الباحث : إليستر ماكغراث وجوانا كوليكات ماكغراث
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 7
السنة : السنة الثالثة - ربيع 2017 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث : May / 9 / 2017
عدد زيارات البحث : 2143
يكاد البريطاني ريتشارد دوكينز يكون أحد أكثر المفكرين الغربيين المعاصرين إثارة للجدل في ميدان التفكير الإلحادي. وبصرف النظر عن مدى عمق الأطروحات التي يقدّمها في هذا الميدان وأهميتها، فقد استطاع أن يختطف الأضواء بسبب "الفانتازيا" التي اعتمدها في تظهير أفكاره، وخصوصاً بين الشباب والأوساط الأكاديمية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
هذا البحث يتضمن مساجلة مع أفكار دوكينز وخصوصاً تلك التي وردت في كتابه الشهير "وهم الإله".
المحرر
منذ نشر كتاب «الجين الأناني» (1976)، بات ريتشارد دوكينز واحداً من أنجح وأمهر كتّاب الأدبيات العلمية. مع زميله الأميركي ستيفن جاي غولد، استطاع جعل البيولوجيا التطورية مُتاحة لجيل جديد من القراء وتثير اهتمامه. ولطالما شعرت أنا وثلّة من المعجبين بأعماله العلمية الشائعة بالغيرة من الوضوح المُستخدم في كتاباته واستخدامه الجميل للتشبيهات المساعدة وأسلوبه الرشيق.
لكن كتابه الأخير كان مختلفاً تماماً. فقد أهّل كتاب «وهم الإله» دوكينز لأن يُعتبر المجادل المُلحد الأبرز في العالم، الذي يوجّه انتقاداً لاذعاً ضد أي شكل من الدين[2]. إنّه واثق من قدرته على دفع قرائه لتغيير إيمانهم: «إذا كان هذا الكتاب يفي بالغرض الذي أبتغيه، فإنّ القراء المتدينين الذين يفتحونه سيغدون مُلحدين عند إنهائه[3]». هو لا يعتقد أن ذلك مرجح خصوصاً؛ بعد كل شيء، هو يوحي بأنّ «أصحاب الإيمان الراسخ حصينون أمام الحجة».
لكن أن يكتب دوكينز كتاباً من أربعمائة صفحة مُعلنا ًفيه أنّ اللَّه وهمٌ هو بحد ذاته حقيقة بالغة الأهمية. فلِمَ كتابٌ كهذا لا يزال ضرورياً؟ كان من المفترض أن يزول الدين منذ سنوات. ولأكثر من قرن، كان كبار علماء الاجتماع وعلماء علم الانسان وعلماء النفس يعلنون أن أولادهم سيشهدون حقبة جديدة حيث يُترك فيها «وهم الإله» من أجل الخير. وإذا عدنا لستينيات القرن الماضي، تذكرنا أنّه كان يُقال لنا إن الدين يخبو وسيحل مكانه عالم علماني.
بنظر بعضنا، كان ذلك شيئاً عظيماً. أما أنا فكنت مُلحداً في أواخر الستينيات وأتذكر كيف كنت أتطلع لزوال الدين ببهجة قاتمة معينة. لقد ترعرعت في شمالي إيرلندا وكنت على تماس مباشر مع التوترات الدينية والأعمال العنفية المرتبطة بها. وكان الحل واضحاً أمام عقلي المتحرر. يجب التخلص من الدين وعندها كلّ توتر وعنف سيزول. وسيغدو المستقبل ساطعاً- وبدون إله.
أمران تغيرا منذ ذلك الحين. في المقام الأول، عاد الدين. وهو الآن عنصر هام في عالم اليوم لدرجة أنه يبدو من الغريب التفكير أنه قبل جيل واحد فقط كان يُعتقد بأن زواله يلامس اليقين. الكاتب الإنساني مايكل شرمر، ربما الأكثر شهرة بمدير مجتمع المشككين وناشر مجلة المشكك، بيّن هذه النقطة بوضوح في عام 1999 عندما أشار إلى أنه على مر التاريخ لم يكن هناك هذا العدد الكبير وهذه النسبة العالية من السكان الأمريكان الذين يؤمنون بالله[4]. لا لأنّ اللَّه غير «ميت»، مثلما ادعى الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه قبل الأوان، بل لا يبدو أبداً أنه كان بهذا القدر من الحيوية.
ثانياً، لكن بأقل أهمية، مواقفي الخاصة تغيرت. برغم أني كنت كشاب في مقتبل العمر مقتنعاً تماماً وبشغف بالحقيقة وبكل ما له علاقة بالإلحاد، وجدت نفسي لاحقاً مقتنعاً بأن المسيحية أكثر إثارة للاهتمام وموجودة فكرياً على الصعيد العالمي أكثر من الإلحاد. ولطالما قدّرت التفكير الحرّ والقدرة على رفض المعتقدات التقليدية لأي عمر. لكن لم أشكّ يوماً في مسألة إلى أين سيأخذني تفكيري الحر.
إذاً، أنا ودوكينز كان لنا توجهان مختلفان كلياً لكن بالأساس للأسباب نفسها. كلانا أكاديمي من أوكسفورد يعشق العلوم الطبيعية. وكلانا يؤمن بشغف بالتفكير المستند إلى دليل وننتقد أولئك الذين يحملون معتقدات شغوفة لأسباب غير ملائمة. وكل واحد منا يرغب في التفكير بتغيير موقفه حيال اللَّه إذا كان الدليل تطلب ذلك. لكن، وفقاً لخبرتنا وتحليل العالم نفسه، توصلنا إلى استنتاجين مغايرين كلياً بشأن الله. والمقارنة بيننا توجيهية، لكنها تنبثق من بعض الأسئلة الصعبة التي طرحها دوكينز.
دوكينز، وهو حالياً بروفسور في الفهم العام للعلوم في جامعة أوكسفورد، يؤمن بأن العلوم الطبيعية، لا سيما البيولوجيا التطورية، تمثل الطريق السريع إلى الإلحاد- كما فعلت به في شبابه. في حالتي الخاصة، بدأت كمُلحد وانطلقت لأصبح مسيحياً ـ بالدقة خلافاً لرحلة دوكينز الفكرية. وكنت نويت في الأصل أن أقضي حياتي في البحث العلمي لكن وجدت أن اكتشافي للمسيحية أدّى بي لدراسة تاريخها وأفكارها بعمق كبير. لقد حصّلت شهادة الدكتوراة في الفيزياء الحيوية الجزيئية أثناء العمل في الحصص المخبرية في جامعة أوكسفورد مع البروفسور جورج رادا، لكن تخليت لاحقاً عن البحث العلمي من أجل دراسة علم اللاهوت.
غالباً ما تعجبت كيف يمكنني ودوكينز أن يكون لكل منا استنتاجات مختلفة كلياً كهذه بناءً على تبصر طويل وشاق حول عالم هو ذاته من الناحية الجوهرية. قد يكون الاحتمال الأول أنه، لأنني أؤمن بالله ومضطرب ومخدوع ومُضلَّل ومُضلِّل، فإن قدرتي الفكرية تُشوّش من خلال خطفها من قبل فيروس اللَّه المعدي والخبيث. أو، لأنني مضطرب ومخدوع ومُضلَّل ومُضلِّل، فإن قدرتي الفكرية تُشوّشمن خلال خطفها من قبل فيروس اللَّه المعدي والخبيث، فأؤمن بالله. كلاهما، أخشى، موضوع الإجابة التي وجبتها فيصفحات كتاب «وهم الإله».
