البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

"الذات عينها كآخر" للفيلسوف الفرنسي بول ريكور ، الفصل المستحيل بين الأنا والغير

الباحث :  خضر إ. حيدر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  10
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  3615
تحميل  ( 358.067 KB )
حين صدرت ترجمة كتاب الفيلسوف الفرنسي الراحل بول ريكور (1913-2005) في العام نفسه الذي توفي فيه، أي في صيف العام 2005، كان النقاش حول الكتاب قد بلغ ذروته في فرنسا وأوروبا والأميركيتين. وكما صرَّح الكثير من النقاد والمتابعين لأعمال ريكور فإن كتابه «الذات عينها كآخر» autre)  (Soi – meme comme un شكل منعطفاً في السجالات الفكرية والفلسفية حول قضية الأنا والآخر.
في العالم العربي نال هذا الكتاب اهتماماً ملحوظاً لدى النخب الفكرية والأكاديمية بعدما سبق أن تُرجم عدد من فصوله الى العربية في بلدان المغرب العربي ومصر ولبنان.
يتناول الكتاب الذي قام بترجمته البروفسور جورج زيناتي أستاذ الفلسفة الغربية في الجامعة اللبنانية مجموعة من القضايا الفلسفية التي تركزت حول الذات والغير وطريقة معالجتها في الفكر الغربي الحديث.

وقد اندرجت هذه القضايا ضمن عشر دراسات تم ترتيبها على شكل فصول وهي كالآتي:
«الشخص» والإحالة المعينة للهوية، مقاربة دلالية – التلفظ والذات الفاعلة المتكلمة: مقاربة تداولية – علم دلالة للعمل من دون فاعل حقيقي- من العمل إلى الفاعل الحقيقي – الهوية الشخصية والهوية السردية – الذات والهوية السردية – الذات والاستهداف الأخلاقي – الذات والمعيار الأخلاقي الواجبي – الذات والحكمة العملية: الاقتناع – نحو أي أنطولوجيا؟
يحتل كتاب «الذات عينها كآخر» موقعاً مميزاً بين كل مصنفات ريكور إذ إنه نشر سنة 1990 أي إنه جاء في مرحلة متقدمة من عمر المؤلف، وقد شاءه  بحسب اعترافه هو نفسه بمنزلة تتويج لفلسفته، وجردة كاملة لما كان قد صنفه. والكتاب يعود من جديد إلى المشكلة التي شغلت الفكر الغربي وكانت وراء كل سجالاته السابقة مع الآخرين وهي مشكلة الذات، والذات الفاعلة، التي كان البنيويون الفرنسيون قد أنكروا وجودها. والذات هنا ستقوم مع ريكور كما يقول زيناتي في مقدمته برحلات جديدة وستزور بقاعاً لم تقم بارتيادها سابقاً لتخرج مرة أخرى منتصرة ولو نسبياً». 

ثلاثة مقاصد
انطلق ريكور في مؤلفه المذكور من ثلاثة مقاصد لتحديد العلاقة بين الذات والآخر، وهي:
1 - أولوية الوساطة التأملية على الوضعية المباشرة للذات التي يعبر عنها بصيغة المتكلم مثل «أنا أفكر» و«أنا موجود»... الخ. ويجد هذا المقصد مرتكزه في نحواللغات الطبيعية التي تسمح بوضع تقابل بين «الذات Soi» أنا Je». وبطبيعة الحال، فإن هذا المرتكز يتخذ أشكالاً مختلفة بحسب الخصوصية النحوية لكل لغة، ذلك أن قواعد نحواللغات تختلف فيما بينها، على الرغم من  الترابطات العامة التي قد نجدها بين ألفاظ مثل Soi الفرنسية وself والإنجليزية وselbst والألمانية وse والإيطالية وmimisma الإسبانية [ذات» العربية].
2 -   أما المقصد الثاني، فيتعلق بالتمييز بين معنيين للفظة «هوية identité»، إذ تفيد الشيء نفسه أوعينه وأيضاً المطابق أوالشبيه لهذا الشيء.

ويتخذ مفهوم الهوية، بناء على ذلك، صيغتين، هما:
-  الهوية- المماثلة L’identité، إذ تتعرف الذات إلى مثيلها داخل فئة أوطبقة أوعرق [الهوية المغربية أوالأمازيغية مثلاً].
