البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الفلسفة النسوية

الباحث :  سلوى نصرة
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  16
السنة :  السنة الرابعة - صيف 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 30 / 2019
عدد زيارات البحث :  1808
تحميل  ( 404.143 KB )
تتحدّث الباحثة المصرية سلوى نصرة عن موقعيّة المرأة في الإسلام من خلال نظرة بعض علمائه وفهمهم للنصوص الدينية، كما تربط بين النظرة اللاهوتية والسيرورة التاريخية التي أحاطت بالمرأة في الغرب ثم اتخذت مساراً واسعاً من الجدل حول مكانتها في بناء الحضارة الحديثة. في المقابل تقرِّر الباحثة أن الفكر النسوي الغربي لا محل له في الشريعة الإسلامية؛ لأنه يدعو أولاً إلى تفكيك الأسرة، وثانياً إلى الصراع بين الجنسين، وثالثاً إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، بل إلى تفوّق جنس الأنثى وما يستتبع ذلك من خللٍ في الحياة الإنسانية.

المحرّر

-------------------------------
الإنسان مخلوق الله المختار وخليفته في إعمار الأرض، وهذه المكانة الخاصة يتمتع بها كلّ إنسان، ذكراً كان أم أنثى، باعتبار أنّ حق الكرامة منصوصٌ عليه في القرآن لكلّ بني آدم. إن العصر الإسلامي الأول شهد نقلةً كبرى في وضع المرأة، وحرّرها من آثار الجاهلية التي حقّرت من شأنها.
 وقد كان الإمام محمد عبده[1] (1266-1323هـ / 1849-1905م) منشغلًا بمسائل المرأة، وفي عام (1881م) بدأ يُمهِّد للإصلاحات التعليمية والاجتماعية التي تخص المجتمع والمرأة باعتبارها نصف المجتمع، فكتب الإمام في موضوع الزواج في مجلة الوقائع المصرية التي كان يرأس تحريرها في (7 مارس 1881م) بعنوان (حاجة الإنسان إلى الزواج).
ويتضح رأي الإمام في الموقف الإسلامي الحقيقي من قضايا الأسرة وعلاقات الرجل بالمرأة، فلقد قدمه في آثاره الفكرية التي عرض فيها – إجمالاً أو تفصيلاً– لموقف الشريعة من هذه القضايا الثلاث:
أولاً: علاقة الرجل بالمرأة، وطبيعة الرابطة الزوجية، وموضوع المساواة بين الجنسين.
ثانياً: موقف الشريعة من الطلاق، وخاصة تقييد حقّ الطلاق لتلافي المضارّ المترتبة عليه.
ثالثاً: موقف الشريعة، والاجتهاد الإسلامي الحديث، من موضوع تعدّد الزوجات. [2]
 فقد شغلت قضية المرأة جزءًا من كتابات محمد عبده الأخيرة، وحاول بهذه الكتابات أن يسدّ الفجوة القائمة بين واقع المدنية الحديثة التي أعطت المرأة كثيرًا من الحقوق، وبين الواقع الذي تعيشه المرأة المسلمة في عصره[3].
وكان أهم ما يميز فكر الإمام محمد عبده هو تفعيل القواعد الفقهية في تأصيل الحلول الجزئية، بحيث أوضح أن الدين الإسلامي "أبعد من أن يكون حجرَ عثرةٍ في سبيل تطور المرأة، وأنه على العكس من ذلك يميل إلى رد حقوقها" [4].
ومع تزايد الوعي بحقوق المرأة، سُلّطت الأضواء على التمايزات القائمة بينها وبين الرجل في الشريعة وأثير اللغط حول فكرة «القوامة»، وما صاحبه من حديثٍ عن مشاركة المرأة في الحياة العامة، وحظها من الولاية – كما أثير لغطٌ مماثلٌ حول نصيبها في الميراث، واعتماد شهادتها أمام القضاء. وركز البعض على مسألة ضرب الزوجات، واعتبروها من أبرز المطاعن التي جرّحوا بها موقف الإسلام من المرأة. ومن المؤسف أن اللغط الذي دار حول هذه العناوين كاد يقلب الصورة، موحيًا بأنّ التمايزات هي الأصل وأن المساواة هي الاستثناء.
إن الأصل في أحكام الإسلام هو المساواة بين الرجل والمرأة، إلا ما بينت النصوص، اختصاص أحدهما به وتميزه فيه، لأسبابٍ لا تتعلق بالذكورة أو الأنوثة، وإنما تتعلق أساساً بالمسؤوليّة الاجتماعية والوضع القانوني. ولا تخفى هنا دلالة النص القرآني الذي تحدث عن أن الطرفين خلقا من نفسٍ واحدةٍ Nيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاM [5]. وقد نقل الرازي عن أبي مسلم أن معنى خلق «منها زوجها»، خلق من جنسها فكان مثلها[6]، لذلك فالحقيقة المهمة التي تسجلها الآية أن أصل البشر زوجان مخلوقان من جنسٍ واحدٍ أو مادةٍ واحدةٍ. فكأن الآية حسب هذا التفسير ابتغت أن تبرز فكرة التماثل والتساوي، وتضرب فكرة التميّز والمفاضلة بين شِقّي الإنسانية[7].
أيضًا إن الخطاب القرآني ساوى بين الرجل والمرأة إذا ضمّتهما عائلةٌ واحدةٌ، ووصف كلّا منهما بأنه «زوج»، وقد تميّزت اللغة العربية بهذه الصياغة الفريدة؛ لأن مختلف اللغات الأخرى تفرق بينهما. وقد وردت هذه المساواة في مواضيعَ قرآنيةٍ كثيرةٍ منها على سبيل المثال، قوله تعالى: Nوَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًاM [8]. وقلنا:Nوَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَM [9] [10] ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِM [11].
إذ يتساويان في الأصل، فمن المُسلّم به أنهما يتساويان في حقّ الحياة والحق في الكرامة باعتبارهما من الحقوق الأساسية لكلّ البشر في الإسلام. ثم إنّهما يتساويان في المسؤولية:Nَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِM [12]. ولذلك فإنهما يتساويان في التكليف الشرعي والجزاء الأخروي قال تعالى: Nفَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍM [13]. وقال تعالى: Nوَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍM [14]. وقال تعالى: Nوَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْM [15]. يتساويان أيضًا في الجزاء في الحدود، حيث تتحدث آيات الحدود عن Nوَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُM[16]، ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِيM [17]. يتساويان أيضًا في أهلية التصرفات والتعاقدات المالية. فكلٌّ منهما إذا ما كان عاقلاً ورشيداً له شخصيته القانونية الكاملة، التي تعطيه حقّ التصرف في ما يملكه مِلكاً حرًّا بالبيع والهبة والوصية والإيجار والتوكيل والرهن والشراء، وغير ذلك من التصرفات المالية، إذ القاعدة أنه: Nلِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَM [18]. ولا يعطي عقد الزواج في التشريع الإسلامي أي حقٍّ للزوج في أن يتدخل في أمور أو تصرفات زوجته المالية، بدعوى أن له حق القوامة عليها، لأن ذلك الحقَّ شخصيٌّ لا ماليٌّ، وبالتالي فإنه لا يعطيه أيّ ذريعةٍ للتدخل في تصرفاتها المالية.
