البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هايدغر ناقداً هيغل، الكينونة والزمان كمنفسحٍ للمساجلة النقدية

الباحث :  فرانك درويش
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  14
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 16 / 2019
عدد زيارات البحث :  1223
تحميل  ( 489.429 KB )
على أهمية النقود التي وجهت إلى هيغل في زمانه، وتلك التي قاربت نظامه الفلسفي بعد وفاته، تبقى متاخمات الفيلسوف الألماني المعاصر مارتن هايدغر "لهيغل والهيغلية" تحتل موضعاً مفارقاً في المراجعات النقدية لميتافيزيقا الحداثة.

في هذه الدراسة يسعى الباحث اللبناني البروفسور فرانك درويش إلى بيان العناصر الأساسية في نقد هايدغر للمنظومة الهيغلية. ورأى أنّ هذه العناصر  كانت ولما تزل محل سجالٍ في حلقات التفكير الفلسفي المعاصر، ولا سيما منها أطروحات: الكينونة والزمان والتاريخ والميتافيزيقا.

المحرر

-----------------------------

ما انتقده هايدغر في أعمال هيغل ربما أصبح معروفاً، على الرغم من تحفّظ البعض على ذلك، ومن تشابه فكر الفيلسوفَين في بعض النواحي[1]. هذا التشابه شمل عدّة موضوعاتٍ أهمها: الكينونة، الزمان، التاريخ، الحقيقة، والفلسفة. لقد رفَضَ هايدغر تجاوز الكينونة بالطريقة التي أوردها هيغل في بداية علم المنطق، معتبراً أنّها بالأحرى أكثر شيءٍ يستحقّ التفكُّر به. وانتقد اعتبار هيغل الزمان وِحدة الخارِج السلبيّة، فقال بأنّ الزمان يمثّل أفُق سؤال الكينونة الترانسندنتالي، ثمّ فنَّدّ مقولته القائلة بأنّ التاريخ هو عودة الروح إلى ذاتها، فأعاده بالأحرى إلى البَعث الدهري، وغير العقلانيّ للكينونة. أمّا الحقيقة، فدحض تحديدها الهيغلي كنتيجةٍ نظريّةٍ وأعادها إلى أصلها اليونانيّ ككشفٍ أو انكشافٍ ذاتي، (Unverborgenheit). وأخيراً، ليست الفلسفة بالنسبة لهايدغر بناءَ علمٍ أو العِلم الأعلى، بل عليها -وعلى العكس- أن تعود إلى البساطة، بل إلى«فِقر» (Armut) بدايتها[2].

  بالتأكيد يمكن تقصّي هذا النقد، أمّا بالنسبة إلينا، فما يهمّنا ليس إعادة وعرض هذا النقد أو التوسّع بإحدى مزاياه الخمس، أو لأنّه يعطينا ضوءاً جديداً نسلّطه على الهيغليّة اليمينيّة أو اليساريّة، أو لأنّه يعارض توجّهات هيغل  بشكلٍ لاذعٍ، بل لأنّ نقد هايدغر لهيغل عبارةٌ عن مرافقةٍ له في درب تفكّره بشكلٍ يبيّن أهميّة هيغل في تشكيل فكرٍ جديدٍ وهو فكر الكينونة والزمان. هذه المرافقة، بنوعيّتها الخاصّة، هي ما جعلت من قراءة إتمام هيغل للميتافيزيقا قراءةً بنّاءةً، إذ فتحت باب الفلسفة على مصراعيه ليدخل الفكرُ في تاريخٍ تجاوَز تقليدها. شكّلت فلسفة هيغل إذاً، وكما سنبيّن، شرطاً أساسياً لظهور فلسفةٍ جديدةٍ تبلورت في الكينونة والزمان، ثمّ توسّعَت لتشمل اللغة والتاريخ والإنسان والآلهة، وذلك بشكلٍ أصبح العمل الفلسفي فيه غير ممكنٍ دون الدخول في حوارٍ مع هايدغر.

كتابات هايدغر المخصَّصة لهيغل تناولت مشكلة الحضور (1929) وفينومينولوجيا الروح (1930) أوّلاً، ثمّ السلب (1938-1939)، فمفهوم التجربة (1942-1943)، وأخيراً، في سنة 1958، تعلُّق هيغل بالإغريق وطريقة استعماله لفكرهم[3]. ولكن، ما يهمّنا في هذه المقالة هو المحاضرة التي ظهرت مؤخّراً في سلسلة الأعمال الكاملة لهايدغر،[4] وعنوانها «هيغل ومشكلة الميتافيزيقا»، حيث يشرح مركزيّة هيغل، فيتبيّن لنا ضرورة قراءته نقديّاً، وبالتحديد قراءة علم المنطق، للانطلاق بفكر الكينونة والزمان[5].

كانت المحاضرة بحوزة ابنه هيرمان (Hermann)، وقد قدّمها لفرانسوا فيديي (François Fédier) بمناسبة عيد ميلاده الستّين، سنة 2000. ألقى هايدغر هذه المحاضرة في الثاني والعشرين من آذار، سنة 1930، أمام جمعيّة أمستردام العلميّة، أي بعد ثلاث سنين من ظهور (Sein und Zeit). وأمكننا بعد التمعّن فيها استخراج تأثير هيغل في تكوين هذا الكتاب وما تبعه، وهو تأثيرٌ يقوم على المرافقة النقديّة الخلّاقة لفكر فيلسوف يينا، (Iena). في هذا النقد تحرّرٌ وبناءٌ جديدٌ، وهذا ما سنُظهر معالمه وأعماقه في هذه الدراسة. علينا إذاً أن نحدّد فنسأل، قبل الدخول في تفاصيله: علامَ هو قائمٌ؟ وكيف سننظر إلى تفاصيله بشكلٍ يظهر فيه الانتقال من فكر هيغل إلى فكر هايدغر؟

النقد

عندما يقرأ هايدغر هيغل ناقداً، لا يقوم بذلك في سبيل «تجديد» الفلسفة، فالفيلسوف، مهما يكن، «يختنق ويخسر قوّته، في جوهره، ما إن نجدّده بطريقةٍ أو بأخرى».[6] نقد هايدغر لا يسعى إلى التوفيق بين فكر هيغل وتطوّر الفكر أو المجتمع أو العلم الحديث، ولا يريد أن يموضعه بشكلٍ يتناسق مع تفاعلاتٍ جديدةٍ، فيخنق التجديد عمق فكر موضوعه. لا يبحث هايدغر عن هيغليّةٍ حديثةٍ كما كان هناك أفلاطونيّةٌ حديثةٌ. ما هو النقد هنا إذاً؟  

هو أوّلاً حوارٌ متسائلٌ مع هيغل، والتساؤل لا يقتصر على تحديد سؤال هيغل، بل يبحث عمّا لم يُسأل في فلسفة هيغل، ليس لأنّه لا يخصّها بل لأنّه في صميمها كسؤالٍ حصل تغييبه، لا فقط عند هيغل بل في تاريخ الميتافيزيقا بأجمعه، تاريخٌ أتمّه هيغل أو سعى إلى إتمامه في «العِلم»، (Wissenschaft). السؤال يخصّ إذاً قلب الفلسفة الهيغليّة، وهو قلبٌ سمح ببنائها وإقامة تركيباتها، وفي هذا القَلب نقصٌ تساؤليٌّ يخصّ الأساس الّذي تقوم عليه ولا تدخل في أصولِه: «الميتافيزيقا الّتي تبلُغ تمامها هي الّتي يبقى سؤال الميتافيزيقا الأساس خارجاً عنها[7].» سننظر إذاً إلى السؤال الأساس وتفسير غيابه لاحقاً في هذه المقالة.

