البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هايدغر ونحن

الباحث :  أحمد عبد الحليم عطية
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1926
تحميل  ( 304.682 KB )
تتوخّى هذه المقالة سلوك سبيل مغاير للبحث في فلسفة هايدغر. فقد سبق لكاتبها أن تناول بالتحقيق القراءات العربية المختلفة للفيلسوف الألماني[1] منذ بداية التعرف إليه في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي عبر كل من شارل مالك وعبد الرحمن بدوي[2] إضافة إلى الأجيال التالية من الذين انعطفوا مع هايدغر نحو الفينومينولوجيا والهيرمينوطيقا،  أو اتخذوا منه موقفاً نقدياً؛ فلسفياً أو إيديولوجياً. ربما كانت تلك القراءات وغيرها مما لا يستنفد فكر هايدغر الرحب. لهذا فإن مهمة هذه المقالة هي إجراء تأصيل نقديّ للقراءة العربية الإسلامية لهايدغر،  ولهذا كان عنوان المقالة "هايدغر ونحن" استجابة للمقاصد التي ترمي إليها.

المحرر

------------------

لا يمكننا الحديث عن هايدغر بمتاهاته ودروبه،  فهو موضوع متسع،  ويثير الكثير من القضايا والأسئلة. وإذا ما حاولنا أن نكتفي بقضية تلقِّيه في العالم العربي والإسلامي وكيفية استقباله،  والقراءات المتعددة له والعلاقات المتنوعة التي تربطه بمراحل التفلسف المختلفة للفلاسفة المسلمين سواء في العصر الوسيط؛ أو في أي مرحلة من التفلسف  التالية، فذلك أمرٌ هو من الاتساع بحيث لا يمكن الإحاطة به.

في دراستنا هذه لا نهدف إلى  بيان موقف الفيلسوف من الفلاسفة والفلسفة العربية الاسلامية،   وإن كان هايدغر قد ذكر ابن سينا في أكثر من موضع ربما كان أهمها ما أورده في  محاضرات 1927 حول قضايا الفينومينولوجيا الأساسية Die Grund probleme der phanomenolagie  وتحديداً في إطار دراسته لتاريخ الميتافيزيقا في العصر الوسيط[3].

إلى ذلك ليس هدفنا تقديم دراسة مقارنة تسعى إلى بيان أوجه  التلاقي والتقارب والتشابه والاختلاف والتباعد بيننا وبين الفيلسوف،  ذلك رغم توقف عدد من الباحثين العرب عند التلاقي بين هايدغر وفلاسفة وصوفية الإسلام أمثال: ابن سينا وابن عربي وملاصدرا وسواهم في مجالات وقضايا فلسفية متعددة [4].

إشكاليتنا هنا ليست فقط نظر هايدغر للفلسفة الإسلامية،  ولا هي الدراسة المقارنة بينه وبين فلاسفة الإسلام،  بل المقصود هو تناول أثر هايدغر لدى النخب العربية؛ وكيفية تناولهم لفلسفته وقراءاتِهِم المختلفة لها وتأويلهم لأفكاره وتطبيقهم فينومينولوجياه ليس فقط على كتاباتنا الفلسفية بل أيضا على إبداعنا الثقافي والفني في الشعر والرواية والتصوير. ذلك ما يمكن أن نسميه بـ"تجلي" هايدغر في العربية أو "تهدجر" العرب،  وهو "تهدجر" متعدد الصيغ والأشكال. منذ بداية تعرفنا عليه ونحن نقرأ أنفسنا بشكل ما في هايدغر، رغم صعوبة تحديد هذه البداية. ويمكن أن نميز هنا بين قراءات متعددة تتدرج مثل قوس قزح وفق درجات ومنظور الرؤية، حيث تبدأ من الشفافية إلى التلوين وصولاً إلى التأويل. أولها أكثر ارتباطاً به وأكثر حرفية وأمانة في نقل فلسفته، وآخرها أكثر ارتباطاً بنا وقراءة لأنفسنا في أعماله.

نشير إلى أن من بين تلك القراءات؛ قراءات "ملتصقة" بهايدغر بحيث لا تكاد تدرك من بين كلماته وحروفه معاني فلسفته، وهناك قراءات تحتاج عدسات مكبرة حتى نتبيَّن ملامح صورتها،  ومنها ما تتم من خلال مسافة كافية تتيح الفهم والتفسير والرؤية الواضحة. وهذه الأخيرة هي محلُّ همِّ هذه الدراسة التي نتوقف فيها عند مجالات ثلاثة هي؛ أولا: هايدغر والترجمة إلى العربية،  ثانياً هايدغر والتأويل،  وثالثاً: هايدغر والجماليات.  وعلى هذا يمكن القول أن قراءتنا لهايدغر ترتبط بنا نحن في الأساس، وبقدرتنا على الرؤية والقراءة، على الفهم والتفسير،  والترجمة والتأويل، والإبداع والتذوق بالقدر نفسِه الذي ترتبط به بالفيلسوف،  وربما أكثر مما ترتبط به وبفلسفته، أنها قراءة تعنينا نحن، ومن هنا كان العنوان "هايدغر ونحن".

في هذا المسعى نهدف إلى تقديم قراءة "استشكالية تأويلية"[5] لهايدغر وما أثارته وتثيره ترجمتنا له من اختلاف بين المترجمين؛ لا يتعلق الأمر فقط بصعوبة لغته وتعقد مصطلحاته،  بل أيضاً بالكيفية التي يمكن أن تغير ترجمته من فهمنا للغتنا وقدرتها في التعبير عن الوجود وكيف يمكن أن تحيلنا إلى أنفسنا وإلى الوجود،  وجودنا نحن. القضية الأكثر تعقيداً هي البحث في ما يمكن أن يقدمه فهمنا وتأويلنا لأفكاره ومصطلحاته من إعادة النظر في تراثنا الفلسفي والصوفي. وأما تعدد القراءات والتأويلات في هايدغر وفكرنا العربي الإسلامي، فإنه يدفعنا إلى الأمام في اتجاه تحقيق فلسفة هايدغر وتحقيق تراثنا الفلسفي في آن. وتلك المسألة التي تتعلق بكينونة وجودنا، تنقلنا إلى بحث في تجلي نظرة هايدغر لأصل العمل الفني من أجل النظر في أعمالنا الإبداعية في حقل الشعر والرواية والتصوير. أي إن هدفنا هو كشف المحجوب عن أثر هايدغر في: حضورنا اللغوي والفلسفي والإبداعي.

فإذا ما اعتبرنا بداية حضور هايدغر عند عبد الرحمن بدوي[6] لأدركنا طبيعة هذه البداية الاستشكالية. فلقد ظهر عمل بدوي كرسالة للدكتوراه 1943 متزامناً مع كتابات سارتر J.P.Sartar  عن هايدغر؛ حيث قدم النسخة الفرنسية "للوجود والزمان" تحت عنوان " الوجود والعدم"؛ وهذا التزامن لا يوضح فقط طموح القراءة العربية الأولى،  الذي يتساوى مع طموح القراءة الفرنسية؛ بل ـ وهذا هو وجه الإشكالية ـ أن بدوي في عمله يقترب تماماً من هايدغر ويكاد يتطابق معه، إلا أنه في الوقت نفسه يوجه له النقد. وهو ما يلاحظه طه حسين في عمل بدوي الذي دعا مراراً إلى التحرر من هايدغر.