لم يتحدث الإمام في مقالاته عن إصلاح المرأة بشكلٍ مستقلٍّ بل ربط حديثه عن المرأة بتنظيم علاقتها مع زوجها وتحسين أحوالها الشخصية ليتم بذلك صلاح الأسرة، فعمل على استصدار قانونٍ يقيد الطلاق ويُقيّد تعدّد الزوجات، ثم تناول في تفسيره للقرآن الكريم موضوع مساواة الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية، ليثبت ما منحه الإسلام للمرأة من حقوقٍ ضيعها المسلمون بالفهم الخاطئ لهذه الحقوق.
 إن مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة يقوم على أساس الوحدة الإنسانية المشتركة بينهما والعدل في التطبيق، فلا يتحكم أحدهما بالآخر، ولا تكون الحياة سعيدةً إلا باحترام كلّ من الزوجين للآخر والقيام بحقوقه[19].
 لقد سعى الإمام محمد عبده من وراء هذه الكلمات إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة مجلياً الشكوك التي تُثار حول نظرة الشريعة إلى وضع المرأة. فقد اعتقد أن الحقوق بين الرجل والمرأة متبادلةٌ، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل. وما أشار إليه القرآن بقوله Nوَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌM [20]، وإنما يتعلق بالرياسة في الأسرة بحكم أن الرجل أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله. وعلى الرغم من ذلك تحفّظ الإمام على رياسة الرجل للمرأة قائلاً أنّها أمرٌ يتعلق «بالمؤهلات الفطرية والكسبية» التي إذا تحققت للمرأة بطلت رياسة الرجل لها[21].
إذا تطرقنا إلى فكرة القِوامة فثمة آيتان تُطرحان يُستدلّ بهما عليها، هما قوله تعالى:Nوَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌM [22]، وقوله تعالى: Nالرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُواM [23].
 وأول ما يُلاحظ المرء في الآيتين هو ذلك الحرص على تقرير أصل المساواة في كل منهما. فقبل الحديث عن «الدرجة»، ثمة إشارةٌ صريحةٌ إلى أن لهنّ مثل الذي عليهن. ومع الإشارة إلى «القوامة»، جاء التنويه إلى أن الرجل لا ينفرد بالفضل، ولكن الله سبحانه وتعالى Nفَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍM .
 ثمة إجماعٌ بين المفسرين والفقهاء على أن «الدرجة» المشار إليها في سورة البقرة، ليست سوى «القوامة» المنصوص عليها في سورة النساء، الأمر الذي يعني أنها ليست مطلقةً بل محصورةٌ في دائرةٍ معينةٍ، لها إطارها وقواعدها الضابطة. فالخطاب هنا منصرفٌ إلى حالة المرأة المتزوجة – لا أيّ أمرأةٍ – والقوامة المفترضة في شؤون البيت لا تتجاوزه إلى خارجه. بل إنها ليست مطلقةً في هذه الدائرة، لكنها مشروطةٌ بقدرة الرجل على الاستجابة لمتطلبات البيت والإنفاق عليه. وفي القاموس المحيط: قام الرجل للمرأة وقام عليها، فأمنها (أي وفر لها مؤونة العيش) وقام بشأنها. لذلك يقول القرطبي:(إن العلماء فهموا من قوله تعالى: Nوَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْM  أنه إذا عجز الرجل على نفقتها لم يكن قوّاماً عليها. وإذا لم يكن قوّاماً عليها، كان لها فسخ «العقد» وفيه دلالةٌ واضحةٌ من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة. وهو مذهبُ مالك والشافعي، وفيه خلاف لأبي حنيفة) [24].
إنّ القِوامة في مفهومها الحقيقي هي مجرد تنظيمٍ لإدارة الشركة داخل البيت، الذي يتحمل الرجل مسؤولية الإنفاق عليه وتأمينه، وهو مطالبٌ بذلك شرعاً، في حين أن المرأة ليست مطالبة بالإنفاق حتى وإن كانت قادرةً عليه، علماً بأن الإسلام يمنع الرجل من الولاية على مال زوجته، جاعلاً تلك الولاية لها وحدها، ويعطيها حق التصرف في ما تملك بكامل حريتها، من بيع وشراء ورهنٍ وإجارةٍ، وهبةٍ وصدقةٍ. ولها أن تخاصم عليه غيرها أمام القضاء، دون أن يكون لزوجها حقّ التدخل في شيءٍ من ذلك. كما أن الإسلام لا يجعل للرجل سلطاناً على دين زوجته، حيث لا إكراه في الدين. فإذا كانت قوامة الرجل على زوجته لا تمتد إلى حرية الدين، ولا إلى حرية الرأي، ولا إلى حرية التصرف في أموالها، ولا إلى المساواة بينها وبينه في الحقوق، فماذا يخيف بعض المنظرين من قوله تعالى: Nالرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءM [25]؟.
 أدار القرآن الحديث عن قوامة الرجال على النساء في أسلوبٍ منطقيٍّ مقنعٍ يحمل أولي الألباب على التسليم بها والإقرار بمزيتها، ويدعو النساء بخاصة إلى الاعتراف بأنها غنيمةٌ لهن قبل أن تكون غُرمًا عليهن، وكسبٌ يسرّهنّ لا خسارٌ يضرهنّ، وما القرآن عنّا ببعيدٍ، فلنطف بين آياته وجمله وجوامع كلمه نجده قد أحاط الرجل بأوامرَ ونواهٍ صريحةٍ وضمنيةٍ مستقاةٍ من فحوى الكلام كلها تكرم المرأة وتصحّح أوضاعها وتطيّب حياتها وتَحمِل الناس على الاعتراف بإنسانيتها غيرَ مجذوذةٍ ولا منقوصةٍ وتطمئنها على حقوقها في حال الإمساك والتسريح وتبلور مسؤولية الرجل عنها كقوله سبحانه
Nفَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍM [26]. وقوله تعالى: Nفَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُواM [27]. وقوله تعالى: Nفَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّM [28]. وقوله تعالى: Nلَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَاM  [29]. وقوله تعالى: Nوَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ M [30]. وقوله تعالى: Nوَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ M [31]. وقوله تعالى:
Nوَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً M [32]. وقوله تعالى: Nيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِM [33]. وقوله تعالى: Nفآتوهن أجورهن فريضةM [34]. وقوله تعالى: Nفَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِM [35]. وقوله تعالى: Nوَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ M [36]. وكقوله تعالى في شأن المطلقات: Nأَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّM [37]. وبقوله تعالى: Nيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا M  [38].
يُضاف إلى هذا ما احتوته السُنة المطهرة من الوصية بهن والمسؤوليّة عنهن والتحذير من الجور عليهن كقوله s : «أتّقُوا اللّه في النّسَاء». وكقوله s: «اسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْرًا»[39][40].
