البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الإيديولوجية الصهيونية والغرب ( رحلة التوظيف من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا )

الباحث :  أشرف بدر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2017 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 6 / 2017
عدد زيارات البحث :  2659
تحميل  ( 462.764 KB )
تسعى هذه الورقة للإجابة عن سؤال يتعلق بماهية العلاقة بين الاستشراق وكلٍّ من الصهيونية والإسلاموفوبيا كفعل إيديولوجي. تنطلق فكرة البحث من فرضيتين أساسيتين: تفيد الأولى، أن الاستشراق مهّد للصهيونية من خلال محاولة إثبات الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وأما الثانية فتفيد بأن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي عبارة عن امتداد لظاهرة الاستشراق.
ملخص هذه الورقة يبيِّن أن أعمال بعض المستشرقين مهدت الطريق أمام الحملات الاستعمارية الأوروبية بل عمل بعضهم بشكل مباشر في خدمة الاستعمار البريطاني وحلفائه، وكانت النتيجة أن الاستشراق ومن خلال «المعرفة» راح يوفِّر كل الشروط اللازمة لترجمة القوة وفرض السيطرة الاستعمارية على فلسطين.
المحرر
-------------------------------------------

تنسب المصادر الصهيونية لناثان بيرنباوم (Nathan Birnbaum) ابتكار مصطلح «الصهيونية» سنة 1890، إذ تعرف نفسها كـ «حركة تحرر وطني هدفها عودة الشعب اليهودي لوطنهم واستعادة السيادة على أرض إسرائيل»[2]، وهذا ما ذهب إليه المستشرق برنارد لويس ( Bernard Lewis) حيث عدَّ الصهيونية حركة تحرر وطني للشعب اليهودي[3]. بينما يرى عبد الوهاب المسيري أنه من الصعب تعريف الصهيونية وذلك لعدة أسباب، من أهمها أن المصطلح يشير إلى نزعات وحركات ومنظمات سياسية غير متجانسة بل متناقضة أحياناً في أهدافها ومصالحها ورؤيتها للتاريخ أو في أصولها الإثنية أو الدينية أو الطبقية[4]. ومع إقرارنا بصحة ما ذهب إليه المسيري، إلا أن أصول البحث العلمي توجب اعتماد مفهوم محدد للمصطلحات الأساسية التي يدور حولها البحث، مع العلم بأننا سنصطدم بتعريفات مجزوءة للصهيونية، كتعريف قاموس أكسفورد ( Oxford Dictionary) لها بأنها: «حركة سياسية اهتمت بشكل أساسي بإقامة دولة مستقلة للشعب اليهودي، وهي الآن تهتم بتطوير دولة إسرائيل»[5]. بالرغم من ذلك، فإننا سنعتمد في بحثنا على تعريف موسوعة السياسة الذي ينص على أن الصهيونية: «دعوة وحركة عنصرية دينية استيطانية إجلائية مرتبطة نشأة وواقعاً ومصيراً بالإمبريالية العالمية، تطالب بإعادة توطين اليهود وتجميعهم وإقامة دولة خاصة بهم في فلسطين بواسطة الهجرة والغزو والعنف كحل للمسألة اليهودية»[6]، مع تحفظنا على تعريفها كحركة دينية، فالصهيونية استخدمت الدين كأداة إضافة إلى أن معظم مؤسسي الصهيونية علمانيون.
اختلف الباحثون في مجال الاستشراق حول تعريفه كمصطلح؛ فهل هو حركة أم علم أم ظاهرة، فأحمد بهنسي يرى بأنه «حركة علمية غربية (أوروبية) هدفها دراسة شؤون الشرق كافة (سياسية/ اقتصادية/ تاريخية/ جغرافية/ أنثروبولوجية) لخدمة الأهداف الاستعمارية للسيطرة على بلدان العالم الشرقي (الإسلامي)»[7]. بينما نجد أن المستشرق الألماني رودي بارت (Rudi Paret) يذهب إلى أن كلمة الاستشراق مشتقة من كلمة شرق، وكلمة شرق تعني مشرق الشمس، وعلى هذا يكون الاستشراق عبارة عن «علم الشرق أو علم العالم الشرقي»[8]. أما مالك بن نبي فيرى أن المستشرقين هم الكتاب الغربيون الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية، والذي يمكن تصنيفهم من حيث الزمن إلى طبقة القدماء كجرير دريياك والقديس توما الأكويني(Thomas Aquinas)، وطبقة المحدثين مثل كارّا دوفو( Carra de Vaux) وغولدتسيهر(Goldziher)، أو تصنيفهم من حيث الاتجاه العام نحو الإسلام والمسلمين في كتاباتهم؛ فهنالك طبقة المادحين للحضارة الإسلامية وطبقة المنتقدين لها المشوهين لسمعتها[9]. وذهب إدوارد سعيد إلى اعتبار الاستشراق ظاهرة، معرفاً إياه بأنه «أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلط عليه»[10]. في هذا البحث سيُعتمَد على تعريف سعيد، وذلك لدقة رؤيته وتعريفه للاستشراق.
قسّم سعيد الاستشراق في كتابه إلى الاستشراق الجامعي، والاستشراق المسيحي الغربي أو الديني، والاستشراق المعلمن المبطن، والاستشراق السياسي، بينما يجد أحمد سمايلوفيتش (Ahmed Smillovic) بأنه يمكن تقسيم الاستشراق بناءً على دوافعه المتعددة، وعلى رأسها: التاريخية، والنفسية، والاقتصادية، والإيديولوجيا، والدينية، والاستعمارية، والعلمية[11]، فالاستشراق من وجهة نظره يمثل حركة متواصلة الحلقات يحاول الغرب فيها التعرف إلى الشرق علمياً وفكرياً وأدبياً، ثم استغلاله اقتصادياً وثقافياً واستراتيجياً وجعله منطقة نفوذ له يسيطر فيها على العالم بأسره[12]. ويمكننا القول إن رؤية سمايلوفيتش لا تتعارض مع ما ذهب إليه سعيد من ناحية جوهر الاستشراق، فالاختلاف بينهما ليس جوهريّاً بل شكليّاً.
يرتبط الإطار النظري للاستشراق (من وجهة نظر سعيد) ببعض الأفكار والمذاهب والاتجاهات المتطرفة التي تسود الثقافة من وقت لآخر، بحيث نجد صورة لغوية للشرق، وصورة فرويدية (Freudian)، وصورة شبنجلرية (Spengler )، وصورة داروينية (Darwinism)، وصورة عنصرية[13]، وهكذا فإننا نجد أن الأطروحات الخاصة بتخلف الشرق وانحطاطه وعدم مساواته بالغرب، ترتبط بيسر بالغ بالأفكار الخاصة بالأسس البيولوجية للتفاوت العنصري، والتي أضيف لها مذهب دارويني يبرز الصحة «العلمية» لتقسيم الأجناس البشرية إلى أجناس متقدمة وأجناس متخلفة[14]. فنجد اتفاقاً عاماً بين المستشرقين على إحدى صور الداروينية التي تقول بأن الشرقيين يمثلون البقايا المنحطة لعظمة سابقة[15]، وذلك بهدف تبرير احتلال الشرق واستعماره، وهذا ما التقطه منظّرو الصهيونية وبنوا عليه الفكر الصهيوني؛ فبحسب المسيري، بنيت الصهيونية على عدة أسس فكرية من أهمها فكرة الإنسان الطبيعي، وضرورة عودة الإنسان إلى الطبيعة ليعيش حسب قوانينها البسيطة، ومن هنا فإن الدعوة الصهيونية للعودة إلى صهيون (فلسطين) هي عودة للطبيعة، مع ربط هذه الفكرة بفكر فريدريك نيتشة (Friedrich Nietzsche) القائم على الإيمان بالإنسان الأعلى «السوبرمان» (Superman)، الذي يجسد القوة ولا شأن له بالخير أو الشر؛ فنجد أن آحاد هعام ( Ahad Ha’am) (أحد منظري الصهيونية) قد كتب في مقالة «إعادة تقويم القيم»: اليهود ليسوا مجرد أمّة بل هم سوبر أمّة أو الأمة العليا. إضافة لذلك استعانت الصهيونية بفكر تشارلز داروين (Charles Darwin) (الفكر الدارويني) القائم على النظر للواقع باعتباره صراعاً لا يهدأ؛ صراع الجميع ضدّ الجميع، البقاء فيه للأقوى، وذلك من أجل تبرير الاستعمار باسم البقاء للأقوى، مع ربط ذلك بنظريته التي تفترض أنّ هنالك تفاوتاً عرقيّاً وبيولوجيّاً وحضاريّاً بين الأجناس[16]. بناءً على ذلك نجد أن هنالك قاسماً فكرياً مشتركاً قاسم فكري مشترك بين الاستشراق والصهيونية قائم على النظرة الاستعلائية العنصرية مع إدعاء النقاء والتفوق، وبالتالي فإن الإيديولوجيا الاستعمارية الغربية المبنية على مفاهيم الاستشراق (سنناقش لاحقاً اعتماد الاستعمار على مفاهيم الاستشراق) تعدُّ أحد أهم المصادر للإيديولوجيا الصهيونية.
يصعب تقسيم الاستشراق إلى حقب تاريخية، ومع ذلك يرى عبد الله محمد أن القراءة الغربية الاستشراقية تنقسم إلى ثلاث دوائر تاريخية مرّ بها المسلمون وهي: دائرة التراكم العدائي المغلوط، وتبدأ منذ بزوغ الإسلام وتنتهي بتضعضع قوة الدولة العثمانية في نهاية القرن الـ 17، وتليها مرحلة الإرث الاستعماري، وتبدأ مع إرهاصات انهيار الدولة العثمانية وبروز دور محمد علي في مصر، وأخيراً مرحلة الاستعمار والانطلاق نحو العالمية، وتبدأ بعد سقوط الدولة العثمانية وبزوغ فجر الدولة الحديثة في العالم الإسلامي، حيث يعزو المستشرقون فشل التحديث إلى طبيعة المسلمين والديانة الإسلامية غير المتطابقة مع الديموقراطية، حتى إنّ بعض أصحاب المدرسة الاستشراقية الحديثة كبرنارد لويس يدعي أن مناهضة العرب والمسلمين لـ«إسرائيل» يعود إلى تعصبهم وعدم تقبلهم مفاهيم الحداثة التي تؤهلهم للتعايش السلمي مع غيرهم[17].
النظرة الاستشراقية
يتضمن الاستشراق مادة علمية تتخللها أفكار التفوق الأوروبي وشتى ألوان العنصرية والإمبريالية، وقد استمدت الصهيونية نظرتها للعرب من المفاهيم الاستشراقية ومن ثم طورتها استناداً إلى نظرتها العنصرية[18]، يرى سعيد أن الاستشراق في نهاية الأمر هو رؤية سياسية للواقع، وهذه الرؤية مبنية على تعزيز الفرق بين المألوف (أوروبا أو الغرب أو نحن) الأذكياء/ الموضوعيين/ العقلانيين، وبين الغريب (الشرق أو هم) الأغبياء/ غير العقلانيين/ الفاسدين/ غير الموضوعيين[19]. فها هو المستشرق الفرنسي رونيه دوشاتوبريان (Chateaubriand)(1768ـ1848) على سبيل المثال يصف سكان مصر من المسلمين بالشعب الغبي المنحط[20]، هذه النظرة الاستعلائية العنصرية جسدتها الصهيونية مع بداية نشأتها؛ ففي الاجتماع الذي عقده مارك سايكس (Mark Sykes) (كمندوب عن الحكومة البريطانية) في 7/2/1917 مع قادة الصهيونية للاطلاع على مطالبهم، تركزت مطالبهم حول عدم مساواتهم مع سكان فلسطين العرب لأنها بلاد متخلفة، والحقوق المتساوية تكون في البلاد المتقدمة وفلسطين تحتاج من يطورها، وذلك موجود عند اليهود (الأوروبيين) وحسب[21]. وذهب المستشرق جورج بوش (George Bush) (جدّ الرئيس الأميركي) (1796ـ1859) في كتابه «محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين» (The Life of Mohammed: Founder of the Religion of Islam، and of the Empire of the Saracens) إلى وصف العرب والمسلمين بأنهم أعراق منحطة وحشرات وجرذان وأفاعٍ[22]، هذه الأوصاف تكررت في خطبة للحاخام عوفاديا يوسف (Ovadia Yossef) (الرئيس الروحي لحزب شاس « Shas») في آب/ أغسطس 2004، بثتها الفضائيات الإسرائيلية، يقول فيها: «إنّ اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاًّ من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث»[23]، وهذا يشير إلى تبني الصهيونية للنظرة الاستشراقية للعرب والمسلمين.
تبنت وسائل الإعلام الغربية وعلى رأسها وسائل الإعلام الأميركية النظرة الاستشراقية للفلسطينيين بعد الإعلان عن «دولة إسرائيل»؛ من خلال وصفهم بالغباء والتعصب والتخلف الاجتماعي، في مقابل أطفال «إسرائيل» الجدد الذين استولوا على المنازل العربية ونظفوها لمصالحة المهاجرين الجدد الذين يعملون على إقامة حضارة جديدة في المشرق العربي، وقد ظهر ذلك بوضوح في كتاب كينيث بيلبي (Kenneth Bilby) (مراسل صحيفة نيويورك هيرالد تريبيون «New York Herald Tribune» في حرب 1948) الصادر سنة 1950 بعنوان نجمة جديدة في الشرق الأدنى New Star in the Near East[24]. وبعد حرب 1967 ـ بحسب دراسة لجانيس مونتي بيلقاوي (Janice Monti Belkaoui) ـ صورت وسائل الإعلام الأميركية قادة «إسرائيل» كأبطال أسطوريين شديدي الوسامة، وفي المقابل أغفلت أقوال القادة العرب أو إجراء مقابلات معهم، مجرى تصوير الإسرائيليين كضحايا يدافعون عن أنفسهم ضدّ هجمات المعتدين العرب[25].