دراسة بدوي شديدة الالتصاق بفلسفة هايدغر ومتحررة منها في الآن عينه. وعلى الرغم من أنه مفتون بها،  فقد كان قاصماً وناقداً لها كما كتب طه حسين،  مؤكداً أن عليه أن يتحرر منها ويبتعد عنها قليلاً [7]. ومما كتبه عن "الزمان الوجودي" في مجلة الكاتب المصري عام 1945 يقول حسين: إن بدوي "فتنته الفلسفة الألمانية فتوناً شديداً،  ففرغ لها وعكف عليها وانفرد بإتقانها بين زملائه المصريين،  وفيها وضع هذا الكتاب". ويضيف: "المهم أن المؤلف لا يعرض آراء غيره عرض الفاهم المستقصي فحسب،  وإنما يشارك في هذه الآراء ناقداً مبتكراً في كثير من الأحيان، وهو من هذه الناحية فيلسوف لا ناقل". (ص282). ويشير طه حسين إلى نقطة مهمة تفيدنا في طرح الإشكالية المتصلة بالعلاقة بين بدوي وهايدغر ويقول: لو أن الأمر بيده (يقصد أمر الجامعة وأمر الثقافة في مصر) لوجَّه بدوي إلى درس الفلسفة في بلاد غير ألمانيا، وفي جو آخر غير هايدغر. فقد يخيل إليَّ أن جو الفلسفة الألمانية قد استأثر بهذا العقل الخصب القوي استئثاراً خطراً يوشك أن يحد من آفاقه ومن حق الآفاق أن تتسع(ص283) .

لقد تعددت القراءات العربية الإسلامية لهايدغر، وتنوعت الصور التي قدمت له وعنه منذ دراسة بدوي؛ منها القراءات الوجودية التي تحدثنا عنها تواً وترتبط بها وتتشابه معها القراءة الأنطولوجية التي نجدها لدى كل من عبد الغفار مكاوي في "نداء الحقيقة"[8] ومحمود رجب في "الميتافيزيقا عند الفلاسفة المعاصرين" و"المنهج الظاهرياتي في الفلسفة المعاصرة"[9] وكذلك لدى محمد محجوب في "مشكل الميتافيزيقا عند هايدغر" ثم القراءة الحداثية عند عبد الرازق الدوّاي وما بعد الحداثية عند مطاع صفدي وعبد السلام بنعبد العالي[10] وأخيراً القراءة التأويلية عند عدد من مفكري الجيل الحالي في العربية نخص منهم بالذكر الباحث التونسي فتحي المسكيني[11].

اولاً: ترجمتنا لهايدغر

حظيت أعمال هايدغر باهتمام كبير، كما لقيت استقبالاً مميزاً في ثقافتنا العربية. وعلى الرغم من اختلافات المترجمين في التعامل مع لغته ومصطلحاته،  فقد نقلت نصوصه المختلفة ودراسات عنه. بعض نصوصه ترجم أكثر من مرة. على سبيل المثال ثمة عدة ترجمات لدراسته "ما الفلسفة؟" قام بها؛ عثمان أمين ومحمود رجب وجورج كتورة وفاطمة الجيوشي ومحمد مزيان، و"ما المتيافيزيقا؟" خمس مرات قام بها فؤاد كامل،  آمال أبي سليمان فاطمة الجيوشي وإسماعيل المصدق وسعاد حمداش وكل من "هولدرلن وماهيّة الشعر" و"مسألة التقنية" و"ما الحقيقة" ثلاث مرات و "أصل العمل الفني" مرتين. وإليك بعض عناوين الاحتفاء بترجمة هايدغر في صحفنا العربية "في حسن الضيافة الفكرية: "هايدغر مُعرَّباً"،  "لو كان هايدغر عربياً"، "التلقي العربي لفلسفة هايدغر".   

يخبرنا عثمان أمين في مقدمة ترجمته الفلسفة والشعر 1963 أول ترجماتنا لهايدغر ببداية معرفته بفلسفة هايدغر أثناء دراسته بباريس واستماعه إلى ( لوسن ) و(لافل) 1932 ويقارن تمييز هايدغر بين (زاين) (الكينونة) و(دا ـ زاين) ( الكنيونة هنا والآن). وبين تمييز الفلاسفة والمتكلمين المسلمين بين وجود الأشياء (في الأذهان ) ووجودها (في الأعيان) أو بين (الوجود الذهني) و(الوجود العيني)، أو الوجود العام المطلق والوجود المشخص المشار إليه (ص10). ورغم هذا يظهر من حديثه عدم التعاطف مع هايدغر. يقول: "وأخذت أروِّض نفسي عند قراءته على الصبر على صحبته والتعاطف معه بقدر ما في طاقتي. ولكنني كنت أحس،  في كل جهد أبذله في هذا السبيل،  بشيء يصدني عنه صدّاً... ثم يضيف: "لم أكن إذن من أنصار فلسفة هايدغر،  وما أحسبني مغيِّراً موقفي منه في مستقبل أيامي: فرغم ما تكلفت في محاولتي استلطاف صاحبها أو التودد إليه  أبان فترة البحث على الأقل،  فإنني لم أجد عنده إلا ما يدعوني إلى النفور منه والازورار عنه[12]" ص (11).

بعد أن ينتهي أمين من عرض موجز لبعض أعمال هايدغر ينهي مقدمته بحكم نتوقف عنده لأهميته؛ فهايدغر شاعر تمام الشعور بفراغٍ روحيٍّ لكنه يتأبَّى التظاهر بارتياحه لذلك الفراغ،  ويمضي في سبيله مؤكِّداً أن واجب الفيلسوف هو أن يجعل نفسه قادراً على أن يستجيب لنداء الكينونة إذا كان لا بد للكينونة من أن تكشف له عن ذاتها آخر الأمر. على هذا الأساس يحكم أمين على جهد هايدغر بالتأكيد على أن قدراً كبيراً من الإغراب يمكن أن يغتفر لمفكر رزقه الله من سلامة القلب وخلوص القصد ما مكنه من ان يتبين هدفاً ميتافيزيقا يسعى إلى تحقيقه في اطمئنان وإخلاص. 

مثلما يتحدث رولان بارت عن لذة النص يحدثنا المفكر الراحل مطاع صفدي، ـ وهو أحد أهم جسور انتقال هايدغر إلى العربية ـ عن لذة الترجمة،  وعشق التلقي لهايدغر ويذكر في مقدمته للعدد الرابع مجلة "العرب والفكر العالمي"، خريف 1988، تحت عنوان "الدخول في العشق الأخير" أن النص الهايدغري لايزال يمارس صدمته الدائمة لكل نسق لغوي يترجم إليه. ومن هنا فإن شرَّاح هايدغر قد دخلوا مرحلة التأويل ولم يعودوا يكتفون بشرح النص وترجمته إلى نص أكثر سهولة وأقرب تناولاً. وصدمة النص الهايدغري للنسق اللغوي العربي كبيرة لكنها فاعلة ومنتجة، إذ أن تحديث التفلسف العربي لم يعد جائزاً إلا حين يقترف مغامرات المواجهة والمثاقفة مع متون النص الفلسفي المعاصر. وإذا كانت كتابات هايدغر تأتي في أول سلم الصعوبات لكنها تأتي كذلك في أولويات الفكر الفلسفي الذي يشغل اليوم كبار العقول العالمية[13].