-  الهوية – الذاتية  identité – ipsé التي تختلف فيها الذات عن باقي الذوات الأخرى، بما فيها تلك المنتمية إلى فئتها أوعرقها، فهي إذن تحدد تفرد الذات وتميزها Individuation de sujet.
هكذا، تحيل مسألة الهوية إلى جدلية تكون فيها الذات بوصفها شبيهاً مخالفة للذات هويةً متفردةً.
   3 - يشكل المقصد الثالث تتمة للثاني من منطلق أن الهويتين معاً تتفاعلان مع مفهوم الغيريّة altérité؛ لأن الهوية الجماعية التي تتماثل فيها الذوات [فئوياً وعرقياً] تواجه هويات جماعية مغايرة، كما أن الهوية الذاتية تسمح بإبراز جدلية العلاقة بين الذات وآخرها L’autre que soi. لذلك، فنحن حينما نتحدث عن الهوية الذاتية نستدعي غيريّة الآخر إلى درجة يستحيل معها التفكير في الواحدة من دون الأخرى. وبهذا المعنى، نتحدث عن الذات كآخر.

استحالة فصل الذات عن الآخر
لا يمكن – كما يقول ريكور – فصل الذات عن الآخر «لأن استقلاليتها وثيقة الصلة بالعناية بالقريب وبالعدالة التي تريد أن ينعم بها كل واحد. إذ عن طريق الفعل والإرادة الحرة تتمكن «الذات القادرة» من مواجهة الشر والظلم، وتسعى الى التعايش مع الآخر داخل مؤسسات عادلة تضمن للجميع الكرامة والحرية، وذلك أبرز تجلِّ للأخلاق العملية اتي دعاها ريكور بـ «الإتيقا الصغرىpetite éthique )   la»). وتقوم هذه الأخلاق على ثلاث دعامات، وهي: الذات والغير والمدينة. فالذات لا تقوم لها قائمة من دون احترام الآخر ضمن تبادلات يغمرها التعاطف والاهتمام والتعاون والمحبة، لأن طرفي العلاقة يشكلان غايتين في ذاتيهما – بالمعنى الكانطي للكلمة – ويمكن تأويل هذا الوضع «باعتباره صيغة عامة لعلاقات المواطنة داخل دولة الحق». إن الآخر لا يشكل الوجه المقابل للذات، بل يندرج ضمن التشكيلة الحميمية لمعناها. وتتجلى هذه العلاقة «الحميمية» عبر العناية والمودة والاحترام، أي عبر التبادلات العاطفية والاجتماعية التي لا يمكن تحقيق العدالة داخل المجتمع من دونها.
ويمكن اختزال هذه التبادلات في مفهوم أساسي هو: الصداقة. فلكي يكون المرء «صديق نفسه (ami de soi) – حسب تعبير أرسطو– عليه ان يرتبط بعلاقة صداقة مع الغير؛ لأن صداقة الذات هي تعاطف ذاتي (auto-affeection) وثيق الصلة بالتعاطف مع ومن أجل الآخر كصديق. وبهذا المعنى تمهد الصداقة للعدالة كفضيلة «من أجل الغير» [وهذا تعبير آخر لأرسطو].
منذ المقدمة يخبرنا المؤلف بأن الكوجيتوالديكارتي الواثق من نفسه الذي ظن أنه قد ترسخ وكان قادراً على تأسيس ذاته بذاته قد أذله نيتشه وحوله إلى مجرد وهم. فأين تكمن حقيقة هذا الكوجيتو، هذا الأنا أفكر الذي يحتوي الذات؟ يسارع الفيلسوف إلى إقامة تمييز مهم سيكون محور كتابه هوالتمييز بين هوية ذاتية تتغير وتبقى في الوقت عينه محافظة على ذاتها على الرغم من مرور الزمان بطريقة الوفاء للوعد المقطوع، وبين هوية ثابتة لا تتغير ليست هي الذات، بل ما يسمى بالإنكليزية the same التي تتميز عن the self. هذه الهوية التي يمكن تسميتها بالفرنسية بالتعبير le meme أوmemete يمكن أن ندعوها بالعربية العين أو ما هوعينه أو العينية، وهي أقرب إلى مفهوم الجوهر الذي لا يتغير بل يظل محافظاً على ما هوعليه، على الرغم من مرور الزمان، وهاتان الهويتان تنتميان إلى حالين مختلفتين من الوجود، إذ إن الهوية الثانية تنتمي بالأحرى إلى عالم الأشياء التي هي بتصرفنا ويمكننا أن نستعملها كما نشاء، في حين أن الهوية الذاتية تنتمي إلى الوجود الذي لا يستطيع إلا أن يثير الأسئلة حول وجوده. 
