البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الأشكال الأولية للإيثار ، دحض الأنانية وترسيخ الوازع الأخلاقي

الباحث :  سيرج موسكوفيتشي - Sarge MOSCOVITSCI
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  10
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  1353
تحميل  ( 347.515 KB )
تعالج هذه المقالة مسألة الإيثار والأنانية انطلاقاً من كونهما ثنائية متناقضة وتعكسه في الوقت نفسه مشكلة سوسيو سايكولوجية وحضارية تشتمل على الفرد والجماعة في آن.
أهمية هذا البحث أنه يسعى قدر الإمكان إلى مفارقة التعقيد والكثافة في رؤية الظواهر والدخول في البديهيات الأخلاقية للمجتمع الإنساني فهويتبنى فكرته عن الكيفية التي يمكن أن تظهر فيها العيوب المجتمعية عن طريق محاكاة الفطرة الخيِّرة لدى الكائن الإنساني

المحرر

  مشكلتان لا تنفصلان: الأنانية والإيثار

أصدر فوكنر رواية «الملاذ» عام 1931، وهي من روائع أعماله التي وصف فيها الكون بأنه لا يُطاق لكثرة ما يعجُّ بالوحشية والغباء في المنطقة الجنوبية من الولايات المتحدة. تسرد هذه الرواية مغامرة مشؤومة لشابة تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً تُدعى تيمبيل درايك، ابنة أحد القضاة حينها، والتي فضّ بكارتها رجل عصابيٌّ مختلّ بعرنوس من الذرة، ثم أغلق عليها في بيت دعارة في مدينة ميمفيس وأجبرها على ممارسة الرذيلة مع صبيّ متشرّد، إلى أن أطلق عليه النار وأرداه. وتشابكاً مع هذه القصة، تجري أحداث حكاية أخرى أقل تفصيلاً من الأولى، تحكي قصة لي غودوين، وهوصانع وبائع كحول يتلقى حكماً جائراً بسبب وفاة تومي المتخلِّف عقلياً، ويُنفَّذ بحقه حكم الإعدام على الرغم من الجهود التي بذلها المحامي هوراس بن باو لإنقاذه. إنّ هذه الأحداث كلها بغيضة، ولكنها لا تخلو من هالة المأساة اليونانية، وخصوصاً عندما يظهر المحامي المفعم بالنوايا الحسنة فيما كان يفعله وكأنه يتصرّف انطلاقاً من شعور الإيثار الذي يقوده إلى محاولة إنقاذ غودوين ومساعدة روبي. غير أنّ هذا الشعور يقوِّضه غياب الصفات الشخصية الذي بسببه يُدان المحامي بالضعف عند مواجهة الظلم، وهكذا يمكن للمرء الاطّلاع على مصير الإيثار في مجتمع تهيمن عليه الأنانية والجشع والنفاق.
كان باستطاعتنا البدء برواية أخرى، يظهر فيها الإيثار سمة طبيعية ومتوقعة ورفيعة لشخصيةٍ مخلِّصة، وهناك الكثير من الروايات المماثلة؛ غير أننا هنا ـ وفي استثناءات نادرة - نقدِّم صورة للخير الذي ينتصر على العمى أوالمصلحة الفردية أوانعدام الكرم. لأنه عندما نتحدث عن الأنانية أوالإيثار، يتملك المرءَ شعورٌ أوسلوكٌ يتناقض مع الخلفية الطبيعية لثقافة ما، ويسبب مشكلة بطبيعة الحال. فلنتخيّل للحظة واحدة أننا في أحد المجتمعات المثالية ـ حيث يُفترض بالأفراد جميعاً التعاون في ما بينهم - نجد الناس متضامنين بعضهم مع بعض ويسعون لتحقيق هدف مشترك لهم جميعاً. وبمجرد أن يرفض أحد أفراد هذا المجتمع مساعدة الآخر والإسهام في الجهد العام بدلاً من الاهتمام بمصالحه الشخصية، يُفرَض التعامل معه بوصفه أنانياً، وهومصطلح يشير إلى تحوّل في التصرُّف، بخلاف ما هومتوقع عادة من الجميع. وعلاوةً على ذلك، تُمثِّل مشكلة الأنانية في هذا النوع من المجتمعات ـ أي حقيقة أن الأفراد لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الآخرين - أكثر المشاكل الأخلاقية والعلمية وحتى العملية حدّةً، وهذا ما لا نجده في المجتمع الذي يُفترَض بكل فرد منه الاهتمام بمصالحه الخاصة، وعدم الانشغال إلا بما يرضي رغباته، وعدم التصرف إلا وفاقاً لتفضيلاته؛ بل على العكس من ذلك، يصبح فيها الإيثار هوالمشكلة التي تحتاج إلى التفسير، وهومساعدة شخص ما، وإظهار الكرم أو التضحية من أجل العائلة أوالمواطنين، وهَلُمّ جرّا.
ونحن نعلم كم من مرةٍ قوبِل هذا الموقف النزيه، أوالعطايا العفوية أومظاهر التعاطف، بالتشكيك، لأننا نتساءل ما الهدف من ورائها وماذا يُتوقع منا في المقابل. وهذا ليس من المستغرب؛ فحيثما تعدُّ الأنانية تصرفاً طبيعياً، تبدو كل حركة تدلّ على الإيثار منحرفة وغير متآلفة، ونبحث فيها عن سبب خفي لا يمكن أن يكون إلا سبباً للأنانية، وهذا يتم تفسيره فقط بالطريقة التي تنعكس في المظهر الطبيعي.
كما ندرك كم يُشار إلى العلاقات بين شخصين، وبين الآباء والأولاد، وبين الأساتذة والطلاب، وحتى بين شخصين متحابّين، بعدم اليقين حول الأنانية أوالإيثار في مشاعر الآخرين أوأفعالهم، وأحيانا يذهب المرء إلى حد التشكيك في طبيعة أحبائه.
ومع ذلك، سندخل في صلب الموضوع؛ فقد نشأت مشكلة الإيثار بحدة معينة داخل مجتمعنا الغربي على أساس أولوية المصلحة الذاتية والفردية، وليس ذلك بسبب خطورة أن يكون الناس شديدي الإيثار فينسَوْن أنفسهم، بل خوفاً من ألّا يكونوا كذلك. فلا يكون التعايش من دون تعاطف أومساعدة أوحتى تضحية من الأفراد، ومن دون توافق في الآراء حول الطقوس أوالأشكال التي يجب أن تتخذها هذه المساعدة أوالتضحية. ومن دون هذا الإجماع، لن يكون هناك من مجتمع، بل هي غابة يملؤها الرجال والنساء، أو سوقٌ مثالي لا يعيش فيها إلا من كان أوفر حظاً (بادكوك، 1986). فالإيثار مشكلة ثقافة تقوم على قاعدة الأنانية: وهذا هو منطلق حديثنا. وبالتالي، لن نعتبرها مشكلة خاصة بالطبيعة البشرية أوبالدافع كما نفعل في كثير من الأحيان؛ وفي ما يلي يُقدِّم لنا ترافيرز (1981) مثالاً على ذلك: 
يُطبَّق على الكائنات الحية المنطقُ السابق، والذي يمكن تلخيصه بالقول إنه من المتوقع نشوب صراع جوهري في سياق التنشئة الاجتماعية حول دوافع الإيثار والأنانية لدى الأبناء، ويُتوقع من الآباء أن يُرَبُّوا أبناءهم ليتصرفوا بشكل فيه الكثير من الإيثار والقليل من الأنانية بدلاً من التصرف الطبيعي، ومن المتوقع أن يقاوم الأبناء هذه التنشئة الاجتماعية (المرجع السابق).