والنقد ثانياً، هو انتظارٌ متفكِّرٌ لتجلٍّ كاشفٍ، يبدأ من البداية، وهذه البداية هي قمّة فلسفة هيغل، أي المنطق الهيغلي: علينا أن «نسعى إلى اختراق هذا العمَل، أي الابتداء بالفعل من بداية هذا المنطق[8].» عند ذلك، وعنده فقط، «ما يشكّل خصوصيّته يظهر بوضوحٍ بشكلٍ يكفي لقراءته[9].» الفكر الّذي يرافق هيغل متسائلاً، يبدأ تساؤلَه مع هيغل، حتّى يظهر له في سياق عمله ما هو موجودٌ في البدء، ما يستحقُّ السؤال لكونه أساسيّاً، وقد غاب وغيِّب. هذا مشروع هايدغر في وقتها، وقد تابعه حتّى أواخر خمسينات القرن المنصرِم.

  النقد الخلّاق نكشف عنه هنا ونتابعه في طريقه، لنجد ما يولّده ويبيّنه. سنتناول ما يميّزه من خلال النظر في تشعّباته المترابطة في توجّهها نحو فكرٍ جديدٍ هو الفكر الهايدغري، فنبدأ بمفهوم إتمام الفلسفة، ثمّ ننظر في مشكلة الروح، فالسؤال الأساس في أصل الفلسفة، فانفتاح سؤال الزمان ثمّ سؤال ماهيّة الإنسان. تشكّل كلّ من هذه المحطّات في الوقت ذاته مراحل نقديّةً وانطلاقاً واجباً نحو فكرٍ فلسفيٍّ جديدٍ.

الإتمام

المعروف عن هيغل ما رفعه هو نفسه كشعارٍ وما ارتفع به من بعده الهيغليون اليساريّون واليمينيون، ألا وهو أنّ فلسفة هيغل أتمّت الفلسفة، أي الميتافيزيقا وتاريخها، بأجمعها.

أوّلاً ليس إتمام الفلسفة مرادفاً لنهاية التاريخ، كما عند فوكوياما مثلاً[10]، وليس الهدف هنا الدخول في المناظرات العديدة الّتي أدّى إليها هذا الموضوع ولا يزال. ما يهمّ هايدغر هو التمعّن بما يجعل من فلسفة هيغل إتماماً للميتافيزيقا، كما أبرزه لاحقاً في محاضرة «هيغل والإغريق[11]». لهذا السبب ينظر بالتحديد، في محاضرة «هيغل ومشكلة الميتافيزيقا»، إلى علم المنطق: «ميتافيزيقا هيغل هي «منطقٌ» وكونها منطقاً هو بالضبط ما يجعل منها إتماماً لميتافيزيقا الغرب[12].» هذا الإتمام يعني به هايدغر «الوصول بكلّ المحاولات والمواضيع الأساسية، الّتي ظهرت في سياق تاريخ الميتافيزيقا، إلى أبعد نهاياتها والجمع بينها وصياغتها في مجموعةٍ متوازنةٍ ومتماسكةٍ[13].» هذا بالفعل ما يؤكّده هيغل نفسه في علم المنطق: «علم المنطق، الّذي يشكّل الميتافيزيقا الأصيلة أو الفلسفة التأمليّة المحضة، تمّ تجاهله حتّى اليوم[14].» لا يحمل المنطق هنا معناه التقليدي: «ليس من المسموح (dürfen wir) التفكير هنا بذلك الفرع التقليدي من المعرفة. بل على هذا المنطق أن يزول[15]،» وذلك لأنّه «علم قوانين الذهن والعقل الضرورية… علم شكل الفكر فقط[16].» يعني هايدغر بذلك طبعاً، في هذا التذكير بتعريف كانط له، أنّ المنطق التقليدي لا يهتمّ بمادّة الفكر، أي بالكائن في وجوده العَينيّ. من هنا الانقلاب الكامل للمنطق عند هيغل، من ابتعاده عن الكائن في التقليد – «مبدئياً ونهائياً يستبعد المنطقُ [التقليدي/المدرسي] الكائن[17]» – إلى توجّهه الضروري نحوه : يؤكّد هيغل منذ بداية علم المنطق أنّ كتابه يخصّ «الكينونة» الّتي هي «المباشَر اللامحدَّد[18].» انتقل المنطق مع هيغل إذاً من الشكل إلى الكائن. ولكن، ما هو هذا الكائن؟ هل هو الكائن العينيّ كما نجده في المقطع 29 من (Sein und Zeit) مثلاً[19] ؟ يمكننا الإجابة بوضوح: كلّا. وهنا بيت القصيد.

  يذكّرنا هايدغر أنّ انتقال المنطق بهذا الشكل مع هيغل مسلّطاً أنظاره على مسألة الكينونة – وإن يكن في صلبها العدَم والتغيّر– يبقيه في الميتافيزيقا بامتياز: «هذا المنطق لا يتناول الفكر [بمعنى الفكر المستقلّ عن الكيان في المنطق التقليدي] بل الكينونة. نعم! ولكنّ الكينونة هي موضوع الميتافيزيقا. ما أن يبدأ المنطق حتّى نجد أنفسنا معه في صلب الميتافيزيقا[20].» تبدُّل المنطق مع هيغل لم يوصله إذاً إلى العينيّة بل وضَعه في مجال الكينونة كما حدّدتها الميتافيزيقا. قد ترك هيغل فكر المنطق المدرسي، سواءً الأرسطي منه أو الوسَطي أو منطق بور روايال (Port Royal)، ولكنّه دخل بمنطقه في فكرٍ بقي في كونيّة مفاهيم الميتافيزيقا. «موضوع» منطق هيغل «هو الفكر»، بمعنى «الفكر الّذي يتصوّر [المفاهيم]»، أي الّذي «يحوّل نظره إلى ما يتصوّره، وهو ليس هذا المتصوَّر (Begriffene) أو ذاك، بل فعل تصوّر الأشياء (Dinge)، [تصوُّر] الكائن بذاته[21].» مسألة الفكر عند هيغل هي بالتالي مسألة مفهوم الأشياء وما يفكّر بالأشياء كحقائق بمعنى ال(realitas)» أي «ما تسمّيه الميتافيزيقا التقليديّة أيضاً ب(essentia)، الجوهريّة[22].» من هنا قول هيغل في مقدّمة علم المنطق: «الجواهر (Wesenheiten) المحضة تشكّل مُحتَوى المنطق[23].» هذه الجواهر هي حقيقة الأشياء، أي حقيقة الكائن، أي، بحسب قول هيغل، «اللوغوس، عقلانيّة الموجود[24].» المنطق، باختصارٍ، فكرٌ يمكّن كينونة الكائن. هو ليس استخداماً كغيره للّغة ينظّمها، بل هو اللوغوس بذاته، يرتفع فوق كلّ قولٍ ويحتضن الكلّ في آنٍ واحدٍ. تصبح الصورة كاملةً إذا ما أضفنا ما يقوله هايدغر لاحقاً في المحاضرة، عند تناوله للميتافيزيقا في ذروتها الهيغلية: في هذا الإتمام الكامل الميتافيزيقي، «الكائن الأعلى، (ens realissimum)… يجمع في ذاته كلّ الوقائع، كل الجواهر، هو ما يمكّن وجود ما هو بالفعل. عندها أصبحت الميتافيزيقا كمنطق العقل المطلَق لاهوتاً تأمّليّاً[25]». إتمام الميتافيزيقا يؤدّي إلى الكائن الأعظم، ذروة الكائنات، (summum ens)، وسبب ذاته، (causa sui)، كما سيقول هايدغر لاحقاً في تفكيكيه لتاريخ الميتافيزيقا[26].

نستخلص الآن أنّ إتمام الميتافيزيقا مع نظام هيغل، «ليس... بمعنى أن تكون كلّ الأسئلة قد حُدِّدَت ووجدَت جواباً نهائياً لها»، بل هو، وهنا نقد هايدغر الواضح الملحّ، «إتمام تساؤلٍ لم يكن لموقفه في البداية كلّ الأصالة المرجوة[27].» مع هيغل تصل الميتافيزيقا إلى ذروتها، حتّى إنّها تُدخِل في ال(Λόγος)، لوغوس (الكلام/اللغة)، الّذي يقفِل الحلقة، أي النظام بأسرِه، على ذاته، كلَّ الموجودات، فيصبح اسم الكائنات ككلّ الكينونة. يبقى خارج أسئلة الميتافيزيقا السؤال عن التوجّه الّذي قد اتّخذته منذ البداية نحو الكائن، دون أن تسأل ما هي كينونة الكائن. إتمام الميتافيزيقا هو إتمام توجّهٍ معيَّنٍ للسؤال الأرسطي عن كينونة الكائن[28] يصل إلى الكائن الأعلى والفكر الحاضن لكلّ الكائنات، تاركاً السؤال عن معنى الكينونة وراءه، ملتحفاً بالنسيان. دفع هذا الاكتشاف هايدغر إلى التحرّي عن الكينونة ومعناها وتوجّهاتها، وعن الفارق الأنطولوجي بين الكينونة والكائن[29]، وحقيقة الكينونة[30]. 

