البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

إمبريالية الفن السابع (مجتمعنا في مرمى هوليوود)

الباحث :  حيدر محمد الكعبي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 14 / 2018
عدد زيارات البحث :  1668
تحميل  ( 382.902 KB )
تعمل هذه المقالة على معاينة دور السينما الأميركية في صناعة الوعي العالمي وبخاصة في الفضاء العربي والإسلامي. وهكذا يستعيد الباحث هنا المكانة الاستثنائية لمؤسسة هوليود ودورها الفاعل في التأثير في البيئات والشرائح الاجتماعية المختلفة على امتداد تاريخ كامل. كما يشير الباحث إلى ازدياد هذا التأثير لهوليود مع بدء عصر ثورة الاتصالات على نطاق عالمي.

المحرر

--------------------------------------

تمثل الأعمال السينمائية مادة إعلامية لها تأثير كبير وفاعل في مجال التثقيف والتعليم وتشكيل الرأي العام، ولم يقف هذا اللون من الإنتاج الفني عند حدود التسلية والترفيه حسب، وبخاصة في العقود الأخيرة التي قفزت فيها السينما إلى مديات أكثر تطوراً على صعيد السيناريو والإخراج والتمثيل.

وفي عصر ثورة الاتصالات لم تتوانَ شركات الإنتاج السينمائي الكبرى عن اغتنام هذه الفرصة لتحقق انتشاراً يليق بها على المستوى العالمي، ونتيجة لذلك صارت عقائد وأخلاق كثير من المجتمعات البشرية- بما فيها مجتمعاتنا الإسلامية- تحت طائلة تأثيرها القوي، مما يجعلنا معنيين بدراسة تأثيرات هذا الجانب من الفنون دراسة جادة أكثر من اي وقت مضى. 

ولما كانت السينما الأميركية(هوليوود) هي المصنع الأبرز للإنتاج السينمائي العالمي، ونظرا لما تتمتع به من خصائص فريدة، فينبغي أن تكون هي الهدف الأبرز لاهتماماتنا في هذا المجال، على الأقل في الوقت الحالي والمستقبل المنظور.

إن البيئة الاجتماعية الأميركيةالمتحررة قد فسحت مجالاً واسعاً أمام شركات هوليوود السينمائية لتعمل من دون ضوابط دينية أو أخلاقية، مما أدى إلى انتشار انتاجٍ سينمائي يبث أفكاراً وثقافات تؤثر بشكل سلبي كبير في عقائد مجتمعاتنا المسلمة التي يصلها هذا الانتاج وسلوكياتها.

ولكن المشكلة أن قوة الانتاج السينمائي لهوليوود يجعل من مضمونه السيء أمراً مستساغاً لدى الجمهور، وهنا مكمن المشكلة، فهو أمر شبيه بدس السم في العسل، علماً أن ذلك لا يختص بالمنتوج السينمائي فقط وإنما يمثل سمة الإعلام المعاصر بشكل عام، هذا مع قطع النظر عن نشر الجنس والعنف اللذين صارا علامة مميزة للسينما الأمريكية.

فن التأثير السينمائي:

ليس من مجال للشك في أن فن الترفيه الإعلامي يعد أحد أهم الأساليب تأثيراً في مجال التوجيه الفكري وصناعة الثقافة، إذ يتوافر على عناصر جاذبة تستبطن رسائل فكرية يجعلها تنفذ بقوة إلى العقول والقلوب على حد سواء، ولم يكن المؤرخ «إريك بارنو Eric Barno “[1] يجانب الصواب حينما قال: (إن مفهوم الترفيه في تصوري هو مفهوم شديد الخطورة، إذ تتمثل الفكرة الأساسية للترفيه في أنه لا يتصل من بعيد أو قريب بالقضايا الجادة للعالم وإنما هو مجرد شغل أو ملء ساعة من الفراغ، والحقيقة أن هناك ايديولوجية مضمرة بالفعل في كل أنواع القصص الخيالية، فعنصر الخيال يفوق في الأهمية العنصر الواقعي في تشكيل آراء الناس)[2].

ويعزز كلام «بارنو» ما أشار اليه “هربرت أ. شيللر  Herbert Schiller”[3] قائلا: (إن التسلية هي التعليم والتعليم هو الأيديولوجية، ويشير «روبرت شايون» محرر التلفزيون في الـ»ساترداي ريفيو» الى أن: برامج التسلية تلمح للجمهور بالطريقة التي يتعين أن يتبعها في تحديد ما هو جدير بالاحترام في مجتمعنا والكيفية التي يتصرف بها، إنها في الواقع أشكال من التعليم، من تلقين المبادئ)[4].

والسينما.. الصناعة الفنية التي تطورت بشكل مذهل خلال مدة قياسية من تاريخ البشر[5] تعد من أكثر صناعات الترفيه تأثيراً في هذا المجال، بعد أن تربعت بجدارة على عرش الفنون الانسانية بعد أن صهرتها في ذاتها بشكل متقن[6].

وعليه فليس من الغريب أن يؤكد الباحث الدكتور حسن عباسي[7] في محاضرة له قائلاً: (إن صناعة الحضارات والمجتمعات تتركز على رسم خريطة لها، وفي هذه الايام فإن العامل الرئيس لرسم هذه الخرائط يكمن في مضامين المسلسلات وبشكل أخص في الأفلام.. لقد مضى ذلك الزمن الذي كان الفلاسفة فيه يكتبون كُتباً لإعداد المجتمعات، اذ تحوّل أسلوب الفلاسفة إلى ما يشبه أسلوب المخرجين أو الممثلين أو كتّاب السناريوهات، ففي الواقع إن الرائدين في مجال إعداد حضارة المجتمع هم الممثلون والفنانون في ساحة التمثيل اليوم)[8].

كيف تؤثر السينما في عقولنا؟

كيف تؤثر الدراما التلفزيونية والسينمائية في النفس البشرية؟ سؤال يبدو محيراً بعض الشيء، لأننا عندما ننظر إلى الأغلبية الساحقة من البشر الذين يتابعون هذه الدراما نجدهم يتعاملون معها بمشاعر حقيقية، ففي أثناء مشاهدتهم مسلسلاً أو فيلماً ما تجدهم يصابون بالخوف أو الترقّب أو الفرح أو الحماسة أو الحزن الى حد البكاء، مع أن الجميع يعلم ـ بما فيهم المشاهدون أنفسهم ـ أن ما يشاهدونه مجرد تمثيل كاذب لا واقع له.

