البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الميديا الدينية (بحث في المنظور الإسلامي للإعلام الفضائي)

الباحث :  محمد رضا زائري
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 14 / 2018
عدد زيارات البحث :  2713
تحميل  ( 382.445 KB )
قدمت القنوات الدينية الإسلامية على امتداد تجربتها – بدءاً بأواخر ثمانينيات القرن العشرين المنصرم- نموذجاً غنياً لدراسة ظاهرة الإعلام التلفزيوني الديني في العالم العربي. لعل الجانب الأهم في دراسة هذا النموذج هو كثرة القنوات الفضائية الإسلامية، وتنوع أساليب عملها، بما يعكس تعدد الاتجاهات والتيارات الدينية والمذهبية التي تعبر عنها.

في هذا البحث نقرأ للباحث الإيراني محمد رضا زائري رؤية نظرية وتطبيقية للإعلام الديني من منظور إسلامي، حيث يتطرق إلى مفهوم الإعلام في ضوء النص القرآني وما ورد بشأنه في التراث العربي الإسلامي. في الجانب التطبيقي ناقش الباحث ظاهرة القنوات الفضائية وطريقة أدائها والثغرات التي تواجهها.

«المحرر»

----------------------------------------------

 لا يفارق الإعلام الإسلامي، مفهوم الإعلام كإطار نظري عام، إلا في الوظيفة واللغة المخصوصة التي تؤدي مادته الإخبارية. مع ذلك فإن المصطلح نفسه لا يكتسب معناه الخاص إلا من خلال تعبيرات اللغة الدينية الإسلامية. ذلك بأن كلمة الإعلام في القرآن الكريم، وفي لسان العرب وعند فقهاء اللغة، تناظرها مجموعة من المفردات المرادفة، وكل منها يعبِّر عن صنف معين من الأصناف التي تعود كلها إلى ما ندعوه في لغتنا المعاصرة بـ «الإعلام».. ونستطيع أن نجد في النص القرآني الكثير من هذه المفردات: كالخبر، والنبأ، الإيصال، والبلاغ والتبليغ، والرسالة الإرسال والرسول والدعوة..الخ..

ويمكن فيما يأتي أن نعرض المعاني والدلالات الدينية للمفردات سابقة الذكر.

أولاً: الخبر

«الخبر» مفردة محورية تلخِّص مفهوم الإعلام في اللغة وتكثّفه خاصة وفي البناء الثقافي الإسلامي عامة. في اللغة-وحسب المحدث واللغوي ابن وهب في «البرهان»- «أن الخبر استجلاء للبواطن[1]، فلولا ما أتانا من الخبر في شرح مراد الله – عزّ وجلّ – في الصلاة والصيام ومعنى الكفر لما عرفنا باطن ذلك، ولا مراد الله عز وجلّ في الصلاة والصيام، ولا كان  ظاهر اللغة يدل عليه، بل كل من دعا مصلياً، وكل من أمسك عن شيء صائماً، وكل من ستر شيئاً كافراً»[2].

ثانياً: الإيصال

بين الخبر والاتصال عروة وثقى في المعنى والدلالة. ففي القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[3]. ومن هذه الزاوية، يعني الاتصال في الفهم والممارسة الدينية الإسلامية، تحويل كل خبر الى مادة للترشيد والدعوة إلى دين الله. وإذاً، فالعمل الإعلامي الإسلامي هو حقيقة أساسية من حقائق التواصل في العملية الاجتماعية، وهويمثل شتى الطرق التي يؤثر فيها المرسل أو يتأثر بها المرسَل إليه «بالبرّ والتودد وعدم الجفاء»، وقد تكون هذه الطرق مباشرة وشخصية أوغير مباشرة ولا شخصية؛ فالإعلام هوحامل العملية الاجتماعية، والتحرير الإعلامي هوالذي يحقق الوصول إلى الجماهير من خلال قناة الاتصال[4].

ثالثاً: النبأ

«النبأ» مفردة قرآنية جديرة بالملاحظة، وهي المفردة التي تحمل اسم السورة الأولى من الجزء الثلاثين من القرآن الكريم. ومن خلالها نلاحظ أن استخدام لفظ (النبأ) في النص القرآني، يقع على وجه الدقة في مجال الإخبار الإلهي لأنبيائه ورسله عن أمره بواسطة الوحي. وحين يقال: نبّأه بالشيء: أي أخبره به وذكر له قصته. والنبأ هو»الخبر ذوالشأن والقصة ذات البال. والجمع انباء»[5].

وإلى ذلك ثمة الكثير من الآيات حول «النبأ» والتي تؤدي غاية المعنى بين المرسِل والمرسَل إليه، نذكر منها ما جاء في سورة التحريم:{قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}[6].

رابعاً: الدعوة

مفردة الدعوة تدخل في عمق الإعلام الديني، سواء ما ورد حولها في النص القرآني، أوفي الثقافة الدينية الإسلامية. يقال في اللغة على سبيل المثال: دعوتُ فلانًا؛ أي: صِحْتُ به واستدعيته. وتداعى القوم: دعا بعضهم بعضًا حتى يجتمعوا، وهو التداعي، والدُّعاة: قوم يدعون إلى بَيْعة هدى أو ضلالة، وأحدهم داعٍ، ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أودِين، أُدخلت الهاء للمبالغة[7]. أما المدلول الاصطلاحي للدعوة: فيؤدي المراد نفسه مما سبق لنا وذكرناه من مفردات. "فالدعوة تعني تبليغ رسالة الإسلام، عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، والحض على الطاعة، والالتزام بدين الإسلام في جميع شؤون الحياة من أجل التمكين لدين الله في الأرض، والفوز بالجنة والنجاة من النار[8]".

في السياق عينه، قدَّم العلماء والباحثون تعريفات متعددة للدعوة؛ منها أن: (الدعوة عملية إحياء لنظامٍ ما؛ لتنتقل الأمة بها من محيط إلى محيط)، وعلى هذا يُعرِّف المحقق رؤوف شلبي ـ الدعوة الإسلامية بما يأتي:

هي الحركة الإسلامية في جانبَيْها: النظري والتطبيقي.

من حيث هي: حركة بناء للدولة الإسلامية.

من حيث هي: دفاع عن استمرار وجود الدولة الإسلامية[9]

وتتحدَّث الآيات في القرآن الكريم عن الدعوة من حيث هي هداية وإرشاد، وتبليغ وإنذار، وجهاد بالقرآن الكريم، كما هي في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[10].

وقوله تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[11].

كما جاء قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[12]، وقوله تعالى:{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[13]، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ}[14].

مما سبق يتضح أن الدعوة هي عملية دعاء وتبليغ وإنذار، وبذل للجهد، وهداية إلى الطريق المستقيم، ومغفرة الذنوب، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. وعلى ذلك، فإن الدعوة بحسب ما يذهب إليه الكثيرون من المحققين هي: (إنذار الناس وتبليغهم دين الله تعالى، وبذل الجهد في نصحهم بالتي هي أحسن؛ للترقي بهم إلى أعلى المراتب). ثم إن من أخص الصفات وأفضلها في الإنذار والتبليغ وهداية الناس إلى دين الله عز وجل- خصيصة التدرج، وتعني الترقي بالناس شيئًا فشيئًا، والبَدْء بالأهم ثم المهم؛ للوصول بهم إلى أعلى الدرجات). وانطلاقاً من هذا التعريف، ينطلق الإعلام الديني الإسلامي من مبدأ شمولية الشريعة الإسلامية لجميع شؤون الحياة وسلوك الإنسان، وتتضح هذه الشمولية في الخطاب القرآني في كثيـر من المواطن، التي تؤكد عالمية الإسلام منها:

أ ـ كونه ديناً للناس أجمعين، كما في الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيـرا وَنَذِيـرا* وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.[15]

ب ـ عمومية الأحكام الإسلامية: أي تشتمل على كل سلوك الإنسان وشؤونه.

ج ـ عمومية الجزاء: فالكل سيحاسب على الخيـر والشر، في الصغيـرة والكبيـرة.

