البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد مفهوم الاغتراب عند هيغل، تاريخية المفهوم وحضوره السجالي في التداول الغربي المعاصر

الباحث :  محمد أمين بن جيلالي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  14
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 16 / 2019
عدد زيارات البحث :  5177
تحميل  ( 561.841 KB )
يوحي العنوان الفرعي ـ كما يقول الكاتب ـ بأنّ البحث لن يقتصر على تقصّي تاريخ مفهوم الاغتراب الهيغلي في الفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، لكن سيحاول أن يُمسك بأهمّ التداعيات النقديّة والإبستيمولوجيّة التي أفرزها التداول الاستعمالي للمصطلح، وكذلك البحث عن تاريخٍ نقديٍّ لعلم الاغتراب من خلال تتبع طبيعة المنطق الأساسي والإشكالي الذي سيحكم السجالات المعاصرة حول الظاهرة الهيغيلية للاغتراب.

لقد أخذ مفهوم الاغتراب عند هيغل بعداً متمادياً في التأويل.

وفي هذا البحث محاولة لتأصيل هذا المفهوم وتحليله انطلاقاً من حضوره التداولي في البحث الفلسفي المعاصر.

المحرر

------------------------------

ينطوي المفهوم الهيغيلي[1] للاغتراب (Alienation) على أسسٍ نقديّةٍ مفارقةٍ؛ فهو مفهومٌ مجرّدٌ وعمليٌّ على حدٍّ سواء. حيث ينطلق من الرؤية «العقلية» ليصل إلى الوصف الفينومينولوجي. تحصيلاً لذلك، نَمَتْ فلسفة الاغتراب عند هيغل على ضفاف المقاربة الديالكتيكية، التي ضَمِنت فهماً جيّداً للسياق الاجتماعي والتاريخي والفلسفي، باعتباره حقلاً خصباً ترعرعت على تربته فكرة فقدان الوحدة كميزةٍ أساسيّةٍ للحداثة عند هيغل. لقد اعترف ماركس بالجدليّة الهيغيلية، لكنّه رفض ميتافيزيقا الاغتراب كما وردت عند هيغل. من هنا حازت مواقف هيغل وماركس، بدورهما، تأثيراً عميقاً على سجالات القرن العشرين حول الاغتراب. لقد أثبت الإطار الإبستيمولوجي المعاصر للاغتراب تجاوزه المعرفي ونقده الجذري للبعد السياسي والأيديولوجي في ما يرتبط بالظاهرة الهيغيلية للاغتراب، حيث اتجهت الجهود الفكرية إلى تكوين رؤيةٍ شموليّةٍ تفسيريّة، وفقاً للتداوليات النقديّة للمفهوم في الفكر الغربي المعاصر.

بناءً عليه، يتحدّد الاغتراب عند هيغل وفقاً لرؤية الذات للعالم، على الضدّ من ذلك تنطلق التداوليات النقديّة المعاصرة في تحديدها للاغتراب من الرؤية الموضوعيّة للعالم؛ فالاغتراب بالمعنى الراهن حدثٌ أنطولوجيٌّ يُبرز تناقضات الوعي الهيغيلي.

التصور العام للاغتراب عند هيغل: مساراتٌ نقديةٌ

لم تكن فكرة الاغتراب في العصور الكلاسيكيّة حاضرةً بالاسم، لكنّها تَبدّت في مقابل ذلك بالفعل. فبدايةً من الأزمنة الإغريقيّة، مروراً بالحقبة الوسيطيّة والحديثة، وصولاً إلى اللحظة الهيغيلية من تاريخ الفلسفة، برز الاغتراب بوصفه فكرةً مِخياليّةً، إلى أن جاء هيغل وحوّل هاته الفكرة إلى مسارها المعرفي حيث أضفى عليها طابعاً مفهوميّاً ونظريّاً وعمليّاً. في ما يخص الطابع العملي للاغتراب، جاء بشأنه تصريح إيفون كينيو (Yvon Quiniou) (1950) «اغترابُ الفكرةِ داخل الطبيعة عند هيغل»[2].

إذاً، غالباً ما كان الاغتراب موضوعاً لروايات خياليّة في تاريخ الفلسفة بسبب الاغتراب التصوّري (aliénation imaginaire ): اغتراب العبد في كهف أفلاطون (428/427 ق.م-348/347ق.م)، [...] أو فقدان الكمال الأخلاقي الأصلي في المسيحيّة نتيجةً للخطيئة الأصلية، على سبيل المثال لا الحصر[3]. هذا ما جعل المصلح الفرنسي «جان كالفن» (Calvin Jean) (1509-1564) يتحدّث عن، «الغُربة بين الله والإنسان». الأمر الذي أدّى بالحركة البروتستانتيّة [في مجرى الإصلاح الديني الذي رُفعت رايته في القرن السادس عشر] إلى التركيز على نقد «الغربة» و«الانفصال» بين الإنسان والله، من حيث اعتبارهما «موتاً روحياً» بتعبير كالفن[4]. إنّ نقد الاغتراب كفكرةٍ دينيّةٍ بدأ مع المسيحيّة البروتستانتية (الكالفينية تحديداً) من منظور محاربة الوساطة بين الرب والإنسان، فلا يمكن أن يتحرّر هذا الأخير من الاغتراب الروحي إلاّ بالتنصُّل من عُقدة الوساطة، هنا يصل الإنسان إلى الخلاص المنشود. لكن متى يتحوّل الاغتراب الروحي إلى اغترابٍ سياسيٍّ؟ لقد كان تمفصل حالة الاغتراب في الدولة بمثابة التأسيس النقدي لمفهوم الاغتراب السياسي عند هيغل.

إنّ المفهوم الذي افترضه هيغل حول الدولة في دروس عام 1805 طوّر معنًى مختلفًا للاغتراب (Entنusserung): تخريجاً لمعرفة الذات نحو حقل الدولة. وهذا يعني أنّ الدولة تمثل إمكانيّة التمتع بمعرفةٍ ذاتيّةٍ شاملةٍ غير مشروطةٍ بأيّ قرارٍ معيّنٍ. هذه الشمولية مخصّصةٌ للمواطن ويجب تفسيرها على أنّها «هويّةٌ في الاختلاف (une identité dans la différence)»[5]. لم يتفق فلاسفة العقد الاجتماعي مع هيغل حول هذا المبدأ، فبرز مفهوم الاغتراب لديهم في سياقٍ اجتماعيٍّ وأيديولوجيٍّ مغايرٍ تماماً، تمثّل في رعاية الحق والحرية والملكية عند الفرد باعتباره مواطناً متعاقداً مع الدولة. ما ترتّب عن ذلك هو نحت سياسةٍ لغويّةٍ جديدةٍ حول مصطلح الاغتراب.

يعتبر التخلّي، التنازل، الانفصال عن الحق الفردي، وتحويله إلى وجودٍ اجتماعيٍّ خارجيٍّ بالنسبة للأفراد من حيث المحتوى هو ألينة (Alienation)، لأنّ توماس هوبز (1588-1679) لا يستخدم تعبير الألينة مباشرةً لوصف التخلّي عن الحق أو التنازل عنه، أو الانفصال عنه، أو نقله إلى آخرَ، إلى حكومة (عاهل)، بل يستخدم تعابيرَ لغويّةً أخرى مثل:«Renounce، Divest»أي نبذ، تنازل، كما يُستخدم تعبير «Transfer the Right» نقل الحق. [...] لقد استمرت فكرة التخلّي (التنازل، الانفصال، نقل الحق) عند جون لوك (1632-1704) [...] فالإنسان في الحالة الطبيعية (الفطرة) يتمتع بالحرية وحق الملكية، وهو غير منفصلٍ عنهما. ولا يحصل الانفصال الاّ بظهور الدولة، أي نشوء الحالة المدنية (الحضارة)[6]. انطلق جان جاك روسو (1712-1778) في أطروحته «أصل التفاوت بين البشر»[7] من تعريف العقد الاجتماعي على أنّه بنيةٍ غير مستقرةٍ. ما دامت الإرادة البشريّة قابلةً للاختيار في كلّ لحظةٍ، فإنّ هناك إمكانيّةً لنقض العقد الاجتماعي، سواءً من قِبل الحاكم أو المحكومين. من هنا إمكان ضياع الحرية، اغترابها طوعاً، مقابل نيل الطمأنينة، أو اغترابها قسراً (استلاب) بنشوء الاستبداد[8].

لقد اُشتق مفهوم الاستلاب من قاعدة السّلب/النفي الذي كان حاضراً بقوّةٍ في النسق الهيغيلي الجدلي المؤسّس لمفهوم الاغتراب، حيث يرتكز السلب في جوهره على قانون النزع والتجريد. التجريد ليس بالمعنى النظري، ولكن بالمعنى الأنطولوجي للكلمة.

أن تكون مغترباً هذا يعني حرمانك من شيءٍ خاص بك، ينطوي ذلك على فكرة الحرمان والخسارة، ولا شكّ أنّه يأتي كنتيجةٍ سببيّةٍ لظروفٍ تاريخيّةٍ غير مواتيةٍ تماماً للوجود المطلق. ومع ذلك، يجب التأكيد على أنّ الاغتراب هو نزع الملكية (dépossession). لكن أيّ تجريدٍ من الملكية ليس بالضرورة اغترابًا. يمكن في الكثير من الحالات تجريد شيءٍ ما دون أن يؤدّي الأمر في الواقع إلى الاغتراب. لكي يتمّ نزع الملكية، غالباً ما يستلزم ذلك بالضرورة أن يُجعل الإنسان غريبًا عن بعض إمكانياته ويُمنع من تجسيد وجوده الحيوي. في هذه الحالة، يُصبح نزع الملكية عملية اغترابٍ وفقداناً للسلطة والحق في التصرف[9].

رغم كل هذه التجاذبات الأيديولوجيّة والسياقيّة في تحديد مفهوم الاغتراب داخل النظريّة الاجتماعيّة والسياسية الحديثة عامةً، والهيغيلية خاصةً، إلاّ أنّنا نجد في المعنى الأيتيمولوجي لدالة الاغتراب مُعطىً منهجياً يمكّننا من حصر المصطلح في أبعاده الإبستيمولوجية الصحيحة.

