البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الدين والعلم ، تعريف في المعنى اللغوي والاصطلاحي وفي دلالات المفهوم والمضمون

الباحث :  خضر أ. حيدر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  13
السنة :  السنة الرابعةــ 1440هـ خريف 2018م
تاريخ إضافة البحث :  October / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  4179
تحميل  ( 384.159 KB )
يتضمّن البحث التالي في باب "عالم المفاهيم" تعريفاً عاماً بالقواعد والمرتكزات العامّة التي ينبني عليها كلٌّ من الدين والعلم. وهو قسمان، يتناول القسم الأول إطلالةً إجماليّةً على معنى الدين ومفهومه، وقد عرض الكاتب ما قدّمته الأدبيات الغربيّة في مجال علم اجتماع الدين، وما قدمته الأدبيات الإسلامية في تعريفها للدين وفقاً لما جاء في القرآن الكريم. أما القسم الثاني، فيتناول تعريفاً لمصطلح العلم من خلال ما جاء في التراث العالمي من مقاربات في هذا الشأن.
المحرر

يظلّ السؤال حول تعريف ما هو العلم وما هو الدِّين قائماً على الرغم من الكمّ الهائل من التعريفات التي اشتغلت عليها الثقافات الدينية المختلفة، فضلاً عن العلوم الإنسانيّة وخصوصاً الغربيّة منها.
ولكي نفهم نطاقَ العلم والدين وما هي التفاعلات بينهما، ينبغي أن نتوصّل على الأقل إلى فهمٍ تقريبيٍّ لهما فـ«العلم» و«الدين» ليسا مُصطَلَحيْن ثابتَين على الدوام وواضحَيْن. في الواقع، وُضِعَ هذان المصطلحان حديثاً وقد تغيّرت معانيهما عبر الأزمان والثقافات. قبل القرن التاسع عشر، نادراً ما كان يُستَخْدَم مصطلح «الدين»، وكان يعني هذا المصطلح بالنسبة لمؤلِّفي القرون الوسطى كتوماس الأكويني التقوى أو العبادة، ولا يمتدُّ إلى المنظومات «الدينية» التي اعتبرها خارجَ العقيدة الصحيحة بنظره. اكتسب مصطلحُ «الدين» معناه الحالي الأوسع بكثير من خلال مؤلّفات علماء الأنثروبولوجيا المتقدّمين كتايلر (1871) الذي قام بشكلٍ منهجيٍ بتطبيق المصطلح على الأديان الموجودة في أرجاء العالم.
 أمّا مصطلح «العلم» كما هو مُستَخْدمٌ في يومنا الحالي فقد شاع أيضاً في القرن التاسع عشر، وقبل ذلك كان يُشارُ إلى «العلم» على أنّه «فلسفةٌ طبيعية» أو «فلسفةٌ تجريبية». وحّد ويليام وِيويل (1834) مصطلحَ «العالِم» ليُشيرَ إلى مُزاولي الفلسفات الطبيعية المتنوّعة، وحاول فلاسفةُ العلم أن يفصلوا العلم عن المساعي الأخرى لاكتساب المعرفة وخصوصاً الدين. على سبيل المثال، ادّعى كارل بوبر (1959) أنّ الفرضيات العلمية (على خلاف الفرضيات الدينية) هي قابلة للإبطال بالمبدأ. يُؤكِّدُ كثيرون وجودَ فرقٍ بين العلم والدين حتّى ولو كانت معاني المصطلَحيْن طارئة تاريخياً، ولكنّهم يختلفون في كيفية الفصل بين الميدانَيْن بشكلٍ دقيق وعلى نحوٍ يعبرُ الأزمانَ والثقافات.
1: تعريف الدين لغوياً واصطلاحياً
أ- لغوياً: تتعدّد الدلالات اللغويّة حول معنى الدين، وحول الدلالة الذاتية لهذه المفردة في الحضارات الإنسانية المختلفة. إلا أن الوقوف على معناه في اللغة ضروريٌّ للوصول إلى معرفة ماهيّته. حتى أن بعض تعاريف الدين الاصطلاحية جاءت على غرار تعريفه اللغوي. فعلى سبيل المثال: قال كارل يونغ (Karl Gustav Jung) الطبيب والفيلسوف السويسري في تعريف الدين:
يمكننا تعريف الدين بالاستناد إلى معنى اللفظة في اللغة اللاتينية (Religion) بأنه: عبارةٌ عن حالة من الرقابة والتذكر والارتباط بجملة من العوامل الفاعلة، والتي يستحسن أن نسميها (العوامل القسرية).
