البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الميديا كأداة إرهاب ثقافيّ في المركزيّة الغربيّة؛ الإعلام الأميركي نموذجاً

الباحث :  علي قصير
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  30
السنة :  ربيع 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 22 / 2023
عدد زيارات البحث :  811
تحميل  ( 436.887 KB )
لم تغفل مراكز القرار في الولايات المتّحدة الأميركيّة لحظة عما في الخبر والصورة في فضاء الميديا اللَّامتناهي من قدرة على التحكّم والسيطرة؛ لذا سيحتلّ الإعلام الفضائيّ موقع الممارس الأكثر شراسة للعنف الرمزيّ في المجتمع الأميركيّ بل على مساحة العالم كلّه، وبناء على هذه الإستراتيجيّة راحت الإمبراطوريّة الإعلاميّة تحت قيادة مواقع القرار الأساسيّة في الغرب عمومًا، وفي أميركا على الخصوص، توظّف قدراتها الميدياويّة في التأسيس لحروب مفتوحة بمختلف تنويعاتها، وإعطائها المسوّغات «الأخلاقيّة» والثقافيّة والقانونيّة.
في هذا السياق على سبيل المثال، لم تكن أطروحة الإرهاب مجرّد حالة عارضة في الميديا الأميركيّة، وقد بدا واضحًا أنّ الغرب عمومًا ومن خلال الولايات المتّحدة يعيد صياغة مركزيّته الحاكمة على العالم على نحو مستحدث. والذي أنتجه زلزال مانهاتن في الحادي عشر من أيلول 2001 أفضى إلى هذا المسعى بصورة مدوِّية، لكن الصورة لا تتوضَّح على النحو المطلوب إلَّا إذا تسنّى لنا الاطلاع على الآليّات التي استخدمتها الإمبراطوريّة الإعلاميّة في عمليّات التحويل وإعادة تشكيل المزاج العامّ في الولايات المتّحدة والعالم.

كلمات مفتاحيّة: الميديا ـ الإمبراطوريّة الإعلاميّة ـ رهاب اليوم التالي ـ المحافظون الجدد ـ إيديولوجيّة الصورة والصوت.

تمهيد
غداة صدمة الحادي عشر من أيلول، دخل الأميركيّون عمومًا، ومراكز القرار في البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس في ما يشبه «رُهاب اليوم التالي»، وصار الكلام المعلن على السلام النوويّ وأسلحة الدمار الشامل هاجس الساعات الأميركيّة المتّصلة. يومذاك لم تجد عالمة النفس إميلي شتاين، التي بحثت في تأثيرات الإرهاب على الأميركيّين، إلَّا هذه الكلمات لتعكس السايكولوجيا الأميركيّة بعد انهيار برجي نيويورك؛ إذ تقول: «لم أشاهد في حياتي مثل هذا العدد الكبير من الناس البؤساء. لقد شعرت أن الجميع يشكون من «غيمة سوداء» «تهدّدهم من أعلى»».
ثمّة إذًا شيء مما يمكن وصفه بـ«إرهاب الأميركيّين النوويّ»، أو رُهاب أسلحة الدمار الشامل الذي يمكن أن يكونوا ضحاياه في أيّ لحظة، حتّى أنّ عددًا من مراكز الأبحاث المتخصّصة في أميركا وأوروبا ستمضي في تحقيقاتها إلى القول إنَّ الأميركيّين باتوا شعبًا مكتئبًا وحزينًا وخائفًا.. بينما تقول دراسة استندت إليها المجلّة المذكورة وأعدّها معهد (ترايانغيل) في كارولينا الشمالية إنَّ ملايين الأميركيّين «صاروا يعانون الاضطراب النفسيّ فقط لأنّهم شاهدوا ما جرى على شاشات التلفزيون (…)» وتضيف: «إنَّ الأميركيّين العاديّين يعالجون توتّرهم عن طريق الانهماك في استهلاك السجائر والكحول والماريجوانا، أمّا على مستوى مراكز القرار، فثمّة حال من الاضطراب يجري التعويض عن الفراغات التي يحدثها، من خلال الدفع بمنطق الحرب وإنتاج بؤر التوتّر في العالم إلى مستواها الأقصى».
وبشكل عام سيطر على الولايات المتحدة مزاج التباهي العسكري والثقة المفرطة بالذات. وإذ العالم بأسره -على الأقل في هذا الوقت بالذات- لا يتستّر على إعجابه الشديد بالسطوة العسكريّة الأميركيّة، فقد كان من نتيجة هذا كلّه أن تضخّمت قوى كبار العاملين في إدارة بوش من الذين يعتقدون أنَّ قضايا العالم لا تُذلَّل ولا تُحلّ بالدبلوماسيّة، وإنّما بالقوّة العسكرية السافرة. لقد دفعت حرب الولايات المتّحدة على الإرهاب «بالأسلحة البيولوجيّة وسائر أسلحة الدمار الشامل إلى صدارة الاهتمام الدوليّ، وبدل أن تعمل على الحدّ من انتشار هذه الأسلحة سلكت في التعامل مع الجيوبوليتيكا النوويّة سلوكًا يشجِّع الدول والمنظّمات على اقتنائها والسعي إلى استخدامها».

لقد ذهب مفكِّرون وخبراء إلى توصيف آليّات إنتاج العنف، فأقَّروا أنَّ انهيار برجي المركز العالميّ للتجارة أمر يفوق الخيال، غير أنَّهم بيَّنوا أنَّ هذا لا يكفي لكي نجعل منه حدثًا واقعيًّا. إنَّ قدرًا زائدًا من العنف لا يكفي للإطلالة على الواقع؛ ذلك أنَّ الواقع هو مبدأ، وهذا المبدأ هو فتنة الصورة أوّلًا، أمّا العواقب المبهجة أو الكارثيّة، فهي متخيّلَة إلى حدّ بعيد، انطلاقًا من الصورة. وفي هذه الحالة إذًا ينضاف الواقع إلى الصورة بوصفه جائزة رعب، بوصفه رعشة إضافيّة. ليس مُرعبًا وحسب، بل هو واقعيّ أيضًا. وعوض أن يكون عنف الواقع ماثلًا أوّلًا، ثمّ تنضاف إليه رعشة الصورة، تكون الصورة ماثلة أوّلًا، ثمّ تنضاف إليها رعشة الواقع.

الميديا وممارسة الإرهاب الثقافيّ
وسط ازدحام الجدل الذي أعقب تفجيرات برجي التجارة الخارجيّة في نيويورك ذهب كثيرون من علماء الاجتماع وحلقات التفكير الإستراتيجيّ إلى القول إن «الإرهاب ليس شيئًا يذكر من دون وسائل إعلام»، وهذه الأطروحة أطلقها أوّل مرّة الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسيّ جان بودريار في مطلع العام 2002، أي بعد أشهر قليلة من الحادث الأميركيّ[2]، وسائل الإعلام، برأي بودريار، جزء لا يتجزّأ من الحدث ومن الرعب، وقد تؤدّي دورها في هذا الاتجاه أو ذاك، وبالتالي فإنَّ الفعل القمعيّ يسلك المسار غير المرتقب نفسه الذي يسلكه الفعل الإرهابيّ، ولا أحد يعلم عند أيّ حدّ سيتوقّف، والانقلابات التي ستليه. ما من تمييز ممكن، على مستوى الصور والإعلام، بين المشهديّ والرمزيّ، ما من تمييز ممكن بين «الجريمة» والقمع. وانطلاقة هذا الارتكاس الخارجة عن أيّ سيطرة هي الانتصار الفعليّ للإرهاب، وهو انتصار ظاهر في تشعّبات الحدث وتسرّباته الخفيّة، ليس في الركود المباشر فقط، بل في الاقتصاد والسياسة والبورصة والمال، للسستام بمجمله، وفي الركود الأخلاقيّ والسيكولوجيّ الذي ينجم عنه، بل في ركود نظام القيم أيضًا، وأيديولوجيّة الحركة بأكملها، والتداول الحرّ… إلخ، التي طالما كانت مفخرة العالم الغربيّ، وهي المرتكزات القيميّة والأخلاقية التي تسلّح بها هذا العالم لممارسة هيمنته على الأرجاء المتبقّية من العالم. ولقد تفاقم الأمر إلى حدّ بدأت معه فكرة الحرّيّة، وهي فكرة حديثة العهد، بالاختفاء من العادات والضمائر، وبدأت العولمة الليبراليّة بالتحقُّق في شكلٍ معاكس، في شكل عولمة بوليسيّة، ومراقبة كلّيّة، وترهيب أمنيّ. إنَّ الانفلات ينتهي إلى حدّ أقصى من ضوابط القسر والتقييد يساوي ضوابط المجتمع الأصوليّ.

تراجع في الإنتاج، في الاستهلاك، في المضاربات، في النمو (ولكن ليس في الفساد طبعًا)، فكلّ شيء يشير إلى أنَّ السيستام العالميّ يتبنّى انكفاءً استراتيجيًّا، ويجري مراجعة أليمةً لقيِمه كردّ فعل دفاعيّ على ما يبدو حيال صدمة الإرهاب، ولكنها تستجيب في العمق إلى إيعازاته المضمرة، فهو تنظيم قسريّ ناجم عن الفوضى المطلقة، لكنّه يفرضه على نفسه، مستبطنًا، على نحوٍ ما هزيمته الخاصّة.

