البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحياة الاجتماعية في المجتمع الأوروبي خلال العصور الوسطى

الباحث :  رفاه البوشي الدباغ
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  31
السنة :  صيف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 30 / 2023
عدد زيارات البحث :  1491
تحميل  ( 444.556 KB )
الملخّص
يتمحور هذا البحث حول خصائص الحياة الاجتماعيّة التي سادت المجتمعات الأوروبيّة في العصور الوسطى، وهي العصور التي اتّسمت بسمة الجمود، وعرفت بعصور الظلام، وذلك في ظلّ سيادة النظام الطبقيّ على المجتمع الأوروبيّ في ذلك الوقت، فالمجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى كان مقسّمًا إلى ثلاث طبقات اجتماعيّة، وكانت الحقوق والواجبات خاضعة لهذا النظام الطبقيّ، وهذه الطبقات هي: طبقة رجال الدين، طبقة المحاربين من النبلاء والفرسان، طبقة الفلّاحين.

وكان رجال الدين يمثّلون الرتبة الأعلى بين طبقات المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى، وكان الملك يعين كلّ الأساقفة بناء على ترشيح السادة الإقطاعيّين المحلّيّين بعد موافقة البابا. وقد حصلت الكنائس والأديرة على إقطاعات كبيرة جعلت من رجال الدين طبقة ثريّة.

الطبقة الثانية هي طبقة النبلاء والفرسان، بينما الطبقة الثالثة هي طبقة الفلاحين، وهم ينقسمون بدورهم إلى عبيد وأحرار.
هذا وقد كان للكنيسة المسيحيّة الدور الأساس في صناعة المجتمع الأوروبيّ في ذلك الوقت، وكان لها سلطانها ونفوذها، فقد تحكّمت بشكل كبير في سير الأحداث، ولكنّها لم تحسن استغلال نفوذها بشكل إيجابيّ فعم الفساد والانحطاط في المجتمع بسبب سوء استغلال الكنيسة لسلطتها في ذلك الوقت.
وعانى المجتمع الأوروبيّ في القرون الوسطى من التخبّط والفوضى، كما عانى من انتشار الجهل الذي خيّم على العقول، وأدّى إلى انصراف الناس إلى الخرافات والترّهات.

كلمات مفتاحيّة: القرون الوسطى ـ الطبقات الاجتماعيّة ـ رجال الدين ـ الكنيسة ـ المجتمع الأوروبيّ ـ النبلاء ـ الفلّاحون.

المقدّمة
الجمود هو العدوّ الأكبر للمجتمعات البشريّة، والآفة الخطيرة التي تمتصّ ماء حياتها، وتذهب بنضارتها ونشاطها، وقد تفشّى هذا المرض الفتّاك في المجتمع الأوروبيّ فترة العصور الوسطى؛ ويعزى ذلك إلى فقدانه للمرونة والقدرة على التكيّف مع الأوضاع الجديدة.

وإذا كان ثمّة من يرى أنّ تاريخ أوروبا في تلك الفترة هو تاريخ العصور المظلمة إذا ما قورنت بالحضارة الإسلاميّة، فإنّ ذلك صواب، حيث وقع المجتمع الأوروبيّ بين فكّيّ صراع الكنيسة والإمبراطور. ومن جهة أخرى كان المجتمع الأوروبيّ في العصر الوسيط هو مجتمع طبقات، فالمرء يحيا حياته، سواء أكان فارسًا أو تاجرًا أو صانعًا أو فلّاحًا، بروح الولاء الطبقيّ والطاعة العمياء لما رسخ في مجتمعه من عادات وتوطّد من تقاليد.

أوّلًا: طبقات المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى
تبدّلت أحوال المجتمع الأوروبيّ بداية العصور الوسطى بسبب توقّف التوسّع الحربيّ، وبدأ الجمود يصيب سائر طبقات هذا المجتمع؛ إذ اعتقد هؤلاء أنّ الهناء وقف على الانغماس في الملذّات، وركنوا إلى حياة الدعة والنعيم، وانصرفوا عن القيام بالواجبات التي تطلّبتها منهم مناصبهم الاجتماعيّة، وذلك اعتمادًا على ما تجمّع لديهم من مال، غير أنّ تلك المظاهر سلبت من المجتمع الأوروبيّ في تلك الفترة قدرته على التطوّر والتكيّف مع الأوضاع الجديدة، وألقت به دون أن يدري في مهاوٍ خطيرة؛ إذ اختلّ التوازن بين الطبقات، وصارت كلّ واحدة منها تعمل جهد طاقتها للاحتفاظ بالمستوى الذي وصلت إليه، ولا تسمح لغيرها بالانضمام إليها حتّى لا تفقد امتيازاتها وما تبقّى لها من مجد وسلطان.

فالمجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى كان مقسّمًا إلى ثلاث طبقات اجتماعيّة على شكل هرم، وكانت الحقوق والواجبات مختلفة بين أفراد الطبقات، وهذه الطبقات هي: طبقة رجال الدين، طبقة المحاربين من النبلاء والفرسان، طبقة الفلّاحين.
 الطبقة الأولى والثانية تمثّلان الهيئة الحاكمة من وجهة النظر السياسيّة، والارستقراطيّة السائدة من وجهة النظر الاجتماعيّة، والفئة الثريّة من وجهة النظر الاقتصاديّة، فرجال الدين كان عليهم أن يتعبّدوا الله ويشبعوا حاجة الناس الروحيّة، كما كانوا معفيّين من الضرائب، وكانوا يتمتّعون بمستوى تعليميّ عالٍ في المجتمع، أمّا طبقة النبلاء، فكان غالبيّتهم يمضون أوقاتهم في التركيز على إدارة أعمالهم وممتلكاتهم وأراضيهم، في حين كانت طبقة الفلّاحين تمثّل جموع الكادحين المغلوبين على أمرهم المحرومين من النفوذ والثروة، كان عليهم أن يعملوا ليسدّوا الحاجات المادّيّة للطبقتين السابقتين. وهكذا كان لكلّ طبقة من الطبقات الاجتماعيّة مكانتها ووظيفتها المعروفة في المجتمع.

وفيما يلي سنتحدّث عن وضع تلك الطبقات في تلك الفترة[1].

1. طبقة رجال الدين
كان رجال الدين الأعلى مرتبة بين طبقات المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى، وهم يشكّلون من الوجهة العمليّة فرعًا من النبلاء، وكان الملك يعين كلّ الأساقفة بناء على ترشيح السادة الإقطاعيّين المحلّيّين على شرط موافقة البابا، ورغبة من الأُسَر ذات الألقاب في عدم تفتيت ممتلكاتهم بالتوريث، فكفلت لصغار أبنائها المناصب الأسقفيّة ومناصب رؤساء الأديرة، وقد أدخل أبناء الأسر العريقة هؤلاء معهم إلى الكنيسة عاداتهم التي درجوا عليها في التمتّع بترف الحياة الدنيا وزخرفها، كما كان للأساقفة ورؤساء الأديرة حقوق السادة الإقطاعيّين وواجباتهم.

