البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

النسويّة الإسلاميّة .. قراءة في النقد ونقد النقد

الباحث :  أحمد عبد الحليم عطيّة
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  16
السنة :  السنة الرابعة - صيف 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 30 / 2019
عدد زيارات البحث :  3599
تحميل  ( 373.146 KB )
في هذا البحث يستقرئ الباحث المصري البروفسور أحمد عبد الحليم عطيّة القضية الجندرية في تداعياتها على المجتمعات العربية والإسلامية. وبعد أن يعرض إلى شواهد مما تناوله مفكرون وعلماء اجتماع عرب من معالجات نقدية في هذا المضمار، يمضي إلى تفكيك عدد من وجهات النظر المشار إليها، لينظر إليها بعين النقد.
ما هو حال النسوية الإسلامية وهي تتواجه ثقافياً وحضارياً مع الجندرية الغربية ونظرياتها والآثار السلبية التي ترتَّبت على هذه المواجهة؟

المحرر

----------------------------------------
الحديث عن النسوية الإسلامية ينقلنا إلى مجالٍ جديدٍ، يؤكد رواده على أنه يجمع بين مطالب الحركة النسوية كما تحدّدت في الغرب وكما ظهرت في الثقافة والفكر العربيين من جهةٍ وبين الدراسات الدينية سواءً المسيحية أو الإسلامية من جهةٍ ثانيةٍ. وفي هذا السياق، وهو حديث يتابع تطور الحركة النسوية في الغرب ويسعى في الوقت نفسه إلى دعم وجوده في إطار الإسلامية والمصادر الأساسية للتشريع في الدين الإسلامي، حيث يلتقي مع تصورات ومفاهيم التوجهات النسوية الغربية، وينشغل بقضايا المرأة المسلمة التي تعيش في الغرب ومشكلاتها. ويشارك في هذه الاتجاهات نسوياتٌ مسلماتٌ غيرُ عربياتٍ يسعين لتمييز أنفسهن عن النسوية الغربية ويدركن الاختلافات بينهن وبين غيرهن. لقد وُجد شكلان من النقد: نقدٌ وجهته النسويات المسلمات لأنفسهن، ونقدٌ تقدمه الناشطات المسلمات من غير النسويات للنسوية الإسلامية. ومهمة هذا البحث بيان بدايات النسوية الإسلامية، وتوجهاتها وأهم أعلامها والأفكار التأسيسية لها والانتقادات التي تقدّمها والتي تُقدّم لها.

أولاً: النسوية الإسلاميّة الرافضة والمرفوضة
من الكتب الفلسفية القليلة التي تناولت النسوية الإسلامية، كتاب فهمي جدعان «خارج السرب: بحثٌ في النسوية الإسلامية المبكرة والرافضة[2]». يميز جدعان في هذا العمل بين «الإصلاحية الإسلامية» وروادها في الفكر العربي الحديث، التي ازدهرت في القرن الماضي وتسعى لإيجاد فهمٍ عصريٍّ للنصوص الإسلامية وبين «النسوية» التي تحاول تجاوز النصوص أو تعديل الفهم التقليدي لها. وعلى أساس هذا التمييز يخلص إلى تمييزٍ آخر مهم بين«النسوية التأويلية»، و«النسوية الرافضة»، حيث ترفض الثانية الدين بشكلٍ عامٍّ، في حين تدعو الأولى (النسوية الإسلامية) إلى الرجوع إلى القرآن وإعادة قراءته قراءةً غيرَ حرفيةٍ، ليتبين خطأ القراءة «الذكورية» التقليدية للقرآن، وعدم مشروعية استبعاد النساء من المجالات الدينية والعامة. وقد عززت النسوية التأويلية مناهجها في الاجتهاد باستخدام الآليات اللسانية، والتاريخ، والتحليل الأدبي، وعلم الاجتماع. فالنسوية الإسلامية التأويلية هي منهجٌ في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والنصوص الدينية وتأويلها وتأسيس حقوق النساء بطريقة لا تخرج أصحابها من حدود الدين[3].
وعلى الرغم من أن ما يطلق عليها جدعان النسوية الرافضة، جعلها خارج السرب، فإنّ هذه التسمية مزدوجة الدلالة، فالقول بأنها رافضةٌ يعني أنّها رافضةٌ للتفسيرات التقليدية، وهذا التفسير لا يجعلها تختلف عن قراءة النسويات الإسلاميات، وهناك رافضة بمعنى كونها خارج النصوص الدينية، ومع هذا فمن المهم الإشارة إليها بإيجازٍ على النحو التالي:
 يذكر جدعان ضمن ما أطلق عليه «النسوية الإسلامية الرافضة»، «تسليمة نسرين»، البنغالية الأصل، وأعمالها (يوميات مختارة 1991)، «النساء المرهقات، المضطهدات، المسحوقات، المسممات من قبل المجتمع». تُحمل تسليمة نسرين الدين ذاته مسؤولية العناء الذي ترزح فيه النساء خارج الفضاء الأوروبي، وتراه مضاداً للمساواة، والمجتمع والدولة متواطئان معه في ذلك. وقد نسبت في كتابها الثاني «نثر قذر لفتاة قذرة 1993» إلى الدين والمجتمع والدولة، هذا «الثالوث غير المقدس»، كل أسباب الشقاء، الذي تعيشه المرأة المسلمة في بنغلاديش.[4]
والثانية «أيان حرسي علي»، الصومالية الأصل، والتي ترى أن الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية معاديان للنساء، وقد استندت في ذلك الرفض إلى حياتها المليئة بالآلام وتسلط الأب وهجر الأم لتتجه إلى العنف اللغوي في الهجوم على الإسلام. ويوضح جدعان أن النسوية التي تتعلق بها «أيان حرسي» لا تعني إعادة قراءة الإسلام والاجتهاد في نصوصه، بل هي نسويةٌ انقلابيةٌ رافضةٌ، تنطلق من مفهوم مطلق للحرية الفردية، والإلحاد.
والثالثة هي«إرشاد منجي»، الأوغندية الأصل، صاحبة كتاب «المشكل مع الإسلام اليوم»،2003 الذي أثار جدلاً واسعاً، وهي ناشطةٌ راديكاليةٌ نسويةٌ وناقدةٌ لما يسمى الإسلام الأصولي، وإن كانت تضع نفسها في دائرة الإصلاح الإسلامي الليبرالي، فإنها تنهض للنظر في قضايا كثيرةٍ على رأسها «نقد النص القرآني». وهي تبين أن تفسيرها الخاص للقرآن يقودها إلى ثلاث رسائل: أن الله وحده يعلم حقيقة كل شيء، ووحده يحاسب غير المؤمنين ويوفق بين «التناقضات» في النصوص، وإنسانيتنا تجعلنا أحراراً في التعامل مع مشيئة الله.