وفي سياق تأويله لمقولة الإرهاب المركَّب (الرمزيّ/ الواقعيّ) يبيِّن العالم الفرنسيّ وجهًا آخر للإرهاب دفع به الإعلام الأميركيّ الموجَّه بوسائله الكثيرة والكبيرة إلى أن يتحوَّل من مجرّد صوت وصورة إلى باعث لزمن وواقع جديدين. هذا الوجه الآخر للإرهاب يكمن في أنَّ كلّ الأشكال الأخرى للعنف وزعزعة استقرار النظام تتضافر لصالحه: إرهاب معلوماتيّ، إرهاب بيولوجيّ، إرهاب الإنتراكس والشائعة، هذه كلّها تنسب إلى بن لادن، حتى إنَّه صار بإمكانه أن يعلن مسؤوليّته عن الكوارث الطبيعيّة. كلّ أشكال اللّاتنظيم والتداول الشاذّ مفيدة له، وحتّى بنية التبادل العالميّ المعمّم تخدم التبادل المستحيل، كأنّها الكتابة الآليّة للإرهاب يرفدها باستمرار الإرهاب (غير المتعمّد)، بكلّ ما يتوجّب عليها من تبعات الهلع، فإذا كانت الإصابة في قضيّة الإنتراكس هذه كلّها تتمّ من تلقائها عبر التبلور الآنيّ، على غرار محلول كيميائيّ، إذ يمسّ مسًّا إحدى الخلايا، فهذا يعني أنَّ السيستام بأسره قد بلغ كتلة حرجة تجعله عرضة لأيّ اعتداء.

ما من حلّ لهذا الوضع الحدّيّ، خصوصًا بالحرب التي لا تقدّم سوى موقف مسبوق وتمَّ اختباره سابقًا، بتدفّق القوى العسكريّة، والإعلام الشعبيّ، والإلحاح الإعلاميّ الذي لا طائل تحته، والخطب المواربة والمؤثّرة، وبسط القدرات التكنولوجيّة حتّى الإدمان، أي باختصار على غرار حرب الخليج، التي كانت هي اللاحدث، أو الحدث الذي لم يحدث[3].
إنَّه الرعب مقابل الرعب، الإرهاب مقابل الإرهاب، كما يقول بودريار، الذي خلع عليه خصومه صفة «فيلسوف الإرهاب بامتياز»، بسبب خروجه على مؤدّيات وشعائر نظام الخطاب الإعلاميّ الأميركيّ بعد الحادي عشر من أيلول. لكن الرجل سيمضي في تفكيك الظاهرة وهي في حمأة صعودها ليقرِّر أنَّه عندما يكون الموقف مُحتكرًا، على هذا النحو، من قبل القوّة العالميّة (أميركا)، وعندما نكون حيال هذا التركيز المذهل لكلّ وظائف الآليّة التكنوقراطيّة والفكر الأحاديّ، فأيّ سبيل آخر يمكن سلوكه غير التحويل الإرهابيّ للموقف؟ إنَّ السيستام نفسه هو الذي ولَّد الشروط الموضوعيّة لهذا الردّ العنيف المباغت. فباستئثاره بكلّ الأوراق، يُرغم الآخرعلى تغيير قواعد اللعبة؛ والقواعد الجديدة ضارية؛ لأنَّ الرهان ضار. إنَّ الإرهاب هو الفعل الذي ينشئ خصوصيّة لا رادّ لها في لبّ مناخ من التبادل المعمّم. الإرهاب كالفيروس، ماثل في كلّ مكان، ثمّة حقنٌ عالميّ متواصل للإرهاب الذي هو كالظلّ الملازم لكلّ نظام سيطرة. مهيأ، أينما كان، لأن يصحو كعامل مزدوج، لم يعد ثمّة خطّ فاصل كفيل بالإحاطة به، إنَّه في لبّ هذه الثقافة التي تحاربه، والشرخ المرئيّ (والحقد) الذي يجعل المستغلّين والمتخلّفين على المستوى العالميّ في مواجهة العالم الغربيّ يرفد سرًا الشرخ الداخليّ في «السيستام» المسيطر. باستطاعة هذا الأخير أن يجبه كلّ تضادّ مرئيّ، ولكن ماذا عن الآخر ذي البنية الحمويّة (الفيروسيّة)، كأن كلّ جهاز سيطرة يعزّز الجهازيّة المضادّة له، ضدّ هذا الشكل من الارتكاس شبه الآليّ لقوّته الخاصّة، لا يستطيع «السيستام» أن يفعل شيئًا. والإرهاب هو الذبذبة الصادمة لهذا الارتكاس الصامت.

لا يتعلّق الأمر إذًا بصدام حضارات ولا بصدام أديان، كما يتعدّى بكثير الإسلام وأميركا اللذين تجري المحاولات لحصر النزاع فيهما؛ لتوليد وهم مجابهة مرئيّة، ووهم حلّ بالقوّة. صحيح أنّ في الأمر تضادًّا أساسيًّا، لكنّه تضادّ يُبيّن -عبر طيف أميركا (التي كانت المركز السطحيّ، لكنّها ليست بمفردها تجسيد العولمة) وعبر طيف الإسلام (الذي، هو ايضًا، ليس تجسيدًا للإرهاب)- أنّ العولمة المنتصرة تخوض صراعًا مع ذاتها. وفي هذا المعنى يمكننا الحديث عن حرب عالميّة، ليست الثالثة، بل الرابعة وهي الوحيدة العالميّة حقًّا؛ لأنّ رهانها هو العولمة بالذات[4].

2-«المكارثيّة» المستعادة عبر الميديا
قدَّمت «المكارثيّة»[5] في خمسينات القرن العشرين نموذجها الشبيه جدًّا بـ«توتاليتاريات» جمهوريّات الموز في أميركا اللَّاتينيّة. وإلى اليوم لم يهتز هذا المسار في جوهره رغم اختلاف وتطوّر التقنيات المعتمدة في عمليّات التحكم بالمجتمعات العالميّة التي تقع تحت الهيمنة الأميركيّة الثقافيّة والإعلاميّة. قد يقال الكثير مما يخالف ذلك، من جانب اللوبي الثقافيّ والإيديولوجيّ في أميركا، ومع ذلك ظلَّ المسكوت عنه أقوى مما يشيعه الخبر الرسميّ المحمول على صورة الإمبراطوريّة الإعلاميّة الهائلة. قبل سنوات كتب المؤلِّف المعروف بيرترام كروس أنَّ الفاشيّة ستأتي إلى الولايات المتحدة بوجه ودود: من دون محاكمات نورنبورغ، أو مبادئ التفوّق العنصريّ، من دون أحزاب ممنوعة رسميًّا، أو إبطال للدستور، وإزالة الفروع الثلاثة للحكومة، لكن بنفس الحماس القوميّ، والقوانين الدكتاتوريّة الاعتباطيّة، والغزوات العسكريّة العنيفة[6].

بعد الحادي عشر من أيلول ظهرت أميركا من داخل، فبدت كمياه راكدة سقطت عليها صخرة ضخمة. كلّ شيء راح ينكشف على الملأ، بعدما لم تعد القيادة السياسيّة العليا تملك الزمن الذي يمكِّنها من استعادة «مقولة القلعة الآمنة» بالسرعة القياسيّة المطلوبة لدولة عظمى كأميركا.
الحاصل بعد سقوط برجي نيويورك أنَّ تنبؤات كروس لم تخب، سيبيِّن الكاتب الأميركيّ جيمس بيترارس (وهو يساري) أنَّ علامات دولة البوليس في الولايات المتّحدة واضحة في كلّ مكان. وإنَّ صفة الدولة الشموليّة التي يتحوّل فيها المجتمع المدنيّ إلى شبكة من المخبرين السرّيّين، هي صفة أميركيّة بامتياز، ولعلّ أبرز المعلومات التي استعصت على شبكة الإعلام الأميركيّ الموجَّه، أنَّ مكتب التحقيقات الفدراليّ (F.B.I) حضَّ كلّ مواطن أميركيّ (بعد 11 أيلول) على التبليغ عن أيّ سلوك مريب يقوم به أصدقاء وجيران أو أقرباء ومعارف غرباء. والحصيلة أنَّ ما بين أيلول وتشرين الثاني 2001 تمَّ تسجيل ما يقارب سبعمئة ألف اتهام لآلاف الشرق أوسطيّين من الجيران وأصحاب المحلّات التجاريّة المحلّيّة والموظفين (كما) وُجِّهت إليهم التهم، مثلما حدث مع العديد من المواطنين الأميركيّين الآخرين. لم تقد أيّ من هذه التهم إلى أيّ معتقل أو حتّى إلى معلومات متعلّقة بـ11 أيلول. وعلى مدى الشهور التالية على الحادث قامت الشرطة الفيدراليّة بالتحقيق مع مئات وآلاف من الأشخاص الأبرياء ومضايقتهم. عشرات الملايين من الأميركيّين أصيبوا بهوس الخوف من «الإرهاب» في عملهم اليوميّ، وأثناء التسوّق وخلال فترات الراحة. لقد أحجم الناس عن نقد الحرب أو الحكومة، حتى لو كان بألطف العبارات، خوفًا من أن يوصموا بمؤيّدي الإرهاب، أو أن تُكتب التقارير بحقّهم، أو أن يتعرّضوا للتحقيق، أو أن يفقدوا عملهم، ولكي يعيد فرقاء البيت الأبيض والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزيّة والـ إف بي آي (الوجه الودود) للتوتاليتاريّة الداخليّة جرى إلقاء المسؤوليّة والتركيز على العرب، خصوصًا المسلمين منهم بوجه عامّ. وبحسب جيمس بيترارس إنَّ الفاشيّة «الودودة» التي وصفت بها الولايات المتّحدة الأميركيّة بالداخل مارست لعبة مزدوجة حيال هؤلاء «الغرباء»: هي تعتقلهم وتحقِّق معهم وتتّهمهم وتستهدفهم ـ بينما ينادي خطابها الشعبيّ بفضائل التسامح والتعدّديّة الدينيّة. ليست مبادئ التمييز العنصريّ واضحة للعيان، لكن التصوير العنصريّ لـ«الشرق أوسطيّين» هو نهج عمليّ ثابت ومقبول تقوم به الشرطة الفيدراليّة، والحكوميّة، والمحلّيّة. إنَّ الكثافة العالية للجماعات العربيّة، كما هي الحال في ديربورن، ميتشيغان، يظهر كأنّهم يعيشون في غيتو، بانتظار مذبحة تدبَّر لهم وتحلّ بهم. ويعتبر رئيس مكتب التحقيق الفيدراليّ أنَّ جميع الجمعيّات العربيّة الخيريّة والأهليّة وغيرها تدعم الإرهاب، وهي موضوع تحقيق وأعضاؤها أهداف للاعتقال. لقد خلقت الحملات العنيفة لمداهمة بيوت ومخازن ومكاتب الجماعات الأهليّة عقليّة حصار، وأثارت حملة رجال الشرطة أشدّ الغرائز عنصريّةً، وحرَّضت اندفاع الإهانات والعداوات الأهليّة[7].