مع ذلك ثمة دلالات مشتركة في استعمالات اللفظة في اللغات السامية، وهي في معنى المذهب، والضمير، والتعاليم، كما تقترب أيضاً من كلمة (دنتا)، وهي اللفظة التي ترددت كثيراً في اللغة السنسكريتية حيث ترمز إلى المذهب والمعتقد. وذهب البعض إلى القول بأن كلمة الدين كانت قد انتقلت إلى اللغة العربية عن اللغة الآرامية إذ كانت تدل في بادئ الأمر على معاني الانقياد والطاعة، وقد تدل أيضاً على الحكم والعقاب. أما في اللغة الإنكليزية فللكلمة (Religion) معانٍ متعددة منها: الالتزام، والتعاليم، والإذعان، وكذلك الإيمان بالآلهة أو بالله الذي خلق العالم، أو هي تلك التعاليم الخاصة بالعبادة، وكل ما ينبغي فعله.
ب- إصطلاحياً
يبدأ تاريخ الدين مع أشكال الديانات البدائية، وحتى المتكاملة منها، وهي تختلف أيضاً في تقاليد مجتمعاتها، من هنا تبرز الصعوبة في تحديد تعريف للدين، يجمع تلك الخصائص والمتغيرات كلّها، إلا أنّنا يمكن أن نشير إلى أبرزها:
أولاً: لا يمكن الجزم في تحديد قاسمٍ مشتركٍ لجميع الأديان.
ثانياً: لو افترضنا وجود القاسم المشترك، فسنكون أمام إشكاليتين:
إنّ تحريف بعض الأديان، وبعدنا الزمني عنها، سيمنعاننا من الوقوف على واقعها.
نفتقد – قبل أن نضع التعريف الجامع المانع – إلى ملاك ثابت، يحدد لنا مصداق الدين ويميّزه عن غيره، لنحدّد الأديان ونستنبط القاسم المشترك بينها.
ثالثاً: بما أنّ الدين ظاهرةٌ متغيّرةٌ، لذا ستتأثر الآراء بالأمزجة والميول الذاتية والجماعية.
ج ـ تعريف الدين في المصادر الغربية
في المصادر غير الإسلامية التي عنيت بتعريف الدين، قدّم الغربيون تعاريف مختلفة ومتشعبة لهذه المفردة، بحيث يصعب تناولها أو جمعها. بل ليس باستطاعة بحثنا أن يتطرق إلى طائفة منها؛ لذا سنذكر بعض أقسامها، مع ذكر منهجية (فيتغنشتاين) في تعريف الدين.
ما من شك في أنّ تصنيف هذه التعاريف أمرٌ لا يخلو من الصعوبة. والسبب يعود إلى أن التمايز بين كل تعريف وآخر واسع بما لا يسمح بوضعهما تحت مجموعة واحدة؛ ولهذا السبب أيضاً سترد التقسيمات المنهجية المتبعة من قبيل تقسيمات علم الظواهر، أو علم الاجتماع، أو علم النفس. أو يكون التقسيم وفقاً لآراء العلماء أنفسهم، من قبيل تعاريف علماء الاجتماع، أو علماء النفس، وحتى الفلاسفة... وفي ما يأتي أبرز الرؤى في علم اجتماع الدين الغربي:
الرؤية العقلانية (Intellectual isticdefinitions):
تركز تعاريف هذا الاتجاه على الجانب المعرفي للدين، بوصفه منظومة من المعارف، من قبيل ما جاء في تعريف (هاربرت سنسر): جوهر الدين هو الإيمان المطلق بالأشياء على أنها تجليات القدرة التي تفوق المدارك المعرفية.
الرؤية العاطفية (ِAffectivitic definitions):
وذلك من قبيل تعريف العالم الألماني فريدريش شلاير ماخر (FridrichSceleirrocer): الدين هو أن تمتلك إحساساً عارماً بالحاجة المطلقة لشيء ما.
الرؤية التطبيقية (Practical definitions):
وهي التعاريف التي تميل في الغالب إلى البعد العملي، كما في تعريف (ماتويو آرنولد): الدين هو تلك الأخلاق التي تكتسب حيويّتها من العواطف.
التعاريف المركبة (ompound/ Complex definitions):
وهي التعاريف التي تلحظ أركانها أكثر من بعد للدين، من قبيل قولهم:
الدين: عبارة عن معتقدات وواجبات، يتجه من خلالها بعض الناس إلى أهدافهم في الحياة.
ويفضل علماء الاجتماع التعريف التطبيقي على سائر التعاريف، وإن كانت بعض الانتقادات اللاذعة له، وقد جعلت من بعض الاجتماعيين يجنحون إلى المعطيات النظرية في مقابل العملية.
تعريف علم الأديان:
ظهر مصطلح (علم الأديان)، لأول مرة، ترجمة حرفيّة لكلمة ألمانية هي: (Religions wissenschaft)، التي استعملها ماكس مولر، عام 1868م، عنواناً لكتابه، وكانت تعني حرفياً (الدراسة العلمية للأديان)، ثم استعملها الفرنسي إميل بورنوف (E. Burnouf) في فرنسا عام 1870م، إسماً لكتاب ألّفه في باريس؛ ليصف به مجموعة متفرقة من العناصر الخاصة بدراسة الأديان، ويدعوها (علم الأديان)، وكان اسم كتابه هذا (La Science des religions).