 وتنطوي أبحاث «نجلاء كيليك»، التركية الأصل، الألمانية الهوية وخاصة في كتابيها «العروس الغريبة»، و«الأبناء الضالون- على دفاع من أجل تحرير الرجل المسلم» على أطروحةٍ مركزيةٍ تحكم العملين.
يناقش جدعان في الفصل الأخير من كتابه «معركة التنوير» ويحاجج منطلقات ونتائج النسويات الرافضات. ويرتكز نقده لهذه الأطروحات على ثلاثة محاور من المهم التأكيد عليها: المكان الذي انطلقت منه، وغياب البعد التأويلي لقراءة النص، والجذور النفسية الشخصية. فالمكان هو فضاءات الغرب«الحرة» التي أتاحت للنسويات الرافضات مساءلة المقدس والدخول في سجال معه[5]. ما يجعلنا نتساءل عن مدى إسلامية أو دينية هؤلاء النسويات، ونتفق مع جدعان في نقده لكتاباتهن الرافضة تماماً للإسلام بحيث لا تكفي عبارة خارج السرب، لاختلافهن عن توجهاتٍ نسويةٍ أخرى اختلافاً جذرياً هي ما يطلق عليها نسوية تأويلية.
يختلف عمل جدعان عن كثيرٍ من الكتابات التي تتناول النسوية الإسلامية، فهو ليس عملاً تاريخيًّا يتناول النشأة والبدايات والتكوين ولا عملاً يعرض لتطور المؤلفات التي قدمتها النسويات، بل هو تحليلٌ فلسفيٌّ لجهود النسويات الإسلاميات وتعريفٌ بها وبأهدافها، بينما تختص الكتابات المختلفة للنسويات بترجمة ونشر البحوث المختلفة لهن وترجمة الأعمال التي تدور حول النسوية والدراسات الدينية إلى العربية للتعريف وبيان الأهداف والغايات التي تسعى لتأكيدها النسوية الإسلامية.
تحدد أميمة أبو بكر أهداف النسوية الإسلامية في دراستها «المشروع النسوي في الإسلام بين المركز والهامش»، إذ نشرت في مجلة الديمقراطية موضحةً أنّ المشروع النسوي الإسلامي في عمومه يهدف إلى: (أ) تطوير وتأسيس رؤيةٍ إسلاميةٍ تتسم بالعدل والمساواة بين الجنسين. (ب) تبني منهجيةٍ نقديةٍ في تفنيد وتمحيص الموروث الذكوري السلطوي للمعارف الدينية. (ج) إعادة بناء وإنتاج معرفةٍ «مساواتيةٍ» في مجال علاقات النوع تطبق مبادئ العدل والقسط القرآنية والهدي النبوي، أي إنّه مشروعٌ معرفيٌّ إصلاحيٌّ «بنائيٌّ». إنها نسويّةٌ تنبع من المثل الإسلامية العليا، وتصب في مصلحة الدين الإسلامي، واجتهاد نسوي في نطاق الدين الإسلامي وبه[6].

ثانياً : توجهات وتعريفات
ظهر مصطلح النسوية لأول مرّةٍ في فرنسا أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر على يد أوبرتين أوكلير (Hubertine Auclert) في كتابها المواطنة (la Citoyenne)، الذي نددت فيه بالسلطة الذكورية، وطالبت أوكلير بتمكين المرأة كجزءٍ من وعود الثورة الفرنسية. وأيضًا المؤرخة النسوية كارين أوفينKaren Offen). ) وبدأ المفهوم في الارتحال إلى إنجلترا مع العقد الأول من القرن العشرين ثم إلى الولايات المتحدة. ولم يمرّ عقدٌ إلا وكان المفهوم قد شقّ طريقه إلى دول العالم الإسلامي، بادئاً بمصر من خلال ظهور مصطلح «النسائية»[7].
والنسوية الإسلامية تيارٌ يُحدّد توجهاته وغاياته بشكلٍ واضحٍ ومتميزٍ ومختلفٍ عن التيارات النسوية الأخرى على النحو التالي: نشطت في السياق العولمي حركة «مساواة» العالمية التي انبثقت عن المنظمة النسائية الماليزية «أخواتٌ في الإسلام» منذ عام 2008. في مصر والعالم العربي ظهر هذا الاتجاه منذ التسعينيات في دراساتٍ بالعربية، تُظهر اختلاف التوجه عن مشروع الإسلام السياسي، وفكره المحافظ النمطي بشأن علاقات النوع، وعن سطحية وانغلاق الفكر السلفي، وعن الفكر الأبوي التقليدي للمؤسسة الدينية الرسمية، والأجندة الليبرالية الغربية في توظيف واستخدام حركات النقد الذاتي لصالح إيديولوجيا «استشراقيةٍ» كولونياليةٍ وعنصريةٍ، وعن الفكرة العلمانية المتطرفة حول إقصاء المرجعية الدينية تمامًا في أمور قضايا المرأة وغيرها[8].
وتقدِّم لنا أميمة أبو بكر تحديداً للمشروع النسوي في الإسلام: مثال على القراءة الأفقية للتيار النسوي الإسلامي وتذكر أن: وثّق المؤرخ والمحدّث شمس الدين بن محمد السخاوي لعشراتٍ من عالمات الحديث، اللاتي درّسن الحديث في القاهرة، ودمشق، وبغداد، وفي رحاب الحرمين الشريفين، وأن كثيرا منهن كُنَّ: «ذات فهمٍ وعقلٍ – كانت عاقلةً – مستوية العقل – توصف بعقلٍ ورياسة – كانت من سَرَوات نساء زمانها عقلاً ودينًا». وهناك أيضًا نص من نصوص ابن عربي يتعامل فيه مع مفهوم «وللرجال عليهن درجة»، في كتابه «القطب والنقباء عقلة المستوفز» لا كمفهومٍ سلطويٍّ أو تراتبيٍّ، ولكنه فقط إشارة إلى عامل الزمن والأسبقية في الخلق بدون دلالات أو تأويلات تكرّس لسلطةٍ أو نقصانٍ ما: آدم له عليها – حواء – «درجةٌ في الإيجاد» فقط، و«الأبدال» ممكن أن يكونوا من النساء، بل إن مفهوم «الإنسان الكامل» خليفة الله تعالى في العالم «ليس مخصوصاً بالذكورية فقط فكلامنا في صورة الكامل من الرجال والنساء».
وتقدم أميمة أيضًا مثالاً على القراءة الرأسية: عودةٌ لمصطلح «الرياسة» المستخدم بكثرةٍ عند السخاوي (وقبله العسقلاني في الدرر الكامنة) «كانت رئيسة...»، «ذات رياسةٍ». يبين جورج المقدسي أن مفهوم الرياسة في هذا السياق يشير إلى تحقيق الامتياز والتفرد في مجال التخصص والوصول إلى منزلة الرياسة العلمية، أو خلو الساحة من أيِّ منافسٍ آخرَ.. إلخ. ثم نجد ابن رشدٍ لا يمنع أن يكون بين النساء «حكيماتٌ أو صاحباتُ رياسةٍ»[9].