يكمن الاستشراق في كونه دليلاً على السيطرة الأوروبية الأميركية على الشرق أكثر من كونه خطاباً صادقاً حول الشرق[26]، فالعلاقة بين الشرق والغرب علاقة قوة وسيطرة، ودرجات متفاوتة من الهيمنة «المركبة»[27]. وتقوم النظرة الاستشراقية الاستعلائية على أن «القوة والعصا أفضل وسيلة»، و«القطيع يتبدد بإزالة من يقف في المقدمة»، تكثيفاً لمقولة عالم النفس فرويد «الشعوب غير الأوروبية كاذبة، همجية، عنيفة، كسولة، متخلفة»، وقد تمظهرت هذه النظرة الاستشراقية تجاه الفلسطينيين من خلال تصريحات قادة «إسرائيل»؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير(Yitzhak Shamir) يقول رداً على انطلاق انتفاضة الحجارة سنة 1987: «سوف نخضعكم بالبطش؛..... أنتم لستم سوى جنادب قياساً بإسرائيل»[28]، وعلى المنوال نفسه نجد أن الحملة الانتخابية لحزب «إسرائيل بيتنا» اليميني سنة 2009 تبنى شعار «فقط ليبرمان ( Lieberman) يفهم العربية»[29]، كناية عن أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة.
استفحلت مؤخراً النظرة الاستشراقية الاستعلائية في صفوف القادة الإسرائيليين؛ حتى وصل الأمر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو(Benjamin Netanyahu) للمجاهرة ـ في معرض تعليقه على تشبيه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية لحادثة حرق عائلة الدوابشة الفلسطينية على يد مستوطنين يهود ببعض الأفعال «الإرهابية» العربية ـ برفضه تشبيه الإرهاب اليهودي بـ«الإرهاب العربي» بحجة كون «إسرائيل» دولة ديموقراطية بعكس غيرها من الدول العربية[30]. فبالرغم من بشاعة الجريمة وحرق عائلة فلسطينية كاملة بما فيها طفل رضيع على يد المستوطنين إلا أن نتنياهو يرى بأنه لا مجال لوصم هذا الفعل بالإرهاب، وعلى ما يبدو ينبع حرص نتنياهوعلى عدم مساواة العربي باليهودي من رغبته في الإبقاء على الصورة الذهنية للإرهابي ملتصقة بالعربي الفلسطيني دون أن تشمل المتطرفين من اليهود.
قامت المؤسسة الصهيونية بتغطية هذا الإجرام بفتاوى بعض الحاخامات المتطرفين، فقد تبين أن معظم منفذي العمليات الإرهابية ضدّ الفلسطينيين هم من أتباع الحاخام إسحاق جيزنبيرغ (Yitzhak Ginsburg‏)؛ حيث اشتهر بفتاواه التي تحرض بشكل مباشر على قتل الفلسطينيين والفتك بهم. وإصدار الفتاوى المحرضة على قتل الفلسطينيين لا تتوقف على جيزنبيرغ؛ فقد أيَّد أيضاً الحاخام دوف ليئور (Dov Lior) (الذي يعد أبرز المرجعيات الدينية لحزب البيت اليهودي « Jewish Home Party » جريمة إحراق عائلة «دوابشة»، وفي مطلع سنة 2013 أصدر جيزنبيرغ ما يمكن عدّه «المسوغ الفقهي» الذي عملت على أساسه مجموعات «تدفيع الثمن»
(Price tag) الإرهابية اليهودية، التي نفذت عشرات الاعتداءات في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وأحرقت عدداً كبيراً من المساجد وثلاث كنائس في الضفة الغربية وداخل المدن التي يقطنها فلسطينيو الداخل. وحسبب غيزنبيرغ، فإنه يتوجب تفهم جرائم «شارة ثمن» على أنها «مقدمة طبيعية للخلاص اليهودي»، حيث عدّ هذهه الجرائم بمنزلة «المخاض الذي تمر به الأمة قبل تحقيق الخلاص». ومما لا شكّ فيه أن أخطر «المصنفات الفقهية» اليهودية التي صدرت حديثاً، وتسوغ قتل العرب لمجرد أنهم عرب، وعدم التفريق بين طفل وبالغ، هو كتاب «شريعة الملك»(The King’s Torah)، لمؤلفه الحاخام إسحاق شابيرا (Yitzhak Shapira )، الذي صدر سنة 2009. وهناك في «إسرائيل» من يرى أن أعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية الذين يتعمدون المس بالأطفال الفلسطينيين تأثروا بمصنف شريعة الملك، لأنه تضمن «مسوغات فقهية» توجب قتل الرضع العرب بحجة أنهم عندما يكبرون سيحاربون «إسرائيل»، لذا فالأجدر أن يُقتلوا مبكراً. المفارقة أنه على الرغم مما يعكسه هذا الكتاب من شطط وخلل أخلاقي وقيمي وديني، فإن العشرات من الحاخامات أيدوا ما جاء فيه، في حين عدّه عدد من أعضاء مجلس الحاخامية الكبرى ـ التي تعدُّ أكبر هيئة دينية رسمية في «إسرائيل» ـ «إبداعاً فقهياً»[31].
يتساءل المرء لماذا يحرص المستشرقون والصهاينة على وصم الشرقيين بصفات غير إنسانية، ولماذا الحرص على ترسيخ معادلة «نحن» و«هم»، الإجابة قد تكون في علم النفس الاجتماعي، حيث حاول هذا العلم تفسير بعض تصرفات الجماهير وكيفية حصول تحول في سلوكياتها، بحيث تتحول من تصرفات عاقلة إلى تصرفات تفتقر للعقل والمنطق؛ وبالتالي يتحول أفراد مُسالمون غيرُ عنيفين إلى النقيض تماماً. على ما يبدو كان لا بدّ للاستشراق كي يمهد للاستعمار والصهيونية إقناع جمهوره «الغربي» بتقبل فكرة السيطرة على شعب آخر «الشرقي»، بل ممارسة العنف ضده، وهذا لن يحصل بدون نزع صفة الإنسانية عن «الآخر» من خلال وصمه بصفات التخلف وتشبيهه بالحيوانات، بحيث يكون هنالك «نحن» المتحضرون الأذكياء المتفوقون في مقابل «هم» المتخلفين الأغبياء المنحطين، الذين لا يستحقون الحياة حتى الشفقة عند قتلهم كما صرح بذلك الحاخام عوفاديا يوسف. تصنيف «نحن» و«هم» هو الخطوة الأولى لذلك، كما حدث في تجربة جَيْن إليوت (jane Elliott) [32] مع تلاميذها.
المثال الصارخ على نتيجة نزع صفة الإنسانية عن الخصم في العصر الحديث كان في رواندا عندما قام الإعلام التابع لقبيلة الهوتو(Hutu) بوصف أعدائهم من قبيلة التوستي (Tusti) بأنهم وحوش وآكلي بشر وأنهم عبارة عن ثعابين وجرذان، فكانت النتيجة حرب أهلية راح ضحيتها أكثر من 800 ألف إنسان[33]. وهكذا يجري تحويل «الغرب/ نحن» والشرق/ هم» إلى «جمهورَين نفسِيَّيْن»؛ كل جمهور معادٍ للآخر، كما أشار إلى ذلك غوستاف لوبون ( Gustave Le Bon) في كتابه سيكولوجية الجماهير ( Crowd Psychology )، حيث يرى لوبون بأن هنالكك روحاً للجماهير مكونة من الانفعالات البدائية ومكرسة بواسطة العقائد الإيمانية القوية، وهي أبعد ما تكون عنن التفكير العقلاني والمنطقي، كما أنها خاضعة لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها؛ فالقائد يستخدم الصور الموحية والشعارات بدلاً من الأفكار المنطقية والواقعية ليستملك روح الجماهير ويسيطر عليها. يرى لوبون أن الجمهور النفسي عبارة عن تجمع بشري يمر في لحظة معينة بظروف متشابهة تحوِّله لكائن جديد له صفات مختلفة، فيتجمع الأفراد ويصبحون كتلة ذهنية واحدة، والكتلة هذه لها صفات مختلفة عن صفات الأفراد المتفرقين، بحيث يتصرف الجمهور بلا وعي أو عقلانية، فتجد الفرد (بغض النظر عن مستواه الفكري) يؤيد جمهوره النفسي وتصرفاته لمجرد أنها خرجت من جمهوره بغض النظر عن صحة التصرف أو خطئه؛ فهو لا يُخضع هذه الأفكار للمحاكمة العقلية لأنها ببساطة صادرة عن «جمهوره النفسي»[34]، وهذا ربما يفسر ما حدث في الولايات الأميركية المتحدة عقب أحداث 11/09/2001، من سقوط ضحايا مدنيين من النساء والأطفال في أفغانستان والعراق بذريعة محاربة «الإرهاب»، حيث تظهر بعض الإحصائيات مقتل أكثر من مليون شخص منذ بداية الغزو الأميركي للعراق[35].
الصهيونية بين الاستشراق والاستعمار:
مهدت أعمال بعض المستشرقين الطريق أمام الحملات الاستعمارية الأوروبية بل عمل بعضهم بشكل مباشر في خدمة الاستعمار، وهذا ما أقر به المستشرق جوستاف دوغا (Gustave Dugat) بقوله:
إنّ المستشرقين مُناطٌ بهم بمهمة جديدة، إذ عليهم وهم يجوبون فلك العلم الخالص أن يهتموا بالعالم الحاضر في الوقت الذي تكتسح فيه أوروباكل المناطق الشرقية، ويقوم أمر تكوين عاملين حضاريين وتلقينهم العلوم الآسيوية قصد غاية سياسية وتجارية (....) على الحكومات الواعية بمصالحها الحقيقية أن تعرف كيف تشجع وتستخدم رجال العلم والإخلاص أولئك: فالأمر يتعلق بإلحاق إضافات أخرى إلى محصول الحضارة المكتسبة وذلك لاغتنام الإفادات التي من شأن الشعوب الشرقية أن تعطينا إياها، (كما يتعلق) بإمداد هذه الشعوب بنصيبها من فتوحاتنا الفكرية والأخلاقية والمادية[36].
ما ذكره دوغا كان واضحاً في حملة نابليون بونابرت (Napoléon Bonaparte) الاستعمارية على مصر والشام (1798ـ1801) حيث قام بتجنيد عدد كبير من العلماء وأوصى نائبه كليبر ( Kléber) بأن يدير مصر من خلال المستشرقين والزعماء الدينيين الإسلاميين الذين يستطيع المستشرقون استمالتهم[37]، وها هو المستشرق الفرنسي سيلفستر دوساسي(Silvester de Sacy)، الذي شغل منصب مستشار للشؤون السياسية الشرقية في الحكومة الفرنسية، يشرف بنفسه على تحرير البيانات والنشرات لجيش نابليون إضافة إلى صياغة النداء الموجه إلى الجيش الفرنسي باجتياح الجزائر سنة1830 [38]. أضف إلى ذلك عدة مهام جرى إيكالها للمستشرقين، فعلى سبيل المثال أوفدت الحكومة البريطانية المستشرق هنري بالمر (Henry Palmer)(1840ـ 1882) خلال أحداث ثورة عرابي بهدف رشوة القبائل العربية في سيناء من أجل تأليبها ضدّ عرابي، كما سخّر المستشرق الهولندي كريستان سنوك (Christiaan Snouk) (1857ـ1956) أبحاثه في خدمة الاستعمار الهولندي في العالم الإسلامي؛ وخصوصاً في جزر الهند الشرقية[39]، ووصل الأمر بالمستشرق ماكس ميلر(Max Müller) إلى الإشراف على تخريج كوادر الإدارة الاستعمارية في الهند سنة 1882 [40]، ويُعدُّ الضابط البريطاني المستشرق توماس إدوارد لورانس (Thomas Edward Lawrence) (لورانس العرب) صاحب الدور البارز في الثورة العربية سنة 1916 ضدّ الدولة العثمانية مثالاً صارخاً على تماهي بعض المستشرقين مع الاستعمار؛ فهو يصرح بشكل واضح: «عندما أعلنت تركيا الحرب على بريطانيا، انطلقنا نحن الذين نؤمن بالعرب لنعمل على تركيز الجهود البريطانية وخلق عالم عربي جديد في آسيا، ولم يكن عددنا كبيراً بل كنا قلائل نلتف حول كلايتون (Clayton) رئيس قلم الاستخبارات المدنية والعسكرية في مصر»[41].
برر الغرب الاستعماري إقدامه على احتلال الشرق من أجل معاونته على التحضر؛ تطبيقاً للفكرة القائلة إنّ على الرجل الأبيض يقع عبء تمدين البرابرة وتثقيفهم[42]، ولم يقتصر جهد المستشرقين على التمهيد للاستعمار بل تجاوزه للتمهيد لتحقيق مشروع الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وهذا ما سنستعرضه في السطور القادمة.