يرى عالم الأديان الهولندي فان در ليو(Van der Leeuw) “أن ما هو موضوع في نظر الدين يصبح هو المحمول في دراسة علم الأديان، فالله هو الذي يعملُ في نظر الدين، بالنسبة إلى الإنسان. أما العلم، فإنه لا يعرف إلا عمل الإنسان بالنسبة إلى الله، وإن العلم ليعجز عن الكلام عن عمل الله” (العوّا: 1977م: 11).
وهذا يعني أن علم الأديان علم دراسة علاقة الإنسان بالمقدس، وما ينجم عن ذلك من تراثٍ شفاهي، أو مكتوب، أو معمول؛ إذ يدرس العلم هذا التراث، ويصل، من خلاله، إلى وصف وتفسير الشعور الديني.
أما إي. رويستون بيك (E. Roystone Pike)، فيعرّف تاريخ الأديان بقوله إنه “دراسةٌ علميّةٌ وموضوعيّةٌ تتناول ديانات العالم الماضية والحاضرة. وهذه الدراسة تتوخّى دراسة الديانات في ذاتها، واكتشاف ما يقوم بينها من نقاط تشابه واختلاف، واستخلاص مفهوم الدين بوجه عام، عبر ذلك، وإيضاح السمات المميزة للشعور الديني. وعلى هذا، إن (علم الأديان) مبحثٌ وسطٌ يقف بين التاريخ من جهة، وبين علم النفس وعلم الاجتماع من جهة أخرى” (العوّا: 1977م: 61).
ويرى جون باروزي (J. Baruzi) “أن تاريخ الأديان دراسةٌ علميّةٌ موضوعيّةٌ تتناول أديان العالم المختلفة، الغابرة والحاضرة، غرضها دراسة هذه الأديان، أولاً، والعمل، ثانياً، على كشف ما بينها من تشابه وتباين بغية الوصول إلى دراسة الدين بذاته؛ أي: مميزات العاطفة الدينية” (العوّا: 1977م: 12).
باختصار، إن علم الأديان هو أحد العلوم الإنسانية المعنيّة بدراسة الأديان دراسة علمية، وفق مناهج البحث التي وفّرتها العلوم الإنسانيّة ومناهجها، فهو يشبه علم الاجتماع الذي يدرس المجتمع، ويشبه علم الأنتروبولوجيا الذي يدرس بقايا الإنسان وثقافته، ويشبه علم الاقتصاد الذي يدرس حركة المال والبضائع والنظم الاقتصادية في التاريخ والعالم المعاصر...إلخ.
لا يمكن لعلم الأديان، ولا لأيِّ علمٍ آخر، أن يصل، تماماً، إلى معرفة جوهر أيّ دين، أو جوهر الأديان مجتمعة، بسبب ما يحيط الشعور الديني من غموضٍ يتّصل بالنفس وأعماقها من جهة، وبالنظر إلى الكون وأعماقه من جهة أخرى، لكن علم الأديان يحاول أن يقترب من الظاهرة الدينية، وجوهر الأديان، بوسائلٍ علميّةٍ وفكريّةٍ تجود بها طرق البحث العلمي في كلِّ زمان.
مفهوم الدين في التعريف الإسلامي
لا شك بأن التنوع والشمول في تعريف الدين يفرضان عدم وجود جهة مشتركة جامعة بين الأديان المختلفة، وهو ما ينفي إمكانية تقديم تعريف واحد للدين مبتنٍ على أساس القواسم المشتركة. ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه الإشكالية، لا مفر من العدول عن تعريف كلمة الدين إلى تعريف الدين المحدد الذي نعتقد به ونسلط الضوء عليه، فإذا هدفنا إلى إجراء تقسيمٍ كلّي عام للأديان وجدناها تنقسم إلى أديان إلهية وأخرى بشرية؛ أما الأديان الإلهية أو الوحيانية فهي التي تملك جذراً غيبياً، وترتكز أسسها على الوحي والرسالة الإلهية، بخلاف الأديان البشرية، فإن جذورها ترجع إلى الاحتياجات البشرية، وبالتالي فهي مصطنعة ومختلقة من قبل البشر أنفسهم.
لذا، فإن العناصر الرئيسية والبناء لمحتوى الدين ليست من نوعٍ واحدٍ بل هي مجموعة من الأمور التي تشكل بانضمامها شيئاً يسمى الدين الإلهي، وعليه يتشكل الدين المبني على الوحي من أصول ثلاثة هي:
أ- الحقائق والاعتقادات التي يطالب المتدينون بالإيمان بها، ويشكّل الإيمان بها أساس التدين، وهي: الله، وجود القيامة، الثواب والعقاب الأخروي (الجنة والنار)، وهذا القسم من الدين يسمى بالعقائد.