وتضيف أميمة أبو بكر ظواهرَ وخطاباتٍ أخرى مختلفةً عن المنظور الفقهي التأويلي المحدد، نجد تأريخًا لتحرك الصوفيات في الدوائر الصوفية – خارج المجال الرسمي أو السياسي المؤسسي – في فضاءٍ أو مساحةٍ لإثبات الوجود والتمكين وممارسة لسلطة الصوت المعارض المجادل المقاوم للإقصاء من المجال «الاتجاه السائد» التقليدي. وتؤكد على إسلامية توجهها وما تهف إليه وهو أن نصوغ هذه النظرية الإسلامية الأكثر اتساقًا مع الرؤية القرآنية الشاملة، والهدي النبوي الشريف، والمسار الإلهي الذي بدأ مع الوحي ولا يزال.
 يعرّف بعضهم النسوية بأنها «منظومةٌ فكريةٌ أو مسلكيةٌ مدافعةٌ عن مصالح النساء، وداعيةٌ إلى توسيع حقوقهن»، ويعرفها معجم ويبستر على أنها «النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وهي تسعى كحركة سياسية إلى تحقيق حقوق المرأة واهتماماتها، وإلى إزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه المرأة، وتعرّف الكندية «لويز تزبان» النسوية بأنها «انتزاعُ وعيٍ فرديٍّ في البداية، ومن ثَم وعيٍ جمعيٍّ تتبعه ثورةٌ ضد موازين القوى الجنسية والتهميش الكامل للنساء في لحظات تاريخية معينة». وقد انشغلت الموجة النسوية الأولى والتي هدفت إلى معالجة عدم المساواة الاجتماعية والقانونية التي كانت تعاني منها المرأة في القرن 19 في أوروبا، بقضايا التعليم والتوظيف وقوانين الزواج[10].
وارتبط ظهور الموجة الثانية من النسوية بصدور كتاب كيت ميليت (Kate Millett) عن السياسات الجنسية (Sexual Politics, 1970) ، إلا أن العديد من الأفكار التي أثّرت على الموجة الثانية من الحركة النسوية، والأفكار التي سعت بعض النسويات لمواجهتها وتحديها، يمكن تتبع أصولها إلى: كتاب «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة » لفردريك انغلز، ودراساته هو وماركس في هذا الإطار، التي تبرز بشكلٍ واضحٍ أن النظام الأبوي البطريركي الذي قام على سيطرة وتفوق واضطهاد الرجل للمرأة ليس من الصفات المميزة للطبيعة البشرية.
من الموضوعات التي كثيرًا ما يهتم بها هذا الفرع من النسوية: تأثير النظام الأبوي على القمع الذي تتعرض له المرأة، فعلى العكس من حركة تحرير المرأة، تؤمن النسوية الراديكالية بأن السلطة الذكورية هي أصل البناء الاجتماعي لفكرة النوع (رجلاً أو امرأةً)، وترى أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه، ولذلك يجب القضاء عليه لا على المستوى السياسي والقانوني فحسب بل على المستوى الاجتماعي والثقافي أيضًا.[11]
وقد ركَّزت الموجة النسوية الثانية على الأطر الفلسفية، وقد لاقت انتشارًا داخل المجتمعات الغربية، إلا أنها لم تحظ بالقدر نفسه من القبول داخل المجتمعات الإسلامية إلا من بعض المظاهر السلوكية، وهو الأمر الذي دفع بتلك الحركات النسوية للاندماج مع بعض التيارات الفكرية الأقوى من أجل إيجاد أرضية جديدة تستطيع من خلالها التغلغل داخل المجتمعات الإسلامية. وعلى هذا تعد النسوية الإسلامية أحد تجليات الموجة النسوية الثالثة.
والموجة النسوية الثالثة: مصطلحٌ يصف تجدد الاهتمام بالدعوة النسوية من جانب النساء اللاتي لا يردن أن يوصفن بتسمية ما بعد النسوية، وتتميز هذه الموجة بالرغبة في معالجة صور الخلل الاقتصادي والعنصري إلى جانب «قضايا المرأة». لم تحقق الموجة النسوية الثالثة، ولم تنجح حتى الآن في كسب التأييد الحماسي الذي تحقق للموجة النسوية الثانية في أوُجّها[12].

ثالثاً : توضيحات وانتقادات
 يُعدّ مفهوم النسوية الإسلامية مفهوماً حديثاً إذا ما قورن بالنسوية بشكل عام. وترجع بدايات ظهوره إلى تسعينيات القرن العشرين لدى عدد من الباحثات المسلمات من أمثال: أفصانه نجم أبادي، ونيرة توحيدي، وزيبا مير حسيني، وعلى يد العديد من النساء والرجال في صحيفة زنان، صحيفة طهران النسائية، التي أسستها (شهلا شركت) في 1992، التي ترى أنّ حل مشكلة المرأة يكمن في تطوير أربعة مجالاتٍ هي: الدين، والثقافة، والقانون، والتعليم. كما استخدمت مي يماني، الباحثة السعودية، المصطلح في كتابها «الإسلام والنسوية» عام 1996. واستخدمه كلّ من يشيم أرات (Yechım Arat) وفريد أكار (Feride Acar) في مقالاتهما، فضلاً عن نيلويفر غويله(Nilüfer Gِle) في كتابها «الحداثة الممنوعة»،الذي نشر بالتركية 1991 وبالإنجليزية في 1996، للإشارة إلى نموذجٍ معرفيٍّ نسويٍّ جديدٍ آخذٍ في الظهور في تركيا. واستخدمت الناشطة النسوية شميمة شيخ في جنوب أفريقيا المصطلح ذاته في تسعينيات القرن المنصرم.[13] إذاً، كانت التسعينيات عقد النسوية الإسلامية في العديد من البلدان الإسلامية.
 إنّ أول ما انعكس عليه هذا المفهوم الجديد كما ترى نورهان عبد الوهاب، هو محاولة تقديم قراءةٍ جديدةٍ للقرآن، كمحاولةٍ لتبيئته داخل السياق الإسلامي. في هذا الإطار، قامت العديد من الباحثات المسلمات بوصف ما وجدنه من مساواةٍ جندريةٍ في القرآن والعدالة الاجتماعية المرتبطة بها على أنّها نسويّةٌ إسلاميّةٌ، كما حاولت أخرياتٌ الابتعاد عن هذا المصطلح بتقديم قراءةٍ أنثويةٍ للقرآن وغيره من النصوص المقدّسة. مع ملاحظة أن الأساس النسوي له الأولوية عند هؤلاء لا الإسلام، ومن هنا فإنهن لا يفضلن تسمية النسوية الإسلامية بل يرفضنها ومع هذا فحين تتماس قضاياهن مع الإسلام يؤكدن على إسلامية توجههن إلى الإسلام[14].