فتنحدر كلمة الاغتراب «alienation» من الجذر اللاتيني «alius»، الذي اُشتق منه مصطلح «alienus»، هذا الأخير يعني «مكان أو شخص آخر». وبهذه الطريقة يكون معنى الاغتراب ذا أهميّةٍ مكانيّةٍ ووجوديّة[10]. في القانون الروماني، أشار الاغتراب إلى النقل الطوعي للممتلكات إلى مالكٍ آخر. استخدم الفلاسفة وعلماء اللاّهوت مصطلح الاغتراب للإشارة إلى الانفصال (separation) عن الله، والعقيدة الصحيحة، عن الذات والعقل، عن الملكية أو الوجدان، عن الحقيقة، عن السلطة السياسية أو الاجتماعية[11]. هذا ما تؤكّد عليه الحقول المعرفيّة التي اشتغلت على الأساس النقدي التحوّلي لمفهوم الاغتراب.

فمن حيث إنّه (الاغتراب) «مصطلحٌ يُستخدم عادةً في عديد التخصّصات المعرفيّة لوصف وشرح الإحساس بالغربة الذي ينظّم العلاقة بين الموضوع وذاته من جهةٍ، والموضوع وعلاقته بالتاريخ والقوة والسلطة من جهةٍ أخرى. فمن ناحيةٍ أخرى هو: اغترابٌ عن الدولة لدى «هيغل»، وعن الله عند «لودفيغ فيورباخ» (1804-1872)، وعن العمل بالنسبة ﻟ«كارل ماركس» (1818-1883)، أو عن النشاط الجنسي الأساسي في تصور «سيغموند فرويد» (1856-1939). تشير كلّ من الأنثروبولوجيا والفلسفة والنظرية الاقتصادية وعلم الاجتماع والعلوم السياسية إلى التوترات الناتجة عن الشعور بالاغتراب الذي يعاني منه الشخص»[12]. فمن بين أبرز التصدّعات الاجتماعية الناتجة عن حالة الاغتراب هي شعور الفرد بالعزلة عن تاريخه وثقافته وإحساسه بالضعف الاجتماعي حِيال تهميشه من قبل السلطة، فالاغتراب الذي يتحدّث عنه هيغل هو اغترابٌ اجتماعيٌّ. لكنّه في حقيقة الأمر اغترابٌ سياسيٌّ يرجع إلى الروح المغترب في مساره لتشكيل الدولة الألمانيّة التي نتجت عن صراعٍ سياسيٍّ حول الأيديولوجيات السائدة.

من هنا يمكن معرفة الاغتراب عندما ننفي جوهره الذي يؤسس لمعناه الحقيقي. على هذا الأساس يمكن أن نختزل ضدّية الاغتراب في المقولة التالية: «إنّ اختفاء الاغتراب والمعاناة يعني المصالحة «La Réconciliation»[13]. إذا كان الاغتراب في دلالته العميقة هو الانفصام والانفصال، فإنّه يمكن أن يكون نقيضاً لجوهر الحرية.

وهذا ما يشير إليه هيغل عند حديثه عن «حرية الروح» (liberté de l’Esprit)، يقول هيغل: «يجب أن نتمثّل الروح بوصفه حرّاً. حرية الروح تعني أنّه قريبٌ من ذاته، يفهم ذاته. وتتكون طبيعته في انضمامه إلى/اندماجه بالآخر، والعثور على ذاته هناك، والاجتماع مع ذاته، وحيازة ذاته، والتمتع بذاته»[14].

باختصار يمكن تحديد مفهوم الاغتراب لدى هيغل وفقاً لمسارٍ من التحديدات النظريّة والعمليّة التي تصل بنا إلى اللحظة الفينومينولوجيّة للاغتراب، وهي مرحلةٌ أساسيّةٌ لتكوين التصور الجدلي للظاهرة.

على الرغم من أنّ «الاغتراب» بالنسبة لهيغل هو مصطلحٌ تقنيٌّ، إلاّ أنّه يكتسي صبغةً ميتافيزيقيةً. إنّه لحظةٌ ضروريّةٌ في العملية التي بواسطتها يُحقّق الروح (المطلق) معرفةً ذاتيّةً حقيقيةً، أو معرفة الذات للمطلق[15]. هناك، إذاً، في المفهوم الهيغيلي للاغتراب، لحظةٌ يمكن تسميتها لحظة «فقدان الكائن، (perte de l'objet)، أو لحظة عدم وجود الكائن[16]. تُدعّم الفكرة السابقة إمكانيّة تحديد الاغتراب واقترانه بمعنى العدَميّة؛ هو ما سنناقشه في المحور الأخير من هذه الدراسة.

من جهةٍ أخرى، يذهب هيغل إلى المستوى الإجرائي للمفهوم (الاغتراب) وهذا يبرز عندما يشير إلى أنّ «الإنسان في بناء حضارته، يخلق المؤسسات والقواعد التي هي في الوقت نفسه منتجاته الخاصة التي يفرض عليها قيوداً غريبةً عليه. قد لا يفهمها حتى تبدو غريبةً عنه. من وجهة نظر هيغل، بالطبع، إنّه بدون هذه المؤسسات والقواعد وبدون القيود التي يفرضها الإنسان على الإرادة، لا يمكن أن يصل العقل إلى مستوياتٍ أعلى»[17]. يمكن أن نفهم هذا المستوى من خلال أنّ هيغل يعتقد بالفرضيّة القائلة بأنّ القيود الخارجيّة (المؤسسة والسلطة والدولة والقانون والمجتمع) تُفضي بالإرادة إلى الاغتراب الذاتي. 

عند هيغل، لا ينفصل مفهوم الغربة (Entfremdung) عن مفهوم العزلة (Entنusserung)[18] فيُستخدم هذا الأخير بمعنًى وصفيٍّ فينومينولوجيٍّ والذي لا يخرج وجودياً عن التدوال المنهجي له: إنّه يُستخدم للتعبير عن النشاط الذي يسميه هيغل «الروح»، أي، المطلق، بقدر ما يكشف عن ذاته[19]. إنّ ركود الروح المطلق هو اغتراب الذات، فحيثما وجدنا الروح متوقّفاً لا يمارس نشاطه الجدلي فإنّ ذلك يعبّر عن لحظة اغترابٍ وسكونٍ للذات وانعدام تفاعلها مع الروح الموضوعي.  

لقد احتفظ هيغل بالتمييز بين الاغتراب «العقلي» (mental) والاغتراب عن الملكية، مع تركيز انتباهه على الأول. أشار هيغل إلى الاغتراب «العقلي» في اتجاهين: كشرطٍ أو حالة وجودٍ، وبوصفه أيضاً عملية تحولٍ. في الحالة الأولى يتم تغريب الذات عن ذاتها وفي الثانية، التغريب يكون من الآخرين. في كلتا الحالتين استخدم هيغل الجدل لتشكيل وحدةٍ بين المتناهي واللاّمتناهي[20]. إنّ الحالة الثانية من تغريب الذات تتمثل في مشكلة الاغتراب والاعتراف. فالاعتراف يتحول إلى اغتراب عندما تقف الأنا حائرةً أمام الآخر وهو ما تعكسه التمثلات المعاصرة لممارسات الإقصاء والعنف والتطرف في مجتمعاتنا الحالية.

     هيغل وفلسفة الاغتراب: تفكيك للمنظور الدياليكتيكي

ظهرت فلسفة الاغتراب في السياق الاجتماعي والتاريخي للفترة التي عاش فيها هيغل، إنّها فترةٌ مليئةٌ بالاضطرابات التاريخيّة العظيمة التي جعلت هيغل يُطوّر فكرة فقدان الوحدة كسمةٍ أساسيّةٍ للحداثة. هذا الضياع للوحدة ينطوي في نظره على ظهور الذاتية، التي تتميّز بالانفصال بين الإنسان والطبيعة، بين الموضوع والذات[21]. «إنّها (الذاتية) لحظة تدميرٍ للوحدة، هي أيضاً لحظة تشتُّت الروح القدُس»[22]. يشكّل هذا الانفصال إشكاليّةً بالنسبة لهيغل، الذي سيُطوّر فلسفته عن الاغتراب باعتبارها فقداناً للوحدة، داخل ثلاثة أماكن مختلفة مثّلت مراحل أساسيّةً لتطور المنظور الجدلي لمفهوم الاغتراب؛ أ) بيرن Berne (1793-1797): حول الإنسان والدين. ب) فرانكفورت Francfort (1797-1800): حول الذات والموضوع. ج) جينا Iéna (1801-1807): حول المؤسسة والعمل والذات الإنسانيّة. سيفسّر هيغل اللحظات الثلاثة السابقة من الاغتراب عن طريق الجدل[23].

 حدثت في هذا المسار الطويل للروح المغترب عند هيغل علاقة مدٍّ وجزر بين الذاتيّة والغيريّة، لم يتعامل هيغل مع مفهوم الاغتراب على أنّه مفهومٌ واحدٌ، لكنّه وضعه في أنماطٍ متعدّدةٍ؛ الاغتراب الذاتي والاغتراب الروحي والاغتراب السياسي. 

سمات اللحظة الأولى (البيرنية)؛ يمكن استشفافها من الفقرة 15 الواردة في نص فينومينولوجيا الروح: «من الممكن إذاً أن تكون عبارة حياة الله [...] تلك الحياة في ذاتها إنّما هي المساواة المطمئنّة والوحدة مع الذات نفسها التي لا تأخذ بجدٍّ الكونَ المغاير والاغترابَ ولا مجاوزةَ هذا الاغتراب. لكن هذا الفي-ذاته إنّما هو الكلية المجرّدةُ التي لا يُنظر فيها إلى طبيعتها كيف كونها لذاتها»[24]. يسمّي هيغل هذه اللحظة –حسب ولتر ستيس-«باللحظة الكلية؛ الله، أو العقل الكلي»[25]. هنا توجد إشارةٌ لاهوتيّةٌ إنسانيّةٌ في المتن الهيغيلي، تُعبّر عن مرحلة اتحاد الجزء بالكلّ.