وربما تسهل الإجابة عن هذا التساؤل إذا علمنا الآليات التي يتعامل بها العقل البشري مع المنتوجات الإعلامية ومنها الدراما التلفزيونية والسينمائية، وقد أشار إلى هذه الآليات الباحث (أليكس انصاري Alex Ansary)[9] حيث قال: (يتم استغباء البشر عبر مشاهدة التلفزيون بصورة أخرى من خلال إلغاء نشاطات الجهات العليا في الدماغ (القشرة المخية الحديثة Neocortex)[10] وتحفيز الجهات السفلى في الدماغ (الجهاز الحوفي limbic system)[11]، وهذا المشروع يسمى بـ(دماغ الزواحف reptilian brain) لأنه يرتبط بردود الأفعال البدائية للحيوانات الزاحفة كالمواجهة والهروب، لأن دماغ الزواحف ليس لديه القدرة على تمييز الصور الحقيقة من الصور المجازية أو المزيفة، ونتيجة لذلك فإننا نعرف أن ما نشاهده من أفلام هو مجرد أفلام، أما في العقل الباطن (اللاواعي) فإننا نؤمن بأن ما نراه حقيقة.

وكمثال على ذلك، فإننا حينما نشاهد مشهداً مؤثراً تزداد سرعة نبضات قلبنا، وعندما نشاهد إعلانا ترويجيا عن بضاعة معينة نعرف أن المنتجين يريدون من خلال ذلك تصريف بضاعتهم، ولكننا في الوقت نفسه لا نشعر بالراحة حتى نشتري تلك البضاعة، وإلا فإننا سنشعر في أعماقنا بالنقص، لأن تأثير ذلك تأثير قوي يعمل على أعمق محطات ردود الافعال لدى الإنسان، فدماغ الزواحف يجعلنا طيّعين أمام منتجي البرامج، ومن هنا يتأتّى لهؤلاء أن يستخدموا قدراتنا العاطفية لأجل السيطرة على عقولنا، و في العادة لا نستطيع أن نكتشف كيف يسيروننا بواسطة العقل الباطن اللاوعي (...) وتستمر هوليوود بتخويفنا عبر الأفلام التي تتضمن مواضيع المافيات والعصابات والعمال المجرمين الذين يسجنون بسبب غبائهم وطمعهم، وفي النهاية تستعد أذهاننا لتقبل الحياة في المجتمع البوليسي الذي يتمحور على الاقتصاد، لأننا قرأنا عنه في الصحف وشاهدناه في الأفلام ونشرات الاخبار، وتم تمجيده في البرامج الحوارية، والآن تنتج أفلاما عديدة تثبت أن ما حدث في 11 سبتمبر هي أحداث حقيقية وليست مزيفة كما تم تزييف الوقائع التي أدت الى الحرب على العراق)[12].

من جانب آخر يضع الكاتب (أبو حب الله) في تقرير مفصّل له شرحا لآليات تأثير الافلام السينمائية في نفوس مشاهديها قائلاً: (في الوقت الذي نجد القارئ أو السامع في العادة ما يكون على دراية كافية بما سيختاره قبل قراءته أو سماعه، وأن شخصية (الكاتب) أو (الخطيب) أو (المذيع) دومًا ما تكون معروفة التوجه والمنهج، فإن الأمر يختلف كثيرًا مع الأفلام السينمائية للأسف والتي تتغير توجهات أفرادها (مخرجين أو ممثلين) في كل مرة حسب القصة والسيناريو الذي تم اختياره لإنتاجه، فإذا وضعنا في الاعتبار أن النسبة الأكبر لاختيار فيلمٍ ما هي التي تعتمد على جاذبية البوستر أو (التريلر الإعلاني Trailer)[13]: فإن ذلك يجعل مِن الفيلم غالباً مُفاجأة (غير معلومة المحتوى) إلا عند المُشاهدة الكاملة لأول مرة، ومِن هنا فدس (السُم في الدسم) هو مِن أخطر ما يتم تمريره مِن خلال تلكم الأفلام...

كذلك مِن المعلوم أن كل عمل فني هو عمل «وحدوي الاتجاه» أي: يتم عرض الأمور فيه مِن وجهة نظر واحدة فقط وهي وجهة نظر صاحبها – حيث هو وحده الذي يُقرر أحداثها ومواقفها، وهو وحده الذي يرسم صورة المظلوم مِن الظالم، وتحديد الطرف القوي الحُجة مِن الأضعف والحسن مِن القبيح والبداية مِن النهاية، وبذلك: فهو المتحكم الوحيد فيما سيتم عرضه على المتلقي وكذلك فيما سيتم حَجبه عنه – وهو ما يُعرف بأسلوب (حارس البوابة Gate keeper) – والأفلام في ذلك هي مِن أقوى المؤثرات بسبب طبيعتها الجذابة، والتي تحمل المُشاهد ليعيش أحداثها ويتفاعل معها لتتجسد في عقله وخياله الخاص، ولهذا نجد أن مَن تأثروا بها في حياتهم فإنما أبصروا في الحقيقة بعين المؤلف أو المخرج لا بأعينهم هم، وأنهم اعتنقوا أفكاره على غير نقاشٍ مُحايد...

وأما أخطر ما في هذه الأفلام فهو في حال عرضها على القنوات الرسمية لتصل إلى أكبر قدر ممكن مِن الناس، حيث لا يتم حذف مقاطعها الخبيثة (فكرياً) وعلى غرار ما يتم حذفه مِن مقاطعها (الجنسية) وبذلك نلمس مدى عمق تأثيرها وهي التي لن تخاطب فئة معينة مِن الناس كالمثقفين مثلًا، أو لن تخاطب كبارًا فقط قد صقلتهم خبرات الحياة فيرُدون شبهاتها، بل سيراها أطفال اليوم شباب الغد – وهم أكثر الفئات العُمرية تقبلًا وتقليدًا وتأثرًا بما يشاهدونه ويسمعونه لو لم يُحذرهم مِنه أحد- ولذلك.. فإن المرءَ ليُشفق على بعض هؤلاء أمام احترافية (الخداع النفسي) و(المُغالطات المنطقية Logical fallacy) التي يستخدمهما الملحدون واللادينيون دومًا في زعزعة الإيمان أو التشكيك في الأديان أو الطعن في الخالق، وبحيث يتم تمرير قبح الإلحاد وستر عوراته الفكرية في غفلةٍ مِن القوم)[14].

ويشير الكاتب (أبو حب الله) إلى أن تقليد الأفلام السينمائية يعد من أهم أسباب تأثير الأفلام السينمائية في تغيير مفاهيم المشاهدين ومعتقداتهم فيقول: (أثر «تقليد» الأفلام السينمائية في تغيير المفاهيم والمعتقدات... يُعد أقوى آثار الأفلام على الإطلاق هو ما يُعرف بـ»التحفيز على التقليد»، حيث يتم تقديم (القدوة) للمُشاهدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وكما هو معروف مِن أبسط أساسيات التعليم- ومِنه جاء معنى كلمة التعليم في اليابان (كيو إكو 教育) حيث (إكو) تعني تربية الطفل و(كيو) تعني التشجيع على التقليد- ويكون تحفيز تقليد الأفلام في صورتين:

1 - إما أن يكون لحظيًا سريعًا صادمًا (بسبب مقولةٍ ما مثلًا أو مشهدٍ ما مِن الفيلم أو حتى مضمون الفيلم بأكمله): فتتغير بسببه حياة المُشاهد وربما إلى آخر حياته.