وإذا افترضنا، كما فعلنا هنا، أن هذا الأمر تُحدده القاعدة، يمكننا تجاوز الجوانب البيولوجية أوالأخلاقية إلى حد ما، واعتبار الإيثار علاقة بين الأفراد، ولا سيما علاقة بين الأفراد والمجتمع.
2. السامري الصالح والسامري الطالح وتعريف الإيثار
هل مساعدة الآخرين غاية في الصعوبة؟ لدى قراءة بعض المقالات عن سائقي السيارات الذين يواصلون رحلتهم من دون تقديم المساعدة لضحايا حادث سير مروا به، أوعن ركاب قطار لا يدافعون عن فتاة يافعة اعتدى عليها بعض الشبّان، أوعن مارّة يصابون بأذن صماء عندما يسألهم أحد عن الصدقات، علينا أن نصدِّق أن مساعدة الآخرين أمر صعب. نعم، لا بد من تصديق ذلك، ولهذا قدّمَت معظم الأبحاث التي أجراها باحثون في علم النفس الاجتماعي سؤالَ «كيف يصبح المرء أنانياً؟» فكيف يمكن للمرء ألّا يبالي عندما تكون حياة جاره في خطر، أوعندما يبكي لشدة الكرب ولا سبيل له للخلاص من هذه الحالة من دون مساعدته له؟ وباختصار، لقد حاول علماء النفس الاجتماعي فهم السبب وراء عدم استدارتنا للآخرين عندما يحتاجوننا، وكيف يمكننا تشجيع الجميع على التصرف بطريقة داعمة للغير. وبعبارة أخرى، لماذا نمثِّل دور السامري الطالح وكيف نأتي بسامريين صالحين في المستقبل؟
وسنستعرض في هذا المجال قصة يسوع والسامري الصالح:
ذات يوم ارتاد رجل طريقاً جبلية متجهاً إلى أريحا،‏ فتعرّض له اللصوص فجأة وهجموا عليه،‏ فأخذوا ماله وأبرحوه ضرباً حتى صار على وشك الموت.‏ صادف أن مرّ كاهن في المكان، إلا أنه عندما رأى الرجل المضروب عبَر إلى الجانب الآخر من الطريق وواصل سيره.‏ ثم مر به شخص آخر متديِّن جداً، فنظر إلى الرجل وأكمل طريقه. لكن مرّ سامريٌّ كان يسير في ذلك الاتجاه، فشاهد الرجل وانفطر قلبه حين رآه على تلك الحالة، فاقترب منه ووضع الزيت والنبيذ على جراحه وضمّدها، ثم أركبه على جواده واقتاده إلى النُزُل الذي ينام فيه ليعتني به. وفي اليوم التالي، جنى عملتين من النقود وناولهما للحارس وقال له: «اعتنِ به، وحين أعود إلى هنا سأدفع لك كل ما تنفقه عليه.» (إنجيل لوقا، 10، 30-35).
لا يبدوهذا المشهد من الحياة اليومية غريباً على مدنننا الكبيرة، باستثناء أنه نادراً ما نشاهد سامرياً يتجول هنا وهناك ويعتني بالجرحى الكُثُر من الرجال والنساء الذي أعدِموا سبل الحياة والكرامة والأمل في كل لحظة.
حين نفكر في هذه المدن الكبيرة  نجد أن باستون (1987) أراد تفسير الكرم الذي أظهره السامري الصالح. فهويعتبر أن كلاً  من الكاهن والمتديّن كان رجلاً صالحاً أسرع في الطريق لمتابعة شؤونه، غير أنّ السامري المتواضع كان لديه متسعٌ من الوقت. وبهدف الإقناع بوجهة النظر هذه، قام عالم النفس بتفصيل الحالة الموصوفة في القصة، فطلب أولاً من طلاب ثانوية برينستون اللاهوتية التأمل لمدة معينة، ومن ثم جعلهم يستمعون إلى محاضرة رأى نصف الطلاب أنها تتناول قصة السامري الصالح. ثم دعاهم إلى استوديو تسجيل في مبنى مجاور، وقال لبعضهم باستهتار: «لن يجهز المكان قبل بضع دقائق، ولكنكم ستذهبون إلى هناك على أي حال»، وقال للآخرين: «أنتم متأخرون ونحن بانتظار وصولكم منذ بضع دقائق، لذا عليكم بالاستعجال». وبينما كان الطلاب يسيرون على الطريق، مرت المجموعتان برجل مسترخٍ يقف عند مدخل أحد المباني، خافضٍ رأسه وخائضٍ في السعال والأنين، إلا أنّ 10 في المائة فقط من الطلاب الذين كانوا في عجلة من أمرهم عرضوا عليه المساعدة، وحوالي ثلثي أولئك الذين لم يكونوا كذلك.
لا يمكننا إلا عدّ المشهد غريباً حين يمرّ أحد الطلاب اليوم بضحية يسعل ويئنّ - بينما يتفكّر في قصة السامري الصالح ـ ولم يلحظ كآبة الرجل أكثر مما لحظها سائقو السيارات أوالمارّة. ولكونهم مضغوطين ومشغولين وفي عجلة من أمرهم، لم يختاروا ببساطة أن يستهلكوا من وقتهم لإجلاس ذلك الرجل المُستلقي على قارعة الطريق. وسواء كان سبب هذا التصرف نتيجة اللاوعي أو النسيان أو الإستعجال، فقد قدّم الأساتذة المحاضرون حول نموذج السامري الصالح مثالاً على السامري الطالح. 
ونلاحظ أن الشخص الذي ليس في عجلة من أمره قد يتوقف لتقديم المساعدة لشخص آخر وجده في محنة، بينما قد يكمل الشخص المستعجِل طريقه. وهنا يمكننا القول إنه في الحالة الأولى يظهر المرء سلوك الإيثار، والثاني سلوك الأنانية. ولكن هل يمكن القول إن الأول مُؤثِر والثاني ليس بمؤثِر؟ من الواضح استحالة اعتماد هذا التصنيف، لأن كلتا الحالتين - سواء عند تقديم المساعدة أوحجبها ـ تعتمد على الوقت المتاح والظروف المحيطة، ولم يضحِّ أي منهما بأي شيء أويلقي بادرة استثنائية كما ورد في حكاية السامري، ولا يتمثل السامري الصالح إلا في العشرة في المائة فقط من الطلاب الذين كانوا في ضيقٍ من الوقت وتوقفوا لتقديم مساعدتهم إلى الشخص الذي يواجه المحنة؛ ولا بد من الاعتراف هنا بأنه ليس بالأمر العظيم. ومع ذلك، فإن القول إن 10٪ فقط من الطلاب تصرفوا بطريقة الإيثار وقدموا دليلاً عليه، يفترض مسبقاً تمثيلاً اجتماعياً معيناً يحدده ويميزه.
