البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هل خلق الدماغ الله أمِ الله خلق الدماغ ؟ ، حوار في الإلحاد والإيمان مع جورج هلال ويانيك فيلديو

الباحث :  أدار الحوار : ج. آ. بيرجيرون
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  7
السنة :  السنة الثالثة - ربيع 2017 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 9 / 2017
عدد زيارات البحث :  1270
تحميل  ( 317.595 KB )
تحت هذا العنوان الإشكالي والمثير جرى هذا الحوار المركب مع أستاذين متخصّصين بالفلسفة وعلم اجتماع الأديان في مركز مونتريال الثقافي في كندا. الأول هو البروفسور جورج هلال، أستاذ الفلسفة في جامعة مونتريال، والثاني هو يانيك فيليدو الصحافي ومقدّم البرامج في الراديو الكندي. أما التقديم الإجمالي لهذا الحوار فقد تولاّه الباحث في فلسفة العلم البروفسور جوزيف آرثر بيرجيرون. والجدير بالذكر أن هذا الحوار جرى برعاية إدارة مركز مونتريال الثقافي ـ كندا في 28 أكتوبر 2010.
المحرر
في مارس (آذار) 2010، كتب الفيزيائي الأميركي بي.جي.اي بيبلز (P.J.E. Peebles)، الأستاذ في جامعة برنستون وأحد مصممي نظرية الانفجار الكبير (Big Bang)، التي ما زالت تعتبر إلى حدّ اليوم، الوحيدة القادرة على تفسير نشأة الكون كما هو، يقول: “إن تاريخ العلم هو تاريخ تحسين التخمينات (approximations) المتعاقبة التي تثير أسئلة جديدة وتوجه البحث نحو تخمينات أكثر دقة.
إنّ مسألة أصل الكون ليست غير ذات علاقة بمسألة وجود الله. ومن الواضح أنه إذا كان انفجار ضخم مثل الانفجار الكبير قد أنتج الكون، والزمان والمكان، يحق لنا أن نتساءل ما سبب هذا الانفجار، وما كان “قبل الانفجار الكبير”، ومَنْ الذي أوْ ما الذي يختبئ وراء ما يسميه علماء الفيزياء "جدار بلانك" (Mur de Planck).
أصبح علماء الفيزياء يستفيدون من وجود أقمار صناعية فلكية أقوى فأقوى، وعقول ميكانيكية حقيقية، وآخرها، المسمّى “بلانك” تكريما ل”ماكس بلانك” (Max Plank)، صاحب نظرية الكم (quantas)، الذي وضع في مداره في 14 مايو 14 أيار 2009. يقوم هذا القمر الصناعي بتفحص كل ركن من أركان الكون بحثاً عن المعلومات التي يمكن أن تسمح للباحثين بالاقتراب من الحدّ الأقصى للواقع (الحقيقة)، أي من اللحظة التي بدأ فيها كل شيء مع الانفجار الكبير، اللحظة القصوى أو الحدّ الأقصى، المعروف باسم "جدار بلانك"، أي عندما بدأ كل شيء منذ لحظة الانفجار الكبير أو عند الحدود النهائية المعروفة باسم “جدار بلانك".
تماماً كما فعل الفيزيائيون، خطا علماء الأعصاب خطوات كبيرة في اكتشاف كيفية عمل الدماغ على أمد السنوات العشرين الماضية. ولكن حتى لو أن أبحاثهم قد أدت إلى اكتشافات مذهلة، يبدو أنه عندما يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كان الدماغ قد خلق اللَّه أو اللَّه قد خلق الدماغ، نجدهم هم أيضاً بمواجهة نوع من "جدار بلانك"..
وخلافا لعلماء الفيزياء، فإنه من المستحيل إطلاق الأقمار الصناعية داخل الدماغ لمعرفة ما يحدث فيه. الكل يدور غالبا كما لو أن قمرهم الصناعي الاستطلاعي هو الدماغ نفسه، الذي، هو أيضاً، قمر صناعيّ في غاية التعقيد، يجتهد العلماء لكشف أسرار عمله باستعمال أدوات دقيقة تزداد تطوّراً يوما بعد يوم. كل هذه الأبحاث أدت إلى نشوء العديد من الفرضيات، التي فتحت المجال، كما يقول الأستاذ بيبلز (Peebles)، إلى تحسين التخمينات المتعاقبة التي تثير دائما أسئلة جديدة وتوجيه البحث العلمي نحو تخمينات أدق يوماً بعد يوم.
في مجال أبحاث علم الأعصاب، نحن أمام تيارين كبيرين لتفسير وظيفة الدّماغ. الأول، الذي يبدو أنه الأغلبيّ، هو تيار علماء الأعصاب الفلاسفة ذوي النزعة المادية، الذين يحاولون البرهنة، من خلال دراسة مكونات الدماغ، أن العقل، والوعي (الشعور/ conscience)، والمشاعر، ليست سوى عمليات كهربائية وكيماوية. هذا ما يقودهم إلى اعتبار التجارب الدينية، الروحية والصوفية بمثابة أوهام تولّدت من نشاط الخلايا العصبية وبالتالي تأكيد أنّ الدّماغ هو الذي خلق الله.