2 - أو يكون بطيئًا ومُتدرجًا.. وذلك حسب عمق الفكرة المُتسربة إلى عقل المُشاهد، أو نتيجة المنظومة النفسية المدروسة القائمة على تكرار مُشاهدة الشيء المُعين لزرع التعوّد عليه وتبنيه ـ مثل تكرار مَشاهد الجنس مثلًا أو مَشاهد اللامبالاة بمشاعر الآخرين أو مَشاهد القتل والتعذيب والدماء أو مَشاهد الاستخفاف بالدين والأخلاق.

فالتحفيز على التقليد: يقع في حال تطابق أفكار الفيلم مع (مشاعرَ كامنةٍ) أو (ميولٍ خفيةٍ) أو (رغبة إثبات النِدّية أو القدرة على المُحاكاة) داخل نفس المُشاهد، فعندها يُـشجعه الفيلم على إخراجها أو إظهارها على أرض الواقع سواء بالخير أو بالشر)[15].

هوليوود[16] رأس الهرم السينمائي:

إذا شككنا في مقدار التأثير الدرامي في التوجيه والتعليم وتشكيل الرأي العام، فلن يقصر الدور المشهود لصناعة (هوليوود) السينمائية عن إزالة هذا الشك، فهوليوود التي تربعت على عرش الإنتاج السينمائي في العالم كان لها الدور الأبرز في جعل أمريكا هي أمريكا التي نعرفها اليوم: الأمة التي تؤثر سياستها وثقافتها في الشعوب كافة.

وفي هذا الصدد يروي لنا الكاتب (مارك وبر Mark Weber)[17] تجربة لطيفة حصلت له بصدد تأثير هوليوود الثقافي على الشعوب قائلاً: (لقد تسنى لي أن اسافر إلى إيران في شهر سبتمبر الماضي مع ثمانية أشخاص لحضور مؤتمر “أفق نو”، وحينما كنا جالسين في أعلى برج ميلاد في طهران لتناول الطعام دار بيننا كلام حول عادات وتقاليد بعض الشعوب، وفوجئت بمداخلة شاب إيراني في عقد الثلاثينات من العمر قائلاً: الأمريكيون أناس رشيقون وذوو أجسام أنيقة، فقلت له باستغراب: الجميع يعلم بأن الشعب الأمريكي من الشعوب التي تعاني من السمنة المفرطة، فكيف تقول هذا؟ فأجاب: هذا ما شاهدته في الأفلام الامريكية، دائما يظهرون فيها بأناقة ورشاقة.

لم يكن ذلك الشاب غبياً او بليداً، ولكن كشف لي مدى تأثير ونفوذ هوليوود في المجتمعات حول العالم، ومدى تمكنها من بسط سيطرتها على عقول الشعوب وتغيير الحقائق، ومن خلال لقاءات متعددة مع أشخاص آخرين اكتشفت أن لديهم جميعا أفكاراً حسنة وفي بعض الأحيان غريبة عن المجتمع الأمريكي... ومما زاد في استغرابي أن الشعوب التي تتظاهر بأنها صديقة لأمريكا تحمل في الواقع أفكاراً سلبية عن أمريكا أكثر من الشعوب التي تتظاهر بأن أمريكا عدوة لها)[18].

إن هذا التأثير العالمي لم يكن وليد فراغ، ولكنه جاء نتيجة لاهتمام حقيقي بهذه الماكنة الإعلامية الضخمة، بحيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المنظومة السياسية الأساسية للكيان الأمريكي العام.

لذا يؤكد الباحث عبد الحليم حمود في كتابه (سينما الدعاية السياسية) قائلاً: (كانت وزارة الدفاع الأميركيةالتي يطلق عليها في ذلك الوقت «وزارة الحرب» تنفق سنويا مبلغ 50 مليون دولار – وهذا مبلغ كبير جداً في ذلك الوقت- على إنتاج افلام في أثناء الحرب العالمية الثانية من أجل ترويج الدعايات الحربية التي ترغب بها المصالح الأميركية داخل الولايات المتحدة وخارجها... فهوليوود كانت على الدوام مع توجهات وتوجيهات وسياسات كل الإدارات الأميركيةالجمهورية والديموقراطية على السواء، إن هوليوود خاضت مع الإدارة كل حروبها وكانت معها في كل معاركها، ووقفت إلى جانبها في كل العهود والمواقف والملمّات، ليس ثمة صناعة سينمائية وتلفزيونية في العالم لعبت الدور الذي تلعبه هوليوود، لا من حيث قدرتها على الإبلاغ والتأثير ولا من حيث سلطتها على العقول والقلوب، دورها الإيدلوجي الاعلامي الدعائي لا يضاهى، وهي حاضرة في زمني السلم والحرب، حاضرة مع جيوش امريكا في ساحات القتال وحاضرة عندما تعجز هذه الجيوش وحدها عن فرض مشيئة أمريكا.

في كتابه «الفوضى» يقول «زبينيو برجنسكي» إن (القوة الأميركيةبحد ذاتها ليست كافية لفرض المفهوم الأمريكي لنظام عالمي جديد) لا بد إذن إلى جانب القوة المادية السياسية والاقتصادية والعسكرية من اللجوء إلى قوة اخرى قد تكون أشد فعالية هي قوة الدعاية والترغيب والإقناع واستمالة العقول والقلوب، وهل هناك أفضل من هوليوود – وهي مصنع السينما والتلفزيون- للقيام بمثل هذه المهمة؟

إيديولوجية هوليوود هي أمريكا نفسها، هي قيم أمريكا والإيمان بها وتغذية النزعة الليبرالية الرأسمالية حيث يسود قانون الاقوى)[19].

وتأكيدا على العلاقة الوطيدة لهوليوود بمصادر القرار السياسية فقد ذكر (ديفيد ال. رابDavid rap) في كتابه (عملية هوليوود) قائلا: (هوليوود والبنتاغون لديهما تعاون قديم في صناعة الأفلام، وهذه سنة من السنن القديمة تاريخها يعود منذ عهد الأفلام الصامتة وحتى عهدنا الحاضر، وهذا التعاون كان مفيداً لكلا الطرفين، المنتجين في هوليوود يحصلون على كل شيء يريدونه – مثل المعدات العسكرية التي تقدر بمليارات الدولارات كالدبابات والطائرات العمودية والحربية والغواصات النووية وحاملات الطائرات العملاقة- ويحصل الجيش على غاياته- مثل الأفلام التي تعطي صورة محسّنة عن الجيش والأفلام التي تسهم في استخدام القوة بوساطة العسكر- والبنتاغون لا يمارس فقط دور الراعي لهذه الأفلام بل يقترح ويشرف على كتابة السيناريو في الافلام إذا كانت غير مقنعة بالنسبة له حتى يضمن لهم رعاية الجيش والقوات العسكرية، وفي بعض الأحيان تكون هذه المقترحات بسيطة، ولكن في بعض الأحيان تكون كبيرة إلى حد تغيير السيناريو بالكامل أو تغيير طاقم الفيلم، ويصل إلى حد تحريف التاريخ في بعض الاحيان)[20].