تمهيد الاستشراق للصهيونية
يرى أحمد بهنسي بأن هنالك تداخلاً بين الاستشراق الغربي، واليهودي، والصهيوني، والإسرائيلي؛ فالاستشراق اليهودي بدأ بدراسة الإسلام والمجتمعات الإسلامية مع انطلاق الاستشراق الغربي في القرن الـ 18، ثم ارتبط المستشرقون اليهود بالحركة الصهيونية بعد انطلاقها سنة 1881، بهدف خدمة الحركة الصهيونية وتأصيل الوجود اليهودي في فلسطين، وأخيراً جاء الاستشراق الإسرائيلي بعد إعلان عن قيام «إسرائيل» سنة 1948، الذي عمل على دراسة قضايا الصراع العربي الإسرائيلي بهدف تقديم العون للقيادة الإسرائيلية في إدارتها للصراع[43]. فعندما نستعرض أسماء أبرز المستشرقين نجد أن عدداً كبيراً منهم أصوله يهودية، فمنهم على سبيل المثال الفرنسي سولومون مونك (S. Munk ) (1803ـ1867) الذي كتب سنة 1845 «فلسطين وصف جغرافي وتاريخي وأثري»(Palestine، Description Géographique Historique et Archéologique)، والهنغاري أرمينوس فامبري (A.Vambery) (1832ـ1913) الذي توسط ثيودور هرتزل سنة 1901 كي يقابل السلطان العثماني عبد الحميد، أما المجري اجنتس غولدتسيهر (E.Goldziher) (1850ـ1921 ) فقد اهتم بالدين الإسلامي والفرق الإسلامية ومن أهم كتبه «دراسات إسلامية». ونجد أن الألماني جوزيف هو رفيتش (J. Horovitz) (1874ـ1931) كان عضواً في مجلس إدارة الجامعة العبرية (Hebrew University)، بينما كتب الإنجليزي ريتشارد غوتهيل (R. Gottheil ) (1862ـ193 مقالة الصهيونية (Zionism) في الموسوعة اليهودية (Jewish Encyclopedia) وترأس اتحاد الصهيونيين الأميركيين (Federation of American Zionists) في الفترة 1898ـ1904، واهتم الألماني ماكس مايرهوف (M. Maeyerhof ) (1874ـ1945) بتحقيق أعمال موسى بن ميمون (Moses Maimonides)، وعمل الألماني دافيد بانت (D. Banet) (؟1897) أستاذاً للغة العربية في الجامعة العبرية، وأخيراً نجد أن النمساوي باول كراوس (P. Kraus) (1904ـ1944) تعلم العربية في الجامعة العبرية ومارس التدريس في جامعة القاهرة[44].
من الصعب التصور أن توجه عدد كبير من الباحثين ذوي الأصول اليهودية للدراسات الاستشراقية قد جاء من قبيل المصادفة، حيث يرى ساندر سليمان (Sander Suliman)[45] أن اليهود كأقلية في أوروبا توجهوا عن قصدد لدراسة العلوم الإنسانية من أجل التأثير في الأفكار والتوجهات الغربية، وهذا على ما يبدو ما يفسر هذهه الظاهرة[46].
هيأ الاستشراق من خلال «المعرفة» كل الشروط لترجمة القوة وفرض سيطرة استعمارية على فلسطين، حيث عملت عدة جمعيات استشراقية على تسهيل مهمة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، من أهمها صندوق الاكتشاف الفلسطيني( Palestine Exploration Fund ) الذي أُسّس سنة 1865؛ والذي يهدف إلى القيام بمسح كامل ودقيق لفلسطين، والبحث العلمي في الآثار الوثيقة الصلة بـ «التاريخ التوراتي»، والقيام بحفريات لإلقاء الضوء على فنون «الأمة اليهودية». فعملت اللجان التابعة للصندوق من أجل الإجابة عن عدة أسئلة من أهمها تحديد موقع «هيكل اليهود» (Jewish Temple) الذي بناه سليمان وهدمه تيتوس(Titus)، إضافة إلى معرفة الطريق الذي سلكه النبي موسى مع بني إسرائيل عند هجرته من مصر إلى فلسطين. وعلى الرغم من أن نشاط الصندوق ينبع من فكرة دينية تستهدف دراسة كل ما يتعلق بالأراضي المقدسة، إلا أن مجالات نشاطه وما قام به من عمليات المسح والحصر ووضع الخرائط لا يمكن إرجاعها إلى مواضع أثرية دينية وحسب، وخصوصاً أن التعاون كان كاملاً بين العاملين فيها من علماء ومستشرقين وضباط في وزارة الحربية البريطانية وسلاح الهندسة الملكية، مثل كوندور Condor، وولي، ولورنس( Lawrence)، وبالمر( Palmer)، وكيتشنر( Kitchener) الذي كان يرى بأن احتلال فلسطين سيضمن تأمين طرق المواصلات الرئيسية، وبأن أرض فلسطين تعود ملكيتها لليهود[47]. أما الكابتن تشالرز وارين (Charles Warren )فقد دعا في كتابه «أرض الميعاد» (The Land of Promise) إلى ضرورة تطوير فلسطين على يد شركة الهند الشرقية( East India Company) عن طريق إدخال اليهود عليها من أجل احتلالها وحكمها[48]، إضافة إلى الكولونيل واطسون (Watson) الذي رأس اللجنة التنفيذية للصندوق واشترك في الحملة المصرية وعُيِّن بدائرة المخابرات في الجيش وقام بوضع كتاب سنة 1915 (Fifty years Work in the Holy Land: A record and summary 1865ـ1915)، وبذلك أسهم الصندوق في تكوين صورة كاملة عن أو ضاع فلسطين في مداها الأوسع والأدقّ، فقدم خدمة عظيمة للصهيونية[49]. وهذا ما عبَّر عنه المستشرق كلود كوندور(Claude Conder) في محاضرة ألقاها سنة 1892 بقوله إنه وزملاؤه كان لهم الفضل في تشجيع الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، من خلال إلقاء الضوء على التوراة، بهدف مساعدة سكان فلسطين المستقبليين من اليهود من أجل الحصول على الحقائق الثابتة عن طاقات البلد وإمكانياته[50].
لم يقتصر التمهيد للصهيونية على الاستشراق الفرنسي والبريطاني بل تعداه إلى روسيا القيصرية؛ التي أنشئت سنة 1852 لجنة من المستشرقين هدفها تهيئة الوسائل اللازمة لتأسيس بيوت للمهاجرين اليهود إلى فلسطين، وفي أثناء الاحتفال بالذكرى الـ 90 لتأسيس الجمعية، ألقى المستشرق س.ل. يتحسفكي كلمة قال فيها: «إن جمعية الاستشراق الروسي قد ساهمت مساهمة فعالة في إنجاز وتحقيق الوطن القومي في فلسطين»[51].
الالتقاء الديني بين الاستشراق والصهيونية
تقع معتقدات عقيدة العصر الألفي السعيد في قلب معظم المعتقدات المسيحية والإنجيلية المتعلقة بدور «إسرائيل» في ما يتعلق بـ«نهاية العالم»، وهو تفسير تنبؤي معقد للنصوص المقدسة المتعلقة بالمجيء الثاني للمسيح ونهاية العالم، بالاستناد على قراءات من مرقس 13، ومتّى 24، ولوقا 21، بحيث يصبح تدفق اليهود إلى «الأرض المقدسة»، وتأسيس «دولة إسرائيل» كمقدمة لسيناريو نهاية العالم[52]. وهذا يفسر دور حركة الاسترجاع المسيحية/ البروتستانتية (Protestantism) (الصهيونية المسيحية) التي كانت تطالب بإعادة اليهود إلى «أرضهم الأم» حتى يتسنى هدايتهم وتحويلهم إلى المسيحية، فعودة اليهود وهدايتهم وتنصيرهم كانت تعد شرطاً أساسياً لحلول الألفيّة السعيدة (التي سيحكم فيها المسيح المخلص ألف عام)، وهذا ما جعل الصهيوني ناحوم سوكولوف (Nahum Sokolov) في كتابه تاريخ الصهيونية (History of Zionism) يفسر تعاطف بريطانيا وتفهمها للحركة الصهيونية بالطابع الإنجيلي للشعب الإنجليزي[53]. حيث أتاحت حركة الإصلاح الديني البروتستاني الفرصة لانبعاث القومية اليهودية، عبر التغييرات اللاهوتية التي جاءت بها، وعلى رأسها الترويج لفكرة أن اليهود أمة مفضلة وضرورة عودتهم إلى أرض فلسطين[54]. في السياق نفسه رأى العديد من الإنجيليين حرب 1967 كأنّها التحضير للمجيء الثاني للمسيح، فحثّ القس الأميركي الشهير بيلي غراهام (Billy Graham) «إسرائيل» على عدم التخلي عن الأراضي التي استولت عليها، مشيراً إلى أن اليهود هم «شعب الله المختار» وأن أرض فلسطين ملك لهم[55]. هذه النظرة الدينية مهدت للحركة الاستعمارية «الرأسمالية» والصهيونية، وهذا ما ذهب إليه ماكس فيبر (Max Weber) حيث يرى أن النزعة الطائفية البروتستانتية قامت على الربط بين السلوك الديني والرأسمالية، فالمسيحيون «الحقيقيون» وحدَهم هم المقبولون في الطائفة[56].
استخدام الدين لم يقتصر على الاستشراق الغربي بل نجده حاضراً بقوة في السلوك الصهيوني، فالعقيدة الدينية لعبت دوراً مهماً في الإيديولوجيا الصهيونية، وكما يرى روجيه غارودي (Roger Garaudy) فإن: «الحركة الصهيونية لا يمكن أن تتماسك إلا بالعودة إلى الموزاييك الديني، احذفوا مفاهيم الشعب المختار وأرض الميعاد فستنهار أسس الصهيونية.... إن ضرورة الترابط الداخلي للبنية الصهيونية لإسرائيل فرض على قادتها تعزيز سلطة رجال الدين»[57]، فكما هو معروف أن المتدينين عارضوا في البداية الصهيونية، لكن بعضهم وجد فيها وسيلة لتحقيق «بداية الخلاص» ونزول المسيح المنتظر. كما حاول قادة الحركة الصهيونية التوصل إلى تسويات من أجل وحدة «الأمة»[58]، وهكذا نجد رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون(David Ben-Gurion) في سنة 1956 يبرر مشاركة «إسرائيل» بحرب السويس (بالرغم من كونه ملحداً ويفتخر بعدم التزامه بشروط الدين اليهودي)، بالتصريح في الكنيست أن السبب الحقيقي للحرب هو «استعادة مملكتي داوود وسليمان إلى حدودها التوراتية»[59].
التقى الدافع الديني للاستشراق مع الطموحات الصهيونية، وحصل انسجام كبير بين أهداف الاستشراق الدينية والصهيونية، حيث يرى محمد إدريس أن الهدف الديني للاستشراق كان إضعاف الإسلام وتشويهه والتشكيك في قيمه عن طريق إثبات فضل اليهودية عليه، والزعم بأن اليهودية مصدر الإسلام الأول، لأن الدين الإسلامي كان دوماً المحرك الأساسي لمقاومة الاستعمار والحملات الصليبية[60]. وهذا ما عبر عنه المستشرق برنارد لويس بقوله: «كان الإسلام في عيون مسيحيي العصور الوسطى العدو الأكبر، وكانت دراسته تعد ضرورة من أجل أهداف واقعية للغاية، أحدها كان جدلياً: الرغبة في فهم هذا الدين بهدف مقاومته وتدميره»[61].
الاستشراق وحلّ المسألة اليهودية:
بدأت المسألة اليهودية (أومعاداة الساميّة) بالظهور في برلين عقب تأسيس «عصبة اللاساميين» (Antisemitism) عام 1880، في السنة نفسها كتب الأستاذ الجامعي تريتشكيه: «اليهود عنصر غريب في ألمانيا لا يريد ولا يستطيع أن يندمج، مطالبتهم بالاعتراف بحقوقهم القومية تهدم الأسس القانونية للمساواة التي منحت لهم». وتبعه يوجين ديرينغ الذي كتب «العنصر اليهودي هو أسوأ عناصر العرق السامي؛ هدفه التسلط على العالم واستعباد الشعوب الأخرى،... اليهودية تتصف بصفات ضارة غير اجتماعية خصوصاً عندما تنشط في السياسة أو الصحافة». واستنتج البريطاني هو ستون تشامبرلين( Houston Chamberlain) (عاش في ألمانيا) في كتابه «أسس القرن التاسع عشر» (The Foundations of the Nineteenth Century) أن تاريخ المدينة (ألمانيا) عبارة عن صراع بين الآريين الصديقين والساميين، تزامن ذلك مع ظهور كتاب برتوكولات حكماء صهيون (The Protocols of the Elders of Zion ) الذي يدعي واضعوه بوجود زعامة يهودية عالمية تدير العالم، وهكذا بدأت بوادر معاداة الساميّة بالظهور في محاكمة درايفوس (Dreyfus ) (ضابط أركان فرنسي يهودي اتهم زوراً بالخيانة (1894) رافقها مشاعر كراهية كبيرة؛ أدين ثم برئ جزئياً وصدر عفوعنه)[62].
يرى صبري جريس في كتابه تاريخ الصهيونية (1862ـ1948)، أن هنالك عدة أسباب قادت لظهور معاداة الساميّة من أهمها[63]:
ـ تحميل المسيحية لليهود مسؤولية قتل المسيح.
ـ سيطرة رأس المال اليهودي.
ـ سيطرة اليهود على الإعلام.
ـ اشتراك اليهود في الحركات الثورية.
ـ شجب الديانة اليهودية من قبل بعضهم من خلال شجب الدين عامة والمسيحية خاصة، واعتبار أنه لا يمكن دمج اليهودي بالمجتمع.
ـ هجرة اليهود إلى أوروبا الغربية مما أدى لمزاحمة السكان الأصليين.
ويرى المسيري أن البيئة التي ظهرت فيها المسألة اليهودية تتلخص بالتالي[64]:
ـ فشل المسيحية الغربية في صياغة رؤية محددة تجاه الأقليات بشكل عام والجماعات اليهودية تحديداً، فالكاثوليكية (Catholicism) تبنت أن اليهود قتلة المسيح، أما البروتستانت فقالوا إن اليهود أداة للخلاص بعد عودتهم لفلسطين.