3- الإرهاب الإعلاميّ مقلوبًا
بعد 11 أيلول امتلأت وسائل الإعلام الأميركيّة بالإدانة المتسرّعة لـمن أسمتهم «أصحاب نظريّة المؤامرة» الذين لا وطنيّة لهم، والذين يسهل على وسائل الإعلام عادة أن تضرّ بسمعتهم، لأنَّه من الأمور المفروغ منها أنَّه ليس ثمّة مؤامرة في الحياة الأميركيّة.
ولا شكّ في أنَّ سلوك الرئيس جورج دبليو بوش في 11 سبتمبر يدعو إلى إثارة كثير من الشكوك غير الطبيعيّة. ويتساءل المفكِّر الأميركيّ غورفيدال (13) عمّا إذا كان باستطاعته أن يتصوّر رئيسًا لدولة حديثة أخرى كان يمكن أن يستمرّ في الوقوف أمام عدسات المصوِّرين لالتقاط صور «دافئة» له وهو يستمع إلى تلميذة صغيرة تروي له حكايات عن عنزتها التي تربّيها، بينما كانت الطائرات المخطوفة ترتطم بالمباني الثلاثة الشهيرة. وبمقتضى الدستور، فإنَّ بوش ليس مجرّد رئيس للدولة، بل هو أيضًا القائد الأعلى للقوات المسلّحة. والمعتاد في مثل هذه الأوقات أن يتّجه القائد الأعلى مباشرة إلى مقرّ القيادة، ويوجِّه العمليّات ويتلقّى آخر المعلومات، وهذا ما فعله بوش بالضبط أو لم يفعله، وفقًا لما قال به ستان جوف، وهو ضابط متقاعد في الجيش الأميركيّ قام بتدريس العلوم السياسيّة في قاعدة ويست بوينت. كتب جوف في رسالة بعنوان «الدليل المزعوم حكاية كاذبة»: لست أدري لماذا لا يسأل الناس أسئلة محدّدة للغاية عن تصرّفات بوش وشركاه في يوم وقوع الهجمات؟ فقد تمَّ اختطاف أربع طائرات وأخرجت من خطّ طيرانها المقرّر، وكلّ ذلك ظاهر على رادارات سلاح الجوّ الأميركيّ[8].
كان جور فيدال أحد أوائل مَن نبَّه إلى أنَّ إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتيّ وتدميره لن يجلبا السلام إلى العالم؛ لأنَّ طبيعة القوّة المنتصرة تحتاج إلى عدوّ يبرِّر استثمارها في أسباب القوّة… وإذا لم يكن هذا العدو موجودًا سيوجدونه. ويومذاك حدَّد فيدال الأعداء المحتملين بالإسلام، غير غافلٍ عن القوّتين الأكبر في الشرق الأقصى، والبؤر الحساسة.. كمصادر النفط في الشرق الأوسط، والمياه الدافئة على تخوم روسيا، وكلّ ما يمكن أن يمثّل مناخات قد تكون مناوئة للنظام الجديد.. وكثيرًا ما يصدم فيدال المؤسّسة الأميركيّة بتصريحاته المثيرة للجدل. فهو يتّهم الحكومة الأميركيّة ووسائل الإعلام بتضليل الرأي العام، معتبرًا أنَّ: «أميركا تضمّ ربع مليار نسمة مضلَّلين تمامًا ومغيَّبين من جانب حكومتهم»، وكان قد انتقد الرئيس بوش، قائلًا إنَّه يريد أن تستمرّ الحرب ضدّ الإرهاب إلى الأبد، وأشار إلى أنَّ بعض الأميركيّين يشعر بالسعادة لأنَّ هجمات 11 سبتمبر حدّدت المسلمين على أنّهم الأعداء الجدد.

لم ينأ فريق المحافظين الجدد عن تسويق هذا الاعتقاد حين أمسك بناصية الإعلام والسلطة، قبل وبعد الحادي عشر من سبتمبر، فثمة كثيرون منهم يؤمنون بذلك، ويزعمون أنّهم باعتماد استراتيجية التدمير المفتوح للنظام العالميّ، وهو ما عرف بنظريّة «الفوضى الخلاَّقة»، إنّما يمهّدون السبيل للقيامة الكبرى للمخلّص. ومنهم من ذهب إلى مخالفة داربي واتهامه بتحريف وتشويهها النصوص الكتابيّة.

4- الحرب العالميّة الرابعة: إعلاميّة
إثر «زلزال 11 سبتمبر، انبرى عدد من العاملين في الميدان الاستراتيجيّ، إلى توصيف السلوك الإعلاميّ الذي مارسته الولايات المتحدة تجاه العالم بأنّه تطبيق للحرب العالميّة الرابعة بامتياز. ولاحظوا أنّه إذا كانت الحربان العالميّتان - الأولى على وجه شَبَهٍ مشتركٍ من نواحٍ عديدة، فإنّ الحرب الثالثة هي ما عُرف بـ«الحرب الباردة» (1945-1990). أمّا الحرب العالميّة الرابعة، فهي تلك التي لا تنفكّ تجتاح عالم اليوم، عبر الميديا الفضائيّة وثورة الاتصالات بتقنياتها المختلفة، وقد خلع السياسيّون والاستراتيجيّون الأميركيّون على هذه الحرب التي سوّقتها محطات إعلاميّة كبرى أوصافًا عدّة مثل: «الحرب الشاملة على الإرهاب»، و«الحرب الاستباقيّة»، و«الحرب اللامتكافئة »، و«الحرب ضدّ الفوضى»، و«الحرب الدائمة» وأخيرًا «حرب الجيل الرابع»[9].

غير أنّ هذه الأوصاف والتسميات تندرج على الجملة، في وعاء إستراتيجيّ واحد، حيث راحت تظهر معالمه بقوّة بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. وأيًا تكن التأويلات التي أخذ بها الخبراء منذ ذلك الوقت، فإنّ الوظيفة المرصودة للحرب العالميّة الرابعة تقوم - بحسب الاستراتيجيّ البلجيكيّ ف.ب. هويغيه (F.B. Hoyghe) - على ثلاث مزايا:
-الميزة الأولى: استراتيجيّة ومادّيّة، وهي تعني حرمان الخصم من قواه، قَبل أن يتمكّن من الوصول إلى الولايات المتّحدة، وذلك عبر تدمير قواعده الخلفّية.
-الميزة الثانية: رمزيّة ورادعة: وتعني، توجيه رسالة قويّة للإرهابيّين وللديكتاتوريّين، وإفهامهم أنّ الولايات المتّحدة ستردّ على أيّ ضربة، وبالتالي إحباط مشاريعهم ومنع انتشارها عبر الخوف من القوّة العظمى.
-الميزة الثالثة: ايديولوجيّة وسياسيّة: وتعني نشر الديمقراطيّة في العالم. ذلك أنّ ترويع أعداء أميركا ليس سوى مقدّمة لنشر الحكم الصالح في الكرة الأرضيّة كلّها، وتعميم السوق وحقوق الإنسان، فالمشروع الحربيّ الأميركيّ يهدف، وفق التعبير المعتمد، إلى جعل العالم مكانًا أكثر أمانًا للديمقراطيّة. وهذا يعني بشكل خاصّ جعل هذا العالم آمنًا للولايات المتّحدة.
إنّ هذه المزايا التي شكّلت «الهندسة اللاهوتيّة» للجيل الأخير من حكّام الولايات المتحدة، كانت جاهزة لتبرِّر حروبهم على عوالم، كان من المستحيل تكييفها أو مطابقتها، لقواعد العمل الأميركيّ في العالم إلاّ بالقوّة، لكن المحافظين الجدد لم يكتفوا بعد الحادي عشر من أيلول 2001 بإشهار الحرص على أهمّيّة ووجوبيّة مثل هذه الاستراتيجيّة، بل إنّهم قطعوا شوطًا إضافيًّا في الطريق الذي يمنح «جنونهم الحربيّ»، بُعْدَه الرسوليّ. وثمّة اعتقاد راسخ لدى هؤلاء يقوم على الادعاء بأنّ هناك استثنائيّة أميركيّة قوامها، أنّ ما لا يحقّ لسواها في القانون الدوليّ وشرعة الأمم المتّحدة، إنّما هو مباحٌ لها؛ لذا لا ينفكّون يعلنون أنّهم يريدون الإمبراطوريّة، ولكن -كما يزعمون- هي أمبراطوريّة خيِّرة لا تسعى إلى اغتصاب أيّ أرض، ولا إلى ظلم أحد. إنّهم يكرّرون أيضًا، أنّ على الولايات المتّحدة، الدفاع عن مصالحها، (ولكن هذه المصالح تتوافق -وأيضًا، حسب زعمهم- مع تحرير البشريّة، وبالتالي مع منطق التاريخ...

