البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

منازع المذهب النسوي

الباحث :  قاسم أحمدي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  16
السنة :  السنة الرابعة - صيف 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 30 / 2019
عدد زيارات البحث :  1505
تحميل  ( 434.271 KB )
تهدف هذه المقالة للباحث الإيراني قاسم أحمدي إلى بيان مكامن الخلل القِيَمي في شتّى التوجّهات النسوية، كما يسعى إلى تقديم تصوّراتٍ ورؤًى وحلولٍ تهدف إلى تجاوز المعضلات الأخلاقية التي باتت عقبةً جادّةً أمام الفكر النسوي الذي تحوّل بالتدريج إلى ظاهرةٍ عالميةٍ.
يُسلّط الباحث في ما يلي طائفةً من الأضواء على هذا الموضوع الإشكالي ثم يُبيِّن أبرز عناصره النظرية عبر ذكر خصائص ومتبنّيات مختلف المذاهب النسوية التي ظهرت في أزمنة الحداثة في الغرب، ثمّ يتجه أخيراً نحو تقييمٍ نقديٍّ لتوجهاتها الفكريّة وبيان النتائج السلوكية والأخلاقية التي تمخّضت عنها.

المحرر

--------------------------------------
الأخلاق النسوية عبارةٌ عن مصطلحٍ يسعى دعاة حقوق المرأة على ضوئه إلى إعادة النظر وتصحيح المسار بالنسبة إلى الأصول الأخلاقية والسلوكية التقليدية السائدة في العالم الغربي تجاه المرأة بصفتها كائناً عديم القيمة وشأنه أدنى من شأن الرجل[1].
الأخلاق النسوية تنطلق في أساسها من التجارب العلمية للمرأة وفق معاييرَ أخلاقيةٍ وسلوكيةٍ خاصّةٍ[2].
المتطرّفون من دعاة الدفاع عن حقوق المرأة والناشطون في مجال ترويج المذهب النسوي وجميع المنظّرين في هذا المضمار يُصطلح عليهم ب"نسويون"، حيث يؤكّدون في أطروحاتهم على أنّ الأخلاق النسوية كانت مغيّبةً في العالم الغربي طوال ألفيْ عامٍ، ومن هذا المنطلق رفعوا شعار القضاء على التمييز الجنسي وسلّطوا الضوء في دعواتهم ونظرياتهم على فلسفة الأخلاق الغربية بهدف بيان الوجه الحقيقي لمدّعياتهم[3].

الأخلاق في رحاب الاتّجاه الفكري النسوي
في ما يلي نسلّط الضوء على المعالم العامّة للمذهب النسوي في رحاب مختلف التيارات الفكرية التي ولدت من رحمه، ونشير إلى النقد الذي يطرح بخصوص تداعياته على الأخلاق ضمن مسيرته التأريخية:
التيار النسوي الأوّل: نسوية ليبرالية (التكافؤ الوجودي بين الرجل والمرأة)
التيار الفكري الأوّل الذي انطلق دفاعاً عن حقوق المرأة تبلور بشكلٍ أساسيٍّ ضمن دعواتٍ فيمينيةٍ ليبراليةٍ، وهو بطبيعة الحال أوّل مرحلةٍ من مراحل النزعة النسوية.
الجدير بالذكر هنا أنّ التقسيمات التي ذكرت حول مراحل نشأة النزعة النسوية وتطوّرها ليست دقيقةً للغاية ولا يمكن البتّ بكونها قطعيةً ونهائيةً، لكن مع ذلك يمكن الاعتماد عليها لبيان معالم المسير التأريخية للفكر الفيميني كي يتسنّى للمتابع معرفة مختلف أبعاده والظروف التي أثّرت في ظهوره وبلورته بشكلٍ المعهود في عصرنا الراهن.

في النقطتين التاليتين نذكر أهمّ معالم الفكر النسوي الليبرالي:
1 ) المساواة بين الرجل والمرأة
النسوية الليبرالية هي أكثر التيارات الفيمينية شهرةً في العالم، وفي معظم الأحيان تدلّ بانطباقٍ كامل على النزعة النسوية في إطارها العام وتُتّخذ كمنطلقٍ أساسيٍّ للدفاع عن حقوق المرأة، أي يمكن الاعتماد على مدلولها كإجابةٍ توضيحيةٍ للاستفسارات التي تُطرح حول واقع هذا المذهب، كالسؤالين التاليين: ما هي النسوية؟ هل أنت نسويُّ النزعة؟ هذه الاستفسارات وما شاكلها عادةً ما تنصبّ في بوتقة الفكر الفيميني الليبرالي، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا النمط من النزعات النسوية يعتبر أكثر اعتدالاً من نظائره ويدلّ برسميةٍ أكثرَ على الأخلاق النسوية، ويتضمّن ضرباً من النقد حول تقليص نطاق المبادئ الأساسية لحرّية المرأة وإرادتها الشخصية باعتبار أنّها تتعرّض لمضايقاتٍ من قبل الآخرين.
الخلفية الفكرية الأساسية التي يتقوّم بها التيار النسوي الليبرالي هي المساواة بين الرجل والمرأة، وفي هذا السياق قالت الباحثة كريس بيسلي (Chris Beasley): «إنّ النسويين الليبراليين لا يعتقدون بوجود صراع بين جنسين، كما لا يرفضون تلك الخصائص الذاتية للرجل، بل تتمحور نظرياتهم وتوجّهاتهم الفكرية حول الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة على ضوء اعتقادهم بعدم وجود أيّ اختلافٍ جذريٍّ في ما بينهما، وتأكيدهم على أنّ المجتمعات البشرية حرمت المرأة من مزايا كثيرةٍ تستحقّها بجدارةٍ»[4].

2) التشابه الوجودي بين الجنسين
أحد الأصول الأساسية للفكر النسوي الليبرالي ادّعاء وجود تشابهٍ تامٍّ بين الجنسين المذكّر والمؤنّث من الناحية الأنطولوجية لدرجة أنّهما متكافئان بالكامل من الناحية العقلية، وتتقوّم هذه الرؤية بمبادئَ إنسانيّةٍ، لذلك اعتبر الذين تبنّوها أنّ الخصائص الذكورية والأنثوية مجرّد قضايا جانبية وثانوية والمحور الأساسي في هذا المضمار هو كون الرجل والمرأة ينحدران من الجنس البشري، وفي هذا السياق طرحوا فكرة الخنثوية «المرأة الرجل» Androgyny حيث يدلّ هذا المصطلح على أنّ الخصائص الذكورية والأنثوية التي شاعت في المجتمعات البشرية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بصفتها قضايا مرتبطةً مع بعضها البعض في رحاب نسيجٍ متداخلٍ للوجود الإنساني بما هو إنسانيٌّ.[5]
هذه الرؤية التي تتّسم بطابعٍ سياسيٍّ يمكن اعتبارها أساساً للنزعة النسوية وهي الأكثر تأييداً من قبل أتباع هذا التيار الفكري ضمن تنظيرهم للأخلاق والسلوكيات البشرية، لذلك وصفت بمصطلح «الأخلاق النسوية»، ومن هذا المنطلق أكّدوا على أنّ المجتمعات البشرية تظلم المرأة وتبخسها حقوقها المشروعة نظراً لتصوّر الناس بأنّ المرأة من شتّى النواحي الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية تابعة للرجل وليست مستقلّةً، لذلك شجبوا هذا التصوّر وندّدوا بكلّ من يعتقد به.[6]
نستشفّ من جملة ما ذُكر أنّ النسويين الليبراليين يؤكّدون على التكافؤ التامّ والكامل بين الجنسين، فكلّ واحدٍ منهما إنسانٌ بغضّ النظر عن جنسه[7].
الجدير بالذكر هنا أنّ داعية حقوق المرأة في بريطانيا ماري ولستون كرافت (Mary Wellstone Craft) التي تُعدّ واحدةً من روّاد النزعة الفيمينية في العصر الحديث، وجهّت نقداً لاذعاً للتمييز الجنسي بين الرجل والمرأة، حيث تأثّرت آراؤها إلى حدٍّ كبيرٍ بالظروف التي عاصرتها حينما بدأت الحركة الرأسمالية تبسط نفوذها في العالم.
داعية حقوق المرأة في بريطانيا أيضًا هاريت تايلور ميل (Harriet Taylor Mill) هي الأخرى من روّاد النزعة الفيمينية الليبرالية في العصر الحديث، وهي كذلك أكّدت على أنّ التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة شاع في المجتمعات البشرية جرّاء أحكامٍ ومقرّراتٍ لا تتناغم مع الطبيعة الإنسانية، فهو برأيها نتيجةٌ لتقاليدَ وأعرافٍ اجتماعيةٍ حرمت المرأة من حقوقها المشروعة.
كذلك داعية حقوق المرأة الأميركية المعاصرة بيتي فريدان (Betty Friedan) أوعزت الظلم والحرمان الذي تتعرّض له المرأة في المجتمعات البشرية إلى الأعراف والتقاليد الاجتماعية والأسس الثقافية التي قيّدتها بالأعمال المنزلية وحرمتها من حقوقها الإنسانية المشروعة.[8]

* نقد وتحليل
على الرغم من أنّ الرؤية النسوية المتقوّمة على مبدأ المساواة بين الجنسين تعدّ نقطةً إيجابيةً تنصبّ في حساب النزعة الفيمينية الليبرالية، إلا أنّ دعاتها واجهوا معضلاتٍ جرّاء انخراطهم في التيار الفكري الليبرالي وانتهاجهم أصوله الوضعية التي هي في واقع الحال عرضةٌ للنقد من أساسها، ومن المؤاخذات التي تطرح عليهم في هذا السياق ادّعاؤهم أنّ الحرّية الفردية مقدّمةٌ على المبادئ الاجتماعية، حيث يترتّب على هذه النظرية استحالة تلاحم البشر وعدم إمكانية اتّحادهم ومن ثمّ تهميش المبادئ الأخلاقية والإنسانية الجماعية مثل الإيثار والمواساة والعفو والتضحية والمودّة في الحياة الزوجية وكذلك بين الآباء والأمّهات والأبناء، ناهيك عن أنّهم تجاهلوا الاختلاف البنيوي بين الرجل والمرأة حينما أكّدوا على كونهما متساويين في الحقوق والوظائف.
وفي هذا السياق أجرت الباحثة الأميركية بيتي فريدان المدافعة عن الفكر النسوي الليبرالي تغييراتٍ أساسيةً على نظريتها النسوية، وقالت: «لقد وقعنا في بعض أطروحاتنا في فخّ النزعة النسوية جرّاء تجاهلنا البنية المحورية لشخصية المرأة والتي تتبلور على أرض الواقع في رحاب المحبّة والتربية والمنزل، وهذا الخلل طرأ على تيارنا الفكري جرّاء ردّة فعلنا إزاء حرمان المرأة في المجتمع وتسليطنا الضوء فقط على ما يكتنف حياتها في رحاب ارتباطها بالرجل كزوجة وأمّ وربّة بيتٍ»[9].
التيار النسوي الثاني: النسوية في هيئتها الماركسية والراديكالية والاشتراكية
(فلسفةٌ وجوديةٌ ورؤيةٌ سيكولوجيةٌ)
التيار النسوي الثاني انطلق في أوائل القرن العشرين وبقي فاعلاً في الأوساط الفكرية حتّى نهايته، وقد تبلورت في رحابه نزعاتٌ فيمينيٌة جديدةٌ تقوّمت على نظرياتٍ ماركسيةٍ وراديكاليةٍ واشتراكيةٍ ضمن رؤىً وجوديةٍ (Existentialism) وسيكولوجيةٍ.
وفي ما يلي نسلّط الضوء على هذه النظريات كي تتّضح الصورة للقارئ الكريم بشكلٍ أفضل:

1) النسوية الماركسية (انحطاط المرأة)
الفيلسوف الألماني الشهير كارل ماركس أكّد في نظرياته على أنّ تحرير المرأة هو ليس سوى نتيجةٍ حتميةٍ لإقرار النظام الاشتراكي؛ لأنّ المجتمعات التي يحكمها النظام الرأسمالي لا تُعير أهميةً لها كما هو استحقاقها الفعلي.
وضمن إذعانه للوظائف التي تقع على كاهل المرأة باعتبارها أمّاً وزوجةً، أكّد على أنّ انخراط النساء والأطفال في المشاغل العامّة يعدّ تهديدًا جادًّا للعمّال الذكور، وفي هذا السياق قال إنّ الرأسماليين سخّروا الأيدي العاملة من نساءٍ وأطفالٍ بهدف التقليل من نفقات الإنتاج. استناداً إلى هذه الرؤية ارتكز أتباع الفكر النسوي الماركسي في نهجهم التنظيري على نظريات عالم الاجتماع الألماني فريدريك إنغلز.[10]
الجدير بالذكر هنا أنّ فريدريك إنغلز عزا الظلم الذي تتعرّض له المرأة والتمييز الجنسي الذي تعاني منه إلى رواج مبادئ الملكية الخاصّة في المجتمعات البشرية، ومن هذا المنطلق أكّد على أنّ السبيل الوحيد لنجاتها يكمن في تغيير النظام الرأسمالي إلى نظامٍ اشتراكيٍّ تكون وسائل الإنتاج فيه ملكاً لجميع أعضاء المجتمع من ذكورٍ وإناثٍ، ففي هذه الحالة لا يبقى المُعدمون اقتصاديًّا تابعين لغيرهم ومضطّرين للانصياع لهم جرّاء حاجتهم الماسّة للمال، كما أنّ المرأة تتحرّر من سلطة الرجل ومن ثمّ تتحقّق المساواة بين الجنسين في المجتمع.
ومن جملة أطروحات إنغلز الأخرى ادّعاؤه أنّ النشاطات الاقتصادية المتقوّمة على تدجين الحيوانات وإيجاد قطعانٍ كبيرةٍ لم تحقّق الغرض ولم تتحوّل إلى مصادر جديدة للثروات المالية بحيث تعتمد عليها المجتمعات البشرية لسدّ حاجتها بالكامل، وبما أنّ الرجال في المجتمعات القبلية هم المشرفون على تربية الحيوانات التي كانت تعدّ ملكاً لهم، فقد كانت لديهم سلطةٌ نسبية في الأسرة والمجتمع على حساب النساء، لأنّهم بفضل امتلاكهم عدداً كافياً أو حتّى إضافيًّا من الحيوانات الداجنة، كانوا يوفّرون حاجة أسرهم ومجتمعهم من اللحوم ومشتقات الحليب وغيرها، والإنتاج الإضافي هنا تحوّل في ما بعد إلى ثرواتٍ متراكمةٍ تمكّن الرجال بواسطتها من إجراء معاملاتٍ تجاريةٍ على نطاقٍ واسعٍ.[11] وفي هذا السياق قال إنغلز أنّ المرأة باتت جاريةً مسخّرةً لإشباع شهوات الرجل، وعزا هذه الظاهرة إلى زوال سيادة الأمّ في المجتمع ورواج سيادة الأب.[12]
وأمّا الاقتراح الذي طرحه لانتشال المرأة من واقعها المرير فهو يتقوّم بتحريرها من القيود الأسرية المفروضة عليها وإقحامها في الحياة الاجتماعية العامّة عن طريق إشراكها في عملية الإنتاج والنشاطات الاقتصادية وتحريرها من القيود التي فرضت عليها من قبل الرجل.
الفكر الماركسي الذي بسط نفوذه على الدراسات الفيمينية أسفر عن إيجاد نظرةٍ سلبيةٍ تجاه الأسرة والزواج اللذين هما في واقع الحال بمثابة ركيزتين أساسيتين للنظام الرأسمالي، ومن أشهر دعاة النسوية الماركسية ألكسندرا كولونتاي Alexandra Kollontai وكلارا زتكين Clara Zetkin وروزا لوكسيمبورغ Rosa Luxemburg[13].

* نقد وتحليل
النقد الأساسي الذي يُطرح على النزعة النسوية الماركسية من الناحيتين النظرية والأخلاقية، أنّ دعاتها تنزّلوا بقضايا المرأة إلى مستوى مفاهيمَ ماركسيةٍ ولا سيّما تلك المفاهيم الابتدائية لهذا الفكر، كما لم يعيروا أيّ أهميةٍ للمبادئ الأخلاقية التي تتبلور في رحاب سيادة الأب وإشرافه على أسرته، والوثائق الجديدة التي اكتشفها علماء الأنثروبولوجيا وحتّى بعض الوثائق التي حصل عليها فريدريك إنغلز، تدلّ بوضوحٍ على أنّ المرأة في المجتمعات التي سبقت ظهور المجتمعات الطبقية لم تكن متكافئةً مع الرجل بانطباقٍ كاملٍ على الرغم من اشتراكهما معاً في توفير الطعام وإعداده، لذا يرد على النسوية الماركسية أنّ أتباعها حتّى وإن دعوا إلى حذف النظام المنزلي والأسري باعتباره أوّل وأبرز مظهرٍ للنظام الإقطاعي والملكية الخاصّة،[14] لكن لا يمكنهم تطبيق الأخلاق بشكلٍ أمثل على أساس هذه الدعوة وليس بمقدورهم تحرير المرأة من النظام الأسري، ناهيك عن أنّ سيادة المرأة في المجتمع تستتبع ذات المؤاخذات التي تطرح على سيادة الرجل.

2) نسويةٌ راديكاليةٌ (دعوةٌ إلى الخنثوية والمثلية)
بعض دعاة النسوية الراديكالية رفعوا شعار الخنثوية «المرأة الرجل» (Androgyny) في بادئ نشاطاتهم، لكنّ الكثير منهم غيّروا استراتيجيتهم في ما بعد عندما وجدوا أنّ هذا الشعار لا يضمن تحرير المرأة بالكامل ولا يناسبها، لكونه كما هو واضحٌ من عنوانه يتضمّن تركيبًا من صفاتٍ نسائيةٍ ورجاليةٍ، وعلى هذا الأساس فهو لا يتناغم مع مشاربهم الفكرية لأنّ معظمهم يؤكّدون على الصفات الأنثوية فقط بهدف أن يكون المستقبل للمرأة بما هي أنثى.[15]
أتباع التيار النسوي الراديكالي بدل أن يدعوا إلى إشراك المرأة في الحياة العامّة إلى جانب الرجل، دافعوا عن المبادئ النسوية بتطرّفٍ، وفي هذا السياق قالت الباحثة سونيا جونسون (Sonia Johnson): «أحد المبادئ الأساسية للنزعة النسوية الراديكالية هو أنّ كلّ امرأة قبل أن تكون شبيهةً بالرجل يجب وأن تكون لها مصالح كأيّ امرأةٍ أخرى بغضّ النظر عن طبقتها الاجتماعية وعرقها وسنّها وقوميتها ووطنها»[16].
إذاً، هذا التيار النسوي جعل على رأس أولوياته الدعوة إلى استقلال المرأة عن الرجل بالكامل، وعلى أساسه يمكن لفئةٍ من النساء أن يمضين حياتهنّ مع بعضهنّ في منأًى عن الرجال، وبما أنّ أتباعه يعتبرون المرأة أفضل من الرجل ويعيرون الأولوية في تحليل كافّة القضايا على ضوء أنثويتها، فقد توصّلوا إلى نتيجةٍ فحواها إشاعة المثلية بين النساء باعتبارها نشاطاً جنسيًّا يليق بشأنهنّ، وهذه الممارسات الجنسية برأيهم تتيح للمرأة أن تتعرّف على قرينتها بشكلٍ أفضلَ[17].
ومن أوائل دعاة الراديكالية النسوية الباحثة الأميركية التي تنحدر من أصلٍ كنديٍّ شولاميث فايرستون التي ألّفت كتاب "جدلية الجنس" في عام 1971م، حيث طرحت فيه نظريةً حول التمييز الجنسي وسلّطت الضوء فيها على العوامل البيولوجية والفيزيولوجية في هذا الصعيد،[18] ونظيرتها آن أوكلي(Oakley Ann) اعتبرت الأمومة وتقسيم الواجبات الأسرية والاجتماعية بحسب الجنس تراثاً أسطوريًّا ورثته البشرية من الثقافات السالفة وساعدت الحياة الاجتماعية على بقائه، وضمن دفاعها عن شأن المرأة قالت أنّ الأطفال في غنًى عن آبائهم وبحاجةٍ إلى أمّهاتهم فحسب، لذا يجب وأن تكون الأمّ مرتكزاً أساسيًّا لصقل سلوك طفلها وهيكلة شخصيته[19].

* نقدٌ وتحليلٌ
الكثير من دعاة الفكر النسوي الراديكالي يعتقدون أنّ المرأة ببنيتها الأنثوية تتمتّع بقابلية على تربية المجتمع وتفعيل الحياة فيه، بينما الرجل برأيهم هو عبارةٌ عن كائنٍ فاسدٍ ببنيته الذكورية وفي قلقٍ دائمٍ من أن يُفارق الحياة ونقطع نسله من الوجود.
كذلك يدّعون أنّ المجتمع فرض على المرأة مبادئَ ازدواجيةً ملؤها التمييز الجنسي بحيث باتت مدعاةً لمعاناتها وضياع حقوقها، وهذه الحالة فرضها الرجل في المجتمعات البشرية منذ العهود السالفة، لكنّ الطريف أنّه يحاول التملّص من هذه القيود.
وأمّا أكثر الرؤى النسوية الراديكالية تطرّفاً وأشدّها انحرافاً أخلاقياً، فتتمثّل في الدعوة إلى المثلية، ففي أواخر عقد السبعينيات وأوائل عقد الثمانينيات من القرن المنصرم طُرحت هذه الفكرة كنظريةٍ فحسب، وتمّ تبريرها بأنّ السبب الأساسي في معاناة المرأة يعود إلى ارتباطها الجنسي بالرجل، لأنّ هذا الارتباط برأيهم يفقدها استقلالها ويجعلها مجرّد كائنٍ تابعٍ للجنس المذكّر بحيث تصبح جليسة دارها. وعلى ضوء هذا الاستدلال رفعوا شعار الاستقلال التامّ للمرأة عن الرجل وضرورة اندماجها جنسياً بالكامل مع قريناتها النساء لإشباع رغباتها ولكي تتحرّر من القيود الجنسية التي فرضت عليها من قبل الذكور[20].

