البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

النقد الهايدغري لفلسفة الدين

الباحث :  آرنولد ديوالك
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1306
تحميل  ( 421.104 KB )
تستهدف هذه الدراسة بيان العلاقة بين هايدغر وفلسفة الدين، بالشكل الذي تطوّرت فيه مع ويليام ويندلباند وأتباعه، هاينريخ ريكرت وأرنست ترولتش. ينتمي ويندلباند، الذي كان مؤرّخًا للفلسفة، إلى مدرسة هايدغر التي عُرفت بالكانطية الجديدة. وفي العودة إلى ذلك القرن، كان لهذه المدرسة تأثير وازن وكبير على المجال الفلسفيّ. الجدير بالذكر أنه من قبل أن يتخلّى هاينريخ ريكرت عن كرسيّه لـ هوسرل كي يلي ويندلباند، كان أستاذًا في فرايبورغ. تابعَ هايدغر الشابُّ دروسَه وشارك في محاضراته وبرز في «ميدان فلسفة القيم». وعلى الرغم من أن أوائل أعماله الجامعيّة كانت متأثرة بالأبحاث المنطقيّة لهوسرل، فقد أظهر  في ما بعد تحفّظات جدّيّة في ما يخصّ تطابق التحليلات الريكرتيّة. ويمكننا هنا رؤية أحد الأسباب الرئيسيّة ـ على الرغم من سلبيّتها ـ لتكوُّن الأثرِ الهايدغريّ.

المحرر

--------------------

في رسالة مؤرّخة في 15 آذار/مارس 1921 كتب هايدغر لـ ريكرت ما يلي:

«أنا أعتبر المواجهةَ مع ترولتش طارئةً وضروريّة. حتّى أنّني أعتقد أنّك تعاملت معه بحذر أكبر بكثير في ما يخصّ فكره الدّهريّ عن الميتافيزيقا. إنْ كان يمكن الإعتماد عليه قليلًا وبالتحديد حول هذه النقطة، فإنّ أرنولد ديوالك برز بشكل أكثر حسمًا في فلسفته الخاصّة بالدين. لقد واجهته بالتفصيل خلال محاضرة بعنوان «مقدّمة علم ظاهرات الدين»[2]. ليس الهدفُ من البحث التالي تقديم دراسة تفصيليّة لعلاقة هايدغر بالعمل الضخم لـ ترولتش، هو أقلّ أيضًا من تحديد علاقة هايدغر بالدين أو بعلم اللاهوت عمومًا. هذه العلاقة، في الواقع، معقّدة جدًّا. يكفي على سبيل المثال، وللاقتناع، الكشفُ عن التباين في التأويلات حول هذه النقطة: عُدَّ الفكر الهايدغريّ، بالتناوب، كـ«نتيجةٍ للاندفاع في علم اللاهوت الأساسيّ» (غادامير)، كـ «إلحاد كامل» (كوجاف) أو، مؤخّرًا، كنقطة انطلاق  لـ«التيّار اللاهوتيّ» لعلم الظاهرات الفرنسيّ (جانيكود)[3]. من جهة أخرى، هذه العلاقة بين الفلسفة واللاهوت لدى هايدغر كانت منذ عدّة عقود خلت موضوعَ عددٍ لا بأس به من الأعمال، لا سيّما باللغة الألمانيّة[4]. من دون أن ندّعي قلبَ هذه المسألة رأسًا على عقب، سنحاول التركيز، في إطار هذه الدراسة، على أحد جوانبها  عبر تناوله من زاوية محدّدة: نقد الفلسفة الكانطيّة الجديدة للدين. المسألة تتعلّق بالتالي باستنباط الدور الذي تلعبه، لتطوير الفكر الهايدغريّ، والقراءة النقديّة التي دفعت ثمنها المقاربةُ الهايدغريّة للدين.

الفرضيّة المطروحة هنا هي: بالنسبة إلى هايدغر المقاربة المحوريّة للدين تثير مشاكل منهجيّة داخليّة يمكن فقط للمقاربةِ الظاهراتيّةِ التوجُّهِ، أن تعالجها. أهمّ هذه المشاكل هو بلا شك، وبشكل عامّ جدًّا، الربط بين المثالية والواقع. لتحقيق أهميتها هنا، لا بدّ من توضيح أوّلًا فكرة الكانطية الجديدة لفلسفة الدين، انطلاقًا من نفسها.ثمّ فقط، سنتمكّن من الكشف عن النقد الهايدغريّ لهذه الفكرة ومداها المنهجيّ. نحن نتصوّر على التوالي: 1) فكرة فلسفة الدين  (ويندلباند ـ ريكرت ـ ترولتش)؛ 2) تجنّب هايدغر، تجاه مثل هذا التصوّر، لـ فكرة ظاهراتيّة الحياة الدينيّة (التي قُدِّمت بشكل رئيسيّ في محاضرات فصل الشتاء في العام 1920-21)؛ 3) المدى المنهجيّ لهذا التجنّب (فكرة الظاهراتيّة كـ «دلالة شكليّة» ـ فكرة تبلغ حدّها الأقصى في محاضرة العام 1927 بعنوان «علم الظاهراتيّة وعلم اللاهوت»).

فكرة فلسفة الدين (ويندلباند ـ ريكرت ـ ترولتش)

بشكل عامّ جدًّا، تتميّز مدرسة هايدغر الكانطية الجديدة ببلورة «فلسفة القيم: التي تربط في وقت واحد المقاربة المنطقيّة والمقاربة التاريخيّة. يجد «المعتقَد» أو «نظريّة القيم» التي تمثّل الأساس لفكرهما أصلَها في المنطق لهيرمان لوتز (1874). يميّز هيرمان بين أربعة أنماط من الفعّاليّة: وجود  الأشياء (زمانيّة ـ فضائيّة)، حدوث العروض (الزمنيّة، المثْبتة في تيّار الوعي)، «تكوُّن» العلاقات و«تساوي» المعاني (الزمنيّة بشكل دقيق)[5]. لعبت هذه التمايزات دورًا أساسيًّا في نقد المذهب النفسيّ الذي تطوّر بشكل خاص لدى ريكرت، ولكن أيضًا في الأبحاث المنطقيّة لـ هوسرل، وفي الأعمال الجامعيّة الأولى لهايدغر. الإنجازات الحاسمة لهذه النظريّة هي بلورة حقلٍ للكيانات المثاليّة البحتة. هذه الكيانات مثاليّة، لأنّها ذات قيمة في كلّ الأماكن وفي كلّ الأوقات، وهي الوحيدة المؤهَّلة لضمان عالميّة المعرفة الفلسفيّة، وبالتالي فإنّها توفّر أرضيّة صلبة للفلسفة النقديّة. هذا يتعلّق في المقام الأوّل بـ المعاني التي درسها عالـِم المنطق (شرط أن تكون مستقلّة عن كلّ العمليّات النفسانيّة التي من خلالها يصل فردٌ بعينه إليها كالكيانات الفريدة التي تشير إليها)، ولكن يمكن أيضًا أن تُحدَّد هذه الكيانات المثاليّة أكثر وعلى نطاق واسع، كمجموعة القيم المتساوية مثاليًّا.

بهذا المعنى فَهِمَها ويندلباند، وبالتالي مدّ هذا المفهوم ليَطُولَ الفلسفة بأكملها. من خلال طرح وجود الكيانات المثاليّة البحتة المتساوية عالميًّا، فتحَ لوتز الطريقَ لنظريّة القيم التي شكّل نشوءُها المهمّةَ الأساسيّة للفلسفة. نظريّة القيم تتقبّل هنا مدًى عريضًا جدًّا، وهي نفسها تقوم على عدّة نظريات فرعيّة. في حضن دائرة القيم، يميّز ويندلباند في الواقع وبطريقة تصنيفيّة، بين ثلاثة مجالات خاصّة بعلم القيم: مجال الحقيقي ومجال الخيِّر ومجال الجميل. في المقابل، تشتمل الفلسفة على ثلاثة مناهج أساسيّة: المنطق، الأخلاقيّة والجماليّة. هذه الثُّلاثيّة ذات الإيحاء الكانطي، هي نفسها محاكاةٌ لمختلف وظائف العقل: العرض والإرادة والإحساس.

في هذه النظرة الفلسفيّة للقيم، ذات الميزة المنتظمة جدًّا، حدّد ويندلباند فكرة فلسفة الدين. عرضَ مفهومَه في العام 1902 في النصّ المعنوَن «المقدّس (بدايةٌ لفلسفة الدين)» ثمّ في ما بعد، في العام 1914، في الفقرات من 20 إلى 22 في مدخل إلى الفلسفة[6]. الفرضيّة المركزيّة لويندلباند هي التالية: يجب أن تلقى دراسةُ الدين مكانةً في فلسفة القيم، فهي تتبع بالتالي لمقاربة علم القِيَم. على الرغم من ذلك، فهذا لا يعني أنّه يجب إعادة فلسفة الدين إلى المناهج الثلاثة المذكورة آنفًا. لا يمكن لفلسفة الدين «أن تُعامل كجزءٍ أو ملحق  للمنطق»[7]. لماذا؟ لأنّ الدينَ يحدِّدُه بُعدٌ خاصّ، لا يتجزّأ إلى الحقيقي والخيِّر والجميل: أي إلى«المقدّس». ولكن من جهة أخرى، إن لم يكن تابعًا لمجال أهليّة أحد المناهج المذكورة، فإنّ فلسفة الدين لا تُشكِّل بالنسبة إلى ويندلباند منهجًا رابعًا في علم القيم الذي كان يمكن أن يكون مستقلًّا نسبيًّا بالنسبة إلى الثلاثة الأخرى.