ب: الشريعة والمناسك، ويشكلان القسم الآخر للدين، وهذا القسم يشمل التعاليم المتصلة بكيفية الارتباط بالله تعالى وعبادته، وكذلك تنظيم العلاقات الحقوقية والمدنية والقوانين والمقررات المتصلة بآداب السلوك الاجتماعي، وكيفية تنظيم العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ج: الأخلاقيات، وتشتمل التعاليم والإرشادات المتعلقة بمعرفة الفضائل والرذائل الأخلاقية، والترغيب والحث والحضّ على التخلق والتأدب بها.
تعريف الدين في النصوص القرآنيّة 
نزل القرآن الكريم كتاباً للهداية والدين، ومصدراً أساسياً للمسلمين، ولهذا فإن نصوصه هي الأولى بشرح مفهوم الدين، وتحصيل معناه التام، وقد وردت كلمة (دين) في القرآن 93 مرة كاسم صريح (مضافاً، أو غير مضاف)، أما كجمل فعلية، فقد ورد ثلاث مرات فقط على الشكل التالي: 
أولاً: بمعنى المعتقد والديانة: بما يقرب من 65 موضعاً، إثنان منها على شكل جمل فعلية. فمن أمثلة الاسم الصريح، قوله تعالى: 
- (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).
- (لكم دينكم ولي دين) .
- وجاء على لسان فرعون (إني أخاف أن يبدل دينكم) .
يلاحظ في الآيات المذكورة أن كلمة الدين وردت بمعنى المعتقدات والديانة (إلهية وغيرها)، أي السنن والقوانين الحاكمة في المجتمع.
ثانياً: بمعنى الرسالة الإلهية الحقة، فقد وردت الكلمة مضافة إلى ما يبين الحق فيها، أو يستفاد ذلك من السياق، كقوله تعالى:
- (اليوم أكملت لكم دينكم).
- (وأن أقم وجهك للدين حنيفا) .
- (إن الدين عند الله الإسلام) .
أما أمثلة الجمل الفعلية فهي من قبيل الدعوة إلى اعتناق الدين الحق:
- (ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق).
 ثالثاً: بمعنى الطاعة وردت في عشرة مواضع منها:
- (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن).
أي: ومن أفضل طاعة ممن سلّم أمره لله .
- (دعوا الله مخلصين له الدين) .
رابعاً: بمعنى الأجر والجزاء وقد وردت في 19 موضعاً، منها:
- (مالك يوم الدين) .
- (الذين يكذبون بيوم الدين) .
يتضح من استعمالات النص القرآني لمفردة الدين أنها لم تتعدَّ معانيها اللغوية، كالتسليم والجزاء أو المعتقد.
4 ـ تعريف الدين في الأحاديث الشريفة
لقد تعددت دلالة هذه اللفظة في أحاديث المعصومين (ع)، نذكر منها:
1- بمعنى المعتقد: روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
“ثلاث خصال يقول كلّ إنسانٍ أنّه على صوابٍ منها: دينه الذي يعتقده، وهواه الذي يستعلي عليه، وتدبيره في أموره”.
وأينما وردت كلمة (أديان) في الأحاديث فهي بمعنى المعتقد.
2- بمعنى دين الحق: يقول الإمام علي (ع):
- “لا حياة إلا بالدين، ولا موت إلا بجحود اليقين”.
3- بمعنى التديّن وشروطه: يقول الإمام علي (ع):
- “الدين شجرة، أصلها التسليم والرضا”.
لقد قدّم علماء المسلمين آراءهم وتحليلاتهم في مفهوم الدين، انطلاقاً مما يحملونه من رصيد قرآنيٍّ وروائيٍّ. ويمكن تقسيم نتائج آرائهم إلى التالي:
أ ـ يعرِّف العلَّامة الطباطبائي (الدين) في “تفسير الميزان” في أكثر من مناسبة بأنه: أسلوب الحياة الاجتماعية، فقال في ما قال: “هو طريق الحياة الذي يسلكه الإنسان في الدنيا، ولا محيص له عن سلوكه”.
ب ـ ينص هذا القسم على أنّ الدين عبارةٌ عن منظومةٍ من العقائد والأخلاق والقوانين المتّبعة في صناعة المجتمعات الإنسانية، وتنشئة البشر.
ج ـ تعريف الدين في المعتقدات الإلهية النازلة، بهدف التنمية، ومؤدى ذلك أن الدين عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأحكام والأوامر الإلهيّة، بعث الله – عز وجل – بها رسله لهداية الإنسان، تحقيقاً لسعادته الدنيويّة والأخرويّة.