عندما كتب ريتشارد بيرل[10]، الذي لقّبه المعجبون بأفكاره بـ«أمير الظلام»، «ليس من حلّ وسط لأميركا، إمّا النصر وإمّا الإبادة»، لم يكن كلامه هذا من قبيل الغلواء الساذجة، كان يعني في العمق الطريقة التي ينبغي على الولايات المتّحدة ألّا تحيد عنها، وهي تؤسّس للقرن الحادي والعشرين.
كان بيرل يرمي، إلى ما سبق للفيلسوفة الألمانيّة حنّة أرندت (Hannah Arendt)، أنْ رمت إليه، وهي تلاحظ مسارات حرب فيتنام: «يجب أن نعمل ليس على غزو العالم، بل على التفوّق في معركة تستهدف عقول الناس»... وكانت تقول «إنّ هذا الشيء هو أمر جديد في هذا الكمّ الهائل من الجنون البشريّ الذي سجّله التاريخ...»[11].
ذهب المعلّقون على كلمات ريتشارد بيرل الأثيرة في الاستدلال إلى «بؤرة المعنى»، فوجدوا أنّ المحافظين الجدد باقتناعهم أنّ على الولايات المتّحدة إزالة محور الشرّ أو الزوال، وبتغذيتهم خطاب السيطرة المطلقة باسم وضعيّة الضحيّة، إنّما يضعون أنفسهم عن قصد في السياق الصوفيّ، بينما هم يُتّهمون غالبًا باللاأخلاقيّة.
مثل هذه الإشارة، تنطوي على أهمّيّة خاصّة، لجهة تشكّل العمارة الأيديولوجيّة المركّبة للّاهوت السياسيّ الأميركيّ، وللاهوت المحافظين الجدد بصفة مخصوصة، فالغلوّ الإعلاميّ الذي يطفو على سطح الزمن الأميركيّ الجديد، ويكسو لغة «حكماء البيت الأبيض»، يترجم تلك العمارة الأيديولوجية في ذروة مراتبها.
قد يكون من السخف إرجاع خطاب الحرب الشاملة ضدّ «الإرهاب» و«الدول المارقة»، إلى «سذاجة» مزعومة، أو إلى «وحشيّة» أميركيّة، فالحقيقة أنّ فعل مثل هذه السياسة لا يعاني من قلّة التمحّص بقدر ما يعاني الغلوّ الأيديولوجيّ، فالايديولوجيا، على ما هو معروف، هي في بعض المجالات قناع للمصالح، وهي التي تحدّد أيضًا، ما يعتبره كلّ واحد، أنّها مصالحه. ثمّ إنّها تقود أحيانًا إلى توسّع في الوسائل بالنسبة إلى الغائيّات، وبالتالي إلى مقاومة مثلّث الإرهاب والاستبداد والتكنولوجيا المنتشرة لأسلحة الدمار الشامل، وبهذا المعنى فإنّ في الأيديولوجيا التي تمثّل أهواء ومصالح الجماعة البشريّة، جانبًا احتفاليًّا -كما يبيّن آلان بيزونسون (Besanson)، المتخصّص في الشؤون الشيوعيّة، فهي (أي الأيديولوجيا) على ما يقول- تدّعي إقامة حقيقة أكثر واقعيّة من الحقيقة، وذلك بقوّة الخطاب وحده. وهذي هي بالضبط، حقيقة المحافظين الجدد. وسيغدو هذا الملمح بعضًا يسيرًا من جنون «الجيل الرابع» الذي ينطلق بلا هوادة في مسار يشبه الحرب المفتوحة على الأبديّة[12].

5- المبادئ الخمسة لعقيدة الحرب الإعلاميّة
لعلّ من أبرز مفارقات الانتشار الإعلاميّ بعد الحادي عشر من سبتمبر، أنّ المخطّطات والبرامج الإستراتيجيّة التي تحكم النزاعات الدوليّة، باتت سلعة إعلاميّة عبر الأثير، وهذا لا يعود بالطبع إلى شعور مراكز القرار بلا جدوى أهمّيّة الاحتفاظ بالأسرار، بل على العكس فإنّ كثيرًا مما كان يعتبر سرًّا إستراتيجيًّا أصبح مادّة للتسويق بما يؤدّيه من خدمات للمصالح العليا، وهذا ما حصل بالفعل عندما تحوّلت شاشات التلفزة العالميّة إلى نوادٍ للمناظرات حول قضايا في غاية الحساسيّة والخطورة، فقد أعلن المحافظون الجدد المتحلّقون حول الرئيس بوش عناصر التفكير الإستراتيجيّ، لجيل الحرب العالميّة الرابعة (G.W.O.T) بمجموعة من المبادئ، جاءت على الوجه التالي:

أوّلًا: العدوّ فريد ومطلق، وإنّه يتألف من هؤلاء: الإرهابيّون، السلفيّون، الشيعة، الاستبداديّون، البعثيّون، الأنظمة الإسلاميّة، الديكتاتوريّات ما بعد الشيوعيّة، وهي كلّها متساوية -بنظر المحافظين الجدد- لأنّها تؤلّف الخطر نفسه.
ثانيًا: لا فرق بين النيّة العدائيّة والقدرة العدائيّة، بين التنفيذ والنيّة، بين الجريمة والسلاح، فالحرب دائمة. من هنا، ضرورة الوقوف على كلّ الصعد ضدّ أيّ خطر متوقّع، سواء أجاء من عدوّ معلن، أم من منافس محتمل.
ثالثًا: الكرة الأرضيّة هي ساحة المعركة. لم يعد هناك منطقة محميّة (أرض الولايات المتّحدة لم تعد مقدّسة)، فالخطر، خصوصًا الإرهابيّ، قد يأتي من كلّ مكان من دون أن تُكبح عوامله باعتبارات السيادة أو توازن القوى. على العكس، يجب القيام -بحسب هؤلاء- بالهجوم على أرض الخطر في العالم العربيّ والإسلاميّ، وزعزعة الأنظمة السيّئة.
رابعًا: يجب احتكار السلاح، وبالتالي يجب القيام بالحرب للقضاء على الأسلحة، من هنا تبرز أهمّيّة مسألة أسلحة الدمار الشامل.
خامسًا: الخطر يناقض متطلّبات الأمن المطلق، من هنا تبرز الضرورة المزدوجة للمراقبة الشاملة والقدرة على الردّ ضد كلّ المخاطر، وهذا يقود إلى وهم العلم بكلّ شيء، كما يقوم على الشعور بامتلاك قوّة كلّيّة القدرة والجبروت..

ببساطة شديدة، تبدو عقيدة «الجيل الرابع»، عقيدة مركّبة، فهي تخلط -كما رأينا- بين العناصر (المبادئ) الخمسة (العدوّ، نيّة العدوّ، الأرض، السلاح، والخطر) ضمن مفهوم واحد، وبصورة أوضح، فإنّ هذا المفهوم، مفهوم يرمي إلى إزالة كلّ الأخطار المحتملة دائمًا وفي كلّ مكان، وبما أن توازن القوى لا يزال بصورة واسعة لمصلحة أميركا، والعدوّ لا يمكن ردعه بالخوف من العقاب، كما كانت حال الاتحاد السوفياتيّ، فإنّ المعركة ليس لها في الواقع سوى هدفين: الزمن والصورة.

- الزمن: لأنّه يجب العمل بسرعة قبل فوات الأوان.
- والصورة: لأنّ المحافظين الجدد مقتنعون بأنّ 11 أيلول/ سبتمبر هو ثمن الخطأ الماضي في عدم القدرة على ترويع العدوّ[13].

جنون «الجيل الرابع» سيتجاوز ومن خَلَفَه من أجيال الحاكمين بامتلاك الكلمات، وبممارسة تلك الكلمات، فقد جعل الجيل المذكور للزمن الجديد لاهوته الخاصّ، اللّاهوت الذي يقوم على تقديس ما وضعه المؤسّسون الأوائل من رؤية رساليّة لولادة أميركا، وكذلك على تقديس كلّ سلوك وممارسة تفضي إلى الغاية، ولو كلّف ذلك سقوط ملايين الضحايا.
مع نهاية الحرب الباردة وسقوط التوازن لمصلحة الأحاديّة، سوف ينفتح فضاء العالم ليخرج التفكير الإمبراطوريّ الأميركيّ من «هدوئه القسريّ» إلى جنونه الظاهر. وعلى هذا النحو لم تكن رحلة تقسيم العالم وفق معادلة الخير والشرّ سوى ترجمة لبلوغ اللّاهوت السياسيّ الأميركيّ الدرجة القصوى من اللاعقلانيّة، صحيح أنّ هذه المعادلة هي حصيلة تحوّلات واقعيّة لمسار التطوّر العالميّ، إلّا أنّها «المعادلة» الأقلّ ثباتًا في التاريخ؛ ذلك لأّنها تشقّ سبيلها بواسطة القوّة المحضة، وتبعًا لسياق كهذا، فمن غير المقدّر أن يفلح العالم المكتظّ بعوامل الصدام، في العثور على منطقة الاعتدال والتسوية والتوازن[14].

أكثر ما يحمل اللّاهوت الإعلاميّ الأميركيّ على الغبطة، حين يجد من مأثورات الحداثة ما يبرِّر له أفعاله ويضفي عليها صفة المشروعيّة. ومع صعود المحافظين الجدد سيأتي من يستعير من موروث الحرب العالميّة الثانية ما يؤدّي قسطًا من هذه المهمّة. كان على وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهو ينشئ ذرائعيّته لحرب العراق، أن يتذكّر هذه الكلمة الشهيرة لونستون تشرشل قالها الأخير في العام 1944: «إنّ الحقائق الإستراتيجيّة تحتاج في كثير من الأحيان، لأن تكون محميّة من جانب حرس من الأكاذيب». وهذه المأثورة، التي ستتحوّل في الثقافة السياسيّة للمحافظين الجدد، إلى ما يشبه الأطروحة، ليست بعيدة عن فلسفة التبرير الذي هو سمة راسخة في التاريخ الأميركيّ، وهو ما سيُظهر لنا، بما لا يقبل الغموض، الطريق الذي تمتزج فيه الأكاذيب السياسيّة بالحقائق الإستراتيجيّة[15].
كثيرون ممن يأخذون بهذه الاستعارة الذرائعيّة، هلّلوا لرامسفيلد في كشفه الجديد، لكن بالنسبة إلى ناقديه، سواء في واشنطن أم في بقية عواصم الغرب، فإنّ هذه الأطروحة تعيد استثارة تاريخ الفلسفة الحديثة أكثر مما تستثير تاريخ الحرب العالميّة الثانية.

