البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مفهوم الهرمينوطيقا في فلسفة هايدغر

الباحث :  محمد سيد عيد
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  2308
تحميل  ( 350.032 KB )
يتناول هذا البحث "مفهوم الهرمينوطيقا في فلسفة مارتن هايدغر"، للأكاديمي المصري د. محمد سيد عيد، الوجه الخاص للمفهوم انطلاقاً من النص الهايدغري. وفي هذا السياق سيبيّن خصوصية القول الفلسفي عند فيلسوف الكينونة والزمان، آخذاً بأبعاده التأويلية إلى أمدائها القصوى، وإذا كان هايدغر ـ حسب الكاتب ـ قد أعاد مفهوم الهيرمينوطيقا إلى ما قبل ظهور كتاب يوهان دانهاور في القرن السابع عشر، فقد توصّل في تأويليته إلى فكرة جوهرية تشكل الجامع المشترك لمجمل تاريخ الهيرمنيوطيقا، عنينا بها فكرة التواصل بالكائن كمنهج للفهم.

المحرر

------------------

ظهرت كلمة هرمينوطيقا أول مرة في أحد أعمال يوهان كونراد دانهاور(1603-1666)[1]Johan. Conrado Dannhawero  الذي صدر باللغة اللاتينية تحت عنوان (الهرمينوطيقا المقدسة أو منهج شرح النصوص المقدسة) Hermenevtica Sacra sive Methodus exponendarum S. Literarum. يحيلنا دانهاور في أول صفحة من كتابه إلى مؤلف آخر هو بارباروس موسكوفيتس Barbaros Moscovitas وكتابه عن الهرمينوطيقا. (Dannhawero،MDCLIV,P.1).

شكل عمل دانهاور نقطة تحول في الفهم اللاهوتي بين مفسِّري النصوص المقدسة، ذلك بأن عمله يتضمن بصورة أولية عنصر تميز منهجي للهرمينوطيقا التحليلية عن المنطق التحليلي. ففي السابق كان التفسير هو المقصود من جهة المؤلف، حتى عندما يقال أن المعنى وهمٌ أو كذبٌ فهو يتطابق مع الحقيقة. وعلى النقيض، يتعامل المنطق مع الحقيقة الفعلية، بما هي تقودنا إلى الوضوح الجدير بالثقة. يطبق هذ التمييز في الهرمينوطيقا المقدسة Hermenevtica Sacra للكتاب المقدس بوصفها نموذجاً لكل النصوص الأخرى (هي في فكرة «التفسير الجيد boni interpretis). تميز الهرمينوطيقا المقدسة بين السؤال المتعلق بقصد المعنى للنصوص المقدسة والسؤال عن وجوده الحقيقي أو الزائف. إن قارئ الكتاب المقدس يجب أن يقرر عبر التفسيرات ماذا كان قصد المؤلف؟ وعبر البحث المنطقي والتحليل أو عبر الثقة في الروح المقدسة بكونها مؤلف الكتاب المقدس.  ومن ناحية أخرى، فإن محتوى الثقة (fides quae creditur) يميز شكلاً عن العقل في التصديق أو الاعتقاد (fides qua creditur). إن المشكلة الهرمينوطيقية الأولى هي الظروف التي تحيط بالقارئ والمستمع وأن تكون صحيحة في وضع يسمح بفهم المقصد التاريخي الموحى به في الكتاب المقدس. تخدم الدراسات الفيلولوجية والتاريخية للكتاب المقدس بدقة الفهم التاريخي لموقف الكاتب. يشمل هذا تحديد عواطف المؤلف ووقت الكتابة.إن الهدف النهائي هو تيسير فهم الذات ليس فقط للنص، لكن أيضا للموقف التاريخي للمؤلف الإنساني (Shantz،Douglas H.,2015,P.24-25).

فن الفهم

يُرجع هايدغر تاريخ مصطلح الهرمينوطيقا إلى ما قبل 1654 (وهو تاريخ ظهور كتاب دانهاور كما ذكرنا ). ولذا فهو يعود به إلى ما قبل الميلاد لدى أفلاطون وأرسطو. فيعدد لنا الكثير من المحاورات التي ظهرت فيها كلمة έρμηνής وέρμηνέων. يعدد في محاورة إيون والسفسطائي وثياتيتوس، وهي كانت تعنى برسول الآلهة أو المفسر الذي لديه المعانى. أما أرسطو فله في هذا المجال مواضع عدة، مثل كتاب الشعر، حيث ترد έρμηνέων بمعنى المعرفة، ويذكر هايدغر أيضاً كتاب أرسطو Περί έρμηνεας (في التفسير) (هذا ما ترجمه ابن رشد بكتاب العبارة) والذي يتحدث فيه عن اللوغوس أو الكلمة، وما تدل عليه. ثم ينتقل هايدغر إلى المعنى عند القديس أوغسطين حيث ينقلنا إلى النص المقدس الذي على الإنسان أن يفسر فقراته الغامضة. أصبحت الهرمينوطيقا فنّاً للفهم على يد شلايرماخر، ثم تحولت إلى قواعد للفهم على يد دلتاي،حيث رأى الأخير أن تحليل الفهم مثل البحث عن تطور الهرمينوطيقا يأتى في سياق بحثه عن تصور العلوم الإنسانية[2].