ـ تبني العقيدة الألفية (في آخر الزمان وبعد عودة اليهود لفلسطين سيأتي المسيح المنتظر ويحكم العالم مدة ألف عام).
تحويل الغرب لليهود كأداة وجماعة وظيفية؛ لا ينظر لها في ضوء إنسانيتها وإنما في ضوء نفعها للمجتمع، (مثال: حلت البنوك مكان اليهودي المرابي).
ـ تعثر التحديث في شرق أوروباوخصوصاً في روسيا بسبب: سرعة معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي لم يتأقلم اليهود مع النظام الجديد، وعزلة اليهود وعدم اندماجهم (ثقافة الغيتو«Ghetto»).
ـ حدوث انفجار سكاني بين يهود شرق أوروبافي منتصف القرن الـ 19 ما دفع مئات الألوف للهجرة إلى أوروبا الغربية ما أثر في الاقتصاد.
ـ سُكْنى اليهود في مناطق حدودية متنازع عليها ما أضعف ولاءهم القومي.
تكلس اليهودية الحاخامية وعدم مسايرتها لروح العصر.
ظهور قيادات يهودية مثقفة فاقدة لهويتها اليهودية ولكنها لم تكتسب هوية غربية.
يستنتج جريس في كتابه أن آراء اللاساميين قد التقت مع الأفكار الصهيونية، حيث نجد أن أبرز أفكار المعادين للسّاميّة كالتالي[65]:
ـ اليهود (دين وقومية وعرق).
ـ لا يمكن أن يتعايش اليهود مع الأوروبيين.
ـ يجب عزل اليهود.
ـ يجب إقامة دولة لليهود في الشرق حيث أصولهم.
ومن ثم كان الحل الصهيوني المقترح للمسألة اليهودية جزءاً لا يتجزأ من العملية الاستعمارية الغربية. فبحسب أو سكار. ب رابينوفيش (Oscar. B Rabinovitch) اتفق الاقتراح الصهيوني مع الصيغة الاستعمارية الأوروبية بواسطة تحويل تيار المهاجرين اليهود من إنجلترا إلى أفريقيا وآسيا بحيث تبني الصهيونية موقعاً مهماً لبريطانيا وطرقها عن طريق إنشاء مركز يهودي مستقل[66]، فنجد أن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور( Arthur Balfour)، الذي وعد اليهود بوطن قومي في فلسطين، كان محسوباً على المُعادين للسّاميّة حيث كان هدفه منع اليهود من الهجرة إلى بريطانيا، وتوجيههم إلى الشرق من أجل ضمان سيطرة بريطانيا الاستعمارية فترة طويلة[67]، حتى نابليون بونابرت الذي دعا الصهاينة إلى الاستيطان في «بلاد أجدادهم» يُعدُّ من أهم المعادين لليهود[68].
الاستشراق واختراع شعب وأرض «إسرائيل»
بدأ ذلك بنداء بونابرت لليهود في أثناء حملته على مصر والشام حيث حثهم على السير وراء فرنسا حتى يتسنى استعادة العظمة الأصلية لبيت المقدس، ووعد بأنه سيعيد اليهود إلى الأرض المقدسة إذا ساعدوا قواته[69]، وخاطبهم بقوله: «سارعوا؛ هذه اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم»[70]. لقد تبنت حملة بونابرت طروحات كتاب «وصف مصر»( Description of Egypt )، الذي كتبه المستشرقون الفرنسيون المرافقون للحملة، من تشديد الادعاء بأن اليهود هم ورثة فلسطين الشرعيون وعلى إعادة إنشاء «مملكة القدس القديمة»[71]، ما دفع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن (Chaim Weizmann) إلى وصف نابليون في رسالته لتشرتشل (Churchill) بأنه: «أول الصهاينة العصريين من الأغيار»[72]. في هذا السياق نجد أيضاً مشروع المستشرق أنكتيل ديبرون ( Anquetil-Duperron) (1731ـ1805) الرامي إلى إيجاد مرتكز يهودي في المنطقة، إذ قام ديبرون بكثير من الرحلات ليبرهن على وجود «شعب الله المختار» في ماضي فلسطين وحاضرها عبر تتبع أصول اليهودية[73].
التقت أفكار بعض المستشرقين كالفرنسي ألفونس دي لامارتين Alphonse de Lamartine) 1790ـ1869 مع الصهيونية بأن فلسطين صحراء خاوية تنتظر من يزرعها، وأن سكانها من الرحل الذين لا قيمة لهم ولا حقّ لهم فعليّاً في الأرض[74]، وربما اعتمد الصهيوني ماكس نوردو(Max Nordau) على هذا الرأي عندما أطلق عبارته الشهيرة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»[75]، هذا الادعاء انعكس على الخطاب الصهيوني وبشكل واضح في تصريح رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير Golda Meir) (1969ـ1974: «لا يوجد شعب فلسطيني»[76]. ولم يقتصر الأمر على إنكار وجود شعب فلسطيني، بل تعداه إلى إنكار الاسم التاريخي لفلسطين، فها هو المستشرق برنارد لويس يدعي بأن الاسم التاريخي لفلسطين «بلسطينا» لم يكن متعارفاً عليه بين اليهود وأن الاسم المتعارف عليه هو «أرض إسرائيل»[77].
عملت الصهيونية على بناء وطن قومي لليهود، ولم تكن مصرّة في بداياتها على الاستيطان في فلسطين (مع تفضيلها لذلك بسبب وجود الرابط التاريخي) بحسب ما ذكر هرتسل في كتابه «الدولة اليهودية» (The Jewish State) (حيث طرحت الأرجنتين)[78]. الدافع الأساسي لاختيار فلسطين على يد الصهيونية كموقع للاستيطان وتفضيلها عن الأرجنتين أو أوغندا كان بحسب هرتسل «قوة الأسطورة، أي الاسم في حدّ ذاته»[79].
ثمة إجماع بين الحاخامات الأرثوذكس على أن تعبير «الشعب اليهودي» في اليهودية تعبير ديني، يشير إلى جماعة المؤمنين المخلصين الذين يتوجهون بإيمانهم إلى الله الواحد، بل إن انتماءهم مشروط بمدى طاعتهم لله[80]، وهذا ما صرح به الحاخام الأكبر للطائفة اليهودية في بريطانيا سنة 1909 بقوله: «منذ تحطيم الهيكل وانتشار اليهود في العالم، فإنهم لا يشكلون أمة بل نحن طائفة دينية»[81]. لقد استخدم التناخ كنص مشكل لهوية وعقيدة اليهود بعدما حرر ونشر في وسط جماعة المؤمنين التي كانت وبحق في أمس الحاجة له[82]، وهذا ما يؤكده الحاخام ساديا هاغاون الذي عاش في القرن العاشر بقوله «شعبنا هو شعب بسبب التوراة»[83]، حيث يصف اليهود أنفسهم كأمة دينية.
تزامن ظهور الصهيونية مع انتشار الحركات القومية، التي كانت مبنية إما على النموذج القبلي واللصيق بالطبيعة والأرض أو النموذج الاقليمي السياسي وهو أقل ارتباطاً بالأرض وأكثر ارتباطاً بالدولة، لم يجد مفكروالصهيونية ضالتهم في كلا النموذجين فقام سيمون دوبنوف (Simon Dubnow) بابتكار القومية اليهودية بالاعتماد على النموذج الروحي المستقل عن الطبيعة لأن وجوده يستند أساساً إلى الوعي بالذات التاريخية؛ حيث يرى دبنوف أن اليهود ينتمون لهذا النموذج أو بلغة أخرى قومية الشتات[84].
يعدُّ مفهوم الشعب غير دقيق، فهو يدل على جماعة اجتماعية تحمل مزايا مشتركة على مستوى من الأهمية يكفي لبلوغ حدّ أدنى من الوحدة والاستقلالية، أما الشك في طبيعة هذه المزايا (لغة، وثقافة، وتاريخ، وموقع جغرافي) وبالتالي الأساس الموضوعي أو الذاتي لهذا المفهوم (هل يوجد شعب بذاته أو لاعتقاده أنه كذلك بتأثير الممارسات الاجتماعية) فيصعبان عملانيته في العلوم الاجتماعية. في المقابل، نرى أن الاستخدام الإيديولوجي لمفهوم الشعب هو أكثر شيوعاً، إما لتسليمه مقاليد السيادة، وإما لتشريع كل ممارسة تطالب باستقلاله أو خروجه من مجموعة وطنية مبنية مسبقاً[85].
قامت عملية اختراع الشعب اليهودي على ركنين أساسيين، وهما فكرة الشتات اليهودي وبأن اليهودية بقيت محصورة في العرق الذي اعتنقه في البداية، الدلالة الرئيسية المتوخاة لهذا الادعاء هي أن الشتات الذي رحل إلى مناطق مختلفة من العالم وكُتب له البقاء يعود من ناحية جذوره العرقية والقومية إلى القبائل اليهودية الأصلية التي كانت في فلسطين وطردت منها، وأنه لم تدخل اليهودية أجناس وقوميات أخرى أثرت في نقاء العرق اليهودي. وقد جرى تفنيد هذا الإدعاء على يد جمال حمدان في دراسته القيمة التي توصلت إلى أن اليهود الحاليين ليسوا من بني إسرائيل؛ فيهود العالم اليوم مختلطون في جملتهم اختلاطاً يبعدهم عن أيّ أصول إسرائيلية فلسطينية قديمة، ولا يوجد رابط أنثروبولوجي بين الجهتين، والرابط الوحيد هو رابط الدين[86]. وهذا ما يقر به هرتسل ضمنياً في معرض انتقاده لليهود المندمجين في أوروبا بسبب وجود الزواج المختلط في عدة دول أوروبية، خصوصاً في المجر[87]، قام الكاتب الإسرائيلي شلوموساند (Shlomo Sand) أيضاً في كتابه «اختراع الشعب اليهودي» ( The Invention of the Jewish People) بتفكيك هذا الادعاء من خلال نفي ما يسمى بالشتات اليهودي الذي تقف وراءه فكرة طرد الرومان لليهود سنة 70 للميلاد بعد تدمير الهيكل، وبدحض الادعاء بأن الدين اليهودي لم يكن ديناً تبشيرياً بل بقي محصوراً في العرق الذي اعتنقه منذ بداياته[88].
تقاطع المصالح بين الاستعمار والصهيونية
ظهرت الحاجة الغربية لمعرفة الشرق الإسلامي وخصوصاً من الناحية الجغرافية والاجتماعية للتعرف إلى موارد الثروة من جهة، ومصادر التوزيع للإنتاج الأوروبي من ناحية أخرى، لذلك وجدنا عدداً كبيراً من المستشرقين يركزون في دراسات الجدوى الاقتصادية لبلادهم وخصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين[89].
يميز المؤرخون عادة بين نوعين من الاستعمار:
1. استعمار المرحلة الأولى المرتبطة بالرأسمالية المركانتيلية ( Mercantilist Capitalism) (التجارية) الذي تركز في النصف الغربي للكرة الأرضية والجزر الاستوائية، وكان الهدف منه زيادة قوة وثروة الدولة المستعمرة من خلال الحصول على المواد الخام من ذهب وفضة ومنتجات استوائية، ولم يكن الاستيطان أحد أهدافه الأساسية.
2. استعمار ما بعد سنة 1870، والذي تركز في أفريقيا وآسيا بهدف خدمة بعض طبقات المجتمع وفئاته عن طريق تزويدهم بالأسواق لبضائعهم إضافة للبحث عن المواد الخام، وبالتالي سعى الاستعمار في هذه المرحلة لتغيير البنية الاجتماعية للمجتمعات التابعة كي تصبح تابعة للحلقة الرأسمالية الإمبريالية. حاجة دول أوروبا للأسواق أفاد الصهيونية لكون فلسطين ومصر مدخلاً لهذا المسرح الجديد[90].
التعرف إلى الجذور الحضارية لنوعي الاستعمار الاستيطاني التقليدي والإحلالي قد يكون أمراً له أهميته، إذ يبدو أن النوع التقليدي في الجزائر وأنغولا قد نشأ في الدول الكاثوليكية، بينما تعود جذور النوع الإحلالي في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة إلى الدول البروتستانتية. وسيقودنا هذا إلى التساؤل عما إذا كان التفسير الحرفي للعهد القديم وهو التفسير الذي يسود بين كثير من البروتستانت يوجِد حالة عقلية تسهل عملية نقل السكان وتجعلها أمراً طبيعياً لأنها تجري باسم الأوامر المقدسة التي ترد من علٍ؟ قد يمكن القول إن الكنيسة القومية أي الكنيسة القاصرة على مجموعة بشرية لها الانتماء العرقي نفسه أو الإثني نفسه كما هي الحال مع الكنيسة الهولندية الإصلاحية في جنوب أفريقيا التي لا تسمح للسود بالانضمام إليها، مثل هذه الكنيسة تضفي قدراً من القداسة على الأفعال التي يأتيها أعضاؤها وتقدم هي التبريرات الدينية التي تكون عادة ذات طابع إنجيلي، فتسوِّغ عمليات الطرد بأن الآخرين يقعون خارج نطاق الخلاص والتوبة، أما الكنيسة العالمية أي الكنيسة التي تفتح أبوابها لأي إنسان فهي تمنح المؤمن سواء أكان من المستوطنين أم من السكان الأصليين حقوقاً معينة بغض النظر عن انتمائه القومي أو العنصري وهو ما يجعل من الصعب على المستوطنين الذين يتبعون الكنيسة العالمية تبني النمط الإحلالي من الاستعمار[91].