ووفقاً لهذا التعريف يتكون الدين من ركنين أساسين:
الركن الأول: الاعتقادات، كالاعتقاد بوجود الله الواحد العادل ذي القدرة المطلقة، وكذلك الاعتقاد بالمعاد وغيره...
الركن الثاني: المنهاج المتّبع في تحقيق الهدف المنشود، وهذا المنهاج يتمثل بالقوانين والواجبات والأخلاقيات، بالإضافة إلى الأحكام الفقهية.
د ـ ثمة فرق بين الدين ومفهوم التدين، ومع ذلك نرى بعض التعاريف لا تفرق بينهما، كهذا التعريف:
“الدين في الاصطلاح، يعني الإيمان بخالق للكون والإنسان، مع الامتثال لجملةٍ من الأوامر ذات الصلة. ولهذا ليس متديناً من لا يعتقد بوجود الخالق، ويرى أن العالم لم يظهر إلا صدفة أو نتيجة تفاعلات مادية وطبيعية”.
5 ـ الأصل القرآني للدين
يقوم الأصل الأول للدين في القرآن الكريم على أن الخالق تعالى أحسن صنع نظام الخلق فجعله النظام الأحسن وهو الحاكم على العالم. من وجهة نظر القرآن الكريم، يمثل “العالم الموجود” أفضل العوالم الممكنة، لأن الله تعالى قد أحسن كلّ شيء خلقه (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ)، كما لا يوجدُ في الخالقية الرحمانية أي خللٍ واختلال: (مَّا تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ).
يحكم على العالم نظامان: تأثيري وتدبيري، هما:
النظام “الطولي العلّي”، والنظام “العرضي الإعدادي”.
النظام الطّولي يتشكّل من سلسلة ٍمن العلل والمعاليل، والنظام العرضي يتكوَّن من شبكةٍ من المعدِّات والمستعدَّات. تبدأ سلسلة العلل والمعاليل، وطبقات العوالم ومراتب الوجود، بصورة “الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى”، من المستويات الأدنى لعالم الخلقة، وتنتهي إلى ساحةِ قُدسِ خالق العالم. والرابطةُ بين مراتب هذه السلسلة وحلقاتها رابطة وجودية، أي أنّ كلّ معلول محتاج إلى علَّته في أصل وجوده وحاقّ كينونته. أما في الشبكة العرضية، فتهيىء المعدّات الأرضيةَ لتأثّر المستعدَّات من العلل، والحقُّ تعالى يعمل إرادته ومشيئته الإلهية من طريق “الأسباب المادية الظاهرية”. 
ثانياً: يتمثل هذا الأصل للدين في القرآن الكريم بالاعتقاد بأن الله تعالى هو محور الوجود والتوحيد أساسه. وعليه، لا توجدُ مسألة وقعت محلًّا لاهتمام القرآن والأدبيات الدّينية الإسلامية بمقدار ما وقعت مقولةُ المبدأ والتوحيد. ولقد اختُصّ هذا البحث في النُّصوص المقدّسة الإسلامية من حيث كثرة الألفاظ وتكرار المفردات، وكذلك من حيث العمق والنطاق المعنوي، بأكبر حجمٍ ونصيبٍ لفظي ومعنوي. ولم يكن لبعثة النبي الأكرم (ص) محصَّلة أعظم وأعمق، وأوفر وأجلّ من التوحيد الإسلامي الخالص. الرؤية الكونية الإسلامية تتمحور في الله تبارك وتعالى، وتتأسّس على التوحيد. وفي ما يتعلّق بهذا الأمر، يمكن الإشارة بإيجاز إلى جملة مرتكزات أعلن عنها سبحانه في كتابه العزيز:
أ- إن الله حاضرٌ دوماً وفي كلّ مكان. وبتعبيرٍ أدقّ، ربُّ الأرباب خارج عن المكان والزّمان. وتدلُّ الآيات الآتية على هذا الأمر: {هُوَ الأَوَّلُ وَالأَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمُ}. {وللهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ اللهَ واسِعُ عليمٌ}. 
ب: مبدأ الوجود وغايته هو الله تعالى. العالم والإنسان “له” و“إليه”، أي أنّ الوجود لله، وهو يطوي المسير نحوه، وفي النهاية سوف يرجع إلى محضره تعالى. بعضُ الشواهد القرآنية هي الآتية:
(الَّذينَ إذا أَصابَتْهُم مُّصيبَةٌ قَالوا إنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). (اللهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). 
ج: الله هو الخالق، وهو الربُّ أيضاً. خلقُ العالِم والإنسان على عاتقه، وبيده تدبيرها وتربيتها كذلك، وهو ما فَتىء يواصل ذلك.يقول تعالى:(أَلا لَهُ الخَلْقُ والأَمْرَ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمينَ). (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ). (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأَرْضَ). 