والحقيقة أن هايدغر ينتهي من هذا العرض التاريخي لمصطلح الهرمينوطيقا إلى فكرة واحدة هي التي تمثل الخيط المشترك لكل تاريخ الهرمينوطيقا، عنينا بها فكرة التواصل أو الاتصال. فكما أن النشأة الأولى للهرمينوطيقا اتصال بين البشر والآلهة من خلال الشاعر كما لدى أفلاطون، هي أيضاً اتصال بين الدلالة والمعنى في الكلمة أو العبارة عند أرسطو. وهي أيضاً اتصال بين الكلام الإلهي والبشر وتفسير المعنى الغامض عند دانهاور وأوغسطين ومفكري العصور الوسطى. إنها تفسير للوقائع Faktizitنt، تلك الوقائع التي نلتقي بوجودها، نراه وندركه ونعبر عنه في تصور[3]. 

لكن هايدغر سرعان ما يستخدم هذه الفكرة المحورية عن الاتصال في فهم الدازاين Dasein ذاته. والحقيقة أن الهرمينوطيقا لدى هايدغر هي فهم الدازاين. والاتصال هنا لمحاولة فهم الدازاين وأسلوب وجوده. إن الهرمينوطيقا ليست إنتاجاً صناعيًّا لنمط من التحليل يفترضه الدازاين ويتطلع إليه، لكن هي السؤال عن: ما الحاجة إلى جلب تلك الواقعة ذاتها (وهي واقعة الوجود هناك)؟ في ما هي الطريق؟ ومتى؟. إن العلاقة هنا بين الهرمينوطيقا والوقائع ليست علاقة إدراك الموضوعات والموضوعات المدركة، في علاقة السابق باللاحق، بل بالأحرى التفسير ذاته هو الإمكانية والتمييز لكيفية خاصية وجود الوقائع. إن التفسير هو الوجود الذي يجلب وجود الحياة الوقائعية ذاتها[4].

والحقيقة أننا يجب أن نتوقف هنا قليلا عند مصطلح Faktizitنt الذي يستخدمه هايدغر في عنوان كتابه الأنطولوجيا ـ هرمينوطيقا الوقائع Ontologie – Hermeneutik der Faktizitنt. فالواقعة التي يقصدها هنا من الأنطولوجيا هي واقعة الوجود وبالتحديد الوجود- هناك Da-Sein. ولكن من هو الموجود هناك، هل هو الإنسان ؟ كيف إذن يكون وجوده واقعاً ؟ ( يجب هنا التمييز بين واقع وواقعيّ، لأن الواقعيّ هنا يوضع في مقابل المثاليّ وهذا لم يقصده هايدغر، أما الواقع فهو التمثُّل والتحقُّق) وتمثُّل الدازاين في الوجود. يُعرّف هايدغر الوقائعية قائلاً: «إننا نسمى الحقيقة الفعلية Tatsنchlichkeit لواقعة Faktum الموجود الإنساني ـ التي يكونها كل موجود إنساني يوجد بالفعل ـ وقائعية[5]».

إن كون الموجود الإنساني يوجد كواقعة يعني بالنسبة لهايدغر أن الموجود الإنساني يُلْقىَ في العالم دون أن يكون له اختيار في ذلك، وما يلتقي به الموجود الإنساني المُلقْى في عالمه الخاص هو قَدَرُةُ الذي لا حيلة له على دفعه ولا اختيار له فيه. فعلى أيِّ نحو يوجد الإنسان في الواقع ـ في العالم ؟ فما الفرق بين نحو وجود الإنسان ونحو وجود المنضدة. الإنسان موجود واللوحة الفنية موجودة والصفر موجود بالمعنى الرياضي. فالشيء الطبيعي موجود وله وجود وكل موجود له وجود بنحو مختلف.  

فالوجود الخاص Existenz هي الصفة التي تنطبق على الإنسان وحده من بين باقي الموجودات «فالإنسان وحده يوجد» بينما الصخور تكون، والأشجار تكون، حتى الله يكون. فكلها عند هايدغر موجودات في مرتبة الوجود العام(Sein). ولكن لماذا تلك التفرقة ؟. إن مصطلح هايدغر  Existenz هو مرادف لكلمة «الوجود هناك»[6]. وذلك يعنى أن الإنسان وهو الكائن الوحيد من بين الموجودات الذي ينفتح على الوجود ويكتشف حقائق هذا الوجود المختفي. فهو موجود هناك بين تلك الموجودات وهو يؤثر فيها ويتأثر بها، فهو منخرط معها وبهذا يكون موجوداً ـ فى ـ العالم، وبالتالى فهو الذي يستطيع أن يصل من الوجود وفي الوجود إلى حقيقته. فهو الوحيد بين الموجودات الذي لديه قدرة «الوعي الذاتى بالوجود Selbstbewuβtsein» بينما باقى الكائنات ليس لها هذا الوعي (Ibid،P.214-215). فهذا الإنسان الذي يوجد (Exist) يحاول أن يكتشف حقيقة الوجود (Sein). ومن ثم يصبح الإتجاه من الوجود الخاص إلى الوجود العام. ولهذا كان سبب اختيار هايدغر للعنوان (الوجود والزمان Sein und Zeit) حيث إن الوجود هنا بوصفه الوجود المحجوب عن كل ميتافيزيقا سابقة. حيث كان الإهتمام بالوجود الخاص Existenz في الماضى، فالإهتمام بوجود الموجودات وليس بالوجود ذاته Sein. فالإهتمام بالموجود وليس بالذى يجعل الموجود يوجد. أو بعبارة أخرى الذي يجعل من الموجود موجودًا، فأين هو الضوء الذي يُنير ولا يستنير ؟!. ذلك ما حاول هايدغر أن ينبه إليه في كتابه «الوجود والزمان».

