البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نهاية الغرب بين فلسفة المابعديّات وفكر النهايات

الباحث :  د. مكي سعد الله
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  31
السنة :  صيف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 30 / 2023
عدد زيارات البحث :  584
تحميل  ( 514.215 KB )
الملخّص
يسعى البحث إلى مقاربة مفهوم «الغرب» في المرجعيّات الثقافيّة والمعرفيّة الأوروبيّة وكيفيّة نشأة المفهوم في فضاء المرويّات الكبرى التي أنتجت مصطلحًا يتناغم وظيفيًّا مع أيديولوجيّاتها التوسّعيّة وتحيُّزاتها الثقافيّة التي صنعت من ثقافة الاختلاف وصورة «الآخر» نموذجًا للدونيّة الفكريّة والبربريّة والوحشيّة السلوكيّة تسويغًا للتدخّل الكولونياليّ تحت أقنعة البعث الحضاريّ.
لكنّ الميلاد الأسطوريّ لمفهوم «الغرب» بدأ يتهاوى ويتصدّع مع ظهور دراسات التابع وأبحاث ما بعد الكولونياليّة، التي كشفت عن سلطة الخطاب المزيّف، والصورة الوهميّة التي زعمت المركزيّات الغربيّة بناءها للآخر ليظلّ رهينة ثقافيّة ووسيلة ترويجيّة لنموذجها المعرفيّ وخصوصيّاتها الثقافيّة.

كلمات مفتاحيّة: الغرب، النهاية، كولونياليّ، عولمة، الآخر، بعد الكولونياليّة.

المقدمة
بين أطروحتي سيرج لاتوش (Serge Latouche) (1940) «غربنة العالم» (L’Occidentalisation du monde)[2]  الذي تناول عبر فصوله الخمسة، الأسباب والدواعي التي أهَّلت الغرب لقيادة السفينة العالميّة نحو سواحل الأمان والسعادة، فتاريخ الغرب في اعتقاده معقّد ومتعدّد المجالات والاتجاهات، فقد تحوَّل الغرب إلى «آلة اجتماعيّة» لا يمكن السيطرة عليها من حيث الانتشار والتوسع، بفضل النموّ غير المحدود للسلع، وتضاعف شبكات الاتصالات، والتحضّر المكثّف، والتغيّرات التقنيّة والرقميّة المستمرّة، بالإضافة إلى النموذج الديمقراطيّ في الممارسة السياسيّة، وتطوير التعليم وتحسين جودته وتعميمه على جميع فئات المجتمع، مع اقتران كلّ هذه المنجزات بالقيم الإنسانيّة الخالدة من تسامح وحرّيّة وإبداع.
وتتدعَّم هذه الأطروحة بأبحاث ودراسات أخرى ترى العولمة نموذجًا وصورة للثقافة الغربيّة، ومظهرًا من تمظهرات الغرب وتجلّياته في حقول المعرفة والفكر والفنّ، فلم تر البشريّة من العولمة سوى تعميم لباراديغم الغرب الرأسماليّ في الاقتصاد والسياسة والثقافة، فقد فشلت جميع المشاريع والمحاولات الهادفة إلى تجسيد تكامل عالميّ ونديِّ يستند على آليّات التعاون والتسامح واحترام الخصوصيّات الثقافيّة والهويّات الوطنيّة، بل ازدادت الفجوة وتعمَّقت الهوّة بين فضاءات الشمال والجنوب، مما أنتج عالمين متناقضين أوّلهما منتِج/ إيجابيّ والثاني مستهلِك/ سلبيّ[3] كما كشفت النخب المنحدرة من المستعمرات من خلال دراسات ما بعد الكولونياليّة (Postcolonialisme) ودراسات التابع (Subaltern Studies) عن استمرار الميتروبول في تصنيفاته المركزيّة للهامش وثقافته المكرّسة للأحاديّة الأوروبيّة/ الغربيّة في المعرفة والفكر، فالمرجعيّات الغربيّة مازالت إلى غاية اليوم تعتقد بغرب عقلانيّ وليد فلسفة الأنوار ومعارفها، وشرق لاهوتيّ، عجائبيّ، متخلّف في علومه ومتوحّش/ بربريّ في سلوكيّاته.
تتعارض هذه المقاربات والأطروحات مع دراسات وأبحاث مستقبليّة واستشرافيّة ترى نهاية الغرب التقليديّ، بأسطورته الكولونياليّة وموروثه الحضاريّ، المؤسّس على مركزيّة اقصائيّة تروِّجها مرويّات كبرى (Les Grands Narratives) بتضخيم «الأنا» المتفوّقة، وتقزيم واختزال مُنجز «الآخر» ونعته بالوحشيّة والبربريّة.
يرى الباحث البلجيكيّ هنري بانهوي (Henry Panhuys) في كتابة «نهاية غربنة العالم من الوحدة إلى التعدُّد» (La fin de l’occidentalisation du monde: De l’unique au multiple) أنّ الثقافات المحلّيّة قد أنهت العولمة الغربيّة المتوحّشة ورأسماليّتها الجديدة[4]، فقد تمسّكت بأصولها وهجرت القيم الغربيّة، وشكَّكت في مضامينها ونيَّات دعاتها بعدما فشلت مشاريع التنمية التي وعدت بها المنظومات السياسيّة والاقتصاديّة الغربيّة، داعية إلى مراجعة مضامينها ومقاصدها.

ولعلّ غياب التجسيد العمليّ والتطبيقيّ لسياسات التنمية[5] كان سببًا مباشرًا في تجرّد وتصدّي ورفض مبادئ الغرب وأفكاره في صناعة عالم موحَّد تسوده هويّة رقميّة إنسانيّة تحترم الخصوصيّات والثقافات، وتؤسّس لعدالة إنسانيّة تحترم الحقوق والواجبات.
فقد وجد «الآخر» (العالم غير الغربيّ) من خلال الممارسة والاحتكاك «الغرب» نموذجًا للازدواجيّة والثنائيّة المتناقضة السلبيّة في التعامل، فنتج عنه مفاهيم «لم يكن الاستعمار والتنمية والعولمة سوى استمراريّة تاريخيّة لمنطق الغرب نفسه المزدوج الرؤية نحو العوالم غير الأوروبيّة»[6]. يؤيّد الكاتب والإعلاميّ الفرنسيّ هيرفي كمبت (Hervé Kempf)(1957) هذه المقاربة، ويرى قرب نهاية الغرب التقليديّ من خلال كتابه «نهاية الغرب وميلاد العالم» (Fin de l›Occident naissance du monde)[7] الصادر سنة 2013، حين أعلن عن ميلاد عالم جديد بدأ يتشكّل وتظهر ملامحه ومؤشّرات بنائه خارج الفضاء الأوروبيّ/ الغربيّ، وذلك بسبب المخاوف الأيكولوجيّة التي ستؤدّي إلى إضعاف الغرب بسبب التلوّث والمبالغة في الاستهلاك، ممّا سيؤدّي إلى إنتاج فضاءات بديلة خالية من التلوّث والنفايات والفقر والاستغلال.
بينما ذهب الكاتب الفرنكفونيّ الرومانيّ لوسيان بوا (Lucian Boia) (1944) إلى الاعتقاد بنهاية الغرب وبداية بروز عالم جديد أطلق عليه «عالم الغد»، وذهب في كتابه «نهاية الغرب، نحو عالم الغد» (La Fin de l’Occident ? Vers le monde de demain)[8] الصادر سنة 2018، حيث يرى أنّ العالم يتغيَّر ويتجدَّد بفضل فتوحات العولمة، وهذا سيؤدّي إلى نهاية الغرب وحضارته، فقد بدأ هذا العالم يفشل ويستقيل من القيادة بسبب شيخوخة سكّانه واقتصاده وتقلّص نفوذه.
يُضاف إلى ذلك العجز عن خلق المشاريع العالميّة العملاقة والطموحة، فقديمًا كان المشروع التبشيريّ الدينيّ، والديمقراطيّة، وقضايا التنمية، من أسباب الهيمنة والانتشار، أما الآن فقد حدث تقهقر وغياب بسبب التغيّرات العالميّة واستيقاظ أمم وشعوب طموحة وعلى رأسها الصين.
وضمن محور «الموت» و«النهاية» يعتقد ويتنبأ الفيلسوف الفرنسيّ ميشيل انفري (Michel Onfray) (1959) بنهاية «الغرب» في كتابه «انحطاط» (Décadence)[9] سنة 2017، الذي رأى فيه أنّ الغرب يعيش لحظات احتضار قبل انهيار حضارته على نفسها، بسبب مؤشّرات يراها واضحة ومنها المركزيّة الطاغية، والعجز في التفكير في القضايا المصيريّة والجوهريّة، وتعلّقها بالسلبيّة في الفكر مع هيمنتها على حقول المعرفة والعمل.