قد يكون ذلك جواباً، لكنه ليس بالضرورة جواباً مقنعاً. هو قد يناشد المُلحدين المتشددين الذين لا يسمح إيمانهم الراسخ لهم بالعمل خارج صندوق «اللا إله». لكن آمل أن أكون محقاً في اقتراحي بأن دوغماتيين بدون تفكير كهؤلاء ليسوا نموذجيين للإلحاد. وقد تكون الإجابة الأخرى عن سؤالي تكراراً لعدم المنطق نفسه، لكن هذه المرة تطبيقه يكون على دوكينز. (برغم أني في هذه الحالة، أفترض أنه يجب علينا طرح فرضية اختطاف عقله بنوع معين من فيروس «اللا إله»). لكن لا نية لي بالكتابة عن أمر غير قابل للتصديق. فلمَ أُهين دوكينز؟ الأكثر أهمية حتى، لمَ أستخف بذكاء قرائي؟
إن بدايات الجواب الصحيح تستند إلى كلمات حكيمة لستيفن جاي غولد، الذي أدى موته المؤسف جراء السرطان في عام 2002 إلى حرمان جامعة هارفرد من أحد أشهر أساتذتها، وحرمان الأدبيات العلمية الشعبية من أحد أمهر كتابها. ولو أنه ملحد، كان غولد واضحاً للغاية بأن العلوم الطبيعية- من بينها النظرية التطورية ـ تتماشى مع الإلحاد والمعتقد الديني التقليدي على حد سواء. وما لم يكن نصف زملائه العلميين أغبياء تماماً ـ فرضية رفضها غولد بحق لاعتبارها غير منطقية، أياً كان النصف الذي تنطبق عليه ـ لم يكن ثمة سبيل آخر مسؤول عن إضفاء منطق الردود المتنوعة على الواقع من جانب الأناس الأذكياء والمطلعين الذين عرفهم[5].
وهذا ليس جواباً سريعاً وسهلاً يمكن أن يُحبذه كثيرون. لكن قد يكون صحيحاً جداً- أو على الأقل نقطة في الاتجاه الصحيح. هو يُساعدنا في فهم السبب الكامن وراء اعتناق أناس كهؤلاء لمعتقدات مختلفة للغاية بشأن هذه المسائل ـ و بناءً على ذلك، السبب وراء اعتقاد بعضهم الآخر في نهاية المطاف أن تلك الأسئلة لا يمكن إيجاد أجوبة مقنعة لها. وهذا يذكرنا بالحاجة إلى التعامل مع أولئك الذين يُعارضوننا حول مسائل كهذه باحترام فكري تام لا أن نصفهم بأنهم كذّابون ومحتالون ودجالون.
وفيما يحاول غولد على الأقل التفكير ملياً بالدليل، يُقدّم دوكينز ببساطة البديل المُلحد لوعظ جهنمي، مستبدلاً الخطاب المشحون والتلاعب بالحقائق الانتقائي للغاية بتفكير دقيق مستند إلى الدليل. اللافت للنظر أن هناك تحليلاً علمياّ بسيطاً في «وهم الإله»، مما يثير الدهشة. وثمة تكهنات زائفة مرتبطة بانتقاد ثقافي أوسع للدين، وأغلبها مُستعار من كتابات مُلحدة أقدم. فيعظ دوكينز كوراله الكاره لله، ومن الواضح أن المتوقع من أفراد هذا الكورال أن يتلذذوا بزخاته البلاغية ويرفعوا أيديهم عالياً بتزلّف. فأولئك الذين يعتقدون أن التطور البيولوجي يمكن توفيقه مع الدين هم مُخادعون. آمين! هم ينتمون إلى أنصار نظرية التطور من «مدرسة نيفيل تشامبرلين»! وهم استرضائيون! آمين! والعلماء الحقيقيون يرفضون الاعتقاد في الله! هللويا! والرب الذي آمن به اليهود في العهد القديم هو مختل يعتدي على الأطفال! آمين! فأنت قل لهم، يا أخي!
عندما قرأت كتاب «وهم الإله» شعرت بالأسى والاضطراب على حد سواء. تعجبت، هل يمكن لمُعمِّم موهوب بالعلوم الطبيعية، كان يتمتع في ما مضى باهتمام كبير بالتحليل المنطقي للدليل، أن يتحوّل إلى داعية عدائي تجاه الدين مع رفض ظاهر لأيّ دليل لا يُلائم حجته؟ لِم العلوم الطبيعية تُنتهك كثيراً لتعزيز التشدد الإلحادي؟ ليس عندي أي تفسير مناسب. وكغيري من أصدقائي المُلحدين الكثر، لا يمكنني أن أفهم حجم العدائية التي يُبديها تجاه الدين. فالدين بنظر دوكينز كالراية الحمراء بالنسبة للثورـ لا تستثير رداً عدائياً فحسب بل آخر يرمي المواثيق العلمية العادية حول الدقة المتناهية والعدالة لتذروها الرياح. وفيما كتابه مكتوب بشغف وقوة بلاغيّيْن، الحدة في تأكيداته هي مجرّد قناع لحجج بالية وضعيفة ومُعاد استخدامها.
لست وحدي من يشعر بخيبة الأمل هنا. كتاب «وهم الإله» يعلن الحقيقة بأن كاتبه اعتُبر مؤخراً واحداً من المفكرين الرياديين الثلاثة في العالم. وشمل هذا الاستطلاع قراء مجلة بروسبكت في تشرين الثاني 2005. لذا، ما الذي فعلته المجلة نفسها بكتاب دوكينز؟ ناقدها الأدبي ذَهِل بهذا الكتاب «غير المبالي والمتعصب وغير المترابط والمليء بالتناقضات»؟ فماذا كان عنوان المراجعة؟ «دوكينز الدوغمائي».
الردّ على دوكينز
واضح أنه ثمة حاجة لرد من نوع ما على كتاب «وهم الإله»، لأنه مع غياب أي رد قد يقتنع البعض بأن لا رد موجود عليه. لذا كيف يجب الرد؟ أحد الردود الواضحة يجب أن يكون عبر تأليف كتاب بمستوى العدائية وعدم الدقة، ساخرٍ من الإلحاد من خلال تشويه أفكاره وتقديم دجاليه كما لو أنهم قديسون. لكن ذلك سيكون بلا فائدة وذا نتائج عكسية، دون الحاجة إلى ذكر عدم الأمانة على الصعيد الفكري.
في الواقع، هناك صعوبة حقاً لكتابة رد على هذا الكتاب ـ لكن ليس لأنه قوي الحجة أو جراء متانته لاستناده إلى الدليل القاطع. بل إن الكتاب في أغلبه ليس سوى مجموعة من الأخبار الموجزة الملائمة والمبالغ فيها بغية تحقيق أقصى الأثر وهو مرتب بصورة فضفاضة من أجل الإيحاء بأنه يملك حجة. ومن أجل دحض هذا الاغراء الانتقائي للغاية بالأدلة يمكن أن تكون النتيجة تأليف كتاب ممل بصورة رديئة جداً، فيكون رداً نزقاً وانفعالياً. إن كل واحدة من تحريفات دوكينز وادعاءاته يمكن دحضها وتصحيحها. لكن كتاباً لا يُقدم سوى سردية من التصحيحات سيكون مملاً وجامداً. والافتراض بأن دوكينز له ثقة موازية في جميع أجزاء كتابه، لا بد من أن أتحداه في النقاط النموذجية والسماح للقراء بالتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة حيال دقة أدلّته وأحكامه.