فالواقعة هنا هي واقعة وجود الدازاين هناك das Da-Sein، إمكانية الوجود وذلك هو التساؤل الهرمنيوطيقى عنه. إن التساؤل الأساسي في الهرمينوطيقا لدى هايدغر هو الوجود برؤية الموضوع الذي هو الدازاين. فهو الوجود على الطريق being-on-the-way في ذاته لذاته. وطبقا لهذا التساؤل الأساسي نجد كل خصائص الوجود ـ الأونطيقى من قلق واضطراب وزمانية[7].

والحقيقة أن المصطلح الأخير وهو الوجود ـ الأونطيقى أو الأنطولوجيا هي ما شكلت عنوان كتابه «الأنطولوجيا ـ هرمينوطيقا الوقائع». فذلك العنوان يعني أن الانطولوجيا هي الهرمينوطيقا أو هرمينوطيقا وقائع الوجود. فالواقع هنا هو ـ كما يقول ـ سوف يستخدم كسمة الدازاين الذي يخصنا وهي تعني أنه في كل مرة يكون الدازاين موجوداً هناك في زمن محدد فإنّه يشكل ظاهرة. إنها ظاهرة للتواقع أو الوقوف هناك في زمان ما[8].

إن هذا الفهم لدى هايدغر نابع من الاصطلاح ذاته، إذ ينقسم إلى شقين onto، logy وهي في الأصل اليوناني οντος وهي تعني في اليونانية معنىً مزدوجاً، تعنى الموجود الحاضر وتعني أيضاً الحضور والوجود. أما الجزء الآخر فهو λογος وهي الكلمة. ولو أننا ترجمناها ترجمة حرفية عن اليونانية لقلنا (كلمة الوجود) أو (كلمة الموجود). ولكن السؤال هنا هو: أي وجود نبحث له عن كلمة ؟

إن الوجود الذي يبحث عنه هايدغر أو الوجود الذي نبحث له عن كلمة هو وجود الدازاين. فعلى أيِّ نحو يوجد الدازاين؟ وما ماهيته؟ وما هو الدازاين Was ist das Dasein? هنا نحن نطرح السؤال على هايدغر باللغة الألمانية الذي يعنى حرفياً (ما هذا الشيء الذي يسمى دازاين؟) بهذه الصيغة من التساؤل طرح هايدغر سؤاله عن الفلسفة على طريقة سقراط بما هذا τί εστιν?. إننا نطرح السؤال بهذه الإمكانية لأن الفلسفة ذاتها لدى هايدغر هي «أنطولوجيا فنومنولوجية كلية، تنبع من هرمينوطيقا الدازاين بوصفها تحليلاً للوجود الإنساني» (Heidegger،1977،S.51)

والحقيقة أن هذا التعريف للفلسفة هو تعريف يقوم بسجن كل شيء ويختزله إلى كلمة واحدة وهي "الدازاين". صحيح أن هذا المصطلح الذي لم يكن جديداً على تاريخ الفلسفة ـ هو يُعلي من قيمة الإنسان ويميِّزه عن باقي الموجودات من حيث اتصاله بالوجود، وصحيح أيضاً أن الهرمينوطيقا هي اتصال بين الشاعر وشعره والرسول والآلهة..الخ... إلا أن الفلسفة تصبح حبيسة الأنطولوجيا بالطريقة الفنومنولوجية. فالمنهج الوحيد لدى هايدغر هو المنهج الفنومنولوجي وهو يعلن عن ذلك ويضعه بصراحة كمنهج للوجود والزمان. ومن ناحية أخرى فإن الفلسفة هي البحث في الوجود فقط وكأن الفلسفة ليست على علاقة بأيّ علوم أخرى أو مجالات أخرى. وذلك على الرغم من أن نظرة اليونان للفلسفة كانت مغايرة تماما لهذا التصور، حيث تضمّ الفلسفة كل العلوم. صحيح أن هايدغر تحدث عن مثال الشجرة لدى ديكارت، وهي أن الميتافيزيقا هي الجذر الذي يمدُّ فروع شجرة الفيزيقا، ولكن أن تظل الفلسفة حبيسة الوجود فهذا لم يكن من العودة إلى الأصول كما اعتاد هايدغر أن يأخذ المعنى بالرجوع إلى الأصول اليونانية. فكما أن اليونان هم أصل الفلسفة وأصل كل تقدم كما اعترف هايدغر صراحة في محاضرته (ما الفلسفة؟)، كذلك فإن اليونان لم يحددوا مجالاً واحداً تبحث فيه الفلسفة. ومن ناحية أخرى أن الهرمينوطيقا ليست هي فقط المفسِّرة للدازاين. صحيح أن كل نص يقوم بتفسيره شخص ما، بيد أن هذا التفسير يمثل طبيعة الإنسان ذاته وأن التفسيرات هي تمثيل وتحقيق لطبيعة وجود الإنسان وماهيته. وإن كان هذا المفهوم غامضاً لدى هايدغر، إلا أن هذا التصور هو أشبه بتصور هيغل عن الفكرة وكيفية انبثاقها من العالم. مثلاً إذا قام ناقد فنّي بتفسير عمل درامي، فكيف يمثل هذا التفسير فهماً للدازاين ؟ وما الوجود الذي يشير إليه. هل هو وجود العمل الخيالي أم الواقعي؟ حتى نظرة هايدغر إلى الفن تبدو مختزلة إلى النظر للوجود وحقيقته. ومن ثم فإن تعريف هايدغر هنا للفلسفة هو تعريف متعسِّف ومنحاز والانحياز إلى الوجود إضافة إلى حصر مهمة الهرمينوطيقا في تفسير الدازاين.