ويعتقد محذِّرًا بأنّ «الحضارة اليهوديّة/ المسيحيّة قد سادت لمدة ألفي سنة، وهي مدّة مشرّفة بالنسبة لحضارة بعينها، فالحضارة التي ستعوضها، ستحلّ أخرى أيضًا مكانها، فالمسألة مسألة وقت فقط، لقد غرقت السفينة، لكن بقي لنا أن نغرق بأناقة»[10].
 هل لامست فكرة النهايات (نهاية التاريخ، الأيدولوجيا، نهاية الحداثة، ونهاية الفلسفة وغيرها) والموت (موت الإله، موت الإنسان، موت المؤلّف وغيرها) بأبعادها الفلسفيّة وجود «الغرب» كفضاء جغرافيّ وحضور تاريخيّ كولونياليّ توسّعيّ بلغت هيمنته إفريقيا وآسيا، وامتدّت مركزيّته الإقصائيّة إلى كلّ الثقافات، بتأصيلها لنظريّات التفوّق العرقيّ والإثنيّ، بالإضافة إلى صناعتها للعوالم المتباينة من خلال التمييز بين قطبي المركز والهامش وتدعيم الخطاب بآليّات ومبرّرات ومسوّغات تروّج لاستحالة المثاقفة الندّيّة والتعاون الودّي والطوعيّ. أم أنّ نهاية الغرب ضرب مختلف من النهايات والموت يتبلور ضمن محاور التدافع الحضاريّ الذي تتحوَّل فيه لفظة «نهاية» إلى الدلالة على تقلّص الوظائف، وضمور النفوذ، وإعادة الترتيب، وتبادل الأدوار، بعد بروز قوى جديدة تؤكّد مقولة الانتقال الحضاريّ من الطفولة إلى الشباب ثمّ الشيخوخة والنهاية؟
تسعى هذه الورقة إلى إبراز مراحل ظهور مفهوم الغرب وخصوصيّاته المعرفيّة من النشأة الأسطوريّة إلى أطروحات الموت والنهاية.

الغرب
الغَرْبُ من المَفاهيم المُلتبسة في المَنظومة الفكريَّة والمعرفيَّة الإنسانيَّة عامَّةً والأوروبيَّة خاصَّةً؛ بسبب خروج المُصطلح من الدَّلالة اللُّغويَّة البَسيطة المُختزلة في «غروب الشَّمس» إلى سياقاتٍ مشحونةٍ بمفاهيم عقائديَّة وأسطوريَّة وأيديولوجيَّة.
وقد انشَغلَ العُلماء بالبحث في ماهيَّته، وعلى رَأسهم مفكّرو الغرب أنفسهم، الذين تساءلوا عن إشكاليَّة مُصطلح الغرب «هل هو مكانٌ أو منطقةٌ من العالم؟ هل هو أوروبا أو أمريكا؟ أم الاثنين معًا؟ أو هو مجموع الدول الغربيَّة؟ هل الغرب مرحلةٌ من التاريخ؟ أو نظامٌ اقتصاديّ؟ هل هو خُلقٌ أم دينٌ أو طريقةُ عيشٍ وحالةٌ فكريَّةٌ وذهنيَّةٌ»[11].
وقد تمكَّنت المركزيَّة الغربيَّة من شحن مَفهوم الغرب بدلالات سياسيَّة وثقافيَّة ودينيَّة، حتى انحرف عن المعنى الأصليّ، وأصبح معادلًا موضوعيًّا لنموذجٍ ثقافيٍّ/ سياسيٍّ/ أيديولوجيٍّ مُحدّد «الغرب مفهومٌ أيديولوجيٌّ أكثر منه جغرافيٌّ»[12].
ومع تحوّل المفهوم من المعنى الجغرافيّ إلى الكيان الدينيّ والإثنيّ والثقافيّ، شرَع المشتغلون بالتنظير للمفهوم في البحث عن سياقات وأنساق ثقافيَّة ودينيَّة/أسطوريَّة لبلورة نظريّةٍ تُميِّز مُصطلح الغرب وتُعطيه هويَّةً خاصَّةً.
لم تكن كَلمة «غرب» في البداية إلّا مَعنىً بسيطًا يُوحي بغروب الشَّمس وأُفولِها «الغَرْبُ والمَغْرِبُ: بمعنى واحد، قال ابن سيده، الغَرْبُ خلاف الشَّرْقِ وهو المَغْرِبُ وقوله تعالى رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَينِ (الرحمن/ 17) أحد المَغربين أقصى ما تنتهي إليه الشَّمس في الصَّيف، والآخر أقصى ما تنتهي إليه الشَّمس في الشِّتاء؛ وأحد المَشرقين، أقصى ما تُشرق منه الشَّمس في الصَّيف، وأقصى ما تُشرق منه في الشِّتاء، وبين المَغرب الأقصى والمَغرب الأدنى مئة وثمانون مغربًا»[13] وذهب الخليل بن أحمد إلى تأكيد المعنى ذاته، حيث قال «والغَرْبُ، المَغْرِبُ والغُرُوبُ، غيبوبة الشمس»[14].
انساقت المعاجم العربيّة كلّها على درب روّاد المعجميّة العربيّة الكلاسيكيّة في جعل لفظ «الغرب» مرادفًا لغروب الشمس وزواله، قال الفيروز أبادي «ومَغْرِبَانِ الشمس، حيث تَغْرُبُ، ولقيته مَغْرِبِهَا ومُغَيْرِبَانِهَا ومُغَيْرِبَانَاتِهَا: عند غروبها. وتَغرَّب، أتى من الغَرْبِ»[15].
وحول هذا المعنى أجمعت المعاجم الغربيَّة والأجنبيَّة، فذهب مُعجم الأكاديميَّة الفرنسيَّة إلى الإقرار بأنَّ «الغَرْبَ» هو «أحد الاتجاهات الأربعة، ويعني غروب الشَّمس، ويقابل الشَّرق»[16]، والمقصود بالشَّرق هنا، شروق الشمس ومَطلعها، وتداول معجم لاروس الموسوعيّ (Larousse Encyclopédique) الَمعنى ذاته، لكن أضاف المُعجمان أنَّ من دلالات الغرب أيضًا «الدُّول الغربيَّة وأممها وشعوبها»[17] والدُّول الغربيَّة حسب المُعجميْن، هي دول محدَّدة وفقًا لمعايير النظام الاقتصاديّ الليبراليّ والِانتماء السياسيّ لمعسكر مناهض للمعسكر الشرقيّ بمفهوم وثقافة الحرب الباردة، فيصبح الغرب «مجموعة شعوب تَسْكُنُ دول أوروبا الغربيّة، كما تطلق اللفظة أيضًا على حضارة هذه الشعوب ودولهم»[18].