من الواضح أن لدوكينز اهتماماً بسيطاً في التعاطي مع المؤمنين المتدينين، الذين يجدون أنفسهم ببساطة في حالة من الرعب جراء التحريفات الصارخة لمعتقداتهم وسبل عيشهم. فهل حالة الإلحاد حقاً ضعيفة للغاية بحيث إنّه يجب تقويتها بهذا الهراء المرتجل؟ يُقدم دوكينز لقرائه مجاملة مشكوكاً فيها للغاية من خلال الافتراض بأنهم سيُشاركونه تجاهله للدين والتحامل عليه. وأي انتقاد لتحليله سيواجه ببساطة بالرد التالي: «حسناً، هذا ما ستقوله، أليس كذلك؟» فمن المحتمل أن تكون الاعتراضات على تحليله مرفوضة ومنتقصاً من مكانتها مُسبقاً لأنه بالتحديد هي صادرة عن أناس متدينين «متحيزين» يتّصفون بالغباء والجهل ما يمنعهم من القدرة على انتقاد المُلحدين «الموضوعيين» و«المنطقيين».
هي نقطة خطيرة وشائكة للغاية. إن الاقتناع الدوغمائي التام بالصواب الذي يسود بعض أقسام الإلحاد الغربي اليوم ـ المُبيّن بإذهال في «وهم الإله»- يصطف فوراً مع أصولية دينية ترفض السماح لأفكارها بأن تُفحص أو يُعترض عليها. ودوكينز رافض المعايرة لثوابته الخاصة، معتبراً إياها صحيحة دون ريب وليست بحاجة للدفاع عن نفسها. وهو مقتنع جداً بأن وجهات نظره محقة بحيث إنّه ليس بحاجة إلى الاعتقاد بأن الأدلة قد تشرّع أي خيارات أخرى ـ فوق كل شيء، الخيارات الدينية.
ما يُثير القلق تحديداً أن دوكينز، دون إدراك لذلك، يتعامل مع البراهين ببساطة كشيء يحشره في إطاره النظري المُسبق. فيُصوّر الدين باستمرار في أسوأ طريقة ممكنة لمحاكاة المزايا الأكثر سوءاً للأصولية الدينية في تصويرها للإلحاد. وحينما يكتب بعض العلماء الرياديين لدعم الدين، يرد دوكينز بحسم بأنّهم ببساطة لا يعنون ما يقولون. من الواضح أن دوكينز يشعر بتهديد عميق ناجم عن إمكانية مقابلة قرائه لأفكار دينية أو متدينين قد يُعجبون بهم حقاً- حتى أسوأ من ذلك، احترامهم واعتبارهم يستحقون الانتباه الجدي.
يبدو أن كل ذلك من أجل جعل تأليف كتب كهذه أمراً لا جدوى منه. باستثناء تلك المرة حين كنت مُلحداً واستيقظت من هجوعي المتعصب من خلال قراءة كتب تحدّت نظرتي المتحجرة بسرعة. وأظن أن هذا الكتاب سيقرأه بالأساس المسيحيون الذين يريدون معرفة ما يودون قوله لأصدقائه الذين قرأوا كتاب «وهم الإله» ويتحيرون ما إذا كان المؤمنون هم حقاً منحرفين جنسياً وفاسدين أخلاقياً وجهلة كما يُصورهم الكتاب. لكن أملي معقود على أن يشمل جمهور القراء المُلحدين الذين لم تُحبس عقولهم بعد بنمط الانعكاسات الدوكينزية الذاتية. وهناك الكثيرون ممن يعيشون الضلال بشأن الله، وكنت أنا واحداً منهم.
هذا كتاب قصير، مع إبقاء الحد الأدنى من الحاشية لتوفير المساحة. وتركيزه الأساسي سهل ومتناسق: انتقاد الحجج التي وردت في كتاب «وهم الإله». وقد يتمنى القراء أن يُسهب هذا الكتاب ليشمل المواضيع الأخرى ـ مثل استكشاف ومدح القدرة الفكرية والقوة الروحية للمسيحية[6]. ستُكتب تلك الكتب في الوقت المناسب. لكن هذا الذي بين أيدينيا بسيط وقصير ويتعاطى مباشرة مع الموضوع المرجو. ولا يشوبه الاستطراد أو الانحراف عن الفكرة. وغايته واحدة لا غيرـ تقييم الموثوقية في انتقاد دوكينز للإيمان بالله.[7] وبرغم أن غاية الكاتب الأولل تستند إلى أسباب تاريخية وأسلوبية، وجهات النظر والحجج المذكورة تعود إلى المؤلفين على حد سواء.
يكفينا كل ذلك كمقدمة، ولنتجه فوراً إلى أفكار ومواضيع «وهم الإله».
الفصل الأول
مُضلَّل حيال الله؟
الإله وهم ـ جنوح ذهاني اخترعه أناس مجانين وضالون[8]. تلك هي الرسالة الأساسية من كتاب «وهم الإله». برغم أن دوكينز لم يعرض تعريفاً دقيقاً للوهم، هو يقصد بوضوح أنه لا يتركز في أدلة بل أسوأ من ذلك هو يُخالف الدليل. فالإيمان هو «ثقة عمياء، مع غياب الأدلة، حتى برغم أنف الأدلة»[9]. هي «عملية اللا تفكير». وهي «شريرة خصوصاً لأنّها لا تتطلب التبرير ولا تحتمل الحجة»[10]. هذه التعريفات الأساسية عن الإيمان ماثلة في نظرة دوكينز ومُكرّرة باستحواذ في كتاباته كافة. هو ليس تعريفاً مسيحياً للإيمان لكنه تعريف اخترعه دوكينز لملاءمة أهدافه الجدليّة الخاصة به. فهو يُحدد أولئك الذين يؤمنون بالله على أنهم أناس ابتعدوا عن الواقع ـ كما لو أنّهم ضلّوا.
يُشير دوكينز بصورة محقة إلى أهمية الإيمان في حياة الناس. فما تؤمن به له تأثير هام جداً في الحياة والفكر. فيُخبرنا أن ذلك يجعل من المهم أكثر إخضاع الإيمان إلى فحص بارع ودقيق. ويجب كشف النقاب عن الأوهام ومن ثمّ إزالتها. أوافق على كل ذلك. منذ نشر كتابي «إله دوكينز» في عام 2004، يُطلب منّي على الدوام الحديث عن مواضيعه في أنحاء العالم كافّة. وفي تلك المحاضرات، أذكر وجهات نظر دوكينز بشأن الدين ومن ثم أقدم نقداً مبنياً على الدليل، نقطة بنقطة.
بعد إنهائي لواحدة من تلك المحاضرات، اعترضني شاب غاضب جداً. لم تكن تلك المحاضرة مميزة تماماً. من خلال الاستخدام الدقيق للحجج العلمية والتاريخية والفلسفية، أظهرت ببساطة أن الحالة الفكرية لدى دوكينز ضد اللَّه لا تصمد أثناء الفحص البارع. لكن ذاك الرجل لم يكن غاضباً فحسب، بل أقول كان يشتاط غضباً. لماذا؟ رافعاً إصبعه في وجهي والغضب يعتريه، قال لأنني «دمرت إيمانه». فإلحاده مبني على سلطة ريتشارد دوكينز، وأنا قوضت إيمانه كلياً. فيجب أن يذهب ويُعيد التفكير في كل شيء. كيف أجرؤ على القيام بأمر كهذا!
وبينما كنت أتأمل هذا الأمر أثناء عودتي إلى البيت، وجدت نفسي أمام رأيين حيال الأمر. جزء مني ندم على الإزعاج الهائل الذي سببته لهذا الرجل. فقد أحدثت اضطراباً في الافتراضات المستقرة في حياته. لكنني واسيت نفسي بفكرة أنه لو لم يكن حكيماً بما يكفي لإرساء حياته على وجهة نظر دوكينز غير الكافية بجلاء، لأدرك يوماً ما أنها تستند على أسس هشة قطعاً. ولكانت إزالة الوهم واقعة لا محالة في يوم من الأيام. إلا أنني مثلت الحدث التاريخي الذي سبب حصولها في الزمان والمكان المُحدّدين.