وبذلك يضع الإمام محمد عبده قاعدةً ثابتةً في مفهومه للمساواة يُقرّر فيها أنّ المساواة بين المرأة والرجل مساواةُ تكاملٍ لا تفاضلٍ، أي إنّ المرأة برعايتها لبيتها وقيامها بواجباتها اتجاه بيتها وزوجها مكمِّلةٌ للرجل المكلّف شرعاً بحمايتها والنفقة عليها والذّود عنها فهما –الرجل والمرأة- متساويان في الحقوق والواجبات كلٌّ حَسْب دوره ومهمته يكمل الواحد دور الآخر لا يتعالى الرجل بمهمته ولا تشعر المرأة بالنقصان اتجاه قِوامة الرجل عليها ورعاية بيته[41].

مقارنةٌ بين الفكر النِّسوي الغربي والفكر النسوي الإسلامي:
 في قضية المرأة وتحريرها لن يختلف أغلب العقلاء على أن المرأة قد حُمّلت، تاريخيًّا وحتى عصرنا الراهن وفي كل الحضارات، من المظالم والقيود أكثر مِمّا حُمّل الرجل. ومن ثم فإن أغلب العقلاء لن يختلفوا على أنّ للمرأة قضيّةً، وأن تحريرها وإن ارتبط بتحرير الرجل، إلا أنه يحتاج إلى كثيرٍ من التميُّز وكثيرٍ من الاختصاص وكثيرٍ من الاهتمام، لكن الأمر الذي يثير الكثير من الاختلاف – بل والخلاف – على النطاق العالمي، هو «النموذج الأمثل» الذي يحقق التحرير الحقيقي للنساء.
 إن حركة تحرير المرأة، ترى أن ثمة إنسانيةً مشتركةً بين كلّ البشر، رجالاً ونساءً، وأنّ هذه الرقعة الواسعة المشتركة بيننا هي الأساس الذي نتحاور على أساسه والإطار الذي نبحث داخله عن تحقيق المساواة. ولذا يمكن للرجل أن ينضم إلى حركة تحرير المرأة، ويمكنه أن يدخل في حوارٍ بشأن ما يطرح من مطالب لضمان تحقيق العدالة للمرأة. ويمكن للمجتمع الإنساني، بذكوره وإناثه، أن يتبنى برنامجاً للإصلاح في هذا الاتجاه، ويمكن لكل من الرجال والنساء تأييده والوقوف وراءه[42].
 إن الفارق بين الدعوة إلى تحرير المرأة وإنصافها، والحركات التي عملت على هذا التحرير والإنصاف – سواء في البلاد الغربية أم الشرقية – وبين النزعة الأنثوية المتطرفة (Feminism) التي تبلورت في الغرب في ستينيات القرن العشرين، والتي تقلدها قلةٌ قليلةٌ من النساء الشرقيات.. إن الفارق بين هاتين الدعوتين والحركتين وفلسفتهما ومطالبهما، هو الفارق بين العقل والجنون!..[43].
فأقصى ما طمحت إليه دعوات تحرير المرأة وحركاتها، هو إنصافها، ورفع الغبن الاجتماعي والتاريخي الذي لحق بها، والذي عانت منه أكثر مما عانى منه الرجل..، مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة، وتمايز توزيع العمل وتكامله في الأسرة والمجتمع، على النحو الذي يحقِّق مساواة الشقين المتكاملين بين الرجال والنساء.. وذلك حفاظاً على شوق كلّ جنس إلى الآخر، واحتياجه إليه، وأنسه بما فيه من تمايزٍ، الأمر الذي بدونه لن يسعد أيٌّ من الجنسين في هذه الحياة[44].
إن دعاة حركة تحرير المرأة يدركون تماماً الحقيقة البديهية الإنسانية البسيطة وهي أنّ ثمة اختلافاتٍ (بيولوجيةً ونفسيةً واجتماعيةً) بين الرجل والمرأة، وهي اختلافاتٌ تتفاوت ـ من منظور سلوك كلٍّ منهما ـ في درجات العمق والسطحية. وتعبر عن نفسها في اختلاف توزيع الأدوار بينهما وفي تقسيم العمل، ولكن بدلاً من أن يحاول دعاة حركة تحرير المرأة محو هذه الاختلافات والقضاء عليها قضاءً مبرماً فإنهم يبذلون قصارى جهدهم للحيلولة دون تحولها إلى ظلمٍ وتفاوتٍ اجتماعيٍّ أو إنسانيٍّ يؤدي إلى توسيع الهوة بين الذكور والإناث[45].
فهناك النموذج الغربي المتطرف، نموذج الحركات الأنثوية الغربية التي يريد تمركز الأنثى حول ذاتها في عالمٍ خالٍ من الرجال، تثور فيه الأنثى ضدّ الرجل وضدّ الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها وضدّ كلّ القيم والديانات، وهو نموذجٌ بلغ في تطرفه وشذوذه حدّ الجنون. وهناك نموذج الجمود والتقليد الذي حمل ويحمل التقاليد الراكدة على الدين، فيثبّتها ويكرّسها ويقدّسها حتى لكأن تحرير المرأة في هذا النموذج هو تحريرها من كلّ دعوات ودعاوى التحرير.
ولقد كانت الدعوة الغربية إلى تحرير المرأة – منذ القرن التاسع عشرـ أثراً من آثار الحداثة الغربية، التي أرادت تجاوز التراث الفلسفي والاجتماعي والقانوني الغربي ـ المعادي للمرأة والمحقر لشأنها.. مع التأويل للتراث الديني الغربي – اليهودي والنصراني – المعادي للمرأة. وذلك دون إعلانٍ للحرب على الدين ذاته، ولا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها عندما خلقهم ذكراناً وإناثاً.. وأيضًا دون إعلان للحرب على الرجال[46].
 فالنموذج الغربي للحركات "النسوية"، قد أفرز أفكاراً وممارساتٍ جعلت شريحةً، محدودةَ العدد والتأثير، تُري المرأة نِدًّا مماثلاً للرجل، ومنافسةً له، لأن تحرّرها إنما يمر عبر الصراع ضده، وضدّ منظومة القيم الإسلامية والشرقية، التي تزاوج بين إنصاف المرأة وتحريرها وبين بقائها أنثى، تحافظ على فطرة التمايز بين الإناث والذكور. رفضت هذه الشريحة هذه المنظومة القيمية الإسلامية والشرقية، لأنها في نظرها – منظومةٌ «ذكوريةٌ»!..[47].
ولقد تطور هذا النموذج، في العقود الأخيرة من القرن العشرين كأثرٍ من آثار تزايد جرعات التقليد والتبعية للحركات النسوية الغربية، التي زاد وتصاعد تمحورها وتمركزها حول الأنثى والنزعة النسوية، إلى حيث أصبح التحرر من كل المنظومات الدينية والقيمية الإيمانية والحضارية والفلسفية والاجتماعية والتاريخية – بما في ذلك التحرر من الأسرة، بشكلها الشرعي والتاريخي – سبيلاً (لتحرير) النساء!..[48].