خرج مصطلح الغرب من المعنى الجغرافيّ ليحمل دلالة فكريَّة وثقافيَّة وسياسيَّة، فلم يَعُدْ البُعد الجغرافيّ سوى جزئيَّة بسيطة تحتلُّ حجمًا ضئيلًا في المعاجم اللغويّة والاصطلاحيّة، فقد تشبَّع بالدلالات، حتّى اعتبر من أكثر المصطلحات خضوعًا لِلأدْلجَة في الفكر المعاصر «هذه المصطلحات الثلاثة: الإسلام، أوروبا، الغرب تعرَّضت لأَدْلَجَةٍ مهووسةٍ ومبالغ فيها؛ ولهذا السبب ينبغي أن نُعِيدَ التفكير فيها لكي نُحِلَّ الصورة التاريخيّة (أو الواقعية) مَحلَّ الصورة الأيديولوجيّة»[19].
الانسلاخ من عباءة الدلالة اللغويّة، طرح إشكاليّة انفلات المصطلح من التحديد، وأصبح وِعاءً لمضامين التاريخ والجغرافيا، وابتعد بذلك عن إمكانات الصياغة الدقيقة؛ لأنّه تجاوز الفضاءات الجغرافيَّة والفكريَّة، وحتّى الأيديولوجيَّة، ودخل دائرة الصورة المُتخيَّلة، وحول هذه الإشكاليَّة تساءل مُؤَلِفا كتاب «والله خلق الغرب» «ما هو الفضاء الجغرافيّ للغرب؟... كمفهوم يصعب تحديده؛ لأنَّه لا حدود واقعيّة له، فهو اختراع خياليٌّ أكثر منه حقيقة جغرافيَّة محدَّدة...فالغرب هو ما نُريده نحن أن يَكون»[20].

الغرب: أسطورة النشأة والتأسيس
تَطرح الكتابات والدِّراسات المُتعلّقة بالغرب جُملةً من الإشكالات الفلسفيَّة والمعرفيَّة، وحتى الإبستيمولوجيَّة، حول نشأة مفهوم الغرب، ليس ككيانٍ جغرافيٍّ تحتلُّه وتشغله مجموعة من الشُّعوب والقوميّات تنتمي لدول تقع في أوروبا أو القارة العجوز[21]، ولكن بجملةٍ أخرى من المحاور الثقافيَّة والحضاريَّة المُتعلّقة بعلاقة الغرب بأوروبا، ومنها: أيّهما أسَبق في الظهور؟ وأيّهما أشمل؟ ومَن يحتوي الآخر؟ ومَن له الفضل على الآخر؟.

وهكذا وضمن سِلسلة الإشكالات المَطروحة يتمُّ تداول أُطروحتين على المُستوى الأكاديميّ، الأولى تتعلّق بالأسُّس والمُرتكزات التَّأسيسيَّة لمفهوم الغرب، والثانية مرتبطةٌ بتاريخ نشأته وبدايته.
وعند استعراض مُختلف المقاربات التي تناولت البُعد الزمنيّ لنشأة الغرب، نُلاحظ إقرار الباحثين بصعوبة إيجاد تاريخٍ موحَّدٍ يُكوِّن فرضيَّةً ثابتةً يمكن اعتمادها كإطارٍ مرجعيٍّ تاريخيّ، فأغلب الدارسين يُعيدون نشأة الغرب إلى أحداث تاريخيَّة يتمُّ توظيفها وتأويلها وفق المَحمُولات الثَّقافيَّة.والسِّياسيَّة.التي.ارتبطت.بمفهوم.الغرب. تقترح الباحثة صوفي بسيس(Sophie Bessis)[22] سنة 1492 كسنة تأسيسيَّة لنشأة الغرب السياسيّ والثقافيّ، ويرتبط هذا التاريخ بحدثين مهمّين وأساسين في التاريخ الإنسانيّ عامَّةً.
والحدثان يكرِّسان فِكرة التَّفوّق العرقيّ وتفاوت الأجناس، فالنخب الثقافيَّة والكنسيَّة سارعت إلى مباركة وتزكية الحملات من خلال خطاب استعلائيّ وعنصريّ. فالحدث الأوّل اكتشاف[23] أمريكا من قبل كريستوف كولومبس (1451-1506)Christophe Colomb)، والثاني طرد المسلمين من إسبانيا «فَلْنَخْتَرْ عام 1492 سنة تأسيسيَّة (لارتباطها)... باكتشاف أمريكا وطرد اليهود والمسلمين من إسبانيا (الحدثان)... يشكِّلان في الواقع حدود الغرب الحديث الذي نراه يولد عند حافة القرن السادس عشر تحت شعار مزدوج هو الاستيلاء والطرد»[24].
وفِكرتَيْ الاحتواء والإقصاء وما يُصاحبهما من أفعال وخطابات تتعلق باختزال «الآخر» في قواعد وأدبيات تأسيس المركزيَّة الغربيَّة التي تسعى لتحقيق فكرة النَّقاء الثقافي والعرقي.

وإذا كانت صوفي بسيس قد اعتبرت سنة 1492، سنة نشأة الغرب، فإنَّ الباحث أنريك دوسال (1934) Enrique Dussel يرى أنَّ السنة ذاتها هي سنة نشأة الحداثة الغربيّة «ولدت الحداثة الأوروبيَّة في العصر الوسيط... هذه النشأة مُرتبطةٌ بالصدام مع «الآخر» هذا الآخر الذي وَجَدَتْ (أوروبا) نفسها في مواجهته، ومضطرّة للانتصار عليه وتعنيفه، ومع هذا الاكتشاف تعرَّفت أوروبا على «أَنَّاهَا» الغازيّة المستعمرة»[25].
فالحداثة الأوروبيَّة وليدة الغيريَّة، ولكنّها مغايرة الاستيعاب التي تختلف عن مغايرة المُثاقفة النِّديَّة التي تبيح التبادل المعرفيّ والحضاريّ بين الشُعوب والحضارات والثقافات دون إقصاءٍ أو تهميشٍ، فالمُثاقفة المتوازنة تُجسِّد قيم التسامح والحوار وتتجاوز الصدام ومظاهر تجلّياته.
وبين ظهور اللَّفظ كصوتٍ واصطلاحٍ (Terme) وتجلّياته كفكرةٍ ذهنيّةٍ وتصوُّرٍ، أي ميلاد المفهوم، (Concept) تباينت الآراء والرُّؤى، فاللَّفظ «غرب» وبإجماع الباحثين لا يمكن فصله عن «الشَّرق» سواء بالمعنى المعجميّ أو الأيديولوجيّ، فاللفظتان مقترنتان لغةً ودلالةً، وقد يعود ظهورهما تاريخيًّا إلى «ظهور لفظ الشَّرق في الاستعمال والتداول اللُّغويّ سنة 1080، وكلمة غرب سنة 1120، بمعنى أنَّ الكلمتين ظهرتا عَقب الانقسام الكبير للشَّرق والحروب الصليبيَّة»[26].
فالحداثة الأوروبيَّة وليدة الغيريَّة، ولكنّها مغايرة ترتكز على تجسيد ثقافة الاستيعاب، وتستبعد مغايرة المُثاقفة الإراديّة النِّديَّة التي تبيح التبادل الثقافيّ والحضاريّ والمعرفيّ وتتجاوز الإقصاء والتهميش باعتبارهما أدوات وآليّات للصدام وإذكاء للتوتّرات الهوياتيَّة والثَّقافيَّة.
أصبحت مَسْألةُ المغايرة واكتشاف الآخر/ المختلف معيارًا لنشأة مفهوم الغرب، حيثُ غَدا الاختلاف حاضنةً مركزيَّةً لتكوين وتشكيل الغرب، ففي مرآة الغيريَّة تتجلَّى تمظهرات «الأنا»، ولكنّها أنا غربيَّة تستجيب لمرجعيَّةٍ أسطوريَّةٍ تُجسِّد أفكار الهيمنة والتَّفوُّق.
يرى جورج قرم أنَّ فكرة بداية ظهور الغرب كنسقٍ ثقافيٍّ ووجودٍ سياسيٍّ وأيديولوجيٍّ، بدأ مع الاستعمار حينما خرجت شعوب القارّة الأوروبيَّة باحثةً عن التوسُّع والمجد «وكلّما غزت الأمم الأوروبيَّة الكبرى العالم، محطمةً الحدود الجغرافيَّة واللُّغويَّة والإنسانيَّة التي تفصل بين القارات وشعوبها، كلّما تَصَلَّبتْ حدود العقل وآفاق الفكر في مواطن الخيال الأسطوريّ والانفعاليّ المُسمّى «غربًا»[27]
وتحت أقنعة إنقاذ العالم وبثِّ القيم الإنسانيّة الساميَة والنبيلة، سعت المنظومة الفكريَّة الغربيَّة إلى الانتقائيَّة في تعاملها مع الأحداث التاريخيَّة، باختيار المشاهد الوظيفيَّة التي تؤدّي مهامًا مقصودةً ومُحدَّدةً تتمثَّل في ترسيخ مفهوم تفوُّق «الأنا» الغربيَّة وتخلُّف «الآخر» البربريّ المتوحّش.