في المضمار نفسه يتساءل فتحي المسكيني في الفقرة الثانية من مقدمة ترجمته كتاب هايدغر "الكينونة والزمان" عما لو كانت لغة هايدغر قابلة للترجمة أصلاً؟ في محاولة الإجابة عن هذا التساؤل يقر المسكيني: "بأن الترجمة الفلسفية بعامة وترجمة هايدغر بخاصة هي مغامرة. مع نصوصه نحن نعيش "مغامرة الترجمة" بإطلاق. في المغامرة نحن نذهب إلى أرض مجهولة لكن "المجهول هنا ليس هو رغم كل شيء النص،  الذي نترجمه، أو الذي نطمع في ترجمته، بل على العكس من ذلك ـ كما يفاجئنا المسكيني ـ إنما هي لغتنا الخاصة. إن مغامرة الترجمة ـ كما يقول ـ هي أن نغامر في صلب لغتنا الخاصة. ذلك لأن الترجمة هي مدعاة إلى تغيير علاقتنا بماهية لغتنا. أي بطريقتنا في الكلام بما هو طريقتنا في الكينونة داخل العالم". لذلك تنطوي الترجمة على قدر كبير من "المباغته" التي من شأنها أن تضع الدازاين الخاص بنا موضع خطر[14] (ص16)، إنه خطر الكينونة، فالمهم عنده أن الترجمة هي نوع من التفسير.

وفي هذا السياق أيضا عنون المسكيني[15]، الذي مثل هايدغر نقطة محورية في كتاباته، في توطئة كتابه التفكير بعد هايدغر، بـ "هايدغر بالعربية أو الترجمة والحرية". يقول: إن "هايدغر بالعربية" عبارة لا تعني أن نعرب مفاهيمه أو مصطلحاته فحسب، بل أيضاً على الخصوص أن نجعله يتكلم لغتنا، بحيث يمكننا أن ندعي دون مشاحة أنه قد فكَّر بعقولنا والتبس بأنفسنا لبعض الوقت، وداخل سياق ما كان لهايدغر الشخص" أن يعرفه". (السابق، ص 9).

ولنتابع ذلك التحليل للتجربة التي عاشها المسكيني مع هايدغر وسعى إلى تأويلها. إنه يبصر صلة، بين الترجمة والحرية. فحين نفكر، نحن نترجم، أي نتملَّك قدرة تفكير كونية ولدت في أفق أمة أخرى ومن ثم نتحرر من غربتنا إزاءها.  والترجمة كما أكد هايدغر هي تأويل،  ومن هنا علينا بيان كيف كانت قراءاتنا لهايدغر محض تأويلات. 

ثانياً: فهمنا لهايدغر بين التقرير والتأويل       

لقد نحونا في تعاملنا مع النص الهايدغري ولغته واصطلاحاته نحوين متلازمين:  ويمكنك أن تقول أننا بإزاء ما يطلق عليه عثمان أمين "التعامل الجُوَّاني مع الفيلسوف  مقابل التأويل أو التعامل الَبرَّاني مع أفكاره. لتوضيح ذلك نقدم في الفقرة التالية نموذجين للتعامل التأويلي مع هايدغر في ثقافتنا العربية الإسلامية  لاثنين من المتخصصين في الهيرمينوطيقا هما الفرنسي الراحل هنري كوربان واللبناني المعاصر مشير باسيل عون. وكلاهما انشغل بهايدغر وكتب عنه. لقد انصبت اهتمامات وكتابات الأول على الفكر الإشراقي العرفاني الصوفي الإسلامي، فيما تركزت أعمال الثاني في اللاهوت المسيحي[16] ومن هنا فهما تأويليان متضادان.

كتب عون دراسته بالفرنسية التي نشرت مؤخراً بالعربية تحت عنوان: "هايدغر والفكر العربي[17]" 2015. وهذه دراسة غير بعيدة عما نحن بصدده. ورغم أن العنوان يحمل في أحد ضفتيه الفكر العربي؛ إلا أن هدف المؤلف كما يبدو من تحليلاته هو غير ذلك، فالغاية عنده هي تناول العلاقة بين هايدغر والفكر الاسلامي كما يظهر في مواضع متعددة من عمله. ولقد بدت هذه الدراسة كما لو أنها تقدم قراءة تقف في مقابل قراءة هنري كوربان عن هايدغر في ضيافة الفلاسفة المسلمين.

تطرح قراءة عون؛ قضايا متعددة حول هايدغر والفكر العربي؛ وهو يقارن بين الرؤية الهايدغرية للوجود والرؤية الاسلامية. ومن الغريب أنه  يرى أن هايدغر لم يثر في العالم العربي على الإطلاق أي شغف عقلي،  كما لم يمارس أي إغواء أيديولوجي،  ويرجع السبب في ذلك ـ كما يلاحظ الكاتب ـ  إلى أن التعقيد الذي طبع فكره بطابعه الخاص،  والراديكالية التي لازمت هذا الفكر، جعلا هايدغر مؤلفاً تصعب إحاطته في حدود ما يستطيع العقل العربي الحالي أن يتفكَّر فيه. وهو حكم في اعتقادي غير صحيح، وتدحضه الدراسة المتأنية للقراءات العربية المختلفة لأعمال هايدغر كما يدحضه عمل عون نفسه حيث يقف في مواجهة لا يصمد أمامها مع قراءة كوربان التأويلية. ولعلّ إحصاءً أوليّاً لترجمات أعمال هايدغر للعربية وما نقل إليها من دراسات حوله وما كتب عن فلسفته يقدم رؤية مغايرة لما ذهب إليه.

يسعى مشير عون إلى بيان وتأكيد نقاط الاختلاف بين هايدغر والفلسفة العربية. ففي حين أن الفكر العربي فكر لاهوتي تسكنه القضية الإلهية وتخترقه جدلية النقل والعقل ينهض الفكر الهايدغري كفكر أنطولوجي يحركه حصراً السعي إلى كشف حقيقة الكون،  ويتمحور حول علاقة الاختلاف والمواجهة التي تربط بين الكون والكائن بموجب الإقبال الخاص بالوجود الأصلي غير الميتافيزيقي. وفيما ترى الأنثروبولوجيا الهايدغرية إلى الإنسان من زاوية العلاقة التي تكونه وتربطه بالعالم (العالمية) وبالزمان (الزمانية) وبالتاريخ (التاريخية) وتدرجه في حركة الكون،  فإن الأنثروبولوجيا الدينية الإسلامية تربطه بمشيئة كائن إلهي يقيم خارج العالم والزمن والتاريخ،  وخارج الكون في نهاية الأمر. علينا أن نشير حيال هذا التصريح إلى أن هناك الكثير من الدراسات التي تقدم لنا هايدغر لاهوتياً بل إن ذلك ما نجده في كثير من الانتقادات التي وجهت إلى فلسفته. 