تكوّنت هذه الطبقة من فئتين:
أ- الفئة الأولى: تضم رجال الدين الدنيويّين أو العصريّين، وهم الذين يعيشون في القرى والمدن بين المؤمنين، ويقومون بالصلوات والواجبات الدينيّة الأخرى في الكنائس، ويأتي على رأس هذه الفئة البابا، ويعدّ المسؤول عن كلّ ما يتعلّق بالكنيسة من الناحية الإداريّة والروحيّة، وللبابا سلطة دينيّة ودنيويّة، وحكمه القضائيّ مطلق، ثمّ يليه الكرادلة والأساقفة، وفي أسفل السلّم الكهنوتيّ يقف القسّيس الذي يخدم في كنيسة القرية.
ب- الفئة الثانية: وهي التي تضمّ رجال الدين النظاميّين (الديريّين أو الرهبان) يتبعون نظامًا معيّنًا في الصلاة والعمل ويعيشون في الأديرة، ويرأس الرهبان الديريّين في كلّ دير مقدّم الدير أو رئيسه. وقد حصلت الكنائس والأديرة على إقطاعات كبيرة جعلت من رجال الدين طبقة ثريّة[2].

2. طبقة النبلاء والفرسان
أطلق النبلاء الإقطاعيّون الذين استمدّوا ألقابهم من الأرض التي امتلكوها، فأطلقوا على أنفسهم مثلًا لقب نبلاء السيف، وكانت مهمّتهم الرئيسيّة أن ينظّموا أو يتولّوا قيادة الدفاع عن سيادتهم وعن ممتلكاتهم.
من جهة أخرى كانت طبقة الفرسان ثمرة لنظام اجتماعيّ قديم، كما كانت تتمتّع بامتيازات كبيرة، وتوكل إليها مسؤوليّات خطيرة، فالفارس هو الذي ينحدر من أصل عريق، ويحارب من فوق ظهور الخيل، وكانت تعتبر شجاعته نوعًا من المغامرة الهوجاء[3]، والأصل في كون الفارس من طبقة عريقة هو ارتفاع تكلفة الخيول التي لا يستطيع شخص من طبقة بسيطة أن يحصل عليها[4].
فكانت طبقة النبلاء والفرسان عبارة عن سلّم اجتماعي مؤلَّف من السادة والأتباع[5]، فالسيّد الذي حاز إقطاعًا من الأرض يكون تابعًا لمالك كبير، وهذا المالك الكبير يكون تابعًا لمالك أكبر ربما كان كونتًا، وقد يكون الكونت تابعًا لمالك أكبر ربما يكون دوقًا، والدوق ربما كان تابعًا للملك الذي كان أكبر الملّاك في الدولة[6].

ويقوم بالخدمة العسكريّة على الفرس، ويأتي في أدنى درجات التسلسل الإقطاعيّ، ويتبع سيّدًا يرتبط به بيمين الولاء وبمختلف التزامات التبعيّة، وقد ارتبط نظام الفروسيّة ارتباطًا وثيقًا بالنظام الإقطاعيّ.
يقول فينو جرادوف: «إنّ أركان العقد الإقطاعيّ هو يمين الولاء والتقليد»[7].
فالنظام الإقطاعيّ هو نظام سياسيّ واجتماعي واقتصاديّ، أوجدته الحاجة وفرضته الظروف في غرب أوروبا، وكان هذا النظام يتناسب وحاجات الناس في تلك العصور[8].

من جهة أخرى نرى أنّ أبناء النبلاء كانوا أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن يدخلوا في سلك رجال الدين العصريّين أو الديريّين، وإما أن يصبحوا فرسانًا محاربين، وفي بداية مرحلة الشباب يمكن أن يرتقي الفتى إلى مرتبة مساعد فارس، وعندئذ يسمح له بالاشتراك في المعارك مع الفرسان الذين يكبرونه سنًّا ليتعلّم منهم فنّ الحرب، فإذا أثبت كفاءته وصلاحيّته، احتفل في سنّ الواحد والعشرين بتدشينه فارسًا، فيتمّ ذلك بحفل كبير بمثابة تعميد آخر للفارس يكتسب به مكانته في المجتمع، وقد شكّل هؤلاء طبقة اجتماعيّة لها خصائصها وقوانينها المحدّدة[9].

ونلاحظ وجود ثلاث أنواع من الفروسيّة وهي:
ـ الفروسيّة الإقطاعيّة: من الطبيعيّ أن تنمو الأفكار الأساسيّة في أسلوب الحياة التي يعيشها النبيل الإقطاعيّ، حيث ارتبطت حياة أبناء الطبقة الإقطاعيّة بالإعداد للقتال وممارسة مهنة الحرب، ونظرًا للاعتقاد بأنّ والدي النبيل الصغير يسرفان في تدليله، فقد جرت العادة أن يؤخذ أبناء تلك الطبقة في سنّ السابعة أو الثامنة إلى دار الأمير الإقطاعيّ، الذي هو في الغالب السيّد الإقطاعيّ لوالد الطفل، ينشأ الصبيّ نشأة حربيّة خاصّة، فيتعلّم استعمال الأسلحة ويحيا حياة خشنة، وعندما يثبت أنّه غدا مستعدًّا لمباشرة الحرب يجري تدشينه في احتفال مهيب[10].
ـ الفروسية الدينيّة: تمثّل مفهوم الكنيسة عن الفارس المثاليّ، وقد نشأ هذا النوع من الفروسيّة بسبب الأموال الطائلة التي حصلت عليها الكنيسة، حيث لجأ رجال الدين إلى إحاطة أنفسهم بجنود للدفاع عنهم وحماية أملاكهم أو تعزيز كرامتهم كسادة إقطاعيّين من الدرجة الأولى.
ـ الفروسيّة الاجتماعيّة: كان للمرأة الدور الأساسيّ في قيامها، وساهم الرجل في نموّها وتطوّرها[11].
 وكان على الفارس أن يتمتّع ببعض المزايا، فالرجل الذي جعل القتال مهنته الأولى لا بدّ أن يكون شجاعًا، شديد البأس في المعركة[12].
والجدير بالذكر أنّ المجتمع الأوروبيّ في تلك الفترة احتكّ بالحضارة الإسلاميّة ونتيجة لذلك، نشأ العرف الذي يعدّ الفارس الأسير ضيفًا، وهذه كانت من شيم المسلمين، ومما يؤكد التأثير الإسلاميّ على الفروسيّة في المجتمع الأوروبيّ قول المؤرّخ جورج جوردون كولتون:

«عزّز الأفكار عن الفروسيّة والتشبّه بالعرب في إسبانيا الذين اعتنقوا المثل الأعلى نفسه، وبقدر ما أمكن معرفته كان العرب متفوّقين عليهم بلا شكّ، وكانت حضارتهم أرقى من حضارة الشعراء المتجوّلين في جنوب فرنسا، وبدافع من زهو النفس والشجاعة، وبدافع من موسيقى الحبّ والحرب، بل وبدافع من حسن الاحتفاء بالسيّدات - بدافع من كلّ هذا وذاك يبدو أنّ هؤلاء المغاربة «العرب المسلمين» قد أعطوا المجتمع الأسبانيّ أكثر مما أخذوا منه»[13].