ومع ارتباط مفهوم الغرب بالقيم الحضاريَّة والإنسانيَّة والمُنجزات الثَّقافيَّة، بدأت الدراسات والأبحاث تُقدِّم قراءةً جديدةً للنشأة في محاولة للكشف عن الجوهر والمقصد، فيرى حسن حنفي أنَّ «الغرب لفظٌ سياسيٌّ يوضع عادةً في مُقابل الشَّرق سواء من الناحية السياسيَّة أو من ناحية الطابع الفكريّ العام»[28].
والحقيقة أنَّ لفظ «الغرب» وبإقرار علمائه، مُجرّد وعاءٍ للمحمولات الفكريَّة الغربيَّة «الغرب مفهومٌ أيديولوجيٌّ أكثر منه جُغرافيّ»[29] و«هو مفهومٌ ثقافيٌّ وليس جغرافيًّا»[30] والثَقافة تشمل الأيدولوجيا والأنثربولوجيا التي تتحكّم في مناهج التنظير لرؤيةٍ تؤطّر الفكر المركزيّ، المُرَوِّجِ لتفوُّق «الأنا» الغربيّة وتهميش «الآخر» المختلف/ غير الأوروبيّ.
والمستعرض لهذا الخطاب المركزيّ يلاحظ إنكار منجزات الحضارات الأخرى وإلحاق إنتاجاتهم المعرفيّة والثقافيّة بالتاريخ والحضارة الإغريقيّة، فلا يعثر الباحث -إلّا نادرًا- بإقرار واعتراف بآثار حضارات ما بين النهرين، ولا لحضارات الهند ومصر والصين والمسلمين، وإنْ وُجِدَتْ بعض الإشارات، فَيَتِمُّ هيكلتها لتناسب الفكر الغربيّ بادعاء أنّ أصحابها وظَّفوا للمناهج العقلانيّة الغربيّة، للوصول إلى نتائج علميّة وحضاريّة إبداعيّة.

وفي السياق ذاته يحتكر الفكر المركزيّ الغربيّ كتابة التاريخ، باختيار الأحداث وانتقاء الصور التي تتجاوز ما يُشَوِّهُ صورة المركزيّة الغربيّة ومرجعيّات النشأة والتأسيس، فمن الصعوبة والنَّدْرة أن نعثر على كتابات تصوّر مجازر وإبادات الشعوب الأصيلة أثناء حملات فتح أمريكا، وما صاحبها أيضًا من تبشيرٍ ونهبٍ وسرقة «ذَهَبُكَ في مقابل إلهي، أعطني الدراهم وإليك المطلق، إنّني أنهب، ولكنّني في الوقت نفسه أَهْدِي للحقّ»[31].
وبهذه المفاهيم يكون الغرب كمُصطلحٍ، فكرة حديثة النشأة، حتّى وإن كانت مُكوِّناته وأُسسه أسطوريَّةٌ ودينيَّةٌ تعودُ إلى أحقابٍ تاريخيَّةٍ غابرةٍ؛ «الغرب لم يطغَ في الاستعمال العام إلَّا عبر القرنين المنصرمين بوصفه التكوين الرئيس لأوروبا الغربيّة التي صار يُنْظَرُ إليها باعتبارها كلّيّة الحضور في السيطرة الاستعماريّة على عموم أرجاء العالم»[32].
ويطرح مُشكل ميلاد الغرب، إشكاليّة أخرى تتعلَّق بجغرافيا الفضاء الغربيّ، وبعبارة أخرى، هل أوروبا هي الغرب؟ وأيّ أوروبا؟.
تَضاربت الآراء والقراءات حول هذه المسألة، حيث ترى المعاجم اللُّغويَّة أنَّ الغرب ينحصر في دول أوروبا الغربيَّة، بمعنى الارتباط السياسيّ الذي يجعل «الغربويّة»
(l’Occidentalisation) صفةً معياريَّةً تميُّز بين نوعين من الدُّول الأوروبيَّة، تلك المنتميَة إلى القطب الليبراليّ والأخرى المرتبطة والمنتمية إلى النظامين الشيوعيّ والاشتراكيّ سابقًا.
يحاول حسن حنفي أن يُفرِّق بين الغرب وأوروبا من خلال المضمون الفكريّ والسياسيّ لكلّ مصطلح، فيرى أنَّ لفظ «أوروبيّ» يدلُّ على المعنى «التاريخيّ الحضاريّ»، وليس على المَوقع الجغرافي السياسيّ كما يدلُّ على ذلك لفظ «غربيّ»[33].
وقد شاع في الاستعمال الأكاديميّ نسبةُ العلوم والفلسفات والحضارات والاختراعات إلى مُصطلح أوروبا بالمعني الجغرافيّ، فيقال الدُّول الأوروبيَّة والعلوم الأوروبيَّة والتقنية الأوروبيَّة، في حين يتِّم نسبة «الغرب» لكلِّ ما هو مركزيٌّ وأيديولوجيٌّ فيُقال، الغرب الصَليبيّ والمسيحيّ والمركزيَّة الغربيّة وهكذا.
وبعد التحوّلات العالميَّة والثورات التقنية في ميدان المعلوماتيَّة بدأ الغربيّون يتساءلون عن الحيِّز الذي يحتلُّه مفهوم «الغرب»، فرأوا أنَّ الغرب ليس أوروبا، فهو يتَّسع بقيمه وأفكاره ليشمل فضاءات أكثر شموليَّةً من القارّة الأوروبيَّة، فارتحال المُصطلح ودخوله حقول الفلسفة والسياسة والمعرفة حمَّله أبعادًا جغرافيَّةً جديدةً، فأصبح دالًّا على كلِّ منظومةٍ أو سياقٍ يؤمن بأفكار ومعتقدات المركزيَّة الغربيَّة، كأُستراليا وأمريكا وغيرهما[34].

وظاهرة التَّوسُّع والامتداد من صِفات ومميّزات الغرب، فالمنظومة الفكريَّة الغربيَّة تجتهد في البحث عن فضاءاتٍ جديدة، سواء للتَّوسع الاقتصاديّ والسياسيّ، وقد تسنّى لها ذلك من خلال المُستعمرات، وبعد موجات الاستقلال، تسعى من جديدٍ للتوسّع الثقافيّ والانتشار القيميّ، بتبنّي القيم الإنسانيّة والحضاريّة وكلّ آليّات التطوّر والنهضة من خلال إنتاجها لقيم التنوير ومناهج التحليل وطرائق البناء العقلانيَّة والموضوعيَّة الموظَّفة في المشاريع النهضويَّة.