الروح

الإتمام عمليّةٌ. هو يُدخِل المنطِق، كما رأينا، في ديناميكيّةٍ تجعل منه مسألة تحوّلٍ وتغيّر. هذه الديناميكيّة الّتي مكّنَت تحريك المفاهيم المنطقيّة هي من عمل الروح، فتوجّب تناول هذا المفهوم وتبيين تداعيات النقد الهايدغري له.

الروح كما يريدها هيغل، هي فعل الفكر، اللوغوس، ديناميكيّته الخلّاقة عبر التاريخ، تعطي التاريخ والفكرة أوجههما، كما تظهر في الفنّ. الروح في فعلها تحلّ التناقض بين الفاعل/الذات والمفعول/الموضوع: «جوهر العقل روحٌ… الروح تيُعرّف نفسه كعلاقة العالِم بالمعلوم، يعرف نفسه في التناقض الّذي تشكّله الكينونة الواعية… يأخذ التناقض إلى قلب ذاته… في الروح يتمّ تجاوز التناقض بين الذات والموضوع».[31] هذا الحلّ هو في نهاية المطاف تصالح الهويّة المتمزّقة مع ذاتها، ما يعني اكتشاف وتعزيز «الانتماء المشترَك [Zusammengehِrigkeit] للأنا واللاأنا، للفكر والطبيعة، للذات والموضوع[32].» يكون هيغل بذلك قد ارتفع بالتناقضات في تاريخ المعرفة والميتافيزيقا وحقّق التوافق بين الداخل والخارج، وأخرج الفكر من عزلته المنطقيّة والميتافيزيقية والإبستيمولوجية.

ينتقل الروح، في تاريخه المتّجه نحو التوفيق بين التناقضات المذكورة، من الوعي بشكله ومعناه العامَّين، وهو يركّز على الكائن الموجود أمامه، «في نفسه»، وهو الوعي ككينونةٍ، إلى الوعي بالنفس، أي التفكير العكسي بالنفس، التفكير «لنفسه»، وهو الوعي كجوهرٍ، ثمّ أخيراً إلى العقل، وهو التوحيد بين الوعي والوعي بالنفس، هو «في نفسه ولنفسه»، وهو الوعي كمفهومٍ[33]. يعني كلّ ذلك في نهاية المطاف أنّ الروح «قد ارتفع عن نسبيّة التنافر بين الذات والموضوع» [34]، أي هو قد توصّلَ إلى أنبل القمم الوجوديّة والفكريّة، أي الحرّيّة، بل وهو الحرّيّة بذاتها، في عمله المتواصل نحو التجاوز والوصول والإتمام للذات: «تصوُّر الذات لنفسها، هو الحرّيّة[35].» ولكن، في كلّ ذلك، في صلب فعل الروح الهيغليّ، هناك، كما سنرى، تناسٍ أساسيّ لا مفرّ منه لكونه من صميم المنهج الهيغلي.

نلمح أوّلاً أنّ حلّ التناقض بين الذات والموضوع ليس حلّاً نهائياً أو إيجاداً لما يحلّ مكانهما فكريّاً بشكلٍ يتجاوز المقولات الميتافيزقية والميتافيزيقا عامّةً، بل هو حلٌّ يضع التناقض جانباً، فيرتفع به، وبالتالي، في هذا العلوّ، يحتفظ به، موحّداً[36]. أمّا هذا الوضع جانباً والارتفاع الّذي يتبعه فهما ثمرَة إدخال السلب الفاعل في المنطق الأنطولوجي. نلمح مشكلة هذا السلب هنا، ويحدّدها بشكلٍ أوضح هايدغر في سنة 1958: ما يسمّيه هيغل «بالسلب الّذي يتّصل بنفسه»، ليس بالحقيقة سلبياً. «سلب السلب هو بالأحرى ذلك الموقع الّذي يفرض الروح نفسه فيه كمطلَقٍ، بفضل عمله[37]». بمعنى آخَر، هذا الروح، على الرغم من ديناميكيته الموفِّقة بين الثبات والحركة، المقولات والموجودات، يؤدّي في آخِر المسار إلى المُطلَق بوصفه غايته العُليا: «جوهر العقل، ماهيته، حقيقته، هو الروح»، وهو، في تجاوزه لنسبيّة التعارض بين الذات والموضوع، «لم يعُد يخصّ واحداً دون الآخَر، بل ما يجعل النسبيّة ممكِنَةً،  وهو إذاً المُطلَق[38].» مفاد ذلك أنّه على الرغم من إقحامه التغيّر، أي التاريخ، في الميتافيزيقا، مجدِّداً قوّة ودور المنطِق في الفلسفة، ومُحدثاً زلزالاً في الفكر حرّك ركائزه محوّلاً فيها، غابت عن هيغل عينيّة الأشياء، أي وجودها ههنا. نبقى إذاً، مع هيغل، في الميتافيزيقا كما تبلورَت ابتداءً من اكتشاف أوغوسطينُس للإنسان الباطن ثمّ بالأخصّ في الحداثة الفلسفيّة في التأمّلات الديكارتيّة، أي في اليقين. يفسّر هايدغر في فترة كتابته «هيغل ومشكلة الميتافيزيقا» ذاتها، في الدورة التعليميّة في فرايبورغ (1930-1931)،  معلّقاً على فينومينولوجيا الروح: «فينومينولوجيا الروح لهيغل هي... العَرْض الذاتي المطلَق الّذي يتطلّبه الإشكال الموجِّه والأساسيّ للفلسفة الأوروبية... والعقل (ratio، لوغوس)… وجد هيغل الفاعليّة في الروح المطلَقِ[39].»

  مع التغييب الضمنيّ للعينيّة وراء التغيّر المتّجِه نحو المطلَق هناك توجّهٌ لا يسائل أساس العينيّة، أي كونها متناهيةً. هناك بالطبع -ولسبب اهتمام منهج هيغل بالتاريخ والتغيّر- توجّهٌ متعمّدٌ وأساسيٌّ نحو المتناهي، جاعلاً منه أحد اهتمامات المنطق المحرِّك/المتحرِّك الأساسيّة. ولكن، وهنا بيت القصيد، المتناهي ليس هدف الفكر الهيغلي بل هو ما يجب تجاوزه. فيؤكّد هايدغر في الدورة التعليمية ذاتها: يسعى هيغل، في فينومينولوجيا الروح إلى «تجاوز المعرفة المتناهية مستولياً على المعرفة اللامتناهية[40].» اللامتناهي يظهر عندها لا كنقيض المتناهي، ولا كاستحالةٍ للتحديد العينيّ، بل كحقيقة المتناهي التي تبيّنها ديالكتيكيّة الأطروحة-النقيض-التوليف : «اللامتناهي الحقيقي للمتناهي، عند هيغل، هو الانتماء المشترَك للسعادة والحزن[41]»، أي ما يوفّق بين اليقين الحزين واليقين السعيد، كما يظهران في فينومينولوجيا الروح. علم المنطق هو تتويج وتحقيق هذا التوافق في أعلى ما يصل إليه، أي في اللوغوس كقول وفعل المطلَق. ما بدأ من الفكرة وأدخلها في التاريخ ترك العينيّة في نهاية المطاف جانباً، وترك معها السؤال عن المتناهي، ليصل إلى قمّة الميتافيزيقا، أي المطلَق، يحقّقه في الفكر والعمَل ولا يخرج منه، وتبقى الهيغليّة في الميتافيزيقا بامتيازٍ.