قي الواقع، من الممكن تحديد «المعيار» المثاليّ الذي يحكم الدين (المقدّس)، وهو لا يشكّل نمط صلاحية أو مجال القيم المحدّد الذي كان يحتلّ مكانًا إلى جانب الحقيقيّ والخيِّر والجميل. بالنسبة إلى ويندلباند، على العكس، إنّ دائرة القيم سبق أن أنهكتها القيمُ المنطقيّة والأخلاقيّة والجماليّة. لا توجد قيم غير هذه. بالتالي لا يمكن لـ «القيم الدينيّة» أن تكون غير هذه القيم المنطقيّة والأخلاقيّة والجماليّة نفسها- مزوّدة بشيء من «التلوين»[8]. هذا يعود إلى أنّ الدين نفسه، كما يشير ويندلباند، يبدو لنا على شكل حقائق وتنظيمات خلقيّة وتحف فنّيّة[9]. لفلسفة الدين ذلك الشيء الخاص الذي لا يمكنها أن تحدّه بمقاربةٍ نظريّة  ـ منطقيّة، عمليّة ـ أخلاقيّة (كانط) أو جماليّة (شلايرماخر) للدين، ولكنّها يجب أن تدرك الظاهرة الدينيّة في كماليّتها، في ضمّها لهذه المقاربات الثلاث.

الآن، بالإمكان أن نسأل متى تتلقّى القيم هذا «التلوين الدينيّ». بالنسبة إلى ويندلباند، إنّ خاصيّةَ القيم «المقدّسة» يجب أن تُربط بالفعاليّة فوق الحسيّة. صرّحَ بهذا المعنى في الفقرة 20 من مقدّمته: «نحن لا نفهم بالتالي من «المقدّس» أيّ طبقة من القيم الفارغة عالميًّا، مثل تلك التي تشكّل الحقيقيّ والخيِّر والجميل، ولكن من باب أولى كلّ هذه القيم نفسها، لا تعني أنّها تحافظ على علاقة مع الفاعليّة فوق الحسيّة[10]». بتعبير آخر، في الدين ـ بالمعنى الواسع للكلمة ـ القيم التي تنضوي تحت الحقيقي والخيِّر والجميل تمّ امتصاصها في رؤيةٍ متسامية. بشكل ملموس، هذا يعني أنّها لا تتعلّق بكيانٍ تجريبيٍّ معطًى، ولكن بشيءٍ «ميتافيزيقيّ» بالمعنى الحَرفيّ أكثر للعبارة. لكنّ هذا يفترض مسبقًا أن تكون هذه القيم المنطقيّة والأخلاقيّة الجماليّة مُعطاةً. بهذا المعنى، على الرغم من أنّ فلسفة الدين لا يمكن اختزالها بهذه الأمور، فهي تفترض مسبقًا وبشكل ضروريّ المناهج الثلاثة الأساسيّة[11]. هي لا تُشكّل بالتالي، بالمعنى الدقيق للكلمة، منهجًا رابعًا مستقلًّا نسبيًّا.

إلّا أنّ هذه البضع دلالات لا تزال جزئيّة أيضًا ولا تتناسب مع ما هو أساسيّ. إنّ محور هذا المفهوم هو الصلة بين مقاربة علم القيم والمقاربة التاريخيّة للدين. طبقًا للمميّزات التي طرحها لوتز، يجب أن يتمّ تمييز فاعليّة القيم عن الفاعليّة النفسيّة. من جهته، استخدم ويندلباند مفهوم الفاعليّة (فيركليتشكيت) بالمعنى الضيّق، ليشير إلى ما يتعارض تمامًا مع الصلاحية. بالقيام بذلك، هو يحافظ على المواجهة الحاسمة بين الواقع والمثاليّة وبين وقتيّة الأشياء وخلود القيم، إنْ لم نقل يُبرزها أكثر. ويشدّد بهذا المعنى على أنّ «العلوم الفلسفيّة الأساسيّة الثلاثة تشير، في المجالات الثلاثة للحياة النفسيّة، إلى المعارضة التي تهيمن أينما كان بين الفعليّ النفسيّ والطبيعي، وبين الواقعي(réal) والمثاليّ، وبين ما يحدث زمنيًّا وما هو خالد[12]». لكنّ هذا التمييز، إذا كان ضروريًّا لحماية المعرفة الفلسفيّة من النسبيّة، فهو إشكاليٌّ للغاية، لأنّه ينوجد «معلَّقًا» أو أنّه على أقلّ تقدير منسوباً إلى المفهومَين: مفهوم التاريخ ومفهوم الله.

في الواقع، يُفهم التاريخ هنا بشكل عامّ كتحقّق للقيم المثاليّة من خلال عدّة أشكال للحياة الفعليّة. إنّ مبدأ هذا التحقّق نفسه هو الوحدة النسبيّة للمثاليّ و«الواقعي» (réal). هذه الوحدة تبقى نسبيّة طالما أنّ التحقّق لم يتمّ بشكل كامل. بالنسبة إلى الإنسان، إنّه يصرّ دائمًا على البعد غير القابل للنقصان بين المعيار المثاليّ وتجسّده المحسوس: «يعلن ويندلباند بدقّة أنّ المعنى الأقرب للمؤقّتيّة هو الفارق الذي لم يُلغَ أبدًا بين ما هو كائن وما يجب أن يكون؛ و، لأنّ هذا الفارق (...) يشكّل الشرط الأساسيّ للحياة البشريّة، فإنّ معرفتنا لا يمكنها أبدًا أن تتخطّاه كي تفهم أصله[13]».

 إنّ ما يشير إليه ويندلباند هنا كأصلٍ يستحيل وصولُ الإنسان إليه ـ ولكنّه مع ذلك هدفٌ غائيٌّ ـ هو ما يشير إليه رجل الدين من خلال مفهوم الله أو المقدّس. إنّ مبدأ الدين نفسه يقوم على وضع علاقة بين الإنسان والفاعليّة فوق الحسيّة، للتفكير بأنّ الإنسان كائن غير كامل نسبةً إلى الوجود المطلق. لكنّ هذا المطلق في حدّ ذاته، يقدّم نفسه على مستوى علم القيم، نفسَه كالتحقيق الكامل التامّ للمثاليّة بفاعليّة فوق الحسيّة. إنْ لم تكن القيم المثاليّة من حيث المبدأ متحقّقة تمامًا في العالم المحسوس (متيحةً المجال لتعدّديّة الأشكال التاريخيّة)، فهي كذلك في العالم فوق الحسيّ. تعرِّف فلسفةُ الدين المقدّسَ كـ «تجسيدٍ للمعايير» الذي يحرّك المجالات الثلاثة لعلم القيم في فعليّة متفوّقة، فوق حسيّة وكاملة (اللّه). أو أيضًا، بكلمات أخرى، تستند قداسة الله على «فعليّة كلّ ما هو مثاليّ[14]». في الله، أُلغي البُعد بين القيمة المثاليّة والفعليّ. هذا التعريف، يجب أن نشير إليه، له قيمة بصرف النظر عن حقيقة كون الله موجود أم غير موجود. المسألة تتعلّق هنا فقط بمفهوم «الله»، بفكرة الألوهية بالمعنى الأوسع للكلمة. هذا المفهوم هو مفهوم المعيار المـُستحدث، والمثاليّة المحقّقة، «تقرير فعليّ» بشكل مطلق وتام. وهذا مفهوم الألوهية ينطوي على فكرة الأبديّة (الخلود)، فهذا بشكل دقيق لأنّه يمثّل في منظور علم القيم التلاؤم التام للمعيار والانعكاسيّة. تدلّ هذه النقطة الثانية على أنّ فلسفة الدين وُوجهت مباشرة بمشكلة أساسية هي مشكلة وحدة المثاليّ و«الواقعيّ». يرى ويندلباند فعليًّا في هذا «التعايش التعارضيّ» للمثاليّ و«الواقعيّ» ـ الذي يتضمّنه مفهوم الله بشكل مثاليّ ـ «الفعلَ الأوّليَّ» الذي انطلاقًا منه تتطوّر جميع مشاكل الفلسفة النقديّة؛ ولكنّه يضيف: هذا الفعل يمكنه فقط أن يُشار إليه، ولا «يُدرك من حيث التصوّر»[15]. بالنسبة إلى الفلسفة، هذه الوحدة للمثاليّ و«الواقعيّ» هي «المشكلة الأخيرة»؛ ولكن هذه المشكلة التي من حيث المبدأ يستحيل حلُّها[16]، هي نوع من «بقعة غير مرئيّة» في عمق نظريّة القيم. على الصعيد الدينيّ، هذا يعني أنّه ليس بالإمكان معرفة الله، ولكن فقط يمكن الإيمان به. نعرف ذلك، وسبق لكانط أن أعلن في مقدّمة الطبعة الثانية لـ نقد العقل الخالص، عن ضرورة تعليق المعرفة لإفساح المجال للإيمان[17].

هذا المبدأ يلقى تبريرًا في نظريّة القيم. في النهاية، إنّ استحالة تحقيق التناسب التام بين القيم والفاعليّة هي التي تفسّر وجود الخلافات الدينيّة الإيجابيّة: هي تمثّل مع ذلك مبادرات ـ عن طريق مبدإٍ محكومٍ بالفشل ـ لجمعِ المثاليّ والفعليّ، والوصول إلى الكمال الإلهيّ ولتحويل الإيمان إلى معرفة[18]. على الصعيد الفلسفيّ، تصبح العلاقةُ نفسُها بين الفلسفة والدين إشكاليّةً. تواجِهُ الظاهرةُ الدينيّةُ الفلسفةَ عند حدود النظريّ والعقلانيّ.