مع ذلك، فإنّ الأخذ بها من جانب فريق البيت الأبيض، يجري على سبيل دفع الحجّة، بعدما بلغ سيل الانتقادات والتّهم حدًّا غير قابل للتراجع. ففي الأعوام التي تلت سقوط بغداد شاعت عبارة «حرس من الأكاذيب»، للتدليل على دور الأجهزة الاستخباراتيّة والإعلاميّة في إقناع الرأي العام بدوافع الحرب، وتبرير نتائجها، رغم موجات الاستنـزاف والخسائر التي يتعرّض لها جيش الاحتلال، سياسيًّا وعسكريًّا ومعنويًّا.

6- سلاح الإعلام: حرس من الأكاذيب
امتلأت الفضاءات الإعلاميّة بما لا حصر له من الوثائق، والصور، والمعلومات حول وجود أسلحة الدمار الشامل، وحول علاقة نظام صدام حسين المنهار بتنظيم القاعدة، وبأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، لكن سيأتي بعد أسابيع قليلة من داخل مراكز القرار في الولايات المتحدة، من يرى أنّ كلّ ذلك محض «أكاذيب»، وسيمضي عدد من الباحثين الأوروبيّين إلى القول: «إنّ أهداف الحرب التي أعلنت عنها واشنطن لا يظهر فيها أيّ تماسك منطقيّ، أمّا أفضل الحجج الفكريّة الدافعة للحرب فهي كانت على العموم التكتّم والنكران...» [16].
لقد سعت إدارة المحافظين الجدد مستغلّة تدمير برجي التجارة العالميّة في نيويورك، إلى توسيع دوائر التضليل تحت شعار «الاتحاد من أجل السلام». ومؤدّى هذا الشعار الذي يطوي في ثناياه آليّات مبتكرة من الديماغوجيا السياسيّة المحكمة، هو إعادة إنتاج قناعات لدى الجمهور الأميركيّ، تبرِّر الانتقادات الجادة من قبيل «بوش يكذب»، أو «هناك أميركيّون يموتون». صحيح أنّ هذه القضيّة بمجملها أثارت مسألة أخرى متّصلة بسابقتها، إلّا أنّها قد تكون أكثر إقلاقًا أيضًا، وهي الجذور الفلسفيّة للايديولوجيا التي تقف على رأس «الثورة المضادّة البوشية»[17]. يجمع مؤرّخو الممارسة السياسيّة الأميركيّة على وجود شغف لافت لدى قادة الولايات المتحدة، قوامه، صناعة الأكاذيب، وتشكيل حرس من المفكّرين والإعلاميّين، ومراكز الأبحاث لتسويغها وتسويقها.

لقد غدت الولايات المتّحدة في قلب عولمة متطلّبات التبرير -كما يلاحظ آريال كولونوموس-، فالدولة الأميركيّة هي وريثة تاريخ طويل في المجال «الأخلاقيّ»، وطبقًا لتاريخها «الطهرانيّ» الذي أضَفَتْهُ عليها البروتستانتينيّة الزهديّة، حرصت على الاضطلاع بدور «منارة الإنسانيّة» على حدّ التعبير الذي استخدمه جون فوستر دالاس في الستينات، وفي مرحلة متأخّرة ستلعب عناصر جديدة في المجتمع المدنيّ دورًا رئيسًا في صعود قويّ لتلك النظرة المثاليّة المتجدّدة[18].
ولئن كانت النـزعة التبريريّة سمة مميّزة للاستثناء الأميركيّ، فهي ظاهرة دوليّة عامّة، بل هي مطلب دوليّ تفترضه شروط الهيمنة الجيو-استراتيجيّة.
في أثناء الحرب الباردة، كانت مصلحة أعضاء الكتلة الواحدة تكمن في التغاضي عن أخطاء حلفائها للحفاظ على مصالحها المشتركة، ومنع الكتلة الثانية من استغلال خلافاتها. أمّا الآن، فإنّ الظهور البيِّن للمجتمع المدنيّ أرغم الدول والمؤسّسات على تقديم حسابات حيال أشكال الرقابة الجديدة هذه، وأصبحت معارضة المجتمع المدنيّ ذات صفة عالميّة وميّزة للتعدّديّة الليبراليّة، فلقد وُضعت بواسطة هذه الرقابة، دول كثيرة في قفص الاتهام بسبب من موقفها تجاه العديد من الجماعات المتضرّرة، أو التي كانت ضحيّة لسلوكيّاتها[19].

أمّا بالنسبة إلى أميركا على وجه الخصوص، فقد اتخذت أيديولوجيّة التبرير لديها مناحيَ استثنائيّة، وذلك طبقًا للمنسوب العالي جدًّا من أيديولوجيا الهيمنة. كثيرون من مؤرّخي سياسة أميركا الخارجيّة حلّلوا «المسارات الأخلاقيّة» لهذه الدولة، فأدرجوها ضمن استمراريّة هيمنتها.
من هؤلاء، المؤرّخ تومي سميث، الذي ذهب في طرحه إلى حدّ اعتبار أنّ «الويلسونيّة»، وهي تصوّر أخلاقيّ لسياسة تتطلّع إلى جعل العالم ديمقراطيًّا، تشكّل الخيط الأحمر في تاريخ أميركا للقرن العشرين. وبحسب سميث، فإنّ الرئيس رونالد ريغان، رغم كونه من المحافظين -في حين كان ويلسون ديمقراطيًّا- من أنصار القوّة والسياسة المتشدّدة تجاه الاتحاد السوفياتيّ، فكان خير مثال على حداثة هذا الموروث، ثمّ جاء جورج دبليو بوش، ليؤكّد هذه الأطروحة. أمّا في خلال رئاسة كلينتون فقد استوحى القادة الأميركيّون دورًا مباشرًا من الأخلاقيّة الزائفة، ليمنحوا أميركا صفة «القوّة المهيمنة الخيِّرة»[20].

7- لاهوت الإعلام مثلّث الإرهاب والديموقراطيّة والهيمنة
الوجه الأبرز في المثال الإعلاميّ الأميركيّ سيجري الإفصاح عنه إثر 11 سبتمبر حين تخوض مؤسّسة الحرب الأميركيّة حروبها ونزاعاتها الدوليّة والإقليميّة بلغة دينيّة. يقول «ويليام رو»، وهو أحد الذين عملوا في الخارجيّة الأميركيّة، إنّه بعد الهجمات التي تعرّضت لها بلاده في 11 سبتمبر، أصبحت أنباء الحرب ضدّ الإرهاب تهيمن على وسائل الإعلام الأميركيّة على حساب القضايا المحلّيّة والأجنبيّة الأخرى، وكرّست الصحف الأميركيّة العديد من صفحاتها لنشر المعلومات المتوافرة عن حياة وخلفيّة المشتبه بهم من الخاطفين الذين نفّذوا الهجمات. وبدأ الكتّاب الأميركيّون يركّزون في مقالاتهم وموضوعاتهم وكتبهم على الإسلام السلفيّ في المملكة العربيّة السعوديّة، أكثر من أيّ يوم مضى، وهذا يعود إلى أنّها الدولة التي جاء منها معظم المشتبه بهم في الهجمات. وبثّت وسائل الإعلام الأميركيّة آراء لكتّاب وخبراء أميركيّين يوجّهون فيها اللوم للسعوديّة والدول الشرق أوسطيّة الأخرى؛ لأنّها -على حدّ زعمهم- وفّرت البيئة الملائمة لولادة نشاط الإرهابيّين. ويعزون ذلك إلى المناهج التعليميّة الدينيّة في تلك البلدان وغياب الديمقراطيّة وحرّيّة التعبير[21]. إن ما يريده الكاتب الأميركيّ من ذلك هو التأكيد على انخراط الإعلام على الجملة في الحملة الحربيّة التي تقودها بلاده بقطع النظر عن صدق مبرّراتها. وإلى هذا يشكل هذا النموذج الأميركيّ للإعلام صورة دراميّة عن تدهور الحالة العالميّة وبؤسها، وعن التناقض الصارخ بين نظامين من أنظمة القيم؛ بين نظام التوازن الذي ساد الحرب الباردة، وبين التجريبيّة العالميّة المحكومة بما يسمّى نظام الفوضى. لقد رسم زيبنغيو بريجنسكي[22] منذ ما يزيد على ثلث قرن صورة متوقّعة لمستقبل العالم ما بعد الصناعيّ، فرأى «أنّ الأثر التراكميّ للثورة التكنوترونيّة هو أثر متناقض. فمن جانب تبرز هذه الثورة بدايات مجتمع عالميّ، ومن جانب آخر تفتّت الإنسانيّة وتنتزعها من مراسيها التقليديّة. إنّ الثورة التكنوترونيّة تزيد من تنوّع الظروف الإنسانيّة وألوانها، فهي توسع الهوّة في الظروف المادّيّة بين بني البشر، حتّى وهي تقلّص قدرة الإنسان الذاتيّة على تحمّل هذا التباين».
فالعالم الثالث برأي بريجنسكي هو ضحيّة الثورة التكنوترونيّة. وسواء أنمت البلدان الأقلّ تطوّرًا بسرعة أو ببطء أو لم تنمُ أبدًا، فإنّ معظمها على الأغلب لا مفرّ له من أن يستمرّ، وقد سيطرت عليه مشاعر قويّة بالحرمان النفسيّ، ففي عالم متشابك إلكترونيًّا لن يكون التخلّف المطلق أو النسبيّ محتملًا، خصوصًا عندما تبدأ البلاد الأكثر تقدّمًا بتخطّي المرحلة الصناعيّة التي ما يزال على البلدان الأقلّ تطوّرًا أن تدخلها، وهكذا لم يعد الأمر أمر «ثورة لطموحات متصاعدة، فالعالم الثالث اليوم يواجه طيف الطموحات التي لا يمكن إشباعها»[23].