التيار الثاني، تيّار علماء الأعصاب والفلاسفة غير الماديين، يزعم أن علماء الأعصاب الماديين لم ينجحوا في إعداد نظرية عصبية من شأنها أن تفسّر بشكل مقنع، كيف ينشأ العقل (esprit)والوعي (الشعور ـ conscience)، والإرادة من خلال التفاعل بين عدة مناطق في الدماغ وبين الدوائر العصبيّة والموصلات العصبية. وفقا لهم، لم يُبرهَن ذلك بل ويؤكدون أن محاولة علماء الأعصاب الماديين هي إخفاق. ووفقا لماريو بورغارد (Mario Beauregard)، الأستاذ في جامعة مونتريال ومؤلف كتاب “من الدماغ إلى الله” (غي تريدانيال للنشر، 2008)، فإنّ هذا الإخفاق يرجع إلى الفجوة المعرفية الهائلة التي تفصل المجال النفسي عن المجال المادي. هذان المجالان يكوّنان، على الأصحّ، جانبين لمبدأ تحتاني واحد مفاده أن أحدهما لا يمكن تجاهله لمصلحة الآخر.
هذا ولم يبق لنا سوى الاستماع إلى محاضَرْينا لهذه الليلة اللذيْن، ومن خلال مساعدة عقلهما الصّناعي، سوف يقدمان لنا، كلٌّ حسب قناعاته، تخميناته، الأدق بالتأكيد، في ما يتعلّق بذلك الحد الأقصى، بذلك الجدار الذي تمثّله مسألة أن نعرف ما إذا كان اللَّه هو الذي خلق الدماغ أو الدماغ هو الذي خلق الله. 
نص مداخلة جورج هلال Georges Hélal (كاملاً)
حصل السيد جورج هلال على بكالوريا في الفنون من جامعة ماك غيل (1955)، وكذلك على درجة الأستاذيّة في الفنون الفلسفية (1957)، ودكتوراه في الفلسفة (1965) وبكالوريا في علم اللاهوت من جامعة مونتريال. عمل أستاذا في كلية سانت دينيس من عام 1958 إلى عام 1962، وكرّس حياته المهنية في قسم الفلسفة من جامعة مونتريال من 1961 إلى 2006. كان أستاذاً مساعداً منذ عام 1965 وأصبح أستاذ كرسيّ في عام 1979. في البداية اهتم في تدريسه بفلسفة العلوم بعد ذلك، اهتمّ الأستاذ هلال بالقضايا المتعلقة بالطبيعة البشرية، ما دفعه لتعليم الأنثروبولوجيا الفلسفية وفلسفة الدين. في عام 1977، نشر كتاب “الرجل، اللاوعي والواقع الحيوي”، وفي عام 1979 “الفلسفة كـ بانفيزياء (Panphysique)، وهو دراسة حول فلسفة العلوم للفيلسوف الإنجليزي ألفرد نورث وايتهيد. سوف ينشر قريباً، عند منشورات بيلارمين (Bellarmin) كتاباً عن مجموع الأفكار الخاصة به عن الكائن البشري وعلاقته بالوجود. وأخيراً، نذكّر أنّه قد ألقى عدة محاضرات وكتب العديد من المقالات وشارك في برامج إذاعية وتلفزيونية.
مقدمة
يسرني أن أناقش مع يانيك فيلديو ومعكم قضية الدماغ في علاقته بالمسائل الروحيّة وبالدينيّ وبفكرة الله. إنّ تطور علوم الأعصاب في كل العقود الأخيرة، وخاصة علم النفس العصبي، قد أثارت مسألة دور الدماغ في التعبير عن الإيمان والعقيدة والتجربة الروحية والدينّيّ بشكل عام. لقد لاحظ علماء النفس العصبي خلال تجاربهم، بفضل الأدوات المتوافرة لهم، أن أجزاء مختلفة من الدّماغ تتفاعل مع التجارب الواعية (الشعوريّة) ويمكن أيضا أن تظهر حالات مختلفة من الوعي (الشعور) عند استثارتها مباشرة من قبل المختبِرِ. تُظهر الأعراض المرضيّة (Pathologies) الدّماغ أيضاً كما أنها قادرة على التأثير في أعمال الوعي (الشعور) كما التأثير في السلوك الجسدي. من هنا، فإننا نستنتج، أن هناك علاقة وثيقة جداً بين الشعور والدماغ. لا جديد في هذا، بما أن رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، كان هو نفسُه على بينة من هذه الحقائق. ومع ذلك، فإنّ علماء الأعصاب المعاصرين قادرون على أن يُبينوا إلى أي حدّ يوجد ارتباط بين الوعي (الشعور) والدماغ، وعلى أن يظهروا أن أنشطة الدماغ هي في علاقة متينة مع أعمال الوعي (الشعور).