أما عن اللحظة الثانية (الفرانكفورتية)، هناك نصٌّ فلسفيٌّ يؤسّس لها، ورد في الفقرة 527 من فينومينولوجيا الروح: «لكن الروح قد تُبيّن لنا أنّه ليس فقط لوذَ الوعي بالذات في الجوهر وليس اختلافه، بل هو هذه الحركة التي للهُوَ الذي يخترج عن ذاته، فينغمس في جوهره، ثمّ يغادره أيضاً، فيمرُّ من جهة ما هو ذات في ذاته، فيجعل من ذلك الجوهر موضوعاً ومضموناً، مثلما يُنسخ ذلك الاختلاف بين الموضوعيّة والمضمون ذلك التفكّر الأول انطلاقا من الحاليّة إنما هو انفراق الذات عن جوهرها، أو هو المفهوم الذي ينفصم [...]»[26]. يُضيف في الفقرة 506 من فينومينولوجيا الروح: «وعليه فاغتراب الماهيّة الالهية إنّما يُوضع بحسب وجهِه المزدوج؛ فالهو الذي للرّوح وفكره البسيطُ هما اللحظتان اللّتان يكون الرّوحُ ذاتُه وحدتَهما المطلقةَ؛ أمّا اغترابُه فإنّما يرجع إلى كون اللحظتين تتفكّكان، فتكون للواحدة قيمةٌ لا تعدِلُ التي للأخرى.»[27] وهي «اللحظة الجزئية» عند هيغل، على تعبير ولتر ستيس، حيث «يشطر العقل الكلي نفسه إلى الجزئية [...] فالعقل البشري يُدرك الله بوصفه موضوعاً خاصاً به، كما يُدرك كذلك انفصاله واغترابه عن الله، وهذا الاغتراب والابتعاد عن الله يظهر على أنّه خطيئةٌ وبؤسٌ.»[28]

 إنّ انفصال الجزء عن الكلّ هو اللحظة الأساسيّة التي عبّرت عن حدوث الأيديولوجيا في الممارسة الغربيّة للاغتراب وهي كذلك تمثيل "صريح" لتناقض الفكر وتشظّي وحدة الوجود عند هيغل. هناك مقولاتٌ غربيّةٌ تصنع لنا مسرح رجوع الأيديولوجيا من جديد. هذه المقولات هي وليدة التناقضات الفكريّة في الجدليّة الهيغيليّة.

 أخيراً، ضمن اللحظة الثالثة (الجينية، نسبةً إلى جينا)، فيُخصّص هيغل نصاً علائقياً، يُقدّم فيه لمحةً عن الجانب السياسي للاغتراب في الممارسات اليوميّة، خصوصاً في الفقرة 333 من كتابه العُمدة: «لكنّ سلطةَ الدولة هذه التي تكون بواسطة الاغتراب ما زالت لم تَصرْ وعياً-بالذات يعرف ذاتَه من جهة ما هو سلطةُ دولةٍ؛ وما يصلحُ إنّما هو قانُونها وحسب، أو الفي-ذاته الذي لها؛ فهي لا تمتلك بَعْدُ إرادةً جزئيّةً؛ لأنّ الوعي بالذات الخادمَ لم يتخرَّج بعْد الهُو الصرف الذي له، ولم يبثّ من روحِه في سلطة الدولة؛ بل لم يفعل ذلك أوّلاً إلاّ مع كينونته؛ فلم يُضحِّ للسلطة إلاّ بكيانه، لا بكونه-في-ذاته[29]. يمكن أن تُوسم تلك المرحلة «باللحظة الفردية»، وهي عند هيغل، وفقاً لقراءة ستيس، «عودة الجزئي إلى الكلي وعلاج الانقسام الذي حدث [...] هنا يسعى العقل البشري إلى إلغاء بُعده وانفصاله عن الله ويكافح لكي يربط نفسه بالله أو ليتّحد ويتصالح معه. ويتمثل هذا الجهد في العبادة»[30].

يمكن أن نختزل هذه المرحلة في ما يُعرف ﺑ «فردنة الدولة»/دولة الفرد وهي أعلى درجات الاغتراب السياسي؛ أن يلتحم الفرد بالدولة إلى حدّ فقدان هويّته حتى يُصبح هي أو العكس. استنساخ مقولة الفرد على وحدة الدولة أبلغ مثالٍ على ذلك، أصبحت الدولة تمتلك سلوكاً وقيماً وعلاقاتٍ مثل الفرد الذي يحمل انتماءاتٍ مذهبيّةً يدافع عنها ويحتمي خلفها. كذلك الدولة تلجأ إلى الاحتماء بالأيديولوجيات السياسيّة (اليبيرالية، الماركسية، القومية، إلخ).   

 على الرغم من أنّ هيغل رأى أيضًا الآثار السلبيّة للاغتراب، إلاّ أنّه افترض أنّ الاغتراب كانت له تأثيرات إيجابيّةٌ لأنّه من خلال وعي الأفراد الخارجي، فإنّ الروح تبنّى ثقافةً مشتركةً داخل المجتمع المدني […] مثل هيغل، جادل سارتر أيضًا بأنّ الاغتراب عالمي، لكنّه أمرٌ حتميٌّ، يتضمّن الاعتراف بـ «الغريب عنّي» (alien Me)، أي الاعتراف بأنّ جزءًا من وجود الشخص يتجاوز خبرته الذاتية[31]. وهي رؤيةٌ وجوديّةٌ تختصر لنا معاناة الإنسان ومكابدته للظروف الاجتماعية القاسية التي تأتي نتيجةً لإكراهات خارجةٍ عن قدرة الإرادة الإنسانية. فالاغتراب يمكن كذلك أن يُصيب حتى إرادة الإنسان، وعلى هذا الأخير مواجهة ذلك بقوة الإرادة لا بإرادة القوة كما يعتقد نيتشه.

   دراسة مقارنة بين ماركس وهيغل حول مفهوم الاغتراب: نحو إعادة بناء مفهوم جديد

في سياق التحليل النقدي للنظام الرأسمالي المحتضر، ظهرت فكرة الاغتراب التي روّج لها ماركس في مسودّاته ومخطوطاته الباريسيّة[32] (الاقتصادية والفلسفية) لعام 1844[33]. في الواقع، يرى بعض الماركسيين في هذه المخطوطات، أنّها النص الأخير لماركس الشاب، وهو النص الوحيد الذي يستخدم فيه مفهوم الاغتراب ويحلّل موضوعه[34]. إنّ المفهوم المستخدم في المخطوطات للتفكير في الاغتراب يعكس تراجع العلاقات الاجتماعية، وبالتالي اختفاء الطابع الاجتماعي للعمل والعلاقات بينهما. ومن هنا فإنّه في «المخطوطات»، يكتسي الاغتراب أبعاداً أنثروبولوجيّةً مع تلميحاتٍ مثاليّةٍ في كثيرٍ من الأحيان بسبب التأثير القوي لفيورباخ على ماركس[35]. في المقابل يؤكّد ألتوسير (Althusser) أنّه منذ عام 1845، وبشكلٍ ملموسٍ في الأيديولوجيّة الألمانية، يُحدث ماركس قطيعةً مع مشكلة الاغتراب. حيث طوّر ماركس مفاهيمَ نظريّةً جديدةً وأساسيةً لم تكن موجودةً في مخطوطات 1844، هذه المفاهيم تدلّ على قطيعةٍ جذريّةٍ ما قبل ماركسيّةٍ واعتُبرت مفاهيمَ ما قبل علميّةً ارتكزت على ثالوث جوهر الإنسان/الاغتراب/العمل المغترِب[36].

 إنّ حالة الاغتراب المادي عند ماركس والتي يمكن أن نصفها بالاستلاب أي سلب القيمة المضافة من أجر العامل؛ هي الإشارة التي لم يُنوّه لها هيغل، نظراً لاختلاف منظومته النقديّة عن المنظومة الماركسيّة في نقد النظام الاجتماعي، وهذا ربّما راجع لتباين في المرجعيّة الأيديولوجيّة، فهيغل كرّس فكره لخدمة البورجوازيّة الأوروبيّة الليبيراليّة في مرحلةٍ تاريخيةٍ محدّدةٍ. على عكس ماركس الذي مثّل في مرحلته المنظّر الأول للنضال البروليتاري الاشتراكي ضدّ البورجوازية الرأسمالية.

 بناءً عليه، قام ماركس بتحريك الجدليّة الهيغليّة من عالم الأفكار إلى أسسها الماديّة في الاقتصاد السياسي، مع مفهومٍ جدليٍّ للاغتراب كعمليّة اضطهادٍ وحالةٍ نفسيةٍ متعثّرةٍ، حيث طبّق ماركس «الاغتراب» على الوسط الاجتماعي والسياسي[37]. لقد تمّ فحص تصور هيغل عن الاغتراب وفقاً للانتقادات الماركسية[38]. في المقابل، أعطى هيغل توضيحاتٍ لمذهب الاغتراب والتي جذبت بدورها ماركس في أربعينيات القرن التاسع عشر[39]. فكان لهيغل تأثيرٌ مهمٌّ على ماركس، عندما اعترف هذا الأخير بفكرة هيغل، لكنّه رفض في الوقت نفسه تفسيراته الميتافيزيقية (metaphysical explanation) للاغتراب. وعليه، حمل السجال الهيغيلي الماركسي بداخله تأثيراً عميقاً على مناقشات القرن العشرين حول الاغتراب[40]. إنّ لحظة فقدان الكائن التي طوّرها هيغل، سنرى فيها الدور المركزي الذي سيحتفظ به ماركس في تصوره الخاص عن الاغتراب، وهو دورٌ تمثّل في أنّه لن يتم اعتبار الاغتراب بأنّه مجرد لحظةٍ ولكن سيبدأ السجال القادم في تحمل معنى الاغتراب ذاته[41].

هذه هي الدلالة الحقيقية للاغتراب–في نظر ماركس-التي لم يستطع هيغل أن يصل إلى كُنهها؛ مفهوم الاغتراب ما بعد الميتافيزيقي (المادي) الذي تجاوز القضايا الفلسفية والفينومينولوجية المتصلة بالوجود والدين والروح والدولة.