فما هو الدازاين إذن ؟. هذا المصطلح يدل عند هايدغر على وجود الإنسان في العالم؛ وعلى أي نحو يوجد الإنسان في العالم. ولذا يطلق على هذا النحو الوجودي للإنسان (Dasein) وهو يعني حرفياً في اللغة الألمانية موجود هناك Da = there    Sein = being؛ وهناك مدرسة في التحليل النفسي تسمى بهذا المصطلح وتعرف باسم مدرسة تحليل الموجود الإنساني أو Daseins analysis، وهي تعارض مدرسة فرويد Freud  في التحليل النفسي، تأتي لتحليل الموجود الإنساني أو أحوال الموجود الإنساني في العالم من حيث هو موجود مَرْمِيٌّ في العالم، أو هو موجود مقذوف به في العالم. وهذا حال من أحوال الوجود الإنساني فكلنا مَرْمِيٌّون  في العالم، مقذوف بنا في العالم على غير إرادة منا. فَوعِينا لنجد أنفسنا في العالم بغير إرادتنا، وانزلقنا إلى العالم فلم يؤخذ رأينا في ميلادنا، فهو حال من الارتماء Geworfenheit[9].

إن الوجود هناك Da-Sein نفسه، من حيث هو مُلْقًى يسكن في رمية الوجود بوصفها قدرَة المقدور، لكننا يجب ألّا نفهم من هذا أن الإلقاء حقيقة فعلية منتهية،كما أنه ليس أيضاً واقعة مغلقة، بمعنى أنه ليس تعبيراً عن وضع نهائي للإنسان يقهره في كل أمره ووجوده. صحيح أن هناك من الأمور ما لا نملك له دفعا لكنها لا يمكن أن تكون عقبة أمام تحقيق الموجود لوجوده الأصيل والذي هو دائما وجود هناك نحققه عندما نمارس الاستباق ولا نبقى رهنا لـ «ما كان»، أي الذي تعبر عنه الوقائعية. ولقد كانت الخطوة الأولى هي أن نجيب على التحدى الأكبر للهناك Da وذلك لأن الهناك das Da عند هايدغر تحدث الإنارة  lichtung التي تؤكد على استنارة الموجود من نور الوجود بوصفه موجودا في العالم، أو بالأحرى بوصفه وجوداً ـ في ـ العالم In-der-welt-sein [10].

لنتوقف هنا قليلا ونسأل أولا: ما معنى العبارة الأخيرة بأن ننظر إلى الوجود بوصفه وجوداً ـ في ـ العالم. وثانيا ما فائدة هذه الشرطات التي يضعها هايدغر بين الكلمات ولماذا يضعها ؟. وثالثاً ما علاقة هذا الوجود في العالم بموضوع بحثنا عن مفهوم الهرمينوطيقا ؟

يقول هايدغر في الصفحة الأولى من كتابه الوجود والزمان Sein und Zeit:

«هل لدينا اليوم إجابة عن السؤال عمّا نقصده من المعنى الحقيقى للفظ «موجود» ؟ كلا. كذلك هل نحن اليوم أيضاً في حيرة فقط لأننا لا نفهم تعبير «وجود» ؟ كلا. كذلك يجدر بنا أولا ومرة أخرى أن نوقظ في أنفسنا فهم معنى هذا السؤال»  (Heidegger،1977،S.1).

ومعنى هذه العبارة أننا لا يمكن أن نفهم معنى لفظ «موجود» إلا إذا فهمنا أولا معنى لفظ «وجود». فكما أننا لا يمكن أن نفهم الموجود إلا بفهم الوجود كذلك لا يمكن فهم نصوص الإنسان إلا بفهم وجوده. وكما سبق وأن أشرنا أن الهرمينوطيقا عند هايدغر هي أساسا فهم لأسلوب وجود الإنسان في العالم،ومن شأن فهمنا لوضع الإنسان في العالم وأسلوب وجوده أن نفهم ما يقوم به الإنسان من شرح وفهم وتحليل للنصوص. إن الهرمينوطيقا هي هرمينوطيقا الوقائع أي وقائعية الدازاين في العالم. فماذا تعنى الوقائعية، إنها تعنى صفة ما هو واقعة وهي تطلق على حال الإنسان من حيث إنه في العالم وممكن لأنه لا يختار أن يوجد، ولأنه محدود في اختياره. (بدوي في سارتر، 1966، ص9)

إن تفسيرنا لهذه الوقائعية هي عين الهرمينوطيقا الهايدغرية، ولكن كيف نفهم هذه الوقائعية اللهم إلا بعد أن نفهم وضع الوجود ـ في ـ العالم. فماذا تعنى إذن هذه الوضعية من الوجود ؟ ماذا يعنى أن يوجد الإنسان وسط الموجودات. فعند هايدغر أنه مثلما يكون الإنسان مقذوفاً في العالم فان العالم مقذوف في الإنسان ولا انفصال بين الطرفين والعلاقة بينهما علاقة عضوية وليست علاقة مكانية. ويؤكد هايدغر ذلك بوضع الشرطات الوجود ـ في ـ العالم In-der-welt-sein.

