البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

إخفاق النظام الأخلاقي للإلحاد ، العِلموية لا تنتج المعنى المتسامي

الباحث :  روبرت أ. دلفينو Robert A. Delfino
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  7
السنة :  السنة الثالثة - ربيع 2017 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 9 / 2017
عدد زيارات البحث :  2017
تحميل  ( 371.657 KB )
يلتزم الملحدون الجدد، مثل ريتشارد داوكنز وسام هارّيس، بشكل عام، باعتقادين أساسيين. الأول هو العلموية، التي ترى أن العلم وحده قادر على أن يزوّدنا بمعرفة تامّة وموثوقة عن الواقع. والثاني هو الطبيعانية الميتافيزيقية، التي تنفي وجود كيانات فوق طبيعية.

 يركز المؤلف في هذه المقالة في الطبيعانية الميتافيزيقية التي يقبل بها الملحدون الجدد وغيرهم من الطبيعانيين، ويهدف للإجابة عن السؤال التالي: هل يمكن أن توفّر الطبيعانية الميتافيزيقية أساساً كافياً للقيم الأخلاقية الموضوعية؟ يبيّن الكاتب أن الجواب هو «لا»، ثم يناقش عدداً من المشاكل الجدّية الكامنة في التفسير الطبيعاني لأساس الأخلاق.

المحرر


يناقش اللاهوتي الروماني الكاثوليكي جون ف. هاوت Haught John F. في كتابه اللَّه والإلحاد الجديد: ردّ نقدي على داوكنز، هارّيس وهتشنز، God and the New Atheism: A Critical Response to Dawkins، Harris ،and Hitchens، التنامي الراهن للإلحاد الجديد. ما يراه هاوت أن الملحدين الجدد ـ ومن بينهم علماء وفلاسفة ـ يتشاركون في منظومة اعتقادية تُعرف بـ «الطبيعانية العلمية» العقيدة المركزية للطبيعانية العلمية هي أن: “الطبيعة فقط، بما فيها البشر والأفعال الناتجة منهم، هي الحقيقة؛ وان اللَّه غير موجود؛ وأن العلم يمكن أن يزوّدنا بمعرفة كاملة وموثوقة عن الواقع.»[2] فكما يوضح وصف هاوت، أن الطبيعانيين العلميين ملتزمون باعتقادين: (1) العلموية scientism، التي ترى أن العلم وحده يمكن أن يقدّم لنا معرفة كاملة وموثوقة عن الواقع، و(2) الطبيعانية الميتافيزيقية metaphysical naturalism، التي تنفي وجود أي كائنات فوق طبيعية[3]. فإذا آمن الطبيعيون العلميون بهذين المعتقدين، فإنهم يفصلون أنفسهم عن غالبية العلماء والفلاسفة الذين يرفضون على الأقل أحد هذين لاعتقادين[4]. إضافة، وكما لاحظ آخرون، أن للإلحاد الجديد طبيعة «تبشيرية»، «فهو يفترض أن لديه بشرى سارة ليشاركها، بأي ثمن، من أجل المستقبل النهائي للإنسانية من خلال اعتناق أكبر عدد ممكن من الناس للإلحاد»[5].

وبسبب التزام الملحدين الجدد بالطبيعانية العلمية وبالطبيعانية الميتافيزيقية، زعموا أن المناهج العلمية نجحت في دراسة موضوعات كانت تعتبر تقليدياً خارج حدود العلم، مثل الأخلاق. فمثلاً، قدّم البيولوجي التطوري ريتشارد داوكنز Richard Dawkins في كتابه وهم اللَّه The God Delusion حجّة تقول إننا «يمكن أن نستمدّ شعورنا بالصواب والخطأ من ماضينا الدارويني»[6]. وناقش سام هارّيس Harris Sam في كتابه: المشهد الأخلاقي: كيف يمكن للعلم أن يحدد القيم The Moral Landscape: How Science Can Determine Human Values أن «الأخلاق يمكن وينبغي أن تندمج بفهمنا العلمي للعالم الطبيعي»[7].

لقد عالجت موضوع العلموية وأهم مشاكلها في مكان آخر.[8] لذلك، سوف أركّز هنا في الطبيعانية الميتافيزيقية التي يقبلها الملحدون الجدد وغيرهم من الطبيعيين، بهدف الإجابة عن السؤال التالي: هلى يمكن للطبيعانية الميتافيزيقية أن تقدّم أساساً كافياً للقيم الأخلاقية الموضوعية؟ وسأبرهن أن الجواب هو «لا»، ثم سأناقش عدداً من المشاكل المهمة الكامنة في تفسير الطبيعانية لأساس الأخلاق. ولكن قبل أن أفعل هذا، يجب علي أن أوضح ما أعنيه بالقيم الأخلاقية الموضوعية.