د: كلُّ العالم هو عين الفقر والحاجة إلى الله، وإله العالم هو الغني المحض والمطلق. وهناك آياتٌ كثيرةٌ تؤيّد هذا المطلب منها قوله تعالى:{يا أيها الناس أنتم فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}.
هـ - كلُّ العالم مسخّرٌ لقدرته، وكلُّ الكائنات طائعةٌ له، وهذه الطاعة متحقِّقة في مقام التكوين، ومتوقَّعة في مقام التشريع، كما ورد في الآيات الآتية:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السَّمَواتِ والأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعونَ}. 
تعريف العلم:
معناه اللغوي والإصطلاحي والاستعمالي
1 - ماهية العلم (Science)
هناك كلمات في ثقافتنا يحظى ما تحيل إليه بدرجة عالية من التقدير، بحيث إنها نادراً ما تنطوي على إحالات مطلقاً. خذوا، مثلاً، "الواقع" و"العقل" و"الحقيقة". وخذوا الكلمة التي تبيّن بمرجعيّةٍ أكبر الأساس الثقافي للحديث باسم الواقع والعقل والحقيقة: العلم. يصدر ثبات الإحالة إلى حد ٍّما عن الطرق التي يضم فيها “العلم” بين ثناياه الوصف والتوجيه معاً. وعلى العموم يُعتبر من الجيّد أن يكون المرء علمياً ويتحدث باسم العلم، ولهذا السبب يدعي كثيرون أنهم يحملون هذا اللقب: علم العائلة، علم التغذية، علم الإدارة. وتصوّر كثير من الممارسات في الوقت الحاضر نفسها بأنها علمية أكثر من السابق.
في الوقت نفسه، هناك إحساسٌ بوجودِ أشياءٍ هي الآن أقلّ علميّة قياساً بما سبق. ففي بواكير الحقبة الوسطى، كانت الكلمة اللاتينية (sciential) تعني فقط المعرفة، التي غالباً ما كانت بمعنى متن المعرفة المنظمة نسقياً، المكتسبة من خلال المشاركة في فصل دراسي. يستعرض كتاب فرانسيس بيكون (De augmentisscientisrum) (الذي ترجم في القرن السابع عشر بصيغة: تقدم المعرفة) “تقسيم العلوم”، وكان يُفهَم منها أنها تضم التاريخ والفلسفة ومبادئ الأخلاق واللاهوت (الذي كان يعتبر تقليدياً “ملكة العلوم”) (Fisher, 1990). في عام 1660، حين أرادت “جمعية لندن الملكية” المؤسسة حديثاً أن تشير إلى أنهم لن يهتموا كثيراً بأشياء مثل التاريخ المدني وعلم السياسة واللاهوت العقائدي، فلم يصفوا عملهم بأنه “علم”، بل إنّه “تطويرٌ للمعرفة الطبيعيّة”. وخلال مساق القرن التاسع عشر، وبالذات القرن العشرين، طغى على “العلم”  بيان تلك الممارسات التي تنبع من الملاحظة والتجريب، ومن ثم صار يهجر التاريخ والفلسفة، ويترك العلوم الاجتماعية عنوان مجاملة، بموثوقية محدودة في الثقافة العامة أو بين العلوم الطبيعية “الخاصة” (Geertz, 2000). علاوة على ذلك، فقد نشأ نزاع حول السلطة العالمية للمنهج العلمي الطبيعي، وتنازعه أولئك “العلماء” الإنسانيون والاجتماعيون الذين حسبوا أن “العلوم الإنسانية” (Geisteswissenschaften) كان يجب أن ترفض إجراءات “العلوم الطبيعية” (Naturwissenschaften) وأهدافها.
من الناحية اللغوية، كان هذا المعنى الأكثر حصراً “للعلم” صنيعة الطريقة التي تطور فيها الاستعمال الإنكليزي وتغير في القرون الأخيرة. ومنذ القرن العشرين، وصولاً حتى وقتنا الحاضر، كانت صيغة الجمع الفرنسية “العلوم” (les sciences) تميل بدرجة كبيرة إلى الاعتراف بالمشابهات الإجرائية والمفهومية بين الجيولوجيا، مثلاً، وعلم الاجتماع، وحصل الشيء نفسه مع صيغة المفرد في الروسية (nauka) (ومشتقاتها السلافيات) والكلمة الألمانية (Wissenschaft) (ومشتقاتها الإسكندنافيات والألمانيات). وكان الاستعمال الإنكليزي يستخدم من قبل “العلم” بمعناه اللاتيني الحصري الأصلي (كما في المثل التشكيكي: “إذا زاد العلم، زاد الحزن”)، ولكن بحلول القرن التاسع عشر، لم يعد “العلم” في العادة بحاجة إلى الصفة المحددة “الطبيعي” لإظهار فكرة البحث المنهجي المنظم في الأشياء والظواهر والملكات التي تنتمي إلى الطبيعة في مقابل الثقافة.