يقول مسزاروس (Meszaros)، في هذا المضمار: «إنّ ماركس ذهب أبعد من الترابط بين الدين والدولة إلى العلاقات الاقتصاديّة والسياسيّة والعائليّة التي تعبّر عن نفسها، دون استثناءٍ، في شكلٍ من أشكال الاغتراب»[42]. ففي «مخطوطات عام 1844» يُبرز ماركس الاغتراب كمصدرٍ للعلاقات الاجتماعيّة الرأسمالية. حيث يُؤرّخ ما كان هيغل يعتبره مشكلةً للفرد في حالة الاغتراب، في تحليله لذلك «وقف ماركس على رأسه». «بالنسبة لهيغل، فإنّ عملية التفكير، التي يدفع بها نحو موضوع مستقل، تحت اسم المثل الأعلى، هي خلق العالم الحقيقي، والعالم الحقيقي هو المظهر الخارجي للفكرة فقط. معي –يقول هيغل- العكس هو الصحيح: المثل الأعلى هو شيءٌ ما عدا العالم المادي ينعكس في ذهن الإنسان، ويُترجم إلى أشكال من التفكير». على عكس تطوره عند هيغل، الاغتراب عند ماركس هو شكلٌ معيّنٌ من الوجود ينشأ عن علاقة الأجور، كما يقول مارشيلو موستو(Marcello  Musto). هذا واضحٌ من تفصيل المفهوم في «مخطوطات 1844». هنا يصف ماركس أربعة أشكال من النشاط المُغترب: القطيعة مع المنتجات المباشرة؛ القطيعة في عمليات الإنتاج؛ الغربة عن كائناتنا (سيطرتنا على المجتمع الإنساني)؛ والانفصال الذي حدث بين الكيانات[43]. إذاً، عند هيغل يطال الاغترابُ الفكرة، أما عند ماركس فيصبغُ الوجود المادي. لكنهما يشتركان (هيغل وماركس) في توظيف مفهوم الجدل لفهم الاغتراب. يبرز اجتهاد ماركس في هذا السياق في تحويله لآلية الجدل المثالي إلى أداةٍ للنقد الموضوعي.

 اقترنت دراسة الاقتصاد السياسي بمنهجيّة ماركس في العرض والتحليل والنقد بالاتساق الداخلي للظواهر. وإلى هذا الحد، ينتبه ماركس مباشرةً لمفهوم النقد لأنّه، إذا عبّر عنه، من ناحية الفحص المثير للجدل لأحد الأشياء، فإنه يُعرب، من ناحيةٍ أخرى، عن إعادة البناء. [...] هذا النقد مفهوميٌّ في المقام الأول، لأنّه يُحدّد المفاهيم الأساسيّة التي يمكن أنْ تُفسّر تعبير هاته الظواهر. في هذا الاهتمام المزدوج بالطريقة والتصور الذي يجتمع به ماركس مع فلسفة هيغل. [...] لا يمكن فهمه على أنّه مجرد ماديّةٍ جدليّةٍ، بل كتحويلٍ نقديٍّ له؛ لذا فإنّ تحولها الجذري يعني أنّ الأسلوب الماركسي ليس مفهومًا كثيرًا كجدلٍ ماديٍّ، ولكن بوصفه نقداً يُفهم كصورةٍ فعّالةٍ للفلسفة[44].

في هذا السياق يمكن تحديد الفارق الأساسي بين هيغل وماركس؛ وهو الجدل الفلسفي بين التأمل والنقد في مسألة الاغتراب. فهيغل ينطلق من تأمله للروح في سرد مسيرة الاغتراب عند الإنسان حتى يصل إلى مفهومٍ متناقضٍ داخلياً وفكرياً. أمّا ماركس فينطلق من تحويل مفهوم الجدل إلى النقد الجذري لمثالية هيغل ليصل إلى مفهومٍ ماديٍّ واحدٍ للاغتراب يتعدّد في وسائله الاقتصادية وأبعاده النفسيّة واستخداماته الأيديولوجية.

فمن الأسباب التي أدّت إلى ظهور الأيديولوجية الألمانية وتوظيفها في الواقع الاجتماعي الأوروبي، والتي عرضها ماركس لفترةٍ وجيزةٍ في مقدمته «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي»[45]، يختصرها في النص التالي: «لقد عقدنا العزم على العمل معاً لكشف العداء بين طريقة رؤيتنا والمفهوم الأيديولوجي للفلسفة الألمانية: في الواقع، لتسوية حساباتنا بضميرنا الفلسفي في الماضي، لقد تمّ تصميم ذلك في شكل نقد ضمن الفلسفة ما بعد الهيغلية»[46].

 يمكن أن نستدعي في هذا الصدد التلازم الموجود بين الأيديولوجيا والتكنولوجيا والاغتراب في المجتمع الرأسمالي وهو المحور الذي اشتغلت عليه الماركسية، التي مهّدت في ما بعدُ للفلسفة ما بعد الهيغيلية المعاصرة مع أجيال فرانكفورت، خاصة في ما يتصل بالتوريث الماركسي لمفهوم الآلة وعلاقات الإنتاج وأثر ذلك على بروز مفاهيمَ جديدةٍ كالصَنميّة والسِلعيّة والتشيّؤ، تُعبّر عن أزمات الإنسان في العالم المعاصر.

    نقد مفهوم الاغتراب عند هيغل وتوظيفاته الأيديولوجية لدى الغرب:

يُعرّف جان-جاك شوفالييه (Jean-Jacques Chevallier) الأيديولوجيا على أنّها «نظامٌ متماسكٌ/متجانسٌ أو منظومةٌ من الأفكار، وتمثّلاتٌ فكريّةٌ يُحتمل أن تُحدِّد في اتجاهٍ معيّنٍ سلوك الإنسان». بالنسبة إلى رايموند آرون (Raymond Aron)، فإنّ الأيديولوجيات «مُثقلةٌ بإمكانياتٍ عاطفيّةٍ: فهي أقل في التوضيح منها عن الإقناع»، الأيديولوجيات هي «مجموعاتٌ عاطفيّةٌ-فكريّةٌ تُنظَّم بشكلٍ أو بآخر بالحقائق والتأويلات والقيم»[47]. بمعنًى، يمكن أن ننطلق في هذه الجزئيّة من الفرضيّة التي ترى أنّ الاغتراب الهيغيلي تمّ استخدامه لتحقيق أغراضٍ أيديولوجيّةٍ في النظم السياسيّة والاجتماعيّة الغربية.

 هذا ما يثبته الجهاز المفاهيمي الذي تقوم عليه الأيديولوجيات السياسيّة الحديثة الممتدة خلال الحقبة: من الثورة الفرنسيّة حتى توكفيل (Tocqueville)، فمركز أعمال هيغل –باعتباره ينتمي إلى الفترة نفسها- أنّ مفاتيح معرفة الأيديولوجيات السياسية ينبغي أن تكون في أشكالها الحالية والراهنة[48]. على هذا الأساس سنعتمد على استراتيجيّة استجلاء «التأويلات والحقائق والقيم» الموجودة خلف الأيديولوجيات السياسية في الفضاء الغربي الذي ينتمي إليه الوعي الهيغيلي بالحداثة. وذلك باتباع التحليل النقدي والإبستيمولوجي للاغتراب في البحث عن شموليّةٍ تفسيريّةٍ لنفس المفهوم.

 إنّ مفهوم الاغتراب كبناءٍ أوّليٍّ ينطوي على فجوةٍ بين المعرفة والحقيقة، بين موضوعٍ كليٍّ (ذاتي-) واعٍ بالوضع الاجتماعي، والموضوع المسيَّس بشكلٍ صحيحٍ[49]. بطبيعة الحال، في عام 1807، كانت المقاربة الأكثر دقّةً، من حيث الأسس الموضوعيّة، هي أنّ نقيض مفهوم الاغتراب يلفت النظر الآن إلى فلسفة المصالحة (بما في ذلك مع الحاضر التاريخي ومع الدين الوضعي، إلخ.)، لم يكن ذلك أكثر من التزامٍ نقديٍّ حاسمٍ، كما كان الحال قبل عام 1800. ولكن الاختلاف النظري الأبرز هو أنّ هيغل قد تحوّل من النموذج الطبيعي للاغتراب [= فقدان الطبيعة من خلال ضياع الطبيعة السوية للإنسان] إلى النموذج الروحي [= لحظة الظهور الجذري في عملية التأكيد التطوري للذات].[50]

يمثّل هذا الانتقال عند هيغل جدل الارتقاء (الاوفبوغون) إلى معاني التسامح والحرية والحق في الفضاء العمومي الغربي، لكن هذه القيم ذابت في النموذج السياسي الراهن للاغتراب نظراً لارتباطها بالحقائق الأيديولوجية، وهذا ما تلخصه لنا الرؤى التأويليّة التي وظفها فلاسفةٌ معاصرون في فهم الاغتراب الهيغيلي من حيث تاريخهُ النقديُّ وامتداداتُه التداوليّةُ الراهنةُ.

تشير تداوليات الاغتراب في الفكر الغربي المعاصر، إلى أنّه يوجد ثلاثة اتجاهاتٍ حاسمةٍ تنتمي إلى الخط الماركسي الزمني، ضمن مفهوم الاغتراب، تنحصر في الغرب والشرق الأوسط، وتستخدم مصطلح الاغتراب بطرقٍ متباينةٍ[51]: أوّلاً، الاغتراب باعتباره تفسيراً عالمياً لحالة الإنسان، في الحقبة الصناعية وما بعد الصناعية، من منظورٍ فلسفيٍّ ونفسيٍّ (مثل إيريك فروم وهيربرت ماركوز)؛ ثانياً، الاغتراب بوصفه فئةً مجردةً، غالباً ما يكون لأغراضَ دعائيّةٍ، والذي يستخدم في الصراع الأيديولوجي ضدّ الرأسمالية من قبل الشيوعية-الاشتراكية (وخصوصاً في الماركسية العقائدية)؛ ثالثاً، الاغتراب كأداةٍ للنقد الأخلاقي والإنساني ضدّ بعض الظواهر التي هي تجريبيّة في المقام الأول، في النظم الاجتماعية الحالية، في الغرب والشرق (انتقاد البيروقراطية، وعبادة الشخص، إلخ).