أولاً، أعتقد أن القيم الأخلاقية تقريرية. بمعنى أنها تقول لنا كيف ينبغي أن نتصرّف. علماً أن كلمة «ينبغي» يمكن أن تستعمل بطرائق عدّة. مثلاً، إذا أردت أن تتسلّق جبل أفرست ينبغي أن تشتري معطفاً دافئاً جداً، وينبغي أن تجمع ما يكفي من المواد الغذائية، وينبغي أن يكون لديك دليل جيد ليرشدك. بالطبع، بدل فعل كل هذا كان يمكنك ببساطة أن تقرر أنك لن تتسلق الجبل. وهذا يعني، أن تسلق الجبل اختياري. لكن الأخلاق، ليست اختيارية. وهذا ما يثير مسألة أخرى، وهي، أن القواعد الأخلاقية تحمل معها قوة ضرورة لا مفر منها. اعترف إيمانويل كانت بهذا النوع من الضرورة في تأكيده أن المبدأ الأخلاقي السامي ليس افتراضياً، بل هو مقولي categorical (وبالتالي ملازم لكل الكائنات العاقلة في كل زمان). ثالثا، ً وأخيراً، أعتقدُ أن القضية الأخلاقية مثل: «إن إساءة معاملة الأسرة للأطفال خطأ» تكون صادقة أو كاذبة. في هذه المسألة بالتحديد، سأبرهن أن هذه القضية صادقة. وبالتالي لن أتبنّى الرأي القائل إن القيم الأخلاقية لا هي صادقة ولا هي كاذبة كما يعتقد الفلاسفة اللاأدريون، أو أن هذه القضايا صادقة على المستوى الذاتي وحسب أو أنها صادقة على المستوى الثقافي كما يرى القائلون بنسبية الأخلاق.

منذ عصر أفلاطون على الأقل، بحث معظم الفلاسفة الغربيون عن أساس ميتافيزيقي أو عن خلفية تدعم القيم الأخلاقية الموضوعية بالمعنى الذي وصفته أعلاه ـ أي التقريرات حول الخير والشر التي تكون صحيحة موضوعياً وملزِمة بالضرورة. ولمّا كان مثال الخير بالنسبة لأفلاطون هو الذي وفّر هذا الأساس الميتافيزيقي، والله بالنسبة لمفكّري القرون الوسطى هو من وفّر هذا الأساس، فلا يمكن للطبيعانيين العلميين الاحتكام إلى هذه الكيانات فوق الطبيعية. إذاً، يبقى السؤال مطروحاً ـ هل يمكن للطبيعاني العلمي أن يقدّم الأساس الميتافيزيقي الذي يفسّر كيف تكون القيم الأخلاقية صحيحة موضوعياً، وتقريرية، وتحمل معها ضرورة لا مفرّ منها؟ دعنا نناقش هذا السؤال في السطور التالية.

الأسس الطبيعية للقيم الأخلاقية الموضوعية

لا يمكن للقيم الأخلاقية أن توجد إلا إذا كان ثمّة علل فاعلة أخلاقية. الشرط الضروري للفاعلية الأخلاقية هو الحرية الميتافيزيقية، التي هي قدرة العلة الفاعلة على الفعل بخلاف ما فعلته لأن لها سيطرة على أفعالها. حتى إيمانويل كانت، الذي كان بالتأكيد يشكّ بالميتافيزيقات التقليدية، أكد أن حرية الإرادة بديهة ضرورية من بديهيات العقل العملي الخالص الذي من دونه لا تكون الأخلاق ممكنة.[9] من الواضح أنه لا يمكن للطبيعانيين العلميين أن يحتكموا للعلل الفاعلة الأخلاقية فوق الطبيعية، وبالتالي إذا تبيّن أن الطبيعانية الميتافيزيقية لا تتناسب مع حرية الكائنات الطبيعية الحية، فإن الطبيعانية الميتافيزيقية لا يمكن أن تصلح كأساس ميتافيزيقي مُرضٍ للقيم الأخلاقية الموضوعية. وهكذا تكون مشكلة الحرية على قدر كبير من الأهمية لذا يجب أن نتطرّق إليها.

مشكلة الحرية

لا شك في أن بعض العلماء والفلاسفة بعتقدون بأن الطبيعانية الميتافيزيقية تعيق الحرية الإنسانية. تأمل مثلاً، تعليقات عالم الأعصاب والملحد الجديد سام هارّيس Sam Harris الذي كتب في فصل بعنوان «وهم الإرادة الحرة»، ما يلي:

إنك تميل للشعور بأنك أنت مصدر أفكارك وأفعالك. وأنك أنت الذي تقرر ما تفعل وما لا تفعل. فأنت تبدو كعلّة فاعلة تتصرف بإرادتك الذاتية. لكن، كما سنرى، لا يمكن التوفيق بين وجهة النظر هذه وبين ما نعرفه عن الدماغ البشري... إذ يمكن ردّ كل سلوكنا إلى الوقائع البيولوجية التي لا نملك أيّ معرفة واعية عنها... فأنت لست مسؤولاً عن الشيء التالي الذي تفكر فيه (وبالتالي الذي تفعله) أكثر من مسؤوليتك عن وجودك في هذا العالم[10].