أما النزعة الأنثوية المتطرفة (Feminism) التي تبلورت في ستينيات القرن العشرين، فإنها أثرٌ من آثار "ما بعد الحداثة" الغربية، تحمل كل معالم تطرّفها الذي بلغ بها حدّ الفوضوية والعدمية واللا أدريّة والعبثية والتفكيك لكل الأنساق الفكرية الحداثية التي حاولت تحقيق قدر من اليقين الذي يعوض الإنسان عن طمأنينة الإيمان الديني، التي هدمتها الحداثة بالعلمانية والمادية والوضعية منذ عصر التنوير الغربي العلماني، في القرن الثامن عشر[49].
لذلك، كانت النزعة الأنثوية المتطرفة هذه (ثورةً – فوضويةً)، تجاوزت وغايرت (ثورات الإصلاح).. وكانت حرباً على (الفطرة السوية)، بما في ذلك فطرة الأنوثة ذاتها!..[50].
أما دعاة حركة التمركز حول الأنثى فيتأرجحون وبعنف بين رؤية مَواطن الاختلاف بين الرجل والمرأة باعتبارها هوةً سحيقةً لا يمكن عبورها من جهةٍ، وبين إنكار وجود أي اختلافٍ من جهةٍ أخرى.. ولذا فهم يرفضون فكرة توزيع الأدوار وتقسيم العمل ويؤكدون استحالة اللقاء بين الرجل والمرأة، ولا يكترثون بفكرة العدل ويحاولون إما توسيع الهوة بين الرجال والإناث أو تسويتهم بعضهم بالبعض، فيطالبون بأن يصبح الذكور آباءً وأمهاتٍ في الوقت نفسه، وأن تصبح الإناث بدورهن أمهات وآباء[51].
فحركة التمركز حول الأنثى تنكر الإنسانية المشتركة ولذا لا يمكن أن ينضم لها الرجال، فالرجل، باعتباره رجلاً لا يمكنه أن يشعر بمشاعر المرأة، كما أنه مذنبٌ يحمل وزر التاريخ الذكوري الأبوي، على الرغم من أنه ليس من صنعه. كما تنكر حركة التمركز حول الأنثى الاختلاف، ومن ثم لا مجال للتنوع ولا مجال لوجود الإنسانية كما نعرفها[52].
فأبو النزعة الأنثوية الفرنسية -الاشتراكي الفرنسي- «فوربيه» (1772 – 1837م) قد دعا إلى (تحرير المرأة على كل الأصعدة البيتي، والمهني، والمدني، والجنسي... وقال: إن العائلة تكاد تشكل سدًّا في وجه التقدم)!..[53].
وفيلسوف هذه النزعة «هربرت ماركيوز» (1898 – 1979م) قد جعل من أسس نظريته النقدية: (التأكيد على انعتاق الغرائز الجنسية، وإطلاق الحرية الجنسية بلا حدود، سواءً من ناحية الكم أم الكيف، أي حتى حرية الشذوذ.. بل وتمجيده، باعتباره ثورةً وتمرّداً ضدّ قمع الجنس، وضدّ مؤسسات القمع الجنسي.. معتبراً التحرّر الجنسي عنصراً مكملاً ومتمّماً لعملية التحرّر الاجتماعي.. ورافضاً ربط الجنس بالتناسل والإنجاب)!..[54].
كما رفضت هذه النزعة ربط الممارسة الجنسية بالأخلاق، فقال «ميشيل فوكو» (1926 – 1984م): «لِمَ يُجعل السلوك الجنسي مسألةً أخلاقيةً، ومسألةً أخلاقيةً مهمةً؟!»..[55].
أما فيلسوفة هذه النزعة الأنثوية –الكاتبة الوجودية «سيمون دي بوفوار» (1908 – 1986م) فقد اعتبرت (الزواج: السجن الأبدي للمرأة، يقطع آمالها وأحلامها!) واعتبرت (مؤسسة الزواج مؤسسة لقهر المرأة، يجب هدمها وإلغاؤها!)، وأنكرت أيّ تميّزٍ طبيعيٍّ للمرأة عن الرجل «فلا يولد المرء امرأة، بل يصير كذلك.. وسلوك المرأة لا تفرضه عليها هرموناتها ولا تكوين دماغها، بل هو نتيجة لوضعها..»![56].
وجعلت من الدين ومن الألوهية عدواً لهذه الفلسفة الأنثوية  «فالدين – برأيها – كان محايداً عندما لم يكن للآلهة جنس، ثم انحاز الدين للمرأة عندما أصبحت الآلهة إناثاً، ثم تحول إلى عدو للمرأة بسبب التفسيرات الذكورية للدين»[57].
فبدأت الدعوات إلى (تغيير هياكل الأسرة)، من الأسرة الشرعية القائمة على الاقتران بين ذكر وأنثى، وفق الضوابط الشرعية إلى (الأسرة) القائمة على مجرد الالتقاء الاختياري بين (الأفراد) رجل وامرأة.. أو رجل ورجل أو امرأة وامرأة.. ناضجين كانوا أم من المراهقين والمراهقات!
وبدأت الدعوة إلى دمج المرأة في المجتمع دمجاً كاملاً.. ودمج الرجل في المنزل دمجاً كاملاً!..[58].
وبدأ الحديث عن ضرورة تحطيم (التابوهات) أي (المقدسات) مثل العفة، والبكارة، والإخلاص والاختصاص بين الأزواج!.. حتى أصبح (الحياء) مرضاً نفسياً يطلبون له البرء والعلاج لدى الأطباء.. بعد أن كان شعبة من شعب الإيمان!..[59].
وبدأ الحديث عن (حقوق) النشاط الجنسي و(حقوق) الناشطين جنسيًّا، دون قيود الشرع وضوابطه لهذا النشاط، وإنما باعتباره (حقاً) من حقوق الجسد، كالغذاء والماء! بصرف النظر عن الحلال والحرام الديني في هذا الغذاء والماء!.. فالمطلوب في النشاط الجنسي عند دعاة هذا (اللاهوت اللاديني) أن يكون (مسؤولاً ومأموناً)، لا أن يكون (شرعياً ومشروعاً)!..[60].
وبدأت الدعوات إلى الثورة على (اللغة) بدعوى أنها لغة (ذكورية)!.. والمطلوب أن تكون هناك لغة (مؤنثة) تنافس وتصارع لغة الذكور!..
بل ووصلت هذه الدعوات (النسوية) إلى حد الثورة على الله (سبحانه وتعالى)، فهو في نظرها «ذكر» ولأنه «ذكر» فلقد انحاز وتحيز إلى آدم الذكر – ضدّ حواء– الأنثى فجاء في التنزيل أنه تاب على آدم، ولم يرد فيه أنه تاب على حواء!![61].
ولقد غفلت البائسات اللاتي سقطن في هذا المستنقع عن أن هذا التنزيل هو الذي برّأ حواء أصلاً من العصيان وتحدث عن أن الفاعل الأصلي للخطيئة والنسيان والعصيان إنما هو آدم... فلما تاب تاب الله عليه.. ولم تكن هناك دواع لتوبة حواء حتى يتوب عليها التواب الذي يقبل التوبة من كل التائبين والتائبات Nفَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُM [62]. فآدم هو الذي عصى Nوَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىM [63]. لقد كانت الغواية الشيطانية لهما معاً.. لكن القرآن نص على أن آدم هو الذي افتقد العزم، فنسى وعصى..[64].