3. طبقة الفلّاحين
شكّلت طبقة الفلّاحين القاعدة التي قام عليها هرم المجتمع الإقطاعيّ، كما كانت مصدر الرزق الأساسيّ لذلك المجتمع، فمن الفلّاح استمدّ البابا ورجال الدين والملوك وجميع السادة الإقطاعيّين المقوّمات الأساسيّة للحياة؛ إذ اعتمد هؤلاء كلّيًّا على الفلّاح في الحصول على المأكل والمشرب والملبس.
وكانت طبقة الفلّاحين التي صنعت الخبز للعالم الأوروبيّ في العصور الوسطى موضع احتقار النبلاء وازدرائهم. وتفاوت الفلّاحين أنفسهم ما بين عبيد وأحرار، على الرغم من أنّ الغالبيّة العظمى منهم شغلوا حالة متوسّطة بين أولئك وأولئك، وبناء على ذلك تألّفت طبقة الفلّاحين من ثلاث فئات، وهي:

أ- فئة العبيد -ب- فئة الفلّاحين الأحرار- ج- فئة الأقنان أو رقيق الأرض.
أ- فئة العبيد: كانت فئة العبيد في أوروبا الغربيّة في العصور الوسطى أقلّ عددًا من فئة الفلّاحين الأحرار، وفئة الأقنان، وقد اقتصر عمل العبيد على الخدمة المنزليّة والعمل الزراعيّ في أراضي بعض الأسياد، وكان السادة يقبلون على مضض أن يتزوّج العبيد، ولكنّهم يصرّون على تسمية عائلاتهم بالأفراخ، وهذا يدلّ على دنوّ منزلة العبيد[14]، وكانت العبوديّة في الدويلات البابويّة أقرب إلى الزيادة منها إلى الزوال في نهاية العصور الوسطى، حيث شرّع أكثر من بابا العبوديّة كعقوبة لأعدائهم في ميدان السياسة، بالإضافة إلى السماح بتجارة العبيد[15].

ب- فئة الفلّاحين الأحرار: كانت فئة الفلّاحين الأحرار أقلّ عددًا داخل طبقة الفلّاحين، فقد وجد في القرى الأوروبيّة بعض الفلّاحين الأحرار الذين يملكون مساحات محدودة من الأراضي الزراعيّة، ولهم حرّيّة بيعها أو شراء أرض أخرى، وكان لهؤلاء الفلّاحين الأحرار الحقّ في حمل السلاح وفي تزويج بناتهم أو إلحاق البنات بسلك الكهنوت دون التقيّد بموافقة الإقطاعيّ، مضافًا إلى حرّيّتهم في بيع مواشيهم ومحاصيلهم وفق ما تتطلّبه مصالحهم الخاصّة، وكان معظم الفلّاحين الأحرار أتباعًا يدفعون لسادتهم الإقطاعيّين خراج الأرض نقدًا أو عينًا، ويلتزمون في أحوال كثيرة بأن يؤدّوا لهم خدمات متنوّعة (عدا الخدمة العسكريّة).

وقد عاشت فئة الفلّاحين الأحرار في ظلّ ظروف اقتصاديّة واجتماعيّة قاسية؛ مما أدّى إلى تحوّل معظم هؤلاء إلى طبقة الأقنان[16].
ج- فئة الأقنان: (رقيق الأرض) ترجع طبقة الأقنان في غالبيّتها إلى أصل حرّ، لكن الظروف المحيطة بهم أجبرتهم على التضحية بحرّيّتهم الشخصيّة في سبيل السلامة، وقد كانت هناك طرق مختلفة يصبح بها الفلّاح الحرّ عبدًا منها: 1- رفض طلب الخدمة في الحرب، 2- أن يهب نفسه للكنيسة أو الدير، 3- التنازل عن حرّيّته لسيّد قويّ يحميه من الأخطار، 4- بيعه لنفسه لسيّد غنيّ مقابل مبلغ من المال عند الافتقار[17]. وهكذا نجد أنّ القنّ هو الفلّاح الذي يعيش على قطعة من الأرض يمنحه إيّاها سيّد إقطاعيّ يمتلك الأرض، وقد شكّل هؤلاء القسم الأكبر من طبقة الفلّاحين في تلك الفترة، وقد عاشوا دون حماية القانون، فالقنّ مرتبط بالأرض، ولا يستطيع تركها إلّا بالهرب أو شراء حرّيّته بالمال إذا وافق سيّده، فللسيّد الحقّ أن يفعل بالقنّ ما يشاء عدا أن يقتله أو يشوّهه، ويمكن القول إنّ علاقة السيّد الإقطاعيّ بالقنّ ذات شقّين، فهي تبعيّة اقتصاديّة من جهة، وعبوديّة شخصيّة من جهة أخرى[18]. وما لبثت هذه الفئة من الأقنان أن اختلطت بفئة العبيد لظروفها الصعبة.
وهكذا نجد أنّ المجتمع الأوروبيّ في العصر الوسيط هو مجتمع طبقات، فالمرء يحيا حياته فارسًا كان أو تاجرًا أو صانعًا أو فلاحًا بروح الولاء الطبقيّ والطاعة العمياء لما رسخ في مجتمعه من عادات وتوطّد من تقاليد. وقد كان نظامًا قاسيًا عاتيًا إلى درجة أمسى معها الفرد خاضعًا في كلّ أمر مهمّ من أمر الحياة لمجموعة ضخمة من القوانين الصارمة[19].