عندما يجري فهم الطبيعانية الميتافيزيقية بهذه الطريقة الضيقة والحتمية والمختزلة، يتّضح أنها لا تصلح لأن تكون أساسا كافياً للقيم الأخلاقية الموضوعية. ولهذا السبب، تبنّى كثير من الطبيعانيين فهماً واسعاً للطبيعانية الميتافيزيقية ـ وهو فهم، يدّعون أنه يتناسب مع الحرية الإنسانية. وبالفعل، فقد تبنّى بعض الفلاسفة واللاهوتيين المسيحيين وجهة نظر شديدة الشبه بهذا ـ أن كل ما هو موجود، ما عدا الله، هو كائن طبيعي. فمثلاً، أكّدت نانسي مورفي Nancey Murphy ـ في كتابها أجسام وأرواح، أم أجسام روحية؟ Bodies and Souls، or Spirited Bodies -: “ أطروحتي الأساسية هي، أولاً، إن وجودنا هو وجود أجسامنا ـ أي لا يوجد أي عنصر ميتافيزيقي آخر مثل العقل أو النفس أو الروح. لكن، ثانياً، إن هذا الموقف «الجسماني» لا يحتاج إلى إنكار أننا أذكياء، وأخلاقيون، وروحيون»[11].

تسمّي مورفي موقفها بالجسمانية اللا ـ اختزالية؛ إذ بمعزل عن الموقف من وجود الله، تبدو الجسمانية  اللا ـ اختزالية كأنها الخيار الوحيد الباقي أمام الطبيعانيين الميتافيزيقيين إذا رغبوا في الدفاع عن الحرية الإنسانية والقيم الأخلاقية الموضوعية. لقد بيّنت في مكان آخر أن ثمة أسباباً وجيهة للشك بقدرة الجسمانية اللا ـ اختزالية على تفسير الحرية الإنسانية.[12] للأسف، لا أستطيع إعادة إنتاج كل هذه الحجج هنا، لكنني سأناقش بإيجاز الصعوبة الأساسية، التي ترتبط بالضرورة بمشكلة النشأة.

لكي تكون الجسمانية اللا ـ اختزالية مختلفة عن الفهم المحدود للجسمانية الذي ناقشناه سابقاً، يجب أن تنطوي الجسمانية ـ اللا اختزالية على إمكان نشوء قوى طارئة جديدة، مثل الحرية، في الكائنات الحية على مر الزمن. لأن الطبيعانيين العلميين لا يريدون أن يحتكموا إلى النفوس أو إلى الكيانات اللامادية، لذلك يضطرون للقول إن هذه القوى الطارئة الجديدة تنشأ، في النهاية، من الترتيبات المعقّدة للأجزاء الجسمية المجهرية. لكن، بعد استثناء اللاحتمية الكمية، فإن العالم الجسماني المجهري هو عالم الحتمية. إضافةً إلى أن اللاحتمية الكمية، التي هي نوع من العشوائية الإحصائية، لا تكفي لتفسير الحرية الأصيلة. فحتى لو كانت الأحداث الكمية عشوائية، لن أكون حراً إذا كانت أفعالي معلولة للأحداث الكمية التي لا سيطرة لي عليها. وهكذا، يتبيّن أن القوة السببية لتبنّي خيارات حرة بالأصالة لا يمكن أن تنشأ عن العالم الفيزيائي المجهري ـ الكمّي أو غير الكمّي.

إذا كانت الحجج السابقة صحيحة، إذاً لا يمكن لا للفهم الضيّق ولا للفهم الواسع للطبيعانية الميتافيزيقية أن يفسّر الحرية. في هذه الحالة، لن يكون البشر ولا أي موجود جسماني حي علة فاعلة أخلاقية، وهكذا سيكون الفشل مصير أيّ محاولة لتوفير أرضية للقيم الأخلاقية الموضوعية. فلنفرض جدلاً، أن القدرة على اتخاذ الخيارات الحرة يمكن أن تنشأ خلال مسار التطوّر البيولوجي. لكن حتى في هذه الحالة، ستثار الشكوك حول مدى صلاح التطوّر البيولوجي كأساس ميتافيزيقي مرضٍ للقيم الأخلاقية الموضوعية. إذاً، دعنا نناقش تلك الإمكانية فيما يلي.