لقد أدّى التطوّر اللامتكافئ في نظام عالم ما بعد الحرب العالميّة الثانية إلى خلق سيرورات متناقضة لا يمكن أن تبعث في يوم من الأيّام على الطمأنينة، ومن البديهيّ والحال هذه أن يجري إخضاع القيم والبنيات الأخلاقيّة في المجتمعات «العالم ثالثيّة»، وخصوصًا المجتمعات الأهليّة فيها؛ فإنّ ذلك ما يسهّل ديناميّات سيطرة رأس المال الماليّ والإلكترونيّ والحربيّ، والحاصل هو أنّنا أمام أمر متناقض كلّ التناقض، بل ويتضاعف تناقضه كلّما مرّ وقت إضافيّ على بقاء عالم ما بعد الحداثة خلوًّا من أنظمة توازن في الغذاء والبيئة والاقتصاد والسياسة والأمن. وهذا التناقض هو «أنّ عالم اليوم يصبح أكثر وحدة وأكثر تفتّتًا في الوقت عينه. ففيما اتجهت أوروبا إلى التوحّد الكامل عبر إلغاء الحدود القوميّة التقليديّة، ونَحَت الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى تقديم نفسها كدولة عالمية،... وفيما يجعل نظام المعلومات والاتصال عبر الأقمار الصناعيّة والإنترنت العالم كله مشاركًا في مشاهدة ومعرفة ما يحصل حتّى في الأحياء المغلقة والغيتوات الإسمنيّة، يبدو العالم متجهًا أكثر إلى مغادرة قيم الاستقرار والولاءات الأيديولوجيّة التقليديّة»[24].
هكذا بدا المشهد العالميّ وهو يختتم الألف الثاني، وهكذا يبدو، على نحو أشدّ وهو يمضي قدمًا في رحاب الألفيّة الثالثة، ولن يكون له على الأرجح سوى المضيّ مسافات زائدة في تعميم الضلال الأعمى إلى أبعد حدّ مستطاع، فالتسابق نحو الاستحواذ والسيطرة هو سمة هذا المشهد اليوم، وإلى مدى غير منظور، والخطير في هذا المجال من التطوّر هو اعتقاد مؤسّسات القوّة والهيمنة التي تديرها على الأخصّ الولايات المتّحدة الأميركيّة بأنّها في هذا إنّما تصنع واجبًا عالميًّا أساسيًّا، وهو في اعتقادها واجب أخلاقيّ تمليه مصلحة الإنسانيّة بأجمعها؛ الأمر الذي سيؤدّي بها -وهو ما يوضع أمامنا بصورة يوميّة- إلى ممارسة أبشع الأفعال اللاأخلاقيّة، وذلك باسم الحفاظ على الأمن الدوليّ والديمقراطيّة وحقوق الإنسان، منظورًا إليها بوصفها درجة عليا من الأخلاق.

يتحدّث ميشيل شودوفسكي أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الاجتماعيّة في جامعة أوتاوا[25] عن كيفية صنع المجاعة في بلدان العالم الثالث، فبيَّن كيف فرض البنك الدوليّ وصندوق النقد الماليّ على الحكومة الصوماليّة برنامج إصلاح بنيويّ في بداية الثمانينات، وكان من نتيجته أن تعرّض التوازن القائم بين القطاع «البدويّ» من السكّان والقطاع المستقرّ «الحضريّ» (...) للخطر الفظيع، وعندما بدأت عمليّات إعادة «تنظيم» موازنة الحكومة الصوماليّة تحت إشراف المؤسّسات الدوليّة -وهي مؤسّسات تدار في معظمها بعقل أميركيّ أساسًا- نتج عنها نهب منظّم وتدمير للزراعة، فانهارت البنى التحتيّة، وانخفضت النفقات المخصّصة للزراعة بنسبة 85% بالمقارنة مع ما كانت عليه في أواسط السبعينات.
وهكذا بسبب من فوائد القروض القاسية أصبح الصومال أسير نفسه؛ لذلك سيطلق عليه لقب «قميص المجانين»، وهو المعروف باسم الإصلاح البنيويّ، لإجباره على سداد الفوائد. وما حدث بعد ذلك معروف: انهارت الدولة، واندلعت الحرب الأهليّة وتفشّت المجاعة.. وفي النهاية جاءت عمليّة «إعادة الأمل» التي لا نزال نشهد آثارها المدمّرة إلى اليوم.
النموذج الصوماليّ يعكس ظاهرة دوليّة صارخة في طريقة تعاطي الشركات الكبرى، ولا سيما منها الإعلاميّة مع الشعوب، الأمر الذي أنتج في غير بلد إفريقيّ وآسيويّ مجاعات وحروبًا أهليّة لم تنته إلى الآن.

وعلى ما يبدو فإنّ مؤسّسات التوجيه الإعلاميّ الأميركيّة ماضية في إنتاج ثقافة الاستهلاك، فهي تذهب إلى ما يشكّل صوغًا لاستراتيجيات فكرية تقدم الولايات المتحدة بوصفها معطى أرسلته السماء. ولعلّ البرنامج التعليميّ الذي نظمه لمحطّات التلفزيون الكبرى الزعيم الجمهوريّ في مجلس النواب نيوت غينغريتش في مطلع التسعينات هو أحد الجهود الآيلة إلى «أسطرة» أميركا وسياساتها وأنماط حياتها. إنّه يدعو لتناول التاريخ الأميركيّ بطريقة تمجيديّة تستند إلى رموز جامدة لقيم دائمة، فعندما يعيش العالم فيما يسمّيه «ثقافة الومضة»، وفي عاصفة من المعلومات الهائلة المضطربة ينبري غينغريتش للإعلان عن أنّ هدف برامجه التعليميّة المتلفزة هو غرس الذهن بقيم الأساطير القديمة، لكي يكون التاريخ الأميركيّ نقيًّا وصافيًا، ومقبولًا، من الأجيال. وعلى أيّ حال فإنّ غينغريتش الذي يؤمن بالإيديولوجيا إيمانًا راسخًا ويصفها بأنّها «قنبلة في الرأس» هو كسواه من الأيديولوجيّين الأميركيّين في هذه الأيّام، لا يجدون ما يعملون عليه سوى الذهاب بعيدًا في الاستيلاء على العقل وبثّ أخلاق السيطرة والقوّة على النطاق العالميّ، وهذه إِواليّات إعلامية توصيليّة غايتها تعميم قناعات ثابتة لدى شعوب العالم، وبخاصّة شعوب «العالم الثالث»، برساليّة القوّة الأميركيّة وسموّها.

لكن جيمس كورث أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعات الأميركيّة، يقدّم انطباعًا مخالفًا عمّا تذهب إليه أخلاقيّات التمجيد، فيرى «أنّ الدور الذي تلعبه الولايات المتّحدة في الصراع الهائل بين المنظّمات الكبرى ووسائل الإعلام العالميّة والشركات متعدّدة الجنسيّات، سيتوقف على نتيجة صراع آخر أكثر إيلامًا؛ ذلك لأنّ الفترة الأولى من تاريخ ما بعد العصر الحديث ستتضمّن صراعًا موازيًا، وحربًا أهليّة داخل الولايات المتّحدة بين المؤسّسات المتعدّدة الثقافات، والتسلية الجماهيريّة من جانب، والثقافة القوميّة والتعليم الجماهيريّ من جانب آخر. ومنذ الآن -يضيف كورث- يبدو أنّ معسكر ما بعد العصر الحديث هو الذي سيسود، وإذا ما حدث ذلك فإنّ الولايات المتّحدة بالمعنى التقليديّ للشعب الأميركيّ وحكومة الولايات المتّحدة، فلن تكون هي الممثّل، بل المتفرّج -بل حتى المسرح- لعالم ما بعد العصر الحديث، وستصبح متلقّيًا للتاريخ لا صانعًا له»[26].

إنّ مثل هذا المآل لدولة تمسك بناصية الإعلام وإنتاج أخلاق الاستهلاك لن يفضي، على الأغلب، إلّا إلى المزيد من تفكيك العالم وأنظمة القيم فيه.
على النسق الأيديولوجيّ إيّاه لا ينفكّ منظّرو الفرادة الأميركيّة عن ابتعاث مروحة من الأفكار، لا يقصد منها سوى منح السيطرة مشروعيّة الاستمرار والتراكم لتأخذ صعيدها المعرفيّ والثقافيّ. ويتحدّث معظم هؤلاء بلغة اليقين، ودائمًا عبر آليّات الإعلام بهدف خلق اعتقادات في المجتمعات الدوليّة، وخصوصًا الأوروبيّة، فضلًا عن «مجتمعات الأطراف»، مؤدّاها التسليم بنمط الحياة الأميركيّة كقدر لا مناص منه. وها هو دانيال بيرتون، أحد البارزين في قطاع الاتصالات يرى «أنّ الولايات المتّحدة، بصفتها رائدًا في اقتصاد الشبكات سوف ترسم تطوّر هذا الاقتصاد، ذلك أنّه لا توجد أيّ دولة أخرى في العالم تملك المؤهّلات اللازمة لتوجّه تطوّره، فثمّة وجود برمجيّ هائل، ومصنّعو مواد على مستوى دوليّ وصناعة ديناميكيّة ذات محتوى جيّد، وقطاع اتصالات كامل الخصخصة، وقاعدة صلبة لرأسمال جسور، وسوق عمل مرن، ونظام جامعيّ لا نظير له».

يضيف بيرتون أنّنا في النهاية نتّجه نحو عالم للشبكات يتكوّن من مجتمعات إلكترونيّة تجاريًّا وثقافيًّا، عالم يعمل على تدعيم مكانة الولايات المتّحدة كأمّة من بين الأمم الأخرى، ولكنّها في الوقت نفسه، وعلى النقيض من ذلك، أمّة تعمل على تفكيك نظام الدولة-الأمّة[27].