تقاطعت مصلحة الاستعمار مع الصهيونية، فحاول اللورد بلمرستون(Palmerston)، وزير خارجية بريطانيا سنة 1840، إقناع السلطان العثماني بفوائد السماح لليهود بالعودة والاستيطان في فلسطين، بسبب الأموال التي سيحضرونها معهم لكونهم أثرياء وبالتالي ستزداد ثروات السلطان، ومن ناحية أخرى سيكونون بمنزلة حاجز بشري أمام محمد علي[92]. وفي سنة 1860 أشار أرنست لاهاران ( Ernest Laharanne )، سكرتير نابليون الثالث الخاص، في كتيب بعنوان «المسألة الشرقية الجديدة» (The New Eastern Question) إلى المكاسب الاقتصادية التي ستعود على أوروبا من خلال فتح أسواق جيدة في حال استقر اليهود في فلسطين وعودة الدولة اليهودية القديمة[93].
في السياق نفسه قام البريطاني جورج غاولير( George Gaulir )، الذي تولى منصب حاكم في جنوب أفريقيا، وزار فلسطين سنة 1849، بوضع خطة لإعادة اليهود إلى «بلدهم» هادفاً من وراء ذلك إلى إيجاد منطقة عازلة بين سورية ومصر[94]. التقطت الصهيونية الفكرة فقام هرتسل بالترويج لها في حال أقيمت الدولة في فلسطين بقوله: «من هنالك سنشكل جزءاً من استحكامات أوروبافي آسيا كموقع أمامي للحضارة في مواجهة البربرية»[95]، ويبدو أن مؤتمر لندن الاستعماري الذي عقد سنة 1907 أخذ بخطة غاولير؛ حيث أوصى رئيس الوزراء البريطاني بـ«إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبابالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها»[96].
حينما احتاجت بريطانيا الاستعمارية مستوطنين بيض لتشجيع التجارة في بلاد الشام، ومن ضمنها فلسطين، طلبت من الصهاينة تجنيد اليهود لتنفيذ هذه المهمة عبر الاستيطان في فلسطين، وهذا ما صرح به الأيرل شافتسبري (Earl of Shaftesbury): «من هم أكثر الناس في العالم احتراماً للتجارة وهل يجد اليهودي موقعاً أو مجالاً أفضل من سوريا لتنمية نشاطه؟ أليس لبريطانيا مصالحها الخاصة في تحقيق التغييرات الضرورية؟. ولذا أقترح أن تدعم إنجلترا «القومية اليهودية» وتساندها»[97]، كما أعد الوزير البريطاني اليهودي هربرت صموئيل (Herbert Samuel) (1906 ـ1915) بعد الحرب العالمية الأولى تقريراً بعنوان «عن مستقبل فلسطين (About The Future of Palestine)؛ تحدث فيه عن الصهيونية والفوائد الاستراتيجية التي ستجنيها بريطانيا عبر تشجيع المهاجرين اليهود على الاستقرار في فلسطين حتى يشكلوا نسبة عالية من السكان وبذلك تضمن بريطانيا بقاء فلسطين تحت هيمنتها[98].
قام وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور بتبرير استعمار الشرق من خلال النظرة الاستشراقية بقوله:
انظروا أولاً إلى حقائق القضية: إن الأمم الغربية ما إن يبدأ ظهورها في التاريخ حتى تظهر بدايات قدرتها على الحكم الذاتي.... وهي القدرة الجديرة بالتقدير في ذاتها.... ثم انظروا إلى تاريخ الشرقيين برمته في ما يسمى بصفة عامة الشرق ولن تجدوا آثاراً تنبئ بالحكم الذاتي إطلاقاً، إذ مرت كل قرونهم العظمى (ولقد كانت بالغة العظمة) في ظلّ الحكومات الاستبدادية والحكم المطلق، كما كانت كل إسهاماتهم الحضارية العظمى (ولقد كانت حقاً عظمى) في ظلّ ذلك اللون من الحكومة.....، هل تعود ممارسة هذه الحكومة المطلقة من جانبنا بالخير على هذه الأمم العظيمة والتي أعترف بعظمتها؟. أعتقد أنها تعود بالخير عليها وأعتقد أن الخبرة قد أثبتت أنها تمتعت في ظلها بحكومات أفضل كثيراً مما شهدته على امتداد تاريخ العالم كله، وهي ليست مفيدة لها وحدها لكنها ولا شكّ مفيدة للغرب المتحضر برمته[99].
يدّعي بلفور بأن الشرقيين أغبياء وقاصرون لا يقدرون على حكم أنفسهم وذلك من أجل تبرير احتلال أراضيهم واستعمارها، فهو يصرح في موضع آخر بأن «السكان الأصليين لفلسطين يتمتعون بالأولوية في امتلاك أراضيهم، ولكنها أولوية لا تداني على الإطلاق السلطة التي يتمتع بها المحتل في الاحتفاظ بهذه الأرض»[100].
مع انبعاث الحركة القومية العربية المعارضة للحكم العثماني اتجه الصهاينة إلى الأتراك ناصحين إياهم بإنشاء مقاطعة يهودية في فلسطين لإيجاد توازن مع 600 ألف عربي في فلسطين ومع الدول المحيطة بها[101]، حيث حذر حاييم وايزمن في رسالته لتشرتشل[102]، القوى الاستعمارية من الاعتماد على الولاء العربي ـ عقب ثورة الشريف حسين ضدّ الدولة العثمانية ـ وبأن عليها الاعتماد على اليهود الموالين للغرب[103]. أكدّ وايزمن على ذلك في رسالة لصديقه بقوله: «إذا دخلت فلسطين في نطاق النفوذ البريطاني، وإذا شجعت بريطانيا عملية استيطان اليهود هناك، وأصبحت دولة خاضعة لبريطانيا، فخلال (خلال عشرين عاماً إلى ثلاثين عاماً) مليون يهودي سيقومون بتطوير البلد وإعادته للحضارة ويشكلون حماية فعالة لقناة السويس»[104].
حتى يومنا هذا لم تتوقف الصهيونية عن ممارسة دور مخلب القط في الشرق الأوسط لمصلحة الدول الاستعمارية، فها هو يعقوب ميريدور(Ya’akov Meridor) وزير التخطيط والتنسيق الاقتصادي (1982ـ1984) يصرح في حديث له في الإذاعة التابعة للجيش الأميركي أنه لولا وجود «إسرائيل» كقاعدة وكمنطقة نفوذ وكحليف للولايات المتحدة لاضطرت الأخيرة لبناء عشر حاملات طائرات[105].
من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا[106]
يرى إدوارد سعيد أن الاستشراق يشبه العداء للسامية، ويذهب إلى أن الاستشراق عبارة عن الفرع الإسلامي للعداء للسامية[107]، حيث نظر كثير من المستشرقين للنبي محمد عليه الصلاة والسلام كدجال؛ واتهموه بنشر تنزيل زائف[108]، فانطوى فهم الإسلام عند الغرب على «محاولة تحويل تنوعه إلى جوهر وحداني غير قابل للتطور، وقلب أصالته إلى نسخة منحطة من الثقافة المسيحية، ومسخ شعوبه إلى كاريكاتورات مثيرة للرعب»[109]؛ فها هو المستشرق برنارد لويس يستند في كتابه «ثورة الإسلام» على دعوة السياسيين في مصر سنة 1945 لتنظيم مظاهرات بمناسبة ذكرى وعد بلفور وما رافق ذلك من مهاجمة الكنائس الكاثوليكية والأرمنية والأرثوذكسية اليونانية؛ ليصل إلى نتيجة مفادها أن الاسلام ظاهرة جماهيرية مخيفة تستهدف اليهود والنصارى على حدّ سواء[110]، وفي السياق نفسه نجد المستشرق شالوم زاوي (Shalom Zaoui) يؤكد ذلك بقوله: «يفرق المسلمون بين دار الإسلام ودار الحرب، ويجب أن تسلم كل الشعوب بالسيف والجهاد إذا لم يقبلوا دين محمد طواعية»[111].
يرى سعيد أن جذور الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا» في الغرب وخصوصاً في الولايات المتحدة تعود إلى فترة حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 بين مصر و«إسرائيل»، عندما هددت السعودية بقطع البترول، فتسبب ذلك برفع أسعار الوقود، فجرى تصوير العربي المسلم كإنسان عنيف، بل ذهب بعض المستشرقين إلى القول بأن العرب سفاكون للدماء وأن العنف والخداع كامنان في الجينات الوراثية العربية، كما ادعى أحد المستشرقين بأن الرابط بين أهل الشرق الأوسط هو كراهية وعداء اليهود وأمة إسرائيل[112]. بينما يرى آخرون أن ظاهرة الإسلاموفوبيا قد انتشرت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في خضم بحث الغرب عن عدو بديل، حيث خرجت الصحافة الغربية حينها بعناوين متشابهة تقول بأن: «التهديد الأحمر ذهب وجاء الإسلام»[113]، تعزز ذلك بشكل «علمي» بعد تبني بعض الباحثين لهذه الفكرة أمثال فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) (منظر سابق للمحافظين الجدد(Neoconservatism)[114] وتلميذ ألان بلوم ( Allan Bloom) تلميذ اليهودي الأميركي من أصول ألمانية ليوشتراوس(Leo Strauss) مؤسس فكر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة[115]) في كتابه «نهاية التاريخ» (The End of History) الذي أعلن فيه أن الإسلام يعدُّ المنافس الإيديولوجي للديموقراطية الليبرالية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي[116]، تبعه في ذلك المفكر صامويل هنتنجتون (Samuel Huntington) في كتابه «صراع الحضارت» Clash) of Civilizations)، الذي اعتمد فيه على آراء المستشرقين، وخلص إلى نتيجة مفادها أن الصراع الإيديولوجي بين الشيوعية والليبرالية قد انتهى وأن الصراع القادم سيكون صراعاً بين الحضارات ومن ضمنها الحضارة الإسلامية وخصوصاً في الجانب الأخلاقي والديني لكل أمة[117]. هذه الأجواء هيأت الساحة السياسية في الولايات المتحدة لتولي التيار اليميني الممثل بالمحافظين الجدد أهم مواقع التأثير، وخصوصاً في فترة إدارة الرئيس جورج بوش الابن( George W. Bush)، فانعكس ذلك على علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي واستغلت حادثة 11 أيلول/ سبتمبر كذريعة لاحتلال وتدمير بلدين إسلاميين (أفغانستان والعراق).
استغلت الصهيونية مخاوف الغرب من الإسلام، فعملت على ترسيخ هذه المخاوف كي تطرح نفسها كحليف للغرب ضدّ الإسلام، وهذا ما وضحه بول فندلي(Paul Findley) في كتابه «لا سكوت بعد اليوم» (Silent No More)[118]، وفي سنة 1992 صرَّح شلوموغازيت( Shlomo Gazit)، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، لصحيفة يديعوت (Yedioth) بأن:
المهمة الرئيسية لإسرائيل لم تتغير قطّ (منذ انهيار الاتحاد السوفياتي) وتظل ذات أهمية حاسمة، إن الموقع الجيوستراتيجي لإسرائيل في مركز الشرق الأوسط العربي/ المسلم يجعل القدر المسبق لإسرائيل أن تكون الحامي المخلص للاستقرار في جميع الدول المحيطة بها، هو حماية الأنظمة القائمة؛ بمنع أو عمليات النزوع للتطرف أو إيقافها وقطع الطريق أمام توسع الحماسة الأصولية الدينية[119].
وها هو وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريس(Shimon Peres) يوضح الدافع الأساسي لتوقيع اتفاق أوسلو وهو السعي لبناء نظام إقليمي جديد من أجل مواجهة انتشار المدّ الإسلامي «الأصولي»[120].
استفحلت ظاهرة الإسلاموفوبيا عقب هجوم 11 أيلول/ سبتمبر الذي تبناه تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وقامت الصهيونية باستغلال الحدث كي تمرر نظرية مفادها بأن «إسرائيل» تحمل القيم الأميركية نفسها (الديموقراطية)، وتحارب الخصم نفسه وهو «الإرهاب الإسلامي». فشُبِّه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بابن لادن[121]، في خطوة مكشوفة لإلصاق صفة «الإرهاب» بنضال الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال، ونزع الشرعية عن مقاومته. تساوق السياسيون الأميركان مع هذه «الفكرة» فوجدنا الرئيس باراك أوباما (Barack Obama) يصرح في خطابه أمام الإيباك (AIPAC) عام 2009 بأن لدى أميركا «قيماً مشتركة» مع «إسرائيل» وأنهم شركاء في الحرب على الإرهاب[122]، وهذا ما أكّده الناطق باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية أو فير جندلمان (Ofir Gendelman) في معرض تعليقه عن طبيعة العلاقات الأميركية الإسرائيلية[123]. ومع كل هجمة تشنها التنظيمات الإسلامية المتشددة على الغرب تستغل الصهيونية الحدث لتؤكد الفكرة نفسها؛ فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخاطب السفير الفرنسي عقب الهجوم الذي قام به تنظيم الدولة «داعش» في فرنسا عام 2015 بقوله: «نحن صامدون ولن نسقط، رغم أن البرابرة يوقعون ضحايا في صفوفنا،.... نحن فخورون «بقيمنا» وصداقتنا وحريتنا،.... عندما تشخّص «القوى المتحضرة» المشكلة لن يبقى أمامها سوى الاتحاد من أجل القضاء على هذه الحيوانات، هذه الحيوانات لها اسم وهو الإسلام المتطرف،... نحن ملزمون بالوقوف معاً لنحارب الإسلام المتطرف»[124]، لاحظ استخدام نتنياهو في خطابه لمصطلح البرابرة ذو الدلالة التاريخية عند الغرب وحرصه على ربط العالم الغربي بـ«إسرائيل» لأنهما مشتركان بالقيم نفسها وبالعدو نفسه، وإشارته إلى أن الحرب عبارة عن حرب حضارات.