مشكلة التطوّر

كانت الاستراتيجية المشتركة التي استخدمها الطبيعانيون العلميون تهدف لبرهنة أن الأخلاق هي نتاج التطوّر البيولوجي وأن أساس الأخلاق كامن في هذا التطوّر. مثلاً، كما ذكرت سابقاً، يقدّم داوكنز Dawkins حجّة داروينية على وجود القيم الأخلاقية في كتابه وهم اللَّه Delusion The God يناقش فيه كيف يمكن للتطوّر أن يختار أشياء متنوّعة، بما فيها إيثار العائلة والغيرية التبادلية[13]. ولكن هل هذا أساس ميتافيزيقي كافٍ للقيم الأخلاقية الموضوعية؟ هل يمكن لحقيقة أن التطوّر اختار الإيثار تجاه العائلة، مثلاً، أن يجعل القضية «لا ينبغي للأهل أن يسيئوا معاملة أولادهم» صادقة موضوعياً؟ يبدو لي أن الجواب هو «لا» لأسباب كثيرة.

أولاً، كما يبيّن ريتشارد جويس Richard Joyce، حتى إذا كانت الأخلاق نتاجاً للتطوّر، ومفيدة لاستمرار الأنواع، فإنها يمكن أن تبقى خيالاً. هذا النوع من الحجج يؤدّي إلى إضعاف موقفنا من حقيقة إيماننا الأخلاقي، أي إنّه يزرع الشكّ في عقائدنا الأخلاقية: «إن اعتقاداتنا الأخلاقية نتاجات لعملية مستقلة تماماً عن حقيقتها، وهذا ما يفرض الاعتراف بعدم وجود أي نوع من الأسس للتمسك بهذه المعتقدات. فقد تكون الاعتقادات الأخلاقية صحيحة، ولكن ليس لدينا سبب للتصديق بذلك»[14].

ثانياً، بقدر ضرورة كون القيم الأخلاقية تقريرية، كيف يمكن أن ننتقل من الحقيقة التاريخية أن التطوّر اختار (س) إلى الحقيقة الأخلاقية التي تقرّر أنه ينبغي للأهل فعل (س)؟ هذا مرتبط مباشرة بموقف دايفد هيوم بأننا لا نستطيع استنتاج الوجوب (ما ينبغي أن يكون) من الكينونة (ما هو كائن)[15]. لا يكفي الإجابة بأن الأهل ينبغي أن يعاملوا أولادهم بالحسنى، لأن الواقع يقول إن المعاملة الحسنة مفيدة لمستقبل الجنس البشري. هذا هو نوع «الينبغي» الذي ناقشناه سابقا عندما قلت إن الشخص الذي يخطّط لتسلّق جبل إفرست ينبغي ان يشتري معطفاً دافئا. هذه «الينبغيات» مشروطة فقط بما إذا كنتم قد قررتم السعي إلى الغاية التي نبحث عنها؛ لكنها لا تحمل الضرورة المحتومة للقانون الأخلاقي.

عوضاً عن ذلك، إذا أردنا دحض حجّة هيوم، فعلينا أن نتغلّب على «مشكلة ما ينبغي أن يكون وما هو كائن.» بخلاف الملحدين الجدد، اعتقد أن لدى المؤمنين فرصة فلسفية هنا. فمثلاً، بيّن أليسدر ماكانتاير Alasdair MacIntyre في كتاب ما بعد الفضيلة After Virtue عدم إمكان التغلّب على «مشكلة ما ينبغي أن يكون وما هو كائن» إلا من خلال الاعتراف بأن للطبيعة الإنسانية غاية ووظيفة جوهرييتن، لهما أساسهما الأقصى في الله[16]. بتعبير آخر، الغائية هي المفتاح للتغلب على «مشكلة ما ينبغي أن يكون وما هو كائن.» برغم ذلك فإن الملحدين الجدد، بمعزل عن رفضهم لله، يبدون أيضاً مجمعين على رفضهم للغائية في الطبيعة. وهذا ما يعبّر عنه الكتاب الشهير لدوكنز السعاتي الأعمى The Blind Watchmaker:

إن الاصطفاء الطبيعي، الأعمى، واللاواعي، والعمليات الآلية التي اكتشفها داروين، والتي نعرف الآن أنها، هي تفسير لوجود كل شكل من أشكال الحياة الهادفة، لا غاية لها في الذهن. ليس للاصطفاء الطبيعي عقل ولا خيال. وهو لا يخطط للمستقبل. وليس لديه رؤية، ولا بعد نظر، ولا نظر على الإطلاق. وإذا أمكن القول إنه يؤدّي دور الساعاتي في الطبيعة، فهو ساعتي أعمى[17].