يكشف هذا الكلام عن أحد الوجوه الأكثر عناية بالاهتمام في الخطاب الثقافيّ الأميركيّ، وهو ذاك المتّصل بالرغبة في تخليع الرابطة القيميّة التي نشأ عليها مبدأ الدولة-الأمّة، تريد الطبقة السياسيّة الحاكمة في الولايات المتّحدة أن تقيم عالمًا يشبهها في الغرب وفي العالم أجمع، أي دولة عالميّة سمّاها أحد الخبراء الأميركيّين، وهو جيمس كورث بـ«المؤسّسة الأميركيّة»، التي ذهبت ابتداء من نصف القرن المنصرم إلى جعل مصلحة الدول-الأمم، مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان تتّفق مع تجاوز مفهوم الدولة-الأمّة، عن طريق العضويّة في عدّة منظّمات دوليّة كالأمم المتّحدة، ومنظّمة الدول الأميركيّة، وحلف الأطلسي، والغات، وصندوق النقد الدوليّ، والبنك الدوليّ، وسواها. وخلاصة القول إنّ الدولة الأميركيّة، مثلها مثل تلك الدولة التي قامت في أوروبا واليابان، نفّذت مشاريع كبرى في الأبعاد الثقافيّة والأمنيّة والاقتصاديّة للحياة الاجتماعيّة، لكن على خلاف الدول-الأمم الأخرى، فإنّها فعلت ذلك على نطاق قاريّ هائل الحجم حقًّا. بل إنّها حتّى وهي تفعل ذلك كانت تنشئ أيضًا عالم ما بعد العالم الحديث، وبذلك مهّدت الطريق لزوالها كدولة/ أمّة.

8- الإعلام كمنتج لكولونياليّة جديدة
كانت بداية التسعينات ذروة ما وصلت إليه التجربة الأميركيّة لجهة نزع القيم التي تقوم عليها مبادئ الدولة–الأمّة، لتنتقل بعد ذلك إلى زمن الهيمنة على العالم؛ وهو زمن يتّسم بتخطّي الاتّكاء على جيوش تقليديّة كبيرة تقوم على التجنيد الإجباريّ الجماهيريّ، وتوفّر الدفاع القوميّ، وذلك باتجاه تشييد ما يسمى بـ«مجتمع ما بعد العصر الحديث» الذي يقوم أساسًا على وجود الأسلحة النوويّة، التي توفّر الردع الموسع، والأحلاف الدوليّة الدائمة (مثل ما حدث مع الحلف الأطلسيّ) وعلى التكنولوجيا الراقية، والأسلحة الموجّهة بدقّة والأسلحة الشبح، مما يوفّر القوّة العسكريّة لتحالفات دوليّة مؤقّتة كالتي حصلت في حرب الخليج الثانية والتي حصلت على نحو مدوًّ في الحرب على يوغوسلافيا، وصولًا إلى المثال الأفغانيّ والذي عدّه كثيرون من الاستراتيجيّين الغربيّين مثالًا قابلًا للتكرار في غير منطقة من العالم[28]. وبطبيعة الحال، فستأتي حرب غزو العراق في العام 2003، لتمنح مسارًا كهذا، درجته القصوى في حقول التطبيق.
إنّ الوجه الإعلاميّ للتطوّر الأميركيّ شكل الآليّة المتقدّمة لظهور الإمبرياليّة المفتوحة. وكان بديهيًّا أن تؤدّي الشبكة الإعلامّية الهائلة مهمّتها الكبرى باتجاه تفكيك أنظمة القيم في العالم. وإذا كانت مجتمعات الأطراف أو ما يصطلح عليها بالدول النامية آثرت خيار التلقّي والامتثال عمومًا للهيمنة الإعلاميّة والثقافيّة-الأميركيّة، فذلك ما لم يحصل على الإجمال في المجتمعات الغربيّة، فكان أن انفجرت في وجه الزحف الإعلاميّ الأميركيّ تيّارات وازنة في المجتمع المدني الأوروبيّ، تطالب بضرورة الممانعة والمواجهة. حتى أنّ الحكومة الكنديّة استشعرت هذا الخطر وأعلنت على لسان السيّدة شيلاكوبس النائبة السابقة لرئيس الوزراء ووزيرة الماليّة لعام 1997، وجوب مواجهة ما أسمته بـ«الإمبرياليّة الثقافيّة» وأكّدت أنّه إذا أصرّ الأميركيّون على فرض هيمنتهم على المجتمع الثقافيّ العالميّ باستخدام الأدوات المتاحة لهم، فإنّ عليهم أن يتوقّعوا إجراءات مضادّة[29].

المسألة بالنسبة للمؤسّسة السياسيّة الأميركيّة لا تتعلّق بالأخلاقيّات المجرّدة، وإنّما أساسًا وقبل أيّ شيء بملاءمة النشاط الإعلاميّ والثقافات المنتجة في سياقه، مع الدرجة التي بلغها تطوّر شبكات المصالح والنفوذ في العالم؛ لذا فإنّ الآليّات الإعلاميّة تقصد بشكل منهجيّ ومعمّق إعادة تشكيل الوعي الجماعيّ العالميّ، وتكييفه على نحو يناسب حاجات الإمبرياليّة المفتوحة، فثورة التكنولوجيا الإعلاميّة كما يؤكّد الكاتب الفرنسيّ إيناسيو رامونيه تتطلّع لإحلال الحاسوب محلّ العقل البشريّ، وتتسارع هذه العقلنة العامّة لأدوات الإنتاج بفعل التوسّع الكبير في الشبكة الجديدة للاتصالات، وبذلك ينشط الإنتاج وتختفي بعض المواد وتتفجر موجة البطالة والعمل الموقت (...) أمّا في الميدان الاقتصاديّ، فالسائد هو ظاهرة العولمة، أي الارتباط المتزايد والوثيق بين اقتصادات بلدان متعدّدة، وتهمّ هذه العولمة أساسًا القطاع الماليّ الذي يهيمن من بعيد على الأجواء الاقتصاديّة وتعمل الأسواق الماليّة طبقًا لقواعد وضعتها لنفسها بنفسها، وباتت من الآن فصاعدًا تفرض قوانينها الخاصّة على الدول ذاتها، في حين على صعيد العلاقات الاجتماعيّة أحدثت ثورتا الإعلام والاقتصاد أزمة في مفهوم السلطة، فبعد أن كانت هذه حتى عهد قريب عموديّة أبويّة مهيمنة، باتت الآن تزداد أفقيّةً وفق تركيب شبكيّ - بفضل تقنيات الاستقلال الإعلاميّ–وتوافقيّ، وفي ذلك تغيير جذريّ لهويّة السلطة السياسيّة وممارساتها[30].

لم تكن التكنولوجيا التي أنجبتها العقلانيّة الغربيّة في أيّ يوم بريئة من غاياتها السياسيّة، وكذلك لن تكون ثورة المعلومات التي اختتمت قرنًا واستهلت قرنًا آخر بريئة من داء التسييس.

الخاتمة
قد يأتي يوم لا يجد الغرب فيه ذريعة لمعاركة الإعلاميّة والثقافيّة مع العرب والمسلمين سوى شعاره المستحدث «الحرب على الإرهاب»، وذلك يشير إلى أنّ الفكر السلطويّ في الغرب، استنفذ أكثر مخزونه المعرفيّ في سياق إجراءات الهيمنة التي شغلته على امتداد الأحقاب الكولونياليّة المنصرمة. وكما سبق وأشرنا في هذا الفصل، فإنّ صورة الشرق المسلم كما يراها الغرب ويشتغل عليها هي صورة تكتظّ بمفردات العنف، بينما يعكف جهازه الدعائيّ على قلب هذه الصورة ليجعل من الجغرافيا العربيّة والإسلاميّة حقلًا خصيبًا لاستنبات ألوان جديدة من عمليّات الغزو الثقافيّ.
لقد لاحظ عدد من الباحثين في فلسفة «الميديا» المعاصرة أن لا شيء أكثر مدعاة لغواية التدخّل المتجدّد في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة من ذريعة الحملة على الإرهاب والقضاء عليه. ولقد أفلحت الصناعة الإعلاميّة الغربيّة في إنجاز مساحة وازنة من عمليّات توظيف ثقافة العنف على مدى عقود متواصلة، ولعلّ المفارقة التي تظهر عند هؤلاء، هي أنّ الإرهاب لم يعد مجرّد مفردة وافدة من خارج، بل هي ستغدو مقولة تُسوَّق ويعاد إنتاجها بشغف نادر من جانب النخب المحلّيّة. ولو كان لنا أن نمضي في استبيان القضيّة المطروحة، لقلنا إنّ المشكلة لا تمكث في المبدأ الأخلاقيّ للموقف الذي يدين العنف الأعمى، فهذا من بديهيّات الفطرة الإنسانيّة أنَّى كانت انتماءاتها وهويّاتها القوميّة والدينيّة والحضاريّة، وإنّما في سياق الغزو الثقافيّ الشامل الذي يلعب فيه الإعلام دورًا حاسمًا.
المشكلة -كما يقولون- تكمن في السياق الذي تندرج فيه مقولة الإرهاب بوصفها مقولة صنعها الإعلام الغربيّ بمفردات لاهوتيّة صريحة، ومهَّد لها أرض المشرق العربيّ ومغربه. ثمّ مضى بها إلى الحدّ الذي وجدت من يحملها عن ظهر قلب من المثقّفين والخطباء والمفكّرين. فلو نظرنا قليلًا إلى (شريط الأخبار) من أوّله، لَحَقَّ القولُ إنّ الحرب المفتوحة على الإرهاب، هي حرب الغرب على منتج صنعه الغرب نفسه بإتقان، ليجد له سبيلًا إلى استباحة المنطقة وتحويلها إلى ما هو أدنى إلى مستوطنات تنوء بالحذر والقلق والعنف الأعمى[31].