3 ) نسويةٌ اشتراكيةٌ (سمو شأن الرجل والمرأة)
أتباع النزعة النسوية الاشتراكية اعتمدوا في نظرياتهم على مرتكزاتٍ فكريةٍ مادّيةٍ تأريخيةٍ، وقد بادروا إلى تحليل النظريات التي طرحها أتباع النزعة النسوية الراديكالية استناداً إلى مبادئَ وأصولٍ مادّيةٍ، وفي هذا السياق ادّعوا أنّ المرأة تعاني من سلطة الرجل والطبقة الحاكمة في آنٍ واحدٍ.[21]
الجدير بالذكر هنا أنّ الذين يصفون أنفسهم نسويين اشتراكيين، يسعون إلى طرح آراءٍ تتجاوز الأطر الماركسية التقليدية، وذلك من منطلق تصوّرهم بأنّ الأسباب الأساسية في مشاكل المرأة لا تقتصر على واقع الأوضاع الاقتصادية في المجتمع، بل هناك عواملُ جنسيةٌ خاصّةٌ بالرجل والمرأة أسفرت عن الكثير من هذه المشاكل، فالأنوثة والذكورة ليستا مجرّد شأنين جنسيّين بحتين كما أنّهما ليستا أزليتين، وإنّما تدلان على طبقتين اجتماعيتين تتسلّط إحداهما على الأخرى، بمعنى أنّ الرجال لهم السلطة على النساء، وبحسب الأسس النظرية الماركسية فإنّ تعريف الطبقة الاجتماعية على أساس الجنس يتعارض مع الرؤية التقليدية في الاقتصاد الماركسي، والهدف منه هو التركيب بين الرؤيتين الراديكالية (الجنسية) والماركسية (الاقتصادية).
هناك الكثير من المفكّرين ودعاة تحرير المرأة أيّدوا النزعة النسوية الاشتراكية، ومن أبرزهم هايدي هارتمان (Heidi Hartmann) وزيلا إيزنشتاين (Zillah Eisentein) وكرستين ديلفي (Christine Delphy) ومارغريت بنغستون (Margaret Bengston)،[22] والأخيرة دافعت عن النزعة النسوية الاشتراكية وقالت أنّ المرأة بحسب المبادئ الرأسمالية تعتبر عاملةً منزليةً لكونها إنساناً مستهلكاً فحسب، حيث تستثمر الأسرة نتاجات عملها بشكلٍ مباشرٍ ودون أيّ واسطةٍ، ولكن بما أنّها لا تتقاضى أجراً في مقابل عملها ونظراً لأهمية الدخل المالي في المجتمعات الرأسمالية، فهي لا تحظى بمكانتها الحقيقية وتقبع في مستوى متدنٍ باعتبار أنّ عملها المنزلي عديم القيمة المالية[23].
استناداً إلى ما ذُكر ادّعى بعض النسويين الاشتراكيين أنّ المرأة التي تُقيّد بالقوانين المنزلية محرومةٌ من هويتها الحقيقية، وذلك لأنّ أعمالها المنزلية ليست لها أيّ قيمةٍ ماليةٍ، كما أنّها في هذا المضمار عبارةٌ عن إنسانٍ من الدرجة الثانية جرّاء تقييد دورها في الحياة بالقضايا العاطفية والأمومة وبسبب حرمانها من أن تؤدي دورًا فاعلًا في الحياة الاجتماعية العامّة[24].

* نقدٌ وتحليلٌ
الحقيقة أنّ الأعمال المنزلية لا تقلّل من شأن المرأة مطلقًا، ناهيك عن أنّ تقسيم الأعمال في المجتمع بحسب الجنس لا يمكن اعتباره منبثقاً من النظام الرأسمالي فقط، إذ هناك شواهدُ تدلّ على أنّ المرأة كانت تنجز بعض الأعمال البسيطة الخاصّة بالمنزل قبل أن يظهر النظام الرأسمالي في المجتمعات البشرية، لذا ليس من الصواب بتاتاً ادّعاء أنّ هذه النشاطات العملية سببٌ للحطّ من قيمتها الإنسانية.
أهمّ نقدٍ يطرح على أتباع النزعة النسوية الاشتراكية يتمثّل في أنّهم تنزّلوا بشأن المرأة إلى مجرّد كونها عاملةً وتجاهلوا دورها المحوري في المنزل بصفتها زوجةً وأمّاً، فقيمتها الحقيقية لا تقتصر على القضايا المادّية الصرفة، بل إنّ الرؤية المادّية الصرفة تجاهها تُعدّ سبباً أساسيًّا للتقليل من شأنها الأخلاقي والإنساني، فضلاً عن أنّ هذا التصوير يطمس كرامتها الدينية.

4 ) نسويةٌ وجوديةٌ (غربة المرأة عن ذاتها)
الرؤية النسوية الوجودية طرحت لأوّل مرّة من قبل الباحثة الفرنسية سيمون دي بوفوار (eSimon De Beauvoir) وذلك جرّاء امتعاضها ممّا كان متعارفاً بخصوص المرأة من مزايا تتقوّم بأصولٍ بيولوجيةٍ وسيكولوجيةٍ واقتصاديةٍ، حيث اعتبرت هذه المزايا تحقيراً لها استناداً إلى ما تبنّته من رؤًى فلسفيةٍ وجوديةٍ تأثّرت في طرحها بأفكار شريك حياتها الفيلسوف الشهير جان بول سارتر(Jean Paul Sartre) وفي هذا المضمار طرحت نظريةً بيولوجيةً ثقافيةً قوامها كيان المرأة الوجودي.
وممّا أكّدت عليه في هذا الصعيد أنّ علماء البيولوجيا وعلماء السيكولوجيا التحليلية من أتباع سيغموند فرويد وكذلك أتباع النظرية الماركسية طرحوا نظرياتٍ تستبطن قضايا هامّةً يمكن من خلالها بيان الأسباب التي أسفرت عن الأوضاع التي تعاني منها المرأة في المجتمعات البشرية، لكنّهم لم يوضّحوا مطلقاً السبب في كونها مجرّد كائنٍ آخر بينما الرجل لا يطلق عليه أنّه كائنٌ آخر، وممّا ذكرته في السياق ذاته: «المرأة عادةً ما يتمّ تعريفها نسبةً إلى الرجل باعتبارها كائناً آخر، ولا يتمّ تعريف الرجل نسبةً إليها، فهي مجرّد فرعٍ ثانويٍّ مقابل الرجل الذي يعتبرونه الأصل والأساس، فهو العاقل الكامل والموجود المطلق، بينما المرأة ليست سوى كائنٍ آخر»[25]. لذا إن أريد لها التحرّر من هذه القيود واستعادة شأنها الحقيقي في الحياة باعتبارها إنساناً فاعلاً وليست كياناً آخرَ بالنسبة إلى الرجل، فلا بدّ حينئذٍ من الاعتقاد بكونها إنساناً مثله تماماً والرقي بشأنها في المستويات كافّة وتعريف شخصيتها بصفاتٍ ذاتيةٍ تسمو عن تلك الصفات التي كبّلتها بقيود التبعية على مرّ التأريخ، ومن ثمّ لا محيص من التخلّي عن الإيديولوجيا الحالية التي تحكم المجتمعات البشرية، وأفضل سبيل لتحقيق هذا الهدف هو الإذعان بكونها كائناً واعياً ومستقلاً وأصيلاً حاله حال الرجل تماماً.
كما انتقدت دي بوفوار تقييد المرأة بخصائصها البدنية وبالدور التقليدي لها في المجتمع والأسرة مؤكّدةً على أنّ هذه الأمور تعدّ عاملاً أساسياً في تقييدها وعرقلة مسيرتها المشروعة في الحياة، لذلك قالت: «يعتقد الرجل بأنّ المرأة كائنٌ عاجزٌ عن تحقيق أيّ إبداعٍ ثقافيٍّ باعتبارها مصدراً للإنجاب ونظراً لخصائصها البيولوجية وما يتعلّق بها مثل الاهتمام بشؤون الآخرين وأداء الأعمال المنزلية الملقاة على كاهلها»، فحتّى وإن كانت المرأة ذات ميزاتٍ بيولوجيةٍ خاصّةٍ وتمتاز بطبيعةٍ أنثويةٍ معيّنةٍ، لكنّها قادرةٌ في الواقع على النهوض بهذه الخصائص عن طريق عملها الإنتاجي، وفي رحاب هذا العمل يتسنّى لها الولوج في عالم الثقافة والإبداع ومن ثمّ التحرّر من القيود التي فرضتها عليها الطبيعة.[26] فضلاً عمّا ذكر فقد عزت هذه الباحثة المعنية بشؤون المرأة الاختلاف بين الجنسين إلى قضايا ثقافيةٍ واجتماعيةٍ لا طبيعيةٍ[27].

* نقد وتحليل
الباحثة الفرنسية سيمون دي بوفوار قالت أنّ اعتبار المرأة كائناً آخرَ ناشئٌ من الاستخفاف بشأنها طوال التأريخ، وفي هذا السياق أشارت إلى عواملَ عديدةٍ ضمن كتابها الجنس الآخر، كما انتقدت بشدّة ما تشهده المجتمعات البشرية من انحيازٍ للرجل باعتباره ذا صفاتٍ مثاليةٍ وتهميشٍ للمرأة عن طريق تصوير بدنها وأعضائها الأنثوية بشكلٍ سلبيٍّ، كما انتقدت أصحاب الرؤية الذاتانية تجاه الجنسين لكونهم اعتبروا الذكورة والأنوثة أمرين ذاتيين لا ينفكّان عن كيان الرجل والمرأة ولا يمكن أن يتغيّرا، ومن هذا المنطلق أكّدت على أنّ المرأة في جميع خصالها ومواصفاتها مكمّلةٌ للرجل، وهذا يعني الامتزاج الكامل في ما بينهما، أي أنّهما مكمّلان لبعضهما في مختلف الخصائص الإنسانية والأخلاقية، لذا يمكن لكلّ واحدٍ منهما أداء دورٍ هامٍّ في تكامل الطرف الآخر أخلاقيًّا على نحو التساوي والتكافؤ.