أشار هاينريخ ريكرت إلى هذه المشكلة الحاسمة بعد ويندلباند. ولكن من المناسب قبل كل شيء أن نذكر الخلاف بين مقاربة ويندلباند ومقاربة ريكرت للدين. إذا كان ريكرت يستأنف بالفعل وجهة نظر ويندلباند حول فلسفة الدين، إلّا أنّه مع ذلك يعدّلها في نقطّة أساسيّة. لم يتمّ تصوّر الدين أبدًا كعلاقة بين القيم وما هو فوق الحسّ. بالنسبة إلى ريكرت الأمر يتعلّق بدراسة القيم الدينيّة الخالصة، التي تُشكّل المجال الرابع في علم القيم المستقلّ نسبيًّا إلى جانب قيم المنطق والأخلاق والجمال[19]. يشكّل المقدّسُ الكيانَ الدينيّ كما هو. فضلًا عن ذلك، ينقسم المجالُ القيميّ المقدّس نفسه بشكل منتظم إلى نوعين: يمكن أن يكون له ميزة تأمّليّة (صوفيّة) أو ميزة نشطة. هذا الاختلاف المعترف به، يتعلّق هنا أيضًا بالربط بين المقاربة التاريخيّة وما فوق الحسّ. يوجد هنا أيضًا نقطة مشتركة بين الدين والفلسفة: كلاهما يهدفان من حيث الجوهر إلى الخروج من التاريخ، ولكن عليهما بالضرورة الخروج من التاريخيّ. بالنسبة ريكرت، «فقط من خلال التاريخيّ يمكن للطريق أن يؤدّي إلى ما هو فوق التاريخيّ» ـ ولكن باتّباعه هذا الطريق، يقود الفيلسوفُ أخيرًا إلى القضاء على التاريخيّ لمصلحة نظريّة القيم الخالصة[20]. بالإضافة إلى ذلك، يعرض ريكرت مشكلة العلاقة بين المثاليّة والواقعيّة بعبارات ويندلباند نفسها. وعلى غراره يرى ريكرت في وحدة الفاعليّة وفي الصلاحيّة «المشكلةَ الأخيرةَ» للفلسفة. يعلن في هذا المعنى: «على الرغم من ذلك، مع مفهوم نظريّة القيم الخالصة، ولم يُنهك مفهوم الفلسفة بعد.يجب أن تكون المشكلة الأخيرة هي وحدة القيمة والفاعليّة[21]».  لكن، مرةً أخرى، فإنّ مبدأ الدين هو إقامة علاقة بين الإنسان و«قوّة العالم» (ويلتماتش) التي تتخطّاه والتي تقدّم نفسها بشكل دقيق على المستوى القيميّ كوحدة القيمة والفاعليّة. يعرِّفُ ريكرت بدقّةٍ اللهَ (شخصيّ) أو الإلهيّ (غير شخصيّ)، في كتابه نظام الفلسفة (1921)،  مثل الـ «دمج « «الريال» للقيم الدينيّة[22]. هنا أيضًا، هذه الوحدة الأساسيّة بين الصلاحية والفاعليّة تقطع الطريق على المقاربة النظريّة المحض للدين. يصرِّح ريكرت بهذا المعنى فيقول:

 «القيم الدينيّة تقدّم نفسها، ولا أحد سيلاحظها، مع الإدّعاء بمجاراتها بشكل موضوعيّ. في الواقع، هذه، من جهة، إحدى المشاكل الضروريّة للفلسفة، وتتطلّب من جهة أخرى معالجة من وجهة نظر فلسفة القيم، معالجة تمنع تحويل فعل الإيمان اللَّانظريّ إلى الميتافيزيقا النظريّة، ومن هنا تنقله إلى دائرة القيم الغريبة[23]».

 سوف يوسِّع ريكرت هذا الإشكال في نصٍّ متأخّر مؤرّخ في العام 1934. الإشكال المنهجيّ الذي يشكّل مفهوم الله والإلهيّ، على مستوى نظريّة المعرفة، جُمِع في هذا النصّ ضمن عبارة: الإلهيّ هو «القيمة ـ الفعّاليّة». طالما أنّه ليس قابلًا لتكوين مفهومٍ ولا يمكنه أن يكون هدفًا لعلمٍ بالمعنى الدقيق، ترتسم إمكانيّتان لفلسفة الدين: إمّا أن نحافظ على وجهة النظر النظريّة ولا يمكن إلّا عرض (من دونِ حلِّه) إشكالِ وحدة القيمة الفعّاليّة. وإمّا أن نجتاز حدود النظريّة، ونترك المفهوم لمصلحة الرمز. بالنسبة إلى ريكرت، الفلسفة هي بالضرورة نظريّة. في الحالة الأولى، نبقى إذًا في الفلسفة، ولكنّها ليست سوى «فلسفة صلة الوصل»، التي لا يمكنها حلّ المشكل المطروح. ولكن فقط الإشارة إليه مع توحيد المفهومَين بواسطة شَرطة:  Wert-Wirklichkeit؛ في الحالة الثانية، نترك الفلسفة لمصلحة الفكر الرمزيّ[24].

بإمكاننا أن نستنتج ممّا سبق أنّ فلسفة الدين لدى ويندلباند كما لدى ريكرت،  عُدّت كنظام داخليّ لنظريّة القيم. النتيجة الأكثر مباشرة لهذه المقاربة هي نتيجة مزدوجة: 1) التعدّديّة التاريخيّة للأديان الإيجابيّة محدَّدةٌ كتجسيد دائم متعلّق بالقيم؛ 2) أبديّةٌ الإلهيّ محدَّدة كتجسيد مطلق للقيم.

ورثَ إرنست ترولتش، الممثّل الأهمّ في ألمانيا لفلسفة الدين في منعطف القرن، وجهةَ النظر هذه جزئيًّا. لقد ركّز بصراحة على فائدة هذا المفهوم: فلسفة الدين التي فُهمت كعلم خاصّ إلى جانب المنطق والأخلاقيّة والجماليّة «هي شيءٌ ما غير فلسفة الدين بالمعنى القديم للكلمة، والذي شكَّل على الدوام تنشئة فلسفيّة ونقداً وتأويلاً أو حتّى تدميراً للكيان الدينيّ[25]». سبق أن عبّر ويندلباند وريكرت عن ضرورة فهم الدين المـُعاش فعليًّا وليس الدين «الحقيقيّ». إنّه يتجسّد من دون شكّ بوضوح في أنّهما كليهما يركّزان على أنّ الظاهرة الدينيّة لا تُختزل بمجالات قِيَم الحقيقيّ والخيِّر والجميل، وإنّه يتفلّت من حيث المبدأ من المقاربة التاريخيّة المحض. بالنسبة إلى ترولتش، تؤيّدُ المقاربةُ القيميّةُ أوّليّةً دينيّةً خاصّة. من هنا يمكن إعلان «قانون الصلاحيّة» للدينيّ: هذا يكمن في «إحساس وحدة النهائيّ واللانهائيّ»، وحدةٌ تتفلّت من المفاهيم ولا يمكن أن تُعطى سوى رمزيًّا[26].

مع ذلك، إذا كان ترولتش متأثّرًا بمقاربةِ ويندلباند  وريكرت القيميّةِ، فقد كان طوَّر في الوقت نفسه موقفًا أوسع وأصيل تمامًا. تكفي الإشارة إلى اتساع مفهومه لفلسفة الدين. حسب رأيه، لا يمكن لفلسفة الدين ممارسة مهمّتها ـ تحديد جوهر الدين ـ من طريق تساؤل وحيد. بل على العكس لا يمكنها ممارسته علميًّا إلّا من خلال أربعة أبحاث متخصّصة سمّاها على التوالي: علم النفس الدينيّ، نظريّة معرفة الدين، تاريخ الدين، وميتافيزيقا الدين. بالتالي يجب على ظاهرة الدين أن تُعاد على التوالي إلى مجموعة عمليّات نفسيّة مُعطاة (قبل كلّ شيء إلى الظاهرة المركزيّة وهي الإيمان)، إلى نسبة الحقيقة أو الصلاحية التي تحكم هذه العمليّات (تحديد الأوّليّة الدينيّة)،  إلى دراسة الأشكال التاريخيّة التي تحقّقت فيها الصلاحية، وأخيرًا إلى فكرة الله المؤكّدة في هذه الأشكال التاريخيّة بعنوان الكيان الموجود (كحالة للشيء). إذا كان «توليف» هذه الأبحاث الأربعة يُشكّل «الفهم العلميّ للدين وهو من الصعب الوصول إليه»، فإنّ هذه الدراسة الأخيرة، «ميتافيزيقا الدين»، هي فقط تشكّل «فلسفة الدين بالمعنى الأدقّ للكلمة»[27]. المقاربة القيميّة من حيث الصلاحية هي إذًا هنا متكاملة في حضن مقاربةٍ أوسع، ولكن التاريخ لا يزال يُتصَوّر انطلاقًا من القيم، طالما أنّ الأشكال الدينيّة التاريخيّة فُهمت كتجسيد أو «تحديث» للصلاحية. هي تمامًا هذه النقطة، فهمُ التاريخيّ انطلاقًا من المثاليّ، الذي سينتقده هايدغر بصراحة من خلال توسيع فكرة ظاهرة الحياة الدينيّة في دروسه.

فكرة ظاهراتيّة الحياة الدينيّة.