د ـ عمومية التبليغ: فكل مسلم ومسلمة مسؤول عن تبليغ دينه بالقدر الذي يستطيع، وهذا عملٌ إعلامي بحت[16].

خامساً: البلاغ والتبليغ

إن المفردة الأكثر تطابقاً مع روح الإعلام الإسلامي هي تلك التي اصطلح عليها بـ «التبليغ». وهذه المفردة تؤدي مهمة مزدوجة لإعطاء الإعلام الإسلامي بعده العقائدي والاصطلاحي. فالتبليغ معناه الإيصال والبلاغ، وهي مهمة الأنبياء ومن بعدهم الأوصياء ومن بعدهم العلماء.

والتبلیغ  ـ بحسب ما يعرِّفه الباحثون ـ یجب أن یکون هادفاً وقائماً علی مضمون فکري أصیل، فهو دین الله ورسالاته وتعالیمه، ولا یکون التبلیغ بنشر الفکر الخاص، أوالرأي الخاص، بل یتحتم علی المبلَّغ أن ینقل الفکر الأصیل»[17]. ونظریة التبلیغ أکدتها الآیات القرآنیة، واعتبرتها مهمة ناجزة تفرض علی أهل الهدی ومن یتبع سبیل الهدایة، ومن جملة السیاسات الکبری لعملیة التبلیغ أن یکون المبلغون علی بصیرة من أمرهم وعلی بصیرة من دینهم وعلی بصیرة من فهم الطریق والوقائع. ومما تقدم فإن النظریة الإعلامیة في القرآن تقوم على تبليغ رسالات الله (الفکر الإسلامي وتعالیم دین الله) علی ید أناس رسالیین یدعون إلی الله (إلی رسالاته) وهم علی بصیرة من أمر دینهم وزمانهم وحیاتهم وأوضاعهم، وهم ممن یخشون الله في الوسائل والأدوات واللغة والأسباب، ولا یخشون غیرالله من الذین یصدون عن سبیل الله فلا تأخذهم في الله لومة لائم أوحسد حاسد أوشنآن معتد أوآثم.]»[18]  وما ذاك ـ حسب الرأي المتفق عليه بين العلماء المسلمين ـ إلا لأنّ الدّاعي وا‌لمبّلغ الّذي یحاول أن ینقل هذه الرّسالة إلی جمهوره یری في ذلك فضلَاً کبیراً: من الناّس. وا‌لتبلیغ لرّسالات الله في مقابل الحدیث عن الهوی والرأي الشخصي والنزعة الفردیة وإظهار الخصوصیات للمبلغ بل للرسالات وما فیها من حکمة ومنطق وعقل وفهم ووعي ودرایة ومواءمة واتساق وانسجام وغیر ذلك تستلزم ا‌لابتعاد ما أمکن عن إدخال ما هو خاص في هذه العملیة، والسعي لعدم الزیادة أو النقصان. وکلما کان الشخص أعظم في هذه المهمّة کانت مسؤولیته أخطر في عملیّة التبلیغ، سواء لجهة أصل العملیة أو لجهة الحرص علی نوعیة التعالیم المقدمة والتي یجب أن تکون مساویة مائة بالمائة للوحي ولما نزل من عندالله تعالی، ذلك كله لتحذیر الأشخاص الذین سیسمعون قول الله تعالی بأنه لا أحد یحق له أن یتدخل في التعالیم زیادة أو نقصاناً وإن أي تقوّل فیها سیؤدي إلی هذا العذاب المشدد الألیم.» فهناك إذن، هدف إلهي لهذه العملیّة التبلیغیة یبتغي الدّاعي من خلاله هدایة أکبر عدد ممکن من النّاس وهذا عائد الى ان وظيفة التبليغ الإلهي لا نهاية لها سوی إیصال البشر إلی الکمال الإنساني حیث السعادة الأبدیة، سواء علی الصعید الفردي أو الجماعي، وهو الهدف الأسمي الذي من أجله بعث الأنبیاء، وأنزلت الکتب السماویة، ووضعت الشرائع، وسُنت القوانین الإلهیة. وبما أن الوصول إلی هذا الهدف البعید دفعة واحدة غیر ممکن، کان لابد من التدرج في بلوغه، لذلک کان هناک أهداف جزئیة  ومرحلیة تصب کلها في خانة الهدف النهائي، مثل الهدایة إلی الله تعالی، والدعوة إلی التوحید، وإظهار الأحکام الشرعیة لتعبید طرق الطاعة، وسد طرق المعصیة، وبیان الصفات الإلهیة للتخلق بمکارم الأخلاق، والتنزه عن الرذائل ومساويّ الخصال... إلخ. ولذلك قد یتمکن المبلّغ من إیصال بعض الناس إلی بعض هذه الأهداف من دون بعضها الآخر، ولیس في ذلك ضیر، فکلما اقترب الإنسان من الکمال النهائي کان ما حققه المبلّغ من نجاح أکبر، فلا‌بد في سلوك أیة طریق من الشروع في السیر في مراحلها الأولی»[19].

وهناك عنصر مهم جدّاً في هذه العملیّة حسب نظریّة التبلیغ القرآني والذّي یتجلى في شخصیة من یدعو ویبلّغ وهم: «الرسالیون: أهل التبلیغ، حملة الرّسالة، النبي وأهل بیته وأصحابه وجمیع العلماء والفقهاء والمجتهدون والمفکرون وأهل العلم الذین یجب أن یتمتعوا بمجموعة من الصفات الخاصة والمميزة. أي أن يكونوا:

ـ علی بصیرة من دینهم (عالمون بما یبلغون).

ـ علی تقوی من الله (یلتزمون بما یعلمون، ویلتزمون بمندرجات الرّسالة في الوسائل والأسالیب).

ـ علی بصیرة من عملهم (في معرفة الزمان والمکان والخصوصیات).

ـ لا یخشون أحداً إلا الله، حتی لا یأخذهم الرعب إلی ترک المهمة أوإلی تغییر سیاساتها وتوجیهها بما یناسب أهل الباطل»[20].

وهذا الواجب الإلهي یشمل جمیع المؤمنین بالله تعالی ولیس رجال الدّین فقط. ونجد ذلك من خلال التوکید علی دراسة المبادئ والأسس الإيمانية والعقائدية في الإعلام الإسلامي:

ولنأخذ النقطة الأولى في دراسة الإعلام الإسلامي هي ما ورد من توجيهات في القرآن الكريم وأوامره یقول تعالى:

«وانذر عشیرتك الأقربین»[21] ویقول تعالی: «والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا...»[22] ویقول أیضا: «نحن أعلم بما یقولون، وما أنت علیهم بجبار، فذکر بالقرآن من یخاف وعید»[23]. وقوله في سورة «النحل»: «ادع الی سبیل ربك بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبیله وهو أعلم بالمهتدین»[24].

وإذن، فالأمر الآلهي هنا هو الدعوة إلی الله... والدعوة الی الله لها أسس انذاریة  أو تربویة... وتتحدد هذه الأسس عندما تتحدد البیئة التي ندعو بها إلی الله... فالإنذار للعشیرة الأقربین الذین یعرفون الدعوة ویفهمون الدین ولکنهم یعرضون عنها کبر وغطرسة... والدعوة بالحکمة والموعظة الحسنة عندما یتطلب الأمر دعوة تربویة للذین یفهمون منطق الحیاة...[25]:

ولکن السؤال التي يثار في هذا المقام هو التالي: هل تصل هذه الدعوة اِلی غیرالمسلمین وتتجاوز حدود الأمّة المسلمة لتشمل النّاس جمیعاً، أو تختصّ بالأمّة المسلمة فقط؟ في الجواب عن هذا السؤال يجمع العلماء والباحثون المسلمون على: أن «من الواجب المتیقن أن تظل الدعوة مشغولة بأمر المسلمین وخاصة الأمة، تذکرّهم بحق دینهم، وتنبههم عند غفلاتهم، وتقیل عثراتهم، وتُسدّد خطاهم، وتطمئنهم إلی صحة حقائق دینهم وعظمها، وتدرأ عنها الشبهات والأباطیل، ثم تقیم الدین في مجتمعاتهم، شعائر وشرائع، في الاقتصاد والاجتماع والسیاسة وغیرها، حیاة ومنهجاً، تصدیقاً وتحقیقاً». يضيف: «وخطاب القدوة هو أول خطاب یجب أن یُوجَّه إلی الناس من أصحاب الدعوات وحَمَلة الرّسالات ومن اتبعهم بإحسان وخلفهم بإیمان، وإلا فسیبقى الناس في حاجة شدیدة لهذا الخطاب، مهما وجه إلیهم من خطاب آخر، وإن جَمُل أوکَمُل. ولقد کان النبیون- صلوات الله وسلامه علیهم ـ قبل أن یقدموا خطاب ربهم للناس، یقدمون لهم أنفسهم- خیرین صالحین راشدین- فیجد الناس فیهم الصدق والأمانة، والبر، والحرص علی نفعهم، فیرضون بهم، ویرجون منهم، ویتخذونهم أسوة حسنة»[26].