إن الوجود في العالم يعني ـ من وجهة نظر هايدغرـ أن الموجود الإنساني يفهم وجوده وأيضاً وجود سائر الموجودات الاخرى بقدر ما يفهم العالم، أو بالأحرى بقدر ما يفهم أنه وجود في العالم، وبحيث يمكن أن يكون وجوده أو لا يكون. ويستند هايدغر إلى هيراقليطس لتوضيح أن الوجود ـ في ـ العالم كيفية تنتمى للموجود الإنساني الذي يقول في إحدى شذراته «للأيقاظ عالم واحد مشترك أما النيام فلكلٍّ عالمه الخاص «فاليقظة ـ والتى لا تكون إلا بالفهم ـ تجعل الموجود الإنساني منفتحا على الوجود، أما النوم ـ والذى يشير إلى غفلة الموجود في وجوده ـ فهو يغلق الموجود الإنساني على نفسه، ويعزله عن وجوده وفي كلتا الحالتين يبقى العالم / الوجود وجود الموجود. (جمال سليمان، 2009، ص113).

ويقسم هايدغر عبارته عن الوجود ـ في ـ العالم إلى ثلاثة مظاهر فنومنولوجية: في العالم in der welt، الموجود Seiende، الوجود في In-sein. ففي العالم تتكون البنية الأنطولوجية وتتعين فكرة العالمية weltlichkeit، أما الموجود فهو الذي يتحقق فيه سؤال من ؟ فهو الذي أُلقِيَ به في العالم دون إرادة منه. أما الوجود في In-sein فيلجأ في شرحها إلى بعض الأمثلة، فهى ليست علاقة مكانية مثل الماء في الكوب أو الملابس في الدولاب ولكن العلاقة هي علاقة وجودية Existentzial. وذلك يحدث من خلال المصدر Sein والفعل منه أكون bin. فماذا تعني أنا أكون Ich bin ؟ إنها تعنى السكن مع wohnen bei فهى مرتبطة بـ bei وهي تعني أنا أسكن وأقيم عند.. العالم(Ich wohne،halte mich auf bei … der welt» , (Heidegger.1977,S.72 - 73». إن وجود الدازاين هنا هو وجوداني Existentzial  وكذلك أسلوبه في العالم وعلاقته به هي علاقة وجودية عضوية. إن وقائعية الدازاين هي تفسيره من هذا المنطلق الوجودي.

ومن هذا المنطلق الوجودى للدازاين يبدأ هايدغر تفسير الدازاين في أمثلة تطبيقية للهرمينوطيقا وهي: تفسير الدازاين في الوعي التاريخي، تفسير الدازاين في الفلسفة.

[4]

يبدأ هايدغر حديثه عن الوعي التاريخي بتعريفه للماضي[11] بأنه الوجود المعبر عن شيء ما being-an-expression. فهو مُعَبِّرٌ عن شيْءٍ ما لم يعد حاضراً. فلدى هايدغر فكرة رئيسية عن أن الوعي التاريخي هو مفسر لوجود الدازاين، بوصفه نمطاً للوجود العام في الحياة. إن هذا النمط من التفسير هو ما يجعل من ذاته حاضراً ومقدما لنفسه للعامة في نمط من وجوده أي من خلال التفسير ذاته. وهذا يعني أن الوعي التاريخي هو«هناك» في كل نمط يجلب ذاته إلى فضاء مفتوح للعمومية بتحديد التفسير الذاتي، فهي تحتفظ بذاتها في تلك العمومية، بأن تبقيها، وتنشرها. في هذا الوعي الذاتي نجلب إلى اللغة ما يعتقد أنه كل شيء ومتعلق به، ويفعل هذا الأمر بدازاين الحياة ذاتها. إن نمط تفسير الدازاين، تفسيره الذاتي في الحقل العامي هو طبقا لتعبير ما يعتقده الدازاين ذاته بأنه كل شيء متعلق به. يحتاج هذا الأمر إلى تسليط الضوء على التفسير الذاتي للوعي التاريخي مطابقة مع خارج التفسير الذاتي للتفلسف.(Heidegger،1999,P.43)

تبدو فنومنولوجية هايدغر بصراحة من القراءة الأولى للفقرة السابقة؛ يبدو ذلك بوضوح في تعريف هايدغر للماضي بأنه شيء معبر عن شيْءٍ ما، وهي لا تعني إلا فكرة الإحالة reférence  وقد ذكرها صراحة. والإحالة إلى شيْءٍ ما هي نفسها فكرة القصدية intentionalitنt الهوسّرلية، فيعرفها هوسّرل بأنها تلك الخصوصية للخبرة بوصفها وعيا بشيءٍ ما (Husserl E.،1913,S.168).

فالقصدية هي الوجود المتوجه للوعي، أي هي الوعي في حالة كونه متوجها نحو شيء آخر غيره، أي في حالة تجاوزه لذاته وتخارجه عنها قاصدا مطلوبه، بغية إدراكه وفهمه ومعرفته. ولكى يؤكد هسرل هذه الدلالة الأنطولوجية للوعي وارتباطه بالوجود ارتباطاً ماهوياً قصدياً وعضوياً، يلجأ إلى كتابة المصطلح هكذا Bewuβt-sein (محمود رجب، 2006، ص99-100)، فالوعي هنا لديه لا يعنى إلا وعياً بوجود ما ارتبط معه عضويا وليس مكانيا ذلك ما يفسر إشكالية الشرطات، فوفقا للقصدية يصبح الوعي وجود ـ نحو ـ العالم أي وجوداً ـ وجدانياً [12] منجذباً نحو العالم ومرتبطاً به عضوياً.