لقد برهن بعض الفلاسفة الطبيعانيين على نوع من الغائية في الطبيعة لا تحتاج إلى مبدأ فوق الطبيعة.[18] ولكن حتى لو كان هذا ممكناً (وأنا لا اعتقد أنه ممكن)، ستكون المشكلة أن هذه الغائية ستكون حقيقة إمكانية، وعمياء ـ لا سبب لوجودها[19]. وهذا يؤدّي إلى حجتين إضافيتين تفسّران لماذا أعتقد أن المرء سيكون مبرراً باعتقاده أن التطور، كما يفهمه الطبيعانيون العلميون، لا هو أساس كافٍ لواقعية التقريرات الأخلاقية ولا لضرورتها الحتمية.

حجة الإمكان الجذري

هذه الحجّة الاولى التي أسميها حجّة الإمكان الجذري radical contingency argument. في كتاب وهم اللَّه God Delusion، أشار داوكنز إلى أن الأفعال الخيرة لذوي الأخلاق النبيلة، مثل الذين يتبنّون الأطفال، يمكن أن تكون إحدى إخفاقات التجربة والخطأ التطورية[20]. يضرب مثلاً كيف تكون الطيور الأمهات مبرمجة من خلال التطور لإطعام صغار الطيور في أعشاشها، لكن القاعدة تخفق إذا «دخل طير طفل [من أم أخرى] بطريقة ما إلى العش»[21]. باتّباع هذا المسار الفكري، يمكننا القول إن الأفعال الفاضلة للأم تيريزا دي كلكوتا المباركة Blessed Theresa of Calcutta ليست شيئاً أكثر من إخفاقات. مع ذلك، لا يمكن لهذا الأمر أن يقوّض الضرورة الحتمية التي يفترض أن تحملها القواعد الأخلاقية؟ بالتالي، إذا كان هذا النوع من النشاط ناتجاً عن الإخفاق، ألا ينبغي للأم تيريزا أن تصحّح سلوكها؟ كما يحتجّ هاوت Haught:

كيف يمكن أن تصير العمليات غير الأخلاقية الناتجة عن الاصطفاء الطبيعي محكمة الاستئناف القصوى لما هو أخلاقي؟ حتى لو تطورت غرائزنا الأخلاقية عن طريق الاصطفاء الطبيعي، فإننا ما زلنا مجبرين على طاعتها هنا والآن، خصوصاً لأنها قد تكون إخفاقات تطوّرية[22].

تبيّن الإخفاقات في المسار التطوّري أن هناك مشكلة إمكان عند محاولة استعمال التطوّر البيولوجي كأساس ميتافيزيقي للقيم الأخلاقية الموضوعية. لكن مشكلة الإمكان أعمق من هذا بكثير. فهي تمتد أيضاً إلى طبيعة الكون الفيزيائي ـ مثل قوانين وثوابت الفيزياء وطبائع الأشياء مثل الإلكترونات والكواركات. إذا لم يكن ثمّة سبب ذكي مسؤولاً عنها، إذاً لا يوجد سبب يفسّر لماذا كان للأشياء المذكورة سابقاً نفس الطبائع التي لها.[23] وبالتالي، كان يمكن أن يكون لها طبائع مختلفة وهذا ما يثير مشكلة الإمكان الثانية. لكننا، لم نُتهِ بعد لأن مشكلة الإمكان أعمق من هذا بكثير.

هناك مشكلة إمكان ثالثة تتعلّق بوجود العالم نفسه. قد نسأل، لماذا يوجد شيء أصلاً؟ من جديد، بخلاف الملحدين الجدد، أعتقد أن لدى المؤمنين فرصة فلسفية هنا. يمكن للمؤمنين أن يحتجّوا بأنّنا بغياب واجب الوجود لا يمكن أن نجد تفسيراً معقولاً لسبب وجود أي شيء أصلاً[24]. بالطبع، اقترح بعض الفلاسفة، مثل هيوم، أن العالم المادي واجب الوجود.[25] لكن توما الأكويني بيّن (في رأيي كان على حق) أن الوجود المركّب لا يمكن أن يكون وجوداً واجبياً (وبالتأكيد إذا أخذنا الكون عموماً فهو مركّب من وجودات عدّة).[26] أضف إلى ذلك، حتى لو أمكن وجود الأشياء في غياب واجب الوجود. إذاً، في أحسن الأحوال، يواجَه الطبيعانيون العلميون بالإمكان الذي يسري في كل شيء ـ وهذا يعني، أن هناك مشكلة إمكان جذري.