لكن جزء آخر مني بدأ يُدرك كيف نعتنق معتقداتنا بعمق، وتأثير تلك المعتقدات في كل شيء في حياتنا. دوكينز محق ـ المعتقدات هامة. فنحن نبني حياتنا عليها؛ هي تُحدد قراراتنا بشأن الأمور الأكثر أهمية. وما زلت أتذكر الاضطراب الذي عشته أثناء الانتقال المؤلم فكرياً (برغم أنه يستحق) من الإلحاد إلى المسيحية. فكل جزء من الأثاث العقلي كان لا بد من إعادة ترتيبه. ودوكينز محقّ أيضاً- محقّ بلا أدنى شكّ ـ عندما يطلب أنّه يجب أن لا نبني حياتنا على الأوهام. فكلنا بحاجة إلى فحص معتقداتنا ـ ولا سيما إن كنا سُذّجاً لدرجة اعتبار أنفسنا لا نملك أي معتقدات في المقام الأول. وهنا أتساءل،من هو المُضلَّل حقاً بشأن الله؟
الإيمان طفولي
كأي شخص على دراية بالجدال المعادي للدين، يعرف أن الانتقاد الإلحادي المتواتر للمعتقد الديني يعتبره طفولياً- وهْمٌ طفولي مصيره الزوال حينما تبلغ الإنسانية نضجها. خلال تاريخه المهني طوّر دوكينز انتقاداً مماثلاً، راسماً تشبيهاً إلحادياً طويل الأمد. في أعماله الأولى، أكد دوكينز أن الإيمان بالله كما هو الاعتقاد بالجناني أو بابا نويل. وهذه المعتقدات طفولية تختفي بمجرّد أن نصبح قادرين على التفكير بطريقة مستندة إلى الأدلة. وكذلك هو الله. هذا واضح، أليس كذلك؟ فكما أشار دوكينز في برنامجه «فكرة هذا اليوم» على إذاعة البي بي سي في عام 2003، الجنس البشري «يمكن أن يعيش مرحلة طفولية كثيرة البكاء، وفي النهاية يبلغ سن الرشد». هذا «التفسير الطفولي» يعود إلى حقبة مبكرة من تاريخ البشرية، حقبة تؤمن بالخرافات. وقد تجاوزنا تلك الحقبة[11].
كغيرها من تشبيهات دوكينز الكثيرة، هي مبنية على جدول أعمال معين في البال ـ في هذه الحالة، ازدراء الدين. لكن من الواضح أن التشبيه خاطئ. كم من البشر نعرفهم بدأوا بالاعتقاد بوجود بابا نويل في سن البلوغ؟ أو مَنْ وجد أن الاعتقاد بوجود الجناني مواسياً في سن الشيخوخة؟ أنا آمنت بأن بابا نويل موجود حتّى بلوغي سن الخامسة (لكن، لا أعرف المنافع المترتبة على ذلك، فقد تركت والديّ يعتقدان بأني ما زلت آخذ الأمر بجدية حتى وقت لاحق). ولم أؤمن بالله إلا حين ذهبت إلى الجامعة. فأولئك الذين يلجؤون إلى هذه الحجة الطفولية يجب عليهم شرح سبب اكتشاف كثيرين لوجود اللَّه في وقت لاحق من حياتهم وبالتأكيد لا يعتبرون ذلك يمثّل أيّ نوع من التراجع أو الانحراف أو الانحطاط الأخلاقي. وخير مثال على ذلك يُقدمه أنطوني فلو من (مواليد عام 1923)، الفيلسوف المُلحد المشهور الذين بدأ الإيمان بالله في الثمانين من عمره.
لكن «وهم الإله» بالتأكيد محق في التعبير عن القلق بشأن التلقين الذي يتلقاه الأطفال من أهاليهم[12]. إن العقول البريئة يفسدها الكبار الذين يحشون معتقداتهم الدينية في عقول أولادهم. ويقول دوكينز إن العملية البيولوجية للاختيار الطبيعي تحشو أدمغة الأطفال بميل نحو الاعتقاد بكل ما يقول لهم أهاليهم أو كبارهم. وحسب رأيه، هذا يجعلهم عُرضةً لأن يثقوا بكل ما يقوله الأهل- كالاعتقاد ببابا نويل مثلاً. ويُعدّ ذلك واحداً من العوامل الأكثر أهمية في الحفاظ على المعتقد الديني في العالم، بينما كان يجب أن يزول منذ زمن بعيد. اخلعوا دائرة انتقال الأفكار الدينية بين الأجيال، وسيؤدي ذلك إلى فناء هذا الهراء. ويقول إن تربية الأطفال على الاعتقاد بمعتقد ديني هو شكل من الاعتداء على الأطفال.
بالطبع، هناك نقطة معقولة في هذا الحديث. لكن بطريقة ما، تضيع في صخب الخطاب المختلق وجراء الفشل العام في دراسة انعكاساتها. ولأنني قرأت المفاهيم الخاطئة عن الدين التي تحمل ميزة الأسى نفسه في «وهم الإله»، أخاف كثيراً أن يقوم العلمانيون فقط بإجبار الأطفال السُذج على اعتناق معتقداتهم- فكما يُشير دوكينز وهو محق بذلك، هؤلاء الأطفال يفتقرون إلى القدرات التمييزية المطلوبة من أجل تقييم الأفكار. ولا أتمنى أن أكون فظاً، لكن هذه المقاربة كلّها تبدو على نحو غير مريح مثل البرامج المناهضة للدين التي أُدخلت في مناهج تعليم الأطفال السوفييت إبان الخمسينيات، اعتماداً على عبارات مثل «العلم يدحض الدين!» «الدين خرافة!» وما إلى ذلك.
فعلاً، ثمة حاجة إلى مجتمع يتأمل كيفية تعليم أطفاله. لكن لا يمكن أن تلائمهم أيّ حالة من خلال تغذيتهم بالقوة من معتقدات دوكينز المفضلة وتحريفاته. هم بحاجة إلى أن يعرفوا بعدل ودقة ما الذي تُعلّمه المسيحية فعلاً ـ لا أن يكونوا عُرضةً للتحريفات التافهة عن اللاهوت المسيحي التي تغطي هذا النوع من الدعاية. إن كتاب «وهم الإله»، من خلال عيوبه لا جراء انجازاته، يعزز الحاجة إلى تعليم ديني نوعي على الساحة العامة، لمواجهة الرسوم المتحركة البدائية والصور النمطية الضارة والتحريفات الصارخة التي تروّج لها الأصولية الإلحادية بعدائية الآن.
لسنوات قدّمتُ سلسلة من المحاضرات في جامعة أوكسفورد بعنوان «مقدمة إلى علم اللاهوت المسيحي». لا أستطيع المساعدة، لكن أشعر بأن تلك المحاضرات استُغلت نوعاً ما في هذا الكتاب لدوكينز. وكما أشار الناقد الثقافي والأدبي تيري إيغلتون في مراجعته اللاذعة لكتاب «وهم الإله»: «تخيلوا أن شخصاً ما يتحدث بإسهاب عن البيولوجيا ومعرفته في الموضوع تقتصر على كتاب الطيور البريطانية فحسب، والأمر هو نفسه إن كانت لديكم فكرة تقريبية عمّا هو الشعور أثناء قراءة كتابات ريتشارد دوكينز عن اللاهوت»[13].