تأتي الفلسفة النسوية وترفض التفسير الذكوري الوحيد المطروح للعلم بنتائجه وتحاول إبراز وتفعيل جوانبَ ومجالاتٍ وقيمٍ مختلفةٍ خاصةٍ بالأنثى تم تهميشها وإنكارها والحطّ من قيمتها بحكم السيطرة الذكورية، في حين يجب أن يفتح لها المجال لتقوم بدورٍ أفضلَ وأكبرَ لإحداث التوازن المنشود.
فالنسوية ضدّ الاستقطابية والمركزية. هكذا تحاول الفلسفة النسوية أن تضيف للعلم قيماً أنكرها لتجعله أكثر إبداعيةً وإنتاجاً ومستجيباً لمتطلبات الواقع الثقافي والاجتماعي، وتجعل من فلسفة العلم ذاتها تطبيقية ومرتبطة بالواقع الحي.
إن الفلسفة النسوية تقوم أساساً على رفض المركزية الذكورية ومطابقة الخبرة الإنسانية بالخبرة الذكورية واعتبار الرجل هو الوحيد صانع العقل والعلم والتاريخ والفلسفة. وبهذا نجد أنّ الفلسفة النسوية تعمل على خلخلة تصنيفات البشرية إلى ذكوريةٍ وأنثويةٍ وعلى فضح كل هياكل الهيمنة وأشكال الظلم والقهر والقمع وإعادة الاعتبار للآخر المهمش والمقهور، وصياغة الهوية وجوهر الاختلاف والبحث عن عملية التطور وقلب ما هو مألوفٌ لتحقيق التوازن.
أما النموذج الثاني من نماذج التصورات والدعوات القائمة في بلادنا حول المرأة وقضاياها، فهو ذلك الذي يرى دعاته أن لا مشكلة أصلاً في هذا الميدان. فليس في الإمكان أبدع ولا أحسن مما كان.. فكل عاداتنا وتقاليدنا الموروثة خيرٌ وبركةٌ على النساء، لأن المرأة قد خُلقت لتكون متعة الفراش الحلال.. ومعمل تفريخ النسل لبقاء النوع الإنساني.. ولا شأن لها بما وراء هذه الحدود والاختصاصات!.. فحتى «بطاقة الهوية» و «قيادة السيارة».. «وممارسة الرياضة» بعيداً عن عيون الرجال.. ناهيك عن «المشاركة في العمل السياسي والاجتماعي العام» كل ذلك حرامٌ ومحظورٌ وسفورٌ وفسقٌ وفجورٌ!.. ولقد بلغ أصحاب هذا التصور ودعاته – في سبيل تكريسه وتأبيده – إلى الحد الذي جعلوه دينا سماوياً إلهيًّا، لا مجرد عادات وتقاليد[65].
أما النموذج الثالث – الذي يحسبه الدكتور محمد عمارة النموذج الوسطيَّ، المعبّرَ عن روح التحرير الإسلامي للمرأة – فإنه ذلك الذي ينطلق من نصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم، في تحرير المرأة وإنصافها، والمساواة بين النساء والرجال، الذين ساوى الله (سبحانه وتعالى) بينهم عندما خلقهم جميعاً من نفسٍ واحدةٍ وساوى بينهم جميعاً في حمل أمانة استعمار وعمران هذه الأرض، عندما استخلفهم جميعاً في حمل هذه الأمانة. كما ساوى بينهم في الكرامة –عندما كرّم كلّ بني آدم– في الأهلية والتكاليف والحساب والجزاء مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة، لتتم نعمة السعادة الإنسانية بشوق كلِّ طرفٍ إلى الطرف الآخر، المتميز عنه – ولو كان ندًّا مماثلاً لما كان «آخر» ولما كان مرغوباً تهفو إليه القلوب –ولتكون هذه المساواة– في الخلق وحمل الأمانة والكرامة والأهلية والتكاليف والحساب والجزاء والاشتراك – متضامنين – في أداء فرائض العمل الاجتماعي العام، أمراً بالمعروف ونهيا عن المنكر – لتكون هذه المساواة هي مساواة تكامل الشقين المتمايزين، لا مساواة النِّدَّين المتماثلين – والمتنافرين[66].
بينما أشار الإمام محمد عبده إلى أن الشريعة الإسلامية وضحت الأهمية الخاصة لكل فرد في الأسرة لا باعتباره فرداً وحيداً، ولكن باعتباره فرداً متكاملاً لا يستطيع الحياة وحده، ومن ثم اعتنت الشريعة بإبراز وضع النساء (المرأة) تحديداً، حتى سميت سورة من أطول سور القرآن الكريم باسم النساء ويرجع ذلك إلى عوامل متعددةٍ أبرزها العامل التاريخي إذ وقع امتهان المرأة في الأغلبية الساحقة من التاريخ الإنساني قبل الإسلام، وكذلك العامل العضوي حيث إن الظروف العضوية البيولوجية للمرأة قد تكون عاملاً قويًّا في ظلمها، فارتباطها بظروف الحمل والإرضاع وتربية الصغار يدفعها إلى مساحةٍ خاصةٍ في الحياة بالإضافة إلى أن عملها هذا على عظمةٍ لا يقابله أجرٌ ماديٌّ، وبالتالي حينٍ تنتكس الفطرة الإنسانية السليمة قد يقابلها هذا بالتجبر عليها، لأنها لا تملك حيلةً وتعيش حياةً بائسةً رهينة المأكل والملبس فكان لا بدّ أن تعلنها الشريعة الإسلامية التي عمادها العدالة ثورةً على هذه الأوضاع والتقاليد ولا تتركها فقط للحسّ الإنساني الذي قد يتبلد من جراء طول الممارسة التاريخية.
ويتضح من آراء الإمام محمد عبده أن من المؤكد أن الشريعة الإسلامية لا تقبل بتشظية الأسرة وتفكيك كيانها بحثاً عن حقوقٍ متوهمةٍ أو هرباً من واقعٍ ظالمٍ لم تصنعه الشريعة بل نادت بنقيضه، فالواقع السيئ الذي تعيشه حالياً المرأة المسلمة في كثير من البيئات ناتج عن عدم تطبيق الشريعة أو خلل في تطبيقها، فالذي يُفهم من القِوامة أن الرجل وحده هو الذي يتخذ القرارات المرتبطة بالأسرة وأنه يستطيع إملاء قراراته بصوته المرتفع وأسلوبه النابي وربما بممارسة العنف إذا لم يتم الاستجابة لهذه الأوامر الفوقية هو جاهل بماهية القوامة التي تعني القيام على الأمر بعنايةٍ شديدةٍ من إنفاقٍ على الأسرة، لإشباع احتياجاتها ورعايةٍ نفسيةٍ ومتابعةٍ لكافة التفاصيل وبذل الجهد لمعرفة كل الآراء والمشكلات الداخلية من أجل أسرةٍ قويةٍ متماسكةٍ.