انطباعات هايدغر الأولى التي كُرِّست مباشرة للظاهرة الدينيّة امتدّت من العام 1916 إلى العام 1922. هذه الحقبة تميّزت بالقراءات العديدة المتعلّقة بمفهوم التاريخ والمقدّس. اهتمّ هايدغر بـ شلايرماخر، دلتاي، ريناخ وأوتّو. ولكن بشكل خاص بدت له فلسفةُ الدينِ الكانطيّةُ الجديدةُ إشكاليّةً أكثر وأكثر، وسيدفع ثمن قراءة نقديّة حقيقيّة. نقطة انطلاق هذه القراءة تكمن في المشكلة المركزيّة التي أثارها سابقًا ويندلباند  وريكرت: مشكلة الوحدة بين الفعاليّة والصلاحية، التي تُحتِّم مشكلة التاريخ ومشكلة الله. هذه المشكلة أُعيدت صياغتها منذ نهاية أطروحة لدرجة الأستاذيّة (في العام 1916). مرحلة عظيمة أثار فيها هايدغر الوحدةّ «الحيّة» التي ترتبط فيها بشكل وثيق الفرديّة والصلاحية العالميّة: «لقد عُرضت بموضوعيّة، انطلق فيها من مشكلة العلاقة بين الزمن والأبديّة، بين التغيير والصلاحية المطلقة، العالـَم والله، المشكلة التي تنعكس، من وجهةِ نظرِ نظريّةِ العلوم، في تكوُّنِ القيمة والفلسفة (صلاحية القيمة)[28]». هذه المشكلة، الموجودة داخل فلسفة القيم، ستجعل هايدغر يرفض المفهوم الكانطيّ الجديد، باسم التجربة الدينيّة أو بدقةٍ أكبر باسم ضرورة النقد الذي كوّنه ويندلباند وريكرت: فهْمُ الدينيِّ في خصوصيّته، من دون «تنظيره»، من دون تحويله إلى دينيّ «حقيقيّ» (ويندلباند)، من دون نقله إلى دائرة القيم الغريبة (ريكرت)، أو من دون «تدميره» من خلال إعطائه تأويلًا فلسفيًّا (ترولتش). على الرغم من أنّ هذه الضرورة تمّ تكوينها بوضوح وتتقدّم بصراحة على مقاربة القيم، لكنّ هذه الأخيرة فشلت برأي هايدغر في تلبيتها. حتّى من خلال تخصيص مكانة جانبيّة للظاهرة الدينيّة في نظام القيم، فإنّ فلسفة الدين لا تعطي أكثر من وصفٍ نظريّ وغير ملائم[29].

 هذا الرفض للمقاربة القيميّة هو رفض مزدوج: من جهة، يرفض هايدغر فكرة النظام، لأنّ المقاربة المنظمة جدًّا تفشل برأيه في التمسّك بالبعد الدينيّ في حيويّته الخاصّة[30]؛ من جهة أخرى، يرفض فحص التجربة الدينيّة وتاريخيّتها بقياس الصلاحية التي تبقى دائمًا، برأيه، ملطّخة بالنظريّة. النقد يندفع أيضًا على فكرة «فلسفة الدين» نفسها. يعلن هايدغر في ملاحظة في العام 1918: «ليست فلسفة الدين تلك التي تحلّق عاليًا جدًّا (...). لأنّني كرجل دين، لست بحاجة لأقلّ فلسفة للدين. الحياة لا تُفضي إلّا إلى الحياة، وليس إلى الرؤية المطلقة كما هي[31]».

بشكل عامّ، هذا النقد يستند إلى الفكرة التي ترى أن ـ الظاهرة الدينيّة في فلسفة الدين، هي بحدّ ذاتها لاعقلانيّة، وبالتالي مشوّهة: «اللاعقلانيّة اعتُبرت دائمًا كردّ فعل أو بمعنى أدقّ كحدٍّ، ولكن لم يُنظر إليها أبدًا في أصالتها وتكوينها الخاصّ»؛ يجب تجنّب «تطعيم» اللَّاعقليّ بالعقليّ واعتبار المقدّس كـ «فئة التقييم»[32]. هذه تمامًا وجهة نظر فلسفة القيم الدينيّة، التي تصوِّر المقدّس كتجسيد مطلق للقيم بالمقياس الذي تُقاس فيه الإنجازات البشريّة للقيم. بحسب هايدغر، قدّمَ ويندلباند نفسُه، في نصِّهِ حول «المقدّس»، ملخّصًا للظواهر الدينيّة في «صياغة عقلانيّة جدًّا[33]». لتجنّب هذه العقلنة أو التنظير غير الملائمَين للظواهر الدينيّة،  سيقوم هايدغر، في دروسه حول الظاهراتيّة الدينيّة، بانتقالٍ مفهوميّ رئيسيّ. هذا الانتقال، الذي تمّ باسم التجربة الظاهراتيّة، باسمِ ما يُطلِق عليه «تجربة الحياة المتمرّدة»، يقوم على استبدال مفهومَي الكانطيّة الجديدة لـ «الكيان» و«القيمة»  بمفهومَي «العالـَم» و«الدلاليّة». ربّما يُفهم هذا الانتقال الذي أجراه هايدغر، بجعل المشكلة النظريّة للصلاحية، ثانويّةً بكلّ معنى الكلمة. في تعبيرَي «الوجود والزمن، هذه المشكلةٌ «مشتقّةٌ» أو «غير أصليّة». بحسب هايدغر، ليس هنالك ما يُقال له كيانٌ دينيّ بما تعنيه الكلمة، ولكن يوجد  في الأساس عالـَمٌ دينيّ. هو هذا العالـَم الذي هو على علاقة مباشرة بالحياة، وليس مجموعة كيانات لها هذه القيمة أو تلك. معيارُ الفارق بين الكيان والعالم، الذي نعرف أهميّته الكبيرة بالنسبة إلى تحليليّة الوجود في العام 1927 (انظر أيضًا الفقرة 13 من «الوجود والزمن)، هو بالتحديد الحياة: «العالـَم، كما يشير هايدغر، هو شيء ما يمكن أن نعيش فيه (لا يمكن أن نعيش في كيان)[34]». ولكن في إجرائه لهذا الانتقال التصوّريّ الأوّل، يحتفظ هايدغر بتوزيع «الخيرات» (الأشياء ذات القيمة) إلى أربعة مجالات (المنطقيّ، الأخلاقيّ، الجماليّ والدينيّ)، والتي تُعدّ كـ «عوالم الحياة» الأربعة المختلفة[35]. لفهمِ أكثر دقّة للفارق بين فلسفة القيم الدينيّة وظاهراتيّة الحياة الدينيّة، يجب فهم الانتقال التصوّريّ الثاني: تصوّرُ القيمة ترك المجالَ لـ «الدلاليّة» (سيتمّ تناولها في ما بعد في الفقرة 14 من الوجود والزمن).

كما أنّ الكيان في نظريّة القيم هو دعامة القيمة، فإنّ العالـَم، الذي يُفهم ظاهراتيًّا، هو مميّزٌ بالدلاليّة. هذا يكمن عمليًّا، بالنسبة إلى كيانات العالم، في «إعطاء معنى» مباشر للانضمام إلى تركيبة المعنى، في شبكة الدلاليّات التي تكوِّن ضمنيًّا التجربة الأصليّة للوعي. كما أنّ مفهوم القيمة يجعلنا ندرك أنّ الشيء لا يكون تكدّسًا لمادّةٍ لا قيمة لها، ولكنّه على العكس ذو قيمة نوعيّة تميّزه عن البقيّة[36]، فإنّ مفهوم الدلاليّة يدلّ على حقيقة أنّ الأشياء هي في الحال «ذات مغزى»، أي، بمعنًى ما «مهمّة». هذه القرابة العامّة بين القيم والدلاليّة يجب أن لا تُخطئ. كان هايدغر يدرك ذلك عندما حدّد أنّ: «الدلاليّة تبدو الشيءَ نفسه كالقيمة، ولكن القيمة هي في الأصل نتاج التنظير ويجب عليها على غرار كلّ تنظير أن تختفي من الفلسفة[37]».

لم يجد هايدغر التنظير الدينيّ فقط عند ويندلباند. من دون أن يزعم بأنّه انكبّ على نقدٍ حقيقيٍّ لتحليلات ترولتش، قام مع ذلك أيضًا بإدانة النقدِ عند هذا الأخير. على غرار ويندلباند وريكرت وبرتلتش، أخضعَ الدينَ لمقاربة منتظمة تتطابق ليس مع التجربة الدينيّة، بل مع تصوّرٍ محدَّد للفلسفة كعلمٍ. بحسب هايدغر، هذا التصوّر للفلسفة مفترضٌ مسبقًا في فلسفة الدين ولا يؤيّد الظاهرة الدينيّة. ذاك هو تمامًا معنى انقسام فلسفة الدين إلى أربعة مناهج: علم النفس ونظريّة المعرفة والتاريخ والميتافيزيقا. في الواقع، يشير هايدغر، إلى أنّ هذه المناهج ليست خاصّةً بمقاربة الدين: هنالك أيضًا علم النفس، ونظريّة المعرفة، والتاريخ، وميتافيزيقا العلمِ والفنّ. «في الحال، عُدَّ الدينيَّ وصُنِّفَ ككيان؛ تتعلّقُ الفلسفةُ، لدى ترولتش، بالدين على صيغة المعرفة الهادفة[38]. هذا يعني، عمليًّا، أنّ فلسفة الدين تبدأ بتجريد الدلاليّة الخاصّة بالظاهرة الدينيّة لتجعل منها كيانًا كالآخر، كيانًا مختلفًا نحاول في ما بعد تزويده بقيمةٍ تُظهر معناه الدينيّ. أمام هذه المقاربة، يوكّد هايدغر ضرورةَ النظر إلى الدين في «زيفه» أو في «وقائعيّته»، قبل أن يفرض عليه تصوّرًا فلسفيًّا محدَّدًا[39].