 في الأنثروبولوجيا الفلسفيّة، يوصف الاغتراب بأنّه وضعٌ اجتماعيٌّ (social condition) يُحبط الاحتمالات البشرية للمجتمع ولإدراك الذات الذي يُمَكِّن من تحقيق حياةٍ مُرضيةٍ. تدور المناقشات حول ما إذا كانت هذه القيود بسبب الرأسمالية أو الحداثة أو الوضعية الإنسانية. كان للانتقادات الرئيسيّة للاغتراب ومعانيها وأسبابها واستراتيجيات التطوير حولها، لها تأثيرٌ دائمٌ. للأسف، لم يكن هناك نقدٌ كبيرٌ في السنوات الأخيرة[52].

 بالرغم من ذلك سنحاول وضع منظومةٍ نقديّةٍ من خلال عرضٍ تقييميٍّ للقضايا الراهنة المرتبطة بالنواة المفهوميّة للاغتراب الهيغيلي وتمثلاتها الأيديولوجيّة في الواقع الغربي المعاصر، وذلك بالتطرق للمسائل التالية:

نقد الأساس المفهومي للاغتراب في الفكر الهيغيلي:

على هذا الأساس وَجدت فكرة الاغتراب تعبيرًا داخل النقد الاجتماعي والسياسي في القرن الثامن عشر، وهي واضحةٌ بشكلٍ خاصٍّ في كتابات روسو. لقد كان هيغل هو أول من أعطى اهتمامًا منهجيًّا لمشكلة العزلة (estrangement)[53]، لكن في سياقٍ مغايرٍ تماماً، يبدو أنّ فيورباخ هو من كان أول من استخدم مفهوم الاغتراب بشكلٍ منهجيٍّ وواعٍ، لا هيغل، بمعنى أنّ الاغتراب لا يزال مفهومًا اليوم، بالمعنى النقدي[54].  في كتاب «هيغل الشاب» (The Young Hegel)، الذي نُشر عام 1948 ولكنّه اكتمل قبل ذلك بعشر سنوات، يركّز جورج لوكاتش بشكلٍ خاص على دراسة تشكيل مفهوم الاغتراب في الفكر الهيغلي من حيث ازدواجية المفهوم[55].

في تقديري، من جهةٍ يفترض هيغل أنّ الاغتراب هو تجاوزٌ للغيريّة نحو التمركز حول الذات (فكرة الاغتراب في مرحلتها الفرانكفورتيّة)، حينما تنغمس الذات في جوهرها وتنفصل عن موضوعها. هنا يبرز الجانب السلبي للاغتراب. لكن في الآن نفسه، يمكن للذات أن تتحرّر مما هو غريبٌ عنها من قيودٍ ومحدداتٍ فرضتها على نفسها بتأسيس وعيٍ جمعيٍّ يمكّنها من بناء حياةٍ سياسيّةٍ مدنيّةٍ مشتركةٍ مبنيةٍ على أساس مبدأ الاعتراف بالآخر. لكن تحصيل هذا الأخير كما تعتقد الفلسفة الغربية المعاصرة أيضاً يعتمد على اتباع منهجٍ صراعيٍّ، ولذلك أشار آكسل هونيث إلى ظاهرة «الصراع من أجل الاعتراف»[56]، وبالتالي بروز جدليّته حول الاغتراب والاعتراف.

2 -الاغتراب والاعتراف:

الاغتراب بوصفه بذيئاً، ذلك لأنّنا نرفض أن نرى العالم المجنون الذي نخلقه في تهوّرٍ قاسٍ، في رفض الاعتراف بالآخر في حدّ ذاته، الغيريّة التي تَعيشُ فينا وبدونها نحن لا شيء. نصبح شبحًا، أشباحًا تلاحق حياة الآخرين، الذين نرفض وجودهم[57]. لذلك، فالإنسان لا يرفع نفسه إلى مستوى الإنسانية في عزلة، بل في معركةٍ لحدّ الموت من أجل «الاعتراف»[58]. هذا «الآخر» ليس إلاّ ذاته (ومن هنا كانت لغة «العودة إلى ذاته»)[59].

     على النقيض من ذلك، فإنّ مصطلح «الاعتراف» (Recognition)، يأتي من داخل الفلسفة الهيغلية، وتحديدًا من ظواهر الوعي. في هذا التقليد، يُقرّ الاعتراف بعلاقةٍ متبادلةٍ مثاليّةٍ بين الموضوعات التي يرى كلّ منها الآخر على أنّه متساوٍ وكذلك منفصلاً عنه. تعتبر هذه العلاقة التأسيسيّة من أجل الذاتيّة (Subjectivity)؛ يصبح الفرد موضوعًا فرديًا فقط بسبب الاعتراف بموضوعٍ آخرَ والاعتراف به. [...] تمرّ الآن نظريّة الاعتراف بنهضةٍ، حيث إنّ الفلاسفة الجدد مثل تشارلز تيلور( Charles Taylor) وأكسل هونيث (Axel Honneth) يجعلون منها محور الفلسفة الاجتماعية المعياريّة التي تهدف إلى البرهنة على «سياسات الاختلاف (the politics of difference)»[60].

 يتفق كارل أوتو آبل مع يورغن هابرماس في نقد الأيديولوجيا، وبيان ممارساتـها القمعيّة التي تُعلي من شأن الاغتراب الرأسمالي، على حساب الحوار والتواصل، وقد اتجه آبل إلى ربط علاقات نقد الأيديولوجيا مع المسيرة التأويليّة العلميّة التي تتيح لإمكانيّة النقد، العملَ والتواصل، ووضع الأسس والأصول لنظريّةٍ اجتماعيّةٍ تقوم على أساس تفاعل الوحدات الاجتماعيّة مع بعضها في ظلّ الحريات الممنوحة، مع غيابٍ مطلقٍ لنزعات التسلّط والقمع، وبذلك عَدّ آبل مشروع نقد الأيديولوجيا نوعاً من السياسات المنهجيّة التي تقدّمها التأويليّة لتفسير الظواهر والفعاليات الاجتماعية[61].

بناءً على ما تقدم، فإنّ جدليّة الاغتراب والاعتراف في القرن الواحد والعشرين تمركزت حول فهم الآخر المختلف وتأويل ممارساته العلائقيّة مع الذات المغتربة والمحتقنة مع ذاتها. فالإنسان المعاصر حبيس غربة التطرف يجد في ممارسة الانفتاح على الآخر متنفّساً لاحتقانه الداخلي. لأنّ الوعي الذاتي بالاغتراب لا يمكن أن يكون منفكّاً عن سلطة وقمع الأفكار المتطرفة إلاّ بقبول الآخر كطرفٍ في عمليّة الحوار والتفاهم والتسامح.

    استلاب الحريّة والمعرفة:

سلب الحريّة: الحريّة لا يمكن تصورها دون نفيٍ. [...] لأنّ هيغل يُدرك الدور المركزي الذي يلعبه النفي في تكوين الذاتيّة، إنّه فيلسوف الحريّة[62]. يرى هيغل، بأنّ المصلحة الذاتيّة لا علاقة لها بحريّة الموضوع، فهذا الأخير يعتمد على تغريب ذاته عن المصالح التي منحتها إياه الطبيعة والمجتمع. إنّ الموضوع الحر يُغرّب ذاته عن معطياته الخاصة، والدولة هي وسيلةٌ لجعل هذا الاغتراب واضحاً لهذا الموضوع، وهذا هو السبب في أنّ هيغل يُصرُّ عليه بشدّة. فقط من خلال تعريف ذاته مع الدولة بأن الموضوع يدرك أنّ حريته لا تكمن في السعي وراء مصلحته الشخصيّة بل في اقتلاع هذا السعي[63]. يظهر الموضوع الذي يؤكد على حريته فقط عندما يقبل تغريبًا أساسيًّا عما يخدم مصلحته الذاتية[64]. في كتابه «فلسفة الحرية عند هيغل»[65]، يشير «بول فرانكو» [...] إلى أنّ الدولة لا توفر فقط بيئةً يستطيع فيها الشخص التصرف بحريّةٍ دون خوفٍ دائمٍ على حياته. فالأكثر من ذلك، أنّها تُجبر الشخص على الخضوع لنبذٍ صريحٍ وضروريٍّ لمصالحه، ما يمكّن هذا الموضوع من فصل حريّته عن النهوض بمصلحته[66].

سلب المعرفة: المعرفة المطلقة، ليست موضوعًا للمعرفة [...] ولكن عمليّةً ديناميكيّةً [...] الروح هو تطورٌ ولكنّه «في الوقت نفسه يعود إلى ذاته»، [...] هذا ما يعنيه هيغل عندما يقول أنّ الطبيعة الحقيقية للروح هي «الهدف النهائي النشط الذي يخلق ذاته». «الغاية النهائية» (أي المعرفة المطلقة) هي نتيجة لنشاطه الخاص، وحركته الجدليّة الخاصة. «المعرفة المطلقة تنبثق من عملية تغريبٍ ذاتيٍّ -ولكن طوال تطورها الروحي، فإنّه من خلال الاستقلاليّة الذاتيّة تتم تجربتها. أولاً كاغترابٍ- أي، كمواجهةٍ مستمرةٍ مع الآخر. يتم إنشاء هذا التباين من التناقضات الداخليّة الكامنة في تجربة الوعي[67].

إنّ تجربة السلب الأنطولوجي للحريّة والمعرفة يمكن اختزالها في مشكلة الهويّة والاغتراب. فكلما كان التحقق الروحيّ للحريّة في واقع الذات الإنسانيّة بدرجةٍ عاليةٍ، كلّما ارتفعت درجة الإدراك المعرفي لهذا الواقع بصفةٍ شمولية، وبالتالي يتجسّد المعنى الجوهري للهوية الذي يستمد أصوله من فقه اللغة/الفيلولوجيا (الهو، يعني الآخر) على هذا الأساس تكون الهويّة تدعيماً أساسياً للوعي الرافض للاغتراب.

تناقض الوعي الهيغيلي حول الاغتراب:

هناك مساران متعارضان يكمن وراءهما اغتراب الروح: إما أن نعترف بسلطة العقل كمبدأ منظمٍ للحياة الاجتماعية، أو أن نُخرج من الواقع جميع الظواهر المضادّة له[68]. بمعنًى آخر، إمّا تصالح العقل مع العالم أو تصادمه معه.