كذلك فإن الهرمينوطيقا تحيلنا من النصوص إلى ما هو خارجَها كي نقوم بتفسيره وتأويله. وهي نفسها الإحالة إلى شيءٍ ما كموضوع للفنومنولوجيا. ويؤكد هايدغر على أن هرمينوطيقاه هي هرمينوطيقا فنونمولوجية قائلا:» إن المعنى المنهجى للوصف الفنومنولوجي هو التفسير. إن لوغوس فنومنولوجيا الدازاين هو سمة الهرمينوطيقي، والذي من خلاله يرتبط الدازاين ذاته بفهم الوجود بالمعنى الحقيقي للوجود والذي من خلاله أيضاً سيجعل من البنية الأساسية للوجود معروفة. إن فنومنولوجيا الدازاين هي الهرمينوطيقا بالمعنى الأصلي للكلمة، وهي التي تسمى بعمل التفسير (Heidegger M.،1977،S.50).

 ووفقا للتعريف السابق للهرمينوطيقا الفنومنولوجية يجب أن ننظر إلى التاريخ والوعي التاريخي. وقد استشهد هايدغر بحديث شبنغلر عن النقص الذي نجده في الملاحظة التاريخية. فالموضوعية التاريخية لا تتحقق في ما يرى شبنغلر إلا فقط عندما ننجح في رسم صورة التاريخ التي لا تعتمد على وجهة النظر المشروطة بالملاحظة في التاريخ «الحاضر». إن تحرير التاريخ من الأحكام المسبقة الشخصية الخاصة بالملاحظ، التي لم تعد أبداً في حالتنا أكثر من تاريخ لجزء من الماضي، إذ يفترض أن حاضر الغرب الأوروبي هو هدف التاريخ، وأفكاره العامة واهتماماته بمعيار تحديد منجزات الماضي وما سوف ينجز في المستقبل هذا هو الهدف من كل ما يلى(Heidegger M.،1999،P.43-44).

فيرى هايدغر أن هذا التفسير الذاتى يضع الوعي التاريخي نفسه قبل مهمة الفوز بالنظرة العامة «للحقيقة الكلية للإنسان» أي جلب الدازاين الإنساني داخل نظرة الطريقة الموضوعية المطلقة. فلم يعد التفسير الذاتي بسيطا لتقديم الوعي التاريخي مثل المعرفة لذاتها والمعرفة عن ذاتها، لكن بالأحرى ترتبط بذاتها بمثل النمط الذي يدفع الماضي مواجها في النمط الموضوعي غير المتحيز. إن لدى الوعي التاريخي حاضر الدازاين قبل ذاته بالطريقة المساوية لما في الماضي، وهذا يعني أن ذلك الوعي لديه مسبقا مستقبل للدازاين موضوعي قبل ذاته في المطابقة بالخاصية التاريخية التي وضعت في البداية.  إن التقدم والحساب المسبق للمستقبل وتدهور الغرب لم يكن نزوة أو مزحة رخيصة من شبنغلر للجماهير، لكن بالأحرى تعبير مترابط منطقيا لواقعة بخصوص الإمكانية الأساسية المسبقة والوعي التاريخي الحقيقي بالنهاية، (الذى لم يكن بعد، فعليا الحاضر عندما ندرسه ـ نقرؤه ونتنبأ بالمستقبل عن طريق المقارنة) (Heidegger M.،1999,P.45).

سبق أن ذكرنا أن الدازاين ونحوَ وجود الإنسان موجودٌ وقائعي فكيف يتعامل التاريخ مع تلك الوقائع؟. من هذا المبدإ للوقائعية فإن تاريخية الموجود الإنساني لا يمكن أن تتحدد في الوقائع المادية أو حتى في الثقافة ومظاهر التقدم، أو عبر ما يحققه من إنجازات في فروع العلم المختلفة؛ لأن الربط بين تاريخ هذا الموجود ومثل هذه الوقائع والحوادث يقوم على أساس من فهم علاقة الذات/ الموضوع، تلك الثنائية المتغلغلة في كل شيء حتى التاريخ ولا يمكن بأيّ حال تصور التاريخ على هذا النحو، فإذا جاز لنا أن نصف الوقائع الماضية بأنها تاريخية فإننا لا نعرف لماذا لا ننعت بهذه الصفة نفسها الوقائع الحاضرة التي يجب أن تحدد التاريخ للمستقبل، والواقع أن هذا ما نفعله أيضا. فالصحف لا يفوتها أن تعلن مقدما أن هذا الحدث المعاصر أو المقبل سيكون حدثا تاريخيا، فكيف ينبغى أن نفهم الوقائع التاريخية من حيث إنها وقائع تخص الموجود الإنساني ؟، يقول هايدغر يجب «النظر إلى وقائع التاريخ على أنها وقائع للوجود في العالم» لأن ثمة ارتباطاً ماهويًّا بين الوجود وتاريخ الموجود الإنساني، إذ يقول هايدغر «إن تاريخ الوجود يحمل ويحدد كل ظرف وكل موقف إنساني». فالتاريخية التي يريد هايدغر أن يؤسسها هنا تاريخية فردية وكل الأحداث والوقائع التي تحدث إنما تكتسب قيمتها التاريخية فقط بوصفها وقائع للموجود وليس بوصفها تاريخية في ذاتها، أي أنها تكتسب تاريخيتها من الموجود (جمال سليمان، 2006،ص 191-192).