النشأة الأسطوريّة لمفهوم الغرب
تُجمع الدراسات التي تناولت تأسيس فكرة «الغرب» بكياناته المختلفة الجغرافيَّة والمعرفيَّة والإثنيَّة على ربط المَولد والنشأة بالأصول الإغريقيَّة واليهوديَّة/ المسيحيَّة، للتأكيد على نقاء حضارته وتجرّدها من كلِّ دخيلٍ فاسدٍ يُعكّر صفو النَّقاء أو مُساهمةٍ خارجيّةٍ تكشف عن الضعف والحاجة للآخرين «فالغرب بناءٌ أسطوريٌّ حديثٌ بكلِّ ما في الكلمة من معنى»[35].

ويوظِّف أغلب الباحثين مفهوم «الأسطُورة» عندما يتعلّق الأمر بنشأة الغرب، فيقولون: أسطورة بناءِ وتشكيلِ الغرب، الغرب الأسطوريّ، فهل يتعلّق الشأن بكيان وهميٍّ تخيُّليٍّ أم بالمرجعيّات المُؤسِّسة للمنظومة الفكريَّة والعقائديَّة الغربيَّة.
الراجح أنَّ ارتباط الغرب بالأسطورة يعود إلى مرتكزات النشأة والتكوين والتي تعتقد بأنَّ الغرب وريث الحضارة الإغريقيَّة والديانتين اليهوديَّة والمسيحيَّة، ونتج عن لبنات البناء وموادّه فكرٌ غربيٌّ، يتَّسم بالأنا المُتضخّمة التي تعتقد بصفاء الأصل ونقاء العرق[36].
وتُشكِّل الأسطورة الإغريقيَّة نواةً لتكوين ثقافة المركز، المُتسامي بجذوره وموروثاته، فالبروميثيّة رسالةٌ لإخراج الإنسانيَّة من مرحلة الوحشيَّة إلى دائرة التنوير التي كُلِّفَ بها الإنسان الغربيّ، ووفق هذا المنظور وضعت المنظومة الغربيَّة إستراتيجيَّةً للتعامل مع الآخر/ الهامش.
وقد تبنَّى الغرب الأساطير الإغريقيَّة كأداة تأسيسيَّةٍ لما تحمله من مضامين ودلالات حول الكون والإنسان وصراع العقل والعَاطفة، ومن هذه المُكوّنات استطاع الفكر الغربيّ استلهام الموروث الدينيّ، لأنَّهم يؤمنون ويعتقدون بفضلهم في تطوير الديانة المسيحيَّة نفسها والتعريف بها، فالتحوُّل المَعرفيّ المنبثق من المُنجز الأسطوريّ الإغريقيّ، سَاهم في تطوير العقيدة المسيحيَّة، بإنشائه الدراسات التيولوجيَّة (les études théologiques) وعلم الأديان ومقارنتها «إنَّ مفهوم الدِّين نفسه وطبيعته وتعريفه وأصُوله ظهرت في الغرب، وهو الذي نقلها إلى الحضارات والثقافات الأخرى»[37].

وتقرُّ المَنظومة الفكريَّة الغربيَّة باستحالة الفصل بين مفهومي الغرب والدين، فالمنظّرون يجمعون على ارتباطهما، والمسيحيَّة مكوِّنٌ أساسيٌّ ومركزيٌّ في نشأة الغرب، والغرب هو الفضاء الذي احتوى الدين ونشره باستعمال المناهج العقلانيَّة التي ساهمت في ظهور فلسفة الأديان والأنثربولوجيا، وقد أدار الغرب كلَّ حروبه وغزواته تحت شعار الدين لإضفاء القداسة على فتوحاته. يقولُ كريستوف كولومبس في يوميّات الرِّحلة الثالثة «يعلم ربُّنا حقَّ العلم أنَّني لا أتحمَّل هذه المُعاناة لكي أُحقِّق الثَّراء لنفسي، لأنَّني أعرف عن يقينٍ أنَّ كلَّ شيءٍ في هذا الزَّمن زائلٌ إلّا ما يجري عمله لوجه الرَّبِّ»[38].
وقد أثبتت الدِّراسات تَعانق الحركات الاستعماريّة والحركات التَّبشيريَّة التي تُبارك الفتوحات وتُبيح القتل خدمةً للرَّبِّ؟! وباستقراء حركة الكشوف الجغرافيَّة التي قادها الإسبان والبرتغاليّون يُعثر على أوامر بابويَّة تمنح للجيوش الحقَّ في استغلال أراضي الكفرة والتَّصدي لهم في حالة الرَّفض والمُقاومة[39].
وإمكانيَّة التَّواجد الأُحاديِّ مسألةٌ غير عقلانيّةٍ بالنِّسبة للفكر الغربيّ، فالدِّين والغرب شيئان متناظران ومتساويان، بحيث إنَّ «الغرب أنشأ الدِّين وعاش تحت عقده وعقيدته، وهو (أي الغرب) الذي أثار القضايا الميتافيزيقيَّة وحاول فهم العالم وتكيَّف مع الكيانات المتخيَّلة من (آلهة وأرواح وشياطين...»[40]. وبارتباط مفهوم الغرب بالجذور الأسطوريَّة للحضارة الإغريقيَّة والرُّومانيَّة، فإنَّه يمنح نفسه قوَّة المَعرفة وسُلطتها، وبانتمائه للديانتين اليهوديَّة والمسيحيَّة، فإنَّه يُضفي على وجوده طابع القداسة.
وقد صنعت هذه المُكوِّنات هويَّة جديدة للغرب، جعلته يعتقد ويؤمن بأداء مهمَّتين رئيسيَّتين، الأولى تنوير الآخر وتحريره من أغلال الوحشيَّة والبربريَّة، والثَّانية إثبات نقاء الحضارة الغربيَّة من مُساهمات الحضارات الأخرى[41].

وحول فكرة النَّقاء والصَّفاء النَّاتجة عن فكرة الاستعلاء العرقيّ الذي يعتبر كلَّ تفاعلٍ ثقافيٍّ أجنبيٍّ تشويهًا للهويّة الصَّافية، وقد استندت هذه الفكرة على مقاربة تعتقد بأنَّ الغرب وريث اليونان القديمة الذي أنجب روما وتوَّلد عن روما ميلاد أوروبا المسيحيَّة التي أنجبت بدورها عصر النَّهضة وفكر الأنوار الذي أشاع في العالم القيم الحضاريَّة السَّاميَّة، فالحضارة الناتجة عن سلسلة النَّسب العريق والنَّقي لا يُمكن إلّا أنْ تكون صافيةً ونزيهةً وخاليةً من الغريب والدَّخيل[42].
تشهدُ الثَّقافة الغربيَّة المُعاصرة سلسلة من الدَّراسات والمُناقشات تتعلَّق بثقافة المراجعات، وهي عبارةٌ عن أطروحات نقديَّة ومعرفيَّة تُحاول تفكيك مضامين راسخة في المرجعيَّات، منها ما تعلَّق بجذور الحضارة الغربيَّة ونقائها ومنها ما اتصل بأصول شعوبها وقوميّاتها.
وعلى الرَّغم من عراقيل وتشكيك المنظومة المركزيَّة الغربيَّة في علميَّة ومصداقيَّة هذه الدِّراسات إلّا أنَّ بعضها يُحاول تصحيح بعض المعارف المبثوثة والمنشورة في المعاجم والموسوعات العلميَّة، ومنها على سبيل التذكير، دراسة الباحث جون بول ديمول (Jean Paul Demoule) والتي أثار فيها إشكاليَّة الأصول والجذور العامَّة للشعوب الأوروبيَّة.
حيث تساءل الباحث في دراسة اعتبرت من الأبحاث الجريئة والمحطِّمة للأصنام والمقدّس (Iconoclaste) عن الأصول الهندوأوروبيَّة للحضارة الغربيَّة، وكيف تمَّ تجاهل هذه الأصول والجذور؟ وهل التَّهميش الذي طال هذا البعد التاريخيّ متعمّدٌ أم أنَّ وجود الشُّعوب الهندوأوروبيَّة مجرّد تخيُّلٍ وهميٍّ لانتماءٍ لم يتجاوز المِخيال الجمعيّ؟ وتدخل هذه الدِّراسة ضمن سلسلةٍ من الأبحاث والمناقشات التي تُحاول تفكيك المرجعيّات المُصطنعة التي شكَّلت أسطورة الغرب.
جاء في مقدِّمة الكتاب أنَّ الشُّعوب الهندوأوروبيَّة «هم أجدادنا، فهم شعبٌ صغيرُ العدد، حكم أوروبا وجزءًا من آسيا حتَّى إيران والهند، واليوم نتكلَّم اللُّغات الهندوأوروبيَّة التي منها اللُّغات الرومانيَّة التي تشمل الفرنسيَّة واللُّغات السلافيَّة ومنها الروسيَّة واللُّغات الجرمانيُّة وأيضاَ الألمانيَّة وهكذا»[43].