5 ) نسويةٌ سيكولوجيةٌ (الانحطاط الأخلاقي وأخلاق الأنوثة)
عالم النفس الغربي الشهير سيغموند فرويد أشار في مباحثه التحليلية السيكولوجية إلى وجود اختلاف في المثُل التي تنشأ على ضوئها شخصيات الذكور والإناث خلال مرحلة الطفولة، وفي هذا السياق تجاهل الاختلافات الوراثية، لذا فهو بدل أن يسلّط الضوء على القضايا البيولوجية الخاصّة بالبنية البدنية للجنسين، تطرّق إلى ذكر أسبابٍ سيكولوجيةٍ عزا إليها الاختلاف المشار إليه، حيث قال إنّ الذكورة والأنوثة عبارة عن بنيتين نفسيتين تكتسبان خلال مراحل النمو النفسي الجنسي، فالطفل حين ولادته حتّى وإن امتلك أعضاءً بدنيةً توصف بكونها ذكوريةً أو أنثويةً، لكنّه - برأي فرويد - لا يمتلك هويةً جنسيةً معيّنةً. لكن مع ذلك فالجهاز التناسلي الذكري يعدّ عاملاً أساسيًّا في تعيين الفكر والهوية من الناحية الجنسية.[28]
وكما هو معلومٌ فقد اعتبر فرويد في نظرياته السيكولوجية بعض الخصائص الأنثوية ذات طابعٍ سلبيٍّ كفقدان العضو التناسلي الذكري، وهذه الميزة برأيه تُعدّ سبباً لانحرافها أخلاقياً وتضاؤل الشعور الأنثوي لديها، لذا فإنّ أخلاقها تتنامى في مستوى ضئيلٍ لا يوازي ما لدى الرجل من قابليات، أي إنّ وعيها السلوكي لا يضاهي وعي الرجل. وممّا قاله في هذا السياق: «على الرغم من عدم رغبتي في التصريح بهذا الكلام، لكنّي غير قادرٍ على كتمانه، فأنا أعتقد بأنّ ما لدى النساء من السلوكيات الأخلاقية المطابقة للقواعد المعتبرة، يختلف مع ما لدى الرجال.
الأنا العليا (Ego Supe) للمرأة مستقرّة ولا يمكن أن تتغيّر مطلقاً، وهي ليست شأنًا شخصيًّا كما أنّها غيرُ مستقلّةٍ عن مرتكزاتها العاطفية وبذات المستوى الموجود لدى الرجل، وجميع الميزات التي نسبها المنتقدون لشخصية المرأة في كلّ عصرٍ يمكن بيان واقعها على ضوء مسيرتها التي طوتها خلال نشأة ذاتها العليا، فالعدل في مشاعرها أدنى مستوًى مقارنةً مع الرجل وهي ليست متجلّدةً مثله في تحمّل مشاقّ الحياة، وتتأثّر بعواطفها أكثر منه حينما تواجه مشاكل مع الآخرين أو عندما تقترب منهم عاطفيًّا».[29]

التيار النسوي الثالث: نسوية ما بعد الحداثة
ثالثُ تيّارٍ ظهر دفاعاً عن حقوق المرأة وُسِم باصطلاح "نسوية ما بعد الحداثة"، حيث بدأت معالمه الأساسية تتبلور في أوائل القرن العشرين بعد أن تبنّى بعض دعاة حقوق المرأة رؤًى تتقوّم بمبادئ ما بعد البنيوية (Post Structuralism) وما بعد الحداثة (Post Modernism).
المنضوون في المدّ الفكري الموسوم بما بعد الحداثة يخطّؤون كلّ وجهةٍ فكريةٍ يدّعي أصحابها أنّهم يدركون الحقيقة بشكلٍ متكافئٍ ومتكاملٍ، ولا فرق لديهم في ذلك بين الليبراليين والماركسيين والاشتراكيين، وسائر المدارس الفكرية. وأمّا الفرضية الارتكازية التي يستندون إليها فهي عدم وجود أيّ حقيقةٍ مطلقةٍ يمكن إدراكها في رحاب المفاهيم المصطلحة الجديدة مثل العقل والإبستيمولوجيا والتي هي في واقع الحال سمة بارزة لعصر التنوير الفكري، فالمعرفة البشرية برأيهم تنبثق من خطاباتٍ تأريخيةٍ خاصّةٍ ومحدودةٍ، وعلى هذا الأساس حينما نسلّط الضوء على معالم ما بعد الحداثة نجد أنفسنا أمام تيارٍ فكريٍّ لا ترتكز وجهات نظر أتباعه على مبادئ مستوحاة من مدرسةٍ فكريةٍ خاصّةٍ ومتناغمةِ الأجزاء، وحينما نمعن النظر أكثر في الموضوع لا نلمس أيّ نظريةٍ مطلقةٍ لهذا التيار الفكري، وإنّما نواجه عدداً من الخطابات الفرعية التي لا يمكن تحديد أيّ إطارٍ معيّنٍ لها بتاتًا،[30] لذا نلاحظ أنّ المدافعين عن حقوق المرأة من الذين انضووا تحت مظلّة هذا التيار مثل جان فرانسوا ليوتار ( Jean - Francois Lyotard) وجوليا كرستيفا (Julia Kristeva) سلكوا نهجاً مغايراً لما ذهب إليه سائر النسويين، فقد رفضوا تحقيق مطالبهم في رحاب تيارٍ فكريٍّ فيمينيٍّ معيّنٍ، وبرّروا ذلك بأنّ النساء يتّبعن أساليبَ متعدّدةً ومتنوّعةً لفهم واقع شخصياتهنّ.
وفي هذا السياق أكّدوا على أنّ مفهوم المرأة ليس ثابتاً ولا افتراضيًّا، وإنّما يحكي عن كائنٍ في حركةٍ دائبةٍ وترتبط شخصيته الوجودية بالعديد من الظروف والعوامل، لذا إنْ أردنا فهم هويتها الحقيقية فلا محيص لنا من التأمّل في سلسلةٍ من العناصر المؤثّرة عليها كالسنّ والقومية والعرق والطبقة الاجتماعية والثقافة والجندر والتجربة الشخصية لكون هذه العناصر تؤثّر على بعضها ولا يمكن مطلقاً جمعها في نطاق مذهب إيديولوجي موحّدٍ.[31]
الجدير بالذكر هنا أنّ بعض دعاة حقوق المرأة والمدافعين عن النزعة النسوية عارضوا الوجهات الفكرية المنبثقة من تيار ما بعد الحداثة على ضوء اعتقادهم بأنّ الرؤية التعدّدية لواقع المرأة تحول دون توحيد كلمة النساء ولملمة شملهنّ في نطاقٍ شاملٍ وموحّدٍ.
السائرون في ركب نسوية ما بعد الحداثة يمتاز تيارهم الفكري بإضفاء أهميةٍ بالغةٍ للتعدّد والتنوّع أكثر من أيّ وقتٍ مضى لدرجة أنّهم لا يصدرون أيّ آراء موحّدة ولا يتبنّون قواعد ثابتة حتّى بخصوص المرأة، ومثال ذلك ما يرتبط بقضايا المرأة ذات البشرة السوداء، فهي بحسب آرائهم ونظرياتهم ليست على غرار قضايا المرأة بيضاء البشرة، ومن هذا المنطلق تزايد اهتمامهم بشكلٍ متواصلٍ بتحويل عناصر الفكر النسوي إلى قضايا محلّيةٍ ومن ثمّ أكّدوا على أنّ الاهتمام بالقضايا المشتركة للمرأة ينبغي أن لا يكون مانعاً من الاهتمام بتلك القضايا الخاصّة.

* نقدٌ وتحليلٌ
المدافعون عن نسوية ما بعد الحداثة حتّى وإن انتقدوا سائر التوجّهات النسوية جرّاء عدم اكتراثها بالاختلافات الكثيرة الموجودة بين النساء وعدم اهتمامها بتجاربهنّ الخاصّة،[32] هم عرضةٌ للنقد أيضًا نظراً لتوجّهاتهم المنبثقة من مبادئَ نسبيةٍ وعجزهم عن فهم أوجه التشابه والاشتراك بين جميع النساء من حيث كونهنّ نساءً، أضف إلى ذلك هناك الكثير من الميزات الأخلاقية والمبادئ السلوكية لا تختصّ بالجنس من حيث كون الفاعل ذكراً أو أنثى، كما يرد عليهم أنّهم لم يستقرّوا على أسسٍ أخلاقيةٍ معيّنةٍ لطرح آرائهم ونظرياتهم في هذا المضمار.