2 - تصنيفات الإغريق للعلم
صنّف أرسطو فروع العلم المختلفة إلى: فروع نظرية، وفروع عملية، وفروع إنتاجية:
 - الفروع النظرية تشمل الرياضيات والطبيعيات والميتافيزيقا، وفي مقدمتها الفلسفة واللاهوت. وليس لهذه الفروع هدف سوى إدراك الحقيقة وتأمُّلها. 
- الفروع العملية هي الأخلاق والسياسة، وتُعنَى بتنظيم السلوك الإنساني. 
- أما الفروع الإنتاجية فتشمل الفنون.
والواقع أن أرسطو لم يشر إلى هذه القسمة صراحة، وإنما يمكن أن نستنتجها من إشارات مختلفة وردت في كتبه؛ فنجده في الأخلاق إلى نيقوماخوس مثلاً يقول: “لقد قسمنا فضائل النفس وقلنا إن بعضها فضائل للخُلق Character والأخرى فضائل للعقل Intellect... والحالات التي بفضلها تملك النفس الحقيقة بطريقة الإثبات أو النفي، خمس وهي: الفن والمعرفة العلمية والحكمة الفلسفية والعقل الحدسي”. ويمكننا انطلاقاً من هذه القسمة أن نفهم الأساس الذي بنى عليه ساتورن قسمته للعلوم عند أرسطو.
وتمتاز موضوعات الحكمة العملية بشكل عام بأنها ترتبط بالفعل، فـ “مجال العلم العملي هو المفعول أو ما يمكن أن يُفعل، أي موضوعات ونتائج وقرارات الإنسان الحاسمة لأن يفعل، أي إن هدف العلم العملي أن يفعل”. وبشكل عام يجب أن نلاحظ أن الحكمة العملية عند أرسطو معنيّة بتأسيس الأفعال الفاضلة سواءً على مستوى الفرد (الأخلاق)، أم على مستوى الجماعة (السياسة).
2ـ العلوم العملية:
تنقسم العلوم العملية إلى قسمين: علم الأخلاق وعلم السياسة: 
أ- علم الأخلاق:
تُعنَى الأخلاق عند أرسطو بشكل عام بدراسة سلوك الفرد من حيث ينبغي أن يكون سلوكاً فاضلاً، ويذهب إلى أن الخير هو غاية كل علم وفن؛ فيقول: “كل فنّ وكل بحث – وبالمثل كل فعل ومسعى – يُعتقَد أنه يهدف إلى خير ما؛ ولهذا السبب يتضح بحق أن الخير هو ما تهدف إليه كل الأشياء. لكنّ اختلافاً معيَّناً يكون موجوداً بين الغايات؛ فبعضها فاعليات، والأخرى منتَجات منفصلة عن الفاعليات التي أنتجتها من الفاعليات. والآن حيث يكون هناك أفعال وفنون وعلوم عديدة فإن غاياتها أيضاً عديدة. إن غاية فن الطب الصحة، وغاية بناء السفن السفينة، وغاية الفن الاستراتيجي النصر، وغاية الاقتصاد الثروة.
ويذهب أرسطو إلى أن الغاية النهائية هي السعادة؛ إذ يقول: “إن الشيء الذي نتمسك به [بوصفه غاية] فوق كلّ الأشياء الأخرى هو السعادة؛ لأننا نختار السعادة دائماً لذاتها، وليس لأجل شيء ما آخر، بل نختار كلّ الأشياء الأخرى من أجل السعادة”.
ب: علم السياسة:
ينظر أرسطو إلى السياسة على أنها جزءٌ من الأخلاق، بل إن هناك من يذهب إلى القول: “إنه يعتبر الأخلاق والسياسة أجزاء لبحث واحد”.
وبشكل عام ينظر أرسطو إلى الدولة على أنها اجتماعٌ لمجموعةٍ من الأفراد يهدف إلى تحقيق الخير؛ فـ “كل دولة هي بالبديهة اجتماع وكل اجتماع لا يتألّف إلا لخير”. ويُرجع نشأة الدولة إلى التطوّر الطبيعي للعلاقات الأسرية والاجتماعية.
ج: علم الفن:
نظر أرسطو إلى الفن الجميل على أنه محاكاة لعمل الطبيعة، لكنه ليس تقليداً أعمى له، بل هو محاولة من جانب الفنان للوصول إلى الصورة الكلية لاستكمال عمل الطبيعة بشكل مجاوز لها. ومن هذا المنطلق ذهب إلى أن “الفنان ينبغي عليه أن يؤْثر دائماً المستحيل المحتمل على الممكن غير المحتمل ويجب ألا تُؤلف القصة من أحداث غير ممكنة، بل يجب أن يستبعد منها كلّ ما هو غير ممكن.