سادساً: الرسالة

عند هذه المفردة، نصل اِلی نقطة مهمة ورئیسة وهي تتمثّل في كون الإسلام رسالة للناس أجمعين، ورسالة الإسلام رسالة عالمیة. غیرمحدودة بزمان ولا مکان، ولا بأمة ولا بشعب ولا بدولة أو جماعة. وبالتالي فهي لیست رسالة لشعب خاص یزعم أنه وحده شعب الله المختار وأن الناس جمیعاً یجب أن یخضعوا له. كما أنها لیست رسالة لإقليم معين يجب أن تدين له كل الأقاليم في الارض وتجبي له ثمراتها وأرزاقها. أو كذلك لطبقة معينة مهمتها أن تسخِّر الطبقات الأخرى لخدمة مصالحها أواتباع أهوائها أوالسیر في رکابها[27].

وفي آيات القرآن الکریم ما يؤكد علی عالمیة رسالة الإسلام نشير في ما يأتي إلى بعضها:

1) «وما هو إلا ذکر للعالمین»[28].

2) «نذیراً للبشر»[29].

3) «إن هو إلا ذکر للعالمین»[30].

4) «إني رسول الله الیکم جمیعاً»[31].

5) «لیکون للعالمین نذیراً»[32].

وکون الإسلام رسالة عالمیة فمعنی ذلك أن أحکامه صالحة لکل زمان ومکان، ومهیأة للبقاء والاستمرار والعموم.»[33] ولعل من بدیهیات الإسلام وصفاته الأصلیة – حسب الفقهاء-أنه جاء لعموم البشر ولم یأت لطائفة معینة منهم أو لجنس خاص من أجناسهم، قال تعالی: «وما أرسلناك إلا کافة للناس بشیراً ونذیراً» وقال تعالی: «قل یا أیها الناس إنی رسول الله إلیکم جمیعاً» وعموم الإسلام هذا غیرمقصور علی مدة معینة من الزمن أوجیل خاص من البشر وإنما هو عموم في الزمان کما هو عموم في المکان، ولهذا فهو باق لا یزول ولا یتغیر ولا ینسخ، لأن الناسخ یجب أن یکون في قوة ا‌لمنسوخ سواء أکان النسخ کلیاً أم جزئیاً، وحیث إن الإسلام ختم الشرائع السابقة کلها وإن محمداً (ص) هو خاتم الأنبیاء والمرسلین، فمعنی ذلك أن الشرائع الإلهیة انقطعت وأن الوحي الإلهي لم یعد ینزل علی أحد، قال تعالی: «ما کان محمد أبا أحد من رجالکم ولکن رسول الله وخاتم النبیین» وعلی هذا لا یتصور أن ینسخ الإسلام أو یغیره شيء».[34]

2 - القنوات الدينية الإسلامية: ظروف النشأة وشروط الولادة

اعتمد الخطاب الديني في عصور الإسلام الاولى على وسيلة الاتصال الشخصي الجماعي وخاصة في المساجد كأمكنة دينية جامعة. إذ كان يلتقي فيها طلاب العلم الفقهاء والعلماء خلال حلقات درس اتخذت فيما بعد نهجاً منتظماً كان له عظيم الأثر في نشر علوم الدين. كانت المساجد أشبه بجامعات إسلامية يتزود الناس فيها بعلوم الدين ويتفقهون بالمسائل المرتبطة بحياتهم اليومية إلى جانب انتشار حلقات تحفيظ القرآن الكريم. وإلى جانب الإعلام بوسيلة الاتصال الشخصي والجمعي (أوالجماعي) كانت هناك وسيلة تدوين المخطوطات ونقلها، وكانت هذه الوسيلة بديلا من الوسائل الطباعية الحديثة المعروفة الآن. وكثير من أمهات الكتب الدينية الموجودة اليوم، نُقِلت وطُبعت في العصر الحديث عن أصول مخطوطات قديمة كتبت في عصورها بأيدي كاتبيها من العلماء[35].

واذا كان من استعراض تاريخي مكثف لتطورات  الخطاب الديني الإسلامي، فيمكن العودة إلى بدايات ازدهاره بظهور المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. وقد تمثل ذلك عبر انتشار الكتب المطبوعة واقتناء الناس لها وتزايد أعداد طلاب العلم، وتعدد المعاهد الدراسية الدينية في مختلف المجتمعات الإسلامية.

 ويمكن القول في هذا المضمار إن الخطاب الديني احتل مكانة متواضعة جداً في البداية مع ظهور الإذاعة والتفلزيون في القرن العشرين. جرى ذلك على شكل برامج دينية كانت تتمثل غالبا في أحاديث وقراءات دينية إلى جانب تلاوة بعض آيات القرآن الكريم، ثم تنوعت محتويات الخطاب الديني الإعلامي وأساليبه لتأخذ صيغاً مختلفة مثل الندوة الإذاعية، الدراما الدينية، المسلسل الديني، آذان الصلاة، الى خطبتي الجمعة وغيرها. ثم اتجه الرأي نحو انشاء إذاعات دينية متخصصة تكون بمنزلة ركيزة أساسية للإعلام الديني، فأنشئت إذاعات القرآن الكريم في مصر والمملكة العربية السعودية وإذاعة نداء الإسلام في مكة المكرمة، وحذت الجزائر هذا الحذو بإنشائها في التسعينيات من القرن العشرين إذاعة القرآن الكريم، ونعتقد أن معظم الدول الإسلامية أنشأت إذاعات دينية خاصة بالقرآن الكريم. كذلك يمكن الحديث هنا عن تنامي الفضائيات الدينية في المجتمع الإسلامي مع ظهور قنوات «المجد» و»الرسالة»، و»سمارتس» و»المنار» و»الفجر»، وهدى باللغة الإنجليزية وقبلها بظهور قناة اقرأ التي مهدت لظهور هذه القنوات الفضائية الدينية وأعطت صبغة وتصوراً جديدين للخطاب الديني في وسائل الإعلام الحديثة[36].

ويركِّز باحثون في الشأن الإعلامي الديني على مجموعة مجالات تؤلف على الجملة مادة نشاط الإعلام الديني الفضائي اليوم. يشير هؤلاء بداية إلى المساجد: الصفحات الدينية في الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية الدينية المتخصصة؛ والبرامج الدينية في الراديو؛ والتلفزيون؛ إلى المواد والمحتويات الإعلامية التي تعكس صوراً من الثقافة الإسلامية مثل المسلسلات وبعض البرامج الثقافية الرمضانية ناهيك عن الأفلام الدرامية الدينية مثل: «الرسالة»، «القادسية»، «عمر المختار»، «أهل الكهف»؛ «مريم العذراء» إلخ؛ وكذلك الأفلام الوثائقية (التسجيلية) عن الآثار الإسلامية ومناسك الحج الخ..[37].