ويتعرَّض أصحابُ هذه الدِّراسات إلى حملات وعراقيل من المركزيَّة الغربيَّة التي تشكِّك في مصداقيَّة الأطروحات ومناهجها وموضوعيَّتها، إلّا أنَّ الباحثين يواصلون المراجعات؛ لإيمانهم بأنَّ هذه الدِّراسات خطوةٌ مُضيئةٌ على طريق بناء الهوية الأوروبيَّة الصَّحيحة لتتكيّف مع تحوّلات العولمة الثَّقافيَّة، ولإدراكهم بأنَّ عالم اليوم أصبح مفتوحًا فكريًّا ومعرفيًّا، وعلى المركزيَّة أن تبدأ في النَّقد الذاتيّ للأنا المُتضخّمة، قبل أن يبحث «الآخر» المُستضعَف في التراكمات التاريخيَّة عن حقيقة «الأنا» التي استضعفته وأذلَّته عبر مراحل التاريخ الطويل.
وعمومًا فإنَّ هذه المراجعات والتَّصورات المعرفيَّة والتاريخيَّة الجديدة تسعى إلى تجاوز الدراسات النَّمطيَّة التي أَسَرَتْ الغرب وسجنته ضمن هياكل تكوينيَّة جوفاء لم يقم عليها دليلٌ علميّ[44]، كما أنَّها تحاول أن تسبق مراجعات المدارس النقديَّة والفكريَّة الحداثيَّة (دراسات التَّابع وما بعد الكولونياليّة) التي تقدِّم قراءات تفكيكيَّة للأسُّس الأسطوريَّة لتأسيس مفهوم الغرب.

وبهذا المُنجز النَّقديّ تكون المركزيَّة الغربيَّة قد حقَّقت هدفين أساسين، الأوّل تثبيت الفكر النَّقديّ الذي تتبنّاه العقلانيَّة الأوروبيَّة كأداةٍ معرفيَّةٍ وإستراتيجيَّةٍ لبناء المفاهيم حتّى تتماشى مع نظريّات التَّلقّي والصَّدى وتتناسب مع رهانات العولمة، والثاني تهيئة مفهوم الغرب ليدخل سياق النهايات، وبالتالي التنبّؤ بموته اصطلاحيًّا؟