وعلى هذا الاساس يعود الدكتور حسن عباسي ليؤكد على (أن النظام الفكري في أمريكا ليس شيئا آخر غير هوليوود، لذا فإن أهمية هوليوود وصناعتها للأفلام التي تشكل الحضارة في كفّة، وكل الصناعات والاقتصاد والقوة العسكرية في هذا البلد في كفّة أخرى)[21].

لذا فلا غرابة أن يصرح الرئيس الأمريكي روزفلت وهو يفتتح هوليوود عند إنشائها: «من هنا سنصنع عظمة أمريكا»، ويقول الرئيس الأمريكي بوش الأب الذي أشرف على هندسة المراحل الأخيرة من الانهيار السوفييتي إن مدير شركة (مترو جولدن ماير)، إن الهمبرجر والجينز وهوليوود وشركات السكاير هي التي حسمت الحرب الباردة لصالح أمريكا[22].

شركات الانتاج في هوليوود:

إن قوة هوليوود الحالية تفوق أضعاف قوتها مقارنة بالماضي، ليس لأن عالم اليوم بات قرية واحدة حسب، وإنما لأن الشركات المنتجة لأفلام هوليوود صارت أكثر اندماجاً بعضها مع بعض مما يجعلها أكثر قدرة على صناعة الرأي العام أو توجيهه، وهذا ما صرح به إمبراطور الإعلام الشهير «روبرت مردوخ  Rupert Murdoch”[23] قائلا: (إن قوة  وتأثير وسائل الاتصال أكبر من أي وقت مضى ويرجع ذلك إلى ظهور اتجاهين مترابطين في بناء صناعة الاتصالات وهما: التكتلات الإعلامية المركزية والمدمجة، فالإنتاج في قطاع الاتصالات الثقافية والإعلامية مركّز بشكل متزايد في أيدي شركات كبرى قليلة متماثلة في قطاعات مركزية مدمجة)[24].

وللتعرف إلى أهم الشركات السينمائية العملاقة والمدمجة التي تتربع على عرش هوليوود نورد تقريراً نشره موقع ساسة بوست الالكتروني جاء فيه: (إذا رتبنا شركات صناعة الأفلام عبر التاريخ فستحتل شركة (وارنر بروس Warner Bros) المرتبة الأولى عالميًّا، فقد جنت هذه الشركة إجمالي 37,7 مليار دولار أمريكي منذ إنشائها عام 1923، قامت الشركة بإنتاج 848 فيلمًا مختلفًا، كان أبرزها على الإطلاق هو فيلم (فارس الظلام the dark knight) الذي حصد مليار دولار أمريكي منذ إطلاقه عام 2008، ومن الأفلام الشهيرة الأخرى لهذه الشركة كانت سلسلة أفلام (هاري بوتر) وفيلم (القناص الأمريكي).

وتأتي في المركز الثاني شركة (بوينا فيستا Buena Vista) التي تمكنت من حصد 34,8 مليار دولار أمريكي منذ تأسيسها عام 1953، قامت هذه الشركة التابعة لمجموعة والت ديزني الشهيرة بإنتاج 612 فيلمًا كان أبرزها النسخة الأحدث من سلسلة (حرب النجومstar wars: the force awakens) والذي حقق إجمالي 1,5 مليار دولار منذ إطلاق الفيلم في دور العرض عام 2015، ومن بين الأفلام الشهيرة لهذه الشركة أفلام (أفينجرز) و(توي ستوري).

في المرتبة الثالثة تأتي شركة (سوني كولومبيا Sony / Columbia) والتي تمكنت من حصد 32,7 مليار دولار أمريكي منذ تأسيسها عام 1924، قامت الشركة بإنتاج 873 فيلمًا كان أبرزها وأعلاها في الدخل هو فيلم (الرجل العنكبوت Spider-Man) الذي حقق مبلغ 821 مليون دولار منذ إطلاقه في دور العرض عام 2002، ومن الأفلام الشهيرة أيضًا لهذه الشركة (رجال في الظلام men in black) و(هانكوك Hancock).

في المرتبة الرابعة تأتي شركة باراماونت (Paramount) والتي جمعت إجمالي 30,8 مليار دولار منذ تأسيسها عام 1912، الشركة قامت بإنتاج 607 أفلام كان أشهرها وأعلاها دخلًا الفيلم الشهير (تايتانيك Titanic) الذي تمكن من حصد إجمالي 2,2 مليار دولار أمريكي منذ عرضه عام 1997، ومن الأفلام البارزة أيضًا لهذه الشركة أفلام (ترانسفورمرز Transformers) و(شريك Shrek) و(آيرون مان Iron Man).

في المركز الخامس تأتي شركة (يونيفرسال  Universal) بإجمالي 29,9 مليار دولار تقريباً منذ تأسيس الشركة عام 1912، الشركة قامت بإنتاج 659 فيلمًا كان أشهرها فيلم (حديقة الديناصورات Jurassic Park) الذي حقق إجمالي 1,7 مليار دولار منذ عرضه عام 2015، ومن الأفلام الشهيرة الأخرى لهذه الشركة أفلام (فاست أند فيوريس The Fast and the Furious) و(كينغ كونغ King Kong).

في المركز السادس جاءت شركة فوكس القرن العشرين بإجمالي 29,4 مليار دولار منذ تأسيس الشركة عام 1935، أشهر أفلام هذه الشركة كان فيلم (أفاتار Avatar) الذي حقق إجمالي 2,8 مليار دولار منذ عرضه عام 2009، لتكون هذه الشركة هي الشركة صاحبة أعلى الأفلام دخلًا في تاريخ السينما العالمية. ومن بين الأفلام الشهيرة الأخرى لهذه الشركة أفلام (حرب النجوم Star Wars) و(يوم الاستقلال Independence Day).

بعد هذا يتضح الفارق الكبير بين الشركات الستة السابقة التي تعتبر الشركات العملاقة في مجال صناعة الأفلام. فأقرب شركة خلف هذه الشركات هي شركة (إم جي إم MGM) بإجمالي 9,3 مليار دولار، ثم شركة (نيولاين  New Line) بإجمالي 7,4 مليار دولار، ثم شركة (ليونزغيت Lions Gate Entertainment Corporation) بإجمالي 6,8 مليار دولار، ثم شركة (ميراماكس Miramax) بإجمالي 4,4 مليار دولار)[25].