في أي حال، فإن الإعلام الإسلامي في ظروفنا المعاصرة حتى الثمانينيات من القرن العشرين هو صورة من صور الإعلام المتخصص أي ما سمي بـ «الإعلام الديني»[38]. بمعنى أن الإعلام الديني هو الجزء المتخصص في قضايا الوعظ والإرشاد والتبليغ وتعليم الناس الأمور الخاصة بدينهم. وهو الإعلام والخطاب الديني المرتبط بالفروع وليس بالأصول، لأن الأصول هي من مهمة الإعلام الإسلامي ككل. والإعلام الإسلامي- كما يقول باحثون – هو إعلام شامل وكامل بشمول العقيدة الإسلامية وكمالها، ولا يرتبط فحسب بالقضايا الدينية، وإنما يتعداها الى جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ. والإعلام في مثل هذه الحالة إسلامي في صدق أخباره، إسلامي في الترويح والتسلية، إسلامي في إعلاناته وإسلامي في تعليمه، وإسلامي أيضاً في شرح الأخبار وتفسيرها[39].

مرحلة البث الفضائي

مع بداية العام 2001 شهد الفضاء العربي ميلاد ثلاث قنوات تلفزيونية تبث عبر الأقمار الصناعية وهي بالتتابع قناة "إقرأ" التابعة لشركة راديو وتلفزيون العرب “ART”، ثم قناة "طيبة والت" التي أعلن عن تأسسها في إمارة دبي من العام نفسه، وهذه القناة التي كان من المقرر أن تبدأ بثها المباشر مطلع عام 1424هـ ـ 2004م، إلا أن ظروفاً تقنية حالت دون ذلك، أما القناة الثالثة فهي قناة الرحمن التي تبث من جاكرتا عاصمة أندونيسيا. بعد هذا التاريخ شهد العالمان العربي والإسلامي انطلاق العشرات من القنوات الفضائية الدينية التي تبث باللغة العربية[40].

لقد شهدت نهاية القرن العشرين الماضي وبداية الألفية الثالثة ما يمكن أن ندعوه انفجاراً في عدد القنوات الفضائية العربية وتنوع توجهاتها واختصاصاتها، ولأول مرة يترافق البث التلفزيوني (الصورة) مع الإرسال الإذاعي (الصوت). وبنتيجة ذلك صار في الإمكان تلقي الإرسال الإذاعي ليس عبر الموجة القصيرة أو المتوسطة، بل عبر الخدمة التي تقدمها الأقمار الصناعية،  والتي تكاثرت هي الأخرى في الفضاء الخارجي، ووُظفت لخدمة الاتصالات وبث القنوات المنطلقة من الأقطار العربية[41]. في المقابل أزهرت ما يمكن تسميتها مدن الإنتاج التلفزيوني العربي وأهمها في مدينة القاهرة ومدينة دبي،  للتحول إلى قاعة نشطة لصناعة البرامج المختلفة ولتلبي الحاجة المتزايدة للقنوات العربية السياسية وغيرها،  وفي ظل أوضاع تنافسية شديدة، إلى الظفر بالأسواق وبالتالي باهتمام المشاهد العربي ومن ثم المعلنين التجاريين. بالإضافة الى ذلك أسهمت شبكة الأقمار الصناعية في توفير خدماتها التكاملية التواصلية في الفضاء، الإمكانية للقنوات التلفزيونية العربية لتوسيع تغطيتها لتتجاوز  الحدود الجغرافية للوطن العربي نحو المحيط الإقليمي المجاور ثم تنتقل إلى قارات العالم الأخرى وبوجه خاص إلى أوروبا وأميركا الشمالية. وبتكاثر القنوات التلفزيونية الخاصة،  انتهت عملياً سيطرة الدولة على البث التلفزيوني، وأضحى التلفزيون الفضائي، بوصفه وسيلة إعلامية أشبه بالصحف الخاصة في مطلع القرن الماضي،  وتحولت القنوات الفضائية إلى منابر إعلامية متنوعة الأهداف والمواقف،  وشديدة التعبير عن الخارجة السياسية للقوى والتوجهات الفكرية والاجتماعية السائدة في الوطن العربي. وفي إطار هذا الكم الكثير والمتنوع من المنابر الإعلامية المنطلقة عبر الفضاء، وفي سياق نظام تواصلي سمعي بصري شديد الفاعلية والتأثير في المتلقي،  ونظام متنوع في مادته وتوجهاته السياسيةوالاجتماعية والفكرية، كانت النخب العربية توجد بكثافة وفاعلية على الشاشة، كمحيط خصب لتبادل الآراء والأفكار، ولممارسة دورها في التأثير المباشر، وجاء فعل الحراك الشعبي المعبر عن انتفاضة الشارع العربي تحدياً للمشهد الإعلامي العربي بأسره، ولم تعد الأجندات التقليدية لأداء الآلة الإعلامية بكل وسائلها وممكناتها خارج الزلزال الكبير. هنا حدث التحول الجذري في توالي الهزات الارتدادية في مواقف النخب العربية إزاء التمردات الفكرية وانعكاساتها العفوية في صفحات المشهد الإعلامي، ولم تعد قضية إشباع الحاجات المعرفية للمتلقي كافية لتلبية الاستجابة لفعل التغيير عبر الحراك، وكان على النخب العربية أن تختار بين البقاء في صوامعها التقليدية (التيارات التقليدية والأحزاب وغيرها من أشكال التنظيم) أو توجد على ساحة الإعلام والإعلام الفضائي بوجه خاص،  ذلك الإعلام الذي توحد مع الحراك وأضحى جزءاً من واقعه اليومي ومعبّراً عن نبضه وفعله وطموحه، وكان الانحياز السريع هو أن تكسر النخب شرنقتها،  وتشق عصا الطاعة على تقاليدها وآلياتها السابقة وتختار التفاعل مع حركة الجماهير عبر دفق الصورة التلفزيونية الحية والمباشرة[42].

«الميديا» وثقافة الخوف من الإسلام

أسهمت عوامل وتحولات إقليمية ودولية بصورة جذرية في إحداث طفرة غير مسبوقة في ولادة القنوات الدينية. لعل من أبرز هذه العوامل ما شهده العالم من حضور للإسلام على الساحة الدولية بعد سقوط الشيوعية. وكذلك بداية انتشار ثقافة العداء للإسلام بعد التفجيرات الإرهابية في نيويورك في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. وقد كان واضحاً دور الميديا والقنوات التلفزيونية في إذكاء ثقافة العداء بين الإسلام والغرب.

وهكذا لم تكن أطروحة الخوف من الإسلام، «الإسلاموفوبيا» على سبيل المثال مجرد مصطلح عارض بعد الحادي عشر من ايلول 2001. وإنما كانت أقرب إلى عنوان كبير يعكس حقائق واقعية في رؤية أميركا والغرب عموماً للعدو الجديد الذي هو الإسلام، بعد انهيار الشيوعية في العالم.

في هذا الإطار يوضح البروفسور أميرعلي[43]  في دراسة له بعنوان «الإسلاموفوبيا في أميركا» أن هناك فئتين في الغرب تروِّجان لمقولة الخوف من الإسلام هما شركات «الميديا» المعادية للمسلمين- وطريقة عمل وسلوك الوسط الإيديولوجي الإسلامي الذي يعيش في الغرب وبخاصة منه الوسط المتضامن مع تنظيم القاعدة.

-الفئة الأولى هم الذين نبشوا معلومات (خاطئة أو مضلّلة) عن الإسلاموفوبيا من مواد عمرها ألف عام خلفها وراءهم الصليبيون في أوروبا وقدمت بلغات حديثة، و/أو ابتكروا أفكاراً ومناهج جديدة لتوليد الإسلاموفوبيا، والترويج لها، ونشرها في العالم بأسره، ولا سيما في الغرب. يمكن تقسيم مروجي الإسلاموفوبيا إلى ثلاث فئات فرعية هي: (أ) الأصوليون العلمانيون، (ب) الأصوليون الصهاينة، (ج) الأصوليون المسيحيون الذين يعرفون بحركة الولادة الثانية والحركة الإنجيلية، هذا فضلاً عن (د) الأصوليين الهندوس و(هـ) السلافيين، وكل مجموعة لها أجندتها الخاصة ضد الإسلام.