هذه الحقائق قادت عددا لا بأس به من علماء الأعصاب إلى أن يستنتجوا بأن الوعي (الشعور) هو إما ظاهرة عارضة (épiphénomené) للنشاط الدماغي، وإمّا هو نوع من إفرازات الدماغ، وأنّه بالنتيجة، ليس بالأمر الجوهري: كل تجربة واعية هي نتاج لأنشطة الدماغ. من هنا، يكون بالإمكان الجزم بأن التجارب الروحية وكل ما يمكن أن يتعلق بها على مستوى العقيدة الدينية قد اتضح أنها وهمية، بما في ذلك فكرة الألوهيّة. هذا الموقف يمكن أن يكون أكثر مصداقية، ولا سيّما عندما تمكِّن بعض الإثارات المباشرة على الدماغ، المُجراة في المختبر أو في وضعية التدخل الجراحي، تمكّن أحيانا من إحداث تجارب ذات طبيعة روحيّة. ويتعزز هذا الموقف عندما يكون المتخصّص في هذا المجال هو نفسه ماديّاً، ممن يعتقد بأن المادة هي الشيء الوحيد الموجود، وهذا ليس بالقليل بما أن الكون، بعد كل شيء، عظيم بما يتجاوز نطاق كلّ خيال. يجب، مع ذلك، أن نعترف بأن عدداً كبيراً من العلماء هم ماديون.
قبل مناقشة مسألة الدماغ، أود أن أوضح نقطتين أساسيتين كمقدمة لكلامي. أولا، يبدو لي جليّا أن وجهة النظر الماديّة لا تنتج من حكم علمي، أي لا تَنتج في مقاربة قائمة على أساس المناهج النظرية والتجريبية، بل بالحري هي ناتجة من اعتقاد قبْليّ (acte de fdi)، بغض النظر عن طبيعة الواقع. يمكن أن نرى في مَنشئه عقليّةً ما (forma mentis). لكنني لا أريد أن أمعن النظر أكثر في أسباب هذا النوع من الاعتقاد القَبْليّ. ثانياً، أعتقد أن أولئك لهم الحق في التمسّك بمثل هذا التصوّر للأشياء، لكنه تصوّر يواجه فكرة حول الوجود تفتح الباب أمام احتمالات أخرى. أعني ببساطة أن فكرة الوجود، أي ما هو موجود، لا تنحصر في الموجود الماديّ. خلاصة القول، لا شيءَ يسمح، مسبقاً، بتأكيد انحصار الوجود بالموجود المادي.
2. المشكلة الديكارتية
في القرن السابع عشر، لاحظ الفيلسوف رينيه ديكارت (1585-1650) أن أفعال الوعي (الشعور) غير متجانسة على الإطلاق مع الظواهر الفيزيائية. وفي حين أن هذه الأخيرة تُدرك عبر الحواس الخارجية، فإن أفعال الوعي (الشعور) غير القابلة للإدراك بالحواس في الواقع المكاني، لا تنكشف إلا من "الداخل" (الباطن).  وهكذا، مهما دققتم في الدّماغ، من جانب أو من آخر، فلن تجدوا أي أثر للوعي (للشعور). هذا التمييز بين هذين النوعين من الظواهر يشكل واحداً من الأسس التي قامت عليها الفلسفة الديكارتية، لدرجة أن ديكارت استنتج وجود مادتين غير متجانستين كليّاً: المادة والعقل، الأولى منتشرة على امتداد المكان، والثانية لا ماديّة خارج المكان. لذلك نستخلص أن الوعي (الشعور)، وبالتالي العقل، لا سبيل لمقارنته بالدماغ. حاكماً بأن الإنسان وحده يستحق الخلود، خلص ديكارت إلى أن الحيوانات لا تملك وعياً (شعوراً)، وهي لا تعدو أن تكون مجرد آلات (روبوتات automates) شديدة التعقيد.
وفي وقت لاحق، كان المفكرون يتصارعون مع هذه الثنائيّة الغامضة. وأنا لن أعالج تاريخ هذا النقاش، ولكنني أقول إنّه في العصر الراهن سُمّي بـ "المشكلة الديكارتية". هذه الثنائية هي مُلْغِزَة وجرت محاولات لشرحها بطرائق مختلفة بالقول إنّ الوعي (الشعور) هو إمّا ظاهرة عارضة للدماغ أيّ حالة تعبر فقط عن نشاط الدماغ، على اعتبار أن الوعي نفسه غير قادر على أن يكون سبباً لأي نشاط من أي نوع، وإمّا نتاجٌ خاصٌّ للدّماغ كإفراز الدوبامين أو السيروتونين. تواصل الفلسفة المعاصرة مناقشة هذه القضية، وسنعود إليها لاحقاً.