 تؤكِّد عبد الوهاب أنّ دعاة النسوية دائماً ما احتفظوا بمساحةٍ للدين داخل تنظيراتهم، وأن الخطاب النسوي المؤسس في مصر استطاع أن يرتكز على الخطاب الإصلاحي الإسلامي والخطاب العلماني القومي. وتشير إلى أن كثيرًا ما يعرض النسويون العلمانيون (أو نسويون بدون إضافات) أطروحاتٍ إسلاميةٍ في مطالبتهم بحقوق المرأة في التعليم والعمل والحقوق السياسية بالتوازي مع الخطاب القومي. فعندما يلتمسن أيّ تغيُّراتٍ في ما هو سائدٌ بشأن الشخصية الإسلامية عادة ما يقدّمن أطروحاتٍ إسلاميةً تعزز مطالبهن.
فهناك من بين المدافعات عن النسوية الإسلامية من ترى نفسها بالضرورة إسلامية. ذلك أنّ العديد ممّن انخرطن في مفصلة خطاب النسوية الإسلامية ومارسنه قد أكدنّ هويتهنّ الإسلامية. بينما أحجم العديد من منتجي خطاب النسوية الإسلامية أو التفسير القرآني الجندري الجديد عن تعريف أنفسهم بنسويين/نسويات إسلاميين/إسلاميات: مثل فاطمة مرنيسي، صاحبة كتاب «المرأة والإسلام: تحقيقٌ تاريخيٌّ وعقيديٌّ» (نشر أولاً بعنوان الحريم السياسي في 1978، وبالإنجليزية عام 1991)، منتجة النص المؤسس للنسوية الإسلامية التي لا ترى أنها نسويةٌ إسلاميةٌ، فهي نسويةٌ علمانيةٌ[15].
يستخدم النسويون الإسلاميون الخطاب الإسلامي باعتباره خطاباً أساسياً، وإن لم يكن الخطاب الوحيد، في مطالبتهم بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية. فثمة ركائز «إسلاميةٌ» لهذا الخطاب مشتقةٌ من القرآن والسنّة النبوية. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ القرآن أكد المساواة بين سائر بني البشر، وإن كان الفقه الذكوري قد انتهك المساواة بين الرجل والمرأة والتي بلغت أوجها في القرن التاسع وتشبعت بالأفكار الأبوية التي سادت تلك الفترة. فهذا الفقه الأبوي، الذي استطاع ليّ عنق الرسالة، هو إذاً السبب في الوضع الذكوري للشريعة الآن. ولم تسلم الأحاديث النبوية هي الأخرى من هذه المشكلة[16].
تكمن أولويات النسوية الإسلامية كما تبين نورهان عبد الوهاب، في التعامل المباشر مع النص المؤسس للإسلام، وهو القرآن الكريم. كما عند (أمينة ودود، رفت حسن، وفاطمة ناصيف)، على الرغم من ذهاب أخرياتٍ إلى البحث في القوانين الداعمة للشريعة ( مثل عزيزة الحبري اللبنانية، وشاهين ساردار علي الباكستانية )، في حين طرقت نسوياتٌ أخرياتٌ باب الحديث الشريف (كالمغربية فاطمة المرنيسي، والتركية هدايت توكسال). وتُظهر عدة مناهجَ نذكر منها على النحو التالي:
أولاً: استدعاء بعض آيات القرآن التي ارتبطت بتفسيراتٍ مغلوطةٍ، كتلك المتعلقة بالخلق أو أحداث الجنة وما فيها من سيادة النظرة الذكورية وعلوّها على وضع المرأة ومكانتها.
ثانياً: الاستشهاد بالآيات التي توضح بشكلٍ لا لبس فيه المساواة بين الجنسين.
ثالثاً: تفكيك الآيات التي تهتم بإبراز الاختلاف بين الرجل والمرأة على نحوٍ يُبرّر هيمنة الرجل وسيطرته.
توضح نورهان عبد الوهاب أن التفسير النسوي يُلقي بظلاله على العديد من الآيات ليبرهن أنّ الأصل في الأمور هو المساواة التامة بين الرجل والمرأة. إذ تقول الآية: Nوَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَيُقِيمُونَ الصَلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحّمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌM، أي إنّها اعترفت بالولاية والمسؤولية لكلا الجنسين؛ الرجل والمرأة[17].
المتمعّن في متن المقالات التي قدمتها النسوية زهية جويرو «القصاص في النّصوص المقدسة-قراءةٌ تاريخيةٌ»، و«الإسلام الشعبي »، و«مؤسّسة الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التّاريخ»؛ يلاحظ أنّ الكاتبة اتّخذت لنفسها منهجاً تاريخيّاً نقديّاً خاصّاً، فقارعت حجج الفقهاء بحجج تاريخيّةٍ- سوسيولوجيّةٍ، واعتمدت على التأويل لتجتهد هي بدورها في تفسير مقاصديّة بعض الأحكام التي تحدّثت عنها في الكتاب.
فهي إذاً تفكّك البنى الذكوريّة ضمن المنظور الإصلاحي الاجتهادي المقاصدي واعتماداً على مقدّمات هذا الفكر التأويلي الذي قدّمت له الكاتبة أهمّ أسسه ولخّصت أهمّ نماذجه ممثّلاً خاصّة في ما قدّمته أمينة ودود[18].
وتلخّص زينب التوجاني الأسس التي تبني عليها زاهية جويرو عملها في نقطتين أساسيتين:
أوّلاً: التمييز بين الظاهرة القرآنيّة والفقه والقراءة التقليدية المعهودة.
ثانياً: دحض فكرة أنّ القرآن يقيم تمييزاً أنطولوجيًّا بين الرّجل والمرأة.
