les corps légers sont au-dessus.

Bei den Griechen haben alle Kِrper ihrer spezifischen Natur entsprechend ihren eigenen Ort : die schweren Kِrper sind unten،die leichten oben.

[51]  - مارك جونسون (Mark Johnson):(The boby in the mind)، جامعة شيكاقو، شيكاقو ولندن، 1987.

[52] -   مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»، ص. 232-233.

[53] - مارتن هايدغر:  «المجموعة الكاملة» - GA 65.

[54]  - مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»، ص. 232.

[55]  - أنظر أعمال الدكتور «خوان ديفد ناسيو« (Juan David Nasio)، محلل نفساني من مدرسي «لاكان».

[56] - من الأسئلة التي كان يكررها أفلاطون معرفة إذا كان الفن مادة من المواد العلمية يمكن تعليمه أم نتاج موهبه.

[57] -   مارتن هايدغر: «ملتقيات زوليكون»، ص. 113.

[58]  - كاتي لوبلان: «النظر إلى الجسد الشاعري»، ص.95.

[59] - مارتن هايدغر: (Bauen Wohnen Denken)، «نبني نسكن نفكر» (Bâtir Habiter Penser)  المجموعة الكاملة،  ستوتجارد، 2000، ص. 149.

[60]  - مارتن هايدغر: «يسكن الإنسان كشاعر» (L’homme habite en poète)، ص. 233:

Le regard vers le haut mesure tout l’entre-deux du ciel et de la terre. Cet entre-deux est la mesure assignée à l’habitation de l’homme. Cette mesure diamétrale qui nous est assignée et par laquelle l’entre-deux du ciel et de la terre demeure ouvert،nous la nommons la Dimension (Durchmessung).