يقتبس دوكينز وجهات نظر صديقه نيكولاس هامفري، بموافقة الأخير، فيقترح بأنه بنبغي عدم السماح للأهل بعد الآن بتعليم أطفالهم «الحقيقة الموضوعية للإنجيل» لدرجة تفوق عدم «السماح لهم بضرب أطفالهم»[14]. لو كان كلام هامفري مبنياً على أسسٍ متينةٍ هنا، لكان انصب غضبه أيضاً على أولئك الذين ينشرون التحريفات عن الدين كما لو أنها حقيقة. أتعجّب، هل هو يقول إن الأهل الذين يقرأون كتاب «وهم الإله» بصوت عال أمام أطفالهم هم يرتكبون أيضاً اعتداءً بحق أطفالهم؟ أو أنت معتدٍ إذا فرضت معتقدات دينية فقط لكن لا معتقدات وأوهام مناهضة للدين؟
الإيمان غير منطقي
أفترض أن هناك مجموعة متطرفة مجنونة في كل لحظة. ونظراً لكوني خضت الكثير من النقاشات العامة حول ما إذا كان الدين يدحض وجود الله، أصبحت أتمتع بخبرة وافرة حول ما أعتقد أنه يليق بوصف البعض بأنهم غريبون نوعاً ما، وغالباً هم أصحاب الأفكار السامة قطعاً، على كلتا ضفتي النقاش بشأن اللَّه والإلحاد. واحدة من المزايا الأكثر تميزاً في جدل دوكينز المعادي للدين هي عرض الباثولوجية كما لو أنها طبيعية، والطرف كما لو أنه المركز، والمجانين كما لو أنهم التيار الرئيسي. ذاك ينفع بصورة عامة الجمهور المقصود، الذي يمكن أن نفترض أنه يعرف القليل عن الدين ولا يهتم كثيراً على الأغلب به. لكن ذلك غير مقبول، وبالطبع ليس مبنياً على أسس علمية.
يُصرّ دوكينز على المعتقد المسيحي هو «معتقد خاطئ على الدوام يُرفع في وجه الأدلة المختلفة القوية»[15]. لكن المشكلة في كيفية إقناع «أصحاب الإيمان الراسخ» بأن الإلحاد محق، عندما يوهمهم الدين بأنهم محصّنون في وجه أي شكل من أشكال الحجة المنطقية. لذا الإيمان أساساً وبدون أدنى شكّ هو غير منطقي. وفي دعم حجته يذكر دوكينز لاهوتيين مسيحيين يعتقد بأنهم سيُثبتون هذا الجانب المُنحلّ بصورة أساسية من المعتقد الديني. في أولى كتاباته، أكّد دوكينز أن الكاتب المسيحي ترتوليان في القرن الثالث قال بعض الأمور الغبية بصورة خاصة، من بينها «يُعتقد بشتى الوسائل أنه سخيف». وهذا مرفوض باعتباره هراء دينياً تقليدياً. «وذاك هو السبيل إلى الجنون»[16].
يسُرني أن أقول إنه توقف عن اقتباس ذلك الآن بعد أن أشرت إلى أن ترتوليان لم يقل شيئاً من هذا القبيل. فقد وقع دوكينز في فخ عدم فحص مصادره وكرّر ما قاله الكتاب المُلحدون القدامى. وحدهم لكنه يبقى مثالاً مُملاً آخر للتكرار اللا متناهي للحجج التي عفا عليها الزمن وأصبحت من سمات الإلحاد في الأعوام الأخيرة.
لكن، يبدو أن دوكينز وجد الآن مثالاً عن اللاعقلانية في الإيمان ـ على أي حال هذا جديد بالنسبة إليه. وفي كتابه «وهم الإله»، يستشهد ببعض المقتطفات المختارة مما كتبه الكاتب البروتستنتي الألماني مارتن لوثر في القرن السادس عشر، فاستقى تلك العبارات من الانترنت وعرض مخاوف لوثر بشأن المنطق في حياة الإيمان[17]. ولم يقم بأي محاولة توضيحية لما يعنيه لوثر بكلمة المنطق وكيف تختلف عما استخدمه دوكينز كمعنى بديهي للكلمة[18].
ما كان يُشير إليه لوثر حقاً هو أن المنطق البشري لا يمكن أبداً أن يأخذ موضوعاً أساسياً من المعتقد المسيحي- أن اللَّه يجب أن يمنح الجنس البشري الهدية الرائعة للخلاص دون أن يطلب أن يُقدموا شيئاً في المقابل أولاً. متروكةً وحدها، تستنتج الفطرة البشرية أنك بحاجة إلى أن تفعل أمراً من أجل الحصول على رعاية الله- فكرة اعتبرها لوثر مساساً ببشارة الحفاوة الإلهية، جاعلاً الخلاص شيئاً تكتسبه أو تستحقه.
إن تعاطي دوكينز غير الكفء ومع لوثر يُظهر كيف يتخلى دوكينز حتى عن ذريعة المعرفة المبنية على أدلة دقيقة. فيُجري استبدال طرفة بالدليل؛ شبكة الانترنت المنتقاة تحلّ مكان التعاطي الدقيق والشامل مع المصادر الأساسية. في هذا الكتاب، دوكينز يرمي أعراف المعرفة الأكاديمية في مهب الريح؛ هو يريد كتابة عمل من الداعية وبالنتيجة التعامل مع التسليم الدقيق للدين كما لو أنه عائق غير مريح لجدول أعماله الأساسي، ألا وهو الدمار الفكري والثقافي للدين. وهي سمة كريهة يتشاركها مع آخرين غيره من المتعصبين.
حجج وجود الله؟
يورد دوكينز أن وجود اللَّه أو عدم وجوده عبارة عن فرضية عملية معروضة على التبيان المنطقي. في كتابه «صانع الساعات الأعمى»، عرض انتقاداً ثابتاً وفعالاً للحجج التي قدمها الكاتب ويليام بيلي في القرن التاسع عشر حول وجود اللَّه على أسس بيولوجية. وهي الأرضية الأساس لدوكينز، وهو يعرف علامَ يتكلم. ويبقى هذا الكتاب هو الانتقاد المطبوع الأحسن لهذه الحجة[19].
الانتقاد الوحيد الذي يمكن أن أوجهه لهذه السمة من كتاب «صانع الساعات الأعمى» هو أن أفكار بيلي كانت مثالية في زمانه، وليس للمسيحية ككل، وأن كثيراً من الكتّاب المسيحيين في عصره شعروا بالقلق بسبب وجهة نظره، فاعتبروها وصفة مؤكّدة النجاح لانتصار الإلحاد. لا شك عندي في أن بيلي اعتبر بطريقة ما أنه «يُبرهن» وجود الله، لكن انتقاد دوكينز الموسّع لبيلي في ذاك الكتاب منصف ولطيف ودقيق.
في كتابه «وهم الإله»، يُحوّل دوكينز انتباهه إلى «حجج» أخرى مماثلة بالاستناد إلى فلسفة الدين. لست أؤكّد تماماً أنّ الحكمة وراء ذلك. إذ يتضح أنه بعيد عن التعمّق الذي يتميز به، ولم يُحقق سوى القليل من خلال حجته الموجزة والسطحية مع تلك النقاشات الخالدة، التي لا يمكن من الناحية التجريبية حلّها ببساطة[20]. ويبدو أن مواقفه تلخّص «هنا كيف يمكن لعالم أن يشرح هذا الهراء الفلسفي».
على سبيل المثال، يتطرق دوكينز لمقاربات توماس الأكويني في القرن الثالث عشر، والتي عُرفت تقليدياً باسم «الدلائل الخمس»[21]. الإجماع العام يقول إنه فيما حجج كهذه تلقي ضوءاً لافتاً للانتباه على الأسئلة، فإنها لا تحقق شيئاً. وبرغم أنه يُشار إليها تقليدياً على أنها «حجج تدل على وجود الله»، يبقى ذلك وصفاً غير دقيق. فجُلّ ما تقوم به هو إظهار التوجّه الداخلي للاعتقاد بالله- في الأغلب بالطريقة نفسها التي اعتمدتها الحجج الكلاسيكية الدالة على الإلحاد (كنظرية لودفيغ فيورباخ الشهيرة حول الإسقاط) في إظهار ثباتها الداخلي، لا أسسها الدلالية.