وتظهر فكرة استخدام المنظور النسوي في التأويل لاستقراء العدل والمساواة من النصوص. في مقالة «الهرمينوطيقا غير الأبوية للقرآن». تتناول هند مصطفى المدارس والتيارات النسوية المختلفة في الغرب مع تقييم وتحليل إيجابيات وإنجازات الفكر النسوي الغربي وبعض الإشكالات التي ينطوي عليها وبناءً على التفاعل والاستفادة من تجارب تلك المدارس في النشأة والتطور تطرح صياغة لخطابٍ نسويٍّ بديلٍ يستلهم مفاهيمَ قرآنيةً مساواتيةً حول الإنسان والنوع، مشيرة إلى بعض جوانب القصور في التنظير النسوي الإسلامي لافتقاده صفة الفعالية على الأرض.[19]
 قدّمت آمنة ودود قراءةً تفسيريّةً للآيات المتّصلة بالمرأة، ومكانتها في النّص القرآني، سعياً منها للتصدّي لما أطلقت عليه القراءة الذكوريّة التي طغت كما ترى على فهم المسلم لنصّه الإسلامي عبر عصورٍ، وكانت هذه القراءة -في نظرها- السبب في تحريف المعنى القرآني، والتفريط في القصد من الرّسالة الإسلاميّة المكرّسة لمبدأ المساواة بين الجنسين. كما انشغلت بمسائل التّأويل وآلياته، على أساس أنها المدخل المناسب لفهمٍ نسويٍّ للخطاب الإلهي. (ص 4) انطلاقًا من القول بضرورة قراءة النّص الدّينيّ، في ظلّ شرط توافر البنية المسبقة للفهم، الذي يقف على طرف نقيض مع الفكر الدّاعي إلى التحرّر من الحكم المسبق.
ترفض آمنة ودود كلّ قراءةٍ تدّعي الموضوعيّة، والكمال، وحيازة المعنى القرآني، مقابل نقصان القراءات الأخرى، وسندها التأويلي، في ذلك، تجاوز الادّعاء الزّائف بالموضوعيّة والحياد[20].

رابعاً: توجهات وإشكاليات
 يمكننا التعرُّف على القضايا التي تتناول النسوية الإسلامية إذا ما تصفحنا أجزاء العمل الجماعي الذي قامت بتحريره أميمة أبو بكر والذي يقع في أربعة أجزاءٍ، تعرض للموضوعات التالية:
الجزء الأول: النسوية والنشاط النسائي في العالم العربي، ويشمل دراساتٍ من قبيل: هل من ربيعٍ سعوديٍّ على هامش الربيع العربي؟ وما هو موقع السؤال النسوي في هذا السؤال؟ ومثل: التحديات التي تواجه مساعي النسوية الإسلامية لإصلاح قانون الأحوال الشخصية: منظمات النساء غير الحكومية في مصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
الجزء الثاني: الوعي النسوي والحوار في السياق الأوروبي، وتتعرض فيه بشكلٍ أساس إلى مسألة تمكين النساء المسلمات في ألمانيا لـ كاثرين كلاوزين،.و«بين المسبحة والقرآن» التعاون بين النساء الكاثوليكيات والنسويات الإسلاميات في ايطاليا لـ آنا فانتسان، و»النسوية الإسلامية في الخطاب الفرنسي السياق الأوروبي ما بعد الكولونيالي لـ مليكة حميدى.
الجزء الثالث: ويتناول الفكر الإسلامي القانوني: نظريةٌ وممارسةٌ. ومن ضمن موضوعاته: من أين نأخذ شرع الله؟ قضية قيادة المرأة السياسية: رؤيةٌ جديدةٌ لحوارٍ قديمٍ. وتأملاتٌ في بعض القرءات النقدية للفقه الإسلامي في أدبيات النسوية الإسلامية ودلالتها في السياق المصري.
الجزء الرابع: ويتوقف عند خطاباتٍ وتفسيراتٍ جديدةٍ. مثل: نحو صياغة خطاب نسويٍّ جديدٍ: قراءةٌ نقديةٌ. ومبادئ المساواة في الطلاق من المنظور القرآني، والتفسير المعاصر للقوامة، وبيبليوغرافيا اتجاهاتٍ عامةٍ وأساسيةٍ «لنسويةٍ إسلاميةٍ» عربيةِ المنشأ، ولمَ نحتاج إلى نسويةٍ من منظورٍ إسلاميٍّ، وأيضًا الأبعاد المعرفية لنسويةٍ إسلاميةٍ، وأن تكوني نسويةً أوروبيةً مسلمةً: تصالُح الهويات. ونتوقف في الفقرة التالية عند مقدمة هذا العمل.
للإجابة عن السؤال التالي: لِمَ نحتاج إلى نسويةٍ من منظورٍ إسلاميٍّ؟ توضح لنا أميمة أبو بكر في مقدمة الكتاب الذي أشرفت على تحريره «النسوية الإسلامية: آفاقٌ جديدةٌ للمعرفة والإصلاح»، أن فكرة المطالبة بحقوق النساء من خلال الإحالة إلى القيم والمبادئ الإسلامية – أي الجمع بين الوعي النسوي والمنظور الإسلامي– شملت عدداً من رائدات العمل النسائي في المنطقة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر. لقد تطورت الفكرة في العقدين الأخيرين في العالم الإسلامي من خلال تطبيق الوعي النسوي لفهم معضلة التفاوت بين رسالة الإسلام التوحيدية التي تساوي بين البشر جميعًا رجالاً ونساءًا وترجمة قيم تلك الرسالة السامية إلى عدالةٍ وتكافؤٍ فرصٍ وشراكةٍ على أرض الواقع بين الجنسين.
تضيف أميمة أبو بكر أن الدافع الرئيسي وراء توجهات البحث النسوي الإسلامي اليوم، هو تفعيل المبادئ والمقاصد العليا لإنتاج معرفةٍ نسويةٍ فى نطاق الإسلام وبه، معرفة كما تذكر تنقض الأبوية السلطوية والتحيز في خطابات وتفسيرات التراث. ويتم ذلك عن طريق استخلاص معانٍ فاعلةٍ محددةٍ من مبادئ الحقوق الإنسانية المتضمنة في النص القرآني، لبناء نظامٍ من الإصلاحات القانونية. وتضيف أن النسوية الإسلامية هي نسويةٌ تأويليةٌ وهو ما يظهر في أغلب الدراسات التي تحتوي على النسوية والمنظور الإسلامي كافاقٍ جديدةٍ للمعرفة والإصلاح، أي إنّ «أساس ومنطق التغيير يأتى مباشرةً من القرآن ذاته». إن مركزية القرآن هذه والتكليف الإلهى للبشر جميعاً بمسؤولية تجسيد وتحقيق المثل الأخلاقية في الحياة الدنيا هما أساس المشروع التأويلي للنسوية الإسلامية[21].
 تهدف النسوية الإسلامية إلى بلورة وتعزيز الحوار بين عالم الشمال والجنوب، بين المجتمعات الأوروبية والعربية، حيث بإمكان النسويات المسلمات أن يدفعن التيار الأساسي السائد لدى النسويات في الغرب إلى مراجعة علاقتهن المضطربة مع الدين وإعادة التفكير في بعض الأفكار الجامدة بشأن استحالة الوصول إلى الوعي النسوي التحرري بالدين أيضًا، أو ما يعرف بنظريات «التحديث-العلمنة» التي تربط بين التقدمية والحداثة وبين سقوط المرجعيات الدينية.