تدخّلت إذاً علوم الأعصاب الحديثة وخصوصاً علم النفس العصبي الذي ساعد كثيرا على فهمٍ أفضلَ للعلاقة بين الوعي (الشعور) والدماغ، مع ذلك، هل حلّت فتوحات هذا العلم المثيرة جدّاً للاهتمام، هل حلّت الوضع الأنطولوجي (الوجودي) للوعي (الشعور) وعلاقته بالدماغ؟ يبدو أننا ما زلنا، في هذا الأمر، عند النقطة نفسها التي وصل إليها ديكارت. وبالتالي، لمعرفة ما يحدث في الدماغ، يبقى من الضروري على العلماء مساءلة الموضوع (الدماغ) لمعرفة أفكاره وتحديد علاقتها  بالأنشطة الملحوظة في الدماغ. لذا نحن مضطرون للعودة مرة أخرى إلى التساؤل حول الوضع الأنطولوجي للوعي (الشعور) وللدماغ.
شخصيّاً، وإن كنتُ لا أستطيع أن أنكر الحقيقة التي اعترف بها ديكارت أي عدم التجانس بين الوعي (الشعور) والدماغ الماديّ، لا أستطيع أن أتفق مع فكرته حول ثنائية الجواهر (Dualité dessubstances). أسباب هذا الرفض معقدة للغاية ولقد عالجت الفكرة في كتاب سينشر قريبا. وتستند هذه الأسباب أولا إلى مفهوم الجوهر وبالتالي على طبيعة التجربة الجسميّة. كيف يمكن تفسير أن فرداً يتصرف باعتباره واحداً يمكن أن يكون في الواقع كائنيْن منفصلين؟ إضافةً إلى ذلك، فإنّ التحليل الظاهري (Phénoménologique) للتجربة الجسميّة، عبر حاسّة اللمس والحواسّ الباطنيّة، تظهر أنّ فعل الوعي (الشعور) المرتبط، بشكل وثيق، بالجسم، وأنّ أيّ تفكير مخالف لذلك يجعل كل أفعال الوعي (الشعور) الجسدية، غير معقولة. وذلك بسبب، ويجب أن نقول ذلك بكل وضوح، إنّ الوعي (الشعور) هو "مكانيّاً" موجود في الجسم.
3.العقل ومعرفة الواقع
إنّ المسألة التي أتناولها بالبحث الآن لها انعكاس على الموضوع الأساس في بحثنا: هل خلق الدماغ الله، أو العكس؟ لدينا معرفة بالواقع عن طريق الحواس الظاهريّة والباطنية. يحلّل العقل هذا الكمّ من الخبرات لإعطائه معنى. ويمكن القول إنّ تعقيد معارفنا، من بعض النواحي، هو بمقدار تعقيد الواقع نفسه. والحال أنّ هذا الواقع المدْرَك من قبل الوعي (الشعور) يؤثر في الوقت نفسه في الدّماغ. الذي يعالج المعلومة المتلقّاة. ومع ذلك، يجوز القول إن الواقع المدرَك هو في الوعي (الشعور) وفي الدماغ. هل يجب الاستنتاج أن ما هو معروف لا يوجد إلا فيهما؟ هل القول المأثور عن الفيلسوف جورج بيركلي (1685-1753)، "أن يوجد الشيء هو أن يُدْرك" هل هو قول صحيح؟ شخصيّاً، لا أستطيع أن أقبل به لأنه يخالف التجربة المشتركة التي تفيد أن العالم موجود، وأنّي أشكل جزءاً منه ماديّاً وبشكل واعٍ (وشعوريّاً). ولذلك يفرض هذا الاستنتاج نفسه: ليس كون المعلومات عن الواقع توجد في الدماغ وفي الوعي (شعوريّاً) يجعل الواقع غير موجود في ذاته. باختصار، إن معرفة الواقع لا يلغي أبدا وجود الواقع في نفسه. لا بد من التسليم، مع ذلك، بأن الدّماغ والوعي (الشعور) يمثّلان الواقع كلّ منهما حسب تركيبه الخاص. لذلك، ألا يمكننا أن نقبل بأن المعرفة والخبرة بالحقائق المتعالية، بما في ذلك الله، لا تستبعد، (à priori)، وجود هذه الحقائق؟
4.التجربة الروحيّة ونشاط الدماغ 
تصرّ الأطروحة المادية على فكرة أن أي تجربة روحيّة هي نابعة من نشاط الدماغ. يوجد موقف متطرّف لهذه الأطروحة يؤكد أن هذه التجربة تتعلّق بعلم الأمراض (Pathologie) لكونها في ذاتها وهميّة ولكنها مفيدة بوصفها متلازمة (عوارض مرضية) يجب أن تُبحث على أمل القضاء على المرض.فكر فرويد يذهب في هذا الاتجاه. يوجدُ موقف آخر، أقل تشدداً، يؤكد أن التجربة الروحيّة والأديان التي أُسِّست عليها ظهرت خلال التطور البيولوجي لأجداد البشر الحاليّين (hominidés)من مواجهة صعوبات الحياة ولإعطائهم الأمل في عالم مليء بالعثرات وبخيبات الأمل وموسوم بالعبثية (اللامعنى). هذا التطور رافق المعرفة المتزايدة للناس، وقدرتهم الكبرى يوماً بعد يوم، على فهم رهانات الحياة وعلى فهم الماضي والحاضر والمستقبل وعلى تقدير قيمة الوجود.