السؤال الأساس

  هذا الانكماش الحادّ الّذي تفرضه الميتافيزيقا في تاريخها، بقي فيه هيغل كذروةٍ وكونيّة، لأنّه لم يسأل السؤال الأساس، ال(Grundfrage) الّذي تتضمّنه. هنا تكمن حقيقة التساؤل عن هيغل كتساؤلٍ مرافقٍ له، كما حدّدنا في البداية: «مع هيغل، نسأل هذا السؤال الأساس[42]…» ونسأل الآن : ما معنى ذلك؟ ما هو هذا السؤال؟ وما الّذي حصل له في الميتافيزيقا كما نعرفها؟

ما يميّز السؤال الأساس هو أنّه «ما أن نسأله بالفعل، حتّى يجعل من الميتافيزيقا مشكلةً، ما يؤدّي إلى تحويل الفلسفة بكاملها[43]». السؤال الأساس، ليس إذاً السؤال المؤسِّس فقط، ليس معناه معنى ما بُنِيَ عليه فقط، لا يبقى فقط في داخل الميتافيزيقا وتطوّرها. نعم، هو أساسٌ حصلَت منه انطلاقةٌ أعطت الميتافيزيقا وما ارتكز عليها، ولكنّه أيضاً أصلٌ أوّلُ حمل الإمكانيات الفكريَة التي لم تأخذها الميتافزيقا في توجّهها الصارم على عاتقها. لهذا السؤال هنا ميزتان علينا التشديد عليهما: هو أوّلاً سؤالٌ يخصّ الميتافيزيقا بأسرها، وثانياً هو سؤالٌ ما أن نتعرّف إليه فنسأله مجدَّداً حتّى تتحوّل الفلسفة، بل وقد تختفي الميتافيزيقا في طيّات تساؤلاتها الجديدة، فيكون السؤال الأساس التحضير لفكرٍ آخَر، أكثر أوّليّةً وأصالةً.

السؤال هو سؤالٌ فلسفيٌّ بامتيازٍ، بل هو أهمّ أسئلة الفلسفة بما أنّه تفسيرٌ يذهب «إلى  أعمق الحاجات الطارئة الملازمة لوجود الإنسان[44].» السؤال «يخصّ الكائن ككائن: هو يهدُف إلى كينونة الكائن… سؤال الميتافيزيقا الأساس ليس «ما هو الكائن ككائن؟»، بل «ما هي الكينونة ككينونة؟» باختصار : سؤال الميتافيزيقا الأساس هو الّذي يسأل عن جوهر وعمق جوهر ما يجعل الكائن يكون ككائن، مهما يكن الكائن ومهما تكن طريقة وجوده[45]». هذا السؤال لم تسأله الميتافيزيقا منذ بدايتها، أو جاوبت عنه دون أن تسأل عمّا يحمل جوابها من تساؤلٍ هو في صلب الكينونة، فكان جوابها انحجاباً أكبر للسؤال الأساس. جاوبت الميتافيزيقا : «الكينونة هي  οὐσία (أوسيا/جوهر)، [و]هذا الجواب بقي خارج التساؤل؛ لا سؤال بعد ذلك إلّا عن معرفة ما هي ال οὐσία (أوسيا/جوهر)، وكيف يمكن تحديدها بشكلٍ أكثر دقَّةً[46].» فبقيت الكينونة بذاتها خارج السؤال طوال تاريخ الفلسفة. أمّا في إتمام الفلسفة في ميتافيزيقا هيغل، فبقي «في الحقيقة هذا السؤال بالضبط غير مسؤول، كما كانت الحال في كلّ الميتافيزيقا من قبله[47].» قد بقي هيغل في السؤال عن ال οὐσία (أوسيا/جوهر) دون أن يدخُل في الكينونة بذاتها. بقيت الكينونة عنده مبنيّةً على الοὐσία (أوسيا/جوهر)، واضعاً هيغل إياها كموضوع للمعرفة الخالصة، أي المطلَق، الّذي -كما رأينا- يحتوي فيه اللامتناهي على المتناهي، أي على التاريخ، وينهيه.

من هنا بالطبع الحاجة إلى تكرار وإعادة السؤال، بدءاً من الاتّجاه الّذي أخذته ال(Leitfrage) (السؤال الموجِّه/المرشِد)، وذلك بشكلٍ يبيِّن لأوّل مرّةٍ ما هو مخفيّ في باطنها: «الإمكانيّة الوحيدة المتبقيَّة هي إعادة السؤال الموجِّه التقليدي – ما هو الكائن؟ – ولكن على شرط أن يقود السؤال إلى التساؤل الكامن والمخفيّ فيه، لكي يتبلور ويحصل السؤال العينيّ عن الجوهر والعمق الّذي يتجلّى فيه جوهر الكينونة[48].» فيقول هايدغر، في الفترة ذاتها: «… الإشكال الموجِّه للفلسفة القديمة هو السؤال (τί τὸ ὄν)، ما هو الكائن؟، وهذا السؤال الموجِّه، يمكننا أن نحوّله إذا ما فرضنا عليه في البداية الشكل الأوّليّ للسؤال الأساس: ما هي الكينونة؟[49]». هذا التحوّل يصبح لاحقاً وثبةً نوعيّةً عند هيادغر، ولكن نبقى هنا في ما حصل قبل الكينونة والزمان ومكَّن كتابته[50] : التحوّل هو في التركيز على الكينونة بدلاً من الοὐσία (أوسيا/جوهر). الّذي يحصل عندها هو مركزيٌّ وضروريٌّ لقيام فكرٍ جديد.

ما يحصل بالفعل في هذا التحوّل هو تجلٍّ، ذلك التجلّي الّذي أراده هايدغر في بداية المحاضرة: «البدء بالفعل من بداية هذا المنطق. وعندها، ما يميّزه يقفز أمام أعيننا بشكلٍ يمكننا قراءته بوضوح[51].» يسأل إذاً هايدغر: «ما هو جوهر الكينونة...؟ ما هو العمق الّذي يمكن لهذا الفهم أن يقوم عليه؟» والجواب واضحٌ الآن، متجلٍّ: هذا العمق «هو الزمان[52]».

فتح سؤال الزمان

كما رأينا، الجواب النهائي عن السؤال «ما هي الكينونة؟» كان وبقيَ «الكينونة هي الοὐσία.» وبقي معه السؤال عن الكينونة ككينونةٍ دون جوابٍ أو تساؤلٍ متجدِّدٍ.

غاب مع هذا الجواب ما حملته الأليثيا (الحقيقة)، ἀλήθεια، كما كرّره هايدغر لاحقاً في تحليله لاستيعاب هيغل للفلاسفة الإغريق في نظامه. الἀλήθεια (أليثيا، حقيقة) تحمل في أصولها لغزاً، [53]Rنtsel، هو قول الكينونة في صمتها الحقّ الّذي تمّ إسكاته ونسيانه لاحقاً، فقامت الفلسفة ومذاهبها على هذا النسيان. تحوّلَت الἀλήθεια (الأليثيا، الحقيقة) إلى certitudo (يقين) وإلى  حساب، (calculation)، يقوم به العقل، (ratio). الكشف الذي أشارت إليه ἀ (ألِف) السَلب اختفى، وتوارى معه إمكان السؤال عمّا يحقّق الكشف دون أن يُكشَف بنفسه، أي الكينونة[54]. ولكن، يبقى اللغز في طيات تعريف الميتافيزيقا وهيغل معها للἀλήθεια (الأليثيا/الحقيقة). يشير هايدغر في «هيغل والإغريق» إلى ذلك :

هيغل يختبر  الكينونة عندما يفهمها كالمباشَر غير المحدَّد، ما تضعه الذات المحدَّدة والمتصوِّرَة. لهذا السبب، لا يمكنه، أن يفصل الكينونة بمعناها الإغريقي، الεἶναι، عن علاقتها بالذات وتحريرها في جوهرها (Wesen) الخاص. ولكن، هذا [الجوهر] هو الحضور (Anwesen) الّذي يخرج من انحجابه (Verborgenheit) ويبقي نفسه في اللاانحجاب (Unverborgenheit) أمامنا.[55]

للكينونة تاريخٌ له صفتان أساسيتان، هما الاختفاء المتزايد وراء تراكم المفاهيم الميتافيزيقيّة، والفهم المحدَّد لها في كلٍّ من المذاهب الفلسفية، وهو فهمٌ تقوم عليه ويسود في كلّ ثناياها. فهم هيغل للكينونة هو «المباشَر غير المحدَّد»، «unbestimmte Unmittelbare». هذا يعود إلى تكرار ما ذكرناه أعلاه، أي إنّ إقحام التاريخ في الكينونة عند هيغل لم يرافقه اهتمامٌ بالعينيّة والكائن العينيّ في تحديداته، بل كان وبقي اهتماماً مثابراً في ما هو غير محدَّدٍ، فتوجّه المذهب وروحه، في نهاية المطاف، نحو المطلَق.