يستهل القسم المعني بالدراسات النسوية الإسلامية، في كتاب «النسوية والدراسات الدينية» بدراسة عزيزة الحبري: «دراسة في تاريخها الإسلامي: أو كيف وصلنا إلى هذا المأزق؟»، وهي تقدم عرضًا تاريخيًّا للأبوية بوصفها نظامًا اجتماعيًّا قبل ظهور الإسلام، ثم اتجاه الإسلام لتقويضها في أغلب تشريعاته. وتدلل على هذه الأطروحة بمناقشة ثلاث مشكلات أساسية، كما حدّدتها، ترى أن الأبوية هي التي خلقتها وعقدتها، ألا وهي: تعدد الزوجات، والطلاق، وسيادة الرجال على النساء[22].
والبحث الثاني، «هل تتساوى النساء والرجال أمام الله؟»، وهو صادرٌ عن منظمة (أخواتٌ في الإسلام) في ماليزيا، حيث يناقض البحث قضية المساواة بين الرجل والمرأة، من خلال المشكلات التي نجدها في تفسير القرآن الكريم في ما يتعلق بهذه القضية.
وتناقش الباحثة رفعت حسن في: «النساء المسلمات وإسلام مابعد الأبوية»، التأثير السلبي للأبوية في تراث الدين الإسلامي وحياة النساء، وتدعو إلى دحض الأسس الفقهية المغلوطة التي تغذي معاداة المرأة وتفوق الرجل، ثم تطبق ذلك على ثلاثة افتراضاتٍ دينيةٍ خاطئةٍ تتمحور حول قصة الخلق لتعارضها من خلال إعادة التفسير: إن الله سبحانه خلق الرجل أولاً ثم خُلقت المرأة من ضلعه، وإنّ المرأة هي السبب الرئيس في الخروج من الجنة، وإنها خلقت من أجل الرجل لا ككائنٍ مستقلٍّ.
أما الدراسة الرابعة «القرآن والجنس/الجندر والجنسانية: التماثل، الاختلاف، المساواة»، للباحثة أسماء برلس، فهي تسعى إلى إثبات تناقض الخطاب القرآني مع الأبوية وخلوه من عناصر الكراهية للنساء.[23]

خامساً: تعقيبات وانتقادات
يتضح لنا مما سبق وجود عدة اتجاهاتٍ للنسوية الإسلامية، وما يهمنا هو بيان السمات الخاصة بها والتوجهات العامة لها. وقد لاحظنا من خلال ما تم عرضه من نقدٍ موجهٍ إلي النسوية الإسلامية، أنه يوجد شكلان من النقد: الاول، نقدٌ من داخل النسوية الإسلامية لبيان قدراتها وما أنجزته وما لم تستطع إنجازه، ونقدٌ آخر من اتجاهاتٍ أخرى نطلق عليها تمييزاً لها عن الأولي اتجاهاتٌ إسلاميّةٌ نسويةٌ، تسعى لتجاوز وبيان حدود النسوية الإسلامية. وتكمن مهمتنا في هذه الفقرة بيان كلا النقدين: نقد النسوية من داخلها، ونقد الإسلامية النسوية لها.
فهي مثلاً تعدّ الآية في قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» الروم: 21، من المقولات المؤسسة في القرآن لمفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة. وتنطوي كلمة «سكون» على ألفةٍ أعمقَ تستمد من التحقق الجنسي والصفاء الذهني. ويُعد استخدام هذه الكلمة في القرآن دلالةً على أن الإسلام يتوقع أن تكون العلاقة الجنسية/الزوجية مبنية على الحب المتبادل وهي نظرة ثورية للغاية[24].
وفي سياق نقد التفسيرات القرآنية التي تهمل السياقات التاريخية والاجتماعية، تأتي دراسة آمنة داوود «بحث في القرآن والجنسانية»، حيث تطرح فكرة تجاوز التطبيق الحرفي لبعض عبارات القرآن بسبب ارتباطها بنسبية السياق الزمني الضيق والمحدد للجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، وتقترح منهجيّةً جديدةً للخروج من مأزق التعامل مع النصوص الصريحة التي تسمح مثلا بالضرب وسيادة الرجال في أمورٍ كثيرةٍ[25].

نقد النسوية للنسوية
على الرغم من أنّ النسوية الإسلاميّة يمكن أن تؤدّي دوراً مهمًّا في تحسين حياة الفرد والمجتمع، إلا أنها غير مرشحةٍ لأن تلعب هذا الدور على الأمد البعيد. ولعلّ هذا ما يُبرر التناقض الذي تعيشه المرأة المسلمة مغتربةً عن وطنها الأم، حيث تجلب معها ممارسات اعتادت عليها من ثقافتها الأصلية، فرضت عليها وعايشتها باسم الإسلام. وقد يقول قائل أنّ النسوية الإسلامية هنا تساعد مثل هؤلاء النسوة على فكّ الارتباط بين العادات والتقاليد وبين الإسلام. وهو ما يعني أنّ جلّ ما تستطيع النسوية الإسلامية تقديمه هو محاولة تقديم طرق إسلامية في فهم المساواة الجندرية، والتمكّن من مزيد من الفرص الاجتماعية، وتطوير إمكانياتهن الخاصة[26].
ويؤِّكد البعض أن داعيات النسوية لم يستطعن الفكاك من أسار المنهجية الإسلامية التقليدية بأدواتها البحثية في الاجتهاد والتفسير جنباً إلى جنبٍ مع الأدوات الخاصة باللغويات، التاريخ، النقد الأدبي، الاجتماع، الأنثربولوجي.. إلخ. ويظهر ذلك في مقاربتهن للقرآن، فقد أضفن فقط تصوراتهن النسوية، معللاتٍ غيابها في السابق بسيطرة التفسيرات الأبوية التي تتسم بالمركزية الذكورية.
من ضمن ما تعاني منه النسوية الإسلامية، ليس فقط كونها ردَّ فعلٍ، لكن ردّ الفعل لا يمكنه المبادرة، وبالتالي عدم تمكنه من صياغة رؤيةٍ متكاملةٍ. يتضح ذلك في عدم درايته بما تعاني منه المرأة المسلمة المغتربة، إذ إنّ مشكلتها ليست مشكلة جندر/نسوية فقط، إذ يضاف إليها أزمة العنصرية[27].