ثانيًا: الأسرة ودورها في المجتمع
1. الزواج ( طقوسه - عاداته)
الأسرة أهمّ خليّة في المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد، كانت الأسرة الأوروبيّة في العصور الوسطى تخضع لسلطان ربّ الأسرة الذي يحوز على طاعة أفراد الأسرة له، بينما لم يكن للمرأة أيّ دور وليس لها أيّ حق، فالقانون كان خاصًّا بالرجال وحدهم، فالرجل هو صاحب السلطة الوحيدة في العائلة والمجتمع والدولة.
وإذا رجعنا إلى تاريخ تكوين الأسرة حسب العرف السائد في المجتمع الأوروبيّ، يتبيّن أنّه تركّز في العصور الوسطى على الاتفاق المعقود بين الخاطب ووالد المخطوبة، بتأييد أقارب الطرفين، وأنّ ذلك الاتفاق يتّخذ شكل الشراء، أي أنّ الزوج يشتري السلطة على زوجته، وكان تسليم المخطوبة يقع في مقابل الهدايا المختلفة - وهي مبلغ يحصل عليه الوالد أو الوصيّ وأهله، بالإضافة إلى التعهّد بدفع المهر في حال الترمّل، أمّا من جانب أهل المخطوبة، فكانت تقدّم هدايا مقابلة إلى أقارب الخاطب. وبعد ذلك تنتقل المخطوبة إلى منزل الخاطب، وهو ما يسمّى موكب الخطبة، ومن هذه العادة توجد بقايا دالّة على ما كان يقع في الزواج من عمليّة الخطف، إذ احتفظت التقاليد بما كان يجري من مظاهر في هذا الزواج، وقد ظهر أثر الكنيسة المسيحيّة بوجه خاصّ في طلب رضى المخطوبة صراحة، مما أدّى إلى تحوّل العقد إلى تبادل الوعود ما بين الزوجين نفسهما، أمّا البركة فتمنحها الكنيسة التي اعتبرت في العصر الحديث عنصرًا أساسيًّا في المراسم الدينيّة للزواج[20].
كان الزواج عبارة عن تحالف أسريّ، ويعبر عن وحدة للممتلكات الإقطاعيّة، ووريثات الإقطاع كنّ يتميّزن عن غيرهنّ من النساء، وغالبًا ما نسمع أنّ وريثة الإقطاع كانت تتمّ خطوبتها، بل وربما تتزوّج، وهي لاتزال طفلة لطمع والدي العريس، وغالبًا ما تستسلم لقدرها ومصيرها.

من جهة أخرى يمكن القول إنّ الحياة الزوجيّة في العصور الوسطى حقّقت شيئًا من الألفة والزمالة بين الزوجين، على الرغم من تعارض هذا ظاهريًّا مع صورة العبوديّة التي كان يحلو للكنيسة أن ترسمها للمرأة، كما تتعارض أيضًا مع صور المرأة التي تخيّلها نظام الفروسيّة.
ومن طقوس الزواج في تلك الفترة يقام قدّاس ويتناول العروس والعريس قطعة من الخبز وبعض النبيذ، وأحيانًا تأخذ العروس فيما بعد مغزلًا وتبرهن على مهارتها في الغزل، ثمّ ينثر على العروسين الكثير من الحبوب كرمز للخصب منها الأرز، ويأخذون في الرقص إلى أن يأتي القسّ ومعه الماء المقدّس والمعطّر ويبارك الزواج[21].

2. علاقة الأبناء بالآباء
لم يكن الغرض من الزواج في العرف السائد اتّباع العاطفة الشخصيّة، بل كان الغرض من الزواج إنجاب الأولاد الشرعيّين، جريًا في ذلك على سنن الرومان، فإذا لم تنجب الزوجة ولدًا، لم يعتبر ذلك في نظر العرف سوء حظّ، فحسب بل كان يعتبر سببًا من أسباب الطلاق، فكان المطلوب من المرأة بعد الزواج أن تضع مولودًا ذكرًا، فإذا أخفقت في تلك المهمّة كان من السهل على زوجها أن يغري الأسقف من أجل فسخ الزواج، وفي الأحوال العاديّة كان للأب سلطة مطلقة على أولاده، وأنّ جميع الأولاد المولودين من الزوجة، طالما هي في عصمة زوجها، يفترض فيهم أنّهم أولاد شرعيّون للزوج، وكانوا من ناحية أخرى يترفّقون في معاملة الأولاد غير الشرعيّين، صحيح أنّهم كانوا لا يتمتّعون بحقوق متساوية في الملكيّة مع حقوق إخوانهم وأخواتهم الشرعيّين، إلّا أنّ مركزهم في الأسرة كان في العادة مركزًا محتملًا، واستطاع بعضهم أن يصل إلى أعلى المراتب[22].

وكان ثمّة عناية مخصّصة للأبناء في المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى، فهناك عادة عمليّة التعميد التي تحدث في سنٍّ مبكرة جدًّا وبأسرع ما يمكن خشية أن يؤذي الشيطان ذلك الطفل الصغير وروحه التي لا تجيد الدفاع عن نفسها، وفي جرن المعموديّة كان رجل الدين المختصّ بالمعموديّة يحمل الطفل، بينما يقوم شخصان آخران كلّ منهما بالإمساك بإحدى رجليه، ويقوم القسّ بتغطيس الطفل كلّيّة في الماء ليحميه من الشيطان ويأخذ هؤلاء الرجال المختصّون بالمعموديّة عهدًا على أنفسهم بحماية الطفل لمدّة سبع سنوات من الماء ومن النار، ومن ركلة أيّ فرس ومن عضّة أيّ كلب.

وقد قامت نساء الطبقة النبيلة بإرضاع أطفالهنّ بأنفسهنّ؛ ذلك لأنّه كان ثمّة اعتقاد بأنّ لبن المرضعة سيفسد الدماء النبيلة.
وبالنسبة لحياة الأطفال بشكل عامّ وعلاقتهم بأبنائهم كان الوالدان يقومان برعاية أبنائهم ورعايتهم بلطف، ويؤنّبانهم على الأخطاء ويعلّمانهم ويرعيانهم، وكانت لهم وسائلهم الخاصّة في التسلية مثل لعبة المطاردة والمبارزة وغيرها من الألعاب، وخوفًا من أن يشبّ الأطفال مدلّلين نظرًا للرعاية الأنثويّة التي كانوا يحصلون عليها، فقد كان يتمّ إرسالهم في سنّ الثامنة من عمرهم إلى قلاع أخرى لاكتساب الفضائل والاندماج في الحياة الاجتماعيّة، ويبدأ بعدها تدريبهم الحربيّ.
وبالمثل فإنّ البنات كان يتمّ إرسالهنّ إلى قلعة أخرى، وهي تعتبر بمثابة مدرسة لتلقّي آخر دروسهنّ، فهناك تتعلمنّ التطريز والغزل والموسيقى، وإذا كانت تميل إلى تعلّم الشؤون المنزليّة، فإنّها تتدرّب على الطهي والحياكة، كما يتمّ إعدادها لتكون مسؤولة عن النواحي الماليّة في القلعة، واختيار الخدم والإشراف عليهم، والإشراف على الطهي ونظافة المسكن، وعمل صيانة الملابس، وكان عليها أن تتعلّم بعض المبادئ الصحّيّة العامّة وإسعاف المرضى، واستخدام بعض أنواع العلاج المنزليّ، ومن جهة أخرى كانت تتعلّم القراءة والكتابة[23].
وقد حرص الأب على زواج ابنته وهي في سن الرابعة عشرة من عمرها، وقد قصر الزواج المبكر مدّة الصبا بالنسبة للفتاة في العصور الوسطى، وذلك من خلال اختيار الزوج المناسب لها، ومن خلال توفير المهر الخاصّ بزواجها، إذ تتعرّض الفتاة التي لا تملك مهرًا كافيًا إلى إدبار الرجال عن زواجها، وكانت الأسرة تتّخذ جميع الاحتياطات لتلافي هذه المشكلة[24].