إن تمثل شبنغلر بالتحديد في هذا النمط الذي يجب فهمه في ذاته في اتفاقه مع ممكناته هو الذي جعل الوعي التاريخي اليوم حاضرا ووضعه إلى الأمام. إن العلوم التاريخية الإنسانية لم تكن واعية بأخطاء أسر التخصص الدقيق للبحث. فتاريخ الفن مثلا يحاول أن يرفع من ذاته بمخطط «عقلي» من خلال محاكاته. وبدلا من ذلك فإنّ مجال كل تخصص هو التركيز على موضوعاته، كما يفعل تاريخ الفن في ذاته، وكذلك سمة وجوده، والإمكانية المناسبة للوصول إلى التعريف به. إن سوء الفهم في محاكاة تاريخ الفن يأتى من محاكاة العلوم الأخرى له فهي تفهمه ولا تفهم نفسها (فهى تفهمه من حيث هو أسلوب وتعبير وشكل ) أما في ما يخص موضوعه فنجد الالتباس. كذلك فإن سوء فهم الدين يأتي من عمق الدازاين عندما يدخل تاريخ الدين في لعبة رخيصة للأنماطِ والأشكالِ، والأمرُ نفسُه ينطبق على تاريخ الاقتصاد والفلسفة والقانون (Heidegger M.،1999،P.45).

فالوعي التاريخي إذن هو وعى بواقعة وجود الإنسان في العالم وغير ذلك هو تضليل وإقصاء لحقيقة التاريخ ذاته. وكذلك فان تركيز الهرمينوطيقا على النصوص هو تضليل تاريخى تقوم فيه الهرمينوطيقا بنسيان تأويل تطبيقها على الحياة الإنسانية في معناها الأساسى. (Michael Groβheim،2012،S.143)

[5]

وكما هو الحال في الوعي التاريخي الذي يركز على وعي الدازاين، كذلك فإن الفلسفة هي الأخرى مبحثُها الأساسى هو الدازاين. وقد وضع هايدغر مجموعة من النقاط التي من خلالها تفسر الفلسفة الدازاين وهي:

-1 بوصف أن الموضوعية العلمية نوع من الفلسفة تعد الفلسفة في حقائقها المطلقة المتحررة من وجهات النظر والتعسف غير القابل للنقد في فلسفة رؤى العالم والصورة المحددة للحياة هي فلسفة طبيعية. إن موضوعية التعريف ونمط المعالجة الموصوف يجعل من الفلسفة ملجأً مناسِباً لحماية الدّازاين من النسبية المطلقة.

-2 وبوصف هذه الموضوعية نوعاً من الفلسفة، فهي تجعل من الدازاين ذاته موضوعاً لنظرة الواقعية. فهي لم تكن فقط محض فلسفة رؤى للعالم، لكن هي الرؤية الممكنة للعالم هي فرصة الوجود المتجه نحو النقاط الأساسية في الإحالة لتعزيزها.

-3 إضافة إلى ذلك، فإن هذه الموضوعية العلمية لهذا النوع من الفلسفة هي مجرد سعي أكاديمي قليل جداً لِمن يهرب من الحياة ويتخلى عن لذّاتها للتعالي للوصول إلى ما هو ما وراء الحياة التي هي الحياة ذاتها. وبصورة ديناميكية، إن النظام ذاته لديه تحديد لسمة عملية الحياة ذاتها، أي بمعنى، أن الفلسفة وحدها لديها ما يتطلبه «الفرد» اليوم من هذا الدازاين وهو ما نطلق عليه وجود «الحقيقي في الحياة».

-4 إن نوع الفلسفة الذي هو «الحقيقي في الحياة» هو فلسفة هي دون أن تكون من أجل «مجرد» الذاتية، فهي كلية وعينية في وقت واحد، أي أن ما يوجد في هذا العرض هو ما يوجد بحاجة عامة له وذلك بعيداً عن التخصص ووجهات النظر التافهة قصيرة النظر للمشكلات. (Heidegger M.،1999,P.50)

لقد أضحى مفهوم الهرمينوطيقا لدى هايدغر مقصوراً على وجود الإنسان وكيفيته وعلاقته بالوجود العام. إن هرمينوطيقا النصوص وفقا لهذا المفهوم هي هرمينوطيقا مضللة لأنها تقوم بنسيان الوجود على حساب الموجود. إن الهرمينوطيقا بهذا المفهوم هي فنومنولوجيا أصيلة، فموضوع قصديتها هو الدازاين وتتعامل مع ظاهرته الوقائعية في علاقتها العضوية مع العالم. لقد أعلن هايدغر صراحة أن الهرمينوطيقا هي فنومنولوجيا الدازاين أو فنومنولوجيا واقعة الدازاين في العالم.

وتلك النتيجة لمفهوم الهرمينوطيقا ناتجة من أساسين هامين: المنهج الفنومنولوجي، وقاعدة  نسيان الوجود seinsvergesenheit. وقد استخدم هايدغر المنهج الفنومنولوجي للقضاء عل هذه القاعدة ومن خلاله يتم معاودة سؤال الوجود Die seinsfrage، لنسترد قيمة الموجود في علاقته مع الوجود الأصيل. فالوقائع التاريخية المفردة ليست كافية للكشف عن هذه الهوية الأصيلة في الإنسان وعن واقعة وجوده وأسلوبه في العالم. كذلك فإن الآراء الذاتية في الفلسفة لا تكشف عن العلاقة الحقيقية بين الإنسان والموجودات والوجود والتي تتجلى في ما هو مَعِيش والتي هي تجلٍّ لفكرة العالم المَعِيش lebenswelt ونتعامل معه من خلال التجربة المَعِيشة، تلك التجارب الإنسانية التي تضع وجودية existenzial الإنسان أمامنا موضع اهتمام ودراسة. كذلك فإن دراسة الفن وتاريخه لدى هايدغر ليست محض دراسة للأشكال والألوان والتعبيرات.. الخ، بل هي دراسة لعلاقة الفن بالحقيقة، أي بحقيقة الوجود وعلاقة الإنسان به وإلا كان الفن مُضِلّلاً وزائفاً. هكذا تكشف الهرمينوطيقا عن الطبيعة الأنطولوجية للإنسان بوصفها ممارسة فنومنولوجية.