نتعرّف بسهولة، امام هذه القراءة، على ضرورة ظاهراتيّة العودة «إلى الشيء نفسه». في هذه الرؤية، لم يُحدَّد الدين بدائرة قيمٍ معيَّنة، بل بـ: «يجب النظر إلى استقلاليّة الحياة الدينيّة ولعالمها كقصديّة أصليّة تامّة»؛ «لا ينبغي النظر إلى المقدّس كمشكلة كـ نُوَيْمٌ (نتيجة عمليّة التفكير) نظريّ ـ وليس كنظريّة لاعقلانيّة ـ،  ولكن كلازمةٍ لميزة عمل «الاعتقاد»[40]». بالنسبة لما هو من الدين، هذه الضرورة الظاهراتيّة تبلغ ذروتها في العام 1920، مع نقد التصوّر «القيميّ» للتاريخ والتاريخيّ[41]. ما إن تُتّهم مطابقةُ مفهومَي الكيانات والقيم، حتّى ينبغي على التصوّر التاريخيّ نفسه أن يتلقّى المراجعة الأساسيّة. إنّ ما هو تاريخيّ يبدو في الواقع غير مبالٍ بالفلسفة التي تُفهم كبحث عن شيء ما من «الصلاحية الأبديّة»[42]، أي لفلسفة القيم. هذه الفلسفة لا ترى فيه سوى خاصيّة شيء متجسّد في هذه القيم أو تلك، بطريقةٍ نسبيّة. وإنْ كان هذا التجسّد التاريخيّ للقيم يشكِّل جيّدًا المدخلَ الضروريَّ للقيم نفسها، كما كان يشير ريكرت، فإنّ هذه القيم يجب أن تُربط في النهاية بنظام مثاليّ محض يُدمِّر كلّ التاريخيّة. من وجهة النظر الهايدغريّة، هذا التصوّرُ لا يؤيِّد التاريخَ: إنّ تصوّره لـ«التاريخيّ» تُحدِّده «استباقيّةٌ على الكيان»[43]. إنّ الكيان (حامل القيم) هو الذي يُسمّى «التاريخيّ». لكنّنا رأينا أنّ الظاهرة الدينيّة لم يكن من الممكن التعامل معها ككيان سوى من الناحية النظريّة وليس على المستوى الظاهراتيّ. إنّ التصوّر النظريّ للتاريخيّ ينبغي إذًا أن ينسحب أمام التصوّر الظاهراتيّ. أو أيضًا، سيقول هايدغر مردّدًا تعبير مايننغ، التاريخيّ كما هو عليه هو «من دون وطن»: عندما يُفهم بشكل صحيح، لا يجد مكانًا في أيٍّ من مجالات الدراسات التي حدّدتها فلسفة القيم (أكان الأمر يتعلّق بمجالات ريكرت المنطقيّة، والأخلاقيّة، والجماليّة والدينيّة أو بمجالات ترولتش في علم النفس، والأبيستمولوجيا و«التاريخيّ» والميتافيزيقيّ). أمام المقاربة القيميّة يصرّح هايدغر: «نحن نؤكّد على أهميّة التاريخيّ بمعنى تفلسف بشكل عامّ، قبل أي مسألة تتناول الصلاحية[44]». يحدِّد هايدغر هذا المعنى الأصليَّ للتاريخيّ باختصار كـ «ميزة حيّة فوريّة» أو «القلق» الخاص بالوجود، بالوجود البشريّ[45]. من خلال تصوّرِ التاريخ كتطبيق جزئيّ للقيم الدائمة من حيث المبدأ، فإنّ فلسفة القيم تشكّل جزءًا من «الميول إلى العلمنة» التي تستند إلى توضيعِ التاريخيّ (جعله موضوعيًّا) ومحوِ ميزته المقلقة من خلال اعتبار الزمنيّ كـ «تكَوّنٍ خارجيّ لما فوق الزمنيّ»؛ بهذه الصفة فإن المقاربة القيميّة لا تزال مهيمنة من خلال التقييم الأفلاطونيّ للمحسوس على قياس ما فوق المحسوس[46].

 بالنتيجة، يتمثّل النقد الهايدغريّ لمصلحة ثلاث تعارضات مفهوميّة محدَّدة: تعارض الكيان ـ العالـَم، تعارض القيمة ـ الدلاليّة وتعارض الصلاحية ـ الوقائعيّة (التاريخانيّة). انطلاقًا من هذه التعارضات الثلاثة يُقاس اتساع الانتقال الذي أجراه هايدغر بصدد فلسفة القيم. يالإمكان تلخيص مسعى هايدغر في نقطتين مركزيّتين. أوّلًا، الفكرة الموجِّهة التي تقود هذا النقد وهي التالية: فلسفة الدين الكانطيّة الجديدة تطبِّق على ظاهرة الدين تصوّرًا للفلسفة مقرّرًا سلفًا، لمعرفة فكرة الفلسفة كعلم نظريّ للقيم. إنّها تبدأ بـ «تقطيع» أو تقسيم الظاهرة الدينيّة إلى أنماط مختلفة للفعّاليّة المتعلّقة بمختلف المجالات التي تجمعها الفلسفة: الفعّاليّة النفسيّة، الفعّاليّة المنطقيّة، الفعّاليّة التاريخيّة والفعّاليّة الميتافيزيقيّة. هذا التقسيم الأنطولوجيّ (متعلّق بعلم الوجود) مفترض على الدوام اعتباطيّ بشكل تامّ. هي تدمّر وحدة الظاهرة الدينيّة. ثانيًّا، السؤال الذي يمنح الحياةَ لدروس هايدغر هو: كيف نتجنّب هذا الخطر؟ كيف نتعامل مع الدينيّ كما هو مُعاش وليس كما يُتصوَّر انطلاقًا من فكرة الفلسفة؟ يبدو أنّ هايدغر أحالَ إلى البديل الذي سيثيره ريكرت في العام 1934: إمّا البقاء على المستوى النظريّ والفشل في التعامل مع الدينيّ كما هو؛ وإمّا ترْكُ المستوى النظريّ (الفلسفيّ) لصالح الرمز. بحسب ريكرت، ليس هنالك طريق ثالث. مع ذلك، يبدو جيّدًا أنّ المقاربة الظاهراتيّة التي تبنّاها هايدغر، من خلال المطالبة بفلسفة غير علميّة أو («قبل علميّة»)، تُشكِّلُ حلًّا ثالثًا. هذا الطريق الثالث يثير مع ذلك صعوبةً مهمّة للمنهجيّة: كيف نتساءل حول معنى ظاهراتيّة الظاهرة الدينيّة، كيف نتساءل حول ميزته التاريخيّة على النحو الذي كانت يبدو فيه في التجربة المعاشة، من دون افتراض مسبق لفكرة الدين، لفكرة التاريخيّ؟ بعبارة أخرى، الدين، كونه ظاهرة «تاريخيّة» يقود إلى التساؤل: «أيّ معنى للتاريخيّ في الوجود الزائف للحياة؟ تظهرُ الصعوبةُ التالية: ما الذي تعنيه هنا كلمة «التاريخيّ»؟ استخدمتُ من قبل في السؤال معنًى محدّدًا لكلمة «التاريخيّ»[47]؟ في سبيل حلّ هذه المشكلة أدخل هايدغر في دروسه في العام 1920-21 تصوّرَ «الإشارة الشكليّة». وهذا ما يكوِّن المنحى الإيجابيّ للنقد الكانطيّ الجديد والنقطة المفصليّة للظاهراتيّة ولعلم اللاهوت.

الظاهراتيّة وعلم اللاهوت: مفهوم الإشارة الشكليّة»

في دروس العام 1920-21، قدّم هايدغر التعريف التالي: «نحن نطلق تسمية «الإشارة الشكليّة» على الاستخدام المنهجيّ للمعنى الذي أصبح الموجِّهَ للتجربة الظاهراتيّة[48]». هذا العريف لا يزال جزئيًّا. لا يُفهمُ معنى تصوّر الإشارةِ الشكليّة إلّا من خلال التمييز الهيسيرلينيّ بين التعميم والشَّكْلَنة[49]. يكمن الخلاف في هذا: بمجرد أنّ تمّ توجيه التعميم على مجال موضوعيّ خاص، فإنّ الشكلنة مستقلّة عن مثل هذا المجال. أيضًا، يجب القول بأنّ التحديد العامّ لكيانٍ يُعيد هذا الكيان إلى ميزته الموضوعيّة أو المادّيّة: على سبيل المثال، «الأحمر» أُعيد إلى مجاله المادّيّ «اللون» الذي هو نفسه أعيد إلى المجال الموضوعيّ (الميزة المحسوسة» كما إلى نوعٍ كيانيّ أعلى. التعميم يؤدّي بالتالي إلى تدرّجٍ هرميٍّ. في المقابل، الشكلنة لا تتعلّق أبدًا بما هو كيان، وبـ «ماهيّته»، ولكنّها تحدِّد الطريقة التي تُتناول أو تُطرح فيها «كيفيّته»:  وهذه تمّ تناولها بدورها كـ «كيان» (مقابل)[50]. إذًا على عكس التحديد المعمّم، التحديدُ الشكليّ أو «المشَكْلَن»  لا يحكم مسبقًا على ماهيّة الكيان. بالإمكان الاستنتاج من هذا بأنّ الإشارة الشكليّة تمتلك نوعًا ما مدًى أكثر عموميّة من الإشارة «الماديّة»، التي هي من خلال التعريف محدودة بنوع ماديٍّ معيّن. الإشارة الشكليّة لا تحكم مسبقًا على تجزئة «الوجود الكلّي» إلى أنواع ماديّة مختلفة، كانت ستوضع إلى جانب بعضها البعض كما على لوحة الشطرنج[51]. بل على العكش هي تساوي «شيئًا ما» عمومًا. هذا يعني بشكل ملموس، وبحسب تصوّر «التاريخيّ»، أنّ مسألةَ (مفهومة ظاهراتيًّا) معرفةِ معنى التاريخيّ في التجربة الزائفة لا يفترض أيضًا أيَّ نوعٍ من المادّيٍّ الذي كان ينتمي إليه ما هو تاريخيّ. بإمكاننا على سبيل المثال تعريفَ التاريخيّ كـ «ما يحصل مع الوقت». هذا التعريف هو عامٌّ جدًّا. قد يُفهم بعنوان إشارة شكليّة، في السؤال: ما معنى «التاريخيّ» على المستوى الظاهراتيّ؟ في هذه الحالة، هو لا يشكّل بعدُ أيّ قرار نظريّ يقلّص مدى المسألة، لأنّ المعنى نفسه لـ «ما يحصل مع الوقت» لن يتحدَّد («يرتسم مسبقًا» بحسب قول هايدغر) إلّا عن طريق التجربة الزائفة وفيها، وليس عبر النظرية الفلسفيّة للزمن. وهكذا، «إذا تمّ تناول التاريخيّ على غرار ما أُشير إليه شكليًّا، فلا يتمّ التأكيد على أنّ التحديد الأعمّ لـ «التاريخيّ» كـ «شيء ما يحصل مع الوقت» يرسم (يرسم مسبقًا) المعنى الأخير[52]». لماذا؟ لأنّ معنى «الزمن»، في هذه الإشارة، يبقى غير محدَّد: «لا نعرف بعد عن أيّ زمن نتكلّم[53]». على عكس المقاربة القيميّة التي تُصوّر الزمنَ في الحال كزمن ماديّ والتاريخيّةَ كميزة خاصّة بالكيان، فإنّ المقاربة الظاهراتيّة تترك المجال مفتوحًا لزمنٍ غير ماديّ. إذًا تبقى مسألة الزمن بشكل أساسيّ، بحيث يُطرح دائمًا السؤالُ لمعرفة ما تعنيه، في التجربة الزائفة، تصوّراتُ الماضي والحاضر والمستقبل[54].