3. دور المرأة في الأسرة والمجتمع
اصطلح الباحثون على اعتبار مركز المرأة مقياس الحكم الذي نحكم به على حضارة دولة من الدول، أو عصر من العصور، ومع أنّ هذا صحيح من أوجه عدّة إلّا أنّ القياس يظلّ عسير التطبيق، نظرًا لصعوبة تحديد مركز المرأة؛ إذ إنّ مركزها من الناحية النظريّة والقانونيّة شيء، ومركزها العمليّ في الحياة شيء آخر، وكلا المركزين يتجاوب أحدهما مع الآخر، ولكنّهما لم يتّفقا تمام الاتّفاق.

عاشت المرأة في العصور الوسطى وضعًا لا تُحسد عليه؛ إذ عانت من ضغوطات كبيرة، كان وراءها رجال الكنيسة من جهة، والطبقة الارستقراطيّة من جهة أخرى؛ لذلك كان عليها أن تواجه تلك الضغوطات بإرادة قويّة، وعلى الرغم من ذلك فإنّ حياة المرأة مرّت بعدّة مراحل، فتارة تكون فيها عنصر قوّة لبيتها ومجتمعها، وتارة أخرى تكون في حالة من الضعف تحمّلت فيها كلّ أعباء المجتمع.
فنظريّة العصور الوسطى في المرأة جاءت وليدة قوّتين وهما: الكنيسة والطبقة الارستقراطيّة، وهذه النظريّة جمعت النقائص كلّها؛ لأنّ هاتين القوّتين لم تكن الواحدة منها تناوئ الأخرى فحسب، بل كانت في عراك مع نفسها، ومن هنا وجد النساء أنفسهن يتأرجحنَ بين رأيين: الأوّل يضعهن في الحضيض، والآخر يرفعهنّ إلى أسمى المراتب[25].

فعلى سبيل المثال كان لزوجة السيّد النبيل دور في المجتمع، فقد اهتمت بممارسة الغزل والنسيج والحياكة، والإشراف التامّ على المنزل[26]، ولها بعض الحقوق الإقطاعيّة على الأرض التي تحصل عليها من إرث زوجها[27]، وكان في مقدورها أن تمارس كلّ سلطاتها، أو أن ترأس أحد الأديرة، وكانت عند غياب زوجها اللورد تعتبر سيّدة القلعة، تقوم بالدفاع عنها عند الحاجة، وتخرج على فرسها في مواكب السيّد بصحبة الرجال، أمّا زوجات الفلّاحين والأقنان، فقد عشنَ حياة بالغة القسوة، وشاركن أزواجهنَّ في العمل والكفاح من أجل لقمة العيش.
بشكل عام لم تأخذ المرأة الأوروبيّة في العصور الوسطى دورها بشكل كامل وصحيح، ولم تكن لها تلك المكانة المرموقة في ذاك المجتمع، فهي تعتبر قاصرًا وتخضع لوصاية زوجها عليها، وكان مسموحًا له بأن يضربها مادام يعتبر ذلك في نظره لصالحها، ليس هذا فحسب بل كان بإمكانه أن يكون له بعض الخطايا، وأن يحضر أبنائه غير الشرعيّين إلى القلعة لتعليمهم[28].
والمجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى ذكوريٌّ بالأساس، وهذا يعني أنّه يتميّز بتبعيّة شاملة من حيث إقصاء للنساء في الثروة والمكانة والسلطة؛ لذلك فإنّ مركز المرأة الاجتماعيّ تميّز بالتدنّي مقارنة بالرجل في الطبقة ذاتها، من خلال الإرث والملكيّة الخاصّة وبلوغ درجات التعليم، فضلًا عن الحقوق القانونيّة والسلطة السياسيّة الرسميّة[29]، فكان الزوج في عرف المجتمع الأوروبيّ في تلك الفترة يتولّى إدارة الأموال التي جاءت بها الزوجة عند الزواج، وكذلك الأموال التي حصلت عليها بعد الزواج، وللزوج أن يتصرّف بها كما لو كانت ملكه دون أيّ اعتراض من الزوجة[30].

وخلاصة القول نجد أنّ خضوع المرأة جانب من جوانب نظريّة العصور الوسطى، وقد قبلت الكنيسة والطبقة الارستقراطيّة هذا الجانب على السواء، غير أنّه من ناحية أخرى كانت الكنيسة والارستقراطيّة مسؤولتين عن تطوّر النظريّة المضادّة التي تنادي بسموّ المرأة، وهذا التطوّر ظاهر التناقض من جانبهما[31].

ثالثًا: الأخلاق في المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى
أصابت المجتمع الأوروبيّ كلّ الأمراض التي تلازم جمود الطبقات والفقر المادّيّ، وفاقت تلك الأمراض في خطورتها العلل الأساسيّة التي هدّدت قوى المجتمعات البشريّة، لأنّها هاجمت التقاليد التي تتولّى حراسة تلك المجتمعات وتحمي مقدّساتها، فبدأ المستوى الخلقيّ في الانحطاط عند سائر طبقات المجتمع، واختفت النماذج العالية التي تدعو إلى الإعجاب والفخار[32].
ومما ساعد على الفساد ظهور جماعات ثريّة من الحكام، الذين دفعت بهم الأحداث إلى الصفوف الأماميّة؛ إذ اختلفت تلك الأسر الثريّة الجديدة عن الأسر العريقة في احترامها للأصل العريق وما يتطلّبه ذلك من التمسّك بالتقاليد الرفيعة والخصال الحميدة، وصارت المقاييس الشائعة بين أولئك الرجال الجدد هو المحافظة على مركزهم دون التقيّد بأيّ وسائل شريفة، ومراعاة مصالحهم الشخصيّة أوّلًا وقبل كلّ شيء.

ومن ناحية أخرى ظهر الفساد حتّى بين موظفي الحكومة نفسها، ولاسيّما الهيئات المتّصلة منها مباشرة بالمجتمع ورعاية مصالحه[33].
وازدادت حدّة السرقة بسبب فئات الجند التي فرّت من الجيش، أو التي تمّ تسريحها دون أن تجد ما يسدّ رمقها، فاحترفت تلك الفئات السرقة دفعًا للموت جوعًا، وصارت مصدر فزع شديد للمجتمع في تلك الفترة. وعبئًا جديدًا على موارده.