إن خط التوجّه الأساسي في فكر توماس يقول إن العالم يعكس أن الخالق هو الله. وهي فرضية منبثقة من الإيمان، الذي يقول عنه توماس إنّ صداه يتردد مع ما نراه في العالم. على سبيل المثال، علامات ترتيبه يمكن شرحها على أساس وجود اللَّه كخالقه. ولا تزال هذه المقاربة تواجَه على نطاق واسع في الكتابات المسيحية التي تقول إن الإيمان الموجود في اللَّه يُقدّم «تطابقاً تجريبياً» مع العالم أكثر من بدائله. ومع استخدام دوكينز المقاربة نفسها للثني على الإلحاد في مواضع أخرى، لا أرى فعلاً ما الذي يدفعه هنا إلى الاحتجاج بشأنها.
ولا في أي جانب يتحدث توماس عن هذه الأمور كـ»براهين» عن وجود الله؛ بل تُعتبر تجلياً للتماسك الداخلي بالاعتقاد في وجود الله. وتوماس مهتم في كشف أغوار الانعكاسات العقلانية للإيمان لناحية تجربتنا مع الجمال والسببية وغير ذلك. فالإيمان بالله هو حقاً أمر مفترض. ثم بعد ذلك يعرض أن هذا الاعتقاد يُظلل بالمنطق ما يمكن ملاحظته في العالم. ويمكن لإظهار التصميم أن يُقدم إقناعا،ً لا برهاناً، حول ما يتعلق بدور الخلق الإلهي في الكون. لكن دوكينز يُسيء فهم التبيان الاستدلالي لترابط الإيمان والملاحظة فيعتبره برهاناً بديهياً للإيمان - وهو خطأ له تبريره تماماً بالنسبة لأولئك المبتدئين في هذا المجال، لكن برغم ذلك يُعد خطأً جسيماً.
حين يعتبر دوكينز الإيمان هراءً فكرياً، يعي معظمنا أننا نؤمن بكثير من المعتقدات التي لا يمكننا برهان صحتها لكنها برغم ذلك معقولة تماماً للترفيه[22]. فلنغص بذلك لحظة: معتقداتنا قد تبدو أنها مُبرّرة، لكن دون تبيان أنها مُبرهنة. وهذه ليست نقطة صعبة أو غامضة. فلطالما قال فلاسفة العلم إن كثيراً من النظريات العلمية التي يُعتقد بصحتها في الوقت الحاضر قد تُضرب عرض الحائط في المستقبل مع ظهور أدلة إضافية أو تفسيرات نظرية جديدة. على سبيل المثال، لا صعوبة في الاعتقاد بأن نظرية دوكينز بشأن التطور هي في الوقت الحاضر التفسير الأفضل للدليل المتوافر، لكنّ ذلك لا يعني أنها صحيحة[23].
انعدام احتمال وجود الله
يُخصص دوكينز فصلاً كاملاً لحجة ـ أو بصورة أدق، سلسلة من التأكيدات المُجمعة على نحو فضفاض- التأثير العام بأن «الاحتمال الأكبر عدم وجود الله». وهذا اللحن غير المترابط بنيته ضعيفة، ما يجعل من الصعب متابعة حجته الأساسية التي تبدو توسعاً لسؤال «إذن، مَن خلق الله؟ لأن أيّ إله قادر على تصميم أي شيء يتعين أن يكون على مستوى أعلى من التعقيد ويتطلب بدوره إلى تفسير . وفكرة الإله تتطلب تراجعاً زمنياً لا مفر منه ولا يمكننا تفسيره».
يسخر دوكينز خصوصاً من اللاهوتيين الذين يسمحون «للاسراف المريب باستحضار اعتباطي لطرف التراجع اللانهائي». فأي شيء يُفسر أمراً ما فهو بنفسه يحتاج تفسيراً- وذاك التفسير بدوره بحاجة إلى تفسير، وهكذا دواليك. وما من سبيل مُبرّر لإنهاء هذا التراجع اللانهائي من التفسيرات. فما يُفسر التفسير؟ أو، لتغيير الاستعارة قليلاً: من صمّم المُصمِّم؟
لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الغاية الأسمى من العلوم الطبيعية هي السعي من أجل «النظرية الموحّدة العظمى»- «نظرية كل شيء». فلِم نظرية كهذه تُعد بتلك الأهمية؟ لأنها تفسّر كل شيء، دون الحاجة أو أن يكون مطلوباً تفسيرها بذاتها. وينتهي المسار التوضيحي هنا. فتنتفي الحاجة إلى التراجع اللانهائي بُغية التفسير. فإذا كانت حجج دوكينز الصاخبة والتبسيطية لها وزن، فهذا السعي العلمي العظيم يمكن دحضه بسؤال ظاهره تافه لكن باطنه عميق وهو: ما الذي يُفسّر المُفسِّر؟
الآن، قد لا يكون هناك نظرية نهائية كهذه. و«نظرية كل شيء» قد تغدو «نظرية اللا شيء». لكن لا سبب يدعو إلى افتراض هذا السعي إخفاقاً منذ البداية، ببساطة لأنه يمثل انتهاء العملية التفسيرية. إلا أن سعياً مماثلاً من أجل تفسير يتعذّر رفضه يقع في قلب السعي العلمي. وليس في ذلك تناقض منطقي أو عيب مفهومي أو تناقض ذاتي.
ثم يذكر دوكينز حجةً فيها القليل من المنطق، إما في بيان مقتضب ومتسرع في كتاب «وهم الإله» وإمّا في نسخ أكثر توسعاً ذكرها في مواضع أخرى. ومن خلال تناوله الناقص والباعث على السخرية بـ»المبدأ الأنثروبي»، يُشير دوكينز إلى اللااحتمالية الكبيرة لوجودنا. فيقول إن الإيمان بالله يمثل إيماناً بكيان لا بدّ أن يكون وجوده أكثر تعقيداً- ولذا هو بعيد الاحتمال أكثر. لكن هذا القفز من الاعتراف بالتعقيد إلى تأكيد اللااحتمالية هو إشكالي للغاية. فلِم هو شيء غير محتمل معقد؟ قد تكون «نظرية كل شيء» أكثر تعقيداً من النظريات الأدنى التي تفسرها- لكن ما علاقة ذلك بعدم احتمالها؟
إنما لنقف هنا للحظة. إن الحقيقة التي لا مفرّ منها وبعيدة الاحتمال بشأن العالم هي أنّنا موجودون فعلاً هنا وكبشرٍ نعكِس هذه الحقيقة. والآن من المستحيل عملياً تحديد مدى عدم احتمال وجود البشرية. دوكينز نفسه واضح، لا سيما في كتاب «الصعود إلى جبل اللااحتمال»، إنّ ذلك من غير المحتمل أبداً. إلا أننا موجودن. الحقيقة الجلية بأننا متحيرون بشأن كيفية كوننا هنا هي مستقلة عن حقيقة أننا هنا وبذلك قادرون على التأمل باحتمال هذا الواقع. ربما نحتاج إلى أن نقدّر أن ثمة كثيراً من الأشياء التي تبدو غير محتملة ـ لكن اللااحتمالية ليست لديها، ولن يكون لديها أبداً، عدم وجود لزامي. فقد نكون بعيدي الاحتمال ـ إلا أننا هنا. والقضية عندها تكون لا إذا كان وجود اللَّه احتمالاً بل إذا كان وجوده حقيقياً.
إله الفراغات
في كتابه «وهم الإله»، ينتقد دوكينز «عبادة الفراغات». وهي إشارة إلى مقاربة الدفاع عن العلوم المسيحية التي اشتَهرت إبّان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ـ تُسمى مقاربة إله الفراغات. في أبسط صورة لها، هي أكدت أنه حتماً ثمة «فراغات» في الفهم الطبيعي أو العلمي للواقع. وفي نقاط معينة، تستخدم نظرية اللاهوت الطبيعي الشهيرة لويليام بيلي (1801) حججاً على هذا المنوال. فقيل إن اللَّه بحاجة لأن يكون موضع اقتراح كي يجري التعامل مع هذه الفراغات في الفهم العلمي.