ومن الواضح أن العبرة التي يُصوِّرها هذا التمثيل من خلال الإشارة إلى أن الشخص المُؤْثِر على استعداد للتضحية بممتلكاته أوبوقته، هي مفيدة حتى حين لا تنتهي بتقديم مكافأة أوبتوقُّع شيء مقابل الخدمات التي يقدمها. وهذا المؤثر ليس ممن لا يعبأ بالآخرين، كما يقولون، بل على العكس من ذلك، إنه يهتم لأمرهم ويهمه إنشاء علاقة معينة مع الآخرين بشكل عام، وهومقتنع من دون أدنى شك بأن العالم سيكون أفضل إذا فعل الجميع الشيء نفسه.
يقترح كل من ماكولاي وبيركويتز (1970) تعريفاً للإيثار يتوافق مع هذا التمثيل، مُثيرين “سلوكاً يمارَس لصالح الغير من دون توقع مكافأة من مصدر خارجي (المرجع نفسه، ص3). كما يتضمن هذا التعريف نوايا الإيثار وسلوكه، بينما يستبعد ضمناً المكافآت الداخلية كاحترام الذات والذنب الذي ينشأ من المشكلة الأولى، ولهذا الاستبعاد ميزة عملية في تجنب الإطالة في الكلام والتملّص من معرفة ما إذا كان هناك فعلُ غير أناني حقاً.
ولا ندّعي بأن هذا هوالتعريف الجيد الوحيد للإيثار بالنظر إلى الموسوعة الكبيرة من تلك التعريفات التي تم اقتراحها، والتي نعرف منها جزءًا متواضعاً فقط، كما من غير المرجح أن تُحلّ الخلافات والتباينات بينها على الإطلاق؛ حيث يأخذ الجدل الحاصل شكل معارك وسادات بين أحزاب متعارضة تنام في السرير نفسه. ولذلك نعتقد أن تعريف ماكولاي وبيركويتز يعبِّر عن هذا الموضوع الذي تعايشه الشؤون الإنسانية في العالم، حول الأشخاص الذين يقدِّمون طوعاً - إذا كان هذا المفهوم منطقياً ـ معظم مواردهم وينالون قمة الرضا في العمل لخدمة الغير.
3. الأشكال الثلاثة للإيثار
ولأن جميع التعريفات تتوافق فيما بينها حول حقيقة أن الإيثار ينطوي على تضحية بالنفس، ولأنه ينبغي بأي تضحية أن تُلحق الأذى بالأنا بطريقة أو بأخرى فداءً للتضحية بالنفس، فإن المعادلة النفسية القائلة إن «الإيثار يعادل الاندماج الاجتماعي» مستمدة مباشرة من التعريف الذي نختاره للإيثار، سواء كان تعريفاً علمياً أوأخلاقياً. وبهذه الطريقة، يتحوّل الجانب من الإيثار الخالص - الذي يسيء إلى الأنا ـ إلى مشكلةٍ في مصطلحات علم النفس حين نقرأ في تعريف ماكولاي وبيركويتز (1970): يتصرّف «المؤثرون الحقيقيون» بخلاف مصلحتهم الشخصية. ويبدو أن الحال هي كذلك على أقل تقدير؛ فلا يظهر الإيثار المثالي مرتبطاً بالاستياء فحسب، بل بلا عقلانية معينة إذا كان المرء يعمل بما يخالف مصالحه الخاصة؛ وحتى إنه يمكننا الافتراض بأن لحظات الألم والعقاب والتخلي عن إرضاء الذات هي نتيجة ميلنا إلى مساعدة الآخرين وسعينا إلى إنشاء روابط اجتماعية.
وهنا يثير استخدام تعبير «المؤثِرون الحقيقيون» السؤال الآتي: هل من أشخاص يمكن أن يُطلَق عليهم لقب «المؤثِرون»؟ أوبعبارة أصحّ، هل هناك من «شخصية مؤثِرة» بمعنى «شخصية انطوائية» أو«شخصية متسلطة»؟ إنه لسؤال مهم جداً لا نستطيع للأسف تقديم إجابة بليغة عنه. ففي الحقيقة، يسعى علماء النفس منذ زمن بعيد إلى تأسيس نموذج متماسك من الاختلافات بين الأفراد حول سلوك الإيثار في العديد من المواقف، ويجب الاعتراف لهم بالموهبة الكبيرة التي أظهروها في هذا المجال ولكنها خلت من النتائج المبهرة.
ومع ذلك، لاحظ روشتون (1980) وفوتس وسيلديني (1990) النقاط الآتية:
إننا نساعد الآخرين في حالات معينة؛ فلا أحد تقريباً يساعد الآخرين في ظروف أخرى؛ وإن الأشخاص أنفسهم يساعدون الآخرين في حالات معينة ولا يساعدونهم في حالات أخرى.
وحتى اللحظة، لا يحق لأحد القول إن شخصاً ما هومؤثِر أوبالتنبؤ بأنه سيصبح مؤثِراً في سياق ما، بسبب تصرفه على نحو إيثاري في سياق معين. ويبدو مما سيأتي أن القواعد المنضبطة الوحيدة التي تمت ملاحظتها هي قواعد الظروف، أوبتعبير أدق، قواعد العلاقة. ومن دون استعجال الأمور، يمكننا التمييز بين ثلاث فئات أوثلاثة أشكال من الإيثار التي سنحاول توصيفها وسنثير حولها بعض الأمثلة.
3.1. الإيثار التشاركي
عند البحث عن صورة تشرح فكرة الإيثار التشاركي، لا نجد أفضل وأكثر انتشاراً من مجتمعات النمل والنحل، لأننا نرى فيها مجتمعات بالغة التكامل تمتاز بدرجة عالية من توزيع المهام، وبمستوى رفيع من الإيثار الذي يدفعها إلى التعاون المُكثَّف والدائم. وفيها، ما لا نجده في أي مكان آخر، التزام غير مُتحفَّظ عليه من كل عضو فيها تجاه المحافظة على النسيج الاجتماعي. فمن خلال تضحية الجنود غير المشروطة بأنفسهم، وكاهل العمال الذين لا يكلّون، والمساعدة المنتظمة التي يقدموها حيثما دعت الحاجة، يسهم جميع عناصر المجتمع بهذا الانصهار والاستقرار الهائلين. ومع ذلك، إذا استطعنا إلغاء ما تحمله هذه الصورة من نمطية وعبثية، يظل هذا العنصر من المشاركة المكثفة في الحياة المشتركة هومن يدفع كل عنصر من هذا المجتمع إلى التضحية بكل وقته وطاقته وبقائه ـ وإن في حالات نادرة، فداءً لجميع العناصر الأخرى. وباختصار، يمكن القول إن الإيثار هوالذي يمارَس لصالح العائلة والدين والوطن، على نحومتطرف أومعتدل، لصالح الرفاق أوالأشخاص الذين يختبرون ظروفاً سعيدة أوتعيسة.