وبمراجعة سريعة لأسماء هذه الشركات العملاقة، نجد أن هوليوود ظاهراً هي عبارة عن مجمّع لشركات مدمجة مستقلة تسعى للربح المالي من خلال الأعمال السينمائية الفنية على مستوى عالمي، ولكن بالتدقيق الجيّد نجد أن هنالك أكثر من رابط يجمع بين هذه الشركات، على رأسها عائدية تلك الشركات لليهود، وهذا الأمر في حد ذاته يستبطن من المعطيات الشيء الكثير.

هوليوود وعلاقتها باليهود:

يقول الدكتور فؤاد بن سيد الرفاعي في كتابه «النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية»: (يُسيطر اليهود سيطرة تامة على شركات الإنتاج السينمائي، فشركة (فوكس) يمتلكها اليهودي (ويليام فوكس) وشركة (غولدين) يمتلكها اليهودي (صاموئيل غولدين) وشركة (مترو) يمتلكها اليهودي (لويس ماير) وشركة (الإخوان وارنر) يمتلكها اليهودي (هارني وارنر) وإخوانه وشركة (برامونت) يمتلكها اليهودي (هودكنسون).

جميع هذه الشركات اليهودية يُباع إنتاجها في العالم الإسلامي، ويتمثل في أفلام الجريمة وفنونها واللصوصية وأساليبها والعنصرية اليهودية واضحة فيها، ومع ذلك تُعرَض منذ سنين طويلة في بلاد العرب وتغص بها صالات العرض السينمائي والتلفزيوني.. شكراً لمكاتب مقاطعة إسرائيل.

وتشير بعض الإحصائيات إلى أن أكثر من 90% من مجموع العاملين في الحقل السينمائي الأمريكي، إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً ومونتاجاً هم من اليهود...

ولعلّ أبلغ ما قيل في وصف السيطرة الصهيونية في مجال صناعة السينما الأميركية، ما ورد في مقال نشرته صحيفة «الأخبار المسيحية الحرة» عام 1938 قالت فيه: «إن صناعة السينما في أمريكا هي يهودية بأكملها، ويتحكم اليهود فيها دون أن ينازعهم في ذلك أحد، ويطردون منها كل من لا ينتمي إليهم أو لا يصانعهم، وجميع العاملين فيها هم، إما من اليهود أو من صنائعهم، ولقد أصبحت هوليوود بسببهم (سدوم[26] العصر الحديث) حيث تُنحر الفضيلة وتُنشر الرذيلة وتُسترخص الأعراض وتُنهب الأموال دون رادع أو وازع، وهم يرغمون كل من يعمل لديهم على تعميم ونشر مخططهم الإجرامي تحت ستائر خادعة كاذبة، وبهذه الأساليب القذرة أفسدوا الأخلاق في البلاد وقضوا على مشاعر الرجولة والإحساس وعلى المُثل للأجيال الأميركية».

واختتمت الصحيفة كلامها بالقول: «أوقفوا هذه الصناعة المجرمة لأنها أضحت أعظم سلاح يملكه اليهود لنشر دعاياتهم المضللة الفاسدة»)[27].

وفي الأبحاث التي تتعلق بدراسة هوليوود وإنتاجاتها غالبا ما يتم التعرض للعلاقة الوثيقة بين اليهود وماكنة السينما الأمريكية، باعتبارها تمثل علاقة حساسة وغريبة في حد ذاتها، لأن اليهود يحتلون مساحة ضيقة جداً من نسيج المجتمع الأمريكي، ومع ذلك يمسكون بمقاليد هذا المحور الإعلامي الضخم الذي يغزو شرق العالم وغربه، ويعيد تشكيل الثقافة المحلية والعالمية على حد سواء.

ويبدو أن هذه الظاهرة نابعة من سيرة اليهود في سعيهم الدائم للسيطرة مصادر القوة في المجتمع الذي يعيشون فيه، وحرصهم على النفوذ في المواطن الحساسة ذات التأثير الواسع، فاليهود لا يشكلون في المجتمع الأمريكي سوى 2- 3% ومع ذلك يحتلون ما نسبته 11% من النخب الأميركيةو25% من الصحفيين والناشرين المشهورين وأكثر من 17% من قادة المراكز المهمة الحكومية و15% من الموظفين رفيعي المستوى[28].

(وفي العقود الثلاثة الأخيرة أصبح اليهود في الولايات المتحدة الأميركية يمثلون نصف المئتين من المفكرين و20% من الأستاذة الجامعيين الأوائل ويملكون40% من الشركات والأسهم الحقوقية في نيويورك وواشنطن، وأصبحوا يشغلون ما نسبته 59% من المخرجين والكتاب والمنتجين لأفضل خمسين فيلماً شهيراً في أمريكا منذ عام 1965 الى 1982)[29].

إن هذه الاستراتيجية التي اتبعها اليهود اعطتهم سلطة لم تكن أي اقلية تحلم بها في العالم، وقد نالوا ثمرة جهود حثيثة سعوا إليها منذ قرون ليعوضوا تشرذمهم وعزلتهم الاجتماعية التي أفرزتها أيدولوجيتهم الأنانية في النظر الى الآخرين نظرة دونية.

إن هذه السلطة الخفية ليست وليدة اليوم، فقبل ثلاثين عاما أكد المحقق الأمريكي واليهودي الأصل المعادي للصهيونية (ألفريد ليلينتال  Alfred Lilienthal) في دراسة بعنوان (الاتصال الصهيوني  The Zionist Connection) قائلا: (عمق السلطة و القرار اليهودي الممنهج في الولايات الأميركية شيء محير للعقول، ويمكن القول إن الحصة الكبيرة من هذه السلطة ترجع الى السيطرة على وسائل الإعلام بعد قرون من الأذى والتعذيب والتشريد)[30].

إن أحد أعمدة نجاح اليهود في الوصول إلى ما كانوا يطمحون إليه يتمثل في تملّكهم وسائل الإعلام وتوظيفها لتحقيق استراتيجيتهم التي تستهدف إلى الاستيلاء على مواطن القرار وجني الأموال الطائلة التي تعود عليهم بمزيد من القوة، يساعدهم في ذلك سجيتهم التي تجيز اتّباع كل الأساليب الممكنة من أجل تحقيق ما يطمحون اليه، حتى لو كانت هذه الأساليب خسيسة وتعود على المجتمعات بالضرر البليغ.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب (مارك وبر Mark Weber): (رغبة هوليوود الجنونية لأجل كسب الأرباح الهائلة فيها تعكس أضراراً جسيمة على المجتمع، والسباق لأجل اكتساب أسواق ومبيعات جديدة في هوليوود تسبب في ترويج ونشر الرذائل وإنتاج ثقافة متدنية جدا وهذا في حد ذاته يعد أمراً سيئاً جداً، ويضاف إلى ذلك التاريخ الطويل لهوليوود في ترويج الأيديولوجيات والأهداف السياسية الطائفية والقومية... قال (ستيف آلين Steve Allen)[31] أحد اشهر الفنانين المحببين لدى الأمريكيين...”الجميع في الجناح اليساري واليمين والمعتدلين يعرفون بأننا نعيش في زمن سقوط الأخلاق والثقافة والكثير لا يريد أن يعترف بأن مسؤولية هذا شيء أيضا يقع على بعض وسائل الإعلام المرغوبة لدى الناس” وبرأيي “آلين” كان محقاً لأن هوليوود لها دور واضح في هذا الانحطاط الأخلاقي والثقافي في الولايات المتحدة الأميركية وكثير من دول العالم يتجاهلون ذلك)[32]. 