هذه وجهةُ نظرٍ تبدو لي مليئة بالمعنى لأنه بقدر ما كان على التطور البيولوجي أن يؤمِّن تكيف الكائنات الحية مع بيئتها، مع تأمين تناسقها البنيوي والفيزيولوجي والنفسي، كان عليه (التطوّر البيولوجي) أن يأخذ بعين الاعتبار التطورات الخاصة بأجداد البشر الحاليين (hominides). ومع ذلك، فإننا سوف نستنتج أن التجربة الروحيّة وكل ما يتعلق بها موجودة “في الدماغ”، بالطريقة نفسها لوجود حالات الروح الأخرى. إنّ الجوع والعطش والحب  والشعور بالإيثار والغريزة الجنسية، ولكن الحقد والغيرة أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، موجودة “في الدماغ”. ولكن هل لاحظتم أن كل حالات الروح كانت موجهة نحو الخارج؟ لماذا التجربة الروحيّة، أي الشعور بالتعالي ـ ما سماه الفيلسوف الألماني رودولف أوتو (1869-1937) "الغيبيّ" (numineux) في كتابه الشهير "المقدس" (le sacré) ـ لا يكون هو أيضا مفتوحا على الواقع؟ بالطبع، هذا لا يمكن أن يكون بالطريقة نفسها كما هي حالات الروح التي سبق ذكرها ومرجع ذلك إلى اختلاف المراتب بينها ضمن سلسلة موجودات هذا العالم.
5. التجارب العصبية.
إنّ كوْن الخبراتِ الروحيّة تنعكس في أنشطة الدماغ هو حقيقة  مؤكدة من قبل علم النفس العصبي. ردّ على ذلك،  إذا كان صحيحا أن كل نشاط ذهني يستتبع هذه الأنشطة، ألن يكون من الخلف أن يكون الأمر غير ذلك؟ العديد من علماء الأعصاب مثل نيوبيرغ وأكيلي Aquili (لماذا اللَّه لن يذهب بعيداً، منشورات كتب بلنتين، 2001، بوروغارد (من العقل إلى الله، منشورات تريدانيال غي، 2008) أظهروا بشكل مقنع أنّ التجارب الروحية لها ملازمات دماغيّة. ولكن أبحاثهم أظهرت أن هذه التجارب تنعكس داخل الدماغ بطريقة متنوعة ومعقدة، وبالتالي سيكون من الخطأ أن نعتقد أن التجربة الروحية حتى الصوفية تظهر في جزء معين من الدماغ. الدماغ كله معنيٌّ، وبنسب مختلفة تبعاً لنوع التجربة، لأن الحياة الروحية ليست أحاديّة، أي ذات بعد واحد. يمكن أن ينتج الرؤية البوذيّة تأثيرات مختلفة عن الرؤيّة المسيحيّة وهذا يتحلّى بالنشاط العقلي.
الدكتور ويلدر بنفيلد (1891-1976)، مؤسس مركز مونتريال لعلم للأعصاب عام 1934،  جراح الأعصاب المتخصص في الصرع والمشهور بوضعه لخريطة مراكز الدماغ الحسية والحركية، أثبت منذ عدة عقود أن إثارة الدماغ بالكهرباء تسمح بالتذكر بحيوية لأحداث وأحاسيس من الماضي (كتاب سرّ العقل، برينستون، مطبعة جامعة برينستون، 1975، الفصول 6، 20). وكانت توصيفات مرضاه تشمل العديد من الأشياء الأخرى غير التجارب الدينية. حتى إثارة الفص الصُّدغي 
(lobe temporal)، التي أصبحت ظاهرة كبيرة في الوقت الحاضر في ما يتعلق بهذه التجارب، يمكنه أيضاً استدعاء ذكريات، ولو كانت بسيطة، من ماض بعيد نسبياً.