ونمرّ في هذا المعرض على ظروف الكوارث الطبيعية والمهرجانات أوالمناسبات العامة، التي يقدم فيها الناس تضحيات غير متوقعة لا يرضون بتقديمها لوكانوا يمرون بظروف طبيعية. ومن المؤكد أنه ليس من قبيل المبالغة افتراض أنّه من شأن المشاركة في حياة مجتمع ما أوفي ظرف ما أن تُحدِثَ تماهياً بين الأفراد، وأبرزها التماهي بين الآباء والأمهات وأطفالهم، وحول هذا الأمر قالت آنّا فرويد في كتابها «الأنا وآليات الدفاع» (1978):
نحن نعرف جميع الآباء والأمهات الذين يرسمون لأبنائهم الحياة التي كانوا يوماً يحلمون بها؛ وما حدث بعد ذلك كان كما لوأنّ هؤلاء الأهل يتمنون استخدام أبنائهم ـ الموهوبين أكثر منهم في الكيفيات الأساسية كما يعتقدون - للوصول إلى الهدف الذي كانوا يتطلعون إليه. وربما تكون العلاقات الإيثارية الخالصة للأم مع ولدها مبنية بشكل كبير على هذا الانتقال للرغبات إلى موجود أكثر كفاءة منها لتحقيقها. (آنا فرويد، الأنا وآليات الدفاع، باريس، بي يوأف، 1978، ص 121). 
لا شك أن البادرات الإيثارية لم تكن مجانيةً يوماً، فهي تُعالج أوجه القصور في الحياة؛ ويشكّل الإيثار مشكلة في المجتمعات التي يعاني فيها الإيمان في حد ذاته بعض الأزمات، وحيث من الضروري تجديد علامات الانتماء، وحيث تم استبدال الرؤية الواثقة والموحِّدة في المجتمع بانعدام اليقين حول العالم الذي نعيش فيه وما وراءه. ولطالما أدركت الأديان هذا الخطر وتحصَّنت منه من خلال طقوس التضحية والتذلل للكنائس وكهنتها.
ولكن يبدومن الضروري إضافة ما يأتي: يتميز الإيثار التشاركي بأن يكون المرء فيه مؤثِراً من دون الآخرين، ولا نشير هنا إلى هذا الفرد أوذاك الذي يتميز من غيره بطريقة ذاتية، بل إلى المجتمع بكامله، بغض النظر عن المشاركين فيه. وإذا كان لكل فردٍ غيرٌ آخر، يصبح «نحن» الرابط الذي يجمع أفراد العائلة، وأبناء الأمة الواحدة، والمؤمنين بالكنيسة، وما إلى ذلك. نحن» هذا هو الذي نضحي لأجله ونرتقي من خلاله. وفي الوقت نفسه، ندرك أن هذا الإيثار يهدف إلى دعم رابط معين لا يمكننا كسره حقاً. وإن التخلي عن هذا الرابط، حتى ولو بطريقة وهمية، حتى ولو مؤقتاً، أوعبر المنفى، يعادل بطريقة ما وقف الوجود، لأنه تبين من الناحية النفسية، تماماً كالناحية الثقافية والحضارية، أنه من المستحيل أن يترك المرء أمته وعائلته، وأحياناً الكنيسة أوالمجتمع، كمثل من يغادر دائرة مهنية أومؤسسة أعمال أوينفصل عن علاقة غرامية، وذلك لسبب بسيط هو أننا ليس لدينا خيار بديل عن الأمة أوالآباء.
ولهذا السبب تعدّ الطريقة الفضلى لتعريف الإيثار التشاركي هي عبر القول إن الأنا والغير ليسا مختلفين، بل يحلّ أحدهما مكان الآخر من خلال تغيير موقعهما من الأطفال إلى الآباء في دورة الحياة. وحين يندمج الحب مع الإيثار، لن نتمكن من التفريق بين ما نفعله «للآخر» وبين ما نفعله «فداءً للآخر». وبالتالي، يمثِّل الإيثار هنا رابطاً معيناً ورمزاً لهذا الرابط في الوقت نفسه.
3.2. الإيثار المالي
تعتبر صورة مجتمع الحشرات التي أثرناها سابقاً صورة غامضة ومتناقضة في حد ذاتها، إذ تنطبق عليها التفسيرات المبنية على الأخلاق التي سادت في حقبة زمنية ما، من دون معارضة الملاحظات التفصيلية في تلك المجتمعات؛ ومع ذلك، يمكننا رفض تطابقها مع تلك التفسيرات في الوقت نفسه. ومهما كان الأمر، نجد في عالم الحيوان شكلاً من أشكال الإيثار الذي يتجلى بين الأنواع التي لا علاقة فيما بينها. ومن المعروف أن الدلافين والحيتان تساعد الحيوانات التي قد تنتمي إلى أنواع مغايرة، مما يدعم الحكايات التي نسمعها عن الإغاثة التي تقدمها للإنسان في أوقات شدته. ولكن ما الذي تنتظره هذه الحيوانات من البشر عندما تقيم علاقة مساعدة معهم؟ فالأمر لا يتطلب سوى درجة معينة من الثقة (موسكوفيتشي، 1988) لأن كلاً منهما غريب عن الآخر. عندئذ فقط يمكنهم التأكد من أن معنى البادرة وقيمها سيكونان موضع تقدير من قبل أولئك الذين يستفيدون منه.
فلننظر إلى حالة الشخص الذي يقدم التضحية لصالح شخص آخر من المفترض أن يرد له الجميل بطريقة أو بأخرى؛ فقد وضعت تضحية الأول رابطاً ينبغي تأكيده من خلال اعتراف الثاني، وهوما يمثِّل رابط المشاركة: مشاركة الغذاء والمال والمعرفة وكل وسيلة أخرى عند الخطر أوفي ساعات الضيق. ولكن الثقة التي تولد في كل من هذه المناسبات قد تكون مصحوبة بالامتنان أو التعاطف أوالتشاعُر من الجانب الإيجابي، وخيبة الأمل من الجانب السلبي؛ وهذا يخلق توتراً دينامياً في العلاقات، ولا سيما عندما تتحول الثقة إلى انعدام ثقة أويتحوَّل انعدام الثقة إلى ثقة. ونتكلم في هذا الصدد على الإيثار المالي لأن ما نفعله لصالح الغير يعتمد على درجة الثقة أوعدم الثقة التي يتصورها الناس أويريدون بناءها فيما بينهم. ويترتب على هذا كله من الناحية النفسية أن يتم معالجة التفاعلات تحت عنوان التشكيك.
ولكن ماذا عن البادرة الأولية التي لم يعترف بها أحد؟ هل يمكننا الحديث عن الإيثار في حالة خيبة الأمل؟ فلننظر مثلاً إلى أحد الجيران الذي يقضي وقته ويبذل ماله في مساعدة شخص مريض؛ وحين يشفى المريض، يعمد إلى تجنب الجار أوحتى لا يتحدث إليه. فبحسب التعريف الذي عرضناه حول الإيثار، لا شك بأن الجار أنجز عملاً إيثارياً بالكامل، ولكن لا أهمية لخيبة الأمل التي أحس بها طالما أن الإيثار «إلى جانبه»، وسيُضطرّ إلى إيجاد بعض التبرير في حواره مع نفسه. ومع ذلك، فقد علّمته خيبة الأمل على الأقل أن الشخص المتبدِّل لم يكن أنيساً مزدوجاً من ذاته، بل هوكائن آخر يفكر ويتصرف بطريقة مختلفة. وهكذا، فقد خاب ظنه لأن مقاربته للمساعدة لم تكن إيثاريةً بشكل كامل، وهذه هي الحقيقة المخفية وراء الكلام عن نكران الناس للجميل.