* أخلاقُ العناية Care Ethics
الباحثة النسوية كارول جيليغان (Carol Gilligan) ضمن بحوثها التحليلية السيكولوجية التي دوّنتها بخصوص النمو - التطوّر - الأخلاقي والأصول الأخلاقية، ادّعت أنّ الفتيات يمتلكن خصائصَ سلوكيةً وأخلاقيةً ذاتَ طابعٍ خاصٍّ.
تجدر الإشارة هنا إلى الباحث لورنس كولبيرغ (Lawrence Kohlberg)[33] هو أوّل من طرح قضية الاختلاف في الأصول الأخلاقية بين الذكور والإناث،[34] وجيليغان بدورها أيّدت هذه الفكرة إلى جانب تدوينها بحوثاً علميةً مستقلّةً بهذا الخصوص، حيث تمحورت نتاجاتها الفكرية حول السلوكيات الأخلاقية للأطفال، لكنّها عمّمت هذه السلوكيات في ما بعد على الكبار أيضًا اعتماداً على تخميناتٍ واستنتاجاتٍ ميدانيةٍ، وممّا ذكرته في هذا السياق أنّ الأطفال الذكور يعيرون اهتماماً أكثر للعدل والإنصاف، بينما الفتيات يتحمّلن نقض القوانين أكثر منهم. وأمّا النتائج النهائية التي توصّلت إليها ضمن هذه البحوث ففحواها أنّ الذكور والإناث يشعرون بالمسؤولية تجاه غيرهم ويسعون إلى تأسيس علاقات معهم، وأكّدت جيليغان في هذه السياق على أنّ هذا الشعور يبرز لدى الإناث بشكلٍ ملحوظٍ أكثر ممّا يبرز من جانب الذكور.
على الرغم من اتّفاق كارول جيليغان مع لورنس كولبيرغ على صعيد اختلاف الذكور والإناث في الأصول الأخلاقية، إلا أنّها لم تتّفق معه في النتائج التي توصّل إليها في هذا المضمار، إذ أكّد في استنتاجاته على أنّ التطوّر الأخلاقي لدى الذكور أكثر بلوغاً ونضجاً من الإناث نظراً لتوجّهاتهم التي تنبثق من مبادئَ عامّةٍ وقضايا انتزاعيةٍ، في حين أنّ الأحكام الأخلاقية التي تصدرها الإناث والقرارات التي يتّخذنها تعدّ أقلّ نضجاً وبلوغاً على ضوء ما تقتضيه أوضاعهنّ.[35]
على الرغم من أنّ هذه الباحثة الغربية أيّدت كولبيرغ ضمن تأكيده على وجود اختلافٍ في الأصول الأخلاقية التي يتّخذها كلٌّ من الذكور والإناث، إلا أنّها عارضته في النتائج التي توصّل إليها في بحوثه - كما ذكرنا أعلاه - معتبرةً إياها مؤشّرًا على فهمه الخاطئ والضيّق للقضايا الأخلاقية، وفي هذا السياق اعتبرت هذا السنخ من الأصول السلوكية لدى الفتيات يمتاز بطابعٍ خاصٍّ ينمّ عن النمو الأخلاقي، لذا ليس من الحريّ بمكان ادّعاء أنّ هذا النمو عبارةٌ عن نمطٍ غير ناضجٍ مقارنةً مع ما لدى الأولاد، فالأنموذج الأخلاقي الأنثوي برأيها عبارةٌ عن نمطٍ مميّزٍ من الأخلاق لدى الفتيات وله ارتباطٌ بمسؤولية العناية أو الرعاية التي أطلقت عليها عنوان أخلاق العناية.[36]
لا يختلف اثنان في أنّ النتائج التي توصّلت إليها جيليغان مهّدت الأرضية المناسبة للنسويين كي يسلّطوا الضوء على الواقع الأخلاقي في المجتمعات البشرية على ضوء الاختلافات الجنسية بين الذكور والإناث ليطرحوا من ثمّ آراءهم ونظرياتهم استنادًا إلى النتائج التي توصّلت إليها، إذ باعتمادهم على هذه النتائج سوف لا يضطرّون إلى اعتبار المراة أقلّ شأناً أخلاقيًّا من الرجل وبالتالي يوضّحون الواقع الأخلاقي لكلا الجنسين على هذا الأساس.
الرؤية السيكولوجية التي تبنّتها جيليجان على صعيد النمو الأخلاقي لدى الفتيات ومسؤولياتهنّ الأخلاقية، تمخّض عنها طرح مفهوم أخلاق العناية واتّباع فكراً نسوياً إزاء فلسفة الأخلاق، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الآخرين بناءً على هذا النهج الفكري يعدّ محوراً ارتكازياً.
الرؤية النسوية تجاه فلسفة الأخلاق المتقوّمة على مبدأ الشعور بالمسؤولية تتعارض بشكلٍ صريحٍ مع فلسفة الأخلاق المرتكزة على مبدأي الحقّ والعدالة، وأوّل تعارض يمكن تصوّره هنا هو ما يحدث في رحاب النزعة الفردانية لكون أخلاق العدل تتمحور حول رؤًى فردانيةٍ، بينما أخلاق المسؤولية النسوية تتمحور حول النزعة الجماعية.[37] التعارض بين العقل والعاطفة هو الآخر مطروحٌ في هذا المضمار، وبيان ذلك أنّ أخلاق العدالة تمنح العقل الاستدلالي سلطةً بصفته رقيباً ومحاسباً، وعلى هذا الأساس فالذين تبنّوا نظرية العقد الاجتماعي طرحوا آراءهم ونظرياتهم في رحاب استدلالاتٍ عقليةٍ، وذلك كما يلي: كلّ إنسانٍ بإمكانه تحقيق متطلّباته الطبيعية بأمثل شكل على ضوء إذعانه للعقد الاجتماعي.[38] وفي مقابل ذلك فأخلاق المسؤولية تطغى عليها العاطفة بدل العقل لكون المحور الأساسي فيها هو ضرورة شعور الإنسان بالآلام والمعاناة في حياة الآخرين وإدراكه لها بحيث يتأثّر حينما يلاحظها ومن ثمّ يبذل كلّ ما بوسعه لاستئصالها وتحسين أوضاع المجتمع.
لا شكّ في أنّ إقحام العاطفة في الأخلاق لا يمكن اعتباره أمرًا عقليًّا بالكامل، وإنّما تترتّب على ذلك مفاهيمُ أخرى يجب وأن تراعى على الصعيد الأخلاقي مثل التضحية والإيثار، ومن جملة النسويين الذين تبنّوا الرؤية العاطفية في مقابل الرؤية العقلية التي تبنّتها الفيلسوفة الأميركية نيل نودينغز وتأكيدها على كون العاطفة جزءاً من الأخلاق النسوية، حيث اعتبرتها متعارضةً مع ما ذهب إليه الفيلسوف إيمانويل كانط.[39]
خلاصة الكلام أنّ التعارضات التي تحدّثنا عنها تتمحور بشكلٍ أساسي حول المواجهة بين النزعة إلى العدل من جهة والنزعة إلى المسؤولية من جهة أخرى، وكما ذكرنا فالأخلاق الذكورية تتقوّم في أساسها بمحوري الحقّ والعدل، في حين أنّ الأخلاق الأنثوية أو التي يمكن وصفها بالفيمينية تتقوّم بشكلٍ أساسي على مبدأ المسؤولية التي وصفت بأخلاق العناية.
الأخلاق الذكورية تؤكّد على ضرورة نيل كلّ إنسان حقّه بغضّ النظر عن أيّ مشاعرَ عاطفيةٍ تجاه متطلّبات الآخرين ومعاناتهم، وهذه الرؤية تتعارض في الحقيقة مع ما ذهب إليه إيمانوئيل كانط حينما قال: «ليكن سلوكك كأنّه قانونٌ شاملٌ»، وأمّا الرؤية النسوية التي يتبنّى أتباعها الدفاع عن الأسس الأخلاقية المتمحورة حول المسؤولية، فهي ترتكز على ما يلي: «ليكن الشعور بالمسؤولية مرتكزاً لسلوكك»، أي اطّلع على المشاقّ والمعاناة الموجودة في الحياة واعمل على تقليلها.[40]

* نقدٌ وتحليلٌ
أخلاق المسؤولية النسوية التي اتّضحت في رحابها أوجه الاختلاف بين الخصائص الأنثوية من الناحية الأخلاقية وانعكست على ضوئها أهمية هذه الخصائص، حرّرت الأخلاق من طابعها الأحادي الذكوري في العالم الغربي، لذا فهي ذاتُ دورٍ إيجابيٍّ من هذا الجانب، ولكن مع ذلك ترد عليها مؤاخذتان أساسيتان إحداهما عدم استنادها إلى مبادئَ أخلاقيةٍ أو أنّها لا تتكترث بالمبادئ الأصيلة في مضمار الأخلاق، وهذا الأمر ناشئٌ في الحقيقة من ارتكازها على الحالات الموقفية للفرد من منطلق كونها غير انتزاعيةٍ. المؤاخذة الأخرى التي تطرح هنا هي وقوع هذه الرؤية الأخلاقية في فخّ النسبوية، إذ بما أنّ الأخلاق الموقفية سببٌ لمرونة المبادئ الأخلاقية العامّة، فهي بالتالي ذاتُ تداعياتٍ إيجابيةٍ، ولكن إن اتّخذت هذه الأخلاق كمرتكز لنبذ المبادئ المشار إليها فسوف تصبح وازعاً للانخراط في الفكر النسبوي.

تداعيات الأخلاق النسوية
لا شكّ في أنّ كلّ تيارٍ فكريٍّ عادةً ما تكون له تداعياتٌ خاصّةٌ، ومن هذا المنطلق سوف نسلّط الضوء في المباحث التالية على أهمّ التداعيات الأخلاقية للنزعة النسوية:

1 ) مناهضة الرجل وتقديس المرأة
إن استطلعنا المسيرة التأريخية للنزعة النسوية مرّةً أخرى، سنجد الحركة التي حملت شعار الدفاع عن حقوق المرأة منبثقةً من مبادئَ أخلاقيةٍ وحركاتٍ إنسانويةٍ حديثةٍ ظهرت في المجتمعات الغربية ولا سيّما في الولايات المتحدة الأميركية، ومن أمثلة ذلك حركة إلغاء العبودية التي رفعت شعار الإنسانية المشتركة وإقرار العدل لجميع البشر.[41] الجدير بالذكر هنا أنّ هذه الحركات كانت تستقطب النساء أكثر من الرجال على ضوء نزعاتهنّ الأخلاقية والدينية، إلا أنّ النسويين في عصرنا الحاضر قلّما يلجؤون إلى طرح قضايا إنسانوية في دعواتهم إلى إحقاق حقوق المرأة، لذا نجد جلّ نشاطاتهم تنصبّ في تقديم الدعم للنساء فحسب لدرجة أنّهم بالغوا في هذا المجال ممّا جعل نزعتهم النسوية تتحوّل إلى منطلق لتقديس المرأة ومناهضة الرجل، وعلى هذا الأساس شنّوا هجماتٍ شرسةً ضدّ الذكور وانتقدوهم في شتّى الشؤون الاجتماعية والأسرية الأمر الذي أسفر عن تزعزع أركان المجتمع والأسرة بالتدريج وتسبّب في تهميش واقعهما الأكسيولوجي.[42]
صحيحٌ أنّ الداعيات إلى حقوق المرأة انطلقت نشاطاتهنّ بادئ الأمر في أجواءٍ غربيةٍ مناهضةٍ بالكامل للعنصر الأنثوي، لكنّنا نجد أسلافهنّ اللواتي يعرفن اليوم بالفيمينيات قد رجعن إلى نقطة البداية ولكن بصورةٍ أخرى بعد أن رفعن شعاراتٍ مناهضةً للجنس المذكّر.
إذاً، بغضّ النظر عن الأشخاص، يمكن القول إن الشعارات التي رفعت في أوّل خطوة للدفاع عن الحقوق المشروعة للمرأة والاعتراض على حرمانها من استحقاقاتها الثابتة وانتقاد تهميشها اجتماعيًّا وأسريًّا، باتت اليوم منطلقًا لمناهضة الرجال وتدنيس كرامتهم، حيث كانت ثمرة نشاطاتهم التملّص من الحياة الأسرية السليمة واللجوء بشبقٍ شديدٍ إلى النزعات الجنسية المثلية،[43] والعبارة التالية تنمّ عن الرأي الأكثر تطرّفاً في هذا المضمار: «لقد حان الوقت لتوجيه صفعة لسيادة الأب»[44].