 وإذا كان الفكر العربي المعاصر يبتغي الإفادة من الإسهام الهايدغري،  فإن عليه ـ في ما يدعو إليه عون ـ تغيير لغته الدينية، بمعنى أن يخضعها لمقتضيات اختبار غرضية الله،  وهو الاختبار القائم رمزياً على تواري الإله الأخير وعلى غياب الإله الإلهي. إذَّاك سيتمكن هذ الفكر عينه من تحرير الوجود التاريخي للعالم العربي من عوائق أيديولوجية ( يقصد دينية )  عدة تجيز لنفسها،  عن غير حق،  إرساء مرجَعٍ ثيولوجيٍّ،  أحاديٍّ وحصريٍّ(ص84).

بين كوربان وهايدغر

في المقابل نجد تأويل كوربان في  "الخيال الخلاّق عند ابن عربي" وفي "مقدمات لمؤلفات شهاب الدين السهروردي" و"تاريخ الفلسفة الاسلامية منذ الينابيع حتى وفاة ابن رشد "، يبحث في  العلاقة بين هايدغر وعرفانيي الإسلام، وهو من شغل فترات طويلة من حياته بالفلسفة الإشراقية  إلى درجة أن  البعض رأى أنه انطلق إلى دراسة الفلسفة الاشراقية من هايدغر ثم تحول إلى التصوف. لكن كوربان يصحِّح هذا الفهم الخاطئ حين يخبرنا أنه التقي هايدغر في هيدلبرغ في أبريل 1934 ويوليو 1936 بينما كانت أول إصداراته عن السهروردي 1933، 1935 في حقل التداول. أما ترجمته لهايدغر فإنها لم ترَ النور إلا بعد ذلك أي في العام 1938. إلا أن كوربان لا يلبث حتى يؤكد لنا أن ما كان يبحث عنه أو ما وصل إليه بفضل هايدغر هو عين ما كان يبحث عنه وما عثر عليه في الميتافيزيقا الإيرانية الإسلامية.

 وانتماء كوربان للظاهريات جعله يؤكد أن التأويل أو الهيرمينوطيقا هو ما يوصلنا إلى المعنى الباطني وراء الملفوظات الظاهرية. ويكشف لنا أنه وجد لدى هايدغر في كتابه عن دون سكوت؛ ما أضاء له الطريق، وهو ما يسميه بـ "النحو التأملي". وقد اكتشف هذا التأويل في العديد من النصوص الكبرى للفلسفة الصوفية الإسلامية، حيث يفتح كوربان هنا طريقاً جديداً للتفلسف باستخدام أدوات الهيرمينوطيقا في قراءة أعمال الصوفية المسلمين.

يتوقف كوربان عند المعجم الغريب الذي يضعنا هايدغر أمامه، خاصة  كلمات من قبيل: Erschliessen، Erschlossenheit الانبثاق؛ وهي المصطلحات التي تعيِّن العمليات التي من خلالها تتكشف صيغ الحضور الإنساني (الدازاين)؛ من قبيل Entdecken  أي الاكتشاف،  وVerborgen أي الكشف عن المستور. ومن خلال تجربته وجد مقابلات لهذه الكلمات في العربية لدى الشهوديين الكبار في الإسلام. ويعترف في هذا الإطار أنه ربما سيكون من الأعسر عليه ترجمة معجم السهروردي أو ابن عربي أو الملاصدرا الشيرازي وغيرهم لو أنه لم يتدرب على التمارين التي قام بها لترجمة المعجم الألماني غير المشهود الذي نجده لدى هايدغر. هذا  ما يؤكد الخدمة المتبادلة التي يمكن أن تسديها معرفة المعجم الصوفي الإسلامي ومعرفة معجم الظاهريات بعضهما لبعض. ذلك هو المفتاح الذي يقدمه لنا كوربان للفتح والكشف. وعلى هذا فإن مصطلح «كشف المحجوب»، الذي هو مسعى الظاهريات الذي  يظهِر المعنى الباطن المخفي تحت الظاهر،  وخلف الظاهرة،  الكشف الذي هو ما يمكِّن من إظهار حقيقة المحجوب[18].

بالرغم من بعض التوافق الذي وجده كوربان بين هايدغر وفلاسفة الإشراق، يظل ثمة اختلاف أساسي. وهنا نجدنا أمام عالمَيْ فهم صادرين عن عالميْ وجود مُختلفين كل الاختلاف. إن الاختلاف الأساس هو ذاك الذي نجم عنه «انتقال» كوربان من هايدغر إلى السهروردي، وهو اختلاف يتعلق باستعمال المفتاح التأويلي؛ الذي وضعه هايدغر بين أيدينا، وهو مفتاح لا يعني الانخراط في فلسفته ونظرته للعالم. فالتأويليات تشتغل انطلاقاً من فعل الحضور الذي توحي به «دا» الدا ـ زاين؛ فمهمتها تكمن في تسليط الأضواء على أن الحضور الإنساني يفهم نفسه ويموضع نفسه،  ويحدد «الدا» (الهنا) أي وضعية حضوره، كما يكشف الأفق الذي كان حتى ذلك الوقت محجوباً عنه. وإلى ذلك فإن ميتافيزيقا الإشراقيين، وميتافيزيقا صدرا على وجه الخصوص، سوف تبلغان أوجهما في ميتافيزيقا الحضور عند هايدغر.

دعونا نواصل بيان الهيرمينوطيقا التي وظَّفها كوربان لتوضيح ما يمكن أن يوجد من اتفاق واختلاف وتلاقٍ بين هايدغر وفلاسفة الاسلام. وسوف نعتمد هنا على كوربان نفسه ونتابع تحليلاته، تلك التي يوضح فيها وعبر تأمل تأويلي سمات وخصائص فعل الحضور لدى أهل العرفان ولدى هايدغر الفيلسوف. ويرى كوربان أن من المهم أن نحتفظ دائماً لكلمة إشراق بدلالتها الأولى،  أي طلوع ومشرق الكوكب،  الكوكب في مشرقه. لكن المشرق هنا كما يقول هو مشرق لا ينبغي البحث عنه في خرائطنا الجغرافية،  فهو النور الذي يطلع،  النورُ السابقُ على كل شيءٍ منزَّلٍ وعلى كلِّ حضورٍ، لأنه هو الذي يكشف عنها،  وهو الذي يوجِد الحضور. فإذا كان هايدغر يحدد لنا كيف نحلل «دا» الدازاين،  وفعل الحضور،  فهذا لا يعني،  أن نفرض حدود الأفق الهايدغري نفسها على فعل الحضور هذا[19].

يبين كوربان أنه إذا كنا قد انسقنا هكذا بعيداً عن الوجود والموجود لدى هايدغر فإن ابن عربي يبقى مُعَلِّمَنا الكبير؛ ذلك أن التجلي الإلهي جوهري،  في صور متعددة توافق كل واحد من أولئك الذين لهم ومن أجلهم يتم التجلي. من الناحية الوجودية الأصلية قد نقول بأن الإنسان هو الذي يكشف لنفسه شيئاً (كائناً) كالله. من الناحية اللاهوتية الله هو الذي يتكشف للإنسان. والحكمة التصوفية المرآوية تتجاوز الاختيار الصعب بجعلها الحقيقة التزامنية للطرفين المترابطين ترابطاً لا ينفصم. بيد أن التجاوز في ما يوضح كوربان يعود لابن عربي أكثر منه لهايدغر. وهكذا يعود كوربان للشرق ولفلاسفة وإشراقيي الإسلام ويستضيف هايدغر إلى حضرتهم وهو ما يحتاج إلى ذكر دائم.