ساهمت أعمال العالم العصبيّ النفسيّ مايكل بيرسنجر، من جامعة لورانس في سودبيري، كثيراً في تعميم فكرة مقياسٍ للّه في الفص الصُدغي. إن هذا العالم الذي اخترع خوذة خاصة مزودة بمثيرات كهرومغناطيسية، سعى لإثبات أن الفصوص الصُّدغيّة بإمكانها أن تنتج تجربة ذات طابع ديني. إن الحالات التي استشهد بها بوروغارد من هذه التجارب لا تبدو متوافقة مع توقعات بيرسنجر. على أي حال، فإن التجارب الضعيفة نسبيّاً، المنقولة من قبل مواضيع بيريسنجر لا تتوافق حقّاً مع ما أصفه بالروحيّ أو بالدينيّ. ومع ذلك، وفي زمن ليس بالبعيد جدّاً عنّا، جُعِل من هذه التجارب حالة كبيرة (grand cas) ومن مقياس اللَّه المشهور المقدَّم من قبل بيرسنجر وغيره.
قام ماريو بوروغارد (moduée de Dieu) من جامعة مونتريال سلسلة من التجارب مع الراهبات الكَبَكيّات (من الكيبك) الكرمِليّات (carmélites) من أجل فهم ما يمكن أن تكون الارتباطات الدماغية لتجاربهم الروحية. وكما نعرف فإن نظام الكرمليّين موقوف في المقام الأول على الصلاة والتفكّر (méditation). خمس عشرة  راهبة، ممّن أكّدن أنهن قد عشن مرةً واحدة على الأقلّ حالة اتحاد صوفية شديدة، قبلن أن يخضعن للدراسة. استخدم هو وفنسنت باكيت، تلميذه للدكتوراه، التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير الكهرودماغي الكمّي (Électroencéphalographie quantitative). أظهرت الدراستان مع المتدينات أنه، خلافا لنظرية مقياس اللَّه في الفص الصُّدغي، فإن العديد من مناطق الدماغ كانت نشطة عندما كانت الراهبات  يعشن حالة الاتحاد الصوفي.
هل تثبت التجارب بحد ذاتها وجود اللَّه وأصالة الشعور الديني؟ في ما يخص الله، أحتفظ بحكمي حاليا. الشعور الديني، من جهته، هو حقيقة لا يمكن إنكارها، وحقيقة غيبيّة (numineuse) وبهذا فهي فريدة (Suigenreis).كما أكدها رودولف أوتو، فهو فريد.
6. الدماغ، عضو (آلة) الوعي (الشعور)
أيوجد سيطرة للدّماغ على الوعي (الشعور) أو العكس؟ بعد كل ما قيل، أعلاه، عن تباين الوعي (الشعور) في عن الدماغ المادّي، نحن نحاول بقوة تعميق العلاقة بينهما. إليكم كيف أرى الوضع عند الكائن البشري. أولا، إنّ الوعي لا يمكن أن يكون “إفرازاً” للدّماغ كالهرمونات التي ينتجها هذا الأخير. إنّ هرموناً مثل السيروتونين أو الدوبامين هو عبارة عن مادة كيماويّة حيوية ناتجة من نشاط كيماويّ حيوي للدماغ. والحال أنّ الوعي (الشعور)، كما قلنا، لا يمتلك الخصائص التي يمكن ملاحظتها مادياً. وثانياً، فإن الوعي (الشعور) ليس ظاهرة عارضة للدّماغ. ذلك واضح بشكل خاص عند البشر. من جهة أخرى، كُنتُ قد عرّفت  في ما سبق، الوعي ـ الظاهرة العارضة (conscience - épiphénomène) باعتباره ظاهرة لا تُعبّر عن أي نشاط، بما أنه ليس سوى تعبير سلبي عن نشاط الدماغ المادي وحده. ولكن هذا يتعارض صراحة مع الحقائق. إن دراساتنا المدرسية والجامعية وأبحاثنا وخبراتنا الحياتية، الشعور  على اختلاف أنواعها بما فيها انفعالاتنا اليوميّة، وأشياء أخرى كثيرة، تدل على نشاط الوعي على مستوى عالٍ جدّاً، ما يعني عدم الشك في النشاط الفيزيائي للدماغ. لكن المبادرة في كل هذا النشاط تعود إلى الوعي (الشعور).