تقوم استراتيجية نتنياهو على استغلال هجمات «داعش» ضد أهداف غربية من أجل الربط بين الإسلام والإرهاب من جهة ومقاومة الإحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى؛ فهو يدعي بأنّ «إسرائيل» والغرب يواجهان عدواً مشتركاً، حتى وصل به الأمر للإدعاء أنً العمليات التفجيرية ناتجة عن طبيعة الإسلام العدائية لا نتيجة الاضطهاد أو الاحتلال، ولا يتورع نتنياهوعن تضليل الرأي العام الغربي من خلال تشبيه محاولة «داعش» إقامة دولة الخلافة بمحاولة الفلسطينيين التخلص من الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية؛ وقد عبر عن ذلك بشكل مباشر في تصريح له عقب هجمات بروكسل وبتاريخ 23/3/2016 بقوله: «إننا نخوض حرباً عالمية ضد الإرهاب، إنها حرب أبناء الحضارة ضد أبناء الظلام، يضرب الإرهاب في كل مكان: إنه يضرب باريس (حيث قتِل في مساء واحد 129 شخصاً)، كما أنه يضرب أنقرة وبروكسل حيث قتِل العشرات، وإسطنبول حيث قتِل أيضاً 3 من مواطنينا، وساحل العاج وكاليفورنيا وتل أبيب وأورشليم القدس والقرى والمدن في أرض «إسرائيل»، ولا تأتي الممارسات الإرهابية في كل هذه المواقع انطلاقاً من الشعور بالإجحاف أو بالإحباط، بل إنها تنجم عن العقيدة القاتلة والرغبة في القضاء على الخصم ووراثته، وسبق أن قلت مراراً وتكراراً إنّ الإرهاب لا ينبثق من الاحتلال أو اليأس بل من الأمل، أي من أمل مخرّبي داعش في أن يتمكنوا من إنشاء خلافة إسلامية على كامل الأراضي الأوروبية ومن أمل المخربين الفلسطينيين في أن يتمكنوا من إنشاء دولة فلسطينية على كامل الأراضي الإسرائيلية.
يجب علينا العمل معاً لحرمانهم من هذا الأمل. هذه نقطة الانطلاق الأهمّ لمحاربة الإرهاب. لذلك أكدتُ لمحاورَيَّ (رئيس الوزراء البلجيكي ووزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي) ضرورة إدانة الإرهاب في أي مكان وضرورة محاربته في أي مكان. ولا يوجد أدنى شك في أننا سننتصر على الإرهاب لكن إذا تكاتفت جهود شعوب العالم فإننا سننتصر عليه بسرعة أكبر بكثير”[125].
تظهر المعطيات المتوافرة بأن ظاهرة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة صُنِعت على يد مجموعة من الصهاينة؛ وهذا ما أشار إليه بول فندلي في كتابه «لا سكوت بعد اليوم»[126]. كما توصل بعض الباحثين الأميركيين في تقرير نُشِر سنة 2011 إلى هذه النتيجة، ويشير التقرير إلى أن الممولين لهذه الظاهرة هم عبارة عن سبع هيئات ومنظمات محافظة التوجه، وأغلبها منظمات غير ربحية تدعم مشاريع تعليمية وأخرى خيرية على الأغلب لا يعرفون بأن تبرعاتهم تذهب لتمويل صناعة الإسلاموفوبيا في أميركا. هذه الملايين أُنفِقت على مَنْ يسمَّوْن بـ«الخبراء» مروّجي الشائعات الذين يلفقون أخباراً ومعلومات خاطئة عن الإسلام، عددهم خمسة أشخاص، وهم: فرانك غافني(Frank Gaffney)، وديڤيد يروشلماي (David Yerushalm)، ودانيال بايبس Daniel Pipes)، وروبرت سبنسر( Robert Spencer)، وستيڤن إيمرسون ( Steven Emerson)، وكلّهم محسوبون على التيارات الصهيونية في أميركا. تلخيص رسالة هؤلاء «الخبراء» للشعب الأميركي هي كالتالي: «الإسلام عبارة عن إيديولوجيا عنيفة تسعى للسيطرة على الولايات المتحدة الأميركية، ما يشكل خطراً على المجتمع الأميركي لأنه يشجع على قتل اليهود والمسيحيين»، كما أشار البحث إلى المنظمات التي تشكلت وتفرّع منها عدة أفرع في عدد كبير من الولايات الأميركية، واحدة من هذه المنظمات أنشأتها لبنانية مارونية تدعى بريجيت غابريال (Brigitte Gabriel) واسمها «افعل من أجل أميركا» (Act for America). ويذكر التقرير أنها صاحبة مقولة «إن الفرق بين العرب والمسلمين والإسرائيليين هو كالفرق بين الهمجية والتحضر، الفرق بين الديموقراطية والديكتاتورية، الفرق بين الخير والشر»، إضافة إلى منظمة باميلا جيلير(Pamela Geller ) واسمها «أوقفوا أسلمة أميركا»(Stop Islamization of America) والتي نظّمت حملة لوقف بناء مركز إسلامي في مدينة نيويورك والمعروف باسم «بارك 51»(Park 51) بسبب قربه من مركزي التجارة العالميين اللذين دُمّرا في أحداث أيلول/ سبتمبر. وشنّت باميلا حملة منظمة قالت فيها: لا لمسجد أوباما، الإسلام يعني 1400 سنة من الاعتداءات والجريمة، إلا الاستسلام للشريعة، وإلى غيرها من عبارات الكراهية للإسلام، وهي صاحبة فكرة وضع ملصقات المترو في نيويورك التي تقول فيها: «عندما يجري تخييرك بين الشخص المتحضر والشخص الهمجي فعليك باختيار المتحضر، ساند إسرائيل واهزم الجهاد»[127].
أضحت ظاهرة الإسلاموفوبيا صناعة متكاملة لأطراف في الغرب تعود عليهم بالربح المادي والمعنوي، وتساعدهم في الوصول إلى السلطة، وإن على جثامين الأبرياء وغير الأبرياء؛ وذلك بحسب ناتان لين (Nathan Lean) مؤلف كتاب «صناعة الإسلاموفوبيا»(The Islamophobia Industry). درس لين المسألة تاريخياً وأثبت أن زرع الخوف في قلوب الأميركيين ليس مسألة جديدة وإنما ذات تاريخ طويل، غير مشرف، ولا يرتكز إلى حقائق وإنما لهدف محدد، ويلاحظ أن الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية أقوى في 2012 مما كانت عليه قبل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، بل إن استقصاءات الرأي تبين أن معاداة الإسلام والخوف من المسلمين بعد مضي شهرين على ذلك التاريخ كانت أقل بكثير مما هي عليه الآن، وهذا ليس مصادفة بل نتاج حملة منظمة.
لا يقبل ناتان لين الادعاء بأن أعمال الاعتداء على المواطنين والمؤسسات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى أخذ موظفي السفارة الأميركية في طهران رهائن سبب ذلك الخوف الذي يغذيه اليمين الصهيوني المعادي لكل ما هو ليس صهيونياً، هو يرى أن الجذور تاريخية، ويرى أن أحد أهم جذورها يُعثر عليه في الفكر البروتستانتي المتطرف وغاية في المحافظة، والذي يكفِّر كل من هو ليس مثله، ومن ضمنهم المسيحية الكاثوليكية والشرقية، أي الأرثوذكسية. ويثبت صحة رأيه بالإشارة إلى حوادث عديدة وقعت في الولايات المتحدة الأميركية في القرون الماضية، ادعت بوجود مؤامرة عالمية عليها هدفها القضاء على المسيحية الصحيحة، أي البروتستانتية المتطرفة.
ويشير لين إلى دور بارز تقوم به قنوات تلفزيونية أمريكية ومنها محطة فوكس(Channel Fox) في التحريض على نثر بذور الفرقة والكراهية والهلع من المسلمين والآخر المختلف، عبر استقبالها قادة تلك التيارات والمؤسسات المصابة بهوس معاداة الآخر المختلف. لكن المؤلف في الوقت نفسه يشير إلى دور صحف يومية أمريكية معروفة في نثر بذور الكراهية ورُهاب المسلمين والإسلام، كل ذلك طبعاً تحت بند حرية التعبير والرأي المستقل والديموقراطية، كما يشير لين إلى الدور الأساسي الذي تمارسه بعض التجمعات والأحزاب وفي مقدمتها حزب الشاي (The Tea Party)، الذي أنتج بدوره عدداً من المنظمات والمؤسسات هدفها نشر رُهاب الإسلام والتحذير منهم والدعوة إلى تشجيع تنصيرهم...إلخ، وينضم إلى مختلف هذه المجموعات مؤسسات وقوى صهيونية. ويلفت لين الانتباه إلى تحالف اليمين المؤيد لـ«إسرائيل» ودوره في نشر رُهاب المسلمين ودعم بناء المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، وهذا كله متعلق بفكرة تأسيس دولة لليهود في فلسطين وتجميعهم هناك، هذه الفكرة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفكر البروتستانتي الألفي الذي انتشر مذعوراً بعد نجاح الثورة الفرنسية ورفعها رايات الحرية والعدالة والإخاء، التي أرعبت اليمين البريطاني فأطلق هوس اقتراب موعد الألفية ونهاية العالم وعودة المسيح بين شعبه وفي أرضه، أي في فلسطين.
يرى لين أن الجذور الحقيقية للصهيونية لم تكن يوماً يهودية وإنما بروتستانتية أصولية، وهذا ما يجمع رُهاب الإسلام باللوبي المؤيد للصهيونية و«إسرائيل» ويقدم لها الدعم كبرنامج سياسي - ديني متكامل.[128]
صناعة الإسلاموفوبيا في الغرب غير مقتصرة على اللوبي الصهيوني؛ بل أصبحت أشبه ما يكون بالتجارة الرائجة لكتّاب وصحفيين وسياسيين يتخذون من الإسلاموفوبيا مادة للتكسّب والرّبح السياسي، وتعدى الأمر كونه خوفاً من الإسلام إلى نوع من الهوس؛ ففي ألمانيا واجهت المستشارة أنجيلا ميركيل (Angela Merkel) احتجاجات من اليمين تحت شعار منع «أسلمة البلاد» عقب السماح لبضعة آلاف من المهاجرين السوريين باللجوء إلى ألمانيا[129]، وفي فرنسا توقع الكاتب ميشال هو لباك(Michel Houellebecq) في كتابه «سومسيون»(Soumission) (خضوع) تحول فرنسا إلى دولة إسلامية سنة 2022 بعد انتخاب رئيس من حزب إسلامي[130]، كما استغل دونالد ترامب(Donald Trump)، الرئيس الأميركي المنتخب جديداً المحتمل، حادثة مقتل 14 أمريكي على يد زوجين أمريكيين مسلمين، للدعوة إلى فرض حظر على دخول المسلمين الولايات المتحدة[131]. هذه الشواهد فيض من غيض لكثير من المؤشرات حول استفحال ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب والتي تتغذى على ممارسات بعض التنظيمات الإسلامية المتشددة.
يرى سعيد أن الرأي «المعتمد» لدى المستشرقين بأن الشرقيين يفتقرون إلى تقاليد الحرية[132]، تجدد طرح الفكرة نفسها مع مزجها بالإسلاموفوبيا عقب انطلاق الانتفاضات العربية المطالبة بالحرية ضدّ الأنظمة الشمولية في سنة 2011 أو ما اصطلح عليه بـ«الربيع العربي»، فنجد «الخبير» برنارد لويس في مقابلة أجريت معه في تموز/ يوليو2011 يرفض إجراء انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي؛ خشية من وصول الإسلاميين للحكم وهو ما سيكون كارثياً، مبرراً وجهة نظره بأن الديموقراطية ممارسة غربية نابعة من التاريخ الغربي[133]؛ وبالتالي فهي لا تصلح للعرب. يحاول لويس وأمثاله إخفاء المقصد الحقيقي لهذا الطرح من خلال الادعاء بأن الديموقراطية غير ملائمة للعرب والمسلمين؛ بينما يخفون خشيتهم من نشوء أنظمة ديموقراطية في الدول العربية ترعى مصالح شعوبها ولا تخضع للإملاءات الغربية. الفكرة نفسها عبَّر عنها عاموس جلعاد(Amos Gilad)، رئيس الدائرة الأمنية والعسكرية في وزرارة الدفاع الإسرائيلية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 عندما هاجم ثورات الربيع العربي خلال مؤتمر بالعاصمة الأميركية واشنطن، وقال: إن «إسرائيل» تفضل استقراراً يستند على نفوذ أمريكي بالشرق الأوسط بدل ديموقراطية تأتي بالإسلاميين[134].