مع ذلك، في جوهر الكينونة ك εἶναι (فِعل الكينونة / كانَ)، يبقى السؤالُ الأساس موجوداً، فيظهر لمن يسأل ابتداءً من أصل الكينونة، في تحديدها كAnwesen. ما يقوله هايدغر هنا، في سنة 1958، هو امتدادٌ لما أكّده في سنة 1930. فلنعُد إذاً إلى «هيغل ومشكلة الميتافيزيقا» ! :

الجواب القائل أنّ الكينونة هي الοὐσία (أوسيا/جوهر) بقي نفسه خارج السؤال… ولكن ألا يجب على السؤال أن يأخذ أصالةً أكبر فيذهب أبعد سائلاً: لِمَ قول: كينونةٌ، يعود إلى قولِ: حضورٌ دائمٌ؟

إذا كان جوهر كينونة الكائن (Wesen des Seins des Seienden) قد تمّ تصوّره(begriffen)، في الزمن القديم وما تبعه، كجوهرٍ حاضرٍ (Substanzialitنt)، مهما كان تحديده، إذا كان قد تمّ فهمه إذاً كحضورٍ دائمٍ (bestنndige Anwesenheit)، هناك مع هذا التحديد للكينونة التفات نحو الزمان.[56]

في صلب الοὐσία (أوسيا/جوهر) إذاً هناك قولٌ عن الزمان، بل ويقوم تحديد الοὐσία (أوسيا/جوهر)، أينما يكون في تاريخ الميتافيزيقا، دائماً ومنذ البداية على الزمان. الجواب المخفي في الجواب هو العلاقة الأولى والدائمة بالزمان. يقول هيغل ما تقوله الميتافيزيقا: الجوهر الفردي هو حضورٌ دائمٌ، و«ما هو دائمٌ هو «دوماً» (immer)؛ الحضور هو الحاضر (Anwesenheit ist Gegenstand). الحضور والحاضر صفتان معيَّنتان للزمان[57].»

ذكّر هايدغر، في الفترة ذاتها، بأنّ هيغل قد اهتمّ بالزمان، ولكن كان اهتمامه بالماضي فقط، وبالأخصّ بقي هذا الاهتمام منطقيّاً ـ ديالكتيكياً. نقرأ في «فينومينولوجيا الروح» لهيغل : «دون شك يتكلّم [هيغل] أحياناً عن الكينونة-الماضية[58]»، ولكن، مهما كان كلامه عن الماضي، فهو «يحدّد الزمان كما يحدّد الأنا، أي منطقياً-ديالكتيكياً، على ضوء تصوّرٍ للكينونة قد قُرِّرَ مسبَقاً[59].» هذا التصوّر هو بالطبع اعتبار الكينونة حضوراً، ما يحجب أصلها وفحواها. حدّد هيغل الزمان ابتداءً من هذا الفهم للكينونة، لا الكينونة من خلال فهمٍ لأصلها في الزمان. بهذا المعنى بقي الزمان غائباً لصالح المطلَق.

على أيّ حالٍ يتّضح إذاً السؤال الأساس: هو التساؤل عن العلاقة الوطيدة بين الكينونة والزمان[60]. وهو السؤال المخفيّ وراء التحديد المنطقي-الديالكتيكي للأنا[61] في «هنا» فارغ، إذ ال«هُنا» عند هيغل «لا يلتفت أبداً نحو هذا الشيء الّذي هو في كلّ مرّةٍ الشيء الذي هو هنا. الهُنا يتطلّب ما هو هنا ولكنّه مع ذلك يصدّه دائماً. فيبقى الهنا الفارغ واللامبالي، البساطة المنقولة، أي الكونيّة – تماماً كالآنية[62].»

يمكن الآن اختصار نقد هايدغر لهيغل في ما يخصّ مسألة علاقة الكينونة بالزمان كما يلي: الكينونة عنده، مثلها عند القدماء، هي للدخول الدائم في الحاضر الخالي، الجوهر غير الزماني، وهذا الفهم للكينونة لا يشكّل عنده مشكلةً في ما يخصّ إمكانيّته الباطنة، أي الكينونة والزمان[63]. نضيف أنّ التغيّر عنده هو لحظةٌ، ولكنّها لحظة الكينونة كأبديّةٍ، وأنّ الذاتيّة عنده هي الجوهريّة، وهي ذاتيّةٌ لا تؤدّي إلى الزمان، المتناهي، البشري، بل هي مطلَقَةٌ، الروح المطلَقُ والمفهوم[64].   

مع ذلك، ومن هذا المنطلَق بالذات، يصبح سؤال الزمان ملحّاً في التفكير النقدي الّذي يرافق هيغل. إذ نسأل، ويسأل هايدغر: عندما أفكرّ مع هيغل بالأبديّة، فابتداءً من أيّ أفقٍ ذهنيٍّ أنا أفعل ذلك[65]؟ هيغل يحدّد الأبديّة كحاضرٍ مطلَق[66]. هي إذاً حاضرٌ: الأبديّة هي الحاضر. وبالتالي لكي نفهم الأبديّة علينا أن ننطلِق من الزمان. السؤال الّذي لم يسأله هيغل، وذلك لطبيعة نظامه ولبقائه في الميتافيزيقا في إتمامه لها، هو التالي: كيف يمكن تصوّر الأبديّة أنطولوجياً؟ كما ولا يتساءل عن جوهر الحاضر كمختلفٍ عن الحضور. عندما نكتشف ذلك في مرافقته النقديّة، يسأل هايدغر: «أليست الأبديّة أكثر التناهي عمقاً[67]؟» ونكتشف مع هذا التساؤل الملحّ أنّ الزمان في الأبديّة، أي هو محتواها: «الزمان، هو بالضبط هنا، في الداخل. وبأيّ طريقةٍ؟ هو ال«بِدون» (ohne)[68].» هو ال«بدون»، أي هو ما يجعل من اللامتناهي لامتناهياً، هو يعطي ال«بدون» نهايةً. وهذا العطاء أو الإعطاء هو بالضبط ما لم يره هيغل ولم يكن من الممكن له أن يراه من داخل نُظُم الميتافيزيقا. إعطاء الزمان لذاته هو السؤال الأساس، وهو أصل الأنطولوجيا المخفي. الزمان إذاً هو أصل ومفتاح الفهم والكشف الأنطولوجي – هو مركز الكينونة وجوهرها. من هنا انطلق هايدغر، ومن هنا ظهرت إشكالية الكينونة والزمان.

نضيف أخيراً، أنّ ما يتبيّن بوضوحٍ في مجمَل هذه العمليّة النقديّة الّتي دخلنا فيها، أنّ من سأل ويسأل ويسائل  جوهر الكينونة بهذه الطريقة الكاشفة، الفينومينولوجية، هو المتناهي بامتياز. ينتمي أو يعود جوهر الكينونة إلى المتناهي: «المطلَق لا يعرف كينونة الكائن. ليس هناك من كينونةٍ وفهمٍ للكينونة إلّا حيث هناك تناهٍ للدازَين (Dasein)[69]...». ليس على الوعي بالذات أن يتجاوز نفسه، أي كونه متناهياً، لكي يصل إلى اللامتناهي، فبذلك يخسر الكينونة والهنا والزمان؛ بل عليه أن يبقى ويسأل ابتداءً من ذاته كمتناهٍ باميتازٍ، أي كإنسانٍ. فيقودنا أخيراً السؤال عن الكينونة إلى  السؤال عن الإنسان.