أما الفئة الثانية: فتنتمي الى منظمات إيديولوجية إسلامية يمكن تصنيفها بمجموعتين: (أ) الحركات الاسلامية المزّيفة و(ب) مسلمو الهامش. ويحظى بعضهم في هاتين المجموعيتن بدعم مباشر أو غير مباشر من القوى المعادية للإسلام في أنحاء العالم، ولا سيما الغرب. وأهل هذه الفئة ليسوا مسؤولين عن توليد «الإسلاموفوبيا» ولا يروجون لها، وإنما يسهمون فيها بشكل خامل عبر معتقداتهم التجديفية أو ممارساتهم وسلوكياتهم التي لا تمت إلى الإسلام بصلة. هذا فضلا عن أن بعضهم في هاتين المجموعتين لا يعي النشاطات التي يمارسها أعداء الإسلام، أو يخجل من الجهر بمعتقداته، أو يتصف باللامبالاة والرضا الذاتي، أو لديه استراتيجيات لمحاربة الإسلاموفوبيا[44].

واستناداً الى أبحاث ميدانية أجرتها لجنة رانيميد المتخصصة بقضايا الأقليات المسلمة في بريطانيا تظهر وقائع «الإسلاموفوبيا» ضمن صور ومظاهر متعددة يمكن إجمالها على النحو الآتي:[45]

«ينظر إلى الثقافات الإسلامية على أنها كتلة واحدة لا تتغير.

المزاعم التي تقول إن الثقافات الإسلامية مختلفة كلياً عن الثقافات الأخرى.

 ينظر إلى الإسلام على أنه تهديد جسيم.

د ـ انتقادات المسلمين للثقافات والمجتمعات الغربية مرفوضة تلقائياً.

هـ ـ الانتقادات الإسلامية للثقافات والمجتمعات الغربية مرفوضة مسبقاً.

و ـ رهاب الإسلام مقترن بالعدائية العنصرية تجاه المهاجرين.

ز ـ الافتراض بأن الإسلاموفوبيا أمر طبيعي ولا يثير الجدل[46].

وتبيِّن الأبحاث والاستطلاعات الميدانية لنشاط الإعلام الغربي في سياق ترويجه لـ «الإسلاموفوبيا» عمق التدخل حتى في أبسط الممارسات الدينية والتقاليد القومية التي يمارسها المسلمون عامة ومسلمو أميركا خاصة. ففي البرامج التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي مناظرات ومداخلات تعكس اعتقاد الغرب بأن المسلمين يقمعون نساءهم، وجميع الرجال متعددو الزوجات، والعنف من أساليب حياتهم، والإسلام يفرض الحكم الديكتاتوري ويجيزه، ويخالف الديمقراطية، والشريعة الاسلامية بترت أذرع وأيدي جزء من المواطنين بسبب جرائم تافهة ارتكبوها، وشنقت وقتلت الكثير منهم لأي مخالفة، والمسلمون يمتطون دوماً الجمال ويعيشون في خيم. هذا ويظنون بأن المجتمع الإسلامي لا يحكمه أي قانون. وفي الولايات المتحدة، يمتنع الكثيرون من غير المسلمين عن دخول مركز إسلامي أو مسجد خوفاً على حياتهم. في حين لم يسبق أن تعرض  أي شخص غير مسلم لأي فعل عنيف في أي تجمع إسلامي. في المقابل، وقعت مئات أعمال العنف ضد المسلمين، وأماكن تجمعهم، ودور عبادتهم.[47]

عن دور وسائل الإعلام يقول البروفيسور غوردن كونواي رئيس لجنة رانيميد حول المسلمين البريطانيين والإسلاموفوبيا[48]. «من المجحف والظلم تصوير مجتمع ينتمي الى الدين الاسلامي الذي يعود تاريخه إلى أربعة عشر قرناً في قالب شيطاني. فالإسلام هو الدين الذي يعتبر الأسرع انتشاراً في الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يكون دين شياطين. فإدانة المسلمين في الولايات المتحدة هي إدانة للبيض، والسود، والأميركيين ذوي الاصول اللاتينية الذين يعتنقون الاسلام. ونحو ثلثي المعتنقين الحديثين للإسلام هم من النساء، وغالبيتهم من البشرة البيضاء، فهل جميعهم مجانين وأغبياء؟ هناك استخدام مفرط لحقوق حرية الصحافة الواردة في قانون التعديل الأول لمهاجمة ما بين خمسة وتسعة ملايين مواطن أميركي (وهم بصدد الازدياد). وذلك إن دل على شيء فعلى أن الاسلام والمسلمين لا يحظون بتمثيل عادل وكاف في وسائل الإعلام. فالإسلام ليس ديناً غريباً كلياً عن الولايات المتحدة لأنه وصل إلى هذه القارة مع وصول الشعب الإفريقي الذي كان حراً إنما استعبده بالقوة تجار الرقيق الأوروبيون والأميركيون»[49]. فلو تم على سبيل المثال تشغيل جهاز التلفاز على برنامج حواري مثل جيرالدو، وريكي لايك، وجيني جونز، جيري سبرينجر، وساليس جيسي رافاييل وغيرهم، سيجد المشاهد حالات كثيرة عن سوء معاملة النساء، أو السفاح، أو أمور غريبة إنما لا أحد يصنفها كأعمال قام بها مجتمع مسيحي، أو يهودي، أو علماني، أو ملحد، بل ينظر إليها على أنها جرائم قام بها أفراد. لكن حين يرتكب مسلم جرماً ما، يصنَّف على أنه عمل قام به مسلم، والأسوأ أنه يروج لذلك على أنه عمل مشتق من التعاليم الإسلامية. «إن من الظلم – كما ورد في دراسة لجنة راينميد- أن تقوم وسائل الإعلام بالتشهير بالإسلام والمسلمين مع العلم أن مسؤوليتها وضع إرشادات عامة لتنظيم النفس. وفي هذا الوقت، لا نقترح إصدار أي تشريع لوقف الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام، إنما على هذه الأخيرة تعيين صحافيين مسلمين بين طاقمها ومنحهم فرص مشاركة كاملة. فضلا عن ذلك، على الصحافيين غير المسلمين التعلم عن الإسلام والمسلمين وتلقي بعض التدريب في مسألة التوعية[50].

ثم يلاحظ أن ما يجري بثه يومياً على شاشات التلفزة وشبكات التواصل، يفضي إلى أن الفرد في العالم الإسلامي يخضع للجماعة ولقيادة دينية ذات هيبة، في حين أن حرية الفرد في الغرب المحرر من الإكراه السياسي، والديني، والثقافي، مسألة مقدسة في نظام اجتماعي يحد من الاستغلال العشوائي للسلطة الشخصية[51]. لكن رداً على مثل هذه الانتقادات، يضع المسلمون المعاصرون الحرية على مستوى المجتمع، مجادلين بأن الغرب أصبح في غربة عن نفسه، إذ يضع المصلحة الذاتية فوق كل اعتبار. وهذه الانتقادات «للآخر» هي على ارتباط وثيق بالصراع السياسي وسياسة تبرير الذات العقائدية، حيث الهدف الأعلى المنشود أكثر أهمية من آثار العمل الذي يقوم به المرء. وهكذا غالباً ما تلازم الخطاب الغربي حول الحرية والديمقراطية على سبيل المثال بالدعم للقادة القمعيين، تماماً كما استخدمت الدعوات للقيم الروحية والمجتمعية الإسلامية للدفاع عن أعمال تعتبر نقيضة لها[52].