وينطلق هذا النموذج الوسطيّ[67] – وهو ما يمثله الإمام محمد عبده- من نصوص ومنطق فقه القرآن الكريم الذي جعل الرجل بعضاً من المرأة، والمرأة بعضاً من الرجل Nلا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍM [68].فكل طرف هو لباس للطرف الثاني Nهُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّM [69]. وقد أفضى بعضهم إلى بعض Nوَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا M [70]. وقامت روابط هذا الميثاق الغليظ – ميثاق الفطرة – الجامع لهم جميعاً على بنود عقد وعهد المودة والرحمة والسّكن والسكينة Nوَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً M [71].
كما ينطلق هذا النموذج الوسطي في تحرير المرأة وإنصافها – مع بقائها أنثى، تسعد عندما تكون سوية وتفخر وتباهي بأنوثتها، وتنفر وتهرب وتخجل من «الاسترجال» كما يسعد الرجل السوي ويفخر ويباهي برجولته، وينفرد من «التخنّث» و «الأنوثة».. وينطلق أيضًا من التطبيقات النبوية لنصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم، تلك التطبيقات، التي حررت المرأة المسلمة، وأنقذتها من «الوأد» المادي والمعنوي، وجعلتها طاقة فاعلة في بناء الأسرة والدولة والأمة والحضارة، ومشاركة في سائر ميادين إقامة الدين والدنيا منذ اللحظات الأولى لإشراق شمس الإسلام[72].
كما ينطلق هذا النموذج الوسطي أيضًا من الاجتهاد الإسلامي الحديث والمعاصر الذي أولى المرأة ما تستحق وما يجب لها من العناية كطرفٍ أصيلٍ في المشروع النهضوي المنشود الذي استهدفه تيار الإحياء والاجتهاد والتجديد، مستنداً إلى القرآن الكريم وإلى تطبيقات التحرير الإسلامي للمرأة، في مواجهة تصورات ونماذج الغلو الإسلامي والغلو العلماني جميعاً[73]. وهو ما يمثله الإمام محمد عبده.
 أشار الإمام محمد عبده أن الشريعة الإسلامية ذكرت النساء باعتبارهن النسيج الطبيعي الذي تكتمل به الصورة البشرية التي أرادها الله سبحانه وتعالى: Nوَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَM [74].
ويصرح الإمام محمد عبده أنه في سياقٍ تكامليٍّ وضعت الأحكام الشرعية المرتبطة بالنساء بحيث تشبه البناء العضوي الذي لا يتميز فيه عضوٌ عن آخرَ، لأن الكل يعمل في توافقٍ، لذا فالأسرة في الإسلام هي النواة الحقيقية في المجتمع وليس الفرد أيّاً كان نوعه ذكراً أو أنثى.
 إن النهضة الأوربية لتحرير المرأة جاءت كتحرير العلماء على أنقاض سلطان الدين والكنيسة واللاهوت. ولذلك جاء ردُّ فعلٍ لا دينيٌّ يحرر المرأة من الدين بدلاً من أن يحررها بالدين.
ففي التحرير الإسلامي عند الإمام محمد عبده، هو يواجه فكر العلمانيين الذين ظلموا الدين الإسلامي، وحملوا عليه العادات والتقاليد الجاهلية، ودعوا إلى تحرير المرأة من الإسلام، كما يواجه فكر أهل الجمود والتقليد الذين أضفوا قداسة الدين على العادات والتقاليد، فدعوا إلى انتقاص أهلية المرأة، وتحريرها من مسؤوليات العمل العام.
ويصرح الإمام بأنّه في حين أن الإسلام جاء صريحاً في إشراك المرأة والرجل في تحمل مسؤوليات هذه الفرائض، أي أن الرجل والمرأة نصيران ومتضامنان في النهوض بالمجتمع والعمل العام، فإن عصور التراجع الحضاري قد أفرزت مقولاتٍ كاذبةً نتيجةً لعادات الجاهلية، أدت إلى حجب المرأة عن ميادين العمل العام بينما يقول سبحانه وتعالى: Nوَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِM  [75].
لذلك كانت رسالة العقل المسلم هي حماية المجتمع المسلم من الوقوع في مستنقع التقليد، تقليد الآخر الغربي، وسواءً أكان التقليد للنموذج الغربي المغالي في مناقضة الفطرة والقيم، أم كان تقليداً للعادات والتقاليد الاجتماعية البائدة، فإنه مرذولٌ. وفي النموذج الإسلامي الوسطي لتحرير المرأة بالإسلام – وذلك ما ذهب إليه الإمام محمد عبده– النموذج المثالي الذي يُحرّر المرأة مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة، تلك التي فطر الله الناس عليها، من الذكور والإناث جميعاً، فهو تحريرٌ تَسعد به المرأة بدلاً من أن تشقى بالنموذج الغربي للتحرير، أو تظل حبيسة العادات والتقاليد الراكدة التي يحملها البعض زوراً وبهتاناً على حقيقة الإسلام[76].
لقد تبنّت هذه النزعة الأنثوية مبدأ الصراع بين الجنسين –الإناث والذكور– انطلاقاً من دعوى أن العداء والصراع هما أصل العلاقة بينهما.. ودعت إلى ثورةٍ على الدين وعلى الله وعلى اللغة والثقافة والتاريخ والعادات والتقاليد والأعراف، بتعميمٍ وإطلاقٍ! وسعت إلى عالمٍ تتمحور فيه الأنثى حول ذاتها، مستقلةً استقلالاً كاملاً عن عالم الرجال.. وفي سبيل تحقيق ذلك، دعت إلى الشذوذ السُّحاقي بين النساء، وإلى "التحرر الانحلالي" وبلغت في الإغراب مبلغاً لا يعرف الحدود!.. الأمر الذي جعل هذه النزعة الأنثوية المتطرفة كارثةً على الأنوثة، ووبالاً على المرأة، وعلى الاجتماع الإنساني بوجهٍ عامٍّ، بل وجعلها – إذا انتصرت وعمت– مهدِّدَة للوجود الإنساني.. نعم، حتى للوجود الإنساني ذاته!..[77].
فالفكر النسوي الغربي مرفوضٌ من الشريعة الإسلامية، لأنه يدعو أوّلاً إلى تفكيك الأسرة وثانياً إلى الصراع بين الجنسين وثالثًا إلى المساواة الفردية بين الرجل والمرأة بل إلى تفوق جنس الأنثى وما يستتبع ذلك من خلل في الحياة الإنسانية فضلاً عن كونه دعوةً خفيةً إلى الشذوذ والمثلية، لكي تستطيع المرأة الاستغناء تماماً عن الرجل، ويكون الاستنساخ والتلقيح الصناعي هو الحل الأمثل لمشكلة الأطفال، أو كما قال بعضهم: إذا كانت النسوية هي الفكر فإن المثلية هي التطبيق.
