البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الاحتضار الأخير للحضارة الغربيّة

الباحث :  حسن أحمد الهادي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  31
السنة :  صيف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 30 / 2023
عدد زيارات البحث :  637
تحميل  ( 258.854 KB )
يبدو أنّ القارىء المتفحّص في تاريخ الغرب، وبنيان حضارته، وأسسه الفكريّة والفلسفيّة، لن يجد ذلك الفرق الجوهريّ والكبير بين العصر القديم، وبين العُصُورُ الوسطى (القُرُونُ الوسطى)، أو بين العصر الحديث في تاريخ الغرب، فكلّها تقسيمات تقليديّة للتاريخ الغربيّ، يجمع بينها قواسمٌ مشتركة تتمظهر في حالة الاضطراب المستمرّة فكريًّا وقيميًّا وإنسانيًّا واجتماعيًّا... منذ القدم وحتى ما يسمّى بعصر النهضة.
ويعيد الكثير من الباحثين والمفكّرين السبب في ذلك إلى الغرب ذاته الذي أضحى عدوّ نفسه، بمعنى أنّه يتآكل من الداخل ويسقط تدريجيًّا ليهوي إلى مراحل الاحتضار الأخير للحضارة الغربيّة، بحسب تعبير المفكّر الأمريكي باتريك بوكانان في كتابه "موت الغرب"، حيث حذّر بوكانان شعوب الحضارة الغربيّة من رعب كبير يزحف إلى بيوتهم وأوطانهم وقلوبهم بكلّ قسوة وضراوة، وليس بوسع أمم الغرب فعل أيّ شيء لوقف الاحتضار الأخير للحضارة الغربيّة التي أصبحت تواجه الانقراض والفناء لصالح أمم أخرى؛ فالقرن الأمريكيّ الثاني يبشّر بحالة من الكآبة والخوف على المصير وضياع الهوية، وتحوّل المواطن الغربيّ بمرور الزمن إلى أقلّيّة هشّةٍ في مجتمعه الذي شهد موطئ قدم أجداده ومعاركهم وبطولاتهم.

وعند تحليل الأسباب المباشرة سنستنتج العديد من القضايا والأسباب التي اصطنعها الغربيّون أنفسهم والتي تشكّل السبب الأساس في هذا السقوط، إذ لم تتبدّل المباني الفكريّة والفلسفيّة والقيميّة عند الغربيّين، لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ الحديث، في نظرتهم الدونيّة إلى الآخر؛ الإنسان والفكر والمجتمع والقيم والحضارة...، فكلّ المشاريع التي قدّمها الغرب ولا زال يقدّمها بعناوين برّاقة إلى المجتمع الإنسانيّ لم تكن يومًا بمعزل عن المواقف والخلفيّات الأيديولوجيّة التي تسرّبت إلى تلك المنهجيّة؛ وذلك لأنّ الغربيّ يبقى متأثّرًا بالحواضن الفكريّة والحضاريّة والسياسيّة التي أسهمت في تشكيل عقليّته، أي إنّه يبقى أمينًا لتوجّهاته الذاتيّة وخلفيّاته الدينيّة أو السياسيّة.

وهو ما يفسّر كثرة الاضطرابات التي انتشرت في البلدان، والحروب والمعارك التي خاضها الغربيّ ضدّ الآخر، حيث قتل البشر حينًا، واستعبدهم حينًا آخر، وسيطر على مواردهم الطبيعيّة والثروات الوطنيّة للدول حيث أمكنه ذلك.