يرى عبد الله محمد أن مدرسة الاستشراق الحديثة تقوم على ثلاثة محاور رئيسية وهي: تهديد المسلمين المتعصبين، ثم حتمية انتصار التغريب، وأخيراً «الحق الإسرائيلي». وعند تشريح هذه المدرسة نجد أن أكثر المنتمين إليها إمّا من اليهود أو الصهاينة وإما مناصريهم، وأن مفهوم الخطر يتجسد في الخطر من الإسلاميين، وأن هذا الخطر موجه بالدرجة الأولى إلى «إسرائيل» عاصمة الغرب الديموقراطي في الشرق الأوسط[135]. ويذهب عبد الإله بلقزيز إلى أن انحسار ظاهرة الاستشراق ناجم من استنفادها دورها المعرفي، نتيجة نضوب ينابيع الإبداع العلمي فيها، وسقوطها في الاجترار والانغلاق الفكري والمنهجي على عالمها الداخلي؛ فلم يعد الاستشراق قادراً على أن يقدم أعمالا مقنعة بعد رحيل آخر رموز جيله الأخير مكسيم رودنسون (Maxime Rodinson)، وجاك بيرك(Jacques Berque)، وشيخوخة آخرين مثل جوزيف إس فان (Joseph S. Van)، وانتهاء آخرين مرموقين إلى انتاج نصوص في غاية السخف والتفاهة (برنارد لويس)، ولم يصدر عن مستشرقي اليوم إلا القليل من النصوص الجديرة بالقراءة مثل كتابات مايكل كوك (Michael Cook)، أو جاكلين الشابي(Jacqueline Chabbi)، أما البواقون فيُكررون أنفسهم في حركة رتيبة لا إبداع فيها ولا تجديد، مع تراجع حاد في عدد الدراسات، وتدهور ملحوظ في المؤسسات العلمية والكراسي الجامعية والمجلات الخاصة بالدراسات العربية والإسلامية في البلدان الغربية، وتوقف كامل للمؤتمرات العلمية الاستشراقية، وتراجع في مستوى اكتساب اللغة العربية. ويقترن بهذا الانحسار الكبير لموجة الاستشراق إعادة توزيع الدراسات الإسلامية على ميادين وتخصصات دراسية فرعية مثل العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية، ومع هذا التوزيع الجديد يتبين أن ميدان الاستشراق بدأ يتعرض للتهشيش المتدرج، وأن هشاشته آخذة إياه إلى الانفراط كميدان مستقل، وإلى نجاح تلك الميادين والتخصصات، التي تتناهبه، في وراثته[136].
ويرى بلقزيز أن الدراسات التي تصدر عن الإسلام والحركات الإسلامية في هذه الأيام، بل منذ الثورة الإيرانية في سنة 1979، هي في معظمها تجري في نطاق مراكز أبحاث أو معاهد تابعة لوزارات الخارجية والدفاع والاستخبارات في دول أوروبا وفي الولايات المتحدة، أو ممولة من هذه المراكز أو من وكالات أخرى مثل الوكالة الدولية للتنمية (AID: Agency for International Development)، وهي لهذه الأسباب، موجهة وتضمر اغتراضاً سياسياً ولا توجد من ورائها جدوى علمية. أما «الباحثون» الذين يعدون دراساتهم، في نطاق هذه الـ«أجندة» الغربية الرسمية، فلم يعودوا باحثين بالمعنى الأكاديمي بل تحولوا إلى «خبراء» في الإسلام والحركات الإسلامية وبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يؤدون سخرة سياسية لحكوماتهم باسم «علم» في غاية الضحالة، ولقد استدرج إلى الفخ مستشرقون مرموقون (سابقاً) من طراز برنارد لويس، الذي ارتضى أن يكون لساناً من ألسنة المحافظين الجدد. إن ما يقوم به الجيل الجديد من «الباحثين»/ «الخبراء»، في ميدان دراسات الإسلام، يشبه أن يكون نظيراً لما يكتبه «خبراء» الغرب و«العالم الثالث» في دراساتهم المكتوبة لمصلحة البنك الدولي(World Bank)، وصندوق النقد الدولي(International Monetary Fund)، وبعض المنظمات الفرعية التابعة للأمم المتحدة(United Nations)، من تقارير لا قيمة علمية فيها[137].
الخلاصة والاستنتاجات
تلتقي الصهيونية مع الاستشراق في الجذور الفكرية، فهنالك قاسم فكري مشترك بينهما قائم على النظرة الاستعلائية العنصرية مع إدعاء النقاء والتفوق، وبالتالي فإن الإيديولوجيا الاستعمارية الغربية المبنية على مفاهيم الاستشراق تعدُّ أحد أهم المصادر للإيديولوجيا الصهيونية.
تبنّى كل من الاستشراق والصهيونية النظرة نفسها للشرقيين، وهي رؤية مبنية على تعزيز الفرق بين (أوروبا أو الغرب أو نحن) الأذكياء/ الموضوعيين/ العقلانيين؛ وبين (الشرق أو هم) الأغبياء/ غير العقلانيين/ الفاسدين/ غير الموضوعيين، وذلك بهدف التمهيد للاستعمار الغربي والصهيوني، وإقناع الجمهور «الغربي» بتقبل فكرة السيطرة على شعب آخر «الشرقي» بل وممارسة العنف ضده، وهذا لن يحصل بدون نزع صفة الإنسانية عن «الآخر» من خلال وصمه بصفات التخلف وتشبيهه بالحيوانات، بحيث يكون هنالك «نحن» المتحضرون الأذكياء المتفوقون في مقابل «هم» المتخلّفون الأغبياء المنحطّون، الذين لا يستحقون الحياة حتى الشفقة عند قتلهم.
مهدت أعمال بعض المستشرقين الطريق أمام الحملات الاستعمارية الأوروبية بل عمل بعضهم بشكل مباشر في خدمة الاستعمار، فهيأ الاستشراق من خلال «المعرفة» كل الشروط لترجمة القوة وفرض سيطرة استعمارية على فلسطين، كما عملت عدة جمعيات استشراقية على تسهيل مهمة الاستيطان الصهيوني في فلسطين؛ من أهمها صندوق الاكتشاف الفلسطيني.
التقى الدافع الديني للاستشراق مع الطموحات الصهيونية، وحصل انسجام كبير بين أهداف الاستشراق الدينية والصهيونية، ترافق ذلك مع ظهور معاداة السامية في الغرب ومن ثم كان الحل الصهيوني المقترح للمسألة اليهودية جزءاً لا يتجزأ من العملية الاستعمارية الغربية.
حرص المستشرقون ومن خلفهم الاستعمار على إحياء فكرة «الشعب اليهودي» وعملوا على حثّ اليهود لاستعادة «أرض الميعاد»، بدأ ذلك بشكل عملي بنابليون بونابرت وتعمق بأعمال المستشرقين الهادفة لإثبات الحق التاريخي لليهود في فلسطين، ترافق ذلك مع إنكار المستشرقين لوجود شعب فلسطيني، وإصرارهم على أن التسمية التاريخية لفلسطين هي «أرض إسرائيل».
تقاطعت مصلحة الاستعمار مع الصهيونية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فتحولت «إسرائيل» إلى أداة استعمارية لحماية المصالح الغربية، وتطورت لتصبح قاعدة عسكرية متقدمة للغرب في آسيا تمنع أي حركة تحرر وطني تهدف للتخلص من الهيمنة الغربية.
تطورت ظاهرة الاستشراق وتحولت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث تشترك ظاهرة الإسلاموفوبيا مع الاستشراق في الطروحات نفسها. ظاهرة الإسلاموفوبيا تعززت بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر لتصبح بمنزلة صناعة يشرف عليها الصهاينة في الغرب؛ هدفها تعزيز المخاوف من العرب والمسلمين والحوؤل دون قيام أيّ نظام ديموقراطي في الدول العربية، والعمل على نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية من خلال وصمها بـ«الإرهاب».
يمكننا وصف العلاقة بين الصهيونية والاستشراق بأنها أشبه بالعلاقة الطفيلية، بمعنى أن الصهيونية تغذت على المفاهيم الاستشراقية وتبنت النظرة الاستشراقية للعرب، ما انعكس على سلوكها الاستعماري العنيف. أما علاقة الصهيونية بظاهرة الإسلاموفوبيا فهي قائمة على استغلال مشاعر الخوف لدى الغربيين من الإسلام، فقامت بتغذية هذه المشاعر وتنميتها، بمعنى أن الصهيونية تغذت على المفاهيم الاستشراقية وقامت في ما بعد بدورها بتغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا. بينما يمكننا وصف العلاقة بين الاستشراق والإسلاموفوبيا بعلاقة تطور؛ حيث تطورت ظاهرة الاستشراق بعد استنفاد أغراضها لتتحول إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا.
نستنتج من خلال استعراضنا لظاهرة الاستشراق وتحولها إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا؛ بأن هنالك ما يشبه الخط غير الظاهر الذي يربط بين أعمال المستشرقين و«الخبراء» ومحاولة إثبات الحق التاريخي للصهاينة في فلسطين بحيث يُعَدُّ أيّ شكل من أشكال «الرفض» لهذا «الحق» «إرهاباً»، وهذا سيقود بالضرورة إلى تصوير الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين كصراع بين قوميتين متصارعتين على أرض فلسطين لهما الحقوق نفسها؛ القومية الفلسطينية و«القومية اليهودية»، وذلك بهدف التعمية على حقيقة المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين، وحقيقة أن الصراع هو بين مستعمر محتل وسكان أصلانيين.

-----------------------------------------
[1]*- باحث وأكاديمي من فلسطين.ـ
[2]-Definition of Zionism. https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Zionism/zionism.html، Jewish Virtual Library.
[3]- Bernard Lewis، “The Anti-Zionist Resolution”، Foreign Affairs، Vol. 55، No. 1، Oct. 1976، pp. 54- 64. https://www.foreignaffairs.com/articles/israel/1976- 10 -01/anti-zionist-resolution
[4]- عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ط1، (القاهرة: دار الشروق، 1998)، ص: 13.
[5]- Oxford Dictionaries، Zionism. https://www.oxforddictionaries.com/definition/learner/zionism
[6]- عبد الوهاب الكيالي (محرر)، موسوعة السياسة، ط1، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983)، ج3، ص: 659.
[7]- أحمد بهنسي، الاستشراق الإسرائيلي... سمات وأهداف، تقرير القدس الشهري الصادر عن مركز الإعلام العربي، (الجيزة: مركز الإعلام العربي، السنة الثامنة، العدد 95، نوفمبر 2006)، ص: 91.
[8]- رودي بارت، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، (ترجمة: مصطفى ماهر)، (القاهرة: دار الكتاب العربي، 1967)، ص: 11.
[9]- مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره على الفكر الإسلامي الحديث، ط1، (بيروت: دار الإرشاد، 1969)، ص: 5.
[10]- إدوارد سعيد، الاستشراق/ المفاهيم الغربية للشرق، (ترجمة: محمد عناني)، ط1، (القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع، 2006)، ص: 46.
[11]- أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، (القاهرة: دار الفكر العربي، 1998)، ص: 40-52.
[12]- المرجع نفسه، ص: 39.
[13]- إداورد سعيد، الاستشراق، ص: 72.
[14]- المرجع نفسه، ص: 324.
[15]- المرجع نفسه، ص: 388.
[16]- عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، ط1، (دمشق: دار الفكر، 2003)، ص: 78-82.
[17]- عبد الله محمد، مؤسسات الاستشراق والسياسة الغربية تجاه العرب والمسلمين، دراسات استراتيجية 57، ط1، (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2001)، ص: 8-29.
[18]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 52.
[19]- المرجع نفسه، ص: 95+96+101.
[20]- المرجع نفسه، ص: 283.
[21]- صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 28/12/2015، عدد: 13544، يعقوب الإبراهيم، إعلان بلفور الحلقة 2-3. http://bit.ly/1RIAtsd
[22]- انظر عرض ونقد كتاب: «محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين» لجورج بوش (1796-1859)، شبكة الألوكة.
http://www.alukah.net/library/0/18660/
[23]- الجزيرة نت، عوفاديا يوسف عندما يتحول الحاخام إلى داعية كراهية،
7/10/2013. http://bit.ly/1leH7I3
[24]- ستيفن بينيت، الاستشراق والخطاب التوراتي في وسائل الإعلام الأميركية، (ترجمة: سميح حمودة)، مجلة حوليات القدس، (القدس: مؤسسة الدراسات المقدسية، عدد 10، شتاء 2010)، ص: 21.
[25]- ستيفن بينيت، مرجع سابق، ص: 25+27.
[26]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 50.
[27]- المرجع نفسه، ص: 49.
[28]- صحيفة القدس، القدس، 30/11/2015، أحمد قطامش، استحقاقات سياسية وتنظيمية يستوجبها الاشتباك الانتفاضي في الأراضي المحتلة.
[29]- موقع اليوتيوب، الدعاية الانتخابية لحزب إسرائيل بيتنا 2009. (بالعبرية) http://youtu.be/0mjceh-6Hq4
[30]- موقع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، جلسة الحكومة بتاريخ 27/12/2015. (بالعبرية):
http://www.pmo.gov.il/MediaCenter/SecretaryAnnouncements/Pages/govmes271215.aspx.
[31]- الجزيرة نت، 1/1/2016، صالح النعامي، الحاخامات وفقه التوحش المسكوت عنه. http://bit.ly/1Ombgjc
[32]- قامت المعلمة جان اليوت عقب اغتيال مارتن لوثر كنغ سنة 1968 بمحاولة إقناع طلابها بخطورة الحكم على الآخرين بسبب لون بشرتهم ولإثبات ذلك قامت بإجراء تجربة على تلاميذها من الأطفال لمعرفة تأثير «التصنيف» في سلوكيات الأطفال من خلال تقسيم الطلاب إلى فريقين، فريق الأطفال اصحاب العيون الزرقاء الذين تم وصفهم بالأذكى، بينما الأطفال أصحاب العيون البنية يعدّون أقل ذكاءً وبالتالي لا يحق لهم الشرب من صنبور المياه مباشرة بل يجب أن يشربوا بواسطة الأكواب الورقية ولا يحق لهم اللعب مع الأطفال أصحاب العيون الزرقاء، النتيجة كانت إحباط أصحاب العيون البنية في مقابل فرح أصحاب العيون الزرقاء، وخلال فترة وجيزة قام أصحاب العيون الزرقاء بالتحرش وضرب أصحاب العيون البنية، وأصبح إطلاق وصف صاحب العيون البنية بمثابة شتيمة، وعند تكرار التجربة مع طلبة الجامعات تكررت النتيجة نفسها مع علمهم بأنها تجربة.