رابعاً: إعادة النظر في الفكر الاشراقي والفلسفة العرفانية 

من المحاولات والقراءات،  تلك التي تتعلق بهايدغر وابن سينا، والتي يسعى فيها صاحبها نادر البزري إلى النظر في أنطولوجيا ابن سينا في سياق الوجود والكينونة وفق نظرة هايدغر النقدية لتاريخ الفلسفة. يعتقد البزري أنّ معالجة الإرث السينوي ّ الأنطُولوجي من المنظار النقديّ لتاريخ الميتافيزيقا، والمستند إلى هايدغر، يمكن أن يكون له مقاربات منهجيّة ومعرفيّة تتفاعل مع المباحث الفلسفيّة التي وُضعت حول تاريخ المذاهب الفكريّة الأوروبيّة في معالجاتها لمسألة الوجود، ومع النظر إلى المفاهيم التي تحيط بالتساؤل الوجوديّ حول الكينونة. النظر إلى هذا الإرث، يستند إلى الدور الفاعل لفلسفة الشيخ الرئيس في تطور النظم المعرفية والمعالجات الفلسفية لمسألة الوجود في سياق تفتح الفكر السكولاستيّ الأوروبيّ وتفاعله النقديّ مع السينويّة وتاريخها (ص 121).

في هذا السياق يأخذ الباحث على هايدغر أن نظرته إلى الأبعاد الأنطولوجية في فكر ابن سينا بقيت منحصرة في إطار الإشارة إلى الدور التدويني الحافظ للإرث الإغريقيّ، مع عدم الإلتفات إلى إدخال تعديلات نقديّة أو متغيرات معرفية تجديدية عليه في سياق تطور الفكر الفلسفي في الحضارة الإسلامية..كذلك فإن فكر هايدغر ـ حسب الباحث ـ قد يفتح بعض المجالات الجديدة للتفكير بقضايا الألوهية عبر السعي للتفكيك النقدي لتاريخ الميتافيزيقا وعلاقتها الوثيقة بالثيولوجيا، وهذا لكونه ( أي هايدغر) يتصور بأن فهمنا للألوهية لم يحصل بعد، كوننا في حالة انحدار كبير على المستوى الأنطولوجي والتأملي والفكري. هذه الظاهرة الوجودية لها دلالاتها العميقة بما يخص استفحال أخطار العدمية.  

في هذا الصدد يمكن أن نشير إلى محاولة ثانية في حقل المقارنة بين ملا صدرا (1572 – 1640) وهايدغر التي قدمها محمد بيد هند أستاذ الالهيات بجامعة إصفهان؛ الذي يوضح فيها أن معنى "الحقيقة" هو أعمق وأشمل من أن تنحصر في دائرة الألفاظ والقضايا، وأن هذه النقطة الدقيقة قد لفتت انتباه ملاّ صدرا وهايدغر معاً، حيث أكّدا عليها ضمن مباحثهما الوجودية[20].يلاحظ محمد بيدهند أن من غير الممكن أن تتمّ عملية انكشاف الوجود ونيل الحقيقة عن طريق المنطق والعلوم الاكتسابية. إن لغة الشعر (حسب رأي هايدغر )، ولغة العرفان والشهود (حسب ملاّ صدرا) أقدر وأولى ببيان الحقيقة. بعبارة أخرى، إن لغة الحقيقة هي الشعر والعرفان، لا لغة المنطق والاستدلال (ص 83).

في دراسته "بين الكشف والبرهان: ملاحظات في الشعر والفلسفة" يبين الباحث والشاعر محمد علي شمس الدين أنه ليس مستبعداً أن يكون هايدغر قد تأثر بالنص الصوفي الاسلامي في تحليله لشعر هولدرلن Holderlin". هايدغر المؤمن يتماهي في بعض مقولاته في العود إلى الوراء والمحجوب والأرض واللغة كرمز للحقيقة مع مقولات المتصوفة الاسلامية الذين سبقوه "[21].  أما مقصود محمدي في دراسته حول "نظرية أصالة الوجود وشهوده عند صدر المتالهين ومارتن هايدغر"، فيرى أن مقارنة آراء هايدغر في الوجود والماهية مع نظريات صدر المتألهين عملية شائكة صعبة، ذلك أن فلسفة هايدغر ـ فضلاً عن غموضها ورمزيتها ـ هي فلسفة ظاهراتية أو هي بالأحرى منهج بحث، لذا تتعذر مقارنتها بفلسفة صدر المتألهين الماورائية. ولكن يمكن في بحث الأنطولوجيا تشخيص نقاط ممكنة القياس بآراء صدر المتألهين، إذ يقترب هايدغر في تعريفه الوجود المحض والموجودات الخاصة وسماتها ومميزاتها من بعض أفكار الشيرازي، إلى حد ما[22]. 

عل الخط نفسه، وفي سياق مسعاه لتقديم رؤية عن هايدغر وابن عربي في مرآة ما بعد الحداثة يرى المفكر المغربي محمد المصباحي إلى صورتين من صور ابن عربي في مرآة ما بعد الحداثة وهما: صورة العقل في علاقته مع القلب، وصورة الوجود في علاقته مع الوجدان.

وبالنسبة إلى الصورة الأولى يلاحظ أن ابن عربي عندما يستعمل العقل لاستخلاص وإثبات المعارف الجديدة من المقدمات والمبادئ فإنه يركز انتباهه على أعراض الشيء الذاتية، دون اعتبار لباقي أعراضه الأخرى غير الذاتية. هنا قد يلتقي هايدغر مع ابن عربي، وتلك سمة أساسية وثابت بنيوي يتفق فيه الفيلسوف مع الصوفي؛ فهما معاً لم ينتقدا العقل من أجل إصلاحه وتقوية فعاليته، بل انتقداه لغاية أن يستبدلا به إما الفكر المرادف للشعر بالنسبة لهايدغر، أو الذوق والكشف بالنسبة لابن عربي، وهذا الاستبدال ـ كما يوضح المصباحي ـ من شأنه تحرير الوجود من المقولات والماهيات والمبادئ العقلية( ص 160).

الصورة الثانية هي صورة الوجود. وهنا ينتقل المصباحي لمسألة نسيان الوجود عند كل من ابن عربي وهايدغر ويرى أن الذي أثار استغراب الصوفي الكبير هو نسيان الإنسان للوجود، وكأن "نسيان الوجود" هو من صميم الطبيعة البشرية. حقاً، لم يطرح الشيخ الأكبر إشكالية النسيان على مستوى تاريخ الفلسفة أو تاريخ الميتافيزيقا، كما سيفعل هايدغر، وإنما على مستوى تاريخ الوجود البشري من حيث هو تاريخ لنسيان الله. بينما يربط هايدغر، نسيان الوجود بالإنسان وبمصير الوجود ذاته. غير أن موضوع ومعنى النسيان الهايدغري في تحليل المصباحي يختلف كثيراً عما كان يؤمه الشيخ الأكبر. فموضوع نسيان الوجود عند الفيلسوف الألماني لم يكن الوجود الإلهي؛ كان موضوعه حقيقة الموجود. لم يكن ينتمي إلى مجال التيولوجيا ولا إلى مجال الأنطو ـ تيولوجيا، وإنما إلى مجال الميتافيزيقا، باعتبارها تاريخاً لاحتجاب الوجود بالموجود.