*    *    *

أولويّة الإنسان والتراث
وبالتزامن مع كلّ هذه الاضطرابات والحروب والاعتداءات لم يهمل الغربيّون أمرين أساسيّين أينما حلّت رحالهم الاستعماريّة؛ الأوّل يرتبط بتراث الأمم والشعوب المرتبط بهويّة الآباء الأجداد، والثاني يتمثّل بالعنصر الإنسانيّ بعنى السعي لتغييره فكريًّا ومعرفيًّا وقيميًّا.
فيظهر بوضوح للباحث في كيفيّة تعامل الغربيّين مع تراث الآخر، ولا سيّما تراث الحضارة الإسلاميّة، أنّ الحركة العلميّة للغربيّين تجاه الشرق بشكل عامّ والإسلام بشكل خاصّ لم تخلُ من رواسب وخلفيّات الأوروبيّين وأطماعهم في خيرات الشرق من العلوم والمعارف وبقيّة موارده الفيّاضة، وإن قُدّمت إلى الآخر على أنّها ظاهرة منظّمة تمثّل جهدًا بحثيًّا معرفيًّا كبيرًا قام به الغرب في محاولته لفهم الحضارة الشرقيّة والإسلاميّة، وأنّ كلّ هذا الجهد العلميّ والبحثيّ والترجمات والتحقيق في المخطوطات، يرتبط بالبحث عن المعرفة وتطويرها، تمهيدًا لوضعها في خدمة الإنسان والإنسانيّة. وما يؤكّد هذا الفهم اختلاف نتائج هذه الدراسات باختلاف اتجاهات المفكّرين والباحثين باختلاف المدارس التي ينتمون إليها، حيث تلوّنت بتلوّن الأفكار والمؤسّسات التي ينتمون إليها، ولم تغب الإسقاطات والقبليّات المشبعة بتصوّر الذات الغربيّة عن الشرق وحضارته.

كما يتمظهر العمل على العنصر الإنسانيّ ابتداءً من أصل النظرة الفلسفيّة إلى الوجود والإنسان، مرورًا بكلّ النظريّات الاجتماعيّة والتربويّة والتعليميّة، والتشريعات القائمة عليها، وصولًا إلى صورة الإنسان وتحديد نوعه من حيث الذكورة والأنوثة، ونمط الحياة والعيش التي ينبغي أن يتربّى عليها ويحياها بكلّ متطلّباتها.
فإنّ البحث في وظائف الإنسان مع الجماعة وحضوره الاجتماعيّ وفلسفة وجوده هي من القضايا التي شغلت الأرض بما تمثّل من فكر إنسانيّ، والسماء بما تمثّل من تشريع إلهيّ؛ فالأرض بحكمائها وفلاسفتها وعلمائها على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكريّة- الدينيّة منها والوضعيّة – من علماء النفس، والاجتماع، والطبيعة، والمادّة، وغيرهم.. قدّم كلٌّ منهم نظريّته ورؤيته حول طبيعة أدوار الإنسان وفلسفة وجوده في الحياة. وأعطت السماء حكمها الواضح بواسطة الوحي والأنبياء بتفضيل هذا الإنسان على سائر المخلوقات، وتحميله الأمانة الإلهيّة كخليفة لله في الأرض.
وبين تشريع السماء هذا؛ وتعدّد نظريّات أهل الأرض وفلاسفتها حول وظيفة الإنسان وفلسفة خلقه ووجوده في الحياة، تكاوَن وتوالد الكثير من المناهج والمذاهب والمدارس حول الإنسان، ما أثّر تأثيرًا مباشرًا على الحياة الإنسانيّة، وانعكس على المجتمع الإنسانيّ وعلى الشخصيّة الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة للبشر، وتحوّل هذا المجتمع الكبير إلى مجتمع أسير وتابع في فلسفة وجوده ونمطه في الحياة لتلك الرؤى والأفكار والفلسفات الواردة من أعماق التاريخ، وهو ما أدّى إلى تحوّل الحياة الاجتماعيّة إلى ما يشبه الصحراء الهائجة برمالها لتبتلع الضعفاء والفقراء، وتسيطر على العقول والأفكار الشهواتُ وحبُ الجاه والمال...؛ وعلى هذا فقس من السياسة والحكم، والحقوق البشريّة وغيرها...، ولهذا كلّه كانت أهمّيّة العودة إلى تعاليم السماء، وخاصّة ما جاء في الشريعة الإسلاميّة من نظرة حول وظائف الإنسان والحياة والوجود.