إعادة فتح سؤال الإنسان

نعرف الآن، بعد هذا المسار المتسائل، أنّه إذا ما أردنا أن نفهم الكينونة فعلينا أن ننطلق من الزمان: الزمان  مفتاح فهم الكينونة. ولكن «ليس الزمان شيئاً أبداً، بل هو نفْسٌ، ذات[70].» من هذا المنطلَق، يستنتج هايدغر:

إذا كانت الكينونة تُفهَم ابتداءً من الزمان، بل وإذا كان من الضروري أيضاً أن تُفهَم بهذا الشكل، ولكن إذا كان…  الزمان ليس شيئاً هنا أمامنا أو موضوعاً، بل هو بالعكس يتخبَّط (treibt) في نفس الإنسان، في قلب الذات، فبلورة السؤال الأساس للميتافيزيقا بمعنى مشكلة الكينونة والزمان تصبح سؤالاً يخصّ الإنسان[71].

السؤال الأساس يخصّ إذاً الإنسان ومفتاح فهمه والتوسّع به هو في الإنسان. ولكن، هذا الإنسان ليس موضوع الأنثروبولوجيا أو حتّى البسيكولوجيا أو علوم الطبيعة على أنواعها، وليس بالطبع ما يدرسه علم الاجتماع. السؤال عن كينونة الكائن-الذات، أي الإنسان، هو غائبٌ عن كلّ أوجه الذات الحديثة، لأنّه «في الفلسفة الحديثة تصبحُ الذات (الوعي) مركز «الإشكالية»[72].» ذلك ﻷنّ ديكارت لا يصل إلى الأنا (ego) تحت ضغط سؤال جوهر الكينونة وبالتالي… الزمان،» بل وعلى العكس، ما يوجّه طريقة تساؤله يأتي من سعيه إلى الوصول إلى «أساسٍ حتميٍّ مطلقٍ للعلم وبالتالي للمعرفة الفلسفية – fundamentum inconcussum et absolutum[73].» السعي إلى اليقين المطلَق هو الّذي وضع الأنا في الموقع المركزي الّذي يحكم على الموضوعات والأشياء، فتكون «الكائن الحتميّ بامتيازٍ[74].» هذه الذات-الحتميّة هي الّتي بقيت وتوسّعت في الفلسفة الحديثة، من ديكارت إلى فلسفات الذات والفلسفات المثالية، أي فيشت (Fichte) وشيلينغ (Schelling) وأخيراً هيغل الّذي شكّل ذروتها[75].  كلّما عظُم شأن اليقين المطلَق وتطوّر تحديده وتوسّع نطاق حكمه على الموضوعات، كلّما هرب السؤال الأساس أمام الفلسفة أو خلفها بالأحرى. بقي صوت كانط وحيداً، وبقي وحده في تخوم السؤال الأساس، كما بيّن هايدغر قبل سنةٍ من هذه المحاضرة[76]. خلاصة هذا الاكتشاف هو ما قاله هايدغر لاحقاً، في «هيغل ومفهوم التجربة» : «الوعي هو  أرضيّة (Land) الميتافيزيقا الحديثة»، وهذه الأرضيّة قد «استولت على نفسها ك»نظامٍ للعِلم» وقاست نفسها بالكامل (ausgemessen hat)[77].» وبالتالي، كما تشهد له محاضرة «هيغل ومشكلة الميتافيزيقا» وكلّ أعمال هايدغر ابتداءً من الكينونة والزمان، لكي تتحرّر الفلسفة من وطء الوعي، يجب إزالة هذه الأرضية، سحبها كما يُسحَب البساط من تحت رجلَي الفكر. نتيجة ذلك نعرفها في فكر هايدغر: هناك من ناحيةٍ عندها القبول بالهاوية، ال(Abgrund) الّذي يمكِّن القلَق الحقّ في الكينونة والزمان[78]؛ ومن ناحيةٍ أخرى يصبح الانطلاق نحو فكرٍ يتجاوز الميتافيزيقا انطلاقاً يحتاج إلى القيام بوثبةٍ نوعيّةٍ فوق الفراغ الّذي تتركه نهاية الميتافيزيقا، وهي وثبةٌ تتطلّب شجاعة الدخول في المجهول، الّذي هو بالذات القول الحقّ للكينونة الزمانيّة في مجال الكائن-ههنا، الدازَين. هذه الوثبة نراها في الكتاب الأساسي الثاني لهايدغر بعد الكينونة والزمان، أي مساهمات في الفلسفة: في الحدث، حيث يرافقها ما يمكّن حصولها: القرار الشجاع، خطر خسارة العالم والإنسان، القلائل القادرون على القيام بها وبناء تاريخٍ جديدٍ للكينونة[79].

نرى الآن بوضوحٍ أنّ مرافقة هيغل الناقدة كشفت عن حاجةٍ ملحّة، Not، إلى القيام بورشة عملٍ فلسفيّةٍ تخرج بالفكر إلى حقولٍ جديدةٍ خارج الميتافيزيقا ومن خلال الفينومينولوجيا الّذي يتوجّب تجاوزها بدورها. لم يعد تحديد الوعي ومجاله هو شغل الفلسفة الشاغل، بل اكتشاف الدازَين وإيقاظه، دون تفكّرٍ انعكاسي[80]، كفضاءٍ لكلّ الفلسفات[81]. لورشة العمل هذه اسم، هو الكينونة والزمان.

التجربة تأتي أحياناً كثيرةً كشاهدٍ على فكرٍ يعيد النظر بالإنسان وعلاقته بالعالم. إذا كان كانط قد جدّد مفهوم التجربة في نقديّته الّتي بيّنَت أخطاء التجريبيّة والعقلانيّة ووفّقت بينهما، فأصبح للتجربة شرطان أساسيان، ماقبليٌّ-عقليٌّ وتجريبيٌّ؛ فقد قام هايدغر بتجديد التجربة بدوره لتكون في عينيّة الدازَين التاريخي وفي زمنيّته، أي في المتناهي. لم يكن لذلك أن يتمّ دون إعادة النظر بالتجربة كما وجدَت ذروتها الميتافيزيقيّة عند هيغل، أي دون مرافقة هيغل في منطقه الديناميكيّ وفي المتناهي الّذي ارتفعت به الروح نحو اللامتناهي، فوصلت إلى أبعد ما أمكن للميتافيزيقا أن تصل إليه، قبل أن تسقط وأن يفكّك هايدغر أسباب وأشكال سقوطها وتداعياته. كشفت لنا محاضرة «هيغل ومشكلة الميتافيزيقا» أنّه لم يكن لهذه العمليّة التفكيكيّة أن تحصل لولا القراءة النقديّة الجديدة لهيغل، الّتي تخلّصت من تاريخٍ طويلٍ لا نزال نتخبّط فيه هو تاريخ الهيغليّة اليمينيّة والهيغليّة اليساريّة في أوجهها الفوضويّة والماركسيّة. 

---------------------------------------

فرانك درويش : باحثٌ وأستاذٌ الفلسفة الغربية في جامعة البلمند ـ لبنان.

- هذا ما يؤكّده ألان رونو مثلاً. راجع:

Alain Renaut, «La fin de Heidegger et la tâche de la philosophie,» Etudes philosophiques, 4 (1977).

راجع ما يقوله بوفريه، مفنِّداً، بهذا الصدَد :

Heidegger, „Protocole d’un séminaire sur la conférence “temps et être”,“ Questions IV, trans. J. Beaufret and C. Roëls (Paris: Gallimard, 1990), p. 258.

[2]- راجع:

Dominique Janicaud, „Hegel – Heidegger : un ‘dialogue’ impossible ?“ Heidegger et l’idée de la phénoménologie, (Dordrecht: Kluwer Academic Publishers, 1988), p. 145- 8.