كانت فكرة غبية وقد جرى التخلي عنها إلى حد كبير في القرن العشرين. بروفسور أوكسفورد الأول في الكيمياء النظرية، الميثوديست المشهور تشارلز آي. كولسون، استبدلها بعبارة «إله الفراغات». فاستخدم اعتباراً شاملاً للواقع، وشدّد فيه على القدرة التعليلية للمعتقد المسيحي ككل بدلاً من معالجة فراغات متناقضة على الإطلاق. برغم مبالغته، من الواضح أن انتقاد دوكينز لأولئك الذين «يعبدون الفراغات» مناسب وصالح. لذا لا بد من نوجه له الشكر لمساعدتنا في التخلص من هذه الانعطافة الخاطئة التي عفا عليها الزمن في تاريخ الدفاع عن المسيحية. وهو مثال حيّ على كيفية أن يؤدي أي حوار بين العلوم واللاهوت المسيحي إلى بعض النتائج المفيدة.
لسوء الحظ، بعد إحرازه تقدماً كهذا، يُضعف دوكينز حجته من خلال الإيحاء بأن جميع الناس المتدينين يحاولون منع العلماء من الكشف عن هذه الفراغات: «من بين الآثار السيئة للدين أنه يُعلّمنا بأن الاقتناع دون الفهم يُعد فضيلة». وفي حين أن ذلك قد يكون صحيحاً في ما يخص بعض الأشكال الأكثر غرابة للاهوت المسيحي، قطعاً فإنه في معظمه لا يُعد ميزة في مقارباته. فالتعميم التام هو ما يُدمر أي نقاش مثير للاهتمام.
بعد كل شيء، ما من خطأ في الاعتراف بحدودنا لناحية الفهم، ويعود ذلك في جزء منه إلى حدود العلم نفسه، وفي جزء آخر للقدرة البشرية المحدودة على الفهم. وكما يُشير دوكينز بنفسه إلى هذا الأمر في مقام آخر: «يُعلّمنا علماء الفيزياء المعاصرون أن الحقيقة تفوق ما تراه العين؛ أو ما يستوعبه العقل البشري المحدود للغاية، عقلٌ تطوّر كما لو أن ذلك من أجل التعامل مع الأشياء متوسطة الحجم التي تتحرك بسرعات متوسطة عبر مساحات متوسطة في أفريقيا».
ليس مستغرباً أن هذا العقل البشري «المحدود للغاية» يجب أن يواجه صعوبات حادة أثناء التعامل مع أي شيء بعيدٍ عن عالم التجربة اليومية. وفكرة «الغموض» تظهر باستمرار كصراع العقل البشري من أجل فهم بعض الأفكار. وهذا بالتأكيد صحيح لناحية العلم؛ وصحيح أيضاً في ما يخص الدين.
لكن المشكلة الحقيقية هي قيام المدافعين عن المسيحية غير المشكوك بهم وأصحاب النوايا الحسنة بالترحيل القسري لله إلى الخبايا الخفية في الكون، بعيداً عن التقييم أو التحقيق. وهو الآن قلق حقيقي، لأن تلك الإستراتيجية لا تزال مُستخدمة من قبل حركة تصميم ذكية - حركة تتركز بالأساس في شمالي أفريقيا وتدافع عن فكرة «مُصمم ذكي» بالاستناد إلى فجوات في التبرير العلمي، مثل «التعقيد غير القابل للاختزال» للعالم. هي مقاربة أنا لا أقبلها، سواء على أسس علمية أو لاهوتية. من وجهة نظري، أولئك الذين يتبنون هذه المقاربة يجعلون المسيحية، وبدون أدنى شكّ، هشّة أمام التقدم العلمي.
لكن مقاربة «إله الفراغات» هي واحدة من مقاربات مسيحية كثيرة تناولت كيفية أن تكون فرضية اللَّه منطقية. من وجهة نظري، هي كانت مضللة؛ كانت إستراتيجية تبريرية فاشلة منذ فترة مبكرة في التاريخ وقد عفا عليها الزمن الآن. هذه النقطة تبنّاها فلاسفة دين وعلماء لاهوت مسيحيون إبان القرن العشرين وهم الآن عادوا إلى الأساليب الأقدم الأكثر ملاءمة للتعامل مع هذه المسألة. على سبيل المثال، ريتشارد سوينبورن، الفيلسوف من أوكسفورد، هو واحد من كتّاب كثيرين يقولون إن قدرة العلم على تبرير نفسه تتطلب تبريراً ـ وأن الاعتبار الأكثر اقتصادياً وموثوقيةً لهذه القدرة التبريرية يكمن في فكرة وجود إلهٍ خالقٍ.
وتجزم حجة سوينبورن بأن وضوح الكون نفسه بحاجة إلى تبرير. لذا ليست الفراغات في فهمنا هي التي تدل على وجود اللَّه بل إن الفهم الصحيح للأشكال العملية من الفهم وغيرها من الأشكال ما يتطلب تفسيراً. باختصار، الحجة تقول إن قابلية التفسير نفسها تتطلب تفسيراً. كلما تحقق المزيد من التطور العلمي، تطور فهمنا للكون ـ ولذا أصبح هناك حاجة أكثر إلى هذا النجاح. هي مقاربة تُثني على التحقيق العلمي وتشجّعه، ولا تسعى إلى الثني عنه.
لكن ماذا بشأن علاقة العلم بالدين على صعيد أكثر عمومية؟ إن لدى دوكينز الكثير ليقوله في هذا المضمار ولا بد من أن نكمل طريقنا لدرس ما يقوله.
الخاتمة
كل وجهة نظر عالمية، سواء كانت دينية أو لا، لديها نقطة ضعف. وثمة توتر بين النظرية والتجربة، ما يطرح أسئلةً بشأن تماسك وموثوقية وجهة النظر نفسها. في حالة المسيحية، يُحدّد كثيرون نقطة الضعف بأنّها في وجود المعاناة في العالم. وفي حالة الإلحاد، هي الإصرار على الإيمان بالله، حين يكون من المفترض أن لا وجود لإله يُعتقَد بوجوده.
إلى فترة ليست ببعيدة، انتظر الإلحاد الغربي بصبر، مُعتقداً أن الإيمان بالله ببساطة سيزول. لكن الآن، من الواضح أن حالة من الذعر تسود. بدل أن يزول، الإيمان بالله يحيا ويبدو أنه لا يزال يحظى بتأثير أكبر على الساحتين العامة والخاصة على حد سواء. وكتاب «وهم الإله» يُعبّر عن هذا القلق العميق، مما يعكس جزئياً حالةً من النفور الشديد تجاه الدين. لكنّ ثمة أمراً أعمق هنا، وغالباً ما يُتغاضى عنه في غمرة النقاش الساخن. القلق هو أن تماسك الإلحاد بحد ذاته على المحك. فهل من المحتمل أن يؤدي الانبعاث غير المتوقع للدين إلى إقناع الكثيرين بأن الإلحاد بذاته فيه عيوب قاتلة باعتبارها وجهة نظر عالمية؟
يبدو أن الغاية من كتاب «وهم الإله» إعادة طمأنة المُلحدين الذين يترنح إيمانهم لا بهدف تحقيق مناقشة منصفة أو قوية مع المتدينين أو أولئك الساعين إلى إيجاد الحقيقة (يتساءل المرء عمّا إذا كان مرد ذلك لكون الكاتب نفسه مُلحداً يترنح إيمانه). سينزعج المتدينون جراء صوره النمطية الطقوسية عن الدين وسيجدون أن افتقار الكتاب الواضح إلى العدل يُعد رادعاً هاماً عن أخذ حججه ومخاوفه على محمل الجد. أما الباحثون عن الحقيقة الذين يعتبرون أنفسهم غير متدينين فقد يعيشون الصدمة جراء كلام دوكينز العدائي، واستخدامه التصريحات العقائدية الشخصية بدلاً من المشاركة الموضوعية المبنية على الدليل، ونبرة البلطجة والغطرسة تجاه المتدينين، وتصميمه التام على عدم إيجاد أي شيء سوى العيب في الدين من أي نوع كان.