إنّ النظام الإسلاميّ يربّي الفرد المسلم على النظرة الدينيّة إلى الحياة والكون. وفي هذه النظرة الدينيّة يدرك الإنسان أنّه يسير على خطّ طويل لا يحدّده الموت، وأنّ الموت ليس إلّا انتقالًا من مرحلة معيّنة في هذا الخطّ إلى مرحلة أخرى أوسع أفقًا وأرحب مجالًا وأطول بقاءً، وحين يزرع التنظيم الاجتماعيّ البذور الأخلاقيّة في نفوس الأفراد ويجعل من القيم الخُلقيّة قوى فعّالة في سلوكهم وحياتهم، يحصل من ناحية على ضمانات ذاتيّة للتنفيذ والإجراء نابعة من شعور الفرد بالمسؤوليّة الأخلاقيّة، ويستطيع من ناحية أخرى أن يتسامى بالفرد تدريجًا ويفجّر كلّ طاقات الخير فيه، ولا يعود النظام مجرّد تحديد خارجيّ صارم لتصرّفات الأفراد، بل يصبح مجالًا يتسامى الأفراد ضمن إطاره وخلال تطبيقه روحيًّا، ويحقّقون المثل الصالح للإنسانيّة على الأرض .
وقد اعتبر الشهيد محمّد باقر الصدر (قده) أنّ الدين هو صاحب الدور الأساسيّ في حلّ المشكلة الاجتماعيّة عن طريق تجنيد الدافع الذاتيّ لحساب المصلحة العامّة. فما دامت الفطرة هي أساس الدوافع الذاتيّة التي نبعت منها المشكلة، فلا بدّ أن تكون قد جُهّزت بإمكانات لحلّ المشكلة أيضًا؛ وذلك لئلّا يشذّ الإنسان عن سائر الكائنات التي زُوّدت فطرتها جميعًا بالإمكانات التي تسوق كلّ كائن إلى كماله الخاص، وليست تلك الإمكانات التي تملكها الفطرة الإنسانيّة لحلّ المشكلة إلّا غريزة التديّن والاستعداد الطبيعيّ لربط الحياة بالدين وصوغها في إطاره العامّ. ومن هنا كانت الفطرة تملي على الإنسان دوافعه‏ الذاتيّة التي تنبع منها المشكلة الاجتماعيّة الكبرى في حياة الإنسان (مشكلة التناقض بين تلك الدوافع والمصالح الحقيقيّة العامّة للمجتمع الإنسانيّ)، ولكنّها في الوقت نفسه تُزوّده بإمكانيّة حلّ المشكلة عن طريق الميل الطبيعيّ إلى التديّن، وتحكيم الدين في الحياة بالشكل الذي يوفّق بين المصالح العامّة والدوافع الذاتيّة، وهذا الدين الذي فُطرت الإنسانيّة عليه يتميّز بكونه دينًا قيّمًا على الحياة وقادرًا على التحكّم فيها وصياغتها في إطاره العام.