[3]- Der deutsche Idealismus (Fichte, Schelling, Hegel) und die philosophische Problemlage der Gegenwart (1929), GA, Bd. 28 ; Hegels Phenomenologie des Geistes, GA, Bd. 32 ; „Die Negativitنt“ (1938/39), „Erlنuterung der „Einleitung“ zu Hegels Phنnomenologie des Geistes“ (1942), in Hegel, GA, Bd. 68 ; Seminare : Hegel-Schelling, GA, Bd. 86 ; „Hegel und die Griechen“ (1958), in Wegmarken, GA, Bd. 7 ; „Hegels Begriff der Erfahrung“ (1942/ 43), in Holzwege, GA, Bd. 5.

ترجمات النصوص جميعها لصاحب هذه المقالة.

[4]- 2016-2017 للطبعة الألمانية في الأعمال الكاملة،

 “Hegel und das Problem der Metaphysik”, in Vortrنge, GA, Bd. 80.

[5]- GA, Bd. 80.

[6]- GA, Bd. 80, p. 282 : „… jeder Philosoph in seinem Wesentlichsten erstickt und kraftlos gemacht wird dadurch, daك man ihn – so oder so – erneuert.“

[7]- GA, Bd. 80, p. 300 : “… sich die Metaphysik vollendet, in der die Grundfrage ausgeblieben ist.”

[8]- GA, Bd. 80, p. 284 : “… in das Werk einzudringen, d.h. wirklich mit dem Anfang dieser Logik beginnen.”.

[9]- GA, Bd. 80, p. 284 : “Dabei springt uns schon hinreichend deutlich ihre Eigentümlichkeit in die Augen.”.

[10]- Francis Fukuyama, The End of History and the Last Man (New York : Macmillan, 1992).

[11]- “Hegel und die Griechen”, in GA, Bd. 9, p. 362- 365.

[12]- GA, Bd. 80, p. 283 : “Hegels Metaphysik ist « Logik » und gerade als diese Vollendung der abendlنndischen Metaphysik.”

[13]- GA, Bd. 80, p. 224 : „Unter Vollendung der abendlنndischen Metaphysik verstehen wir das einheitlich gestaltende Zum-Austrag-bringen der wesentlichen Ansنtze und Motive, die im Verlauf der Metaphysikgeschichte herausgetreten sind.“

[14]- G.W.F. Hegel, Wissenschaft der Logik (Meiner : Leipzig, 2008) p. 6 : „...die logische Wissenschaft, welche die eigentliche Metaphysik oder reine spekulative Philosophie ausmacht, hat sich bisher noch sehr vernachlنssigt gesehen.“

[15]- GA, Bd. 80, p. 284 : “Bei dem Titel « Logik » aber dürfen wir nicht an die überlieferte Schuldisziplin denken. Diese überlieferte Logik soll gerade zum Werschwinden gebracht werden...”

[16]- GA, Bd. 80, p. 285 : „… die Wissenschaft von den notwendigen Gesetzen des Verstandes und der Vernunft…oder… von der bloكen Form des Denkens.“

[17]- GA, Bd. 80, p. 286 : “Das Seiende… ist grundsنtzlich und für immer aus der Logik ausgeschlossen.”

[18]- Hegel, Wissenschaft der Logik, p. 101 : “Das Sein ist das unbestimmte Unmittelbare.”

[19]- GA, Bd. 2, § 29.

[20]- GA, Bd. 80, p. 286 : “Nicht vom Denken handelt diese Logik, sondern vom Sein. Das Sein aber ist das Thema der Metaphysik. Mit dem Anfang der Logik stehen wir schon in der Metaphysik.”

[21]- GA, Bd. 80, p. 286 : “Das Denken als begreifendes, d.h. im Hinblick auf das Begriffene ; aber nicht dieses oder jenes Begriffene, sondern das Begreifen der Dinge, des Seienden als solchen.”

[22]- GA, Bd. 80, p. 286 : “Der Begriff der Dinge, jenes, das den Begriff der Dinge denkt, das ist für Hegel die Sache… in der Bedeutung … realitas der Dinge, was die überlieferte Metaphysik auch essentia, Wesenheit, nennt.”

[23]- Hegel, Wissenschaft der Logik, p. 9 : “...die Entwicklung alles natürlichen und geistigen Lebens, auf der Natur der reinen Wesenheiten, die den Inhalt der Logik ausmachen.”

[24]- Hegel, Wissenschaft der Logik, p. 27 : «… der Logos, die Vernunft dessen, was ist...”

[25]- GA, Bd. 80, p. 296 : “… ens realissimum, das, all Realitنten, Wesenheiten in sich einigend, die Ermِglichung der Wiklichen ist.  Damit ist die Metaphysik als Logik der absoluten Vernunft zur spekulativen Theologie geworden.”

[26]- Identitنt und Differenz, GA, Bd. 11, p. 77.

[27]- GA, Bd. 80, p. 317 : „Hegels Metaphysik ist nicht Vollendung der Metaphysik in dem Sinne, als seien für alle Zeiten alle Fragen entschieden und beantwortet… Wohl aber ist Hegels Metaphysik die Vollendung eines nicht ursprünglich angesetzten Fragens.“

[28]- أرسطو، المقولات، 1b25–2a4؛ ميتافيزيقا، Γ.2.

[29]- GA, Bd. 9, p. 123.

[30]- « Vom Wesen der Wahrheit », in Wegmarken, GA, Bd. 9.

[31]- GA, Bd. 80, p. 288 : „Das Wesen der Vernunft… ist Geist… Der Geist… weiك… sich als das Verhنltnis des Wissenden gegen das Gewuكte ; er weiك sich in diesem Gegensatz des Bewuكtseins. In diesem Sichwissen hat er den Gegensatz in sich… zurückgenommen. Der Gegensatz von Subjekt und Objekt ist im Geist aufgehoben.“

[32]- GA, Bd. 80, p. 292 : „… Zusammengehِrgkeit von Ich und Nicht-Ich, Intelligenz und Natur, Subjekt und Objekt.“

[33]- GA, Bd. 80, p. 288.

راجع أيضاً:

Der deutsches Idealismus (Fichte, Schelling, Hegel) und die philosophische Problemlage der Gegenwart (1929), GA, Bd. 28, p. 218.

[34]- GA, Bd. 80, p. 288 : „Der Geist hat sich über die Relativitنt des Gegensatzes von Subjekt und Objekt erhoben.“

[35]- GA, Bd. 80, p. 290 : „Sichselbstbegreifen ist Freiheit.“

[36]- GA, Bd. 80, p. 288.

[37]- GA, Bd. 9, p. 437 : „Wenn die Thesis durch die Antithesis negiert, diese ihrerseits durch die Synthesis negiert wird, wo waltet in solchem Verneinen das, was Hegel « die sich auf sich beziehende Negativitنt» nennt. Sie ist nichts Negatives. Die Negation der Negation ist vielmehr diejenige Position, in der sich der Geist durch seine Tنtigkeit selbst als das Absolute setzt.“

[38]- GA, Bd. 80, p. 288 : „Das Wesen der Vernunft, das, was sie ist, ihre Wahrheit, ist Geist… nicht mehr relativ, nicht mehr etwas Beziehungsweises, aber zugleich Ermِglichung der Relativitنt, ist er das Absolute.“

[39]- GA, Bd. 32, p. 42 : “Hegels »Phنnomenologie des Geistes« ist… sie die aus dem Leit- und Grundproblem der abendlنndischen Philosophie geforderte… in eine bestimmte Richtung gezwungene absolute Selbstdarstellung der Vernunft (ratio - λόγος)... Wirklichkeit Hegel im absoluten Geist gefunden hat.”

[40]- GA, Bd. 32, p. 16 : „… das endliche Wissen zu überwinden in der Gewinnung des unendlichen Wissens.“

[41]- GA, Bd. 32, p. 108: “Die Zusammengehِrigkeit von Unglück und Glück...”

[42]- GA, Bd. 80, p. 282 : “Wir fragen mit Hegel jene Grundfrage...”