وبافتراضنا لهذا الإمكان الجذري، يثار سؤالان مهمّان. أوّلاً، كيف يمكن للطبيعة إذا فُهمت بأنها ممكنة جذرياً، أن تؤسّس قواعد صحيحة موضوعياً وملزمة بالضرورة؟ الجواب هو أنها لا تستطيع، لأنه مهما نشأت توجّهات أخلاقية أو قيم أخلاقية في هذا العالم فإنها ستكون ممكنة جذرياً ولن يكون هناك علّة قصوى تفسّر لماذا كانت بهذه الطريقة وليس بطريقة أخرى، حتى لماذا ينبغي أن توجد أصلاً. وهذا يلغي القوة الواجبة التي يفترض أن تكون للقواعد الأخلاقية. وهنا ينشأ السؤال التالي: لماذا ينبغي لي، بوصفي كائناً عاقلاً أن أشعر بأني مجبر على طاعة شيء غير عاقل وبالتالي أقل شأناً منّي؟ هذا ما سنعالجه في الفقرات التالية.

حجّة تعالي الأشخاص

يوصلنا السؤال الثاني إلى الحجّة الثانية التي أسمّيها حجّة تعالي الأشخاص The Transcendence of Persons Argument. تذكّر أننا كنا نفترض (مسلّمين جدلاً) أن الأشخاص البشريين الذين يمتازون بالعقل والحرية، يمكن أن ينشأوا عن طريق التطور البيولوجي كما يفهم ذلك الطبيعانيون العلميون. لكن في هذه الحالة، سيكون لدى الأشخاص البشريين عدد من الحواس التي يمكن أن يتجاوزوا من خلالها آليات التطوّر وبالتالي لن يكونوا خاضعين لهذه الآليات التطوّرية. مثلاً، يمكن للتطوّر أن يفسّر وجود ميل ورغبة عندي لإنجاب الأولاد، ولكن هل يلزمني هذا بواجب إنجاب الأولاد؟ لا، لأنني بخلاف الأشكال الدنيا للحياة، أملك قدرة على حرية اختيار أو عدم اختيار إقامة علاقة وهذه القدرة تسمح لي بتجاوز آليات التطوّر. أيضاً، أنا أتعالى على آلية التطوّر بمعنى أنني، بخلاف أشكال الحياة الأخرى، أملك القدرة على تعديل مسار التطوّر من خلال الهندسة الجينية. وأخيراً، بصفتي كائناً عاقلاً وحراً، أنا متفوّق على آليات التطوّر اللا ـ عاقلة واللا ـ حرة وبالتالي أتعالى عليها. وبالتالي، فإن أيّ ميل أخلاقي أو تجربة وخطأ من خلال التطوّر يفتقر إلى القوة الضرورية اللازمة للقواعد الأخلاقية.

يوجد هنا شيء من السخرية في الطبيعانية العلمية التي تعتنق الفيزيائية اللا-اختزالية. فالطبيعانيون العلميون يأملون أن الجسمانية اللا ـ اختزالية تجعل نشوء العقل والحرية ممكناً للإنسان ويمكن أن يجعل البشر يتجاوزون، بالطرائق التي وصفناها سابقاً، العالم الفيزيائي وعملياته ـ بما في ذلك التطوّر البيولوجي. وبسبب هذا التجاوز، بالنسبة للطبيعانيين العلميين، هناك معنى يمكن للإنسان أن يشغل فيه موقعاً شبيهاً بالله. هذا لأن البشر، في عالم الطبيعانيين العلميين، على الأقل بقدر ما نعرف، هم الشكل الأعلى للحياة. يبدو أن البشر وحدهم، هم الكائنات الحرة والعاقلة في عالم فيزيائي تملأه المادة التي لا حياة فيها، وبالغالب (أو حصرياً) أشكال من الحياة غير الذكية.

إذا لم يكن ثمّة إله وإنسان يقوم بدور الكائنات العليا، فلماذا ينبغي للبشر أن ينظروا للتطوّر أو لأي شيء آخر في الطبيعة كأساس للقيم الأخلاقية الموضوعية؟ إن هذا يفتح الباب على السبيل المظلم لفردريك نيتشه الذي حذّر منه إتيان جلسون ةtienne Gilson في مقالته «إرهاب عام 2000.»[27] إنه سبيل تأكيدك إرادتك الخاصة وخلق قيمك الأخلاقية الخاصّة من دون أن تكون محدوداً بالطبيعة أو قيم الجماهير. إنه سبيل خطر وهو لا يتناسب مع القيم الأخلاقية الموضوعية.

خاتمة

برغم عدم شمولية الحجج التي أوردناها أعلاه، فإنها تثير شكاً جدياً في الرأي القائل إن الطبيعانية الميتافيزيقية يمكن أن تؤمّن أساساً ميتافيزيقيا مُرضياً للقيم الأخلاقية الموضوعية. فعلاً، لقد فشلت المحاولة الإلحادية لتأسيس الأخلاق الموضوعية في الطبيعانية الميتافيزيقية لثلاثة أسباب. أولاً، لا يمكن للطبيعانية الميتافيزيقية أن تفسّر الحرية والفاعلية الأخلاقية. ثانياً، إن «مشكلة ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، » في سياق الطبيعانية الميتافيزيقية، يعيق الطبيعة التقريرية للقيم الأخلاقية الميتافيزيقية. ثالثاً، وأخيراً، إن مشاكل الإمكان الجذري وتعالي الأشخاص، الذي ينتج من الطبيعانية الميتافيزيقية، يعيق القوة الواجبة التي يفترض أن تتلازم مع القيم الأخلاقية الموضوعية.