ويمكن القول ونحن نتفق مع هذا تمامًا أنّ من ضمن الإشكاليات التي تواجه النسوية الإسلامية، أنها لا تسعى إلى تقديم أيّ تصوراتٍ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي للدولة أو حتى على مستوى المجتمع المدني. ويرى هؤلاء أنّ النسوية الإسلامية ما تزال في العديد من جوانبها إيديولوجيا نخبويةً، وحتى إذا أمعنا النظر في التقدم التشريعي الذي أحرزته، إن وجد في بعض الحالات، فإنها بذلك قد طغت على المشكلات الاقتصادية والمجتمعية التي تعانيها المرأة. قد يرى البعض أنّ المشكلة الحقيقية في هذه الأمور هو أنها ما تزال تشرعن الإسلام كنظامٍ يصلح لحكم الحياه السياسية، وأنّ النسوية الإسلامية بهذه الطريقة لن تستطيع أن تحرز تقدماً ملموساً ما دامت لا تتخذ المعايير العالمية مرشداً لها بعيداً عن القرآن كنصٍّ مقدّسٍ ومؤسّسٍ.[28]

النسوية ونقد النقد
إن قضية المرأة شكلت -وما زالت- وسيلةً من وسائل الحرب على الإسلام، تلونت فيها بموجات الاستعمار التي اجتاحت العالم الإسلامي والعربي. والنسوية الإسلامية موجةٌ جديدةٌ من هذه الحرب على الإسلام، تستهدف تطويع الإسلام وقيمه ومفاهيمه بحيث يتلاءم ومفاهيم وقيم الحضارة الغربية. ويحذر أحمد عمرو من الموجات المختلفة من النسوية. ففكرة قراءة الإسلام من وجهة نظرٍ عرقيةٍ أو إثنيةٍ أو نوعيةٍ تتناقض مع نظرة الإسلام الكلية[29].
وهناك نسوية الحداثة الإسلامية: تنظر الحركات الإسلامية والناشطات والداعيات الإسلاميات بوجهٍ عامٍّ إلى مفهوم النسوية نظرة استهجانٍ وازدراءٍ، لأنهم ينظرون إلى النسويين كعلمانيين، بينما يعتقدون بضرورة متابعة قضية حقوق المرأة عبر تطبيق الشرع الإسلامي بشكلٍ كاملٍ وشاملٍ لكافة قضايا المجتمع، بما فيها قضية المرأة.
ويميِّز أحمد عمرو بين نوعين من النسوية الإسلامية، ويقول: في دراسة أجراها مركز كارنيغي حول المرأة في الحركات الإسلامية، تبين أن الناشطات في التيارات الإسلامية يتبنين رأيًا يؤكد على تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة، ويرفضن رفضًا تامًا فكرة اعتبارهن رأس الحربة في حركةٍ نسويةٍ توُصَف بالإسلامية، ويرين أن «الإسلام والنسوية مصطلحان متناقضان»، وكشفت المقابلات التي أجراها عن رفض وازدراء لمفهوم النسوية الغربية التي يفسرنها كحركة لتحرير النساء من كل القيود الاجتماعية، والواجبات تجاه الأسرة والمجتمع، ما يؤدي إلى الفردية المفرطة والخروج عن تعاليم الإسلام. تقول الباحثتان أميمة عبد اللطيف ومارينا أوتاوي: «أن كل النساء اللاتي أجرينا المقابلات معهن هن ناشطاتٌ اكتسبن مراكزَ وشرعيةً واحترامًا ضمن الحركات التي ينتمين إليها، ومن هنا شعورهن بالقوة والثقة، بيد أنهن رفضن رفضًا تمامًا فكرة اعتبارهن رأس الحربة في حركةٍ نسويةٍ إسلامية»[30] .
هناك إذاً مقاربةٌ ثالثةٌ لحقوق المرأة في العالم الإسلامي، تختلف عن كلٍّ من مقاربة الغرب التقليدية، ومحاولة الإسلاميين إنشاء مفهومٍ مختلفٍ لحقوق المرأة مشتق من المبادئ الإسلامية، وهي محاولة بعض منظمات المسلمات إظهار مواءمة المفهوم الغربي لحقوق المرأة مع الإسلام، علمًا بأن العديد من هذه المنظمات نشأت في الغرب، وهي غالبًا ما توجه نقدًا لاذعًا للتاريخ الإسلامي وتفسيره السائد.. كما تعتبر هذه المجموعات التوفيق بين المفهوم الغربي لحقوق المرأة وبين الإسلام مهمًا لأسبابٍ عمليةٍ، «فأيُّ نسويةٍ لا تبرر نفسها ضمن الإسلام محكومةٌ بأن يرفضها باقي المجتمع، وهي بالتالي تهزم نفسها بنفسها».
في هذا السياق ظهر في بداية التسعينيات ما اصطُلح على تسميته بالنسوية الإسلامية. كبديل عن النموذج الغربي، يصبغ نفسه بالصبغة الإسلامية، بدعوى ذاتية مشكلات العالم الإسلامي والجذور الثقافية التي تنبثق عنها، بالإضافة إلى غلبة الاتجاهات النسوية الراديكالية على مجمل الحركة النسوية.
ويتلخَّص الموقف النقدي من النسويّة الإسلاميّة في عدة نقاطٍ، نتوقف عند بعضها كالتالي:
أولا: إن الفكرة المركزية التي انطلقت منها جميع المذاهب النسوية هي الحد من/ أو القضاء على السيطرة الذكورية بجميع تجلياتها، سواءً الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
ثانيًا: الموجة النسوية الثانية، وتوابعها في العالم الإسلامي، من أهم وسائل الهجمة الاستعمارية الثانية، والتي عُرفت بالغزو الفكري الذي اجتاح العالم الإسلامي في أواخر القرن العشرين.
ثالثًا: هناك تطابقٌ شبهُ كاملٍ مع قرارات المؤتمرات والاتفاقيات الدولية -مثل مؤتمرات بكين واتفاقية السيداو- مع الأطروحات النسوية، خاصة في ما يتعلق بحرية المرأة في جسدها، وشكل الأسرة التي لم تعد تتكون من رجلٍ وامرأةٍ فقط، وحرية الإجهاض.
رابعًا: شكلت نسوية الحداثة الإسلامية رأس الحربة في الحرب الغربية على المفاهيم الإسلامية وهي تمثل تجليًا شديد الوضوح للهدف من تلك الحرب. إذ تسعى نسوية الحداثة الإسلامية في الأخير إلى التماهي مع مسلمات الحضارة الغربية من خلال ما يدعَى أنه تفسيرٌ نسويٌّ جديدٌ للإسلام.
خامسًا: هناك تناقضٌ أيديولوجيٌّ بين مطلق فكرة النسوية، والإسلام، فمصطلح «النسوية» يحمل مضامينَ أيديولوجيةٍ مركزيةٍ، أبرزها المساواة التامة التي تقود إلى فضح التحيزات الذكورية الكامنة في الخطاب والوعي، ومن ثم يفترض أنّ هناك صراعًا أو نزاعًا.
إن الإسلام لا يعرف الصراع بين الرجل والمرأة، فالإسلام كعقيدةٍ وشريعةٍ، لا يميّز نوعًا على نوعٍ ولا عرقًا على عرقٍ، ولا شعبًا على شعبٍ، ففكرة قراءة الإسلام من وجهة نظر عرقية أو إثنية أو نوعية تتناقض مع نظرة الإسلام الكلية[31].