في نهاية المطاف، نستنتج أن الدماغ المادي مسؤول عن تأمين رفاهية الجسم في المجمل، لكن، لنفكّر في الجهاز العصبي المستقل، سنجد أنه مكوّن أيضاً بطريقة تؤمّن وجود الوعي (الشعور) وأنشطته المستقلة. بهذا المعنى فإن الدماغ هو في خدمة الوعي (الشعور)، إنه، أساسيًاً، العضو الذي يحتضنه، يحق لنا، مع ذلك، أن نجزم بأنّ الوعي (الشعور) وقوانين عمله تمثل غاية النشاط الدماغي، كل هذا يتضح، بشكل خاصّ، عندما نلاحظ أن قوانين عمله تختلف عن قوانين عمل الدماغ الماديّ. إذا ما لاحظتم الدماغ فقط، لا يمكنكم، مثلا، استنتاج قوانين المنطق الخاصة بالنشاط الواعي (الشعوري)، وهذا، بسبب عدم التجانس بينهما. وبرغم ذلك، لن ننفي أن هذه القوانين المنطقية لها مصاحبات دماغية (concomitants encéphaliques)، والأمر نفسه يصحّ مع المجموعة المتنوعة الضخمة من الأنشطة الواعية المتجليّة من خلال القدرة العجيبة لتجريد العلوم والرياضيات والفلسفة، والمتجلية أيضاً في الفنون البلاستيكية وفي الموسيقى وفي الرقص وفي السينما إلخ.. والمتجلية، لِمَ لا، في الأديان.
إنّ استقلاليّة الوعي (الشعور)، هذه، تسمح لنا بأن نصرف النّظر عَن الفكرة القائلة بأنّ الوعي (الشعور) ليس سوى الدّماغ الماديّ وإنّه، بالتالي، يشاركه الخصائص، المتواضعة في المظهر (apparence)، وفي السَّعة (dlimension). ليس الدّماغُ، في الواقع، ماديّاً فقط، بل، بالعكس، إنه يُخفى سَعَةً لا تنحصر في مظهره وفي سعته المحسوسين، من هنا، نسأل: لِمَ لا نُقدِّر الإمكانيات الهائلة للدّماغ؟ لِمَ لا نأخذ، على محمل الجدّ، التجربة الروحيّة، وخصوصاً التجربة الصّوفيّة، الكاشفة عن المطلق، كما أكّدها العديد من الناس طوال التاريخ؟ إنّ شهاداتهم هي كواشف عن حقيقة تتعالى عن كل تمثيله وكل فعل من إنشاء المخيّلة، حقيقة لا قاسِمَ مشتركاً بين جوهرها والجوهر الماديّ للدماغ. إنها تجربة فريدة (Sui generis) لا يمكنُ أن تُعرفَ إلاّ من قِبلَ أصحاب التجربة أنفسهم، تماماً كما لا يمكن معرفة حالة العشق إلاّ عبر التجربة.
اُنظروا، مَليّاً، في هذه الشهادات:
فرفوريوس الصُّوري (Prophyre de Tyr)  س (234-305): 
هكذا، وبفضل هذا الإلهام الشيطاني (Illumination demoniaque) التي ترتقي بالعقل ـ غالباً ـ إلى الإله الأوّل وإلى العالم الآخر (l'au - delà)، من خلال سلوك الطريق التي وصفها أفلاطون (Platon) في أثرهِ "الندوة" (Le Banquet)، لقد رأى الإله الذي لا شكل له ولا جوهر، لأنه موجود وراء العقل والمعقول. ذلك الإله، هو نفسُه الذي لم أقترب منه ولم أتّحد معه، إلاّ مرّة واحدة، وحصل ذلك معي عندما كنت في سن الثامنة والسّتين، أما أفلوطين (Plotin) فقد تشرّف برؤية الهدف من مقام دانٍ جدّاً.
إنّ هدفه هو الاتحاد الباطنيّ مع الإله الذي هو فوق جميع الأشياء، خلال فترة وجودي معه، أدرك هدفه هذا أربع مرّات، وذلك بفضل فعل غير قابل للوصف، لا بالقوة (non pas en puissance).
أفلوطين (Plotin) (205 - 270): 
إنّ الفكر الاستطرادي (Pensée discursive)، ولكي يُعبِّر عن نفسه يفهم الأشياء تباعاً، ويتصفّحها الواحدة تلو الأخرى، والحال أنّه، ما الذي يمكن تصفّحه في أشياء هي، بالتأكيد، بسيطة؟ يكفي، إذاً، أن يحصل تواصلٌ فكريٌّ. لكن، أثناء التواصل، لا نملك القدرة ولا الوقت المناسب للتعبير.  سنفكّر بذلك لاحقاً يجب أن نؤمن حقّاً بما نراه، لما تتلقّى الرّوحُ، فجأة، النُّورَ: إنّه "هو" مصدرُ النّور، والرّوح هي "هو" نفسه. يجب أن نثق بأنه حاضر فينا، عندما يُنيرنا، تماماً كإلهٍ آخر يحضر في محلٍّ ما استجابةً لدعوةٍ، لو لم يكن قد حضر، ما كان لينيرنا. وهكذا فإن الرّوح، التي لا تتفكّر، تبقى غارقة في الظلمات. وبمجرد أن يشرق عليها النور، تجد ما كانت تبحث عنه. إنّ هذا هو الغاية الحقيقة للرّوح، التواصل مع هذا النّور، إنّ الرؤية التي تحظى بها إنما تحصل بفضل هذا النور، لا بفضل أي نور آخر.