لقد آن الأوان لتوضيح هذه التخمينات من خلال عدد من الدراسات الملموسة، تعود إحداها لكريبس (1970) التي تفترض أننا حريصون على مساعدة شخص قريب منا ننجذب إليه. ونلاحظ فيها أن الناس يُظهِرون التشاعر للشخص الذي يمرّ في محنة عندما يكونون بقربه: فالطفل الذي يصرخ في الشارع يجذب الانتباه والألم معاً، وكلما تشابهت صرخاته مع أصوات الأسى، زاد احتمال تلقيه المساعدة من الآخرين(بيليافين أند بيليافين، 1972). بالإضافة إلى ذلك، لاحظ كريبس (1975) من بين طلاب جامعة هارفارد، أن أولئك الذين قيست ردود فعلهم بواسطة الاختبارات الفسيولوجية، ومن خلال إفاداتهم التي عبّرت عن مزيد من الشعور بالضيق حين يستجيبون لضائقة شخص آخر، كانوا أيضاً أكثر من ساعد ذلك الشخص؛ وبالتالي، ترتبط البادرة الإيثارية بالقرب التشاعري، ولكن أيضاً بحقيقة أن هذا القرب يزيد من احترام الذات. وفي دراسة أجراها بيليافين وآخرون حول المتبرعين بالدم في ويسكونسن، اتفقت جميع العينات المشارِكة على أن إعطاء الدم يُشعر براحة كبيرة ويمنح شعوراً بالرضا الذاتي؛ وباختصار، نحن نشعر بالرضا حين نعتقد أننا فعلنا خيراً. وفي معظم الأحيان، تتضافر مشاعر الضيق والتشاعر من أجل تحفيز الإيثار عند الأزمات إذ يسعى المرء إلى الاقتراب من الآخرين. وفي تحقيق حاذق ومميز، أجرى أماتو(1986) مقابلات مع الأشخاص الذين شاهدوا التلفاز عام 1983 حين التهمت حرائق الغابات في استراليا مئات المنازل بالقرب من ملبورن، وكان يهدف التحقيق على وجه الخصوص إلى دراسة الهبات المادية والعينية التي قدَّمها هؤلاء الأشخاص. ولاحظ أماتو أن الناس الذين أعربوا عن اللامبالاة أوعن الغضب قدموا أقل من أولئك الذين تملّكهم الضيق أوالتعاطف والقلق على الضحايا. وهناك الكثير من البحوث المماثلة، والتي سيطول عليها كلامنا هنا، التي تُظهر بوضوح أن الأشخاص الذين يعبّرون عن مشاعرهم تجاه الآخرين عموماً يقدمون لهم المساعدة، ونادراً ما يستديرون إلى الجهة الأخرى من الطريق. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه من بين نتائج التجارب المذكورة، يقدم هؤلاء الناس المساعدة حتى مع العلم أن أحداً لن يلحظها أبداً، وسوف يبقى عزمهم راسخاً إلى أن يقدموا تلك المساعدة.
وإذا كنا قد تطرّقنا إلى تلك الدراسات المختلفة، فذلك بهدف توضيح طبيعة ظاهرة معينة كان انتشارها مدهشاً منذ بضع سنوات، ونذكر هنا إسهامات الجمعيات الإنسانية (أطباء العالم، أطباء بلا حدود، يونيسيف...) الذين ينشطون في جميع أنحاء العالم، والتي تُعبِّر مؤسسياً عن الإيثار المالي الذي يمارسه الملايين من الناس تجاه الرجال والنساء ولا سيما الأطفال، الذين يعانون المحنة ويحتاجون إلى المساعدة، كما هي الحال في البوسنة والهرسك أوفي أفريقيا.
ومع ذلك، تبدوالأمور أكثر تعقيداً مما قد يظن أحدهم، فقد أبرزت العديد من الدراسات حقيقةً تفيد ما يأتي: تزيد مشاعر الذنب والحزن من رغبة المرء في تقديم المساعدة، وهوأمر لا يحتاج إلى التدقيق لمعرفة السبب، بل إن بؤسنا الخاص يجعلنا أكثر حساسية لمآسي الآخرين، كما أن الإيثار المالي يساعد على إرضاء الأنا. وهكذا، عندما يشعر الفرد بالذنب والاكتئاب أوبتقلب في المزاج، يُمكِّنه إنجازُ فعل المساعدة من التغلب على حالته النفسية السلبية؛ وهذا يعني - كما تشير التجارب - أنه عندما يتقلب مزاج شخص ما يتمكن من التغلب على حالته من خلال الاستماع على سبيل المثال إلى تسجيل فكاهي، فسلوك المساعدة، في بعض الأحيان، لن يكون داعماً إذا كان صادراً من مزاجه السلبي الأصلي. وهذا يدل، من جهة، على وجود مناخ تأثيري يُفضي إلى الإيثار المالي، ويشير من ناحية أخرى إلى أنه عندما تكون مساعدة الآخرين وسيلة لتحسين الحالة الذهنية الخاصة، يصبح المرء أكثر استعداداً لتلبيتها (سيالديني وآخرون، 1981، ويانت، 1978).
والسؤال الذي يثار هنا هومعرفة من الذي يساعد من؛ فقد استطاع السامري الصالح الذي يعاني الضائقة - تماماً كما الضحية - تجديد الاتصال مع الآخرين، واستعادة الثقة في إمكان قيام علاقة معهم، والاعتقاد بأن مسار الأحداث قد يتغير. (كوهن 1990). وهنا يلعب الضحية دوراً مهماً في الوساطة بين نفسه وبين العالم، ويقدِّم سبباً لإظهار نفسه قادراً على التحوُّل؛ وتكفي تلبية ندائه لتعزيز القيمة التي مفادها أن الشخص الذي كان يظنه نفسه قد أصبح من الفضلات المعنوية والمادية. إنّ البؤس الذي تعيشه الضحية ليس إلا السبب العرضي الذي يُشغِّل آلية الإيثار، هذه الرغبة التي لا يمكن كبحها ويشعر فيها المرء بأنه قادر على الخروج من ذاته من أجل إقامة علاقة حسنة النية مع الإنسان بشكل عام. وتقلل هذه الرغبة من المسافة بين الأنا والغير، وتخفف - من خلال التشاعر - مرارة المصالح والمشاعر التي تفصلنا في الوسط الاجتماعي الذي ننغمس فيه. وبعبارة أخرى، يجعل الإيثار المالي من الممكن بناء عالم متفاعل الذوات، ويروي عطش التفاعل بين الذوات نفسها.