-----------------------------------
[1]* ـ باحثٌ ومفكّر ومفكّر وأستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة ـ جمهورية مصر العربية.
[2]-  فهمي جدعان: خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية.
[3]- جوخة بنت محمد الحارثي: قراءة في كتاب «خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية»، تأليف فهمي جدعان، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية – جامعة السلطان قابوس – سلطنة عمان، عدد 6، 2014، ص136.
[4]- فهمي جدعان، مصدر سابق.
[5]- فهمي جدعان: خارج السرب، بحث في النسوية الإسلامية، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010.
[6]- أميمة أبو بكر: المشروع النسوي في الإسلام بين المركز والهامش، مجلة الديمقراطية (وكالة الأهرام)، عدد 69، القاهرة، 2018، ص152.
[7]- المصدر نفسه.
[8]- أميمة أبو بكر: المشروع النسوي في الإسلام بين المركز والهامش، مجلة الديمقراطية (وكالة الأهرام)، عدد 69، القاهرة، 2018، ص155.
[9]- أحمد عمرو: النسوية من الراديكالية حتى الإسلامية: قراءة في المنطلقات الفكرية، مجلة البيان، المركز العربي للدراسات الإنسانية، الرياض، عدد 8، 2011، ص 141.
[10]- المصدر نفسه، ص 142.
[11]- أحمد عمرو: النسوية من الراديكالية حتى الإسلامية: قراءة في المنطلقات الفكرية، مجلة البيان، المركز العربي للدراسات الإنسانية، الرياض، عدد 8، 2011، ص 145.
[12]- Margot Badran, Feminism in Islam: Secular and religious convergences, (Oxford: one world, n.d), p. 242.
[13]- تستعرض نورهان عبد الوهاب في دراستها «النسوية الإسلامية: إشكاليات المفهوم ومتطلبات الواقع»، بداية صك هذا المفهوم في السياق الغربي، ثم انعكاسه عند إسلامي ومسلمي دول الجنوب تنظيراً وتفعيلاً. ثم بحث معضلات النسوية الغربية في التعامل مع المرأة المسلمة في الغرب، ومثيلاتها التي تواجهها المرأة المسلمة في واقعها المسلم في دول الجنوب. وتفتح أفق جديد للقضايا المأزومة كقضية المرأة وعلاقتها بالرجل ودورها في المجالات المختلفة. نورهان عبد الوهاب: النسوية الإسلامية، إشكاليات المفهوم ومتطلبات الواقع، مؤمنون بلا حدود، سلسلة ملفات بحثية، الدين وقضايا المجتمع الراهنة، عدد «النسوية الإسلامية»، 13 يونيو 2016، (ص21، 22).
[14]- نورهان عبد الوهاب: النسوية الإسلامية: إشكاليات المفهوم ومتطلبات الواقع، مؤمنون بلا حدود، سلسلة ملفات بحثية، الدين وقضايا المجتمع الراهنة، عدد «النسوية الإسلامية»، 13 يونيو 2016، ص22.
[15]- نورهان عبد الوهاب، مصدر سابق، ص23.
[16]- المصدر نفسه، ص 25.
[17]- نورهان عبد الوهاب، مصدر سابق. ص 25.
[18]- وانطلاقاً من هذه الأسس قدّمت زهية جويرو مقالاتها في الفتوى وفقه النساء، مثل:زهيّة جويرو، الوأد الجديد: مقالات في الفتوى وفقه النساء، دار مسكلياني للنشر، ط 1، 2014. زهية جويرو، القصاص في النصوص المقدسة، قراءة تاريخية، دار المعرفة للنشر، 2007زهية جويرو، الإسلام الشعبي، دار الطليعة، 2007.زهية جويرو، الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ، دراسة في فتاوى ابن رشد الجد، بيروت، دار الطليعة، 2014. زينب التوجاني: ميلاد جديد، قراءة في كتاب «الوأد الجديد: مقالات في الفتوى وفقه النساء» لزهية جويرو، مؤمنون بلا حدود، سلسلة ملفات بحثية، الدين وقضايا المجتمع الراهنة، عدد «النسوية الإسلامية»، 13 يونيو 2016، ص92.
[19]- أميمة أبو بكر [محررة]: النسوية والمنظور الإسلامي: آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح، من ترجمة راندا أبو بكر، مؤسسة المرأة والذاكرة، القاهرة 2013، المعهد الدنماركي المصري للحوار (ديدي DEDI)، والمركز الدنماركي للمعلومات عن التنوع والمساواة والأجناس كيفنفوKvinfo، ص8.
[20]- إيمان المخينيني: نحو تأويلية جندرية للقرآن، مؤمنون بلا حدود، المغرب، 2017، ص6.
[21]- أميمة أبو بكر [محررة]: النسوية والمنظور الإسلامي: آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح، من ترجمة راندا أبو بكر، مؤسسة المرأة والذاكرة، القاهرة 2013، المعهد الدنماركي المصري للحوار (ديدي DEDI)، والمركز الدنماركي للمعلومات عن التنوع والمساواة والأجناس كيفنفوKvinfo، ص4.
[22]- أميمة أبو بكر، النسوية والدراسات الدينية، عرض هاني غازي، مجلة فصول، مصر، عدد 83/84، 2013، ص 553.
[23]- أميمة أبو بكر، النسوية والدراسات الدينية، عرض هاني غازي، مجلة فصول، مصر، عدد 83/84، 2013، ص 556.
[24]- المصدر نفسه.
[25]- المصدر نفسه، ص 556 – 557.
[26]- نورهان عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 25.
[27]- المصدر نفسه، ص 24.
[28]- نورهان عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 27.
[29]- يستشهد الكاتب بمثال لتوضيح وجهة نظره عن النسوية الإسلامية هو ريما الفقيه، التي تقول: «أنا أصوم طبعًا، وهذا جزء من ديانتي؛ لأني أريد أن أكون محترمة » إجابة عما طرحه عليها الصحافي نيراج واريكو، من موقع «فري برس» الأمريكي الإخباري، عبر الهاتف.فازت ريما فقيه، اللبنانية الأصل بلقب ملكة جمال الولايات المتحدة، وصف شقيقها صيامها بأنه من باب الواجب الديني، ولا يتناقض مع مشاركتها بالمسابقة «كما أن الصيام يضُفي على الإنسان جمالا روحيًا. هذا المشهد عند أحمد عمرو شديد الرمزية؛ حيث يجمع بين المتناقضات، يشير بدلالة مركزة إلى نموذج المسلم المتعايش مع الحضارة الغربية -بالمفهوم الغربي- بكل قيمها ومفاهيمها. أحمد عمرو: المصدر السابق، الموضع السابق.
[30]- نورهان عبد الوهاب، المصدر نفسه.
[31]- نورهان عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 27.