ولأنّ هذا النور هو الذي أنارها، يجب أن تتفكّر فيه، إنّ الشمس لا تُرى إلا بواسطة نورها هي، لا بواسطة أي نور آخر.
لكن كيف بلوغ ذلك؟ أزحْ عنك كلّ الأشياء (أرخ عنك الأغيار). (Retranche toutes choses).
القدّيس يوحنّا الصّليب (Saint Jean dela Croix) (1542- 1591)
"... والحال هذه، إذا ما وجدت الرّوح نفسها في الحالات المطلوبة، أي إذا ما تطهّرت من كلّ ما ران عليها من أدران وقذارات بسبب أعمال المخلوقات، وبالتالي إذا ما أخضعت الروح إرادتها، بالكامل، لإرادة الله، لأن حبّ اللَّه يستوجب الاستبراء من جميع الأغيار، إذا ما حصل ذلك، فإن الرّوح تتنوّر، فوراً، بالتّمام وتصبح هي نفسُها "اللّه". إنّ اللَّه سيُمِدُّها فعلاً بوجوده ما فوق الطبيعي، حتى ترى نفسها اللهَ نفسه. تملك ما يملك. إنّ الاتحاد الذي يحدثه هذا الفضلُ السَّنيُّ يتمظهر للروح بحيث تجد نفسها الشيء نفسه هي وشؤون الله، إنّ الروح قد تحوّلت، إنها تشارك اللَّه ما عنده، إنّها ترى نفسها اللَّه نفسه، لا مجرّد روح، إنّها اللهُ بالمشاركة.
إنها، بلا شك، وبرغم تحوّلها المذكور، تحافظ على وجودها الطبيعي، المتمايز جوهريّاً عن وجود الله، كما كانت قبل التحوّل، تماماً كما هي حالة الزّجاج المتمايز في جوهره عن النور مع أنّه مُضَاءٌ بفضله.
لا يمكننا ألاّ نرى أوجه التشابه بين وجهة النظر المسيحية للقديس يوحنّا الصّليب ووجهَتيْ نظر فرفوريوس الصّوري وأفلوطين، الفيلسوفيْن اليونانيّين غير المسيحيّيْن لا يسمح لي الوقت بأن أقدّم لكم نصوصاً مصدرها تقاليدُ أخرى، نصوصاً تُفصحُ لنا عن مواطن التقائها ومواطن افتراقها على ضوء النصوص المذكورة آنفاً.
7. طبيعة الدماغ
كيف يجب أن تُفهم طبيعة هذا الواقع ذِي البُعدين الذي هو الدّماغ؟ لقد قدّم بيير تايلار دي شاردان (1881-1955) (Pierre theilhard de chardin) تفسيراً مُحْكماً. لقد تطوّرت المادة فصارت وعياً (شعوراً)، إنّ بذرة (أمل) الإدراك كامنةً في المادة.
لقد أطلق على هذه البذرة اسم "الدّاخل" ( الباطن dedans)، في حين يمثل الجانب الملموس للأشياء "الخارج" ( الظاهرdehors). خلال التطوّر البيولوجي تتعقّد الأجسام في الخارج، في الوقت الذي تنمو فيه مركزيّة (centréité) متزايدة في الدّاخل.
طُرحت فكرة مشابهة من قِبَل عالِم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي "ألفرد نورتْ" "وايتهيد" (1861-1947)، الذي ذكر البُعدَيْن باسْمَيْ "القطب الماديّ" و "القطب العقلي". أما أنا، فإني أحرص على الإشارة إلى أنّ ذيْنك البُعديْن ليسا متماثلين (symétriques)، مع أنّ بينهما، بشكلٍ أو بآخر، علاقة مقابلة نظيريّة (rapport biunivoque).

8. الخاتمة
ما الذي يمكننا أن نستنتجه إزاء الموضوع الرّئيس؟ أوّلاً، لا شيء يدلّ على أنّ الدماغ، كجسم ماديّ، يخلق اللَّه، لكنّه هو العضو الذي ينبّهنا إليه. أمّا في ما يخصّ الوعي (الشعور)، فإنه المحلّ الممكن لمعرفة المطْلقَ كما يبيّنهُ لنا الصّوفيون. ثانياً، نحن نستوطن كوناً قوانينه هي الأصل لجميع الكائنات الموجودة فيه، بما في ذلك كل إنسان ودماغه. لكن، إذاً، ما / منْ الذي يُعلِّل الكون؟ هل يُعلِّلهُ المطلق الذي يتكلّم عنه الصّوفيّون؟ في هذا الصدد يحضرني السّؤال الذي طرحه الفيلسوف مارتن هايدغر (1889-1976) الذي يذكّرنا بفكر الفيلسوف غوتفريد فيلهلم لايبنيتز (1646-1710): لماذا سيكون من الأجدى "أن يوجد شيء" بدل من أن "لا يُوجد شيء".