وفي سياق الكلام عن الإنسان، نجد أنّه من الأولويّات التي يعمل عليها الغربيّون بإلحاح في العالم في المجال الإنسانيّ الاجتماعيّ، ويستهدفون تغيير ثوابت المجتمعات البشريّة وأنماط العمل والعشرة والحياة بشكل عامّ، ما يرتبط بدور الرجال والنساء ووظائفهم ومكانتهم، والعمل على إزالة الفجوة النوعيّة بينهما. وعلى هذا الأساس ترى الجندريّة أنّه يمكن تغيير بل إلغاء الأدوار المنوطة بالرجل والمرأة، وكذلك الفروق بينهما من ثقافة المجتمع وأفكاره السائدة، بحيث يمكن للمرأة أن تقوم بأدوار الرجل، ويمكن للرجل أن يقوم بأدوار المرأة، وهذا يعني أنّ الجندريّة تتنكّر لتأثير الفروق البيولوجيّة الفطريّة في تحديد أدوار الرجال والنساء، فالجندر بناء اجتماعيٌّ وثقافيّ أيضًا، وهو عمليّة تاريخيّة مستمرّة تُدار في كلّ المؤسّسات المجتمعيّة في كلّ يوم من الحياة، ووسائل الإعلام والمدارس، والأسر، والمحاكم.. إلخ .
وبناءً عليه يتّخذ الجندر النِّسْوِيّ قاعدة ينطلق منها، ألا وهي إلغاء كلّ الفروق الطبيعيّة أو المختصّة بالأدوار الحياتيّة بين الرجال والنساء، ويدّعي أنّ أيّ اختلاف في الخصائص والأدوار إنّما هو من صنع المجتمع، وأنّ النوع الاجتماعيّ حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان، والمجتمع وحده هو الذي يضمن أنّ كافة النساء والرجال يدركون ويستفيدون من هذا الحقّ.

*    *    *

لماذا السقوط والاحتضار
تخضع مقاربة هذه الأسباب لضابطة كلّيّة ترتبط بالضغوط التراكميّة التي تتجمّع بهدوء ثمّ تنفجر فجأة لتثقل كاهل كلّ الآليّات الحافظة لاستقرار المجتمع وتماسكه، وإذا أردنا مقاربة مصاديقها ستبرز أمامنا العديد من هذه الأسباب، فقد أثبتت السنن والتجارب التاريخيّة أنّ انهيار الحضارات مرهون عادة بطيف واسع من العوامل. منها على سبيل المثال لا الحصر:

-   ترك الدين في حنايا الكنائس: بحسب ما قاله بوكانان وغيره في هذا السياق: "إنّ الثقافة الجديدة ترفض الله الذي جاء في العهد القديم، وتحرق بخّورها على مذبح الاقتصاد العولميّ، وغدا الجنس والمال والشهوة والسلطة هو كلّ ما تبحث عنه أمريكا وتدور حوله". فلم تعد أمريكا دولة مسيحيّة ذات رسالة عالميّة تحمل التبشير والتنصير للأمم الأخرى كما عَرَّفها الآباء المؤسّسون بعد أن تنازلت عن الكثير من الفضائل والثقافات القديمة، وبعد فتحها الباب على مصراعيه أمام القيم والمعتقدات الوافدة، وهذا الأمر يجعلها أكبر دولة مناوئة للمسيحيّة التي عرفها العالم لأكثر من ألفي عام. يبدو واضحًا أنّ مبدأ اللذّة الجديد، والثقافة المشبعة بالجنس والشهوة، والبحث عن النفوذ، وماكينات طباعة الدولار غير قادرة على تقديم مبرّرٍ جوهريٍّ للإنسان الأوروبيّ كي يستمرّ في الحياة بعد أن انفصل هذا الإنسان عن أصله، وتباعد الجسد عن روحه، والتصق بمعتقدات فاسدة وقوانين باطلة سلبت من الحضارة الغربيّة فطرتها وهويّتها.

تدمير نظام الأخلاق والقيم الإنسانيّة
تآكل النظام الأسريّ، بل الانهيار والتفكّك الأسريّ، فما يُشاهد اليوم في البلدان الغربيّة هو عبارة عن أجيال بلا هويّة، أجيال ضائعة حائرة، آباء وأُمهات لا يعرفون شيئًا عن أبنائهم منذ سنين، فالأُسرة قد تفكّكت، والسبب كون الأُسرة في الغرب غريبة ومُهمَلة ومُهَانة، وهذه إحدى مشاكل الغرب الكبرى والتي ستقضي عليه بالتدريج، والتي ستجعله مُشرِفًا على السقوط والهلاك بمرور الأيّام – على الرغم من التقدُّم الصناعيّ والعلميّ.