 بالإمكان بسهولة تحديدُ أثرِ تصوّرِ الإشارة الشكليّة وفي الوقت نفسه دورِ نقدِ المقاربة القيميّة في فكر هايدغر وفي علاقته بعلم الإلهيّات. صرّح هايدغر، في دروسه التي ألقاها في العام 1920-1921: «تقع المنهجيّة اللاهوتيّة خارج إطار اعتباراتنا. فقط من خلال الفهم الظاهراتيّ ينفتح طريقٌ جديد بالنسبة إلى اللاهوت[55]». بدلًا من أن يُستبعد، يبلغ النقدُ المـُتبنّى في الدروس ذروتَه في المحاضرة المعنونة: «الظاهراتيّة وعلم اللاهوت». أُلقيت هذه المحاضرة لأوّل مرّة في تيبنجن في 9 آذار/مارس 1927. كان هدفه توضيح العلاقة بين الفلسفة وعلم اللاهوت. لكن حول هذا الأمر، سبق أن تضمّن في «الوجود والزمن» بعض الإشارات التي تعلن عن موضوع المحاضرة: الفلسفة وعلم اللاهوت هما من حيث المبدأ منهجان مستقلّان مقابل بعضهما البعض. ربّما عُدّت هذه الفرضيّة، إلى حدٍّ كبير، كنتيجة لنقد الكانطيّة الجديدة: طالما أنّ المقاربة الكانطيّة الجديدة تدعم ظاهرة الدين ليتطابق مع تصوّره الفلسفيّ (العلم النظريّ للقيم)، لتجنّب هذا «الاغتصاب» للدين أو اللاهوت، يجب تحقيق استقلاله إزاء الفلسفة بشكل عام (والعكس صحيح). في الوجود والزمن، هذا الاستقلال لا يرتسم مخطّطه سوى من خلال تأكيدِ أوّليّة علم الوجود الأساسيّ على العلوم كعلم الأحْياء والفيزياء وعلم النفس والرياضيّات، ولكن أيضًا اللاهوت:

اللَّاهوت،كما يحدّده هايدغر في الفقرة 3، هو بحث عن تأويل أكثر أصالةً عن وجود الإنسان بالنسبة إلى الله، الذي هو مرسوم مسبقًا من خلال معنى الإيمان نفسه ويبقى فيه. وببطء بدأ اللاهوت من جديد يفهم تلخيص لوثر الذي وفقًا له تستند منهجيّته العقائديّة إلى أساسٍ لا ينطلق أبدًا من تساؤلٍ ورِعٍ أوّليًّا، والذي ليست مفهوميّته غير كافية للإشكاليّة اللاهوتيّة فقط، ولكنّها أيضًا تغطّيها وتشوّهها[56].

هذه الملاحظة المعزولة تؤكّد اعتباراتنا السابقة: تمّ إدخال الدين في مفهوميّةٍ غير مناسبة، شوّهت معنى الإيمان بالشكل الذي كان مُعاشًا. ولكن هنالك أكثر من ذلك: تمّ تصوّر علم اللاهوت هنا بعنوان علمٍ «إيجابيّ». فعليًّا في الوجود والزمن، أُثير اللاهوت دائمًا في الوقت نفسه مع علم الأحْياء. كلاهما يشكّلان برأي هايدغر، تأويلًا ثانويًّا للوجود[57]. وأكثر من ذلك، كانا ينفيان مسألةَ صيغةِ الوجود إلى النسيان. على الصعيد اللاهوتيّ، وجود الإنسان «يأتي من نفسه» لكونه «شيئًا مخلوقًا». يشكّل التصوّر اللاهوتيّ الذي وفقًا له الإنسانُ هو «حقيقة صورة الله» بهذا المعنى أحد الاِبْنَين المباشرَين للأنتربولوجيا [علم الإنسان] التقليديّ الذي يُبطِنُ مشكلة صيغة الوجود النوعيّ للإنسان[58]. لهذا السبب اللاهوت أيضًا يجب أن يكون ثانويًّا ومميّزًا للفلسفة.

هذا التميّز تمّ بطريقة مباشرة أكثر وبتفصيل أكثر في محاضرة «الظاهراتيّة وعلم اللاهوت». تناول هايدغر فيها من جديد نقده الضمنيّ للكانطيّة الجديدة. نذكر أنّ الظاهرة الدينيّة لدى ترولتش كانت مقسّمة إلى عدّة مجالات من الفعالية كان يجب أن تُدرس من خلال عدّة مناهج: النفسي، نظريّة المعرفة، التاريخ والميتافيزيقا. يصرّح هايدغر هنا: «في كل تفسيرات اللاهوت (كعلم التاريخيّ، التأمّليّ، إلخ.)، فكرةُ هذا العلم تُركت في الحال، أي أنّها لم تُستخلص من اعتبار إيجابيّتها العلميّة، ولكن تمّ الحصول عليها من الاستنتاج ومن تخصّصيّة العلوم غير اللاهوتيّة وحتّى المختلفة تمامًا قي ما بينها: الفلسفة، التاريخ وعلم النفس[59]». في تحريره للاهوت من الفهم الخارجيّ وغير المتوافق، يصرّح هايدغر على العكس: «علم اللاهوت هو علمٌ أُنطيقيّ [كينونيّ] مستقلّ تمامًا»[60]. اللاهوت المستقل ذاتيًّا في مقابل العلوم الأخرى «الإيجابيّة» (التاريخ، علم النفس، إلخ.)، هو أيضًا من الفلسفة.

 هذا هو بالتحديد الهدف من إقامة هذه الاستقلاليّة الذاتيّة التي تناول هايدغر من جديد مفهومها كإشارة شكليّة. الفلسفة، بمعنى اللاهوت الأساسيّ، تكتفي بإرساء المفاهيم اللاهوتيّة في بنية وجود الوجود، بشكل تكون فيه «مرسومة مسبقًا» انطلاقًا من التجربة الزائفة للإيمان وليس انطلاقًا من الفكرة الاعتباطيّة (النظريّة) له. المثال الذي اتخذه هايدغر ليس التصوّر التاريخيّ، ولكن تصوّر «الخطيئة»: كي يُفهم تصوّر الخطيئة بشكل صحيح يجب أن يُعاد إلى التصوّر الوجوديّ «للخطأ»، أي ليس أن يُعاد إلى نظريّة الخطأ، ولكن هذا يعني أن يُعاد إلى حقيقةِ «أن يكون على خطأ»، كما عاشه الضمير الغائب (بحسب تعبير الوجود والزمن: كما عاشه الوجود الذي هو وجودي أنا في كلّ مرّة). إلّا أنّ هذا الاعتبار الأنتولوجيّ في حدّ ذاته لا يتعلّق باللاهوتيّ: إنّه مفترض مسبقًا ولكنّه لم يُوضَّح في اللاهوت. لهذا السبب لا تُفيد الإشارة الشكليّة لإرساء الوجوديّ الخاصّ بمفهوم الخطيئة إلّا في «تصحيح» المعنى المغلوط فيه احتماليًّا، أي أنتولوجيًّا «غير مناسب» (بمعنى أن نقول بأنّه «غير مناسب» الكلامُ عن هذا الشيء أو ذاك في وضعٍ ما)، باختصار هو معنى لا تناسب مع الظاهرات. وهكذا أعاد هايدغر إدخالَ مفهوم الإشارة الشكليّة: «إلّا أنّ التصحيح لا يقدّم سوى إشارة شكليّة، أي أنّ التصوّر الأنتولوجيّ للخطأ لاهوتيًّا ليس أبدًا كما تمّ تناوُله بالنسبة للموضوع[61]». الأمر يتعلّق هنا بتأكيد الاستقلالية الذاتيّة للاهوت في مقابل الفلسفة» من خلال هذه الإشارة الشكليّة، الفلسفة لا تزعم تعريف تصوّر الخطيئة أو تصوّر الإيمان، ولكن فقط إعطاء حق القبول لظاهرات الخطيئة والإيمان. يصرّح هايدغر في هذ المعنى:

 ليست مَهمّةُ الإشارة الشكليّة للتصوّر اللاهوتيّ أن تُقيِّدَ بسلاسل، ولكن على العكس أن تُحرِّر وتسعى إلى الكشف بشكل أصليٍّ نوعيّ، أي يتناسب مع الإيمان، عن التصوّرات اللاهوتيّة. المـَهمّة بالتالي تتميّز باللاهوتيّة وليست توجيهيّة لكنّها فقط «مساعِدة استقرائيّة» للتصحيح. إضافة إلى ذلك، هذه المـَهمّة تبقى بالنسبة إليه خارجيّة وغير أساسيّة. الإيمان يبقى في الواقع «العدو الفاني» للفلسفة: الأمر يتعلّق بنمطَين من الوجود مختلفين جذريًّا[62].