رابعًا: الألعاب والتسلية
كان أفراد الطبقة النبيلة يقومون بتسلية أنفسهم، فقد وجدت لديهم العديد من ألعاب التسلية، منها البلياردو ولعبة الشطرنج، لكن لا يوجد معلومات عن أبطال هذه اللعبة، كذلك كانوا يقامرون بالنرد، ويطلقون عليها لعبة الربّ، ويقامرون فيها حتّى على ملابسهم، وفي إيطاليا رخصت القومونات بفتح محلّات خاصّة للمقامرة بالنرد، وهذه اللعبة أثارت الكثيرين؛ مما ساعد على انتشار العنف، وعمليّات الانتحار ومحالفة الشيطان.
كما كان الصيد من أهمّ أنواع رياضات طبقة النبلاء، ففي الفترة الباكرة من العصور الوسطى كان الصيد ضروريًّا كمورد للطعام، ولم يكن وقفًا على طبقة بعينها، وشيئًا فشيئًا أصبح وقفًا على طبقة النبلاء، وكانت الغزلان من أهمّ الفرائس التي يسعى إليها النبلاء، ففي كلّ سنة كان يتمّ ذبح ثمانية ذكور من الظباء وتوضع فوق مذبح الكنيسة، وشاركت نساء الطبقة النبيلة الرجال بالخروج معهم، حيث كنّ يمتطينَ الجياد بمفردهنّ ويمشينَ بجوارهم.
كذلك كان القنص من أهمّ مباهج طبقة النبلاء، فمدرّبو الصقور كانوا على درجة كبيرة من الخبرة في رعايتهم لتلك الصقور، وفي تغذيتهم لها وتدريبهم إيّاها.

وحيث إنّ عمل الفارس الأساسيّ هو القتال، فإنّه كان يمارس عمله هذا سواء في الرياضة أو في ألعابه، فقد كان كثيرًا ما يتدرّب على أعمال الفروسيّة والدفاع، حيث كان يمتطي فرسه ومعه رمح، موجّهًا ضرباته على عمود أو هدف، أو تمثال يرتدي بدلة الزرد ويحمل درعًا. وكانت المبارزة من أفضل أنواع الألعاب لديهم، وفيها يؤدون حركات تقليديّة متّفقًا عليها مسبقًا وكأنّهم في شبه معركة، ولقد عارضت الكنيسة حلقات المبارزة، ولم تكتف بالطعن في التدريبات الخاصّة بها، بل قدّمت بديلًا عنها وهو الحروب الصليبيّة، ومع هذا فلم تكن تعاليم البابويّة والملكيّة التي تحرّمها مؤثّرة، وكلّ ما استطاعت أن تفعله هو أنّها خفّفت من معاركها الدامية وجعلتها نوعًا من استعراض القوّة، مما ساعد فيما بعد على تقليل أعداد المتبارزين، بل إنّهم غدوا يتبارزون بسيوف ورماح غير حادّة، وأصبح كلّ هدفهم هو الاستيلاء على رايات وشارات خصومهم، وكانت السيّدات يحضرن هذه المباريات ويشجّعن فرسانهنّ ذوي البسالة ويغدقن عليهنّ الكثير من الجوائز[34].

خامسًا: أثر الكنيسة على الحياة الاجتماعيّة
استطاعت الكنيسة في ظلّ العلاقات الإقطاعيّة أن تصوغ الدين في شكل يتّفق مع الظروف الاقتصاديّة لذلك العصر الذي كانت فيه الأرض الأساس الأوحد للنظام الاجتماعيّ، فعملت على تمجيد حياة الزهد والتقشّف والنهي عن التمتّع بجمال الحياة بالنسبة للشعب فقط دون رجالها. وكان هدف العامل بنظرهم ليس أن ينمّي ثروته ويغتني، ولكن ليبقى في الوضع الذي ولد عليه، حتّى تنتهي هذه الحياة الفانية ويعود إلى الحياة الأبديّة[35]، كما دعت أولئك الناس إلى تعذيب النفس وحرمانها استعدادًا لنعيم الآخرة، وذلك بغرض حمل الشعب على قبول الاستغلال الإقطاعيّ في إذعان واستسلام، وكانت ثروة الكنيسة الهائلة تستمدّ من اعتمادها على قطع الأراضي التابعة لها التي حصلت عليها بالهبة أو الوصيّة، أو بالبيع أو إغلاق الرهن، أو بإصلاح الأراضي البور بأيدي جماعات الرهبان أو غيرها من الجماعات الدينيّة[36]، وكانت الكنيسة إلى جانب امتلاكها إقطاعيّات واسعة معفاة من الضرائب، كما كان يحقّ لها جمع نوع من الضرائب على شكل العشور، ومارست الاستغلال المادّيّ للجماهير أشدّ مما كانت تمارسه طبقة النبلاء والإقطاعيّين، وبوقوع الكنيسة في شرك الإقطاع وجدت نفسها مؤّسسة سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة، إضافة لكونها مؤسّسة دينيّة[37]؛ وبذلك ابتعدت الكنيسة في العصور الوسطى كثيرًا عن مثلها العليا، وكان وجود رجال الكنيسة المنحرفين أمرًا جليًّا طوال العصر، ووجد بعض المؤرّخين متعة في تقديم الأمثلة والشواهد لأساقفة مالوا إلى السرقة، وقساوسة اتّسموا بالشره، وراهبات فاسقات[38].

أثّرت الكنيسة في أوروبا فترة العصور الوسطى على الحياة الاجتماعيّة، وكان لها سلطانها ونفوذها، فقد تحكّمت بشكل رئيسيّ وأساسيّ في سير الأحداث، وتركّزت إدارتها تحت زعامة البابويّة، فقد أصبح البابا في نظر الأوروبيّين رأس الكنيسة، والحارس الأوّل لقوانينها ونظمها وعقائدها[39].
كان يمكن للبابوات أن يقوموا بدور فعّال في تقدم الشعوب الأوروبيّة، حيث توافرت لهم كلّ السبل والوسائل للقيام بهذا الدور، فهم أصحاب نفوذ وسيادة وسلطة دينيّة ودنيويّة، ولكنّهم أساؤوا استعمال هذا السلطان، فاستغلّوه لأنفسهم، وسيطر عليهم حبّ المال والجاه، واستخدموا كلّ أساليب التنكيل والاضطهاد للحفاظ على نفوذهم[40].
ومن مظاهر تدخّل الكنيسة أيضًا احتضانها للفروسيّة بحكم مطالبتها ببسط حمايتها على وجوه النشاط الإنسانيّ كافّة، وعلى هذا شجّع رجال الدين استخدام الطقوس الدينيّة في تكريس «تنصيب» الشاب فارسًا، وأقاموا لهذا الغرض شعائر وطقوسًا خاصّة، ومن تلك الطقوس قيام الفارس في ليلة العيد بصلاة خاصّة أمام الهيكل، ثمّ التطهّر بالاغتسال بالماء المقدّس في صباح يوم العيد، وهكذا أصبح حفل تقليد رتبة الفروسيّة بمثابة «تعميد» آخر للفروسيّة بعد تعميد الكنيسة له عندما كان طفلًا. وقد طالبت الكنيسة الفارس بأن يكون مسيحيًّا تقيًّا غرضه حماية الكنيسة والدفاع عن عقيدتها، وأن يبتعد عن ارتكاب الجرائم وأن يراعي الضعفاء والعجزة[41].
وقد صوّر بعضهم حالة الفساد التي تردّى إليها رجال الدين المسيحيّ في العصور الوسطى: «إنّ القلب ليفعم بالأسى، وتقطر النفس مرارة عندما نتعرّض للحياة الدينيّة في العصور الوسطى، فقد عمّ الانحطاط والفساد، ودبّ الفساد في الحياة»[42].
ويقول ول ديورانت «كانت ممارسات الكنيسة الإقطاعيّة عارًا وفضيحة بالنسبة للدين المسيحيّ في كلّ أوروبا»[43].