الطمع والسيطرة على موارد وممتلكات الآخرين وإشعال الحروب لأجلها، واستباحة الأمم، واسترقاق البشر...
التيّارات الفكريّة والفلسفيّة العابثة بالإنسان والتي تضرب البنى الرئيسة للمجتمع الإنسانيّ.
وحتى لا يفهم كلامنا حول الاحتضار الأخير للحضارة الغربيّة أيديولوجيًّا، أو أنّه من باب التنظير والحرب الناعمة في مواجهة الغرب، نعود إلى التاريخ الغربيّ نفسه لنقرأ في صفحاته عن ذلك الانهيار الكبير للإمبراطوريّة الرومانيّة الغربيّة وتآكلها؛ الدولة التي امتدّت في أقصى اتّساعها من المحيط الأطلسيّ غربًا حتى نهر الفرات شرقًا ومركزها روما، الدولة العظيمة التي هيمنت على العالم القديم، وقد وصف انهيارها كواحد من أشهر الانهيارات للإمبراطوريّات الأسطوريّة التي عرفها التاريخ؛ ولهذا فقد شَغل سقوط الإمبراطوريّة الرومانيّة الباحثين، ولكثرة ما حلّل المؤرّخون في أسباب وعناصر هذا الانهيار والسقوط تأسّست عشرات النظريّات والأقوال والتوجيهات فيها ليس هنا محلّ بحثها.

*    *    *

الوظيفة والأمل
ممّا يُؤسف له أنّنا عندما ننظر إلى الكثير من المفكّرين العرب والمسلمين لا نجد وضوحًا في الرؤية والموقف، بل نجد تفاوتًا في النظرة والمنطلقات الفكريّة تجاه الفكر الغربيّ، فطائفة منهم تنظر نظرة إعجاب تصل أحيانًا إلى الانبهار، بل ونسبة الفضل لجهودهم العلميّة في كلّ مجالات المعرفة، وطائفة رافضة رفضًا مطلقًا لكلّ ما يأتي من الغربيّين، وإن اصطبغ بالصبغة العلميّة، ويوجد طائفة ثالثة سلكت خطّ الوسط، فتعاملت بموضوعيّة مع نتاجاتهم العلميّة والتقنيّة، ووقفت موقف المتأمّل، فلم تنبهر ولم ترفض، وأخضعت نتائج هذا المفهوم لأحكام علميّة خالصة فرفضت وقبلت .
وفي كلّ الحالات نحن معنيّون بدراسة الغرب مفهومًا، وتاريخًا، وأهدافًا، ومدارس، ومناهج، واتجاهات...، وتقديم معالجات علميّة معرفيّة ونقديّة لأطروحاتهم في كلّ المجالات المعرفيّة والمنهجيّة التي طرقها الغربيّون بالبحث والنقد وإثارة الشبهات والإشكاليّات...، ليس من باب ردّة الفعل على نتاج معرفيّ غربيّ، بل من باب تصويب الأمور وتقديم تراثنا إلى الآخر كما نقرأه ونفهمه نحن، لا كما يؤوّله ويراه غيرنا، وهذا من الحقوق الطبيعيّة لأهل التراث أنفسهم. وهذا ما يتطلّب إجراء عمليّة بحثيّة مركّزة في فحص المباني والنظريّات والمناهج...، وبيان مواطن ضعفها وعثراتها وثغراتها، وتسليط الضوء على تناقضاتها الداخليّة وتهافتها وعدم تماسكها، وضعف انسجام أفكارها، وإبراز النتائج غير المنسجمة مع المقدِّمات فيها، ولوازمها الفاسدة، والآثار السلبيّة التي تترتّب عليها. وبيان سلبيّات أفعالهم المتعارضة مع القيم والأخلاق الإنسانيّة، خصوصًا في الأبحاث التاريخيّة والحروب بهدف كشف همجيّة الغرب وتوحّشه ومادّيّته.