في الفصلين الأول والثاني يخصص ريكور جهده حول اللغة، ويبدأ بمقاربة دلالية للغة، ويناقش هنا أساساً ستراوسن الذي ينطلق من وجود الأجساد، ويرى أن الفاعل مجرد أحد الأشياء التي نتكلم عليها، ويلغي الأحداث الذهنية والتصورات والأفكار. مرة جديدة نحن أمام تحليل لساني ينكر وجود ذات فاعلة، فيرد ريكور بأن كل ما يفعله ستراوسن هنا هو اللجوء إلى الهوية عينها، إلى ما هومتجمد خارج الزمان، ويهمل الهوية الذاتية التي تتصف بالقدرة على استعمال اللغة والتغير مع الزمن. أما الفصل الثاني فهومكرس لمقاربة تداولية للغة، ويناقش المؤلف أفعال الخطاب عند أوستن وسيرل. مرة ثانية نحن أمام تحليلية تخفي الذات المتكلمة، وتنسى أن داخل كل جسد هناك جسد خاص، جسد ينتمي إلى حلقة ما يخصني أنا بالذات. 
في الفصلين الثالث والرابع  يتابع ريكور مناقشة الإنسان بما هوحضور فعال في الوجود. يناقش هنا كل من أ.أنسكومب ثم دافيدسون. وهما يشددان على ما يدعوانه الحدث، وبين كل أحداث العالم، أي ما تقع فيه، يشدد التحليل على ما يستحق أن يسمى عملاً. كل حدث هو واقعة مستقلة يمكن وصفها منطقياً في حد ذاتها من دون اللجوء إلى مفهوم الفاعل.
تبعاً لهذا التصور عن الإنسان الفعال يثير الفيلسوف الفرنسي مسألة الهوية الشخصية التي تنطلق من نواة ثابتة تصاحب الذات في الزمان، وتصبح هوية سردية أي قصة ذلك الذي يقدر أن يروي قصة حياته بأكملها، فينسقها ويدخل إليها عناصر خيالية كي تصبح أقرب إلى الاستيعاب هنا يحصل ديالكتيك بين الهوية الذاتية والهوية العينية، هوية الثبات وعدم التغيير. الطبع هنا هوالذي يرافق الهوية الذاتية على أنها هوية عينية، إذ إنه الأمر الوحيد الذي يبقى قدراً لا يتغير على مدى حياة بأكملها. هذه الهوية السردية تشكل الجسر الذي سيصل الإنسان المتكلم والفاعل المتألم بالإنسان الأخلاقي الذي يتحمل تبعة عمله، لذا فإن الدراسات الثلاث التي تؤلف هذا الكتاب ستشكل بالضبط الفلسفة الأخلاقية عند ريكور، أي هذه الفلسفة التي تلتقي الآخرَ القريب والآخرَ البعيد الذي هوالغريب.

الغاية الأخلاقية في فكرة ريكور
يقيم ريكور حواراً متجدداً مع أرسطو وخصوصاً كتابه الأخلاق إلى نيقوماخوس الذي عرفه العرب في العصر الوسيط تحت اسم نيقوماخيا، في كل تحليله لهذه الرغبة في الحياة الجيدة الطيبة، وهي قائمة على غائية هذه الرغبة الأصلية. ولكي نرى مدى صلاحية مثل هذا الهدف لا بد له من مواجهة مع أخلاق الواجب التي كان كانت بطلها.
فكرة العلاقة بالآخر، صاغها كانت هكذا: «افعل على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك، كغاية دائماً، وفي الوقت نفسه، لا مجردَ وسيلة البتة». إن فكرة الانسان كغاية في حد ذاتها تضيف شيئاً مهماً إلى فكرة احترام الآخر ورعايته، كما كانت الحال في الأخلاق. فما تريد واجبية كانت أن تشدد عليه هنا هو قضية العنف في العلاقة بالآخر، هذا العنف المتأتي أصلاً من إرادة الاستغلال المحفورة في بنية التعامل الإنساني. إن ما كان في الأخلاق رعاية قائمة على احترام الآخر يصبح، هنا مع الواجبية، هذا الواجب الأخلاقي الذي يقينا من السقوط في عنف الاستغلال سواء  بالتهديد بالعنف أواللجوء إليه.