إذا كان هذا التحليل صحيحاً، يبقى أمامنا خياران. الخيار الأول رفض القيم الأخلاقية الموضوعية. ربما سيكون بعض الطبيعانيين قانعين بفهم أضعف بكثير للقيم الأخلاقية. بالفعل، قد يشعر بعضهم بأنه حرّ أن يصوّر الأخلاق كوهم ـ كشيء دُسّ فينا في جيناتنا من أجل خاطر النجاح التناسلي ـ وكشيء يمكننا في النهاية أن نخلّص أنفسنا منه. لكنني أؤكد أن كثيرين سيجدون هذا الموقف غير مقبول. إنني أوافق مع جويس Joyce، التي قدّمت الحجّة التالية:

الطبيعانية الأخلاقية من دون نفوذ [أي، من دون حتمية القواعد الأخلاقية]... تبدو أنها تُضعِف قدرتنا على انتقاد المخطئين أخلاقياً؛... يمكن فعلاً أن تشجّع الأفعال الشريرة لبعض الأشخاص؛ و... تجعل اللغة الأخلاقية والتفكير الأخلاقي مفصولاً عن العمل. هذه المنظومة الأخلاقية... بالتأكيد ضعيفة جداً لدرجة أنه لا يمكن اعتبارها جزءاً من الأخلاق[28].

الخيار الوحيد البديل هو البرهنة أن للقيم الأخلاقية الموضوعية مبدءاً غير طبيعي. أعتقد أن هذا هو المسار الذي يصحّ اتباعه، وكما أشرت سابقاً، أعتقد أن الحل يمكن أن يوجد في الإيمان بالله، كما يفهم في التراث التوماوي بشكل خاص. إذ يمكن لله بوصفه السبب الذكي المسؤول عن وجود وطبائع الأشياء، أن يقسّر الغائية الضرورية في الطبيعة التقريرية للقيم الأخلاقية. فالله بوصفه كائناً ذكياً، واجباً، وأعلى يلغي مشاكل الإمكان الجذري وتعالي الأشخاص التي تقوّض القوة الضرورية التي يفترض أن تلازم القيم الأخلاقية الموضوعية. بالطبع، لتزويد دفاع كافٍ ومفصّل عن كون اللَّه الأساس الوحيد الميتافيزيقي المُرضي عن القيم الأخلاقية الموضوعية يحتاج إلى مجال أوسع من الذي أتُيح لنا هنا، لذلك عليّ أن أنقشها في مكان آخر[29].

-----------------------------

[1]*ـ أستاذ مساعد في الفلسفة القروسطية والميتافيزيقا في جامعة سان جون St. John's University.

العنوان الأصلي للمقالة: THE FAILURE OF NEW ATHEISM MORALITY.

ـ المصدر:   http://cejsh.icm.edu.pl/cejsh/element/bwmeta1.element.desklight-bbec77b4-387d-48bf-87ea-b3f10c0039f2/c/229-240-Delfino.pdf

ـ ترجمة: طارق عسيلي.

[2]- John F. Haught، God and the New Atheism: A Critical Response to Dawkins، Harris، and Hitchens (London: Westminster John Knox Press، 2008)، x. Throughout this essay I use “scientific naturalism” exclusively as Haught defines it.

[3]- For a good discussion of metaphysical naturalism and the new atheists، see Stewart Goetz and Charles Taliaferro، Naturalism (Grand Rapids، Michigan: Wm. B. Eerdmans Publishing Company، 2008)، especially 1–11.

[4]- Most scientists only affirm methodological naturalism، not metaphysical naturalism. And

most philosophers reject scientism.

[5]- Jeffrey W. Robbins and Christopher D. Rodkey، “Beating ‘God’ to Death: Radical Theology and the New Atheism، ” in Religion and the New Atheism: A Critical Appraisal، ed. Amarnath Amarasingam (Leiden: Brill، 2010)، 35.

[6]- Richard Dawkins، The God Delusion (New York: Houghton Mifflin Company، 2006)، 214.

[7]- Sam Harris، The Moral Landscape: How Science Can Determine Human Values (New York: Free Press، 2010)، 195، note 9.

[8]- Robert A. Delfino، “The Cultural Dangers of Scientism and Common Sense Solutions، ”

Studia Gilsoniana 3:supplement (2014): 485–496.