خامساً: رؤية هايدغرية في الفنون العربية

نصل في هذه الفقرة إلى تطبيقات عدد من الباحثين للمفاهيم الهايدغرية على الإبداعات الأدبية والفنية من شعر ورواية وتصوير، أو ما يمكن أن نسميه القراءة الاستطيقية الهايدغرية انطلاقاً من مفاهيمه حول اللغة وفلسفته في الفن وقراءته لهولدرلن وتحليله للوحة فان غوغ.

مذ كتب زكريا إبراهيم عن نظرية الفن عند هايدغر في "فلسفة الفن في القرن العشرين"،  وسعيد توفيق في "الخبرة الجمالية: ومحسن الزراعي في "الاستطيقا والفن على ضوء مباحث فينومينولوجية"،  وهي دراسات تتميز بغلبة التنظير الذي يتعقب المسار الفينومينولوجي الهايدغري في تبلور الأفكار الجمالية واتجاهاتها الفنية المختلفة عربياً، والقراءة العربية النقدية تستلهم في بعض جوانبها قراءة هايدغر للأعمال الفنية وتطبقها على الإبداع العربي. وقد ظهرت بعض كتابات في المجال التطبيقي مثل  كتاب محمد الماكري "الشكل والخطاب: مدخل لتحليل ظاهراتي" ودراسة جواد الزيدي "فينومينولوجيا الخطاب البصري: مدخل لظاهراتية الرسم الحديث"،  ودراسة عمارة كحلي وقراءتها الفينومينولوجيا للتصوير لدي الفنان الجزائري محمد خدة ".

ويمكننا أن نتابع الجهود العربية خاصة فينومينولوجيا هايدغر وتطبيقها على الفنون العربية لدى كل من سعيد توفيق في "ماهية الشعر عند حسن طلب"، و"عالم الغيطاني: قراءة في دفاتر التدوين"،   وكذلك لدى عمارة كحلي في كتابها "الموضوع الجمالي في ضوء المنهج الفينومينولوجي: مقاربة جمالية في نماذج تجريدية عند الفنان محمد خدة". وهذه أعمال تبدو منفصلة عن جهود أخرى قدمت بحثاً عن الصلة بين الجماليات الإسلامية وهايدغر وذلك على نحو ما كتبه شربل داغر حول "الجمالية بين الغياب والحضور بين ابن عربي وهايدغر" التي يتناولها من خلال كتاب الجلال والجمال لابن عربي، وأصل العمل الفني لمارتن هايدغر، وما كتبه فريد الزاهي حول "ابن عربي الصورة والأخرى" مما يدعونا إلى بيان تحليل كُتَّابنا ونُقَّادنا لأعمال إبداعية عربية على ضوء نظرية هايدغر الجمالية.

 يؤكد توفيق على أن "ماهية الشعر هي التي تكشف لنا عن ماهية اللغة"، ذلك أن ماهية كلمة الشعر تكمن في أنها تنطق معناها،  والشاعر إذن يكون شاعراً حقيقياً حينما ينطق معاني كلماته نطقاً خاصاً،  أي بصوت لغوي خاص يبقى ماثلاً في الكلمات نفسها،  وحسن طلب هو واحد من تلك القلة القليلة من الشعراء الحقيقيين. هذا ما يمهد به توفيق تحليله في مقدمة كتابه "ماهية الشعر عند حسن طلب" وعلى نحو ما فعل هايدغر في كتابه "على الطريق إلى اللغة". يقرأ توفيق شعر حسن طلب انطلاقاً من تعامل الأخير مع ماهية اللغة "،  فحسن طلب يتأمل ماهية اللغة ذاتها من خلال شعره وكأنه يريد بذلك أن يبرهن لنا على أن ماهية اللغة التى تكمن في النطق والإفصاح والقدرة على التسمية إنما تتحقق وتبلغ أعلى صورة ممكنة لها من خلال لغة الشعر[23] "

يدرك توفيق أن هذا التأمل في اللغة بلغ ذروته في شعر حسن طلب،  حتى إن الكلمة نفسها لم تعد هي وحدها القادرة على التسمية كما بين لنا هايدغر بل إن الحرف نفسه لا تستطيع لغة الفلسفة أن تكشف عنه وإنما تكشفه لغة الشعر. وذروة هذا التأمل والاستعراض لقدرة الحرف على التسمية يروح يتجلى في ديوانه "آية جيم". (ص24).

ومن الشعر إلى الرؤية يقدم توفيق دراسته التي يستلهم فيها هايدغر في  "عالم الغيطاني: قراءات في دفاتر التدوين" قراءة فينومينولوجية في أدب الغيطاني، وهو يبدأ دراسته بمدخل إلى "شِفرات" النص الغيطاني مؤكداً قدرة الأدب على النفاذ إلى ظواهر الوجود العام والوجود الإنساني، كما تتجلى في تجربة الذات التي هي تجربة الأديب معتمداً على كل من: ميرلوبونتي في مقال "الميتافيزيقا والرواية" وهايدغر الذي يؤكد على أن السؤال الأساسي في عالمنا هو سؤال الوجود.

إن النص الظاهري في تدوين "دنا فتدلى" ينصب على القطار. والقطار مرتبط عند الغيطاني بخبرة الكشف،  هو أمر واضح من خلال تساؤلات حول القطار،  وهي أسئلة مرتبطة بالوعي الزماني (ص 38) عارضاً مقاطع من النص تؤكد قدرة الغيطاني كأديب فينومينولوجي كما يطلق عليه. يقول: "والغيطاني هنا كما في نصوص عديدة يقدم لنا تجسيداً عملياً لتلك الرؤية الفينومينولوجية في سطور قليلة ولكنها تنفذ إلى أدق التفاصيل المرئية واللامرئية[24] فالقطارات في رؤية الغيطاني تعني أيضا الوعي بالزمان. يستشهد توفيق بقول الغيطاني: "للمواقيت مواضعها،  وللأماكن مواعيدها،  اللحظة تعني مكانا،  وانفصام العرى بينهما يؤدي إلى عدم نجهله"، ويعلق على كمّ الفلسفة في هذا القول البليغ الذي نلمس فيه استبصارات خصبة تتعلق بطبيعة الخبرة الإنسانية التي كشفها الفينومينولوجيون. (ص 43).أما في دراسته "ومضات الزمن في نثار المحو" فإنه يناقش: خصوصية التشكيل الفني في هذا التدوين، يقول: "مركزية سؤال الزمان تلح على الغيطاني في أنحاء لا حصر لها،  فهي تلح عليه من خلال التساؤل عن الحياة والموت،  ومن خلال تأمل نبضات القلب،  بل من خلال تأمل أحوال النفس التي تجسد تحولات الزمان،  وكيف يكون الوصل والوحدة والهوية في المتحوِّل والمتبدِّل: "ذلك الذي كنتهُ ولم أعد أكونهُ،  عدة مرات كنتهُ وتباعدنا،  انفصلنا عن بعضنا ماذا يربط كل منهم بذلك الذي أكونهُ الآن،  الآن ما الذي يربطني بذلك الذي سأكونه،  أي وشائج خفية؟ يعلق توفيق ليس للوجود معنى دون الزمان لهذا كان عنوان عمل هايدغر الخالد هو "الوجود والزمان". ولكن الزمان ذاته ليس له معنى دون الذاكرة،  وهذا ما نطالعه في كثير من دفاتر الغيطاني. لقد وجد في عمل الغيطاني كثير من التفلسف الذي يحاول أن يستحضر بقايا الوجود من ثنايا الزمان المنصرم دائما،  الصائر أبدا إلى المحو والعدم.