أما العيش مع المجموعة كلها في مؤسسات عادلة فإنه يأخذنا بعيداً في شتى نظريات إقامة العدالة، بل يقودنا إلى الولوج في السياسة، وما يمارسه البشر من عنف بعضهم تجاه بعض. يناقش ريكور مطولاً نظرية العدالة عند الأميركي رولز ويتوقف عند إشكالية رفع الظلم عن الناس وإرادة الإنصاف القائمة على النظريات التعاقدية، غير أن كل هذه النظريات تفترض مسبقاً وجود القاعدة الذهبية القائلة «لا تفعل مع الآخرين ما لا تريد  للآخرين أن يفعلوه معك»، وقد جاءت عند كانت في واجبياته على النحو الآتي: «فعل كما لو كان على قاعدة فعلك أن ترتفع عن طريق إرادتك إلى قانون كلي للطبيعة».
غير أن واجبية كانت تصطدم هنا بواقع حيرة الإنسان وفي ظروف لا تعود الأخلاق الواجبية الشكلية الكانطية تفيد كثيراً، ذلك أن الوضع البشري هو في عمقه الأخير وضع مأسوي. هنا يفرد ريكور في كتابه فاصلاً يكون بمنزلة تمهيد أواستراحة أو دورة عند الأب، ويهدي هذا الفاصل المتعلق بالطابع المأسوي للوجود لابنه أوليفييه الذي كان قد انتحر. يلجأ ريكور إلى تحليل تراجيديا أنتيغوني التي كانت أشهر مصنفات اليوناني سوفوكلس، قبل أن تأخذ مكانها تراجيديا أوديب ملكاً بسبب فرويد. إن الوضع البشري كما تظهره المسرحية هنا هو أن الإنسان يتعلم دوماً بعد فوات الأوان، بعد أن تكون المأساة قد جرفته، وحين يصبح فطناً حكيماً يكون قد أضاع حياته.

جوهر الهوية
في موضوع الهوية يقول ريكور «حين اخترت عنوان الذات عينها كآخر أردت أن أدل على  نقطة تلاقي المقاصد الفلسفية الرئيسة الثلاثة التي تحكمت في صياغة الدراسات التي تؤلف كتابه هذا.
المقصد الأول هوالتأكيد على أولية التوسط التفكري ويعني بالتوسط التفكري (médiation reflexive) المنطقة المعرفية والتي ينفسح فيها المجال أمام الفكر من أجل أن يعتني بالآخر عناية لا محل فيها للإجحاف. وكما يقول دارسو ريكور إن هذه النظرية بالذات تكتسب أهمية قصوى في فلسفته بل تكاد تختصرها في الوضع المباشر للذات الفاعلة كما يُعبِّر عنها بصيغة المتكلم المفرد «أنا أفكر» «أنا أوجد». هذا القصد الأول يجد دعماً له في نحواللغات الطبيعية، حين يسمح هذا الأخير بإقامة التعارض بين الذات والأنا.
فكلمة تفكرية اشتقت من كلمة «réflexion» التي تعني أمرين في آنٍ: الانعكاس أولاً والتفكير ثانياً، لذا كان الحذر ضرورياً في الترجمة. والتفكري مفهوم مركزي عند ريكور ولا يعني التأمل النظري المحض، بل هذا المجهود المستمر الذي تقوم به الذات لفهم ذاتها عبر اكتشاف معنى تجربتها، عن طريق التساؤل عن الأسس التي تقوم عليها، لأنها غير قادرة على الاستناد إلى يقينية مطلقة.« التفكرية تدعو الذات والآخر والكوجيتو إلى المرور عبر الطريق الطويلة التي يمر عبر توسط الغير، والغير هنا هو عالم الرموز والإشارات التي تأتي الذات الفاعلة من العلوم الأخرى، وخاصة العلوم الإنسانية، مثل الألسنية والتحليل النفسي. الأولوية إذا هي لهذا التوسط وليس لغرور الأنا التي كانت تظن أنها قادرة على تأسيس ذاتها بذاتها. وهذا ما قاد ريكور الى اتخاذ موقف وسط في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فلقد كانت هناك فينومينولوجيا هوسرل المفرطة في التشديد على الأنا، وكان هناك سارتر مع وجوديته، وقد اعتبر هوسرل أستاذه عظّم الأنا؛ أي أقصى الدرجات. وكانت الذات هي المنتصرة، ثم كانت البنيوية مع كل من يدور معها أوحولها من الفلاسفة وهم كثر، من فوكو إلى ألتوسر الى دريدا، وقد أعلنوا جميعاً موت الذات ونهاية المؤلف لصالح البنية. أما ريكور فقد وقف موقفاً وسطاً. الذات لم تمت ولم تستطع كل المعطيات الموضوعية أن تمحوها، ولكنها في الوقت عينه لم تعد كما كانت، لأنها قبلت أن تتطعم بمعطيات العلوم الحديثة. الذات التي عظمها كوجيتو ديكارت وسحقتها تفكيكية نيتشه خرجت جريحة فقط، وقد تخلت عن حقيقتها المطلقة لتقبل بتواضع حقيقتها الذاتية التي مرت عبر معمودية الغير، التوسط هو إذاً قبول الفلسفة للآخر وسماع كلمته.