[43]- GA, Bd. 80, p. 282 : “… wenn sie wirklich gestellt wird, die Metaphysik zum Problem werden lنكt, d.h. die Philosophie im Ganzen verwandelt.”

[44]- GA, Bd. 80, p. 281 : “… innerste Not der Existenz des Menschen.”

[45]- GA, Bd. 80, p. 303, 304 : „… gefragt ist nach dem Seienden als Seienden, nach dem Sein des Seienden… Die Grundfrage der Metaphysik lautet nicht : Was ist das Seiende als solches ?, sondern : Was ist das Sein als solches ?, kurz : Die Grundfrage der Metaphysik ist die nach Wesen und Wesensgrund dessen, was das Seiende, was und wie immer es sein mag, als Seiendes sein lنكt.“

[46]- GA, Bd. 80, p. 303 : „Die gefallene Antwort selbst, daك Sein οσία sei, bleibt auكer Frage ; gefragt wird nur noch, was die οσία sei und wie sie nنher zu bestimmen sei.»

[47]- GA, Bd. 80, p. 282 : “… die Frage, die… in der Metaphysik Hegels – und damit aller Metaphysik vor ihm – ungefragt geblieben ist.”

[48]- GA, Bd. 80, p. 317 : „Es bleibt nur die Wiederholung der überlieferten Leitfrage : Was ist das Seiende ?, aber so, daك sich dieses Fragen auf den ihr verborgenen zugrundeliegenden Grund zurückbringt, d.h. so, daك die konkrete Frage nach dem Wesen und Wesensgrund des Seins zur Ausarbeitung und wirklichem Geschehen gelangt. »

[49]- GA, Bd. 32, p. 59 : „Das Leitproblem aber der antiken Philosophie ist die Frage τί τὸ ὄν? Was ist das Seiende? Und diese Leitfrage kِnnen wir verwandeln zunنchst in die Vorform der Grundfrage: Was ist das Sein?“

[50]- راجع: Otto Pِggeler, Der Denkweg Martin Heideggers (Pfullingen : Neske, 1963), p. 161.

[51]- GA, Bd. 80, p. 284 : „… wirklich mit dem Anfang dieser Logik beginnen. Dabei springt uns schon hinreichend deutlich ihre Eigentümlichkeit in die Augen.“

[52]- GA, Bd. 80, p. 317 : “Was ist das Wesen des Seins… ? Auf dem Grunde wovon ist dieses Seinsverstنndnis mِglich ? Auf dem Grunde der Zeit.”

[53]- “Hegel und die Griechen”, in Wegmarken, GA, Bd. 9, p. 440 : “… die ἀλήθεια ist das Rنtsel selbst – die Sache des Denkens.”

«الλήθεια هي اللغز بذاته – مسألة الفكر.»

[54]- أشير هنا بالطبع إلى الدراسة الّتي خصّصها هايدغر لأسطورة الكهف :

“Platons Lehre von der Wahrheit”, in Wegmarken, GA, Bd. 9.

[55]- GA, Bd. 9, p. 441: „… Hegel erfنhrt das Sein, wenn er es als das unbestimmte Unmittelbare begreift, als das vom bestimmenden und begreifenden Subjekt Gesetzte. Er kann demgemنك das Sein im griechischen Sinne, das εἶναι nicht aus dem Bezug zum Subjekt loslassen und es in sein eigenes Wesen freigeben. Das aber ist das Anwesen, d. h. das aus der Verborgenheit her in die Unverborgenheit vor-Wنhren.“

[56]- GA, Bd. 80, p. 303 : „Die gefallene Antwort selbst, daك Sein οὐσία sei, bleibt auكer Frage… Aber muك nicht ursprünglicher gefragt werden, warum heiكt Sein soviel wie bestنndige Anwesenheit ?

(…)

Wenn in der Antike und fortan das Wesen des Seins des Seienden wird als Substanzialitنt, mag diese wie immer bestimmt sein, d. h. als bestنndige Anwesenheit, so ist bei dieser Bestimmung des Seins der Hinblick genommen auf die Zeit.“

[57]- GA, Bd. 80, p. 305 : “Bestنndig ist das “Immer”. Anwesenheit ist Gegenwart. Immer und Gegewart sind bestimmte Charaktere der Zeit.”

[58]- GA, Bd. 32, p. 116 : “Hegel spricht zwar zuweilen... vom Gewesensein...”

[59]- GA, Bd. 32, p. 116 : “Hegel die Zeit ebenso bestimmt wie er das Ich bestimmt, d. h. logisch-dialektisch, aus der schon vorausentschiedenen Idee des Seins.”

[60]- GA, Bd. 80, p. 305 : “Oder ist gerade diese Frage nach dem Zusammenhang von Sein und Zeit die Grundfrage in der Tat.”

(«أو قد يكون بالفعل هذا السؤال عن العلاقة الوطيدة بين الكينونة والزمان هو السؤال الأساس.»)

[61]- GA, Bd. 32, p. 116.

[62]- GA, Bd. 32, p. 89 : „Aber indem es dergleichen verlangt, kehrt es sich doch gerade nie an das Diesige selbst, das je das Hiesige ist. Das Hier verlangt das Hiesige und stِكt es doch als je dieses von sich. Es bleibt das leere und gleichgültige Hier, die vermittelte Einfachheit, d. h. die Allgemeinheit - wie das Jetzt.“

[63]- GA, Bd. 80, p. 305 -306.

[64]- GA, Bd. 80, p. 311.

[65]- GA, Bd. 80, p. 311.

[66]- GA, Bd. 80, p. 313.

[67]- GA, Bd. 80, p. 315 : “Ist am Ende der Begriff der Ewigkeit nicht der Begriff der tiefsten Endlichkeit, der Endlichste aller Begriffe ?”

[68]- GA, Bd. 80, p. 315 : “Darin die Zeit und gerade sie. In welcher Weise ? Das «ohne».»

[69]- GA, Bd. 80, p. 319 : «Das Absolute kennt kein Sein des Seienden. Sein und Seinsverstنndnis nur, wo Endlichkeit des Daseins.»

[70]- GA, Bd. 80, p. 305- 306 : «Zeit aber kein Ding, sondern Seele, Subjekt.»

[71]- GA, Bd. 80, p. 307 : „Wenn Sein aus der Zeit verstanden wird, ja vielleicht notwendig verstanden werden muك, Zeit aber nicht… ein vorhandenes Ding und Objekt ist, sondern in der Seele des Menschen, im Subjekt ihr Wesen treibt, dann wird die Ausarbeitung der eigentlichen Grundfrage der Metaphysik als das Problem von Sein und Zeit einer Frage nach dem Menschen.“

[72]- GA, Bd. 80, p. 309 : «… im Beginn der neuzeitlichen Philosophie und der von ihr begründeten Vorrangstellung des « Subjekts  auftaucht.»

[73]- GA, Bd. 80, p. 309 : „Denn Descartes stِكt auf das ego nicht unter dem Zwang der Frage nach dem Wesen des Seins und gar … nach der Zeit, sondern er ist in seinem Fragen primنr geleitet von der Sorge, ein absolut gewisses Fundament… der philosophischen Erkenntnis in erster Linie zu gewinnen – fundamentum inconcusuum et absolutum.“

[74]- GA, Bd. 80, p. 309 : «… das schlechthin gewisse Seiende...»

[75]- GA, Bd. 80, p. 309- 310.

[76]- في الكتاب الّذي خصّصه هايدغر لكانط والّذي صدر سنة 1929، ما يُدعى بالKant Buch.

Kant und das Problem der Metaphysik, GA, Bd. 3.

راجع:

GA, Bd. 80, p. 309 .

[77]- GA, Bd. 5, p. 201: „… das Bewuكtsein das Land der neuzeitlichen Metaphysik ist, welches Land jetzt sich selbst als « System der Wissenschaft » in den Besitz genommen und sich vollstنndig ausgemessen hat.“

[78]- GA, Bd. 2, § 40.

[79]- GA, Bd. 65, § 1, 5, 40, 44- 49, 112, 115- 167.

[80]- GA, Bd. 80, p. 319.

[81]- GA, Bd. 80, p. 321.