2 ) نقض ركائز الأسرة
الفيلسوفة الأميركية وأستاذة القانون والأخلاق في جامعة شيكاغو مارثا نوسباوم (Martha Nussbaum) تبنّت نهجاً متطرّفاً للغاية في دفاعها عن حقوق المرأة لدرجة أنّها اعتبرت الأسرة أهمّ عامل لمعاناة الفتيات والنساء وزعمت أنّها السبب الرئيس في التمييز الذي يرتكب بحقّهنّ، وفي هذا السياق اقترحت نبذ العلاقات الأسرية ومنح الجنس المؤنّث استقلالاً تامًّا على الصعيدين الفكري والشخصي[45].
لو ألقينا نظرةً منصفةً على واقع المرأة في الأسرة، سنجدها في بعض الأسر تعاني حقّاً من مآسٍ وتمييزٍ مجحفٍ بحقّها، ولكنْ ليس من الصواب بتاتاً تعميم هذه الظاهرة المرفوضة التي تقتصر على عددٍ ضئيلٍ من الأسر، ولا يمكن مطلقاً انتقاد الكيان الأسري قاطبةً بسببها، فهذا الكيان المقدّس أرسيت دعائمه في رحاب أواصرَ وطيدةٍ متقوّمةٍ بالمودّة والألفة بين جميع أعضائه من ذكورٍ وإناثٍ دون ظلمٍ وتمييزٍ، ناهيك عن أنّ ترغيب الفتات والنساء بالتخلّي عن أسرهنّ لا يضمن لهنّ العيش باستقلال شخصي تامٍّ، بل قد يكون مدعاةً لوقوعهنّ في فخّ مشاكلَ لا حلّ لها ومفاسدَ أخلاقيةٍ لا تُحمد عقباها، ومن ثمّ تودي بهنّ إلى قعر الهاوية.

3 ) تدنيس كرامة الأمومة
النسويون المتطرّفون استهانوا بالدور الهامّ والمؤثّر للمرأة في العهود السالفة واعتبروا انخراطها في مختلف نشاطات الحياة العامّة هو أهمّ عامل لصقل هويتها، وقد بالغوا في رؤيتهم هذه بحيث قلّلوا من مقام الأمّ بزعم أنّه شأنٌ اجتماعيٌّ هامشيٌّ، وعلى هذا الأساس طالبوا بإشراكها جنباً إلى جنبٍ مع الرجل في تربية الأطفال بشكلٍ متكافئٍ بالكامل، وعلى الرغم من عدم اعتراضهم على تخصيص أحد أيام العام باسم «يوم الأم» لكنّهم مع ذلك أكّدوا على أنّ الأمومة مجرّد أمرٍ ثانويٍّ بالنسبة إلى شخصية المرأة وهويتها الأنثوية كما ذكرنا، وانتقدوا في هذا السياق الضغوطات الاجتماعية التي تفرض عليها لأجل الحمل والإنجاب بزعم أنّ ذلك يهدّد دورها الاجتماعي ويعدّ عقبةً تعترض طريق إبداعها في الحياة العامّة[46].
المسألة التي ينبغي الالتفات إليها هنا هي أنّ مساهمة المرأة في الحياة الاجتماعية حتّى وإن كانت ذاتَ فائدةٍ وسبباً في نمو شخصيتها من الناحية الاجتماعية، لكن هناك نساء يرجّحن البقاء في البيئة الأسرية وأداء دورٍ حيويٍّ ضمن نطاق منازلهنّ بصفتهنّ أمّهاتٍ وزوجاتٍ غير عابئاتٍ بأيّ مهامَّ أخرى في خارج حدود المنزل، ولا شكّ في أنّ الأسباب والدواعي هنا عديدةٌ، لذا ليس من الصواب أخلاقياً إجبار هذه الشريحة من النساء على الخروج من المنزل والمساهمة في الحياة الاجتماعية، ومن البديهي أنّ إجباراً بهذا الشكل يتعارض بالكامل مع مبادئ حرّية الفكر واستقلال المرأة في اتّخاذ قراراتها الشخصية بصفتها إنساناً بالغاً وصاحب إرادةٍ حرّةٍ[47].

4 ) الدعوة إلى الإجهاض
النسويون المتطرّفون اقترحوا ترويج ظاهرة الإجهاض لإنقاذ المرأة من المسؤولية الملقاة على كاهلها والمتمثّلة في تربية الأطفال، حيث زعموا في هذا المجال أنّها ستنعم باستقلالٍ شخصيٍّ تامٍّ، لذا كلُّ امرأةٍ حرّةٌ في أن تجهض جنينها بأيّ وقتٍ شاءت ومن ثمّ تخلّص نفسها من قيود الإنجاب التي فرضت عليها من قِبل الأسرة والمجتمع[48].
لا يختلف اثنان في أنّ الإجهاض منذ العهود السالفة كان فعلاً ذميماً في معظم الأديان والثقافات البشرية، وقد تمّ تحريمه شرعاً في الكثير من الأديان، وما يحظى بأهمية أكبر في هذا المضمار هو أنّ القضاء على الجنين قبل ولادته يتعارض بالكامل مع الأصول الأخلاقية وبما فيها المبادئ السلوكية النسوية التي يدافع عنها دعاة تحرير المرأة والموسومة بأخلاق العناية، حيث يؤكّد النسويون على أنّها أفضل سلوكٍ أخلاقيٍّ يتناسب مع شأن المرأة، لذا يطرح على دعاة الإجهاض السؤالان التاليان: ما هو تقييمكم لعملية الإجهاض في رحاب ما تطرحونه من أسسٍ أخلاقيةٍ تصفونها بأخلاق العناية؟ فيا ترى ألا يستحقّ الجنين الذي يعتبر أصغر وأضعف كيانٍ إنسانيٍّ، أن يحظى بمحبّةٍ وعنايةٍ من قبل الآخرين؟
إن ادّعى النسويون أنّ المرأة مكبّلةٌ بقيودِ قواعدَ أخلاقيةٍ تنصبّ في مصلحة عواطف ومشاعر الآخرين، يرد عليهم أنّ الإجهاض أيضًا يعدّ من هذا النسق بالنسبة إلى النساء، أي إنّ الجنين يقدّم قرباناً لعواطفهنّ ومشاعرهنّ، لذا كيف يمكن الحفاظ على حقوق الجنين وعدم تدنيسها في منظومة أخلاق العناية النسوية؟ ألا يمتلك نفساً إنسانيةً محترمةً تستحقّ الحياة؟ هل يمكن القول أنّ إجهاضه والقضاء على حياته يعدّ فعلاً أخلاقياً برؤية النسويين الذين يحرّضون النساء على ذلك؟
الباحثة الأميركية شولاميث فايرستون التي تنحدر من أصلٍ كنديٍّ والمشهورة بدفاعها المستميت عن حقوق المرأة بعد أن تبنّت نهجاً نسوياً راديكاليًّا، أكّدت في هذا الصعيد على ما يلي: «الحمل هو تغيير سيّئ لهيئة البدن بشكلٍ مؤقّتٍ، والغرض منه الحفاظ على بقاء النوع البشري».[49]
بناءً على ما ذكر تبنّى النسويون نزعةً متطرّفةً تجاه الطفل واعتبروه عنصرًا سلبيًّا في حياة المرأة وكأنّه عدوٌ يهدّد كيانها لدرجة أنّهم سوّغوا إجهاض الجنين على الرغم من كونه فعلاً شنيعاً يجسّد أسوأ أنواع التعدّي على حقوق الأطفال، بينما الجنين في رحاب الرؤية الدينية يعدّ إنساناً حياً له كرامته وحقّه المشروع في الحياة وهو تحت رعاية الله تعالى ولطفه، لذا دعت الأمّهات إلى رعايته وفعل كلّ ما يلزم للحفاظ على سلامته.

5 ) النزعة المثلية
الحرّية الجنسية المطلقة هي واحدةٌ من المبادئ الأساسية التي تدرج ضمن الدعوات النسوية المتطرّفة، ولا ريب في أنّها أسوأ نظريةٍ اجتماعيةٍ وأكثرها تخريبًا وإفسادًا للمجتمعات البشرية، والواقع أنّ الشعارات النسوية المؤيّدة لهذه الظاهرة المرفوضة لم تؤتِ أكلها لكون السلوكيات الجنسية الشاذّة لم تضع حلاً للمعضلات والمشاكل التي تعترض طريق المرأة والمجتمع، بل إنّ نتائجها معكوسةٌ جرّاء تأزيمها للأوضاع أكثر من السابق وخلقها لتحدّياتٍ جديدةٍ يصعب التعامل معها.
النسويون المتطرّفون خرجوا عن نطاق الأصول والقواعد المتّفق عليها في دعواتهم التحرّرية، ومن جملة شذوذهم الفكري في هذا المضمار تأكيدهم على ضرورة إشاعة السلوكيات الجنسية الشاذّة التي يصطلح عليها «مثلية»، وعلى هذا الأساس أباحوا لكلّ امرأةٍ مزاولة الجنس مع قريناتها النساء واعتبروا ذلك مقدّمةً لانخراطها في ركب التيار الفيميني؛ لأنّ القضاء على هيمنة الرجل يقتضي وضع برنامجٍ يجعل المرأة في غنًى عنه بالكامل ضمن جميع جوانب حياتها وبما في ذلك رغباتها الجنسية، أي أنّهم اقترحوا سبيلاً لإشباع غرائزها الجنسية كي لا تبقى بحاجة إلى الذكور.
أصحاب هذه الرؤية الشاذّة استهانوا بالحياة الأسرية وقلّلوا من شأنها إلى أدنى درجةٍ بحيث اعتبروا الأسرة عنصراً أساسيًّا للإبقاء على الدور التقليدي الذي يلعبه الرجل في المجتمعات البشرية بصفته سيّدًا مالكًا لرقبة المرأة التي تعيش في خدمته في علاقاتٍ زوجيةٍ وأسريةٍ وكأنّها جاريةٌ، ومن هذا المنطلق سوّغوا السلوكيات الجنسية المثلية بين النساء.
الإعلان النسوي الصادر عام 1971م تضمّن ما يلي: «القضاء على سنّة الزواج يعدّ شرطاً أساسياً لتحرير المرأة، لذا لا بدّ من ترغيبها في ترك زوجها»[50].
النزعة النسوية تؤكّد غاية التأكيد على وجوب مناهضة المرأة للرجل كما أشرنا آنفاً، وهذه الوجهة تعدّ سمةً أساسيةً للدعوات التي يرفعها المدافعون عن حقوق المرأة من الذين يتبنّون نهجًا فيمينيًّا، ومن الطبيعي أنّ ثمرة اعتقادٍ كهذا ليست سوى اللجوء إلى أفعالٍ جنسيةٍ مثليةٍ، ولا يختلف اثنان حول أنّ السلوكيات الجنسية الشاذّة المتجسّدة بمزاولة الجنس بشكلٍ مثليٍّ، كانت منذ القدم مرفوضةً في المجتمعات البشرية ومستقبحةً أكثر من أيِّ فعلٍ آخرَ، كما نهت عنها معظم الأديان والثقافات.
النسويون المثليون ينتقدون الأواصر الزوجية التقليدية ويعتبرون غالبيتها مهينةً ومشينةً للمرأة، وفي هذا السياق ارتأوا أنّ الحلّ المناسب لإشباع الغرائز الجنسية يكمن في مزاولة الجنس مع المثيل، وقد تمادوا في دعواتهم هذه وطالبوا بضرورة تعليم أصول الجنس المثلي في المدارس الغربية بصفته موضوعاً دراسيًّا في غاية الأهمية.[51] دعوتهم الشاذّة هذه ليست مرفوضةً أخلاقيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا فحسب، بل تُرفض أيضًا من قبل الأوساط الطبية وجميع المعنيين بشأن السلامة البدنية باعتبار أنّ مزاولة الجنس مع المثيل له تبعاتٌ سلبيةٌ وعواقبُ صحّيةٌ وخيمةٌ لا ينكرها أحدٌ مطلقًا، ولا سيّما شيوع أمراضٍ متنوّعةٍ وقاتلةٍ أبرزها الإيدز، والطريف أنّ المثليين ودعاة المثلية أنفسهم يدركون هذه الحقيقة، لكنّهم في الواقع غير مكترثين بما يحدث، والأسوأ من ذلك أنّ الحكومات التي تشرّع قوانين تبيح الجنس المثلي هي الأخرى غيرُ عابئةٍ بسلامة مواطنيها، ومن المؤكّد أنّ هذه الظاهرة السلوكية السيّئة تهدّد مستقبل المجتمعات الغربية ومن المحتمل أنّها ستزعزع أركانها وتسفر عن انهيارها بالكامل.