«الغرب» نهاية المفهوم
ولئن كان مفهوم الغرب قد فرض نفسه بقوَّةٍ في الحقل التَّداوليِّ المعرفيِّ والأيديولوجيِّ، فيبدو أنَّ سياق النِّهايات الذي سيطر على الفكر الإنسانيّ منذ نهاية القرن التَّاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الذي تنبّأ بنهاية كلِّ الأنساق والقيم والسَّرديّات والمرويّات.
فمن نهاية التَّاريخ عند هيجل «Fredrich Hegel»  (1770-1831) الذي اعتقد بنهاية التَّاريخ بعد انتصار الثَّورة الفرنسيَّة ومبادئها، إلى نهاية الدين بعد موت الإله عند نيتشه (1844- 1900) «Friedrich Nietzshe»، ونهاية الأيدولوجيا عند ستيوارت هيوز «Stuart Hughes» (1916-1999)، ونهاية الحداثة عند فرانسوا ليوتار «Jean-François Lyotard» (1924-1998) وهكذا ساد حديث النِّهايات الخطاب النخبويّ العالميّ لينتهي بتنبّؤ موت الغرب ونهايته أمام فتوحات العولمة والتحدّيات الكوكبيَّة الجديدة بعد ثورة عالم الاتصالات والسبرناتيَّة.
أفرزت المُتغيِّرات والتَّحوّلات التقنيَّة مراكز قوَّةٍ جديدةٍ بدأت تُبَشِّرُ بنهاية «الغرب» وتقويض هيمنته وانتشار نموذجه الثقافيِّ والمعرفيِّ والأيديولوجيِّ، وانتقلت مراكز القيادة من مركزيِّة الغرب/ الأوروبيّ إلى سُلطة الغرب/ الأمريكيّ.
وبناءً على آثار العَولمة وانعكاساتها السلبيَّة على الغرب الأوروبيّ، بدأت الدراسات الإستشرافيَّة تُحذِّر أوروبا من نهاية أسطورة الغرب، وتنبِّه من تعميم النموذج الأمريكيّ في الثَّقافة والفنِّ والسياسة؛ ممَّا يهدِّد الوجود الغربيّ ويحدُّ من نفوذه[45].
 وتغلب على هذه الدِّراسات الإستشرافيَّة نظرات سوداويَّةٌ ورُؤى مُتشائمةٌ حول زوال الغرب التقليديِّ الذي ساد ثقافيًّا وسياسيًّا، وذلك لأسباب موضوعيَّة، منها شيخوخة المُجتمع الغربيّ وتقلُّص نسبة الولادات، وتزايد حركة الهجرة من الجنوب «الغرب يموت، لقد توقّفت أممه عن التَّكاثر، وتوقّف سكّانه عن النموّ وبدأوا بالانكماش، ولم يقم منذ الموت الأسود الذي حصد أرواح ثلث سكّان أوروبا في القرن الرابع عشر تهديدًا أخطر لبقاء الحضارة الأوروبيَّة من هذا الخطر الماثل، اليوم هناك سبعة عشر بلدًا أوروبيًّا فيها جنازاتُ دفنٍ أكثر من احتفالات الولادة، وهناك أكفانٌ أكثر من المُهود»[46].
وفوبيا الانقراض الحضاريّ وفقدان النُّفوذ والسِّيادة وما يترتّب عليها من تراجعٍ في قيادة قاطرة العالم، جَعل الغربيّين يبحثون عن أسباب التَّقهقر والنُّفور العالميِّ من النَّموذج الأوروبيِّ والارتماء في النموذجين الأمريكيِّ والآسيويّ، فرأى هيرفي كيمف (Hervé Kempf) أنَّ الغرب بدأ ينتهي ويحلُّ محلَّه عالمٌ جديدٌ يولد من رحمه بعدما تمادى في الاستهلاك والإفراط في استخدام وسائل الطاقة المُلوِّثة للبيئة والمؤثِّرة على الصحّة البشريَّة، فالبديل في اعتقاده قد ينتج من فقدان «الغرب» لأدواره الرئيسة في التنوير، وتطرّفه في المساس بالبيئة والطبيعة؛ ممَّا يدفع الناس إلى البحث عن نماذج عالميَّة تنُوب عن الغرب الذي خسر رسالته[47].
والغرب مُهدَّدٌ في كيانه الثَّقافيّ والإجتماعيّ، وفي مناطق نفوذه؛ بسبب هيمنة النَّموذج الأمريكيّ وثقافة العولمة التي تسعى بمختلف مُرَكَّبَاتِها إلى تجاوز الفضاءات المُغلقة والمنظومات الفكريَّة والمركزيَّة المُتخندقة وراء مرجعيّات الإقصاء والتَّهميش، وتدعو إلى التَّكيُّف والتَّفاعل مع المُتغيّرات الجديدة الثقافيَّة والجيوسياسيَّة.
وموت الغرب من الأفكار والتيمات التي طفت على سطح الفكر الغربيّ المعاصر، بسلسلةٍ من المُناقشات والمُناظرات التي قادها الكاتب الفرنسيّ ريجيس دوبريه (1940) «Régis Debray[48]» بعضها، وقد قَدَّمَ مقاربات علميَّة ومنهجيَّة حول مستقبل الغرب (l’Occident) والغربويَّة (l’Occidentalisation) مُوجّهًا مجموعةً من الانتقادات والتحذيرات التي تهدِّد الغرب في هويَّته، وربما في وجوده ككيانٍ ثقافيٍّ وسياسيٍّ، ومنها تزايد النُّفوذ الأمريكيّ وسيطرة اللُّغة الإنجليزيَّة على مراكز البحوث العلميَّة والأكاديميَّة، وبالتوازي مع هذا الخطر يسير خطر بدأ يتشكَّل تدريجيًّا مع الزَّمن يتمثَّل في صعود القوى الماليَّة والتقنيَّة في آسيا، والتي تسعى إلى أن يواكب نموذجها الثَّقافيّ والعقائديّ نجاحها التقنيَّ والاقتصاديَّ[49].
وتعودُ أسباب انهيار الغرب بكلِّ منظوماته حسب بعض الباحثين إلى دواعٍ موضوعيَّةٍ مرتبطةٍ بالجُمود وعدم التجديد ووصول النَّموذج الثقافيِّ الغربيِّ إلى نهايته، لأنَّه تأسَّس على أساطير وهميَّةٍ، ومع الصَّيرورة الزَّمنيَّة افتقد النَّموذج للفاعليَّة التاريخيَّة التي تؤهّله ليكون نموذجًا وتصوّرًا عالميًّا، وهو الأمر الذي أشار إليه صامويل هنتغتون «Samuel Huntington» (1927-2008) في إحدى مقالاته، مؤكّدًا أنَّ الغرب فريدٌ ومتميِّزٌ في نموذجه، ولكن يفتقد للقدرة على الانتشار العالميّ، ليكون نموذجًا إنسانيًّا بالمفهوم الكوسموبوليتيّ[50]. بينما يُرجع آخرون موت الغرب إلى فقدان «الغرب/النَّموذج «(l’Occident modèle) لروح التجديد والنجاعة، بالإضافة إلى التناقضات التي تحتويها وتعتمدها المَنظومة الفكريَّة الغربيَّة؛ مما أدّى إلى فشلها شرقًا وغربًا. «يعود استيقاظ الهويّات والمُعتقدات في الشَّمال إلى فشل مشاريع التَّنميَّة والنَّماذج الثَّقافيَّة المُقترحة، أمَّا في الغرب فإنَّ الإفراط الاقتصاديَّ والتَّبذير الماليّ، وطغيان التقنيَّة، والمبالغة في الاستهلاك،أنتج فراغًا اجتماعيًّا وخلقيًّا ودينيًّا شجَّع على ظهور الأصُوليّات»[51].
وبفشل المَشروعِ الأُحاديِّ يكون التَّنوع الَّثقافيُّ واللُّغويّ والإثنيُّ بديلًا عن الأحاديَّة، ودعوة للاعتراف بالآخر المُختلف ثقافيًّا لتحقيق مَنظومةٍ فكريَّةٍ وثقافيَّةٍ إنسانيَّةٍ تتقلّص فيها المَسافةُ والفجوة بين المركز والهامش.
إنَّ انعدام التَّنوع والتَّعدُّد والاعتراف بالخصوصيّات مع فشل مشاريع التنميَّة في الشَّمال وهيمنة النَّماذج المركزيَّة واللاتوازن في توزيع الثَّروات ساعدَ وشَجَّعَ على البحث عن البدائل، وقد وجدت الشُّعوب وحتَّى النُّخب البديل في العودة إلى المنابع الثَّقافيَّة والمَوروثات الحضاريَّة التَّاريخيَّة، وبدأ يتعمَّق وعيها مع الأيام بمحدوديَّة النَّموذج الحداثيّ الغربيّ الذي يشتكي أنصاره ومريدوه العجز والمحدوديّة عن مقاومة المدِّ العولميِّ المتمثِّل في تدفق الثَّقافة الأمريكيَّة وسيطرتها على العالم، وبمعنى آخر «أمْركة» الغرب، «فالأَمْركة تعميمٌ لنمطِ معيشةٍ لحضارة نشأت وراء المُحيط الأطلسيّ(...) وتهدف إلى تصدير طرائق الإنتاج ونماذج الاستهلاك والمُمارسات السوسيو- ثقافيَّة إلى أوروبا الغربيَّة»[52].
فكرةُ موت الغرب، أُطروحة حتَّى وإِنْ أَصَّلَتْ لها دراسات علميَّة ومنهجيَّة، إلّا أنَّها تبقى ضمن ما اصطُلح عليه بالدِّراسات الاستشرافيَّة؛ ولهذا فإنَّ الموت ليس الموت الجُغرافيّ أو انتهاء الحدود الدوليَّة، كما لا تعني النِّهاية، نهاية حضارةٍ وتقنيةٍ، وإنَّما المقصود بفكرة النهاية، نهاية يوتوبيا الكونيَّة والعالميَّة لفكرة النَّموذج الغربيّ الأوحد الذي يُهيمن ويسيطر على العالم في أزليَّة لا متناهيَّة.
تأثيرات الغرب ستظلُّ حاضرةً ومستمرّةً ومتواصلةً عبر الأزمان والأجيال على اختلاف اللُّغات والثَّقافات والعقائد، ولكن إعادة تشكيل العالم وصهره وفق النظريَّة الغربيَّة رهانٌ صعبٌ -إن لم يكن مستحيلًا-، خاصَّةً بعد دخول فاعلين جدد بفضل العولمة، كما أنَّ إعادة اكتشاف الذات والآخر في دراسات التَّابع وما بعد الكولونياليّة أفرز مراكز وهوامش جديدة، بالتالي خرائط حضاريَّة وثقافيَّة جديدة، ولكن الغرب يبقى بالنسبة للأنا العربيَّة، عالم التطوُّر والحداثة والغرابة، وكما يقول مُترجم موسوعة لالاند (1867-1963) «André Lalande» «تذهب إلى الغرب طَالِبَ علمٍ، فتُصيبك الحداثة أو الغرابة (...) كنت أعتبر دومًا أنَّ «التغريب» هو مجرد أسطورةٍ سياسيَّةٍ، مجرّد شعارٍ لا واقع له»[53].



قائمة المصادر والمراجع
 الكتب باللغة العربيّة
باتريك جيه بوكانن، موت الغرب، أثر شيخوخة السكان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب، ترجمة: محمد محمود التوبة، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1425ھ/ 2005م، ص، 27.
تزيفيتان تودوروف، فتح أمريكا، مسألة الآخر، ترجمة: بشير السباعي، سينا للنشر، القاهرة، ط1، 1992.
جورج قرم، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب، ترجمة: رلى ذبيان، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2011.
حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب.
ريجيس دوبريه، زائر الفجر،كريستوفر كولومبس، مكتشف أم قرصان، ترجمة: ليلى غانم، الدار الجماهيريّة للنشر، طرابلس، 1994.
صوفي بسيس، الغرب والآخرون، قصّة هيمنة، ترجمة: نبيل سعد، سلسلة كتب عربيّة، www.Kotobarabia.com (د ت).
عبد الرحمن حسن حنبكه الميدانيّ، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، التبشير -الاستشراق- الاستعمار، دار القلم، دمشق، ط 8، 1420ھ/ 2000م.
طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاهيم اصطلاحيّة جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ترجمة: سعيد الغانمي، المنظّمة العربيّة للترجمة، لبنان، ط1، 2010.
مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، المتوفّى سنة (817ھ)، القاموس المحيط، مؤسّسة الرسالة، ط2، 1426ھ/ 2005م، بيروت.
محمّد أركون، الإسلام، أوروبا، الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، ط2، 2001.