3.3. الإيثار المعياري
لقد تناولنا حتى الآن شكلين أساسيين من الإيثار: الإيثار التشاركي والإيثار المالي، والرابط الذي يكمن وراء الأول والثقة التي يعتمد عليها الثاني يميزان العلاقات الإيثارية التي سنتطرق إليها.
يأتي هنا الشكل الأساسي الثالث من الإيثار كما هومُقنَّن في العالم الاجتماعي؛ وهوما نسميه بالإيثار المعياري. فإذا كان لا يمكن وصف هذا النموذج الثالث بأنه إيثار بالمعنى الذاتي للمصطلح، فإنه يستحق، من ناحية أخرى، هذا التوصيف بالكامل بمعناه الموضوعي. وكما رأينا تواًّ، فإن عمل الإيثار يُعرَّف بأنه عمل يضحي فيه الشخص ليشهد رفاه الآخرين في جميع الظروف. وإذا كان الإيثار يفيد المجتمع ككل، فإننا نتعامل مع حالة الإيثار التشاركي. وإذا كان القصد من الأعمال الإيثارية دعم التفاعل بين الناس وتقليل المسافة بينهم، فإننا نتحدث عن الإيثار المالي (باتسون، 1987).
ولكن كيف يرقى الفعل إلى رتبة الإيثار غير الشخصي الذي يتدخل فيه معيار المجتمع أوالثقافة بوصفهما لاعباًَ ثالثاً؟ هل الإيثار «صحيح» دائماً؟ نعترف بأنه يمكن إثارة هذا السؤال والإجابة عنه بسلبية صارخة. ولكن الحقيقة هي أن لكل مجتمع وكل ثقافة نظاماً خاصاً لتصنيف العلاقات المنظمة إلى علاقات إيثارية وعلاقات أنانية، ترافقه مجموعة من الحالات التي ينبغي للمرء تقديم أوعدم تقديم المساعدة فيها لمن يجد نفسه في محنة؛ ويحدد أيضاً من الذي يجب مساعدته وبأي وسيلة، في إطار تمثيل اجتماعي كامل.
وإذا كانت بحوث الإيثار قد أجريت بروح من الاتساق والعمق، كان ينبغي أن تبدأ من تلك الروح أيضاً. وفي المقابل، من خلال السير بالأبحاث بشكل اعتباطي تماماً، تناولت تلك البحوث سلوكيات الأفراد من دون الأخذ  في الاعتبار التمثيل الاجتماعي الذي يمنح المعنى لتلك السلوكيات. ولا نرى أننا على خطأ عند القول إن هناك تمثيلين متطرفين للإيثار: الأول يرى الإيثار من وجهة نظر علاقة أحدهم مع الآخر، والثاني يموضعه داخل العلاقة بكاملها على نحو غير شخصي. فيعبِّر عن مسؤولية من جهة، وعن تضامن من جهة أخرى. قد لا تكون هذه طريقة للنظر في الأمور، ولكنه نهج سيتم الاعتراف بأنه لا مفر منه منطقياً في علم النفس الاجتماعي، حيث تتمثل إحدى إيجابياته في أن ننظر إلى العديد من مؤسساتنا ـ كالضمان الاجتماعي والتأمين ضد البطالة وصناديق التقاعد والمؤسسات المتبادلة ـ بوصفها مؤسسات للإيثار المعياري؛ وبالتالي، فإنها تستند إلى التمثيل الاجتماعي للسلوكيات المذكورة أعلاه، وتصنيفات المساعدات التي يتعين تقديمها أوالتضحيات التي يجب القيام بها. ولذلك فإن التمثيلات ـ سواء تمحورت حول المسؤوليات أوحول أوجه التضامن ـ هي التي ينبغي أن تتوازن لتتمكن المؤسسات من العمل بما يرضي الهيئة الاجتماعية. وحتى لا نمعن في الاستطراد، يمكن القول إن جزءاً كبيراً من الإحباط وسوء الفهم داخل هذا النوع من المؤسسات يُعزى إلى عدم الالتزام بهذه التمثيلات وعدم الاعتراف بها بشكل علني.
وبالعودة إلى نقاط أكثر تواضعاً ومحدودية حول أهمية المعايير، تُظهِر سلسلةٌ كاملةٌ من البحوث أن الأفراد الذين تبنوا معيار المسؤولية هم أكثر انخراطاً عند تشكيل علاقة غريبة من أولئك الذين استوعبوا المعيار بشكل أقل (روشتون، 1980). ففي دراسة واسعة النطاق، أنجز ستوب (1974) على طلابه سلسلة من المقاييس، بما في ذلك قياس المسؤولية الاجتماعية؛ وفي اختبار عملي بهدف التحقق مما إذا كانت هذه المقاييس تحدد سلوك المساعدة، منح الكاتب لجميع الطلاب الفرصة لتقديم المساعدة في حالات الطوارئ بعد أسابيع قليلة من انتهائهم من سلسلة استبيانات؛ وجاءت نتائج هذه الدراسة واضحة: فقد أظهرت جميعها ارتباطاً بين الالتزام بالمعايير وسلوك المساعدة.
بطبيعة الحال، لا يخفى على أحد أن معيار المسؤولية يتطلب أن نساعد أولئك الذين هم في حاجة إليها، بغض النظر عن المكافآت عليها في المستقبل. وتظهر العديد من التجارب، التي لا مجال لذكرها هنا، أن الناس غالباً ما يكونون حريصين على مساعدة الضحايا، حتى لوبقيت أفعالهم مجهولة، وحتى لولم يتوقعوا أي تعويض اجتماعي في المقابل.  ومع ذلك، في الحياة اليومية، يتبعون هذا المعيار من المسؤولية بشكل انتقائي، كما هي الحال مع جميع المعايير، أي إعطاء الأولوية للضحايا الذين تعود ضائقتهم لأسباب غير شخصية. فيُطبِّقون قاعدة بسيطة مفادها: «ساعد أولئك الذين يستحقون الوجود». ومع ذلك، إذا بدا هذا الفعل لا جدال فيه في حالة وقوع كارثة طبيعية، أووفاة أحد أفراد الأسرة، يمكن الجدال حينها في افتراض أنّ الضحايا تسببت ببؤسها الخاص عن طريق الخمول أوعدم التبصُّر.عندها نعتقد أنه ينبغي بنا ألا نساعدهم أوأنه علينا القيام بما يجب القيام به. وقد درس كل من إيكس وكيد (1979) تأثير هذه التفسيرات في بحث أجري في جامعة ويسكونسن في الولايات المتحدة؛ حيث تلقى طلاب الجامعة مكالمة هاتفية من شخص يُدعى توني فريمان ليخبرهم أنه مُسجَّلٌ في الفصول نفسها التي سبق أن درسوها، وأنه وجد أسماءهم وأرقام هواتفهم في دليل الهاتف، وأخبرهم أنه يحتاج إلى مساعدة في الامتحان القادم؛ بعد ذلك، يضيف توني فريمان متذمراً خلال الاتصال الهاتفي: «أنا قادر على بذل الجهد بشكل جيد، ولكني لا أشعر بتلك الرغبة في بعض الأحيان، لذلك لا تسعفني كثيراً معظم الملاحظات التي أدوِّنها خلال الصف». عندئذ، أصبح عدد الطلاب الذين كانوا من المرجح أن يساعدوا الشخص الغريب، توني فريمان، أقل مما لوكان قد أوضح لهم ببساطة أنه مضغوط بظرف الامتحان. ويظهر هذا البحث ـ وغيره ـ أننا عادة ما نشعر بالميل للمساعدة عندما يدعونا الناس لذلك، ولكن بشرط ألا نجد وسيلة لإلقاء اللوم عليهم، فنعفي أنفسنا من أي مسؤولية تجاههم (بيركويتز ولانترمان، 1968، شوارتز، 1977).