 وعلى الرغم من تعدد الصور عن الغرب في الشرق الأوسط المسلم وتقلبها، تنتقل الأفكار المكونة عن الخصم الى مقدمة الوعي عند اشتداد حدة الخلافات السياسية. ففي لحظة الاحتدام، كما هو حاصل في مناخ ما قبل وما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سوف تصحو ذكريات الحروب الدينية والاستعمار وتذكر كأساس لعدم الثقة في الدوافع الغربية. وعندما تشيع الصور التي تصف شدة معاناة العرب والمسلمين على يد غير المسلمين، يسود مناخ من الدفاعية والغضب الأخلاقي. فها هي ذي أميركا تصبح قوة عظمى يجب على السياسيين التودد إليها ولكن لا يستطيعون التأثير فيها، أو مقاومتها، أو حتى فهمها عندما تصيغ سياسات تشجع انعدام المساواة على المستوى السياسي والاقتصادي: فالنفط يتدفق بحرية من بلاد الملوك الإقليميين الأثرياء، والمستوطنون الإسرائيليون يبنون مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية، ومؤيدو التغيير يخشون على سلامة عائلاتهم وأحبائهم. وفي النهاية، يولد الامتعاض السياسي شعوراً معمماً بخيبة الأمل تجاه الغرب، معززاً المخاوف من أن التأثيرات الخارجية ستدفع بالمسلمين الى التضحية بدينهم، وليس بحقوقهم فحسب. وفي هكذا مناخ نشأت المجموعات الجهادية التي يصفها الغرب بـ «الأصولية» وأثارت درجات متفاوتة من التعاطف الشعبي مع ما أكدته بأن التغيير في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق إلا بمواجهة غرب متغطرس سياسياً ومشبوه أخلاقياً. في هذا الإطار، تتردد عبارة «معاداة الغرب» أو «معاداة أميركا» المنهجية على لسان هذه الحركات في العواصم الأجنبية بدويّ أكبر من إدانات الخطط السياسية والعسكرية التي تستحضر صور المسلمين عن «الصليبيين» في العصر الحديث[53].

3 - القنوات الدينية الإسلامية: بين الغايات الكبرى والتوظيف الإيديولوجي

مرَّ معنا كيف أن التراث الديني الاسلامي يمتلئ بمساحة واسعة من المرتكزات المرجعية للإعلام الديني المعاصر. فإذا كان الهدف الأعلى للقنوات الفضائية هو تحقيق التواصل مع جمهورها وبالتالي مع سائر المشاهدين أنّى اختلفت معتقداتهم فإننا سنجد في الثقافة الإسلامية ما يسوِّغ هذا الهدف ويمنحه المشروعية الدينية[54].

غير أن الناظر في الواقع الفعلي للتواصل كما يظهر على عدد كبير من الشاشات الدينية، سوف يلحظ الأمور الآتية[55].

أولاً: يشهد التواصل الديني في المجتمع الإسلامي انخفاضاً في مستوى الإقناع والتأثير والتوجيه لدى الجمهور. وذلك على الرغم من تدفق المادة الدينية الدعوية عبر الفاعلين الدينيين في المؤسسات الدينية الرسمية، وهيئات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والاتصال المختلفة... ولعل مرد ذلك إلى ضعف الوازع الديني والالتزام السلوكي، بسبب شيوع التيارات والفلسفات والأفكار الهدامة والنزعات المادية، الباعثة على الترف والإسراف، وانتشار الميوعة والانحلال الأخلاقي وضعف شبكة التواصل المجتمعية...

ثانياً: تأثر التواصل الديني بدعوات تجديد الخطاب الديني، الناجمة عن التغيرات المتسارعة داخل الأمة وخارجها، وقد نجم عن هذا تأثر الخطاب الديني –في إطار إيصاله والتواصل والتفاعل معه- بالمرجعيات الدينية والفكرية المختلفة للفاعلين الدينيين، نتيجة اختلافهم في تأويل النصوص الشرعية وفهمها، كما نجم عن ذلك أيضاً إلغاء أو تشكيك في بعض الثوابت الإسلامية اتباعاً للرؤية الغربية للدين، حتى يصبح ديناً بلا جوهر، ودعوة بلا دولة، وعقيدة بلا شريعة، وشعائر بلا مقاصد، بدعوى التجديد، الأمر الذي حال دون انفعال النفوس بهذا الخطاب الديني المشوه وغير الشامل، وأثار موجة رد فعل رافضة  ومعادية للإنسان الغربي وحضارته، أنتجت خطاباً دينياً متطرفاً، يرتكز على العداء المطلق للآخر وللسياسات الدائرة في فلكه، والدعوة إلى مقاطعته واستئصاله، مما شكل سداً منيعاً أمام التواصل الديني المجتمعي والعالمي.

ثالثاً: على الرغم من انتشار العداء للإسلام والمسلمين، وشيوع فكرة الإرهاب الإسلامي في المنظومة الفكرية والسياسية الغربية، ورواج فكر صراع وصدام الحضارات؛ فإن كثيراً من المثقفين والفاعلين الدينيين والإعلاميين من عقلاء المسلمين وغير المسلمين اتخذوا من الحوار الدعوي والتعايش السلمي في بلاد المهجر، والانفتاح الواعي على ما عند الآخر من قيم ومعانٍ وفضائل، بمقتضى الإرث الإنساني والحضاري المشترك؛ وسائل ناجحة للتواصل الديني والتعرف والاعتراف بالآخر ودينه وثقافته، وعدم نبذه وأخذه بذنب المعتدي، الأمر الذي يلزمنا اليوم بالاهتمام أكثر بالدعوة إلى حوار جاد بين الثقافات والأديان وبحوار الدعوة على الصعيد العالمي.

 رابعاً: لم يعد الاتصال المواجهي Face to face، وهو يشمل الندوات والمؤتمرات والخطب والدروس الدينية والاتصالات الشخصية، الوسيلة الوحيدة للتواصل الديني، بل أصبحت أدوات التكنولوجيا والتقنيات الإعلامية الحديثة وسائط ووسائل مهمة وضرورية لإيصال الدعوة إلى كافة الناس، من أجل تصحيح الواقع وإصلاحه وهداية الضال. ومن هنا أنشأ الناس من خلال فضاء الإنترنيت الشاسع منتديات ومدونات ومواقع اجتماعية جذابة، يتبادلون فيها التعليقات ويشاركون بالرأي والحوار في مناقشة القضايا الفكرية والدينية، ويعلنون عن دورات الدروس الدينية، واتخذ مشايخ العلماء والفقهاء مواقع لهم على الشبكة العنكبوتية يتواصلون مع الناس، ويصدرون لهم الفتاوى الشرعية حول المستجدات الدينية. [56]

لقد بات واضحاً من خلال ما تقدمه الأبحاث الميدانية أن الواقع الإجمالي لتواصل الدعوة عبر الإعلام يفتقر في الغالب إلى علاقة التفاعل بين القائم بالاتصال، من فاعل ديني وإعلامي، وبين المتلقي. هذا إضافة إلى أن الرسالة الدعوية والحقائق الدينية، وإن كانت تصل عبر وسائل الاتصال الجماهيري إلى أكبر عدد ممكن من الناس بمنتهى السرعة والجاذبية الفنية والإخراج التقني العالي، إلا أن التفاعل الواعي معها والاقتناع بحججها الذي يثمر الالتزام بمبادئها، يتطلب المواجهة المباشرة مع المتلقي التي يتحقق معها التواصل الفاعل المنسجم مع الفطرة البشرية السامية.

مثل هذه العناصر الإشكالية في العملية التواصلية تدفع  الكثير من الباحثين في علم اجتماع التواصل إلى وجوب إعادة الاعتبار للأفهام المختلفة حيال الواقع الإعلامي الإسلامي واستراتيجيات عمله. وسوف نتوقف في هذا المضمار، عند ثلاثة مواقف من مشكلة تأصيل الإعلام، وهو ما يبينها الباحثون على النحو الآتي[57]:

أولاً: الموقف التقليدي: ويقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري المجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وفي مجال تأصيل الإعلام يفهم عملية تأصيل الإعلام على أنها الاكتفاء بإسهامات و العلماء المسلمين واجتهاداتهم، مع الرفض المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية المعاصرة في مجال الإعلام من دون تمييز بين مجالاته المختلفة.

وتتصف عمليه تأصيل الإعلام الإسلامي طبقاً للموقف التقليدي بالآتي:

 من ناحية المضمون:

الاستناد إلى أسس فكرية تقارب نظرية السلطة مع مفارقة هذه النظرية التصورَ الإسلامي للإعلام بتأكيده على الشورى على الرغم من التقائه بها في التأكيد على أهمية وضع ضوابط أخلاقيه للعملية الإعلاميه.

الخلط بين الدعوة الإسلامية والإعلام الإسلامي بدلاً من التمييز بينهما مع تأكيد الوحدة والارتباط بينهما، مما يؤدى حضر إلى حصر الإعلام في وظائف الدعاية والتوجيه مع تجاهل باقي وظائفه كالترفيه وتنميه العلاقات الاجتماعية…

عدم الأخذ بالتخطيط الإعلامي وعدم وجود استراتيجية إعلامية.