في الواقع، حتى لو لم يقترح هيغل أن يصنع تاريخًا من الروح داخل الفينومينولوجيا، فإنّه لا يتوقف عن استخدام العديد من الأحداث التاريخيّة كخلفيّةٍ لحجته. تنتشر تلك المتعلقة بالروح المغترب من اختفاء الأخلاق اليونانيّة الخيّرة حتى الثورة الفرنسية. وهكذا، لإصلاح خصوصيّة الاغتراب في سياق تاريخٍ عالميٍّ، فمن المعقول التأكيد على أنّه يشكل بوابةً للحداثة. إنّه المِفصل بين واقعين متضاربين بينهما والروح المغترب يشهد على التحول من واحدٍ إلى آخر. عندما يريد هيغل تفسير هذا المقطع، فإنّه يلجأ دومًا إلى الانشقاق بين وعي الفعاليّة ووعي الجوهر[69]. هنا يجب تتبع أثر فلسفة كانط (Kant) النقديّة حول جدليّة الاغتراب التي طورها هيغل[70]. إنّ نقد الميتافيزيقا هو التوليف المفاهيمي لمستقبلٍ حاسمٍ يمكننا التعرف عليه في نهاية مسار الروح المُغترب. ومن ثم، فإنّ نقد التنوير (Aufklنrung) للإيمان هو اكتشاف حقيقة الروح من خلال سلسلةٍ من اللحظات الخاطئة. ورغم ذلك، فيُعتبر حشد زيف المظاهر إعادة تعريفٍ متتاليةٍ من الوعي الذاتي، وذلك بهدف التوصّل إلى فهمٍ كافٍ للروح المغترب[71].

ترتيباً على السابق، يمكن أن نعتبر التاريخ بوصفه أداةً لنقد الاغتراب في السياق الحداثي الذي كشف عن العديد من التناقضات، والدليل على ذلك نجده في النظم الدينيّة الأوروبيّة -خلال عصر التنوير- التي بقيت شاهدةً على الصراع الممتد بين السياسي والديني منذ العصور الوسطى. فيُعدّ ذلك نتيجةً حتميّةً لظاهرة الاغتراب الفكري التي سادت في فترةٍ غلب عليها طابع النضال من أجل الحق المجرّد.

 في المقام الأول، هنا نتحدث عن عمليّة التنشئة الاجتماعية من «البيلدونغ، Bildung»[72]، التي وضعها هيغل كحركةٍ متناقضةٍ مع الحق المجرد. إنّ اغتراب الجوهر الاجتماعي هو عمليّةٌ تهدف إلى قمع الاعتراف الخالص بالفرد كموضوع للقانون، ولكنّه يؤدي إلى فعاليّةٍ غير أساسيةٍ، يجسّدها الفرد الخاضع لـ لبيلدونغ. الطابع السلبي لهذه الجدلية يتكون في التعميم السلبي لعمليات التنشئة الاجتماعية في عالم الثقافة. بقدر ما يسعى البيلدونغ إلى تأكيد الفعاليّة الفرديّة من خلال تكييف الفرد مع الحياة الاجتماعية، تجدُ الذات في المجتمع ومؤسساته المختلفة شكلاً من الأشكال غير الضروريّة وأيضاً الأجنبيّة عنها. في مفهوم الطبيعة الثانية، يتمّ التعبير بوضوح أكثر عن سبب كون «البيلدونغ» مصدرًا للاغتراب بدلاً من التحرّر، والتأقلم مع المضمون الاجتماعي كطابعٍ جديدٍ يجب اكتسابه، ذلك يعتبر نفيًا لجوهر الحرية التي تحدّد الروح. وهكذا يمكننا أن نعترف بالطبيعة المزدوجة للاغتراب بصيغةٍ جديدةٍ للانقسام بين البورجوازي والمواطن[73].  الآن، كيف يمكن للبيلدونغ الهيغيلي أن يكون تأسيسياً للاغتراب؟

يعتمد هيغل على التاريخ الطبيعي للكائن ليجعل من الثقافة التضاد، أي كاغترابٍ عن النشأة الطبيعية للكائن البشري، ثم تصالحٍ وانسجامٍ[74]. في نظري، وعلى أساس الرأي السابق، فإنّ حالة الاغتراب موجودةٌ حتى في انفصال الطبيعة عن الثقافة في فضاء الإنسان، لكن يمكن أن يخرج الإنسان من حالة الانفصال إلى حالة الاتصال بينهما، عندما يضع الموضوع الايطيقي المتمثل في «الذاتية المشتركة» من أولويات تفكيره واعتبارات سلوكياته.

لقد حدث تحولٌ كلّيٌّ على مستوى النقد الأخلاقي للاغتراب عند هيغل. إنّه يقترب من مسألة تجاوز الاغتراب لا كمسألةٍ «واجبةٍ» أخلاقياً وإنّما بوصفها ضرورةً داخليةً. وبعبارةٍ أخرى، فإنّ فكرة «أوفبوغون،Aufhebung «[75] الاغتراب تتوقف عن كونها مسلمةً أخلاقيّةً: يعتبر ضروريًّا في عمليّة الجدليّة في حدِّ ذاتها. وفقاً لهذه السمة من فلسفة هيغل نجد أنّ مفهومه للمساواة له مركزٌ مرجعيٌّ هو عالم «الهو»، لا مفهوم «الواجب» القانوني والأخلاقي. الأمر يحتاج إلى «ديمقراطويّةٍ إبستيمولوجيّةٍ epistemological democratism»- أي تأكيد الواجب وفقاً لكلّ إنسانٍ قادرٍ فعلاً على تجسيد المعرفة الحقيقية، شريطة أن يقترب من وظائف طبقات الجدل الهيغيلي، التي تُعتبر مكوّناً أساسياً لتصوره التاريخي للفلسفة، وبالتالي لا عجب، أنّه في وقتٍ لاحقٍ نجد أنّ كيركيغارد (Kierkegaard)  يراه غير تاريخيٍّ بشكلٍ جذريٍّ ويستنكر، مع الازدراء الأرستقراطي، هذا «الكلي» للفهم الفلسفي للعمليات التاريخية. ومع ذلك، بما أنّ التناقضات الاجتماعيّة والاقتصاديّة نفسها يتمُّ تحويلها من قِبل هيغل إلى «كياناتٍ فكريّةٍ»، فإنّ الأفبوغون ضروريٌّ للتناقضات الظاهرة في العمليّة الجدلية. فهي ليست في التحليل الأخير سوى مفاهيميّةٍ («مجرّدةٍ، منطقيّةٍ، فرضيّةٍ») مُهمّةٍ للتفوق على التناقضات التي تطبع واقع الاغتراب الرأسمالي دون منازعٍ. لهذا السبب يجب على ماركس أن يتكلم عن «نظرية» هيغل غير النقدية. تظلُّ وجهة نظر هيغل دائماً نظرةً برجوازيّةً. لكنّه بعيدٌ كلّ البعد عن كونه غير مثيرٍ للاستشكال الجدلي. على العكس من ذلك، فإنّ الفلسفة الهيغلية ككل تُعرض بطريقةٍ أكثر رسوخيّةً وهو الطابع المثير للجدل حول العالم الذي ينتمي إليه الفيلسوف نفسه. يتناقض العالم من خلال طبقاته، على الرغم من طابعها «المجرد والمنطقي»، وما تحمله من رسالةٍ ضروريّةٍ للتعالي والتناقض داخل العبارات الوهميّة، فمن حيث التسمية هي تصورٌ هيغيليٌّ خالصٌ. بهذا المعنى، تعتبر فلسفة هيغل كلياً بوصفها خطوةً حيويّةً في اتجاه الفهم الصحيح لجذور الاغتراب الرأسمالي[76].

الاغتراب والعدميّة:

إنّ مفهوم الاغتراب الذي ينتمي إليه ماركس يُنظر إليه على أنّه نموذجٌ للعدمية (Nihilism). جادل مايكل نوفاك (Michael Novak)، مؤكّداً على أولويّة تجربة العدم لديه، بأنّ كلاًّ من الاغتراب والعدميّة هي تفسيراتٌ إيديولوجيّةٌ لتلك التجربة. [...] بالتالي سيخضع تحليل التجربة البشريّة إلى اتجاهات ٍمختلفةٍ تمامًا، [...]. يقف القرن التاسع عشر كمثالٍ واضحٍ على هذا الاختلاف: في حين أنّ نيتشه (Nietsche)، بدايةً بمشكلة العدمية، يقود ماركس في اتجاه فلسفة اللعب، باستخدام مشكلة الاغتراب كنقطة انطلاق في كتاباته المبكرة، حيث يتحرّك نحو فلسفة النشاط البشري كعمل.[77]

لقد فُسّر العالم، بتوجيه الاغتراب فقط ضدّ كفاءة مجموعةٍ معينةٍ من الأشكال الأيديولوجية. العدميّة هي إنكارٌ لكلّ الأنطولوجيا، في حين أنّ مفهوم الاغتراب الذي يتّبعه ماركس ينطوي على التأكيد على الوجود وضرورة تحقيق الكائن البشري. [...] يمكن للمرء أن يحافظ على أنّ العدميّة هي أكثر جوهريّةً من الاغتراب بمعنى أنّه يتم التشكيك فيه، لكن هذه الأطروحات محدّدة، بشكلٍ أساسيٍّ في مجالها الخاص المتصل بخطابها. [...] بالنسبة إلى العدميّ أو الشخص الذي عاش تجربة العدميّة كما وصفها نيتشه، فإنّ الاغتراب لا يعتبر تجربةً أساسيّةً مثل العدميّة، [...] بالنسبة لأتباع ماركس الشاب، فإنّ العدميّة هي رفاهيّةٌ برجوازيةٌ[78].