ونرى بالمعنى الملموس أنه ينبغي بالمثل القائل «ساعد نفسك، تساعدك السماء» أن يُفهم «ساعد نفسك، يهبّ الآخرون لنجدتك». ويحدونا الأمل في أن تعطي هذه الدراسات القليلة للقارئ فكرة عن هذا الإيثار الإلزامي الذي غرسته فينا المعتقدات الدينية أوالتعليمية التي تلقيناها «كواجب» سلوكي تجاه الآخرين. إذ يجب علينا مساعدة الجار، والدفاع عن شخص في خطر، وما إلى ذلك؛ وتُنشئ هذه الالتزامات توقعات الآخرين تجاهنا وتوقعاتنا إزاء أنفسنا، وهي التوقعات التي تصف سلوك الإيثار وتميزه من السلوك الذي ينتهك القواعد، فيضمن كلٌّ من صوت الضمير وصوت الرأي العام أن يحترمهما الجميع، وهذا ما يفسر سبب اعتبار عدم المبالاة أوالأنانية جريمةً في بعض الأحيان، وهي جريمةُ عدم نجدة الآخر الذي يمرّ في محنة.
4. الإيثار الأناني والأنانية الإيثارية
حرِيٌّ بنا الآن أن نوضح هذا الاستنتاج ونبسِّطه ـ من دون سلبه المعنى - بأن معظم علماء النفس يصفون الإيثار على أنه فضيلة ورقيّ أخلاقي. ومما لا شك فيه أنهم يدركون المشكلة التي يستجيب لها الإيثار ويرونها علاجاً للأنانية وانعدام الكرم الذين يشكلان رد فعلنا المتكرر تجاه ضائقة زملائنا. ولكنه من الصعوبة بمكان تصديق وجود ما يُعرَف بالإيثار النقي، وهوموقف أوسلوك تدفع النفس وحدها إلى القيام به، لذلك فهومجاني بطريقة أو بأخرى. ولكن هذا رأي واسع الانتشار يُبسَّط الواقع الإنساني إلى حد كبير ويؤدي إلى فشل العديد من العلاقات الودية أوالرومانسية أوغيرها، والواقع أننا ننسى المبدأ الاقتصادي الذي يقول «ليس لدينا شيء من أجل لا شيء»، وهي العبارة الشهيرة التي تقول «ليس هناك وجبة مجانية»، فنعتقد أنه يمكننا الأخذ من دون الإعطاء، مما يفترض بالتالي التزاماً إيثارياً، نُلزِم فيه الآخر بالقيام بواجبه والتضحية بوقته وطاقته باسم القواعد الأخلاقية والضرورات الاجتماعية.
وغني عن البيان أن أولئك الذين يفترضون مثل هذه التضحيات والكرم من الآخرين لمصلحتهم الخاصة يستفيدون من خلال تصوير الإيثار دائماً جيداً وذا مكاسب جوهرية ونقياً من شوائب الأنانية. ونحن نقول إن أولئك الذين يفعلون ذلك بإخلاص ومن دون أدنى دافع خفي، وأدنى شعور غامض، هم «الأنانيون المُؤثِرون»، ونعني بذلك أن التضحيات التي يباشرون بها ويحثّون الآخرين عليها هي نتاج الدوافع الأنانية وليست نتاج الإيثار. في الواقع، وباختصار، تلعب جميع الفضائل المتشرِّبة في الذهن كالفضيلة والتواضع واللامبالاة دوراً في إيذاء مالكها يوماً بعد يوم. فهل لأن ذلك الذي يثني عليه يستغله في الوقت نفسه لصالحه؟ كثيراً ما كانت الهيمنة قائمة على فضيلة المتواضعين والثناء على الفقر، تماماً كما بنيت المهن على مفهوم الصدقة؛ ويلخص نيتشه هذه العلاقة باختصار كبير حين يقول:
«يثني جارك على عدم الأنانية لأنه يستفيد منها». فالإيثارية الأنانية هي فوق كل شيء أحد طرق اللاوعي نحواستغلال الآخرين نفسياً واجتماعياً. ويجدر بأولئك الذين حُرِّضوا للتصرف بإيثارية على هذا النحوالتفكير بحماية أنفسهم لمقاومة الميل إلى التضحية بالجهد والوقت، أو، على الأقل، هل ينبغي مساءلتهم عن دوافعهم الحقيقية عند القيام بعمل الإيثار للتأكد من أنها مسألة مساعدة، وليس خدمة للآخرين؟
لا يمكن لهذا السؤال أن يفلت من يقظة التحليل النفسي، الذي يكشف في غياب الأنانية والتفاني من أجل الآخرين عن خوف أزرق من مواجهة الرغبات الأكثر حميمية، ولهذا تبدولنا الفضائل غير إنسانية ومشبوهة على المدى الطويل؛ ففي الكتاب الذي نقتبس منه أعلاه، تحكي آنا فرويد (1978) قصة المعلمة الشابة التي تناولتها في عملية التحليل النفسي، فقد كانت المرأة الشابة لافتة للاهتمام لأن شخصيتها لم تكن صعبة جداً ولم تتوقع الكثير من الحياة، بل كانت شغوفة بحياة الحب التي تعيشها صديقاتها وزميلاتها وتشجعت من خلالها. وعلى الرغم من عدم الاختلاف في طريقة التزيُّن، أظهرت الشابة اهتماماً كبيراً بتبرُّج صديقاتها، وكرّست كل طاقتها لخدمة أطفال الآخرين وتسهيل حياة أولئك الذين تكنّ لهم المودة، من دون الحصول على الكثير في المقابل. ونحن في غنى عن التوسُّع  في هذا التوصيف، لأن كل واحد من هذا الوسط يعرف شخصاً واحداً على الأقل يشبه هذه المرأة الشابة. ومع ذلك، اتّضح في سياق التحليل أن الحماس الإيثاري الذي أظهرته كان نتيجة دوافع أنانية؛ حيث حققت المعلمة الشابة رغباتها من خلال تقاسم رضا الآخرين، وذلك باستخدام آليات الإسقاط والتماهي. وفي هذا الصدد كتبت آنا فرويد:
يتوقف التصرّف غير الأصيل ـ الذي يتطلب حظر الدوافع الذاتية - بمجرد أن تتعلق المسألة بتحقيق الرغبات نفسها بعد إسقاطها على شخص آخر؛ وقد يمتزج عزو العواطف الغريزية إلى الآخرين مع الأنانية، ولكن الجهود المبذولة لإشباع دوافع الآخرين تخلق سلوكاً يجبرنا على استدعاء الإيثار (آنا فرويد، الأنا والآليات الدفاعية، باريس، الاتحاد الروسي، 1978، ص 116-117).