أشار هايدغر إلى ذلك في العام 1924، في محاضرته عن تصوّر الزمن التي ألقاها أمام اللاهوتيين في ماربورغ: «الفيلسوف لا يؤمن أبدًا[63]». عبّر في محاضرة العام 1927 عن تلك الصورة الشهيرة التي سيتمّ تناولها مجدّدًا في مدخل إلى الميتافيزيقا (1935): «لا شيءَ يشبه الفلسفة المسيحيّة، التي هي بكلّ بساطة «حديدٌ من خشب». ولكن ليس هنالك أيضًا لاهوت كانطيّ جديد ولا لاهوت خاصّ بفلسفة القيم ولا لاهوت ظاهراتيّ (...)[64]».

كان الهدف الأساسي من هذه الدراسة هو التعرّف على دور القراءة النقديّة التي طالت الفلسفة الكانطيّة الجديدة للدين في ظهور الفكر الهايدغريّ وفي علاقته باللاهوت. يبدو هذا الدور  من بعض الجوانب رئيسيًّا بشكل تامّ. ليس فقط لصالح هذا النقد الذي اتخذ معناه في العام 1920-1921 التصوّراتُ الأساسيّة لـ «العالم»، و«الدلاليّة» و«التاريخيّة»، التي نعرف أهمّيّتَها بالنسبة لتحليليّة الوجود. ولكن من جهة أخرى، نرى أنّ هذا النقدَ مفترضٌ ضمنيًّا في محاضرة العام 1927 حول الظاهراتيّة واللاهوت، بحيث أنّ تصوّر المركزيّ لهذه المحاضرة، وتصوّر «التصحيح» أو «الإشارة الشكليّة» يتّخذ أيضًا معنًى في إطار نقد المقاربة القيميّة.

مع ذلك، تبقى هذه البضع إشارات جزئيّةً. لكن علينا أن نتساءل، على سبيل المثال، إلى أيّ مدًى تقاوم فلسفة الدينِ الكانطيّة الجديدة أو لا تقاوم هذا النقد ـ أو أيضًا، إذا كانت «الإشارة الشكليّة» تشكِّلُ وحدها أداةً منهجيّةً على مستوى المهمّة التي تتطلّبها «الفلسفة النقديّة». وبدقّة أكبر، هذا التصور للإشارة الشكليّة يتطلّب أن يكون معمّقًا في اتجاهَين على الأقلّ: أوّلًا، ينبغي وبشكل أعمّ تأسيسُ مداه المنهجيّ، من خلال تبيين المخاطر التي يواجهها في النقاش بين الظاهراتيّة والكانطيّة الجديدة؛ وثانيًّا، من المناسب تحديد هذا المدى المنهجيّ على مستوى نظريّة الفئات أو معتقدها.

[1]*- باحث في المؤسسة الوطنية للبحث العلمي ـ ورقة مقدمة إلى ندوة التاريخ والفلسفة الحديثة والمعاصرة ـ جامعة لياج ـ كندا.

ـ العنوان الأصلي للمقال:

LA CRITIQUE HEIDEGGةRIENNE DE LA  PHILOSOPHIE DE LA RELIGION  (WINDELBAND, RICKERT, TROELTSCH).

ـ المصدر نقلاً عن: www.erudit.org/revue/Rphi/2001/v14/n2 /801266ar.pdf

تعريب: هادية الفقيه ـ مراجعة: ك. عبد الرحمن.

[2]- Martin Heidegger, H.Rickert, Briefe [رسالة العام  1912-1913] , Frankfurt/Main, Klostermann, 2002, p. 53- 54.

[3]ـ قارن على التوالي:

: Alexandre Kojeve , Introduction à la lecture de Hegel

[مدخل إلى قراءة هايدغر] Paris, Gallimard, 1947, طبعة جديدة «tel» 2000, p. 527 (ملاحظة); H.-G. Gadamer, «Heideggers Wege», فيGesammelte Werke, t. Ill, Tubingen, J.C.B. Mohr (Paul Siebeck), 1987, لا سيما الصفحات 310, 315 و321 (ترجمة. Jean Grondin, Les chemins de Heidegger [دروب هايدغر] Paris, Vrin, 2002, p. 190,197 و204-205); D. Janicaud, Le tournant théologique de la phénoménologie française

[المنحنى اللاهوتيّ في الظاهراتيّة الفرنسيّة], Combas, Editions de l’Eclat, 1990

(طبعة جديدة  2001), p. 19: «Sans la Kehre de Heidegger, point de tournant théologique»[ لا انعطاف للاهوت من دون العودة إلى هايدغر] «

[4]ـ  للاطّلاع على التعليقات المتأخّرة قارن على سبيل المثال

 P.-L. Coriando (éd.), Herkunft

aber bleibt stets Zukunft: Martin Heidegger und die Gottesfrage, Klostermann,

1998; Id., Der letzte Gott als Anfang: zur ab-grûndigen Zeit-Raumlichkeit des

ظbergangs in Heideggers, Beitrâgen zur Philosophie (Vom Ereignis)’, Fink, 1998;

M. Jung, Das Denken des Seins und der Glaube an Gott. Zum Verhâltnis von

Philosophie und Théologie bei Martin Heidegger, Kônigshausen und Neumann,

1990; G. Ruff, Am Ursprung derZeit. Studie zu Martin Heideggers phânomenologischem Zugang zur christlichen Religion in den ersten ,Freiburger Vorlesungen’, Duncker & Humbolt, 1997; P. L. Weber, Heidegger und die Théologie, Centaurus, 1997.

[5]ـ قارن الفقرة 316 الشهيرة لـ

 H. Lotze, Logik. Drittes Buch. Vom Erkennen, Hamburg, Meiner, 1989, p. 511.

[6]- Wilhelm Windelband, «Das Heilige (Skizze zur Religionsphilosophie

 Prâludien مقال في العام 1902 أعيد نشره في , t. Il, Tubingen, J.C.B. Mohr (Paul Siebeck), 1911, p. 272-309 ; Id., Einleitung in die Philosophie, Tubingen, J.C.B. Mohr (Paul

Siebeck), 1914, p. 388-432.

[7]. Wilhelm Windelband, «Das Heilige...», Prâludien, t. Il, [مصدر سابق، ص274] , p.   وEinleitung , [مصدر سابق، ص 389].

[8]. Wilhelm Windelband, Einleitung..., op. cit., respectivement

 [مصدر سابق]، الصفحتان: 388 و389

[9]. Wilhelm Windelband, «Das Heilige...», Prâludien, t. Il, [مصدر سابق، ص274].

[10]. المصدر نفسه، ص390.

[11]. Wilhelm Windelband, «Das Heilige...», Prâludien, t. Il, [مصدر سابق، ص276].

[12]. المصدر نفسه، ص277

[13]. Wilhelm Windelband, Einleitung..., [مصدر سابق، ص432]  قارن على سبيل المثال «Sub specie aetemitatis», Prâludien, t. Il,  [مصدر سابق، ص320]: «Das Ewigkeit will nicht erkannt, -sie will erlebt sein».

[14]. المصدر نفسه، ص291

[15]. المصدر نفسه، ص 279

[16]. Wilhelm Windelband, Einleitung… [مصدر سابق، ص422]   respectivement («Wie verhâltsich das Sollen zum Sein (...)? Das ist das letzte Problem») وص 431 («Es liegt im Wesen der Sache, daB dies letzte Problem unlôsbar ist»).

[17]. E. Kant, Kritik der reinen Vemunft, B XXX.

[18]. Wilhelm Windelband, «Das Heilige...», Prâludien, t. Il, [مصدر سابق، ص286-287]  

[19]. Heinrich Rickert admet cependant que la religion tend à traverser les différents domaines de la vie et de l’existence tout entière et peut ainsi apporter une«coloration» religieuse à d’autres phénomènes, [ في حين أنّ هاينريخ ريكرت قبِل بأنّ الدين يميل لعبور كل مجالات الحياة والوجود وبإمكانه بالتالي أن يحمل «تلوينًا» إلى الظاهرات الأخرى]، قارن. Heinrich Rickert, «Die Religionen und das Gôttliche»,  في System der Philosophie, Tubingen, Mohr, 1921, p. 343.

[20]. Heinrich Rickert, «Vom Begriff der Philosophie», في Id., Philosophische Aufsâtze, Tubingen, J.C.B. Mohr (Paul Siebeck), 1999, p. 20-21: «Nurdurch das Historische hindurch kann der Wegzum ظberhistorischen fûhren».

[21].  المصدر نفسه، ص21

[22]. Heinrich Rickert, «Die Religionen und das Gôttliche», في System der Philosophie,[مصدر سابق، ص338]  («reale Verkôrperung»). Le caractère antinomique du sacré, déjà mis en avant par Windelband, Rickert le relève ainsi à son tour: «Il y a dans le concept du sacré comme perfection surhumaine, absolue, l’idée que sa réalisation (Realisierung), d’une part, se tient inaccessible au-dessus de nous, d’autre part, vaut toutefois comme idéal inévitable, auquel nous mesurons toute oeuvre humaine»

 [الميزة التعارضيّة للمقدّس، التي ادّعاها ويندلباند، أثارها بالتالي ريكرت، وهي الفكرة التي يبقى تحقّقها من جهة غير وارد وفوق طاقاتنا، ومن جهة أخرى تعادل مع ذلك مثاليّةُ لا يمكن تجنّبها، ونحن نقيس عليها أيّ عملٍ إنسانيّ»، المصدر نفسه، ص 340.

[23] ـ المصدر نفسه، ص343

[24]. Heinrich Rickert, «Systematische Selbstdarstellung»,

 في للمؤلف نفسه   Philosophische Aufsâtze,

المادّة. مصدر سابق، ص 405.