من ناحية الشكل:

تقديم المادة الإعلامية في قوالب ثابتة لا تتعدى الحديث التليفزيوني أو الحوار الإذاعي.

حصر مضمون رسالة الإعلام الإسلامي في الثقافة النظرية مع إهمال الثقافة التطبيقية المتمثلة في تفاعل رسالة الإعلام الإسلامي مع القضايا المعاصرة للأمة المعالجة التقليدية للقضايا.

ضعف عناصر إثارة اهتمام المتلقي وتشويقه لمواد الإعلام الإسلامي.

ثانياً: الموقف التغريبي: يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية. فهو يقوم على القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال الإعلام من دون تمييز بين مجالاته المختلفة.

وهو موقف يقوم على التغريب، الذي يمكن تعريفه بأنه قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية، التي هي نظام شامل متكامل للحياة، علماني في موقفه من الدين، فردي في موقفه من المجتمع، ليبرالي في موقفه من الدولة، رأسمالي في موقفه من الاقتصاد. كان محصلة عوامل نفسية وثقافية وتاريخية وحضارية سادت أوروبا علي مدى نحو سبعة قرون على حساب الولاء الإسلامي[58].

ويمثل التغريب برأي عدد من الباحثين- شكلاً من أشكال الاستعمار الذي لا يقوم على السيطرة العسكرية أساساً، بل يقوم على السيطرة الثقافية بواسطة الإعلام، والفكر، والثقافة، والفن  حيث يقدم من خلالها أسلوب الحياة الغربية بصورة عامة (أو الأميركية بصوره خاصة) – على أنه أسلوب الحياة الأمثل لكل المجتمعات[59].

ثالثاً: الموقف التجديدي: ويقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يتم باستيعاب ما لا يتناقض  مع أصول الإسلام «التي تمثل الهيكل الحضاري لهذه المجتمعات المسلمة»، سواء كانت من إبداع المسلمين، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.

 هذا الموقف يتجاوز موقف الرفض المطلق أو القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجالات الإعلام إلى موقف نقدي يقوم على التمييز بين مجالاته المختلفة.

فهو يميز بين مجالات الإعلام الثلاثة:

أولاً: فلسفه الإعلام (أي المفاهيم الكلية المجردة التي تستند إليها العملية الاتصالية والاعلامية)

ثانياً: علم الإعلام (أي القوانين الموضوعية التي تضبط حركه العملية الاتصالية والإعلامية).

ثالثاً: فن الإعلام (أي أنماط وأشكال العملية الاتصالية والإعلامية).

والتأصيل ينصب أساساً على المجالات التي تنطوي تحت إطار فلسفه الإعلام لا المجالات التي تنطوي تحت إطار علم الإعلام.

وبالتالي فإن هذا الموقف يفهم عملية  تأصيل الإعلام على أنها نشاط معرفي عقلي محدود بالوحي يبحث في مسلمات نظرية كلية سابقة على البحث في العملية الاتصالية والإعلامية.

وهو يقوم على أخذ إسهامات  المجتمعات الغربية في مجال فلسفه الإعلام التي لا تتناقض مع النصوص اليقينية الورود والقطعية الدلالة ورد ورفض ما يناقضها[60].

      استنتاجات عامة

البرامج الدينية في الاستبيانات الميدانية

درج عدد من مراكز الأبحاث والجامعات على إجراء استبيانات ميدانية للتحقق من البرامج المبثوثة على القنوات الدينية الحكومية والخاصة وذلك من أجل الوقوف على مضامينها ومدى تأثيرها في جمهور المشاهدين. ويمكن أن نعرض هنا مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات في هذا الصدد[61].

      أولاً: أشارت بعض النتائج الى وجود اهتمام عام بالبرامج الدينية في القنوات الفضائية العربية الحكومية، فلا توجد قناة فضائية عربية حكومية لا تهتم بعرض البرامج الدينية، إلا أنه من الملاحظ انخفاض نسبة المساحة الزمنية المخصصة لهذه البرامج فعلي سبيل المثال بلغ إجمالي إرسال قطاع القنوات الفضائية المصرية خلال عام 2001/2002 ما يعادل (22990) ساعة ونصف الساعة موزعة على القنوات العاملة (الفضائية الأولي، الثانية، والنيل الدولية). وبتوزيع هذا الكم من ساعات الإرسال وفقا لألوان البرامج والمواد المذاعة تبين أن نسبة البرامج الدينية لا تتجاوز (99،4%) من إجمالي ساعات الإرسال بالبرامج الدينية التي تقدمها هذه الفضائيات من قبل الجمهور في العالم الإسلامي خاصة الدول العربية[62].

ثانياً:  أن نسبة كبيرة جداً- لا يستثنى منها إلا القليل- من الأفكار والقضايا المثارة في المضمون الديني الذي تقدمه الفضائيات الحكومية غالباً ما ترتبط باتجاه النظام السياسي الحاكم نحو هذه القضايا والموضوعات مما يحد من قدرة هذه البرامج على معالجة قضايا وموضوعات ملحة أو مجرد التجاوب معها.. بل يصل الأمر إلى أن تفرض الأنظمة السياسية على هذه البرامج الدينية اتجاهاً واحداً ينبغي ألا تتجاوزه.. انطلاقا من الدور الذي يحدده هذا النظام السياسي للدين وعلاقته بالأنظمة المختلفة في المجتمع، الأمر الذي يجعل هذه البرامج تركز على قضايا وموضوعات قديمة وتغرق المشاهد في قصص وبطولات تاريخية ولا تحفل كثيرا بقضايا المجتمع الإسلامي المعاصر ويندر أن تتعرض هذه البرامج لقضايا حيوية معاصرة كالعولمة وصراع الحضارات والغزو الفكري والثقافي وبذلك تخرج مثل هذه البرامج عن دائرة البرامج الدينية الناجحة التي تتحدث بلغة العصر وتعالج مشكلاته، حيث لا يتجاوز دور هذه البرامج الدور التقليدي للبرامج الدينية في وسائل الإعلام المختلفة والذي يتركز حول الوعظ والتوجيه والإرشاد، كما أن المضمون الديني الذي تقدمه غالبا ما يتسم بالتكرار ولا يتطرق للموضوعات والقضايا السياسية والاقتصادية والثقافية الحيوية وعلى الرغم مما تتمتع به بعض القنوات الفضائية الحكومية مثل «الفضائية المصرية» بقدر من الحرية في مناقشة القضايا المطروحة على الساحة الدينية في الفضائيات المصرية فإنه لا يرتفع لدرجة تسمح بمناقشة مختلف القضايا، فهناك من القضايا ما لا يمكن الاقتراب منه كالقضايا المتعلقة بالنظام السياسي في مصر.

ثالثاً:  انخفاض اهتمام الفضائيات العربية الخاصة بالبرامج الدينية سواء من حيث عدد هذه البرامج أو من حيث المساحة الزمنية المخصصة لهذه البرامج، إلا أنه يحسب لهذه القنوات خاصة التي تقوم بعرض وتقديم البرامج الدينية أنها عملت على توسيع دائرة الحوار في برامجها الدينية حول بعض القضايا والموضوعات التي اصطلح على تسميتها بالقضايا الحساسة مثل التعاقب السياسي على السلطة وأنظمة الحكم في العالم الإسلامي والديمقراطية وغيرها من القضايا التي لم يكن بالإمكان مناقشتها في السابق في البرامج الدينية ومثال ذلك برنامج «الشريعة والحياة» الذي تبثه قناة «الجزيرة»، وبرنامج «هذا بلاغ للناس» الذي تبثه قناة «دريم الثانية»[63].