 إن الدعوة إلى تحرير المرأة، ضمن الدعوة العامة إلى تحرير الإنسان، هي دعوة حقٍّ، ومقصدٌ من مقاصد الاجتهاد والإحياء الإسلامي المعاصر.. كما أن الدعوة إلى إيلاء تحرير المرأة اهتماماً خاصاً وجهوداً متميزةً، هي دعوةُ حقٍّ كذلك، لحجم القيود التي تكبل طاقات المرأة وملكاتها والتي تزيد على ما يكبل طاقات الرجال، وأيضًا – وهذا هامٌّ جداً – لتميز نوع "التحرير" الذي تحتاجه المرأة، إن في المقاصد أو السبل، عن "تحرير" الرجل، في كثيرٍ من الميادين[78].
 إننا أمام مهمّةٍ حقيقيةٍ لتحرير المرأة.. لكن الخلاف بين دعوتنا الإسلامية وبين الدعوات العلمانية، في هذا الميدان، قائمٌ حول "نموذج التحرير".. فالعلمانيون قد تبنّوْا ويتبنّون (النموذج الغربي لتحرير المرأة.. وهو الذي أراد للمرأة أن تكون "الند – المماثل" للرجل.. بينما ندعو نحن إلى "النموذج الإسلامي لتحرير المرأة"، ذلك الذي يرى المرأة "الشق المكمل للرجل والمساوي له أيضًا"، فيحتفظ لها بتميزها كأنثى، دون أن ينتقض من مساواتها للرجل كإنسان، ويراعي هذا التمايز وهذه المساواة في كل الميادين، ميادين التكوين والتربية والإعداد والتأهيل، وميادين الممارسة والعمل والتطبيق، في المنزل والمجتمع على السواء..[79].
 إننا نريد تحريراً للمرأة، مرجعيته وضوابطه الإسلام لا النموذج الغربي، الذي أراد المرأة سلعةً، أو "إسبرطية – مسترجلةً"، أو غانيةً في سوق اللذات والشهوات!.. نريد لها النموذج الإسلامي، الذي يحقق تكاملها مع الرجل، وتميزها عنه في الوقت ذاته، والذي يراعي ذلك في تقسيم العمل على النحو الذي يحفظ الفطرة الإلهية التي فطر الله الأنوثة والذكورة عليها.. وندعو المرأة المسلمة إلى أن تستلهم نموذج تحررها وتحريرها من المنابع الإلهية والتطبيقات النبوية. لا من النموذج الغربي، الذي غدا مصدرَ شكوًى، بل وشقاءٍ للمرأة الغربية ذاتها!..[80].
 لقد حرر الإسلام المرأة.. وحدد القرآن معالم النموذج الإسلامي لتحريرها، فسوى بينها وبين الرجل في الخلق والإنسانية والكرامة ومناط التكليف وملكاته والجزاء والحساب، مع التميز بين الأنوثة والذكورة، حفظاً لتميز و تكامل الفطرة التي فطر الله عليها النساء والرجال، ليكون التكامل الدعوة الدائمة لتحقيق سعادة النوع الإنساني[81].

الخاتمة
أهم النتائج التي استخلصت من موضوع البحث هي:
إن القرآن الكريم أحاط الرجل بأوامرَ ونواهٍ صريحةٍ وضمنيةٍ مستقاةٍ من فحوى الكلام، كلُّها تكرم المرأة وتصحّح أوضاعها وتطيّب حياتها، وتحمل الناس على الاعتراف بإنسانيتها، يضاف إلى هذا ما احتوته السُنة المطهرة من الوصية بهن والمسؤولية عنهن والتحذير من الجور عليهن.
إن النموذج الغربي للحركات النسوية، قد أفرز أفكاراً وممارساتٍ جعلت شريحةً محدودة العدد والتأثير ترى المرأة نداً مماثلاً للرجل، ومنافسةً له، لأن تحررها إنما يمرّ عبر الصراع ضدّه، وضدّ منظومة القيم الإسلامية والشرقية، التي تُزاوج بين إنصاف المرأة وتحريرها وبين بقائها أنثى، تحافظ على فطرة التمايز بين الإناث والذكور. رفضت هذه الشريحة هذه المنظومة القيمية الإسلامية والشرقية، لأنها في نظرها – منظومة "ذكورية".
إن النزعة الأنثوية المتطرفة التي تبلورت في ستينات القرن العشرين، تمثل أثرًا من آثار "ما بعد الحداثة" الغربية، تحمل كل معالم تطرفها الذي بلغ بها حد الفوضوية والعدمية واللا أدرية والعبثية والتفكيك لكل الأنساق الفكرية الحداثية التي حاولت تحقيق قدرٍ من اليقين الذي يعوض الإنسان عن طمأنينة الإيمان الديني، التي هدمتها الحداثة بالعلمانية والمادية والوضعية منذ عصر التنوير الغربي العلماني، في القرن الثامن عشر، لذلك، كانت النزعة الأنثوية المتطرفة هذه "ثورةً – فوضويةً"، تجاوزت وغايرت "ثورات الإصلاح".. كانت حرباً على "الفطرة السوية"، بما في ذلك فطرة الأنوثة ذاتها!..
أمّا النموذج الوسطي المعبر عن روح التحرير الإسلامي للمرأة، فإنه ذلك الذي ينطلق من نصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم، في تحرير المرأة وإنصافاها، والمساواة بين النساء والرجال، الذين سوى الله (سبحانه وتعالى) بينهم عندما خلقهم جميعاً من نفسٍ واحدةٍ وساوى بينهم جميعاً في حمل أمانة استعمار وعمران هذه الأرض، كما ساوى بينهم في الكرامة – عندما كرم كل بني آدم – في الأهلية، والتكاليف، والحساب، والجزاء، مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة لتتم نعمة السعادة الإنسانية بسوْقِ كلِّ طرفٍ إلى الطرف الآخر، المتميز عنه – ولو كان ندًّا مماثلاً لما كان "آخر" ولما كان مرغوباً تهفو إليه القلوب، لتكون هذه المساواة هي مساواة تكامل الشقين المتمايزين، لا مساواة الندين المتماثلين، والمتنافرين.
إن النهضة الأوربية لتحرير المرأة جاءت -كتحرير العلماء – على أنقاض سلطان الدين والكنيسة واللاهوت. ولذلك جاء ردُّ فعلٍ لا دينيٌّ يحرر المرأة من الدين بدلاً من أن يحررها بالدين، انطلاقا من دعوى أن العداء والصراع هما أصل العلاقة بينهما، ودعت إلى ثورة على الدين، وعلى الله، وعلى اللغة، والثقافة، والتاريخ، والعادات والتقاليد والأعراف، بتعميمٍ وإطلاقٍ. وسعت إلى عالمٍ تتمحور فيه الأنثى حول ذاتها، مستقلةً استقلالاً كاملاً عن عالم الرجال.. وفي سبيل تحقيق ذلك، دعت إلى الشذوذ السُحاقي بين النساء، وإلى (التحرر الانحلالي) مهدِّدةً للوجود الإنساني ذاته.