وعلى كل حال فإن إمساك اليهود بزمام هوليوود بات أمراً مسلماً به، يخضع له الرأي العام الأمريكي والعالمي على حد سواء، ويجاريه المستهلكون بكل رحابة صدر على ما هو عليه من استراتيجية تسعى لاكتساب السلطة وكثير من الهيمنة، لذا فليس من المستغرب أن نستمع إلى أحد منتجي هوليوود (جوئيل استين Joel Austin) وهو يكتب في مقالة له بصحيفة (لوس آنجلس تايم) قائلا: (كشخص يهودي أقول وبرفعة رأس وأريد أن يطلع الأمريكيون على ذلك: نعم نحن اليهود نسيطر على هوليوود... ولا يهمني ما هي وجهة نظر الأمريكيين حول سيطرتنا على الوسائل الأعلام وهوليوود و”وول ستريت” وإدارة الحكومة، الذي يهمنا هو وجوب واستمرار سيطرتنا على هذه المراكز)[33].

هوليوود والدين:

لم تسلم العقيدة الدينية ـ كأفكار وقيم ـ من استهداف هوليوود لها، في أسلوب ممنهج يؤدي بالضرورة إلى تحطيم الأديان أو إعادة تشكيلها في الذهنية الاجتماعية بشكل مشوّه يجعل أتباعها عاجزين تماماً في ساحة الصراع الحضاري، ونجد ذلك واضحاً مع مطلع القرن الواحد والعشرين إلى اليوم.

وعن طريق متابعتنا عينة من الأفلام الأميركيةذات الصدارة في الانتاج والتسويق التي أنتجت خلال عقد ونصف – تحديداً من العام 2000 إلى العام 2015- ظهرت لنا حزمة من الأفكار المضادة للأديان- وبخاصة الإسلام- التي ركزت هوليوود على تجسيدها وتناولتها بطرق مختلفة تصب في المضمون نفسه، مما يدل على محاولات جادة لبث تلك الأفكار بين الناس، وفيما يأتي ملخص لمجموع تلك الافكار[34]:

اللعب على وتر المآسي التي تتعرض لها البشرية، سواء تلك الناتجة من الكوارث الطبيعية أو الكوارث المفتعلة من البشر، وإثارة عواطف المشاهدين من خلالها لتدفعهم إلى اتهام الرب بالعبثية واللامبالاة، وتثوير روح التمرد والسخط على القضاء والقدر الإلهيين تبعا لذلك.

التشجيع المتواصل على مبدأ التحرر الفكري وتمجيد الحرية الشخصية واعتبارها مفتاح النهوض الانساني، واستثمار هذا المبدأ لرفض العبودية للرب ووسمها بالتحجّر ومخالفة العقل وقتل الطاقات الخلّاقة، وتشجّع هوليوود على ذلك بإظهار نماذج من الفكر العلماني الفاعل في العلوم الانسانية والتقنية مقابل نماذج من الفكر الديني المتصلّب الذي لا يؤمن بالتطور ولا يواكب الحياة.

وفي ذات المجال تحاول هوليوود إعادة ترتيب التاريخ البشري وفقا لما يمر به من مراحل من النضج الفكري، وتجعل الإيمان بالأديان في مرحلة تاريخية وسيطة بين عصر الأساطير وعصر التنوير، فتؤكد بذلك أن الإيمان بالغيب لم يعد نافعاً في هذه العصور لأنه لا غاية مفيدة منه لجعل حياة الناس افضل ـ إن لم يجعلها أسوأ- وإنما العلم التجريبي وحده هو من يجلب الرفاهية والراحة لهم.

ولخدمة ما تقدم من أهداف، تسعى هوليوود إلى تعميق الهوة بين الإيمان بالأديان وبين التطور العلمي التجريبي، وتجعل كلا الأمرين على طرفي نقيض جهد استطاعتها.

التركيز الشديد على نظرية داروين للنشوء والارتقاء، واعتبارها كلمة الفصل لبيان حقيقة وجود الحياة على الارض، وتتخذ من ذلك ذريعة لنفي وجود الرب، وعلى الرغم من الهفوات العلمية التي مُنيت بها هذه النظرية إلا أن هوليوود تستخدم غالبا أسلوب المصادرة على المطلوب من أجل إثبات أحقيتها والدفاع عن مضامين النظرية.

التركيز على معطيات الفيزياء النظرية الحديثة لتفسير وجود الكون، وهو أمر تنطلق به هوليوود من نظرية الانفجار العظيم التي أعلن عنها الفيزيائي الشهير (ستيفن هوكينغ)، وهي نظرية علمية أخرى – إلى جانب نظرية داروين- تستند إليها هوليوود لنفي وجود الخالق باعتبار توفر التفسير العلمي لظهور هذا الكون بما فيه.

تجعل هوليوود من التعصّب والتطرف صبغة أساسية للتديّن، وتجعل من التسامح مسألة تتناسب عكسيا مع مقدار الالتزام بالتعاليم الدينية أو ما يطلق عليه اصطلاح «الأصولية الدينية» في أدبيات الصحافة الغربية المعاصرة.

التمجيد باليهود وتاريخهم وترسيخ ظلامتهم وذم الطوائف التي تعاديهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن ذلك لا يلغي التسامح في تشويه بعض أدبياتهم الدينية وتاريخهم بشكل لا يرضي الطوائف اليهودية المتمسكة بالأصولية الدينية.

في حركة تبدو في صف الأديان، تعيد طائفة مهمة من أفلام هوليوود تجسيد التاريخ الديني الخاص بحياة السيد المسيح(عليه السلام) ولكن ذلك يؤدي في النهاية إلى فكرة الإيمان بالثالوث الإلهي وألوهية عيسى وفكرة الصلب للتكفير عن ذنوب أتباع المسيح.

المادية هي المنبع الأساسي الذي تنتزع منه هوليوود كل تجسيد للظواهر الغيبية التي تحدثت عنها الأديان السماوية، وبخاصة ما يتعلق بتجسيد الملائكة والشياطين والجنة والنار والقيامة.

 نفي مكثف لفكرة وجود الخير المطلق أو الشر المطلق في هذا الكون، ومن هذا المنطلق تجد أن الرب يمكن أن يكون شريراً في بعض الأحيان، في حين من الوارد جداً أن يكون الشيطان مثالاً للنفع والخير بالنسبة للإنسان.