مراجع البحث

المراجع العربية:

 غادامر (هانز جيورج)، فلسفة التأويل، ترجمة محمد شوقى الزين، منشورات الاختلاف، بيروت، 2006.

سليمان (جمال محمد أحمد)، الوجود والموجود، دار التنوير للطباعة والنشر، 2009.

رجب (محمود)، محاضرات في الميتافيزيقا القيت عام 2002 في جامعة القاهرة.

رجب (محمود)، المنهج الظاهرياتى في الفلسفة المعاصرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2006.

سارتر (جان بول)، الوجود والعدم، ترجمة عبد الرحمن بدوى، دار الآداب، بيروت، 1966.

المراجع الأجنبية:

A Greek –English Lexicon to the New Testament،revised by Thomas Sheldeon Green،M.A،London،1976.

Cellérier J.E.: Biblical Hermeneutics،trans. By Charles Elliott،D.D،Rev. by William Justin Harsha،N.Y،1881.

Dannhawero،Johan. Conrado: Hermenevtica Sacra sive Methodus exponendarum S. Literarum ,Argentorati،Anno MDCLIV.

Shantz Douglas H.: A Companion to German Pietism،1660- 1800،Brill’s Companions to the Christian Tradition،Netherland،2015.

Kaufman،Walter: Existentialism from Destovsky to Sartre،New York،1956.

Heidegger M.: Ontology –the Hermeneutics of Facticity،translated by John van Buren،Indiana University،USA،1999.

Heidegger M.: Gesamtausgabe،Band2،Sein und Zeit،Frankfurt am Main,1977.

GROβHEIM،MICHAEL: Hermeneutik der Faktizitنt،überlegungen im anschluss an Heidegger،ISSN 1734- 9923„Analiza i Egzystencja» 19 (2012).

[1]*ـ أستاذ الفلسفة ـ كلية الآداب ـ جامعة القاهرة ـ مصر.

ـ  هو عالم لغوي لوثري لاهوتي ولد في 24 مارس 1603 بفرايبورغ ألمانيا وتوفي في 7 نوفمبر 1666. بستراسبورغ كان أستاذا في علم الخطابة واللاهوت وله العديد من المؤلفات منها: شرح كتاب التعليم المسيحى (بالألمانية)، حكمة المسيحيين من اللاهوت الايجابي (باللاتينية)، كتاب الضمير أو لاهوت الضمير (بالألمانية).

[2]- (Heidegger M.،1999،P.6- 11).

[3]- (ibid،P.11).

[4]- (ibid،P.12).

[5]ـ (جمال سليمان، 2009، ص109).

[6]- (Kaufman،Walter،1956،P.213).

[7]- (Heidegger،1999،P.13).

[8]- (Ibid،P.5).

[9]ـ (محمود رجب، 2002).

[10]ـ (جمال سليمان، 2009، ص109-110).

[11]ـ  يستخدم هايدغر كلمة  gewesen للتعبير عن الماضي بدلا من استخدام الكلمة المعتادة Vergangenheit التي يعود أصلها إلى الفعل vergehen بمعنى ينقضي أو يزول، وفضّل استخدام التصريف الثالث من الفعل sein يكون أو يوجد Gewesen الذي يعني «ما كان» ليحتفظ بمعنى الوجود أو الكينونة حتى في الماضى، وقام بتقسيم كلمة الحاضر Gegen-wart على هذا النحو ليعبر عن أصلها الذي تعود إليه، فالمقطع الأول من الكلمة يعنى نحو أو اتجاه، بينما المقطع الثانى من الكلمة يعني حفظ أو صيانة أو حراسة، وكأن الحاضر صيانة أو حراسة أو حفظ ظاهرتي الزمانية الأخريين أي ما كان والمستقبل. (جمال سليمان، 2006، ص193)

[12]ـ   استخدمت هنا مصطلح أستاذي د. محمود رجب الذي يربط فيه بين الوجود والوعي. إذ يقترح ترجمة الكلمة الألمانية bewuβtsein بـ «الوجدان». وذلك ترجمة لما يقصده هسرل من المصطلح الألماني والذي يترجم عادةً وحتى الآن بالوعي. ولكن كان رأي أستاذنا أنه « ليست هناك ـ على ما نعلم ـ كلمة في اللغة العربية أصدق ولا أبلغ في تعبيرها عن هذا المعنى من كلمة الوجدان فالوعي وجدان، فلو جردنا هذه الكلمة من دلالتها النفسية والشعرية المألوفة ورجعنا بها إلى أصلها اللغوي البكر، لوجدنا أنها تجمع في آن معا بين معاني: الوجود، والوجد (الخروج من، والانجذاب نحو)، والقدرة على المعرفة. وإذا نظرنا في معاجم اللغة ( وخاصة، لسان العرب، وأساس البلاغة للزمخشري، والمنجد ) فسوف نجد أن من بين المصادر «وجد» الوجود والوجد والوجدان، وتأتى وجد بمعنى علم، ووجد المطلوب: أدركه والوجد يقال بمعنى القدرة، يقال: هذا من وجدي أي من قدرتي ويقال: «أنا واجد للشيء»  أي قادر عليه. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن من بين تعريفات هوسرل العديدة للوعي تعريفه بأنه أنا أقدر.. وتعريف الوجود عند ابن عربي هو: وجدان الحق في الوجد.