أنظر http://www.janeelliott.com/
[33]- https://www.youtube.com/watch?v=jk2-ZXAWkfg Five Steps to Tyranny. BBC.
[34]- انظر كتاب غوستاف لوبون، سيكولوجيا الجماهير، (ترجمة: هاشم صالح)، ط 1، (بيروت: دار الساقي، 1991).
[35]- الجزيرة نت، 6/4/2008، القتلى العراقيين والغزو الأميركي. http://bit.ly/1UpZqX3
[36]- سليمان حميش، الاستشراق والعقد الاستعماري، مجلة الاجتهاد، 1994، ص: 198+199. http://bit.ly/1P0CXzq
[37]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 153+154.
[38]- روجيه غارودي، ما يعد به الإسلام، (ترجمة: قصي أتاسي وميشيل واكيم)، (دمشق: دار الوثبة، 1983)، ص: 233.
[39]- توفيق سليمان، أسطورة النظرية السامية، (دمشق: دار دمشق، 1982)، ص: 71-78.
[40]- روجيه غارودي، مرجع سابق، ص: 233.
[41]- توماس لورنس، أعمدة الحكمة السبعة، (ترجمة: محمد النجار)، ط1، (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1963)، ص: 25.
[42]- أرسكين تشايلدرز، الحقيقة عن العالم العربي، (ترجمة: خيري حماد)، (بيروت: المكتب التجاري، 1960)، ص: 54.
[43]- أحمد بهنسي، مرجع سابق، ص:92.
[44]- ابراهيم عبد الكريم، الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل، ط1، (عمّان: دار الجليل، 1993)، ص: 40-46.
[45]- رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، مواليد ألمانيا والده فلسطيني ووالدته ألمانية، خبير في الاستشراق.
[46]- مقابلة شخصية مع د. ساندر سليمان رئيس قسم العلوم السياسية (جامعة الخليل)، في جامعة الخليل بتاريخ 20/12/2015.
[47]- خيرية قاسمي، نشاطات صندوق اكتشاف فلسطين 1865-1915، مجلة شؤون فلسطينية، (بيروت: مركز الأبحاث م.ت.ف، عدد 104، تموز/يوليو1980)، ص: 71-94.
[48]- أسعد رزوق، إسرائيل الكبرى/ دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني، سلسلة كتب فلسطينية (13)، (بيروت: مركز الأبحاث م.ت.ف، 1968)، ص: 42.
[49]- أحمد سمايلوفيتش، مرجع سابق، ص: 142+143.
[50]- محمود المراش، بريطانيه: صندوق الاستكشافات الفلسطينية، مجلة شؤون فلسطينية، (بيروت: مركز الأبحاث م.ت.ف، عدد 9، أيار/مايو1972)، ص: 200-202.
[51]- محمد الدسوقي، الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، ط1، (المنصورة: دار الوفاء، 1995)، ص: 50.
[52]- ستيفن بينيت، مرجع سابق، ص: 19.
[53]- عبد الوهاب المسيري، الايدلوجية الصهيونية، ط2، (الكويت: دار المعرفة، 1992)، ص: 32+34.
[54]- ريجينا الشريف، مرجع سابق، ص: 35.
[55]- ستيفن بينيت، مرجع سابق، ص: 25+27.
[56]- ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، (ترجمة: محمد علي مقلد، تحقيق: جورج أبي صالح)، ط1، (لبنان: مركز الانماء القومي، 1990)، ص: 179.
[57]- موقع إنسانيات، 2007، عبد القادر عبد العالي، التصدّع الديني العلماني من خلال الحالة الإسرائيلية.
http://insaniyat.revues.org/3167
[58]-موقع مركز تكنولوجيا التعليم، العلاقة بين المتدينيين والعلمانيين في إسرائيل (الماضي/الحاضر/المستقبل).(بالعبرية)
http://lib.cet.ac.il/pages/item.asp?item=17807
[59]- اسرائيل شاحاك، تاريخ اليهود وديانتهم، (ترجمة: ناصرة السعدون)، (دمشق: دار كنعان، 2012)، ص: 41.
[60]- محمد إدريس، الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، (القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 1995)، ص: 84.
[61]-المرجع نفسه، ص: 27.
[62]- صبري جريس، تاريخ الصهيونية (1862ـ1948)، (قبرص: مركز ابحاث «م.ت.ف»، 1981)، ص: 45ـ47.
[63]- المرجع نفسه، ص: 47ـ49.
[64]- عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، ط1، (بيروت: دار الفكر، 2003)، ص: 69ـ86.
[65]ـ صبري جريس، مرجع سابق، ص: 50.
[66]- المسيري، الايدلوجية، ص: 43.
[67]-Raja Shehadeh (Book Review)، Victor Kattan، From Coexistence to Conquest: International Law and the Origins of the Arab-Israeli Conflict (1891-1949)، Middle East Policy Council. http://bit.ly/1Pw5PSqـ
[68]- عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود، ص: 14.
[69]- Sokolov. Nahum. History of Zionism. 1600-1918(vol.1). New York: KTAV Publishing House. 1964. P: 63.
[70]- Franz Kobler، Napoleon and the Jews، Schocken Books، 1976، p: 57.
[71]- شكري نجار، لم الاهتمام بالاستشراق؟، مجلة الفكر العربي، (السنة 5، 1983، عدد 31)، ص: 67.
[72]-Crossman، Richard. A Nation Reborn: The Israel of Weizman، Bevin and Ben Gurion. London: Hamish Hamilton. 1960. P: 130.
[73]- شكري النجار، مرجع سابق، ص: 67.
[74]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 437.
[75]- بول فندلي، الخداع، (ترجمة وتحقيق: محمود زايد)، ط1، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1993)، ص: 25.
[76]- إدوارد سعيد، تعقيبات على الاستشراق، (ترجمة وتحرير: صبحي الحديدي)، ط1، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996)، ص: 111.
[77]-Bernard Lewis، Palestine: On the History and Geography of a Name، The International History Review، Vol.2، No.1، Jan 1980، p:1.
http://www.jstor.org/stable/40105058?seq=1#page_scan_tab_contents
[78]- موقع الجامعة الإسلامية بغزة (مترجم)، ثيودور هرتسل، الدولة اليهودية، ص: 19. http://bit.ly/1ZoQRgj
[79]- Patrai، Raphael. The complete Dairies of Theodore Herzl. (vol.1). New York: Herzl Press and Thomas Yoseloff.1960. Trans Harry Zohn. P: 56.
[80]- عبد الوهاب المسيري، الايدلوجيا، ص: 116.
[81]-صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 27/12/2015، عدد: 13543، يعقوب الإبراهيم، إعلان بلفور الحلقة 1-3. http://bit.ly/1ZwqdUC
[82]- شلوموساند، إختراع الشعب اليهودي، (ترجمة: سعيد عياش)، ط2، (رام الله: مدار، 2013)، ص: 103.
[83]- اسرائيل شاحاك، مرجع سابق، ص: 51.
[84]- Rabinovitch، Simon. Alternative to Zion. 2007. P: 55. http://bit.ly/1mW6zUf.
[85]-غي هرميه وآخرون، قاموس علم السياسة والمؤسسات السياسية، (ترجمة: هيثم اللمع)، ط1، (بيروت: مجد، 2005)، ص: 252.
[86]- جمال حمدان، اليهود انثروبولجياً، (القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1967)، ص: 90.
[87]- ثيودور هرتسل، مرجع سابق، ص: 8.
[88]- شلوموساند، إختراع الشعب، ص: 179-233.
[89]- محمد ادريس، مرجع سابق، ص: 30.
[90]- عبد الوهاب المسيري، الايدلوجية، ص: 30.
[91]-المسيري، الايدلوجية، ص: 55.
[92]-Alexander Scholch، Britain in Palestine، 1838-1882: The Roots of the Balfour Policy، Journal of Palestine Studies، Vol. 22، No.1، 1992/93، p: 39. . http://www.palestine-studies.org/jps/fulltext/39775
[93]-Abu-Lughod Ibrahim، and Abu-Laban Baha. Settler Regimes in Africa and the Arab World: The IIIusion of Endurance. Willmette، Illinois: Medina Univeristy Press، 1974. P: 22.
[94]-شلوموساند، اختراع أرض إسرائيل، (ترجمة: انطوان شلحت وأسعد زعبي)، ط1، (رام الله: مدار، 2013)، ص: 176.
[95]- ثيودور هرتسل، مرجع سابق، ص: 19.
[96]- موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وثائق خاصة بالقضية الفلسطينية، توصية مؤتمر لندن «مؤتمر كامبل بنرمان».
http://www.palestine-studies.org/sites/default/files/Recommendation_of_the_London_Conference.pdf.
[97]- Sokolov. Nahum. History of Zionism. 1600-1918(vol.1). New York: KTAV Publishing House. 1964. P:206-207.
[98]- صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 27/12/2015، عدد: 13543، يعقوب الإبراهيم، إعلان بلفور الحلقة 1-3.
http://bit.ly/1ZwqdUC
[99]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 86+87.
[100]- المرجع نفسه، ص: 388.
[101]- المسيري، الايدلوجية، ص: 46.
[102]- رسالة كتبت في شهر يوليو1921 لكنها لم ترسل إلى تشرتشل.
[103]-Crossman، Richard. A Nation Reborn: The Israel of Weizmann، Bevin and Ben- Gurion. London: Hamish Hamilton. 1960. P:131-132.
[104]-Abu-Lughod Ibrahim.op. cit. p: 183+184.
[105]- عبد الوهاب المسيري، الايدلوجية، ص: 65.
[106]- مصطلح حديث نسبياً، تم نحت المصطلح الذي استعير في جزء منه من علم الاضطرابات النفسية للتعبير عن ظاهرة الرهاب أو الخوف المرضي من الإسلام. (أنظر: خالد سليمان، ظاهرة الإسلاموفوبيا، مركز الشرق العربي. http://bit.ly/20gv5Rz)
[107]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 79.
[108]- المرجع نفسه، ص: 128.
[109]-إدوارد سعيد، تعقيبات، ص: 28.
[110]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 482.
[111]- محمد إدريس، مرجع سابق، ص: 126.
[112]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 439.
[113]- عبد الله محمد، مرجع سابق، ص: 45.
[114]- تراجع فوكومايا فيما بعد عن تأييد فكر المحافظين الجدد وأعلن عن ذلك في كتابه (أميركا على مفترق الطرق) المنشور سنة 2006.
[115]-Terence Ball، Neoconservatism، Encyclpaedia Britannica. http://www.britannica.com/topic/neoconservatism
[116]- فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، (ترجمة: حسين أمين)، ط1، (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1993)، ص: 56.
[117]- صامويل هنتنجتون، صدام الحضارات/إعادة صناعة النظام العالمي، (ترجمة: طلعت الشايب)، ط2، (الاسكندرية: منتدى مكتبة الاسكندرية، 1999)، ص: 181.
[118]- بول فندلي، لا سكوت بعد اليوم /مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أميركا، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط 5، 2010)، ص: 11.
[119]- اسرائيل شاحاك، مرجع سابق، ص: 45.
[120]- شمعون بيريس، الشرق الأوسط الجديد، (ترجمة: محمد حلمي)، ط1، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1994)، ص: 62.
[121]- قصي حامد، الولايات المتحدة والتحول الديمقراطي في فلسطين، ط1، (بيروت: مركز الزيتونة، 2009)، ص: 120.
[122]-موقع اليوتيوب، خطاب أوباما لدى لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية، 28/6/2009. http://youtu.be/KJq6ykarsp0
[123]- موقع اليوتيوب، أو فير جندلمان: العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة قوية لأنها مبنية على قيم مشتركة، 3/3/2015.
http://youtu.be/uSkRHooFJEU
[124]- موقع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، 18/11/2015. (بالعبرية).
http://www.pmo.gov.il/MediaCenter/Events/Pages/eventJpost181115.aspx
[125]-موقع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، 23/3/2016.
http://www.pmo.gov.il/Arab/MediaCenter/Events/Pages/spokrstatmemt230316.aspx
[126]- بول فندلي، لا سكوت بعد اليوم، ص: 86.
[127] - Wajahat Ali and others، Fear، Inc. The Roots of the Islamophobia Network in America، August 2011. https://cdn.americanprogress.org/wp-content/uploads/issues/2011/08/pdf/islamophobia.pdf
[128]- الجزيرة نت، 27/12/2012، زياد منى، صناعة الإسلاموفوبيا. http://bit.ly/1niY2Lm
[129]- صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 17/12/2014، ميركل أمام مأزق صعود اليمين المعادي للمهاجرين. http://bit.ly/1GsYomJ
[130]- موقع فرانس 24، 7/9/2015، رواية فرنسية تصور تحول فرنسا إلى «دولة إسلامية» في 2022. http://f24.my/1i7qrlc
[131]-موقع بي بي سي، 9/12/2015، هل يتصاعد العداء للمسلمين في أميركا بعد تصريحات ترامب؟. http://bbc.in/1RX23BG
[132]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص: 373.
[133]- موقع اليوتيوب، برنارد لويس يقارن احتلال بريطانيا وروسيا لمصر: ما بين اللبن واللحم. http://youtu.be/IQgHsOigfm0
[134]-Amos Gilad، Israeli Security Policy in an Uncertain Middle East، The Washington Institute، 11/1072013. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/2013-schiff-memorial-lecture
[135]- عبد الله محمد، مرجع سابق، ص: 33+34.
[136]- عبد الإله بلقزيز، سمات الدراسات الاستشراقية وخطوطه المتوازية، مجلة النهضة، 2015.
http://www.almustaqbal.com/v4/article.aspx?Type=NP&ArticleID=674122
[137]- عبد الإله بلقزيز، مرجع سابق.