العلوم النظرية:
العلوم النظرية عند أرسطو تشمل الطبيعيات والرياضيات واللاهوت، وأيضاً الفلسفة الأولى، وهذا النوع من الحكمة هو ما يستحقّ لفظ العلم على الأصالة من وجهة نظره:
1 - علم الرياضيات:
الرياضيات بشكل عام – من وجهة نظر أرسطو – هي ذلك العلم الذي يُعنى بدراسة الأجسام الساكنة دراسةً نظريّةً. من هذا المنطلق ينظر إلى الرياضيات على أنها “علمٌ نظريٌّ يتعامل مع الأشياء التي تكون ساكنةً لكن موضوعاتها لا يمكن أن تكون منفصلة”. أي إنّها  وإن كانت علماً نظرياً فإنها لا تعالج موضوعاتها بشكلٍ منفصلٍ تماماً عن الأشياء المادية؛ أي لا بد أن يكون لها تطبيق ممكن.
2 - علم الطبيعة:
علم الطبيعة عند أرسطو هو علمٌ معنيٌّ بدراسة الطبيعة دراسة نظرية بهدف معرفة المبادئ التي تحكم الأجسام المتحركة، وهو يقول: “هناك علم للطبيعة ومن الواضح أنه يجب أن يكون مختلفاً عن العلم العملي والإنتاجي؛ لأنه في حالة العلم الإنتاجي يكون مبدأ الحركة موجوداً في المنتج، وليس في الإنتاج سواءً أكان فنّاً أم ملَكة ما أخرى. وبالمثل في العلم العملي لا توجد الحركة في الشيء المفعول بل في الفاعل. لكن علم الفيلسوف الطبيعي يتعامل مع الأشياء التي تملك في ذاتها مبدأ الحركة. ومن هذه الوقائع يتضح أن العلم الطبيعي لا يجب أن يكون علماً نظرياً”.
3 - علم ما بعد الطبيعة “الميتافيزيقا”:
“هناك ـ كما يقول أرسطو ـ علم يبحث في الوجود بما هو وجود، والخصائص التي تنتمي إليه بفضل طبيعته. أما الآن فإن هذا العلم ليس شبيهاً بأيٍّ من العلوم المسماة العلوم الخاصة؛ لأنه لا يوجد من هذه العلوم ما يعالج الوجود بما هو وجود بشكلٍ عام... ومن الواضح عندئذٍ أن عمل العلم هو دراسة الأشياء التي تكون موجودةً من حيث الوجود... ومن ثم فإن فحص كل أنواع الوجود لما هو وجود هو عمل العلم الذي يكون علماً شاملاً، وفحص الأنواع العديدة هو عمل الأجزاء الخاصة بهذا العلم”. فهذا العلم إذاً يشمل جميع العلوم الأخرى.
في هذا المجال، يصرّ هيدغر في مواضع عديدة من كتابه (ميتافيزيقا أرسطو) على أن أرسطو لم يطرح صيغة البحث في الوجود بما هو موجود، وإنما يتحدَّث عن موضوع الميتافيزيقا بوصفه “البحث في وجود الموجود Sein des Seiende”.
على أية حال، يرى أرسطو أن النحو الأول من الأنحاء التي يوجد عليها الوجود هو الجوهر، سواءً أكان ذلك بالمعنى الأول أم الثاني؛ ومن ثم نراه يجعل معرفة الجوهر موضوعاً للفلسفة الأولى؛ إذ يقول: “إن ما يكون موضوعاً للمعرفة بالمعنى السامي هو علم الجوهر. ويجب أن يكون من طبيعة الحكمة؛ لأنه طالما أن الناس تعرف الشيء نفسه بطرقٍ متعدّدةٍ؛ فإننا نقول أنّ من يدرك ما يكون الشيء بواسطة وجوده كذا وكذا، ويعرف بتمام أكثر مما يدركه لا بواسطة أن وجوده كذا وكذا... ويعرف بتمام أكثر ممن يعرف ما يكونه الشيء”.
لأن التعريف “الرسمي” أو “الاجتماعي” للعلم ينحِّي جانباً المظهر التوجيهي، فقد رضيت قلّةٌ من المثقفين بترك القضايا هناك. وبُذلت جهودٌ لفصل العلم عن صور الثقافة الأدنى، ولجعل العلم متاحاً كنمطٍ تنبغي مضاهاته، وانطوت تقليدياً على تخصيص محتواه الذي افترض أنّه محتوى مفهوميٌّ فريد، ولا سيما منهجه الفاعل على نحو لا يبارى. مع ذلك، وعلى الرغم من الثقة المفرطة بالصور المختلفة للمنهج العلمي، الذي عُرض طوال القرون الماضية، فلم يحصل أبداً أن تم الاقتراب من إجماعٍ حول ما هو ذلك المنهج.