تصادفنا العديد من الحالات المماثلة في الحياة اليومية، حيث لا تنبع الحماسة والتشاعر مع ضائقة الآخرين من الكرم بل من الذعر؛ إنه ليس شعوراً بالإيثار تجاه شخص يمر بمعاناة ويحتاج إلينا، بل هوالخوف من افتراض الرغبة في أن يشعر بها المرء بنفسه. فعلى سبيل المثال، إن الأم التي لديها موانع لإنفاق المال للاستمتاع به لنفسها لن تتردد على الأرجح في إنفاق ما تملك لنيل متعة ابنها أوابنتها؛ وليس من غير المألوف أن ترى طالباً يعاني الوسوسة في التحدث في ندوة صفية يعطي وقته لزميله ليساعده على إعداد فروضه ويبذل قصارى جهده لتشجيعه على الكلام والتألق، وحتى يمكننا أن نضيف، ليتألق مكانه. وتوضح هاتان الحالتان ما نسميه الأنانية الإيثارية.
5. الخاتمة
ينبغي التأكيد على أنه في العلاقات الشخصية نلاحظ هذين الشكلين المختلطين من الإيثار: الإيثار الأناني والأنانية الإيثارية؛ ويرجع ذلك من دون شك إلى حقيقة أن هذا النوع من العلاقات أكثر عمقاً من غيرها ولكنها قصيرة جداً وعابرة. ولا يسَعُ المرء إلا أن يلاحظ أن موضوع الإيثار قد أهمله علم النفس السريري نسبياً، ولكن يجب الاعتراف بأنه نال اهتماماً أقلّ من غيره من علماء النفس الاجتماعي أوعلماء الأنثروبولوجيا في فرنسا. ويعتبر هذا النقص في الاهتمام غير مسوغ بما فيه الكفاية نظراً لأننا نعيش في بلد يعدّ فيه الإيثار مؤسسياً على نطاق واسع. وقد أردنا في هذا الفصل التأكيد على أهمية هذه المسألة ورسم خطوطها العريضة، ولكننا لم نسعَ إلى شرح الإيثار لسببين متعاكسين: أولهما وقبل كل شيء، لأننا لا نعتقد بوجود تفسير متماسك ومبنيٍ على الملاحظات الحادة التي تستحق هذه التسمية؛ وثانيهما لأن التفسيرات الموجودة، ولا سيما تلك المتعلقة بعلم البيولوجيا الاجتماعية أوالتحليل النفسي، لا يمكن أن تنكشف من دون نقد انتقائي لفرضياتها الأولية. غير أنّ هذا الإصدار لم يكن كافياً لاحتواء المسألة برمّتها، وننصح أولئك الذين يرغبون في قراءة هذه التفسيرات أن يشرعوا بذلك من خلال الاطلاع على كتب كلٍّ من بادكوك (1986) وآنا فرويد (1978). ولسوء الحظ، كلاهما يعاني انفتاحاً غير كاف على الجانب الاجتماعي للإيثار، وهوالجانب الذي نهتم به.
قائمة المراجع
أماتوب.ر. (1986) «دور المساعدة: نظرة نقدية لنتائج البحث»، سايكولوجيكال ريبورتس، 36، ص299-320.
بادكوك أس.ر. (1986)، مشكلة الإيثار، أوكسفورد، باسيل بلاكويل.
باتسون س.د. (1987)، الدافع الاجتماعي: هل هوإيثاري؟»، في ل. بيركويتز (ط)، التقدم في علم النفس الاجتماعي التجريبي، أورلاندو، أكاديميك بريس، عدد 20.
بيركويتز ل. ولانتيرمان ك.ج. (1968)، «الشخصية التقليدية المسؤولة إجتماعياً»، بابليك أوبينيون كوارترلي، 32، ص169-185.
سيالديني ر.ب. وبومانّ د.جي وهينريك د.ت.، (1981)، «رؤى من الحزن: نموذج من ثلاث خطوات لتطوير الإيثار إلى مذهب للمتعة»، ديفيلوبمينتال ريفيو، 5، ص207-223.
فرويد أ. (1949)، الأنا والآليات الدفاعية، لندن، مترجم من الفرنسية، الأنا وآليات الدفاع، باريس، بي.يو.أف، 1978.
فوتز جي وسيالديني ر.ب. (1990)، المحددات الظرفية والشخصية لكمية المساعدة ونوعيتها»، في ر.أ. هيندي وجي غروبيل، (ط)، التعاون والسلوك الاجتماعي، كامبردج، كامبردج يونيفيرسيتي بريس.
إيكس د. وكيدّ ر.ف. (1979)، «تأثير إثارة التنافر في المساعدة»، مجلة الشخصية والتحليل النفسي الاجتماعي، 19، ص66-91.
خون أ. (1990)، اتخاذ قرار الرعاية، نيويورك، بايزيك بوكس.
كريبس د.ل. (1970)، «الإيثار - دراسة المفهوم واستعراض الكتابات»، سايكولوجيكال بوليتين، 73، ص258-303.
كريبس د.ل. (1975)، «التشاعر والإيثار»، مجلة الشخصية والتحليل النفسي الاجتماعي، 32، ص1134-1146.
ماكولاي م.ر. ول. بيركويتز (ط) (1970)، الإيثار والسلوك المساعِد، نيويورك، أكاديميك بريس.
بيليافين جي.أ.، دافيدسون جي.ف.، غايرتنير أس.أس.، كلارك ر.د. الثالث (1981)، التدخل الطارئ، نيويورك، أكاديميك بريس.
بيليافين جي.أ.، بيليافين 1. (1972)، «تأثير الدم على التفاعل مع الضحية»، مجلة الشخصية والتحليل النفسي الاجتماعي، 23، ص353-361.
موسيفيتشي أس. (1988)، الآلة لتصنع الآلهة»، باريس، فايارد.
روشتون جي.ل. (1980، الإيثار والتنشئة الاجتماعية والمجتمع، إنجليوود كليفس، برينتيس هول.
سكوارتز أس.هـ. (1977)، «التأثيرات المعيارية على الإيثار»، في ل. بيركويتز (ط)، التقدم في علم النفس الاجتماعي التجريبي، نيويورك، أكاديميك بريس، عدد 10.
ستانس إ. (1974)، «مساعدة الشخص المتعثر: المحددات الاجتماعية والشخصية والتحفيزية»، في ل. بيركويتز، التقدم في علم النفس الاجتماعي التجريبي، نيويورك، أكاديميك بريس، عدد 7.
ستوب (1974)، «مساعدة الشخص المتعثر:الشخصية الاجتماعية والمحددات التحفيزية، في ل. بيركويتز، التقدم في علم النفس الاجتماعي التجريبي، نيويورك، أكاديميك بريس، عدد 7.
تريفيرس ر. (1981)، «البيولوجيا الاجتماعية والسياسة»، في إ. وايت (ط)، البيولوجيا الإجتماعية والسياسة الإنسانية، ليكسينيغتون وتورنيتوا
ويانت جي.م. (1978)، «تأثيرات الحالات المزاجية والتكاليف والأرباح في المساعدة»، مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، 36، ص1167-1169.