أما القصد الفلسفي الثاني، وهوما يحويه ضمناً عنوان هذا المصنف عن طريق استعمال التعبير «عينها»، فهوالفصل بين دلالتين أساسيتين للهوية التطابقية أ كنّا نعني المرادف اللاتيني Idem (عينه) أوالمرادف اللاتيني Ipse (ذاته). وأطروحة ريكور الثابتة تفيد بأن الهوية بمعنى Ipse(ذاته) لا تحوي ضمناً أي تأكيد يخص وجود نواة لا تتغير تحويها الشخصية. وهذا حتى حين تقدم الذاتية صيغاً معينة للهوية. غير أن التباس التطابق / الهوية يأتي من عنوان مصنفنا من خلال الترادف الجزئي، على الأقل في اللغة الفرنسية بين كلمتي عينه meme ومتطابق identique. إن كلمة عين في معانيها المتنوعة تستعمل ضمن نطاق المقارنة، ونقائضها تصبح كلمات، آخر، غير، نقيض، مختلف، متنوع، غير متساو، عكس. هنا يقول ريكور إن أهمية مثل هذا الاستعمال المقارن للتعبير «عينه» بدت لي كبيرة جداً حتى إني أرى بسببها «العينية»  mêmeté مرادفاً للهوية المتطابقة identité-pise. إلى أي مدى التباس ينعكس التعبير «عينه» في عنوان مصنفنا الذات عينها كآخر؟.
نشير الى أن المعجم الفرنسي Le Robert يضع على رأس معاني كلمة عين التطابق المطلق ( كما في قولنا الشخص عينه، الشيء عينه من دون سواه)، والتزامن (في الوقت عينه)، والتشابه (مما يجعل كلمة عين تصبح مرادفاً للمثيل والنظير والشبيه) والتساوي (الكمية عينها من غرض ما).
أما العينية أوالهوية المطابقة mêmeté بالفرنسية وIdemباللاتينية وبالإنجليزية sameness فهي الهوية التي لا تتغير مع الزمن وتقترب من مفهوم الجوهر عند أرسطو، لذلك كانت ديمومتها الزمنية هي ميزتها الأقصى. في حين أن الهوية بمعنى الذاتية ipsétie أوidentité-ipse  وبالانجليزية self لا تعني وجود نواة لا تتغير  في الشخصية.
القصد الفلسفي الثالث في التوسط التفكري هو أن غيريّة الآخر المختلف عن الذات لا تمثل أي شيء أصيل: «الآخر» يصبح، كما لاحظنا على لائحة الأضداد لكلمة عينه، إلى جانب كلمات النقيض والمتميز والمختلف والمتنوع، إلخ. في حين أن الأمر يختلف لو نحن جمعنا بين كلمة الغيريّة مع الذاتية. إن غيريّة مختلفة أوعلى الأقل، ليست فقط للمقارنة يوحي بها عنواننا، انها آخرية يمكن أن تكون مكوّنة للذاتية نفسها، الذات عينها كآخر يوحي منذ البداية بأن ذاتية الذت عينها تحتوي ضمناً الغيريّة إلى درجة حميمة، حتى إنه لا يعود من الممكن التفكير في الواحدة دون الأخرى، أولنقل في لغة هيغل إن الواحدة تدخل في الأخرى. ولقد أردنا حين استعملنا الكاف في كآخر التأكيد على الدلالة الأقوى، إذ لم نشأ فقط أن نقيم مقارنة – الذات عينها شبيهة بآخر – بل أردنا التضمين: الذات عينها، بما هي آخر...