6) هل النسوية مضمارٌ لترويج الأنوثة والذكورة أو أنّها مدعاةٌ إلى محو التباين بين الجنسين؟
حينما نتتبّع مبادئ التيار النسوي نجد أنّ أحد الاختلافات الجذرية بين المفكّرين المسلمين والغربيين على صعيد شؤون المرأة يتمثّل في النزعة الفيمينية من الناحية الأخلاقية.
بينما يسعى أصحاب بعض التوجّهات النسوية إلى محو الاختلاف الكائن بين الجنسين أو التكتّم عليه عبر طرح مفهوم الخنثوية - المرأة الرجل - فالمفكّرون المسلمون ينحون منحًى آخرَ من خلال اعتقادهم بضرورة وجود جنسين بشريين مختلفين عن بعضهما، أي الذكر والأنثى، وفي هذا السياق يبادرون في دراساتهم وبحوثهم العلمية إلى التأكيد على وجود خصائصَ وسلوكياتٍ أخلاقيةٍ مستقلّةٍ لكلّ واحدٍ منهما.
النسويون الجنسيون زعموا أنّ الأنوثة والذكورة ليسا أمرين طبيعيين، حيث عَزَوْهما إلى ظروفٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ منحرفةٍ وغير متّزنةٍ، ومن هذا المنطلق دعَوْا إلى تهميش الاختلافات بين الجنسين وتجاهلها بالكامل على ضوء تبنّي سلوكياتٍ تتّسم بطابعين أنثويٍّ وذكوريٍّ في آنٍ واحدٍ، حيث يعتقدون بضرورة اجتماع خصال الجنسين معاً في كلّ إنسانٍ كي يتحرّر البشر من القيود الجنسية المفروضة عليهم، وذلك في رحاب مفهوم المرأة الرجل «الخنوثة».
الباحثة الفرنسية سيمون دي بوفوار عرفت عنها مقولتها الشهيرة: «لا يولد المرأ امرأةً، بل يصبح كذلك»،[52] ونستشفّ منها أنّ الخصال الأنثوية لدى المرأة ليست منبثقةً من أسسٍ طبيعيةٍ أو بيولوجيةٍ، وإنّما المجتمع هو الذي يصوغها، وأضافت في هذا السياق قائلةً: «الرجل هو الكائن السبّاق للبحث عن معنًى أو هدفٍ للحياة، والمرأة هي ذاك المخلوق الراغب دومًا في البقاء حيث يوجد، ومجالها الأسرة والأشياء القريبة التي تحيط بها».[53]
نقول في نقد هذه الرؤية إنّ الحصيلة النهائية للنظرية الخنثوية فحواها ضرورة تحوّل الجنس الأنثوي إلى جنسٍ ذكريٍّ كي يتحقّق مبدأ المساواة، ولو ادّعي أنّ الخصال الأنثوية موروثةٌ من واقعٍ تأريخيٍّ وثقافيٍّ، فيا ترى كيف يمكن تبرير الوظائف المختصّة بالرجل والمرأة بحسب جنس كلٍّ منهما؟ وما هي اللحظة التأريخية التي نشأت فيها الميزات الأنثوية قبل نشأة العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة باعتبارهما جنسين مختلفين؟[54]
وفي مقابل هذه الرؤية النسوية التي يدعو أصحابها إلى نبذ جميع الخصال الذكورية والأنثوية عن طريق المزج بينها في هيكل إنسانٍ خنثويٍّ، نجد أنّ الرؤية الإسلامية تحترم الخصال الإنسانية الأصيلة لكلا الجنسين دون المساس بهويتهما المحترمة، ناهيك عن أنّ تعاليمنا الإسلامية تقرّ أولوياتٍ سلوكيةً وأخلاقيةً لكلّ واحدٍ منهما على انفرادٍ، وممّا قاله العلامة محمّد حسين الطباطبائي في هذا السياق أنّ الذكر والأنثى من خلال حفاظهما على الاختلاف الكائن بينهما، تبقى ميزاتهما الإنسانية السامية بصفتهما عضوين ينضويان تحت مظلّة كيانٍ جماعيٍّ واحدٍ، وهذا الاختلاف لا يعدّ وازعاً لادّعاء عدم وجود مشتركاتٍ بينهما بزعم أنّ أحدهما الجنس الأوّل والطرف المقابل هو الجنس الثاني أو كما يصطلح عليه (الآخر)، كما لا يمكن اتّخاذه كذريعةٍ لادّعاء أنّ أحدهما متعالٍ والآخر متدنٍّ. وممّا قاله في هذا المضمار: «جسم المرأة أكثر نعومةً ولطافةً من جسم الرجل، وفي مقابل ذلك فإنّ جسم الرجل أشدّ خشونةً وصلادةً، كما أنّ بعض المشاعر اللطيفة مستبطنةٌ في المرأة أكثر من الرجل مثل المحبّة ورقّة القلب وحبّ الجمال والتزيّن، بينما القابليات الفكرية للرجل أعلى مستوًى.
إذاً، حياة المرأة عاطفيةٌ، وحياة الرجل فكريةٌ».[55]
فضلاً عن ذلك أكّد على وجود مسائلَ تكوينيةٍ لها تأثيرٌ ملحوظٌ وثابتٌ على أخلاق الجنسين وسلوكهما، ومن ذلك الفطرة والهدف من الخلقة والمعالم البدنية والروحية التي يختصّ بها كلّ واحدٍ منهما على انفراد، وهذه الأمور نسيت أو تمّ تناسيها في المذهب النسوي. علم النفس الحديث أثبت صوابيّةً ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي باعتبار أنّ آراءه في الواقع تجسّد مرتكزات النظرية الإسلامية إزاء الموضوع، حيث هناك قاعدةٌ سيكولوجيةٌ حديثةٌ فحواها ما يلي: «الرجال الذين تبرز لديهم خصائصُ ذكورةٍ أكثرَ من غيرهم يميلون إلى النساء اللواتي لديهنّ خصائص أنوثة أكثر من غيرهنّ».[56] لذا، حينما يتشابه النساء والرجال في خصائصهما الأنثوية والذكورية، سوف يفتقدون قطعًا تلك الجذابية المكنونة في باطنهم، ولا شكّ في أنّ معاشرة الإنسان زوجيًّا لشخصٍ شبيهٍ له في الجنس يعدّ أمرًا متعبًا للغاية، كما أنّ مخالطة النساء للرجال أكثر ممّا ينبغي يفقدهن أخلاقهنّ الأنثوية اللطيفة ويضفي إليهنّ أخلاقًا وسلوكياتٍ رجوليةً لا تتناسب مع شأنهنّ، وهذا الأمر بكلّ تأكيد يحول دون تنمية روحهنّ الأنثوية التي تختصّ بميزاتٍ لطيفةٍ وفريدةٍ من نوعها.
جميع العلماء المسلمين استناداً إلى التعاليم الإسلامية، يؤكّدون على ضرورة احتفاظ كلِّ جنسٍ بخصائصه وسلوكياته الخلقية التي تميّزه عن الجنس الآخر من خلال الحفاظ على ذكورة الرجل وأنوثة المرأة لكي يتمكّنا من الحركة في المسار الصحيح ومن ثمّ بلوغ درجة الكمال الأخلاقي، وهذا الهدف الإنساني لا يتحقّق إلا في رحاب التحلّي بالسلوكيات المثالية التي تليق بكلّ واحدٍ منهما، وفي الحين ذاته يجب وأن يكونا عوناً لبعضهما ويشتركا في كنف حياةٍ إنسانيةٍ كريمةٍ.

* نتيجة البحث
المدافعون عن حقوق المرأة من الذين تبنّوا نهجًا فكريًّا نسويًّا - فيمينيًّا - رفعوا في بادئ حركتهم شعار المساواة بين الجنسين، ومن ثَمّ تطوّرت دعوتهم لتتّسم بمعالمَ جديدةٍ بعد أن تبنّوا آراءً خاصّة ًمثل إنكار تأثير الجنس البشري على الأخلاق والسلوك، وادّعوا أنّ الأرجحية الخلقية تنصبّ لصالح المرأة، وضمن مساعيهم الرامية إلى تحرير المرأة بالكامل من القيود المفروضة عليها وإثبات أنّها الكائن الأفضل في المجتمعات البشرية، لجؤوا إلى مبادئَ غيرِ أخلاقيةٍ مثل الاستهانة بدورها كزوجةٍ وأمٍّ بحيث تطرّف البعض منهم بشكلٍ غير منطقيٍّ ليبيح المثلية في مزاولة الأفعال الجنسية.
هذه الأزمة الأخلاقية والاجتماعية بحاجة إلى حلٍّ أساسيٍّ بكلّ تأكيدٍ، ولربّما الحلّ الوحيد لها هو العودة إلى الفطرة الإلهية السليمة التي تثبت إنسانية الإنسان الحقيقية، ففي رحابها يؤمن الإنسان بوجود مبادئَ أخلاقيةٍ مشتركةٍ بين الذكر والأنثى، ويتمكّن على أساسها من التحلّي بالفضائل الخلقية والسلوكية المثلى ومن ثمّ نبذ جميع الرذائل التي تدنّس أخلاقه وسلوكياته النزيهة.
لا شكّ في أنّ الحلّ الناجع للخلاص من الأزمة الأخلاقية التي عصفت بالبشرية بعد رواج الدعوات النسوية المتطرّفة، يتمثّل في السير على نهج عدّةِ قواعدَ ثابتةٍ لا محيص من العمل بها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- الإقرار بوجود مشتركاتٍ بين الذكر والأنثى من الناحيتين الأخلاقية والإنسانية.
- الإقرار بوجود خصالٍ أخلاقيةٍ خاصّةٍ لكلٍّ من الذكر والأنثى تمتاز بالشدّة والضعف بحسب جنس كلٍّ منهما.
- الإقرار بوجود اختلافٍ في السلوكيات الأخلاقية لكلٍّ من الذكر والأنثى.
نحن كمسلمين نعتقد بوجود الكثير من الأسس الأخلاقية والأكسيولوجية المتكافئة بين الجنسين، وإلى جانب ذلك نقرّ بوجود بعض الاختلافات في هذا المضمار، فهناك أخلاقياتٌ وسلوكياتٌ تتراوح بين الشدّة والضعف لدى كلٍّ من الذكر والأنثى، وبالتالي لا داعي لطمس الخصال الجنسية التي يختصّ بها كلّ جنسٍ أو التكتّم عليها كما فعل النسويون المتطرّفون الذين لم يجدوا بدّاً جرّاء ذلك سوى الدعوة إلى ظاهرةٍ مستهجنةٍ اجتماعيًّا وأخلاقيًّا يصطلح عليها «خنوثة».