الصحافيّ البريطانيّ روبرت فيسك كتب مقالًا في صحيفة «الانديبندنت»، تحدّث فيه عمّا أسماه «دين الغرب الجديد» وفيه يتساءل: «لماذا لا يتوقّف الغرب عن نشر القنابل وقذائف اليورانيوم المخصّب على شعوب الشرق الأوسط، ولماذا لا يتوقّف عن إرسال جيوشه لإحتلال أراضي المسلمين، وعن رشوة القادة العرب لسحق شعوبهم، ثمّ يضيف: أنّ العدالة لا تُصنع من المياه المالحة، حيث لا يزال قادة الغرب يرغبون في أن يحكموا العالم، وهم يخاطرون بأوضاعهم وسمعتهم ومستقبلهم السياسيّ وحياتهم. وكلّ ذلك بذريعة تسييل هذا المفهوم الغريب الذي يسمّونه الحرب على الإرهاب، وهو في الحقيقة دينهم الجديد»[32].
هذه الخلاصة من مقالة فيسك، تستظهر المستوى الذي بلغه نقد الغرب لنفسه حيال مقولة راحت تستحلّ البيئات الثقافيّة العربيّة وتترسخ في أعماقها. أمّا دلالة الأمر، فهي تتعدّى البيان الإعلاميّ؛ ذلك بأن سمي بـ«دين الغرب الجديد» المثقل بذرائعيّته، هو ثقافة مستحدثة آخذة في التحوّل إلى نظريّة معرفة لدى نخب واسعة جدًّا في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، ثمّ لتتحوّل إلى فِتَنٍ شريدة في طول الأرض العربيّة وعرضها.

ليس من شكّ في أنّ التحوّلات التي أحدثها تفجير بُرجي مركز التجارة العالميّة في نيويورك قد نقلت الخطاب الإعلاميّ إلى قلب الصدام الجاري بين المجتمعات العربيّة والإسلاميّة من جهة وبين مصالح الغرب ومطامحه. غير أنّ التداعيات الأكثر عمقًا في هذا الصدام هو الأثر الثقافيّ والنفسيّ الذي تولّده إستراتيجيّات الإعلام الدينيّ على التواصل الحضاريّ بين الإسلام والغرب.


لائحة المصادر والمراجع
جان بودريار، «ماذا يفعل الغرب ضد الذين يقاتلونه بموتهم»، ترجمة: عبد الرحمن أياس- مجلة النقاد- العدد 143- تشرين الثاني 2002.
جون ميسون، الأكاذيب الورعة للمحافظين الجدد، نقلًا عن مجلّة: Critique - paris – No 682 – Mars 2004.
جيمس بترارس، حراك دولة البوليس في كلّ مكان، النهار 12/ 6/ 2002. نقلها إلى العربية ناصر ونوس عن مجلّة (زد) الأميركيّة الشهريّة.
جيمس كورث، ما تزال أميركا أمّة؟ مركز الدراسات الاستراتيجيّة والبحوث والتوثيق، بيروت.
حنة أرندت، فيلسوفة أميركيّة من أصل ألمانيّ. انظر كتابها: الثورة والحرّيّة: رأي في الثورات، ترجمة: خيري حماد، دار الكتب والوثائق القوميّة، القاهرة، 2011.
خليل حسين، قضايا دوليّة معاصرة، دار المنهل اللبنانيّ، بيروت.
روبرت فيسك «دين الغرب الجديد» – «الاندبندت» لندن – 15/ 4/ 2014.
زبيغنيو بريجنسكي، بين عصرين، أميركا والعصر التكنوتروني، ترجمة: محجوب عمر، دار الطليعة، بيروت. الطبعة الأولى 1980.ّ
كريغ تيرنر، «موظّف كندي يلمّح بإمكانيّة محاربة هوليود تجاريًا»، لوس أنجلس تايمز، 11 شباط (فبراير) 1997.
لاهوت الغلبة، التأسيس الدينيّ للفلسفة السياسيّة الأميركيّة، دار الفارابي ومركز دلتا للأبحاث المعمّقة، بيروت، الطبعة الأولى، 2009.
محمود حيدر، عقيدة الغرب المستحدثة، البيان، دبي، 26/ 4/ 2014.
ميشيل شوسودوفسكي، كيف تصنع المجاعة؟ لوموند ديبلوماتيك شباط (فبراير) 1992، العدد21.
هربرت شيلر، الرعب الإعلامي من شؤون الرئاسة في واشنطن. لوموند ديبلوماتيك، الطبعة العربيّة، الشهرية، آب (أغسطس)، 1997.
وجهات نظر، العدد السابع والأربعون، كانون أول، 2002.
ويليام رو، الاختلاف بين وسائل الإعلام العربيّة والأميركيّة، «الاتحاد»، أبو ظبي 30/1/2002.

المصادر الأجنبيّة
Jpseph S. Nye, Jr. and William A. Owens. "American Information Edge". Foreign Affairs, Issue 106, Spring 1996.
Patrick Bacanan, the American Conservative, March 24, 2003.

----------------------------------------
[1]*- باحث وأستاذ مادّة الإعلام المرئيّ في الجامعة اللبنانيّة.
[2]- جان بودريار، "ماذا يفعل الغرب ضد الذين يقاتلونه بموتهم"، ترجمة: عبد الرحمن أياس، مجلة النقاد، العدد 143، تشرين الثاني 2002.
[3]- جان بودريار، المرجع السابق.
[4]- جان بودريار، المرجع السابق.
[5]- نسبة إلى الوزير جون مكارثي الذي تولّى قمع حركات المعارضة والحركة النقابيّة الأميركيّة في الخمسينات من القرن العشرين، وأدّت أعماله إلى تحويل المجتمع السياسيّ الأميركيّ إلى مجتمع استبداديّ يشبه إلى حدّ بعيد الدول الاستبداديّة في العالم الثالث.
[6]- جيمس بترارس، حراك دولة البوليس في كلّ مكان، النهار 12/ 6/ 2002. نقلها إلى العربيّة ناصر ونوس عن مجلّة (زد) الأميركيّة الشهريّة.
[7]- جيمس بترارس، مرجع سابق.
[8]- وجهات نظر، العدد السابع والأربعون، كانون أول، 2002.
[9]- محمود حيدر، لاهوت الغلبة: التأسيس الدينيّ للفلسفة السياسيّة الأميركيّة، مصدر سبق ذكره، ص54.
[10]- أحد أبرز المنظريّن لنظريّة الفوضى الخلاّقة في طاقم المحافظين الجدد، وأحد مستشاري الرئيس جورج دبليو بوش في ولايته الثانية، حول ذلك، راجع خليل حسين، قضايا دوليّة معاصرة، دار المنهل اللبنانيّ، بيروت، ص185 وما يليها.
[11]- حنة أرندت، فيلسوفة أميركيّة من أصل ألماني. انظر كتابها: الثورة والحرّيّة: رأي في الثورات، ترجمة: خيري حماد، دار الكتب والوثائق القوميّة، القاهرة، 2011، ص161.ّ
[12]- Patrick Bacanan, the American Conservative, March 24, 2003.
[13]- يوكانان، مرجع سابق.
[14]- المصدر نفسه.
[15]- يوكانان، المصدر نفسه.
[16]- هويغيه، الجنون الاستراتيجيّ في الحرب العالميّة الرابعة، مصدر سبق ذكره.
[17]- جون ميسون، الأكاذيب الورعة للمحافظين الجدد، نقلًا عن مجلّة: Critique - paris – No 682 – Mars 2004.P 44.
[18]- آريال كولونوموس، ماذا لو أصبح العالم بروتستانتيًّا؟ ترجمة: جورجيت حداد، فصلية «مدارات غربيّة» العدد الأوّل، أيار (مايو)، 2004، ص89.
[19]- هويغيه، مرجع سابق، ص45.
[20]- نعوم تشومسكي، من يدير العالم، نقلًا عن موقع Zmeg.org 7/6/2004
[21]- ويليام رو، الاختلاف بين وسائل الإعلام العربيّة والأميركيّة، «الاتحاد»، أبو ظبي30/ 1/ 2002.
[22]- مفكّر وسياسي أميركيّ من أصل بولّنديّ، شغل منصب مستشار الأمن القوميّ في عهد الرئيس الأميركيّ الأسبق جيمي كارتر في سبعينات القرن المنصرم.
[23]- زبيغنيو بريجنسكي، بين عصرين، أميركا والعصر التكنوترونيّ، ترجمة: محجوب عمر، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص72.
[24]- المصدر السابق، ص74.
[25]- ميشيل شوسودوفسكي، كيف تصنع المجاعة؟ لوموند ديبلوماتيك شباط (فبراير) 1992، العدد 21.
[26]- جيمس كورث، ما تزال أميركا أمّة؟ مركز الدراسات الاستراتيجيّة والبحوث والتوثيق، بيروت، ص20.
[27]- Jpseph S. Nye, Jr. and William A. Owens. "American Information Edge". Foreign Affairs, Issue 106, Spring 1996.
[28]- أنظر تعليقات الصحافة الأميركيّة في هذا الصدد، وهي تغطّي ردّات الفعل الداخليّة على حرب أفغانستان في سياق التحوّل الأميركيّ العام بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). وظهور مصطلحات جديدة كـ"الدول المارقة" و"محور الشرّ" و"الحرب على الإرهاب".
[29]- هربرت شيلر، الرعب الإعلاميّ من شؤون الرئاسة في واشنطن. لوموند ديبلوماتيك، الطبعة العربيّة، الشهريّة، آب (أغسطس)، 1997، ص32.
[30]- كريغ تيرنر، «موظّف كندي يلمّح بإمكانيّة محاربة هوليود تجاريًّا»، لوس أنجلس تايمز، 11 شباط (فبراير) 1997.
[31]- محمود حيدر، عقيدة الغرب المستحدثة، البيان، دبي، 26/ 4/ 2014.
[32]- روبرت فيسك «دين الغرب الجديد» – «الاندبندت» لندن – 15/ 4/ 2014.