ترسيخ محورية الدنيا، وجعل هذه الحياة هي الغاية والمقصد، وعلى هذا الأساس فإن الحياة الآخرة – مع فرض وجودها- لا تمثل سوى أطلال حياة على هامش هذه الحياة.

 استخدام سخرية الكوميديا الدرامية لتسخيف المعطيات الدينية، وقد سخرت هوليوود في الآونة الأخيرة من كل القضايا الدينية بما في ذلك المقام الإلهي والأنبياء والملائكة ولم تراعِ حدا في ذلك.

وعلى الصعيد ذاته، كثيرا ما تمزج هوليوود الأساطير الدينية الخرافية بمعطيات الأديان السماوية وتجعل إحداهما امتداداً للأخرى في كثير من الأحيان.

 الثقافة التوراتية والإنجيلية المتداولة طاغية في المسائل الدينية التي تتناولها هوليوود في أفلامها، وهي ثقافة في حد ذاتها سيئة لما تحتويه من ثغرات كبيرة لا تتوافق مع العقل والمنطق السليم.

خاتمة وتوصيات:

يقول الباحث وليد مهدي[35] واصفاً تأثير هوليوود في تشكيل الوعي الجماهيري: (في اعتقادي الشخصي هوليوود بمثابة الخيال في “مخ” المجتمع البشري ككلٍّ موحد، وحتى لو زالت الإمبراطورية العسكرية «الديمقراطية» الأميركية من الوجود، فأعتقد أن هوليوود ستبقى في القمة ولن يصل إلى مستواها الفني مكانٌ آخر في العالم، وربما سيكون لها دورٌ أكبر في تثقيف البشرية عبر سبكها للعلم والفن واللاهوت والتاريخ في قوالب ملوّنة متنوعة تعيد إنتاج الفنون والعلوم والتاريخ في وعينا)[36].

في مقابل هذا الفن المُؤدلِج ذي التأثير الضاغط على عقيدة الإنسان المتديّن وسلوكه، لا بد من أن يكون لدينا ما يدفع مغالطاته الفكرية ويفضح ألاعيبه الإعلامية، ويبين لدى المشاهدين – وبخاصة الشباب- التفافه على الحقائق البديهية والقيمية بطريقة لا تخلو من المكر.

على أن أفضل طريقة لصد خطر هذا الإنتاج المؤثر هو استخدام الأسلوب ذاته، أي بيان الحقائق من خلال الأفلام السينمائية ذاتها، وبالأسلوب البارع والمؤثر نفسه الذي يستهوي طبقات المجتمع كافة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن التجربة شاهدة على أن المجتمع يتأثر بالرسائل الفنية والإعلامية التي تقترب من بيئته والتي يؤدي أدوارها أشخاص من أبناء جلدته، بشرط أن يتوافر العمل الدرامي على أدوات النجاح ابتداء من السيناريو المُحبك مروراً بالتمثيل الجيد وانتهاء بالإخراج المحترف.

ولا يلغي ذلك دور البرامج التلفزيونية والجلسات النقاشية والندوات الثقافية والخطابات المنبرية والمنشورات الدورية في كشف خطر أفلام هوليوود وبيان طبيعة تأثيرها في الجانب العقائدي والاجتماعي، لذا لا بد من أن يركز المصلحون اهتمامهم بهذا الجانب لدرء خطره عقائدياً وسلوكياً في المرحلة الراهنة على أقل تقدير.

وعلى صعيد آخر، لا غنى لمفكرينا ومثقفينا عن الاطلاع العلمي المتخصص في المجالات العلمية الحديثة كالفيزياء النظرية وعلم الحياة (البايلوجي) وعلم الارض (الجيولوجيا) وعلم الفلك بمقدار ما يخدم الحقائق الكونية، لأنه غالبا ما يتخذ الملحدون الجدد من دقائق هذه العلوم مادة أساسية لتعبئة مغالطاتهم الفكرية لدعم الالحاد، وهو أمر طالما انعكس على السينما الأميركية في أعمالها الشهيرة.

ولا يخفى أن أكثر الشبهات التي تتعلق اليوم بالجوانب الغيبية تأتي من توظيف العلوم الحديثة لترويج الإلحاد، على عكس العهود القديمة التي كانت تتخذ من العلوم العقلية الصرفة وسيلة لهذا الغرض.

 لذا فان الاطلاع العلمي الدقيق على تلك العلوم يفيد كثيرا في مجال الرد بالمثل، إذ يمكن أن يوظف المطّلعون على دقائق تلك العلوم لإلهام الإنتاج السينمائي الذي يدعم العقيدة ويقوي أركانها في نفوس مجتمعاتنا.  

[1]- إريك بارنو: مؤرخ تلفزيون أمريكي، انتخب رئيساً لنقابة الكتاب الأميركية في عام 1957 وخدم في مجلس محافظي أكاديمية الفنون والعلوم التلفزيونية في عام 1978 أصبح رئيساً لمكتبة الكونغرس للصورة السينمائية، وقد كتب عنه رئيس التحرير السابق لمجلة نيوورك تايمز شيلدون ماير قائلا: «كان بارنو عيناً على الأوغاد والأشخاص الخطرين وقد بلغت عبقريته أجيالاً من الأمريكيين عبر موجات الأثير الإذاعي وعلى شاشات التلفزيون وفي قاعات الدراسات.

[2]- ينظر: المتلاعبون بالعقول لهربرت أ.شيللر: 96

[3]- هربرت شيللر: ناقد وعالم اجتماع وباحث أمريكي، حصل على درجة الدكتوراه عام 1960 من جامعة نيويورك، حذر من اتجاهين رئيسين في كتاباته الغزيرة والخطب: الاستيلاء الخاص على الفضاء العام والمؤسسات العامة في الوطن، وهيمنة الولايات المتحدة على الشركات التي تؤثر في الحياة الثقافية في الخارج، وبخاصة في الدول النامية. له ثمانية كتب ومئات المقالات في كل المجلات العلمية والشعبية جعلت منه شخصية رئيسة في كل من أبحاث الاتصالات وفي النقاش العام حول دور وسائل الإعلام في المجتمع الحديث.

[4]- المصدر نفسه ص118.

[5]- يقال إن أول دار سينمائية ناجحة أنشئت على يد الفرنسي «لويس لوميير» في العام 1895 في «المقهى الكبير» شارع «الكبوشيين» في «باريس» إذ شرع (لوميير) بعد اختبارات عدة اثمرت عن صناعته لجهاز أسماه «السينماتوغراف» ومنه اشتقت كلمة «سينما» ليحقق «لوميير» بذلك آلة عرض سينمائية تفوقت على تجارب سابقة في هذا المضمار، وفي أواخر سنة 1896 خرجت السينما نهائياً من حيز المخابر وتعددت الآلات المسجلة مثل آلات «لوميير» و»ميلييس» و»باتيه» و»غومونت» في «فرنسا»، و»أديسون» و»البيوغراف» في «الولايات المتحدة» وأمّا في «لندن» فقد أرسى «ويليام بول» قواعد الصناعة السينماتوغرافية حتى صار ألوف الناس يزدحمون كل مساء في قاعات السينما المظلمة (ويكيبيديا).