[9]- “These postulates are those of immortality، of freedom considered positively (as the causality of a being so far as this being belongs to the intelligible world)، and of the existence of God” (Immanuel Kant، Critique of Practical Reason، trans. by Werner S. Pluhar (Indianapolis، IN: Hackett، 2002)، 168 [5:132]).

[10]- Harris، The Moral Landscape، 102–104 (emphasis in the original). Harris tries to salvage (unsuccessfully in my judgment) some notion of moral responsibility based on the overall complexion of one’s mind and character. See id.، 106–112. See also Harris، Free Will (New York: Free Press، 2012)، 48–60.

[11]- Nancey Murphy، Bodies and Souls، or Spirited Bodies? (Cambridge: Cambridge University

Press، 2006)، ix.

[12]- See Robert A. Delfino، “Christian Physicalism and Personal Identity، ” in Global Spiral
[www.metanexus.net/essay/christian-physicalism-and-personal-identity، accessed on Sept 28، 2015].

[13]- Dawkins، The God Delusion، 219–220.

[14]- Richard Joyce، The Evolution of Morality (Cambridge، Massachusetts: MIT Press، 2006)، 211.

[15]- David Hume، A Treatise of Human Nature، book III، part I، section I، ed. L. A. Selby- Bigge (Oxford: Oxford University Press، 2nd ed.، 1978)، 469.

[16]- Alasdair MacIntyre، After Virtue (Indiana: University of Notre Dame Press، 2nd ed.، 1984)، 58.

[17]- Richard Dawkins، The Blind Watchmaker (New York: W. W. Norton & Company، 1996)، 5.

[18]- Some examples include، Thomas Nagel، Mind and Cosmos: Why the Materialist Neo- Darwinian Conception of Nature Is Almost Certainly False (Oxford: Oxford University Press، 2012)، Stephen R. Brown، Moral Virtue and Nature: A Defense of Ethical Naturalism (New York: Continuum، 2008)، and Richard Cameron، “How to Be a Realist about sui generis Teleology Yet Feel at Home in the 21st Century، ” The Monist 87:1 (2004): 72–95.

[19]-Aquinas in the fifth way (Summa theologiae، I، q. 2، a. 3) and in other passages (e.g.، Summa theologiae، I–II، q. 1، a. 2، responsio، Summa contra gentiles، II، 23، n. 6، and De Veritate، q. 5، a. 2، responsio) successfully argues، in my judgment، that the teleology in natural things must have its foundation in intelligence (a willed، rational order). One reason intelligence is necessary is because only intelligence as an immaterial power can envision an end that does not yet exist yet order something to that end of being (essence and existence). In contrast، matter by itself cannot transcend what is here and now. For an excellent discussion of this topic see، Leszek Figurski، Finality and Intelligence: Is the Universe Designed? (Wydawnictwo Bezkresy Wiedzy، 2014)، especially chapter four.

[20]- Dawkins، The God Delusion، 220–221.

[21]- Id.

[22]- Haught، God and the New Atheism، 73.

[23]- As argued in note 18 above، only intelligence can ground teleology. However، in the world of the scientific naturalists، intelligence emerges very late in history. It is not prior and foundational to reality، as in a theistic world-view.

[24]- The Ultimate Why Question: Why Is There Anything at All Rather than Nothing Whatsoever?، ed. John F. Wippel (Washington، D.C.: The Catholic University of America Press، 2011).

[25]- David Hume، The Dialogues Concerning Natural Religion، ed. Richard H. Popkin (Indianapolis، IN: Hackett، 1980)، part IX، 56.

[26]- Thomas Aquinas، Summa contra gentiles، I، 18 and 42، 8–11. In Summa theologiae، I، q. 2، a. 3، Aquinas makes a distinction between a necessary per se being and a necessary per aliud being. But even if the material universe were a necessary per aliud being that would not be enough to salvage Hume’s objection. For Hume to succeed he must argue that the universe is a necessary per se being، yet he cannot do that for the reason I gave above and for other reasons. For example، to be a necessary per se being precludes a real distinction between being and essence. But even if the material universe were one thing، as opposed to a collection of things، there would still be a real distinction between the being and essence of the material universe.

[27]- ةtienne Gilson، The Terrors of the Year 2000 (Toronto: St. Michael’s College، 1949).

[28]- Joyce، The Evolution of Morality، 208. I would like to thank Marie George، Jon Weidenbaum، Tony panakos، and an anonymous reviewer for helpful suggestions on this paper. My gratitude also extends to Peter Redpath، Curtis Hancock، and Fulvio Di Blasi for their encouragement. Et Deo Gratias.

[29]- I would like to thank Marie George، Jon Weidenbaum، Tony Spanakos، and an anonymous reviewer for helpful suggestions on this paper. My gratitude also extends to Peter Redpath، Curtis Hancock، and Fulvio Di Blasi for their encouragement. Et Deo Gratias.