في الدراسة الأخيرة تحت عنوان "الاسم وأصداء الوجود" في "كتاب الران"، فإن أول ما يلاحظه توفيق في هذا التدوين أن البعد الصوفي واضح تماماً ومهيمن على سائر فصول الكتاب، وكأن الغيطاني يستعيد هذا المصدر الخصب السائر في الكثير من أعماله السابقة على دفاتر التدوين.  وهو يحلل الفكرة الرئيسية المهيمنة على هذا العمل،  بل كل تدوينات الغيطاني، أي سؤال الوجود والذي يتجلى من خلال تجربة اللغة،  وتحديداً من خلال تجربة الكلمة أو الاسم،  الاسم الذي يخلق وجوداً. وتوضح لنا قراءة توفيق أنها قراءة هايدغرية،  فلهذا الأمر ميراث فلسفي عميق عند هايدغر قبل أن يتعين ويصبح مرئياً عند الغيطاني. فالاسم كما بيّن لنا هايدغر ليس مجرد إشارة تعيِّن شيئاً ما،  إنما الأسماء هي الرموز التي نستخدمها في لغة الحياة اليومية والمصطلحات التي نستخدمها في اللغة العلمية(9).

أما عمارة كحلي فهي تناقش الإسهام الظاهراتي في الفن في كتابها: "الموضوع الجمالي في ضوء المنهج الفينومينولوجي: مقاربة جمالية في نماذج تجريدية عند الفنان محمد خدة" موظفة أفكار هايدغر في فلسفة الفن في قراءة إبداعات فن التصوير الجزائري الحديث،  وذلك من خلال مدخل يتناول المفاهيم والإجراءات. وتخصص الفصل الأول "الإدراك الجمالي لظاهرة التجريد"  لمناقشة ظاهرة التجريد في الفن الجزائري الحديث،  واستطيقا الالتزام عند الفنان محمد خدة والاستقبال الجمالي لأعمال خدة والفصل الثاني للتكوين التشكيلي لظاهرة التجريد والثالث خبرة المعنى في أيقون الزيتون؛ البعد التجريبي للطبيعة،  سواء التشكيل اللوني،  أو البصري أو البعد الاستطيقي والفصل الرابع والأخير ظاهرة الحروفية في التشكيل التجريدي والخاتمة "استطيقا التجريد من منظور فينومينولوجياً الفن"[25].

لقد وجدت كحلي في ترجمة التصورات الفينومينولوجية في قراءة المحتويات البصرية الفنية إمكانية لتحويل الخبرة الفينومينولوجية إلى خبرة جمالية وتبين خطوات عملها على النحو التالي: "لقد اقتفينا في قراءة اللوحة التدرج من الوصف إلى التحليل والتأويل،  ولذلك كنا نعاين التمظهر البصري للوحة بعين الهاوي،  لا المحترف،  إذ قد يفوتنا من الإبصار ما لم نُمَكِّنْه من التجليّ في المعنى فيفوتنا بذلك حسن تأمله وتأويله" (ص 14).

تذكر الباحثة في هذا الصدد تأملات هايدغر في لوحة زوج الأحذية للرسام فان غوغ  وكتابات ميرلوبونتي حول أعمال الرسام بول سيزان لتؤكد إفادة الفن الحديث كثيراً من التأملات الفينومينولوجية وبخاصة الفن التجريدي. فخبرة المعنى التي تتشكل إدراكاً جمالياً لدى المشاهد هي من قبيل سؤال المعنى الذي يحرك كينونة العمل الفني أثناء تلقيه؛ وهو ما يبتغى الوصول إليه كل باحث فينومينولوجي (ص 57). فالمدركات الجمالية مهما كان شكلها أو مصدرها فإنها تظل تمنح أفقاً سؤولاً عن معنى لم يمزق بعد حجب الرؤية الفنية حول لوحة زيتية أو غيرها من الأعمال الفنية.  فإن حضرت فينومينولوجيا الفن منهجاً وأدوات إجرائية تتوسل بهما قراءة أعمال محمد خدة الفنية فإنه يحضر إلى جانبهما الموضوع الجمالي وأبعاده الفنية والتأويلية (ص 58).

خلاصة وتعقيب

مما سبق نتبين بعض الدلالات من ظاهرة صاحبت قراءتنا لهايدغر مذ تعرفنا عليه حتى يوم الناس هذا. أحيانا نلتقي وهايدغر عندما نكون متوجهين نحو غيره من الفلاسفة كما فعل محمد بن سباع في دراسته ميرلوبونتى في مناظرة هوسرل وهايدغر مثلاً، فما يلفت النظر في هذا الصدد، صدور بعض الأعمال عن هايدغر عبر الفلاسفة المعاصرين. وتلقي هايدغر عبر نيتشه[26] ففي وقت واحد تقريبا كتبت فوزية ضيف الله "كلمات نيتشه الأساسية ضمن القراءة الهايدغرية "ومحمد أندلسي "المتعالي وأزمة الميتافيزيقا الغربية أو هايدغر من خلال نيتشه[27]" والمهم هو صدور بعض هذه الأعمال عن مؤسسات نشر ذات طبيعة استراتيجية سياسية؛ وهو ما فعله المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حيث نشر على سبيل المثال: "ميرلوبونتي في مناظرة هوسرل وهايدغر" و "هايدغر والفكر العربي [28]". ويكفي أن ترصد ما ترجم لهايدغر وما كتب عنه منذ 2011 حتى تشعر أنه ربما يكون الأكثر حضوراً في فكرنا وثقافتنا المعاصرة.

[1]*ـ باحث في الفلسفة وأستاذ الدراسات العليا بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة ـ مصر.

-  راجع دراسة الكاتب "هايدغر في العربية". والتي ألقيت في المؤتمر الدولي الذي عقده قسم الفلسفة بالجامعة الاميركية بالقاهرة 2002 ونشرت في العدد التاسع من أوراق فلسفية.

[2] - راجع شارل مالك، المقدمة، دار النهار، بيروت 2001، وعبد الرحمن بدوي، الزمان الوجودي، وكالة المطبوعات الكويت د. ت.

[3]ـ نادر البزري، السينوية ونقد هايدغر لتاريخ الميتافيزيقا، مجلة المحجة، العدد 21 ص 119 – 140 Nader El- Bizri، The phenomenolgical Quest between Avicenna and Heidegger ,N,Y Binghamton 2000

[4]- انظر ما كتبه كل من شربل داغر ومحمد المصباحي في المقارنة بين هايدغر وابن عربي وسنعرض لهما في الفقرات القادمة، كذلك ما كتب عن ملاصدرا وهايدغر.