لكن هيغل باعتقاده أنّ الوجود هو النقيض الدياليكتيكي للعدم، وقع في سياج النقد لأنّه في مرحلةٍ محدّدةٍ من مسار الاغتراب الذي تحدث عنه إمّا يعدم الذات أو يعدم البنية السوسيولوجيّة. فعل الإعدام هنا هو إقصاء الفرد من دائرة التصالح مع ذاته أو التسامح مع الآخر المختلف. وبالتالي وقوع الإنسان في حالة وجودٍ اغترابيٍّ في كلتا الحالتين. هنا تبنّى هوركهايمر (Horkheimer) أطروحته الشهيرة حول «نهاية دور الفرد» وفاعليته داخل الحياة الاجتماعية والاقتصادية. يأتي هذا في إطار تحول النظام الرأسمالي من نزعته الفرديّة المرتكزة على الفلسفة الليبيرالية إلى توجهه الاستهلاكي القائم على الفعل الإنتاجي.

الاغتراب واللاّعقلانيّة:

يمكن اعتبار «حالة الاغتراب حالةً من اللاّعقلانية، ( state of alienation is a state of irrationality)»[79]، فالاغتراب بوصفه شرطاً نفسياً يُشير إلى انهيار الترابط الطبيعي بين الأفراد وإنتاجهم وشعورهم بالانفصال عن الأوساط الاجتماعيّة حيث ينظر الفرد إلى علاقاته داخل السياق الاجتماعي على أنّه غير معقولٍ على الأمد الطويل[80].

تتخذ مدرسة فرانكفورت [تحديداً مع ماركيوز Marcuse] من نقد العقل الأداتي، أداةً لفهم مسألة الاغتراب، في قلب تحليلها ترتكز هاته المدرسة على تصور ماركس للاغتراب، لأنّه مستوحًى من الفئة الفلسفيّة التي تشتغل على تقديم النقد الجذري للطابع الأيديولوجي والدفاعي للتفكير الوضعي. في وقتٍ لاحقٍ، من خلال دراسة التطور التاريخي للعقلانيّة الأداتيّة (la rationalité instrumentale)، سنرى ما يستلهمه ماركيوز من نظريّةٍ توحي بالمفهوم الماركسي عن الاغتراب لتحليل المجتمع المعاصر[81]. وهكذا، في كتاب «العقل والثورة: هيغل وصعود النظريّة الاجتماعيّة»[82]، يلتزم ماركيوز بعرض الديالكتيك كأساس للنقد الاجتماعي في سياق عرض فلسفة هيغل وماركس[83].

لا ننس توجه جورج لوكاش –الذي يُعتبر من الجيل المناهض للتقليد الهيغيلي في كتابه «التاريخ والوعي الطبقي»[84]-نحو الدعوة إلى تحطيم صنم الاغتراب من خلال البحث عن الأسس الأيديولوجية واللاّعقلانية التي تتحكم في العلاقات الاجتماعية القائمة على السلعة والتشيُّؤ.  هذا ما ذهب إليه هابرماس، في إطار نقده للعقل الأداتي، عندما ربط بين توغّل التقنية داخل المجتمع وأثر ذلك على فقدان الذات لكيانها وانحراف الإنسان عن شعوره الحقيقي في تأكيد الذات. تتجلى كذلك حالة اللاّعقلانيّة عند ماركيوز في اتباع هذا الأخير براديغم الاختزال، بمعنى اختزال الحياة الإنسانيّة في بعدٍ واحدٍ هو التقدم التكنولوجي والعلمي.

خاتمة:

 بعد تتبع المسار النقدي حول مفهوم الاغتراب الهيغيلي والبحث عن تاريخيّته الإبستيميّة وراهنيّته النقديّة، نلاحظ أنّ الاغتراب بدأ مع اللحظة الهيغيلية كبناءٍ اصطلاحيٍّ يُؤسّس للاستخدام المنهجي من جهةٍ. من جهةٍ أخرى، برزت أطروحةٌ ثنائيّةُ التأصيل تحمل بداخلها قيماً سلبيةً وخصائصَ إيجابيّةً للاغتراب. لكن الفلسفة الغربيّة المعاصرة في مرحلتها ما بعد الهيغيلية [من نيتشه إلى مدرسة فرانكفورت] عزمت التركيز على التقييم الحدّي للاغتراب الذي وُظّف للنظر من زاويةٍ ضيّقةٍ ورؤيةٍ اختزاليةٍ، حيث باشرت التداوليات النقديّة المعاصرة مهمّة تفكيك البنية الأيديولوجيّة للاغتراب من خلال الاستعمال النقدي للمصطلح والظاهرة.

 لم يتشكل هذا النقد إلاّ بعد الانطلاق من الرؤية الموضوعيّة للعالم، التي تُظهره على حقيقته الأصليّة من حيث إنّه انعكاسٌ للصورة السلبيّة للاغتراب القائمة على تناقضات وجدليات الوعي الهيغيلي، والذي زاد من حدّة خطورتها صعود المتغيّر العلمي والتكنولوجي وهيمنته على الحياة الإنسانية، وتحويل الإنسان عن غاياته الفطريّة ومشتركه الطبيعي المُرتسم في العيش معاً بعيداً عن الغربة النفسيّة والعزلة الذاتية. فالذاتيّة المشتركة أو «التذاوُت» هو السبيل العقلاني لإزاحة الغمامة الاغترابيّة التي عمّت وغشّت العالم المعاصر.

---------------------------

محمد أمين بن جيلالي : أستاذ العلوم السياسيّة، باحثٌ في الفلسفة المعاصرة-جامعة غليزان (الجزائر).

- نسبةً إلى الفيلسوف الألماني جورج فيلهايم فريدريك هيغل G. W. F. Hegel (شتوتغارت، 1770 – برلين، 1831).

[2] - Yvon Quiniou, «Pour une actualisation du concept d’aliénation», Actuel Marx, vol. 39, N°.01, 2006, p.80.

[3] - Ibid, p.80.

[4] - فالح عبد الجبار، «المقدمات الكلاسيكية لمفهوم الاغتراب: هوبز، روسو، هيغل»، مجلة الكوفة، السنة الأولى، العدد الأول، جامعة الكوفة، خريف 2012، ص.10.

[5] - Eduardo Jochamowitz Cلrdenas, «La dialectique de l’aliénation dans la Phénoménologie de l’Esprit de Hegel», Mémoire présenté en vue de l’obtention du grade de Master en Philosophie, Université catholique de Louvain, Faculté de philosophie, arts et lettres, ةcole de Philosophie, Année académique 2016-2017- P58..

[6] - فالح عبد الجبار، «المقدمات الكلاسيكية لمفهوم الاغتراب: هوبز، روسو، هيغل»، المرجع السابق، ص-ص.13-14.

[7] - Jean-Jacques Rousseau, Discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes (1754).

[8] - فالح عبد الجبار، المرجع السابق، ص-ص. 17-18.

[9] - Ousmane Sarr, Le problème de l’aliénation : Critique des expériences dépossessives de Marx à Lukلcs, Préface de Stéphane Haber, Paris, L’Harmattan, 2012, En marge d’une page P.16.

[10] - Neni Panourgiل, «Alienation», in William A. Darity Jr. (Editor in Chief), International Encyclopedia of the Social Sciences, USA, Macmillan Reference, 2nd edition, Vol. 01, 2008, P.75

[11] - Devorah Kalekin-Fishman, «Alienation: The critique that refuses to disappear», Current Sociology Review, Vol. 63, N°.06, 2015, P.917.

[12] - Neni Panourgiل, «Alienation», Op.Cit, P.75.

[13] - Marc Herceg, « Le jeune Hegel et la naissance de la réconciliation moderne, essai sur le fragment de Tübingen (1792-1793)», Les ةtudes philosophiques, vol. 70, N°.03, 2004, p386.

[14] - G. W. F. Hegel, Leçons sur 1´histoire de la philosophie, Introduction : Système et histoire de la philosophie, Traduit de l’allemand par J. Gibelin, Gallimard, 1954, P.202.

[15] -Muhammad Iqbal Shah, «Marx’s Concept Of Alienation and Its Impacts On Human Life», Al-Hikma, Vol. 35, 2015, PP.46-47.

[16] - Franck Fischbach, «Transformations du concept d’aliénation. Hegel, Feuerbach, Marx», Revue germanique internationale, Vol.08, 2008, P95..

[17] - H. B. Action (1967), «hegel, georg wilhelm friedrich (1770–1831)», Bibliography updated by Tamra Frei (2005), In Donald M. Borchert, Editor in Chief, Encyclopedia of Philosophy, Second Edition, Vol.04., Macmillan Reference USA-Thomson Gale, 2006, P. 263.

[18] - يُعتبر مفهوم الألينة الموحّد بجسد مفردةٍ واحدةٍ ولكن متعدّد الدلالات، اكتسب في الألمانية، بسبب من تعدد ظلاله، ثلاث مفردات، ثلاثة تعابير، الشق الأول: نقل الحقوق، نقل الملكية، التخلي، يعادله في الألمانية (Verنusserung) والشق الثاني: الاغتراب، الاستلاب، الانفصال، ويعادله تعبير:( Entfremdung)، أما ظلّ المعنى المرادف للانسلاخ، أو الاستلاب فيجد التعبير عنه في مفردةٍ ثالثةٍ هي: انسلاب (Entنusserung) وإن كانت لهذه المفردة خصوصيّةٌ هيغيليةٌ (وفيختية أيضاً). أنظر:

   فالح عبد الجبار، الاستلاب: هوبز، لوك، روسو، هيغل، فويرباخ، ماركس، بيروت، دار الفارابي، ط.1، 2018، ص-ص.63-64.

[19] - Franck Fischbach, «Transformations du concept d’aliénation. Hegel, Feuerbach, Marx», Op.Cit, P96..

[20] - Diane Einblau, «Allienation: A Social Process», A Thesis Submitted In Partial Fulfilment Of The Requirements For The Degree Of Master Of arts,  The Department Of Political Science, Sociology and Anthropology, Simon Fraser University, December 1968, PP.17-18.

[21] -Claude SPENLEHAUER, «Qu’est-ce Que L’Alienation?», Master 2 Education, Formation et Intervention sociale Université Paris 8, Vincennes/Saint-Denis, Juin 2015, P.25.

[22] - J. Peter BURGESS, «Force et Resistance dans La Philosophie Politique de Hegel», Thèse presente pour obtenir le grade de Docteur, Discipline/Spécialité : Philosophie, Université François-Rabelais De Tours, Ecole Doctorale shs, 26 mars 2010, P.61.