----------------------------------
[1]*ـ مفكّر وباحث في علم الأخلاق ـ طهران ـ إيران.
 - Tong Rosemarie, 2003, Feminist Ethics, (on _ line) Available at, p. 170.
[2] - إليزابيث بيرنر، مقالة باللغة الفارسية تحت عنوان: علم اخلاق زنانه نگر، ترجمته إلى الفارسية سوگند نوروزي زاده، مجلة «ناقد»، الجزء الثالث، العدد الثاني، إيران، طهران، 2004م، ص 96.
[3] - Friedman Marilyn, 2000, Feminism in Ethics: Conception of Autonomy, in: The Cambridge, p. 205.
[4] - كريس بيسلي، در آمدي بر چيستي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية محمّد رضا مردي، منشورات «روشنفكران و مطالعات زنان»، إيران، طهران، 2006م، ص 85 - 88.
[5] - خسرو باقري، مباني فلسفي فمينيسم (باللغة الفارسية)، منشورات جامعة الزهراء التابعة لوزارة العلوم، إيران، طهران، 2003م، ج 18، ص 17.
[6] - محمّد تقي إسلامي وآخرون، اخلاق كاربردي (باللغة الفارسية)، منشورات معهد العلوم والثقافة الإسلامية، إيران، قم، 2007م، ص 241 - 242.
[7] - أليسون جاجر، چهار تلقي از فمينيسم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية أميدي، منشورات «هدى» الدولية، إيران، طهران، المنشور المرجعي الخاصّ بالنسوية، 2008م، ص 51.
[8] - Tong Rosemarie, 1997, Feminist Thought London, rout ledge, London, p. 22- 23.
[9] - Ibid.
[10] - للاطّلاع أكثر، راجع: باملا أبوت - فالاس كولر، در آمدي بر جامعه شناسي نگرش هاي فمينيستي (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية مريم خراساني وحميد أحمدي، منشورات «دنياي مادري»، إيران، طهران، 1997م، ص 248 - 249.
[11] - Tong Rosemarie, 1997, Feminist Thought London, rout ledge, London, p. 8 - 47.
[12] - علي رضا أفشاريان، زن و رهائي نيرو هاي توليد (باللغة الفارسية)، منشورات «پيشگام»، إيران، طهران، 1978م، ص 42.
[13] - خسرو باقري، مباني فلسفي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ص 27.
[14] - أليسون جاجر، چهار تلقي از فمينيسم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية س. املائي، المنشور المرجعي الخاصّ بالنسوية، منشورات «هدى» الدولية، إيران، طهران، 2008م، ص 22.
[15] - المصدر السابق، ص 42.
[16] - كريس بيسلي، در آمدي بر چيستي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية محمّد رضا مردي، منشورات «روشنفكران و مطالعات زنان»، إيران، طهران، 2006م، ص 82.
[17] - كريس بيسلي، در آمدي بر چيستي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية محمّد رضا مردي، منشورات «روشنفكران و مطالعات زنان»، إيران، طهران، 2006م، ص 95.
[18] - حسين بستان نجفي، نابرابري و ستم جنسي از ديدگاه اسلام و فمينيسم (باللغة الفارسية)، منشورات معهد دراسات الحوزة والجامعة، إيران، قم، 2003م، ص 49 - 50.
[19] - Oakley Ann, 1976, Woman’s work: The Housewife, pas an present vintage Books, New york, p. 8 - 15.
[20] - خسرو باقري، مباني فلسفي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ص 41.
[21] - أليسون جاجر، چهار تلقي از فمينيسم (باللغة الفارسية)، ص 42.
راجع أيضاً: باملا أبوت - فالاس كولر، در آمدي بر جامعه شناسي نگرش هاي فمينيستي (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية مريم خراساني وحميد أحمدي، منشورات «دنياي مادري»، إيران، طهران، 1997م، ص 261.
[22] - خسرو باقري، مباني فلسفي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ص 36.
[23] - المصدر السابق، ص 36 - 37.
[24] - Foreman Ann, 1997, Femininity as Alienation: women and the family in Marxism and psychoanalysis, London, Pluto, p. 95.
[25] - سيمون دي بوفوار، جنس دوم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية قاسم أصغري، ج 1، ص 40 - 41.
[26] - المصدر السابق.
[27] - للاطّلاع أكثر، راجع: سيمون دي بوفوار، جنس دوم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية قاسم أصغري، ج 2، ص 686.
[28] - Weedon Chris, 1999, Feminism, Theory And The Politics Of Difference,Blackwell Publishers, Oxford, p. 79 - 80.
[29] - جنيفيف لويد، مردانگي و زنانگي در فلسفه غرب: عقل مذكر (باللغة الفارسية)، ترجمته إلى الفارسية محبوبة مهاجر، منشورات «ني»، إيران، طهران، 2002م، ص 8 - 10.

راجع أيضاً:
Freud S. , 1925, Some Psychical Consequences Of The Anatomical Distinction Between The Sexes, In Strachey J. , The Standard Edition Of The Complete Psychological Works Of Sigmund Freud, Vol. XIX, London, Hogarth Press, p. 74 - 86.
[30] - محمّد رضا تاجيك، فرا مدرنيسم و تحليل گفتمان (باللغة الفارسية)، منشورات «فرهنگ اسلامي»، إيران، طهران، 1999م، ص 9 - 10.
[31] - ريك ويلفورد، مقدمه اي بر ايدئولوژي هاي سياسي (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية م. قائد، المنشور المرجعي الخاصّ بالنسوية، الجزء الرابع، منشورات «هدى» الدولية، إيران، طهران، 2008م، ص 67 - 68.
[32] - المصدر السابق.
[33] - لورنس كوهلبيرج (1927م - 1987م): عالم نفس أمريكي وأحد أبرز المنظّرين في مجال النمو الأخلاقي، وبحوثه العلمية تعدّ امتداداً للبحوث التي أجراها عالم النفس السويسري جان بياجيه Jean Piaget وأمّا الباحثة كارول جيليغان فقد كانت مساعدةً له في هذه البحوث العلمية.
للاطّلاع أكثر، راجع: سيّد حسن إسلامي، مقالة باللغة الفارسية تحت عنوان: جنسيت وأخلاق در حديث خصال النساء (باللغة الفارسية)، مجلة «علوم حديث»، السنة الثالثة عشرة، العددان 3 و 4، 2008م، ص 47.
[34] - Gilligan Carol, 1982, In A Different Voice: Psychological Theory And Women’s Development, Cambridge, Harvard University Press, p. 35 - 73.
[35] - Ibid, p. 69.
[36] - Ibid, p. 174.
[37] - خسرو باقري، مباني فلسفي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ص 154.

راجع أيضاً:
Kroeger 1994, p. 101.
[38] - خسرو باقري، مباني فلسفي فمينيسم (باللغة الفارسية)، ص 154.
[39] - Nel Noddings, 1995, Care And Moral Education, In Wendy Kohli (ed), Critical Conversations In Philosophy Of Education, London: rout ledge, p. 136.
[40] - Kroeger, p. 101 - 108.
[41] - حميرا مشير زاده، از جنبش تا نظريه اجتماعي (باللغة الفارسية)، منشورات «شير زاده»، إيران، طهران، 2004م، ص 52.
[42] - روبرت إتش. يورك، در سراشيبي به سوي گمراهي (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية إلاهة هاشمي حائري، منشورات «حكمت»، إيران، طهران، 1999م، ص 447.
[43] - المصدر السابق، ص 449.
[44] - روبرت إتش. يورك، در سراشيبي به سوي گمراهي (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية إلاهة هاشمي حائري، منشورات «حكمت»، إيران، طهران، 1999م، ص 456.
[45] - المصدر السابق، ص 41.
[46] - معصومة أحمدي، مقالة باللغة الفارسية تحت عنوان: تهاجم به مادري - دين - حاكميت ملي، طرحت في مؤتمر مكافحة جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، إيران، طهران، مكتب دراسات المرأة، 2004م، ص 131.
[47] - روبرت إتش. يورك، در سراشيبي به سوي گمراهي (باللغة الفارسية)، ص 461.
[48] - المصدر السابق، ص 457.
[49] - ويندي شليث - باسنو ديان وآخرون، فمينيسم در آمريكا تا سال 2003م از فمينيسم و مذهب (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية زينب فرهمند زاده وبروين قائمي، منشورات «معارف»، إيران، طهران، 2007م، ص 85.
[50]- وليام جاردنر، جنگ عليه خانواده (باللغة الفارسية)، ترجمته إلى الفارسية بتلخيص معصومة محمّدي، منشورات مكتب دراسات وبحوث المرأة، إيران، قم، 2007م، ص 167 - 170.
[51]- روبرت إتش. يورك، در سراشيبي به سوي گمراهي (باللغة الفارسية)، ص 463 - 464.
[52] - سيمون دي بوفوار، جنس دوم (باللغة الفارسية)، ج 1، ص 27.
[53] - المصدر السابق، ص 20.
[54] - للاطّلاع أكثر، راجع: ساندرا هاردينج، از تجربه گرائي فمينيستي تا شناخت شناسي هاي ديدگاه فمينيستي (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية نيكو سرخوش وأفشين جهان ديده، 2002م، (في كتاب لورنس كاهون: از مدرنيسم تا پست مدرنيسم (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية عبد الكريم رشيديان، منشورات «ني»، إيران، طهران)، ص 32 - 38.
[55] - محمّد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان، بيروت، ج 2، ص 275.
[56] - إليزابيث بيرنر، مقالة تحت باللغة الفارسية تحت عنوان: علم اخلاق زنانه نگر، ترجمته إلى الفارسية سوگند نوروزي زاده، مجلة «ناقد»، الجزء الثالث، العدد الثاني، إيران، طهران، 2004م، ص 29.