[25]. Emst Troeltsch, «Wesen der Religion und Religionwissenschaft», تمّ تناوله مجدّدًا في كتاب للمؤلف نفسه Gesammelte Schriften, t. Il: Zur religiôsen Lage, Religionsphilosophie und Ethik,Aalen, Scientia, 1981, p. 461.

[26]. المصدر نفسه، ص 480.

[27].   المصدر نفسه، الصفحتان  492 و496

[28]. Martin Heidegger, Gesamtausgabe (G A تمّ اختصارها في ما بعد في), t. 1, Frankfurt/Main, Klostermann, 1978, p. 410 (ترجمة Gaboriau F., Traité des catégories et de la signification chez Duns Scot[بحث في الفئات والمعنى لدى دانس سكوت] , Paris, Gallimard, 1970, p. 230 — ترجمة معدّلة  )

[29]. قارن:

 GA 60, p. 325: le simple fait d’établir une analogie entre la validité propre à la sphère religieuse et les autres domaines de valeurs (esthétique par exemple) «ne suffit pas», «quand il ne mène en général d’emblée sur une fausse piste»..

 [الحقيقة البسيطة لإقامة تشابه بين الصلاحية الخاصّة بالدائرة الدينيّ والمجالات الأخرى للقيم (الجماليّ علي سبيل المثال) «غير كافية»، «عندما تؤدّي عمومًا إلى طريق خاطئ».]

[30]. قارن على سبيل المثال

GA 60, p. 313: «Das System schlieBt ein ursprûngliches genuines religiôses Werterlebnis innerhalb seiner vôllig aus». حول هذه النقطة انظر T. Kisiel, «Theo-logical Beginnings: Toward a Phenomenology of Christianity», في

The Genesis of Heidegger’s Being and Time, Berkeley — Los Angeles — London, University of California Press, 1993, p. 73.

[31]. GA 60,p.309.

[32]. GA 60, p. 333. Plus radicalement, c’est le sens même du mot «théorique» qui devient problématique

[بشكل أكثر رديكاليّة، أصبح المعنى نفسه لكلمة «نظريّ» إشكاليًّا]، قارن:

GA 60, p. 311: «On désigne quelque chose de juste: le vivre religieux n’est pas théorique. Mais que veut dire théorique et que veut dire non théorique?»

[نشير إلى شيء من الصواب: عَيْشُ الدينيّ ليس أمرًا نظريًّا. ولكن ما الذي يعنيه غير النظريّ؟].

[33]. GA 60, p. 334.

[34]. GA 60, p. 11.

[35]. Theodore Kisiel a souligné ce point avec une grande acuité,

 «Un contre-coup curieux de ces années néokantiennes réside dans le fait que

Heidegger, longtemps après s’être détourné de la simple conception téléologique

de Windelband concernant l’histoire orientée d’après la seule raison, retient encore la division néokantienne des valeurs sous forme d’une pluralité de ‘mondes de la vie’, le monde scientifique, éthique, esthétique, et religieux».

أشار تيودور كيسيال إلى هذه النقطة بنضج كبير، (مصدر سابق، ص 86): «يكمنُ ردُّ الفعل الغريب لهذه السنوات الكانطيّة الجديدة في حقيقة أنّ هايدغر، بعد مدّة طويلة من الانعطاف من تصوّر وندلباند البسيط اللاهوتيّ المتعلّق بالتاريخ الموجّه من قِبل دافعٍ واحد، يتمسّك بتقسيم الكانطيّة الجديدة للقيم على شكل تعدّديّة «عوالم الحياة»، العالم العلميّ، الأخلاقيّ، الجماليّ، والدينيّ».]

[36].. On peut tirer un exemple de la religion elle-même: l’hostie, pour le croyant, n’est pas un banal morceau de pain, mais porte la valeur du sacré.

 [بالإمكان النظر إلى مثال الدين نفسه: إنّ ما يُقدّم للمؤمن على العشاء ليس مجرّد رقائق خبز، ولكنّه يحمل قيمة القداسة].

[37]. GA 60, p. 16.

[38]. GA 60, p. 28-29. L’idée d’une «validité a-théorique» ne change rien à la rationalisation du problème religieux dans l’approche apriorique à laquelle le soumet Troeltsch, GA 60, p. 323.

 [إنّ فكرة «الصلاحية اللانظريّة» لا تغيّر شيئًا في عقلنة المشكلة الدينيّة في المقاربة القَبْليّة التي يخضعها لها ترولتش].

[39]. GA 60, p. 30.

[40]. GA 60, p. 322 et p. 333. Theodore Kisiel souligne en ce sens l’idée d’une «réduction religieuse», qui serait appelée à jouer un rôle similaire à la réduction phénoménologique, قارن:

 T. Kisiel,  مصدر سابق ص 113 et aussi  مصدر نفسه ص 115

«Les structures phénoménologiques de l’intentionnalité et de l’intuition catégoriale déjà en place en 1915 étaient donc guidées par le paradigme pré-théorique de la conscience religieuse»

 [ يشيرتيودور كيسيل بهذا المعنى إلى فكرة «التقليص الدينيّ»، التي ستُستدعى للعب دور مطابق للتقليص الظاهراتيّ، قارن كيسيل، مصدر سابق، ص 113 وأيضًا مصدر نفسه، ص 115: «البنى الظاهراتيّة للقصديّة وللحدس الفئويّ التي كانت في مكانها في العام 1915 كان يوجّهها أنموذج ما قبل اللاهوتيّ للوعي الدينيّ»..

[41] قارن:

 GA 60, p. 323: «L’un des éléments de sens les plus importants, fondateurs, dans le vécu religieux est l’élément historique»

[«في عيشِ الدين، أحد عناصر المعنى الأكثر أهميّة، هو العنصر التاريخيّ، المؤسّسون»]

[42]. GA 60, p. 31.

[43]. GA 60, p. 32.

[44]. GA 60, p. 35.

[45]. GA 60, p. 33 et p. 52.

[46]. GA 60, p. 46 et p. 47.

[47]. GA 60, p. 54.

[48]. GA 60, p. 55.

[49]-  قارن:

  GA 60, p. 57: Heidegger renvoie notamment au  13 des Idées I

[هايدغر يحيل بشكل خاصّ إلى الفقرة 13 من الأفكار].

[50]. GA 60, p. 58.

[51]. L’image de l’«échiquier» (Sachbrettj est employée par Heidegger dans les cours de 1920-21 à propos des concepts 6’Objekt, de GegenstandeX de Phânomen, cf. GA 60, p. 36. On trouve la même idée en 1927 dans la conférence «Phénoménologie et théologie», cf. GA 9, p. 63: phénoménologiquement, on ne peut isoler les concepts fondamentaux les uns des autres et les répartir comme des «pions» (Spielmarke) sur un échiquier. Cette image vise directement la pertinence d’une «doctrine des catégories».

[استخدم هايدغر صورة «لوحة الشطرنج» في دروس العام 1920-21 حول تصوّرات الكيان لـ  Gegenstande  و Phânomen قارن GA 60، ص36. نجد الفكرة نفسها في العام 1927 في محاضرة "الظاهراتيّة  واللاهوت"، قارن GA 60، ص 63: ظاهراتيًّا لا يمكن عزل التصوّرات الأساسيّة عن بعضها البعض وإعادة تقسيمها كبيادق على لوحة الشطرنج. هذه الصورة تهدف مباشرةً لمطابقة «عقيدة الفئات»].

[52]. GA 60, p. 64.

[53]. GA 60, p. 65.

[54]. نفسه.

[55]. GA 60, p.67.

[56]. Sein undZeit, Tubingen, Niemeyer, 1993, p. 10 (ترجمة E. Martineau, تtre et temps [الوجود والزمن] , Paris, Authentica, 1985, p. 31).

[57]. قارن: Sein und Zeit, مصدر سابق، ص 10، 269، 275

[58]. Sein und Zeit, مصدر سابق، ص 48.

[59]. «Phânomenologie und Théologie», في GA 9, p. 60 (ترجمة  M. Méry,

«Phénoménologie et théologie»الظاهراتيّة واللاهوت في Emst Cassirer, M. Heidegger, Débat sur le Kantisme et la Philosophie (Davos, mars 1929) et autres textes de 1929-1931 مناقشة حول الكانطيّة والفلسفة (دافوس، آذار/ مارس 1929) ونصوص أخرى من العام 1929-1931]، Beauchesne, Paris, 1972, p. 114).

[60]. GA 9, p. 61 (الترجمة المذكورة ص 115).

[61]. GA 9, p. 65 (الترجمة المذكورة ص 118).

[62]. GA 9, p. 66 (الترجمة المذكورة ص 119).

[63]. Der Begriff der Zeit, Tubingen, Niemeyer, 1995, p. 6. Selon l’expression proposée par Philippe Capelle, la relation entre philosophie et théologie présentée dans la conférence de 1927 est conçue comme «un non-rapport essentiel e\ un rapport non essentiel: non-rapport essentiel puisque la question qui occupe la philosophie et celle qui occupe la théologie sont sans commune mesure; rapport non essentiel qui obéit aux exigences de la théologie en élaboration conceptuelle de sa systématicité», Philippe Capelle, Philosophie et théologie dans la pensée de Martin

[بحسب تعبير فيليب كابيل، عُدَّت العلاقة بين الفلسفة واللاهوت التي عُرضت في ندوة العام 1927 كـ «علاقة غير أساسيّة: علاقة غير أساسيّة طالما انّ السؤال الذي يشغل الفلسفة والسؤال الذي يشغل اللاهوت لا سبيل للمقارنة بينهما؛ علاقة غير أساسيّة تلبّي متطلّبات اللاهوت من خلال إعدادٍ تصوّريٍّ لنسقها].

Heidegger, Paris, Cerf, 1998, p. 42.

[64]. GA 9, p. 66 (أنا ترجمت).