ولاحظ الباحث من خلال نتائج دراسته أن المستوى اللغوي السائد في البرامج الدينية التي تقدمها الفضائيات العربية الحكومية هو «فصحى العصر» حيث ساد في (78 حلقة) من إجمالي حلقات البرامج الدينية عينة الدراسة بواقع (55،71%) ويرجع ذلك إلى طبيعة ونوعية الضيوف المشاركين في هذه البرامج وإلي طبيعة البرامج الدينية ونفسها والتي يفترض أنها تعتمد على المستوي الجاد من كل شيء.. من الضيوف المشاركين ومن اللغة السائدة ومعروف أن فصحى العصر هي اللغة المشتركة في العالم العربي المعبرة عن هويته وثقافته. في حين جاء مستوىِ «فصحى التراث» في المرتبة الثانية حيث ساد في 26 حلقة بنسبة (86،23%) من إجمالي الحلقات.

وإلى ذلك فقد كشفت نتائج التحليل النهائية للدراسات المهتمة بالميديا الدينية عن ضعف اهتمام الخطاب الإعلامي في الفضائيات العربية الحكومية بباقي القضايا في المجالات المختلفة فالقضايا السياسية لم تتجاوز (59 قضية) بنسبة (36،9%) كذلك القضايا الاقتصادية (55 قضية) بواقع (72،8%). أما القضايا الثقافية فلم تتعد نسبة الاهتمام بها (87،8%) كما بلغ مجموع القضايا العلمية (47 قضية) بواقع (45،7%). وتشير الدراسة إلى أن القضايا السياسية تكاد تنعدم في مضمون برامج بعض القنوات على الرغم من أن الأحداث السياسية المتلاحقة ويدل ذلك على أنه مازالت بعض الأنظمة العربية تضع حدوداً وخطوطاً للفلك الذي ينبغي أن يدور فيه الدين فلا يتعداها ولا يتجاوزها مهما كانت الأحداث والظروف التي يمر بها العالم الإسلامي ولا تتفق وضعية الدين والقيود المفروضة عليه من بعض الأنظمة العربية مع ما تتميز به رسالة الإسلام من شمول وأنها رسالة تخاطب الإنسان في مختلف مجالات الحياة. ووفقًا لهذه الخاصية فإن المجال مفتوح أمام وسائل الإعلام الإسلامي والديني المتخصصة لتناول مختلف الموضوعات والقضايا التي تعالج مختلف مجالات الحياة كما تعرض هذه الوسائل لما يستجد من أحداث وقضايا في المجتمع لتبين أسلوب معالجها من المنظور الإسلامي.

[1]- أبوالحسن بن اسحق بن سليمان بن وهب «البرهان في وجوه البيان»- تقديم حفني محمد شرف- مكتبة الشباب العربي – القاهرة – 1969 – ص 112.

[2]- سورة القصص – الآية 51.

[3]- سورة القصص- آية 51.

[4]- محمد حمد خضر- مطالعات في الإعلام – دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – 196- ص 56.

[5]- ابن وهب – المصدر نفسه – ص 115.

[6]- التحريم- آية 3.

[7]- ابن منظور – لسان العرب – الدار المصرية للتأليف والترجمة- القاهرة 1985 – ص 95.

[8]- محمد علي النجار – معجم ألفاظ القرآن الكريم – الجزء السادس- الدار المصرية- القاهرة 1989– ص 95.

[9]- رؤوف شلبي – الدعوة الإسلامية في عهدها المكي – مطبوعات مجمع البحث الإسلامية – المدينة المنورة – 1974 – ص 32-36.

[10]- يونس – آية 25.

[11]- الأحقاف – آية 31.

[12]- المائدة – آية 67.

[13]- الفرقان –  آية 52.

[14]- المدثر – آية 2.

[15]- سبأ: آية 28.

[16]- رؤوف شلبي- مصدر سبق ذكره-

[17] بلال نعیم، بحث حول الإعلام في القرآن- دار الهادي- بيروت- 2002، ص19.

[18] المصدر نفسه، ص22.

[19]-  المصدر نفسه، ص24.

[20]-  المصدر نفسه – ص 25.

[21]- سورة الشعراء – 214.

[22] سورة العنكبوت – 69.

[23] سورة ق – 45.

[24] سورة النحل – 125.

[25] زهیر الأعرجي- الشخصیة الإسلامیة مؤسسة إعلامیة، دار التعارف – بيروت 1982- ص38.

[26] عبدالله الزبیر عبدالرحمن، من مرتکزات الخطاب الدعوي، دار العبيكان – الرياض – 2001- ص68.

[27]- ز. الأعرجي- الشخصية الإسلامية – مؤسسة إعلامية- مصدر سابق- ص 51.

[28]- سورة القلم، الآية 52.

[29]- سورة المدثر، الآية 36.

[30]- سورة التكوير، الآية 37.

[31]- سورة العراف، اآية 158.

[32]- سورة الفرقان، الآية 1.

[33] المصدر نفسه، ص136.

[34] المصدر نفسه، ص57.

[35]- بو علي نصير ـ الخطاب الديني ورسائل الإعلام ـ دراسة نقدية قدمت في مؤتمر «الخطاب الديني المعاصر والمتغيرات الدولية ـ جامعة الجزائر ـ 15 كانون أول (ديسمبر) 2007.

[36]- بوعلي نصير- المصدر نفسه.

[37]- محمد سيد محمد، المسؤولية الإعلامية في الإسلام، المسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986، ص 56.

[38]- المرجع السابق نفسه، ص 36.

[39]- المرجع السابق نفسه، ص 37.

[40]- راجع القائمة باسماء الفضائيات الدينية التي أوردناها كملحق في نهاية هذا الفصل.

[41]- المصدر نفسه.

[42]- صباح ياسين – المصدر نفسه.

[43]- باحث أميركي من أصل هندي له دراسة بعنوان: «الإسلام في أميركا: درب وعرة بالانتظار، دراسة حول النشاطات المعادية للإسلام»، في المؤتمر الاول حول الإسلام في أميركا، الذي أقيم في جامعة انديانابوليس، من 4 لغاية 6 تموز 1997، برعاية الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، وجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين، وجامعة إنديانابوليس.

[44]- أمير علي- المصدر نفسه.

[45]- الإسلاموفوبيا: مظاهرها وأخطارها – مقتطف من دراسة استشارية أعدتها لجنة رانيميد حول المسلمين البريطانيين عام 1997. راجع موقع اللجنة: www.runnimedtrust.org

[46]- راجع المصدر نفسه.

[47]- أمير علي – مصدر سابق.

[48]- غوردن كونواي، راجع تعليقاته على الدراسة التي أعدتها لجنة رانيميد حول «الإسلاموفوبيا مظاهرها وأخطارها» راجع موقع اللجنة التي يرأس مجلس إدارتها www.runnimedtrust.org.

[49]- المصدر نفسه.

[50]- أمير علي- مصدر سابق.

[51]-  للمزيد من التعرّف على رأي المستشرق والمفكر الأميركي المعروف برنار لويس في هذا الصدد انظر كتابه- Bernard Louis، the Atlantic Monthly، Islam and Liberal Democracy، New York 1993 No2 P.89.

[52]- انظر: أمير علي- مصدر سابق.

[53]- ناثان فانك وعبد العزيز سعيد – الاسلام والغرب – روايات عن الصراع وتحول الصراع – الصحيفة الدولية لدراسات السلام – الجزء التاسع – العدد الأول – ربيع وصيف 2004.

[54]- جميلة زيان- الإعلام ودوره في التواصل الديني. راجع موقع: www.islamlatina.com

[55]- المصدر نفسه.

[56]  المصدر نفسه.

[57]- صبري خليل ـ فلسفة الإعلام الإسلام ـ راجع موقعه الخاص: https://drsabrikhalil.wordpress.com

[58]  المصدر نفسه.

[59]- علي محمد شمو – التكنولوجيا الحديثة والاتصال الدولي والانترنت – الشركة السعودية للأبحاث والنشر – جدة 1997.

[60]- صبري خليل – مصدر سبق ذكره.

[61]- انظر: تقرير اتحاد الإذاعات العربية في هذا الشأن – مجلة الإذاعات العربية- العدد

[62]- محمد أحمد هاشم إمام – البرامج الدينية في الفضائيات العربية – دراسة تحليلية – رسالة ماجستير – جامعة الأزهر – القاهرة 2006.

[63]- المصدر نفسه.