هذا هو القلق العميق بشأن مستقبل الإلحاد ما يُفسّر «درجة الدوغمائية العالية» و«الأسلوب الخطابي العدائي» لهذه الأصولية العلمانية الجديدة. وتعلو وتيرة الأصولية حين تشعر أي وجهة نظر عالمية أنها في خطر، فتستشرس ضد أعدائها حين تتخوف على مستقبلها. إن كتاب «وهم الإله» عبارة عن عمل مسرحي لا علمي ـ هجوم كلامي شرس على الدين والتماس عاطفي بأن يخبو إلى قعر المجتمع بحيث لا يستطيع إلحاق أي ضرر. لا أحد لديه الشك بالإغراء الحشوي الذي سيكون لهذا الكتاب لجمهور علماني يُحذَّر من الأهمية السياسية الجديدة المرتبطة بالدين وتأثيره المتنامي وحضوره على الساحة العامة. وسيحظى موقفه الرافض للدين دون أدنى شك باستحسان أولئك الذين يمقتون الدين بشدة.
لكن آخرين كانوا أكثر حذراً. فنتيجة إدراك الالتزام الأخلاقي لأي ناقد للدين يتطرق إلى هذه الظاهرة على أفضل وجه وعلى نحو أكثر اقناعاً، كثيرون شعروا بالانزعاج جراء الصور النمطية الفظة التي لجأ إليها دوكينز، إضافة إلى المعارضات الثنائية المبسّطة إلى حدّ كبير (العلم حسن؛ الدين سيء)، والمغالطات البهلوانية، والعدائية تجاه الدين. هل من المحتمل أن يكون لكتاب «وهم الإله» نتائج عكسية ويؤدي في نهاية المطاف إلى إقناع الناس بأن الإلحاد متعصب ومذهبي وبغيض بقدر السوء الذي يتميز به الدين؟
يبدو أن دوكينز يعتقد بأن قول شيء ما بصوت مرتفع جداً وبثقة عالية، مع تجاهل أو تحقير الدليل المضاد، من شأنه أن يُقنع أصحاب العقول المنفتحة بأنّ الاعتقاد بالدين هو نوع من الوهم. للأسف، تشير الأبحاث الاجتماعية عن القادة الذين يتمتعون بالكاريزما ـ سواء كانوا متدينين أو علمانيين ـ إنّ دوكينز قد يكون محقاً في وضع أمل ما على هذه الإستراتيجيا. بالنسبة للبسطاء والسُذج، هي الثقة بما يُقال ما يُقنع لا الدليل المُقدّم لدعمه. لكن الحقيقة هي أن دوكينز يستند إلى حد بعيد إلى البلاغة لا على الدليل الذي من ناحية أخرى هو رأس ماله الطبيعي ما يُشير بوضوح إلى أن ثمة أمراً خاطئاً في هذه المسألة. ومن المفارقات أن الإنجاز النهائي لكتاب «وهم الإله» للإلحاد المعاصر قد يكون الإيحاء بأن هذا الإمبراطور ليس لديه ثياب ليلبسها. فهل من المحتمل أن يكون الإلحاد وهماً حول الله؟
--------------------------------------------
[1]*ـ إليستر أدغار ماكغراث وهو عالم فيزيائي إيرلندي كان مُلحداً ثم آمن، له مؤلفات عدّة في الدفاع عن الدين والرّد على المُلحدين منها: شفق الإلحاد، إله دوكينز والجينات، وهم دوكينز، اللاهوت العلمي وغيرها.
ـ جوانا كوليكات ماكغراث، استاذة في علم النفس الديني في كلية هايثروب في جامعة لندن.
ـ نص مقتطف من كتاب "وهم دوكينز" وهو قيد الطباعة يصدره قريباً "المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية".
ـ الكتاب بعنوان: "The Dawkins Delusison" من تأليف Alister Mcharth and Janna Collicutt Mchrath.
ـ ترجمة: محمد عودة.
[2]- Richard Dawkins, The God Delusion (Boston: Houghton Mifflin, 2006).
[3]- 2Ibid„ p. 5.
[4]- 3Michael Shermer, How We Believe: Science, Skepticism, and the Search for God (New
York: Freeman, 2000), pp. 16-31.
[5]- 4Stephen Jay Gould, “Impeaching a Self-Appointed Judge.” Scientific American
267, no. 1 (1992): 118-21
[6]- For some such books see C. S. Lewis, Mere Christianity (New York: Macmillan, 1984); and N. T. Wright, Simply Christian (San Francisco: HarperSanFrancisco,2006).
[7]- Readers who would appreciate a more extended scholarly and analytical engagement with Dawkins’s “scientific atheism” should read Alister E. McGrath, Dawkins’God: Genes, Memes and the Meaning of Life (Maiden, Mass.: Blackwell, 2004).While this book represents a sympathetic yet critical study of Dawkins’s viewson science and religion up to 2004, The God Delusion develops a broader range of arguments, which clearly invite further evaluation and response.
[8]- Richard Dawkins, The God Delusion (Boston: Houghton Mifflin, 2006), p. 38.
[9]- This definition dates back to 1976, when it appeared in The Selfish Gene. See Richard Dawkins, The Selfish Gene, 2nd ed. (Oxford: Oxford University Press, 1989), p. 198.
[10]- Dawkins, God Delusion, p. 308.
[11]- A much more sophisticated account of the origins of belief, bearing some slight resemblance to that offered by Dawkins, is found in the writings of Sigmund Freud. Dawkins shows no awareness of this and makes no reference to Freud in The God Delusion.
[12]- Dawkins, God Delusion, pp. 325-37.
[13]- Terry Eagleton, “Lunging, Flailing, Mispunching: A Review of Richard Dawkins’ The God Delusion,” London Review of Books, October 19, 2006.
[14]- Nicholas Humphrey, cited in Dawkins, God Delusion, p. 326
[15]-Dawkins, God Delusion, p. 5.
[16]- Richard Dawkins, A Devil’s Chaplain: Reflections on Hope, Lies, Science, and Love (Boston: Houghton Mifflin, 2003), p. 139.
[17]- Dawkins, God Delusion, p. 190. The Web source provided is a list of citations, all in English translation, without the original German or Latin, any indication of their sources and making no attempt at scholarly engagement.
[18]- For a more careful account see Alister E. McGrath, Luther’s Theology of the Cross: Martin Luther’s Theological Breakthrough (Oxford: Blackwell, 1985).
[19]- Richard Dawkins, The Blind Watchmaker: Why the Evidence oj Evolution Reveals a Universe Without Design (New York: W W. Norton, 1986).
[20]- See the points made by David O’Connor, “On Failing to Resolve Theism- Versus-Atheism Empirically,” Religious Studies 26 (1990): 91-103.
[21]- Dawkins, God Delusion, pp. 77-79.
[22]- For the importance of this point, see Samuel E Huntington and Lawrence E. Harrison, eds., Culture Matters: How Values Shape Human Progress (New York: Basic, 2000).
[23]- Dawkins himself makes this point: “We must acknowledge the possibility that new facts may come to light which will force our successors of the twenty-first century to abandon Darwinism or modify it beyond recognition” (A Devil’s Chaplain [London: Weidenfeld & Nicolson, 2003], p. 81).