يتضح من آراء المفكرين المسلمين أن من المؤكد أن الشريعة الإسلامية لا تقبل بتشظية الأسرة وتفكيك كيانها بحثاً عن حقوقٍ متوهمةٍ أو هروباً من واقعٍ ظالمٍ لم تصنعه الشريعة، بل نادت بنقيضه، فالواقع السيّئ الذي تعيشه حاليًّا المرأة المسلمة في كثير من البيئات ناتجٌ عن عدم تطبيق الشريعة أو خلل في تطبيقها، فالذي يفهم من القوامة أنه وحده الذي يتخذ القرارات المرتبطة بالأسرة، وأنه يستطيع إملاء قراراته بصوته المرتفع وأسلوبه النابي، وربما بممارسة العنف، إذا لم يتم الاستجابة لهذه الأوامر الفوقية، هو جاهلٌ بماهية القوامة التي تعني القيامَ على الأمر ومتابعةً لكافة التفاصيل، وبذل الجهد لمعرفة كل الآراء والمشكلات الداخلية من أجل أسرةٍ قويةٍ متماسكةٍ.
إن الفكر النسوي الغربي مرفوضٌ من الشريعة الإسلامية، لأنه يدعو أولاً إلى تفكيك الأسرة، وثانياً إلى الصراع بين الجنسين، وثالثاً إلى المساواة الفردية بين الرجل والمرأة بل إلى تفوق جنس الأنثى وما يستتبع ذلك من خللٍ في الحياة الإنسانية فضلاً عن كونه دعوةً خفيةً إلى الشذوذ والمثلية، لكي تستطيع المرأة الاستغناء تماماً عن الرجل.

----------------------------------
[1]* ـ باحثةٌ وأستاذة في الفلسفة الإسلامية، جامعة عين شمس، جمهورية مصر العربية.
- الشيخ محمد عبده هو محمد عبده بن حسن خير الله من آل تركمان، من قرية محلة نصر بمركز شبراخيت من أعمال مديرية البحيرة في أسرة تعتز بكثرة رجالها ونسبتها. مولده: ولد الإمام في شترا (من قرى الغربية بمصر). (أنظر: خير الدين الزركلي – الأعلام – ج6ــ دار العلم للملايين – ط9-1990م- ص252).
[2]- د. محمد عمارة – الإسلام والمرأة في رأي الإمام محمد عبده – دار الهلال – القاهرة – العدد 347 – 1979 م- ص15.
[3]- د. منى أحمد أبو زيد – الإمام محمد عبده وقضايا المرأة – ص3.
[4]- إبراهيم عبده، درية شفيق – تطور النهضة النسائية في مصر منذ عهد محمد على إلى عهد فاروق – مصر – سنة 1945م – ص9.
[5]- النساء: 1.
[6]- محمد عبده، ومحمد رشيد رضا- تفسير المنار- ج4- ص 330.
[7]- راشد الغنوشي- المرأة بين القرآن وواقع المسلمين- المركز المغاربي للبحوث والترجمة- 2000م- ص9.
[8]- النساء: 20.
[9]- البقرة: 35
[10]- د. محمد البلتاجي- مكانة المرآة في القرآن والسُنة الصحيحة- مكتبة الشباب بمصر- 1996م- ص 78.
[11]- البقرة: 102.
[12]- التوبة: 71.
[13]- آل عمران: 125.
[14]- التوبة ــ آية 72.
[15]- الأحزاب: 36.
[16]- المائدة 38.
[17]- النور 2.
[18]- النساء: 32.
[19]- محمد عبده، ومحمد رشيد رضا- تفسير المنار- ج2- ص 375.
[20]- البقرة: 228.
[21]- محمد عبده- تفسير سورة البقرة من: الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده- تحقيق: د. محمد عمارة ج5- ص 208.
[22]- البقرة: 228.
[23]- النساء: 34.
[24]- القرطبي- تفسير القرطبي- ج5- ص 16.
[25]- البهي الخولي- الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة- دار التراث- 1984م- ص 76، 77.
[26]- البقرة: 229.
[27]- البقرة: 231.
[28]- البقرة: 232.
[29]- البقرة: 233.
[30]- البقرة: 236.
[31]- البقرة: 241.
[32]- النساء: 4.
[33]- النساء: 19.
[34]- النساء: 24.
[35]- النساء: 129.
[36]- النور: 32.
[37]- الطلاق: 5.
[38]- التحريم: 6.
[39]- الحديث رواه البخاري في صحيحه-كتاب النكاح – باب: الوصاة بالنساء – حديث 48 90- ج1 – ص1987، ورواه مسلم في كتاب الرضاع- باب: الوصية بالنساء – حديث 1468 – ج2 – ص1090.
[40]- د. عبد المنعم سيد حسن – طبيعة المرأة في الكتاب والسنة – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة – ط1– 1985م ص161.
[41]- محمد عبده، ومحمد رشيد رضا- تفسير المنار- ج2- ص 375.
[42]- د. عبد الوهاب المسيري – قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى – ص32 – 33.
[43]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ - مكتبة الشروق الدولية – القاهرة ط1 – 1424هـ - 2004م – ص235.
[44]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ - مكتبة الشروق الدولية – القاهرة ط1 – 1424هـ - 2004م – ص235.
[45]- د. عبد الوهاب المسيري – قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى – ص31.
[46]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ - ص235.
[47]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة – ص6.
[48]- المرجع السابق – ص7.
[49]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ - ص 236
[50]- المرجع السابق ــ الصفحة نفسها.
[51]- د. عبد الوهاب المسيري – قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى – ص31.
[52]- د. عبد الوهاب المسيري – قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى ، ص33.
[53]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ – ص236.
[54]- المرجع السابق –ص237.
[55]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ – ص237.
[56]- المرجع السابق – الصفحة نفسها.
[57]- المرجع السابق – الصفحة نفسها.
[58]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة – ص8.
[59]- المرجع السابق – الصفحة نفسها.
[60]- المرجع السابق – الصفحة نفسها.
[61]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة – ص9.
[62]- سورة البقرة ــ آية 37.
[63]- سورة طه ــ آية 121 – 122.
[64]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة – ص9.
[65]-د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة، ص10.
[66]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة، ص11.
[67]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة، ص11.
[68]- سورة آل عمران ــ آية 195.
[69]- سورة البقرة ــ آية 187.
[70]- سورة النساء ــ آية 21.
[71]- سورة الروم ــ آية 21.
[72]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة – ص12.
[73]- المرجع السابق – الصفحة نفسها.
[74]- البقرة: 35.
[75]- التوبة: 71.
[76]- د. محمد عمارة – التحرير الإسلامي للمرأة – ص22 – 23.
[77]- د. محمد عمارة – الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟؟ - ص236.
[78]-د. محمد عمارة – هل الإسلام هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ــ دار الشروق – القاهرة – ط2 – 1418هـ - 1998م – ص136.
[79]- المرجع السابق – ص136 – 137.
[80]- د. محمد عمارة – هل الإسلام هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ــ دار الشروق – القاهرة – ط2 – 1418هـ - 1998م – ص137.
[81]- اد. محمد عمارة – هل الإسلام هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ــ دار الشروق – القاهرة – ط2 – 1418هـ - 1998م – ص142.