[23] - Claude SPENLEHAUER, «Qu’est-ce Que L’Alienation», Op.cit, PP.25- 26.

[24] - هيغل، فينومينولوجيا الروح، ترجمة وتقديم ناجي العونلي، بيروت، المنظمة العربية للترجمة-مركز دراسات الوحدة العربية، 2006، ص.130.

[25] - ولتر ستيس، فلسفة الروح: المجلد الثاني من فلسفة هيغل، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، ط.3، 2005، ص.176.

[26] - هيغل، فينومينولوجيا الروح، ص-ص.770-771.

[27] - المصدر نفسه، ص.742.

[28] - ولتر ستيس، فلسفة الروح: المجلد الثاني من فلسفة هيغل، المرجع السابق، ص.176.

[29] - هيغل، فينومينولوجيا الروح، المصدر السابق، ص.530.

[30] - ولتر ستيس، فلسفة الروح: المجلد الثاني من فلسفة هيغل، المرجع السابق، ص.176.

[31] - Kalekin-Fishman and Langman, «Alienation», Sociopedia.isa, Editorial Arrangement of Sociopedia.isa, 2013, P.1.

[32] - Karl Marx, Economic & Philosophic Manuscripts of 1844, Progress Publishers, Moscow, First Published, 1959.

[33] - Ousmane Sarr, Le problème de l’aliénation :Critique des expériences dépossessives de Marx à Lukلcs, Op.Cit, P.16.

[34] - Ibid, P.17.

[35] - Ibid, P.20.

[36] - Ibid, P.23.

[37] - Devorah Kalekin-Fishman, «Alienation : The critique that refuses to disappear», Current Sociology Review, Vol. 63, N°.06, 2015, P.918.

[38] - Sevg DOGAN, «Hegel and Marx On Alienation», In partial fulfillment of The requirements for the degree of Master of arts In the department of philosophy, Middle East Technical University, february 2008, P. iv.

[39] - H. B. Action (1967), «Hegel, Georg Wilhelm Friedrich (1770–1831)», In Donald M. Borchert, Editor in Chief, Encyclopedia of Philosophy, Op.Cit, P.263.

[40] - Kirk F. koerner, «Political Aliénation», a thesis submitted in partial fulfilment of the requirements for the degree of master of arts, the faculty of arts, dept. of political science, university of british columbia, april 1968, P.і (abstract).

[41] - Franck Fischbach, «Transformations du concept d’aliénation. Hegel, Feuerbach, Marx», Op.Cit, P95..

[42] - Sevg DOGAN, «Hegel and Marx On Alienation», Op.Cit, P.88.

[43] - Matthew Greaves, «Cycles of Alienation : Technology and Control in Digital Communication», New Proposals : Journal of Marxism and Interdisciplinary Inquiry, Vol. 09, N°. 01, November 2016, P.50.

[44] - Marc LENORMAND et Anthony MANICKI, «La critique philosophique en action : Marx critique de Hegel dans l’Introduction générale à la critique de l’économie politique(1857)», Revue de Sciences humaines [En ligne], 13 | 2007, mis en ligne le 22 janvier 2009, consulté le 12 octobre 2018. URL : http://journals.openedition.org/traces/309; DOI : 10.4000/traces.309

[45] -  Karl Marx, A Contribution to the Critique of Political Economy, Progress Publishers, Moscow, First Published, 1859.

[46] -Karl Marx et Friedrich Engels, L’idéologie allemande (1848) Première partie: Feurbach, Traduction française, 1952. Un document produit en version numérique par Jean-Marie Tremblay, Chicoutimi, Québec, 2002, P.4

[47] -Francis-Paul Benoit, Les ideologies politiques modernes :le temps de hegel, paris, Presses Univeritaires de France, 1980, P.9.

[48] - Ibid, P.14.

[49] - Slavoj ژi‍ek, «The Politics of Alienation and Separation: From Hegel to Marx... and Back», crisis & critique, Vol.04, Iss. 01, P.448.

[50] - Stéphane Haber, «Le terme «aliénation» (« entfremdung ») et ses dérivés au début de la section B du chapitre 6 de la Phénoménologie de l’esprit de Hegel », Philosophique, 8 | 2005, 5-36. Conclusions

[51] - Ludz, P. C., 1973: L’alienation comme concept dans les Sciences Sociales [Alienation as a Concept in the Social Sciences, In: Current Sociology / La Sociologie Contemporaine, Vol. 21, N°. 01, 1973, P.40.

[52] - Devorah Kalekin-Fishman, «Alienation: The critique that refuses to disappear», Op.cit, P.917.

[53] - Kirk F. koerner",Political Aliénation" , Op.cit, P. і )abstract(

[54] - Franck Fischbach, «Transformations du concept d’aliénation. Hegel, Feuerbach, Marx», Op.Cit, P.96.

[55] - Ibid, P.93.

[56] - Axel Honneth, The Struggle for Recognition: The Moral Grammar of Social Conflicts, Translated by Joel Andeson, The MIT Press, Cambridge, Massachusetts, 1995, 215.p.

[57] -Jean Pichette, »L’aliénation dans un monde de fous: L’héritage précieux de grand-papa Marx à l’heure des sciences administratives», Liberté, N°.302, Winter 2014, P.25.

[58] - بيير هاسنز، «جورج فلهلم فردرش هيغل: 1770-1831»، ترجمة آلان بلووم، في: ليو شتراوس وجوزيف كروبسي (محرّراً)، تاريخ الفلسفة السياسية من جون لوك إلى هيدجر، الجزء الثاني، ترجمة محمود سيد أحمد وإمام عبد الفتاح، القاهرة، المشروع القومي للترجمة-المجلس الاعلى للثقافة، 2005، ص.376.

[59] - Borna Radnik, «The Absolute Plasticity of Hegel’s Absolutes», Crisis Critique, Vol. 4, Iss. 01, P.360. this “Other” is nothing but itself (hence the language of “return to itself”)

[60] - Nancy Fraser, «Social Justice in the Age of Identity Politics: Redistribution, Recognition, and Participation» In Nancy Fraser and Axel Honneth, Redistribution Or Recognition? A Political-Philosophical Exchange, Translated by Joel Galb, James Ingram, and Christiane Wilke Verso, London-New York, P.10.

[61] - محمد سالم سعد الله، «مدرسة فرانكفورت: النظرية النقدية وفلسفة النص»، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة سطيف [الجزائر]، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، العدد التاسع، أكتوبر 2009، ص.172.

[62] - Todd McGowan, «The End of Resistance: Hegel’s Insubstantial Freedom«, Continental Thought & Theory A journal of intellectual freedom, Vol.01, Iss.01: What Does Intellectual Freedom Mean Today?, P.100.

[63] - Ibid, P.107.

[64] - Ibid, P.108.

[65] - Paul Franco, Hegel’s Philosophy of Freedom, New Haven: Yale University Press, 1999.

[66] -Todd McGowan, «The End of Resistance: Hegel’s Insubstantial Freedom«, Op.Cit, P.123.

[67] - Borna Radnik, «The Absolute Plasticity of Hegel’s Absolutes», Op.cit, P.360.

[68] - Eduardo Jochamowitz Cلrdenas, «La dialectique de l’aliénation dans la Phénoménologie de l’Esprit de Hegel», Op.Cit, P.43.

[69] - Ibid, P.41.

[70] - Ibid.

[71] - Ibid, P.44.

[72] - «البيلدونغ» Bildung؛ مقولةٌ أو كلمةٌ لها في التراث الألماني الحديث دلالةٌ ثقافيةٌ وتربويةٌ هائلةٌ،]...[ السياقات التي تنطبق عليها البيلدونغ هي مختلفةٌ، فهي تعني «الثقافة»، «التكوين»، «التثقيف»، «التربية»، «الصورة»، «التصوير»، «القولبة». أنظر:

محمد شوقي الزين، الثقاف في الأزمنة العجاف: فلسفة الثقافة في الغرب وعند العرب، بيروت-الجزائر-الرباط، منشورات ضفاف-الاختلاف-دار أمان، ط.1، 2014، ص-ص.366-367.

[73] - Eduardo Jochamowitz Cلrdenas, «La dialectique de l’aliénation dans la Phénoménologie de l’Esprit de Hegel», Op.Cit, P.60

[74] - محمد شوقي الزين، الثقاف في الأزمنة العجاف، مرجع سابق، ص.386.

[75] - «أوفبوغون» Aufhebung؛ تجمع الكلمة في الوقت ذاته بين دلالات النفي والالغاء، ودلالات الاحتفاظ والإبقاء على شيء مما يُنفى، وتشدّد على هاته أو تلك بحسب الموضع أو السياق. انظر: هيغل، فينومينولوجيا الروح، المصدر السابق، ص.106.

[76] - Istvلn Mészلros, Marx’s Theory of Alienation, Andy Blunden, 1970, PP.24- 25.

[77] - Lawrence M. Hinman, «The Starting Point of Philosophical Reflection: Nihilism or Alienation?», Philosophy Today, Vol. 21, N°. 1/4, Spring, 1977, P.90.

[78] -  Ibid, P.98.

[79] - Robert B. Pippin, «Hegel on Social Pathology: The Actuality of Unreason», crisis & critique, Vol.04, Iss. 01, P.342.

[80] - Karam Adibifar, «Technology and Alienation in Modern-Day Societies», International Journal of Social Science Studies, Vol. 04, N°. 09, September 2016, P.64.

[81] - François Lavoie, «Généalogie du concept d’aliénation chez Marx, Lukàcs et Marcuse», Aspects sociologiques, vol. 12, N°. 01, avril 2005, P199.

[82] - Herbert Marcuse, Reason and Revolution: Hegel and The Rise of Social Theory, London, Routledge and Kegan Paul Ltd, 2nd Edition, 1941, 439.p.

[83] - François Lavoie, «Généalogie du concept d’aliénation chez Marx, Lukàcs et Marcuse», Op.Cit, P.204

[84] - Georg Lukلcs, History and Class Consciousness: Studies in Marxist Dialectics, Translated by Rodney Livingston,. The Mit Press Cambridge, Massachusetts, 1971. 356.P.