[6]- اطلق الناقد الفرنسي «ريتشيوتو كانودو» اسم (الفن السابع) على السينما، لأنها في نظره عبارة عن الفن التشكيلي في حركة.. تأخذ شيئا من طبيعة «الفنون التشكيليّة» وشيئا من طبيعة «الفنون الإيقاعيّة» في الوقت نفسه.

[7]- الدكتور حسن عباسي استاذ ايراني في العلوم الاستراتيجية، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية المذهبية.

[8]- اقتباس من محاضرة للدكتور عباسي القاها في قاعة مركز لارسباران الثقافي كمقدمة لتحليل المسلسلات الدرامية الاستراتيجية.

[9]- باحث اعلامي إيراني الاصل يحمل الجنسية الامريكية

[10]- هي الطبقة الخارجية من نصف كرة المخ، تتكون لدى الأنسان من ست طبقات من الخلايا العصبية، سميت بالقشرة الجديدة لكونها تقع في أعلى مراتب التطور في التصنيف العام للكائنات الحية. وتعقيد تركيبة الطبقات الست هو ما يميز الأنسان من باقي الكائنات الحية.

[11]- هو الجهاز المسؤول عن السلوكيات العاطفية والانفعالية والذاكرة المرتبطة بها.

[12]- مقال بعنوان (السيطرة الواسعة على الاذهان عبر شبكة التلفاز.. هل تملكون أفكاركم؟) لأكس انصاري نشرته مجلة سياحة الغرب في العدد 124- ترجمة: موقع سيستم يار / مجلة سياحت غرب.

[13]- الدعاية الترويجية للفيلم.

[14]- تقرير بعنوان (السينما واللاوعي والخطاب الشعبي للالحاد) نشرته مجلة البراهين في عددها الثاني 2014.

[15]- المصدر نفسه.

[16]- هوليوود عبارة بلدة صغيرة تقع في مقاطعة لوس اأجلس التابعة لولاية كاليفورنيا الأمريكية، أسست في العام 1853 كبلدة تستقطب المزارعين وأصحاب التجارة، ظهر عليها الاهتمام بصناعة السينما بشكل تدريجي بطيء منذ العام 1910، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى أصبحت هوليوود مركز الانتاج السينمائي، إذ بنيت فيها خلال الحرب استوديوهات ومختبرات سينمائية.

[17]- مدير معهد مراجعة التاريخ، درس التاريخ في جامعة إلينوي في شيكاغو وجامعة ميونيخ وجامعة الولاية في بورتلاند وحصل على درجة الماجستير في الآداب من جامعة إنديانا عام 1977. وعمل لمدة تسع سنوات رئيساً لتحرير النشرة الدورية لمعهد مراجعة التاريخ.

[18]- مقال بعنوان (ورقة أعمال هولييود و الأيادي الخفية خلف الكواليس) لمارك وبر نشرتها مجلة سياحة الغرب في العدد 122

[19]- سينما الدعاية السياسية للكاتب عبد الحليم حمود: 7

[20]- اقتباس لألكس انصاري في مقال (السيطرة الواسعة على الاذهان عبر شبكة التلفاز)- مصدر سابق

[21]- اقتباس من محاضرة ألقاها د.عباسي في قاعة مركز لارسباران الثقافي- مصدر سابق

[22]- ينظر: مقال تحت عنوان (كم خسر العمل الإسلامي بموت مصطفى العقاد؟) للكاتبة نجدت لاطة- رابطة أدباء الشام

[23]- كيث روبرت مردوخ: رجل أعمال أسترالي أمريكي يهودي، يعد قطبا من أقطاب التجارة والإعلام الدولي، وهو مؤسس ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة القابضة للإعلام الدولي نيوز كوربوريشن News corporation التابع لها قناة فوكس نيوز الاخبارية المشهورة بمناصرتها المطلقة لإسرائيل وعدائها الشديد للقضية الفلسطينية، وتعد شركة نيوز كوربوريشن ثاني أكبر تكتل لوسائل الإعلام في العالم.

[24]- ينظر: استراتيجيات الدعاية والحملات الإعلانية للدكتور أشرف فهمي خوخة ص 129

[25]- تقرير أورده موقع ساسة بوست تحت عنوان (تعرف على مدخولات كبرى شركات صناعة الأفلام العالمية) بتاريخ 8/2/2016

[26]- * سدوم: مدينة من مدن قوم لوط عليه السلام، وتقع في الأردن-بجوار البحر الميت الآن-، والذي لم يكن موجوداً قبل أن يمطر الله عز وجل قوم لوط بحجارة من سجّيل ويقلب ديارهم. ولقد كان في هذه المدينة قاضٍ مشهور بالجشع والجور، ضربَ العرب به المثل فقالوا: ( أجْوَرُ من قاضي سدوم ) وسبب جوره، أنه كان يأخذ من كل مَنْ يفعل الفاحشة أربعة دراهم!!

[27]- ينظر: مقال بعنوان (اليهود والسيطرة على صناعة السينما والتلفزيون والمسرح والثقافة والإعلان التجاري) نشره موقع طريق الاسلام بتاريخ 31/5/2006

[28]- ينظر: مقال(هولييود و الأيادي الخفية خلف الكواليس) – مصدر سابق

[29]- كتاب (اليهودية و الصورة الجديدة للأمريكا Jews and the New American Scene) للكاتبين الشهيرين (سيمور ليبست  Seymour Lipset و إيرل راب  Earl raab) من منشورات جامعة هارفارد / ص 27-26

[30]- ينظر: مقال(هولييود و الأيادي الخفية خلف الكواليس) – مصدر سابق

[31]- مذيع تلفزيوني أمريكي وموسيقي وملحن وممثل وفنان كوميدي وكاتب شهير جداً. قام بتأليف ما يزيد على 50 كتابًا وحصل على نجمتين في ممر الشهرة في هوليوود (Hollywood Walk of Fame) ومسرح هوليوود الذي أُطلق عليه اسم مسرح ستيف آلين تكريمًا له.

[32]- مقال (هولييود و الأيادي الخفية خلف الكواليس) لمارك وبر- مصدر سابق

[33]- How Jewish Is Hollywood? by Joel Stein- Los Angeles Times 19th December 2008

[34]- للاطلاع على دراسة العينات يرجى مراجعة بحث (هوليوود تستهدف الدين)- حيدر محمد الكعبي ومحمد علي العسكري- إصدار المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية- ملحق الرصد رقم 14- شباط / 2016.

[35]- كاتب وباحث عراقي يوصف بأنه ماركسي مجـدد يحترم ويجل الثقافة الإسلامية.

[36]- نشر في موقع الحوار المتمدن بعنوان (هوليوود وعالم ما بعد الموت) بتاريخ 13/10/2010