[5]- هذا ما تذكره فوزية ضيف الله في كتابها: كلمات نيتشة الأساسية ضمن القراءة الهايدغرية. منشورات الاختلاف دار الأمان،  الرباط 2015،  ص30.

[6]- عبد الرحمن بدوي: الوجود والزمان،  دار النهضة العربية القاهرة، وانظر أيضا بدوي سيرة حياتي،  المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت،  لبنان،  الجزء الأول.           

[7]- انظر طة حسين مجلة الكاتب المصري، القاهرة 1946.          

[8]-انظر عبد الغفار مكاوي، مقدمة ترجمة نداء الحقيقة ونصوص أخري، دار الثقافة، القاهرة 1977 وللعمل طبعات متعددة دار شرقيات 2002 – القراءة للجميع القاهرة.

[9]- محمود رجب: الميتافيزيقا عند الفلاسفة المعاصرين، دار المعارف القاهرة ط 2 عام 1986 والمنهج الظاهرياتي في الفلسفة المعاصرة؛ المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة 2002 وترجمته بالاشتراك مع فؤاد كامل نصوص هايدغر دار الثقافة الجديدة القاهرة 1974.     

[10]-انظر عبد الرازق الدوّاي: موت الإنسان في الفلسفة المعاصرة، دار الطليعة، بيروت، وعبد السلام بنعبد العالي في عدة دراسات؛ خاصة أسس الفكر المعاصر وتجاوز الميتافيزيقا، دار توبقال الرباط 1991 وهايدغر ضد هيجل: التراث والاختلاف؛ دار توبقال. الرباط 1987        

[11]- نذكر من هؤلاء فتحي انقزو خاصة في كتابه هوسرل ومعاصروه ,، خاصة المقالة الثالثة والرابعة من فينومينولوجيا اللغة إلى تأويلية الفهم، المركز الثقافي العربي، بيروت 2006، وبلغيث عون: الفنيومينولوجيا بين الوصف والهيرمينوطيقا صعوبة في وجود وزمان. العدد الأول من حوليات الفينومينولوجيا والتأويلية، تونس 2006، وفتحي المسكيني؛ نقد العقل التأويلي أو فلسفة الإله الأخير، دار الإنماء العربي، لبنان، والتفكير بعد هايدغر أو كيفية الخروج من العصر التأويلي للعقل، جداول للنشر والتوزيع، بيروت 2011.

[12]- عثمان أمين مقدمة ترجمة دراسة هايدغر الفلسفة والشعر القاهرة 1963. 

[13]- راجع مقدمة مطاع صفدي للعدد الرابع من مجلة العرب والفكر العالمي خريف 1988. 

[14]- فتحي المسكيني مقدمة ترجمة الكينونة والزمان، دار الكتاب الحديث، بيروت 2012 ص 16      

[15]- فتحي المسكيني، التفكير بعد هايدغر، دار جداول، بيروت ص 9.

[16]- تدور أعمال مشيرعون في مجالات ثلاثة مترابطة هي: اللاهوت المسيحي وكتب فيه ثماني عظات في المعمودية ليوحنا الذهبي الفم، وعلم الأصول اللاهوتية مشير عون، لاهوت التّحرير، والمجال الثاني الحوار الاسلامي المسيحي  وكتب فيه: بين المسيحية والاسلام بحث في المفاهيم الاساسية ومقالات لاهوتية في سبيل الحوار، والأسس اللاهوتية في بناء حوار المسيحية والاسلام. ويأتي المجال الثالث غير بعيد عن هذين المجالين، حيث أصدر كتاب الفسارة  (الهيرمينوطيقا) الفلسفية، بحث في تاريخ علم التفسير الفلسفي العربي، 2004 وهايدغر والفكر العربي 2015.        

[17]- فريد نيمو: كوربان من هايدغر إلى السهروردى ترجمة فريد الزاهى،  مجلة نزوى،  2012.     

[18]- المصدر السابق الموضوع نفسه.        

[19]- الموضع نفسه.   

[20]- محمد بيد هند: تحليل مفهوم الحقيقة في فكري ملاصدرا وهايدغر. ص 69.           

[21]- انظر محمد علي شمس الدين الكشف والبرهان: ملاحظات في الشعر والفلسفة مجلة المحجة العدد الثلاثون ص 163.    

[22]- مقصود محمدي: نظرية أصالة الوجود وشهوده عند صدر المتألهين ومارتن هايدغر: في الملاصدرا والفلسفة العالمية المعاصرة. بحوث مؤتمر الملاصدرا ( الإيراني ـ العربي جزيرة كيش ) مؤسسة التاريخ العربي. بيروت لبنان 2007. ص 263 – 264          

[23]- سعيد توفيق: ما هية الشعر عند حسن طلب،  الهيئة العامة لقصور الثقافة،  القاهرة،  1991،  ص23.      

[24]- سعيد توفيق: عالم الغيطاني: قراءة في دفاتر التنوير،  دار العين،  القاهرة،  ص9.  

[25]- عمارة كحلي: الموضوع الجمالي في ضوء المنهج الفينومينولوجي مقاربة جمالية في نماذج تجريدية عند الفنّان محمد خدة - دار ميم للنشر، الجزائر 2013.         

[26]- انظر اعمال الهايدغري الجزائري إسماعيل مهنانة خاصة كتابه الوجود والحداثة: "هايدغر في مناظرة العصر الحديث"، منشورات الاختلاف، دار الأمان، الرباط 2012 وتحريره كتاب من الكينونة إلى الأثر: "هايدغر في مناظرة عصره"؛ دار ابن النديم للنشر؛ بيروت 2013.      

[27]- أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات عملين عن هايدغر الأول لمحمد بن سباع: "ميرلوبونتي في مناظرة هوسرل وهايدغر" 2015، والثاني لمشير باسيل عون: "هايدغر والفكر العربي" 2015.     

[28]- فوزية ضيف الله: كلمات نتيشه الأساسية ضمن القراءة الهايدغرية، منشورات الاختلاف، دار الأمان، الرباط 2015 ومحمد أندلسي: "المتعالي وأزمة الميتافيزيقا الغربية أو هايدغر من خلال نتيشه"، دار التنوير، بيروت 2015. تخبرنا ضيف الله المتميزة في الفقرة التي تحمل عنوانا تتساءل فيه كيف يمكننا أن نقرأ نيتشه اليوم ؟ أن القراءة الفلسفية الوحيدة لنيتشه؛ هي قراءة هايدغر لأنها نفذت إلى أعماق "كلماته الأساسية ". (ص20) وتؤكد ثانية بقولها أن القراءة الهايدغرية هي التي انفردت بتقديم استحداث جذري لقراءتها وتقدم أسباب ذلك وفي مقدمتها غزارة النصوص التي سخرها هايدغر لنيتشه في الفترة ( 1936 - 1955)، وهي قراءة تبدو محاسبة "للنازية "(ص 27) ولدقتها التأويلية (ص29) ولأن ثمة ضرب من القرابة الفكرية بين نتيشه وهايدغر. ومن هنا تخلص إلى أن قراءتنا للقراءة الهايدغرية لكلمات نيتشه الأساسية، قراءة محيلة على"معضلة تأويلية كبري "(ص30).