الخاتمة
نجد أنّ المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى بشكل عام كان ينادي بقيم ومبادئ أخلاقيّة عالية، لكن في الوقت نفسه نرى العكس، فعلى سبيل المثال وجدنا من خلال ما سبق أنّ الفارس يجب أن يتحلّى بالقيم الأخلاقيّة كالشجاعة والحكمة والرزانة، وحسن معاملته للأسرى، لكن الفرسان لم يمارسوا تطبيق فضائل الأخلاق إلّا فيما بينهم، فقد عاملوا الطبقات الدنيا في المجتمع كطبقة الأقنان والعبيد باحتقار وازدراء، فلم يتوانَ الفارس أحيانًا عن رمي خادمه بالحربة، إذا تأخّر في تقديم الشراب له، ولم يتردّد أحيانًا في استخدام القسوة لتأديب زوجته.
ولا أدلّ على وحشيتهم وقسوتهم، الأعمال اللاأخلاقيّة والجرائم البشعة التي ارتكبوها في حملاتهم الهمجيّة على البلاد العربيّة، فالفرسان الصليبيّون ارتكبوا أبشع الجرائم في حملاتهم، وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على تدنّي المستوى الأخلاقيّ الذي اتّصف به الفرسان بشكل عامّ والمجتمع الأوروبيّ بشكل خاصّ في تلك الفترة[44].
خلاصة القول نجد أنّ القلق والفوضى التي اتّسم بها المجتمع الأوروبيّ خلال العصور الوسطى أدّت إلى الضعف العامّ في المجتمع، وقد بدأت طبقات المجتمع تتخبّط تخبّطًا عشوائيًّا، دون أن تقدّر موقفها وحاجاتها، أو تعرف الطريق القويم لتحقيق مصالحها، وغدا طابع المجتمع أن يفترس القويّ الضعيف، كما ضاقت آفاق الناس وانحصرت في تلمّس أيسر السبل لحماية أنفسهم دون التفكير في المستقبل، أو وضع علاج شامل للمآسي المحيطة بهم، ولا أدلّ على تردّي المجتمع الأوروبيّ في تلك الفترة من انتشار الجهل الذي خيّم على العقول وانصراف الناس إلى الخرافات والترّهات حتّى في أخطر الأمور التي تعترض حياتهم، إضافة إلى انتشار الأوبئة بين سائر طبقات المجتمع.
لذلك غدت الكآبة تعلو المجتمع الأوروبيّ، وفقد الناس طموحهم وحيويّتهم، وضعف إيمان الناس بالعمل وجنحوا إلى الركود والكسل، فهذه كانت أبرز صفات المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى.

قائمة المصادر والمراجع
1- أحمد، مواهب: الدوري، عمار: المرأة الأوروبيّة في العصور الوسطى -نساء الطبقة العاملة إنموذجًا- مجلّة الملوية للدراسات الآثاريّة والتاريخيّة، مج 6، العدد 17، 2019م.
2- الخطيب، محمد: حضارة أوروبا في العصور الوسطى، دار علاء الدين، دمشق، ط1، 2006م.
3- زيتون، عادل: العصور الوسطى الأوروبيّة: مطبعة الروضة، دمشق، 1982م.
4- الشعراوي، أحمد ابراهيم: الإقطاع وأوروبا في العصور الوسطى، المطبعة العالميّة، القاهرة، 1970م.
5- عاشور، سعيد عبد الفتاح: أوروبا العصور الوسطى، ج2، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة ط10، 1986م.
6- عجينة، أحمد علي: البابويّة وسيطرتها على الفكر الأوروبيّ في العصور الوسطى، مكتبة المهتدين، القاهرة، ط1، 1991م.
7- العدوي، ابراهيم: المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى، دار المعرفة الجامعيّة، القاهرة، 1961م.
8- عمران، محمود سعيد: حضارة أوروبا في العصور الوسطى، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة، 1998م.
9- فرح، نعيم: الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، منشورات جامعة دمشق، ط2، 2000م.
10- الكردي: نيفين ظافر: الأوضاع الدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في الغرب الأوروبيّ من القرن التاسع حتّى القرن الحادي عشر، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلاميّة، غزة، فلسطين، 2011م.
9- المنفلوطي، جاد: المسيحيّة في العصور الوسطى، ج2، سلسلة تاريخ المسيحيّة، دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفيّة، 1977م.

- المراجع المعرّبة
1- بيرين، هنري: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة عطية القوصى، الهيئة المصريّة للكتاب، 1996م.
2- بيشوب، موريس: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: علي السيّد علي، المجلس الأعلى للثقافة، 2004م.
3- جاكوب. أ ، كرامب :ج.: تراث العصور الوسطى، ج2، ترجمة: محمد مصطفى زيادة ومجموعة من الأساتذة المصريّين، مؤسّسة سجلّ العرب، القاهرة، 1967م.
4- ول ديورانت: قصّة الحضارة، ترجمة: محمّد بدران، ج5، مج 4، بيروت 1988م.
5- شيفل، فرديناند: الحضارة الأوروبيّة في القرون الوسطى وعصر النهضة، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1952م.
6- فشر، هربرت: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: محمد مصطفى زيادة، السيد الباز العرييني، دار المعارف، 1950م.
7- كوبلاند، ج، فينو جرادوف، ب: الإقطاع والعصور الوسطى في غرب أوروبا، ترجمة: محمد مصطفى زيادة، مكتبة النهضة المصريّة، 1958م.
8- كولتون، جورج جوردون: عالم العصور الوسطى في النظم والحضارة، ترجمة: جوزيف نسيم يوسف، دار المعارف، الإسكندريّة، 1967م.
9- كين، موريس: حضارة أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: قاسم عبد قاسم، عين للدراسات والأبحاث، ط1 1994م.
10- هارتمان، ل.م، باركلاف، ج: الدولة الإمبراطوريّة في العصور الوسطى، ترجمة جوزيف نسيم يوسف، مؤّسسة شباب الجامعة، القاهرة، 1984م.
11- هلستر، س. ورن: أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: محمد فتحي الشاعر، مكتبة الإنجلو المصريّة، 1988م.

المراجع باللغة الانكليزية
1-Coulton,G: life in the middle,ages,vol 4.Cambridge press, 1967.
2- Crump, Charles George: Jacob. Ernest,The legacy of the Middle Ages,Oxford, 1951.
3-Fliche,Augustin: L’ Europe occidentale de 888 ȧ 1125; les presses universitqires de France ; 1930 .
4- France; John, Western Warfare in the crusades (1000- 1300) university of wales, Swansea.
5- Powicke, F.M: the legacy of the midale Age, Oxford, the clarendon press, 1932.
6- Thompson, Edward: An introduction to Greek and Latin Palaeography, vol 2, Cambridge, University press, 2002.

--------------------------------
[1]- سعيد عبد الفتاح عاشور: أوروبا العصور الوسطى، ج2، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة، ط10، 1986م، ص274
انظر أيضًا:
Edward Thompson, Greek and Latin Palaeography, Cambridge, University press, vol 2, p721.
[2]- ول ديورانت: قصّة الحضارة، عصر الإيمان، ترجمة محمد بدران، ج5، مج 4، بيروت، 1988م، ص50.
نعيم فرح: الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، منشورات جامعة دمشق، ط2، 2000م، ص54.
[3]- ل.م هارتمان: ج. باركلاف: الدولة الإمبراطوريّة في العصور الوسطى، ترجمة: جوزيف نسيم يوسف، مؤسّسة شباب الجامعة، القاهرة، 1984م، ص132.
[4]- John, France; Western Warfare in the crusades (1000- 1300) university of wales, Swansea, p53.
[5]- عادل زيتون: العصور الوسطى الأوروبيّة: مطبعة الروضة، دمشق 1982م، ص419.
[6]- نعيم فرح: الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، ص56.
[7]- كوبلاند، ج، فينو جرادوف، ب: الإقطاع والعصور الوسطى في غرب أوروبا، ترجمة: محمد مصطفى زيادة، مكتبة النهضة المصريّة، 1958م، ص64.
[8]- أحمد ابراهيم الشعراوي: الإقطاع وأوروبا في العصور الوسطى، المطبعة العالميّة، القاهرة، 1970م، ص12.
[9]- Augustin Fliche, L’ Europe occidentale de 888 - 1125 par Qugustin; les presses universitqires de France; 1930, p325.
[10]- نيفين ظافر الكردي: الأوضاع الدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في الغرب الأوروبيّ من القرن التاسع عشر حتّى القرن الحادي عشر، قسم التاريخ والآثار الجامعة الإسلاميّة بغزة، فلسطين 2011م، ص226.
[11]- أحمد ابراهيم الشعراوي: الإقطاع وأوروبا في العصور الوسطى، ص49.
[12]- محمّد الخطيب: حضارة أوروبا في العصور الوسطى، دار علاء الدين، دمشق، ط1، 2006م، ص138.
[13]- جورج جوردون كولتون: عالم العصور الوسطى في النظم والحضارة، ترجمة: جوزيف نسيم يوسف، دار المعارف، الإسكندريّة، 1967م، ص134-135.
[14]- نيفين ظافر الكردي: الأوضاع الدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في الغرب الأوروبيّ من القرن التاسع عشر حتّى القرن الحادي عشر، ص185.
[15]- نعيم فرح: الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، ص72.
[16]- نعيم فرح: الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، ص73 انظر أيضًا عادل زيتون: تاريخ العصور الوسطى الأوروبيّة، منشورات جامعة دمشق، 1982م، ص329-330.
[17]- نيفين ظافر الكردي: الأوضاع الدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في الغرب الأوروبيّ من القرن التاسع عشر حتّى القرن الحادي عشر، ص186.
[18]- محمود سعيد عمران: حضارة أوروبا في العصور الوسطى، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة، 1998م، ص63؛ للمزيد عن طبقة الأقنان انظر موريس كين: حضارة أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: قاسم عبد قاسم، عين للدراسات والأبحاث، ط1، 1994م، ص53-54.
[19]- فرديناند شيفل: الحضارة الأوروبيّة في القرون الوسطى وعصر النهضة، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1952م، ص93.
[20]- ج .كرامب، أ .جاكوب: تراث العصور الوسطى، ج2، ترجمة: محمد مصطفى زيادة ومجموعة من الاساتذة المصريّين، مؤسّسة سجلّ العرب، القاهرة، 1967م، ص421.
[21]- موريس بيشوب: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: علي السيّد علي، المجلس الأعلى للثقافة، 2004م، ص130.
[22]- ج كرامب، أ .جاكوب: تراث العصور الوسطى، ج2، ص424.
[23]- موريس بيشوب: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ص132-133.
[24]- مواهب عدنان محمد، عمار شاكر الدوري: المرأة الأوروبية في العصور الوسطى –نساء الطبقة العامة إنموذجًا– مجلة الملوية للدراسات الآثارية والتاريخية، مج 6/ العدد 17، السنة السادسة، 2019م، ص158.
[25]- ج كرامب، أ .جاكوب: تراث العصور الوسطى، ج2، ص566.
[26]- Charles George Crump, Ernest Jacob, The legacy of the Middle Ages, Oxford, 1951, p428.
[27]- أحمد ابراهيم الشعراوي: الإقطاع وأوروبا في العصور الوسطى، ص49.
[28]- موريس بيشوب: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ص131.
[29]- مواهب عدنان محمد، عمار شاكر الدوري: المرأة الأوروبيّة في العصور الوسطى –نساء الطبقة العامّة إنموذجًا– مجلّة الملوية للدراسات الآثاريّة والتاريخيّة، مج 6/ العدد 17، السنة السادسة، 2019م، ص8.
[30]- ج كرامب، أ .جاكوب: تراث العصور الوسطى، ج2، ص422.
[31]- G. Coulton, life in the middle, ages, vol 4, Cambridge press, 1967. p23.
[32]- ابراهيم العدوي: المجتمع الأوروبيّ في العصور الوسطى، دار المعرفة الجامعيّة، القاهرة، 1961م، ص17.
[33]- هربرت فشر: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: محمد مصطفى زيادة، السيد الباز العرييني، دار المعارف، 1950م، ص114.
[34]- موريس بيشوب: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ص158-161.
[35]- هنري بيرين: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: عطية القوصى، الهيئة المصريّة للكتاب، 1996م، ص21.
[36]- ول ديورانت: قصّة الحضارة، ج5، مج 4، ص69.
[37]- نيفين ظافر الكردي: الأوضاع الدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في الغرب الأوروبيّ من القرن التاسع عشر حتّى القرن الحادي عشر، ص26.
[38]- س . ورن هلستر: أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: محمد فتحي الشاعر، مكتبة الإنجلو المصريّة، 1988م، ص227.
[39]- F.M.Powicke, the legacy of the midale Age, Oxford, the clarendon press, 1932, p48.
[40]- أحمد علي عجينة: البابويّة وسيطرتها على الفكر الأوروبيّ في العصور الوسطى، مكتبة المهتدين، القاهرة، ط1، 1991م، ص33.
[41]- نعيم فرح الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، ص60-61
[42]- جاد المنفلوطي: المسيحيّة في العصور الوسطى، ج2، سلسلة تاريخ المسيحيّة، دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفيّة، 1977م، ص39.
[43]- ول ديورانت، قصّة الحضارة، ج5، مج 4، ص72.
[44]- نعيم فرح الحضارة الأوروبيّة في العصور الوسطى، ص60.