المعاجم والموسوعات
ابن منظور، لسان العرب، المجلّد الأوّل، دار صادر بيروت، لبنان، 1979،
أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيّة، تعريب: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات بيروت، باريس، ط2، 2010.
الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، الجزء الرابع (باب الغين والراء والباء معهما).

باللغة الفرنسيّة
Allemand Sylvain, Dagorn René- Eric et Vilaça Olivier, l’Occident c’est l’Europe + l’Amérique du nord, la géographie contemporaine, collection Idées reçues, Ne, 102, cavalier bleu, Paris, 2005.
Daniel Cohen, Mondialisation ou occidentalisation?, Revue Sciences Humaines, 2007/3 (N°180).
Dubois Claude-Gilbert, Mythologies de l’Occident: les bases religieuses de la culture Occidentale, Editeur, Ellipses marketing, Paris, 2007.
Daniel Dubuisson, l’Occident et la religion, mythes, science et idéologie, Editions complexe, Bruxelles, 1998.
 Dictionnaire de l’académie Française, tome premier(A.K) Dupont, imprimeur-libraire, 1832.
Dominique Barjot et Christophe Réveillard (sous la direction) L’Américanisation de l’Europe Occidentale au XXe siècle, mythes et réalité, Presses de l’Université de Paris- Sorbonne, Paris, 2002.
Enrique Dussel, 1492 L’occulturation de l’autre, traduit de l’Espagnol par, Christian Rudel, Editions ouvrières, Paris, 1992.
Hakim Karki et Edgar Radelet, Et Dieu créa l’Occident, la place de la religion dans la conceptualisation de la notion de l’Occident, l’Harmattan, Paris, 2001.
Henry Panhuys, La fin de l’occidentalisation du monde: De l’unique au multiple, L’Harmattan, 2004, Paris.
Hervé Kempf, Fin de l’Occident, naissance du monde, Seuil, 2013, Paris
http://www.larousse.fr//francais/occident/55482.
Jacques Attali, Pierre Henry- Salfati, l’Invention de l’Occident, documentaire, ARTE, réalisé par, Pierre Henry- Salfati, 2015.
Jean Paul Demoule, Mais ou sont passés les Indo-Européens, Editions du Seuil, introduction, 2014.
 Latouche Serge, L’Occidentalisation du monde. Essai sur la signification, la portée et les limites de l’uniformisation planétaire, La Découverte/Poche, 1989, Série “Essais”, N° 203, Paris.
Lucian Boia, La Fin de l’Occident? Traduit par, l’ADARL, Manitoba Editions, Paris, 2018.
Michel Onfray, Décadence, FLAMMARION, Paris, 2017.
Philippe Nemo, Qu’est ce que l’Occident, Editions, Puf, collection Quadrige, Paris, 2013.
 Richard Martineau, Occident: le début de la fin?, https://www.journaldemontreal.com/2017/01/16/occident--le-debut-de-la-fin
Roger-Pol Droit, l’Occident expliqué à tout le monde, Edition du Seuil, Paris, 2008.
Samuel P, Huntington, The West: Unique Not Universal, Foreign Affairs, November/December, 1996.
Serge Latouche, l’Occidentalisation du monde, essai sur la signification, la portée et les limites de l’uniformisation planétaire, la découverte, Paris, 2005.
Sylvain Gouguenhein, Aristote au Mont-Saint-Michel, les racines grécques de l’Europe chrétienne. Edition du Seuil, Paris, 2008.

-----------------------------------------
[1]*- أستاذ محاضر، جامعة تبسه، الجزائر.
[2]- Latouche Serge, L’Occidentalisation du monde. Essai sur la signification, la portée et les limites de l’uniformisation planétaire, La Découverte/ Poche, 1989, Série “Essais”, N° 203,Paris.
[3]- Daniel Cohen, Mondialisation ou occidentalisation?, Revue Sciences Humaines, 2007/3 (N°180).
[4]- Henry Panhuys, La fin de l’occidentalisation du monde: De l’unique au multiple, L’Harmattan, 2004, Paris, p25.
[5]- م.ن، ص35.
[6]- م.ن، ص39.
[7]- Hervé Kempf, Fin de l’Occident, naissance du monde, Seuil, 2013, Paris.
[8]- Lucian Boia, La Fin de l’Occident? Traduit par, l’ADARL, Manitoba Editions, Paris, 2018.
[9]- Michel Onfray, Décadence, FLAMMARION, Paris, 2017.
[10]- Richard Martineau, Occident: le début de la fin?,
 https://www.journaldemontreal.com/2017/01/16/occident--le-debut-de-la-fin
[11]- Roger-Pol Droit, l’Occident expliqué à tout le monde, Edition du Seuil, Paris, 2008, p10.
[12]- Serge Latouche, l’Occidentalisation du monde, essai sur la signification, la portée et les limites de l’uniformisation planétaire, la découverte, Paris, 2005, p11.
[13]- ابن منظور، لسان العرب، المجلّد الأوّل، مرجع سابق، ص638.
[14]- الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، مرجع سابق، الجزء الرابع (باب الغين والراء والباء معهما)، ص410.
[15]- مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزأبادي، المتوفى سنة (817ھـ)، القاموس المحيط، مؤسّسة الرسالة، ط2، 1426ھـ/ 2005م، بيروت، ص120.
[16]- Dictionnaire de l’académie Française, tome premier (A.K) Dupont, imprimeur-libraire, 1832, p181.
[17]- م.ن، ص181.
[18]- http://www.larousse.fr//francais/occident/55482 6-
[19]- محمّد أركون، الإسلام، أوروبا، الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، ط2، 2001، ص5.
[20]- Hakim Karki et Edgar Radelet, Et Dieu créa l’Occident, la place de la religion dans la conceptualisation de la notion de l’Occident, l’Harmattan, Paris, 2001, p26.
[21]- لا تنفي الوحدة الاقتصاديّة الأوروبيّة وجود خصوصيّات ثقافيّة وهويّات متنوّعة، ولكن التنوّع الثقافيّ والإثنيّ واللغويّ تمَّ احتواؤه في الغرب الأوروبيّ بواسطة ثقافة المواطنة والعدالة الاجتماعيّة وتجريم العنصريّة. هذه العوامل ساعدت على إدارة التنوّع والتعدّد، فأصبح مصدر ثراء وخصوبة للدولة الوطنيّة، ففي ميدان اللغة مثلًا تتكلّم بلجيكا في أقاليمها ومقاطعاتها أربعة لغات هي: الفرنسيّة والهولنديّة والألمانيّة، بالإضافة إلى بعض اللغات المحلّيّة.
[22]- باحثة فرنسيّة من مواليد تونس سنة 1947، تولَّت رئاسة تحرير مجلّة جون أفريك (Jeune Afrique) وترأس حاليًّا معهد العلاقات الدوليّة والإستراتيجيّة بباريس.
[23]- يستعمل لفظ «الاكتشاف» كتعبير شائع فقط، فالمراجعات التاريخيّة أثبتت أنّ هذه الحملة صاحبتها إبادة جماعيّة للسكّان الأصليّين وطمس متعمّد لثقافاتهم وهويّاتهم، وبالتوازي مع القتل ساد خطاب دينيّ وثقافيّ يكرّس دونيّة هذا «الآخر» ويشرعن ويبيح القتل والنهب والسلب «ولم يكن البحّارة وحدهم هم الذين كانوا يأملون في أن يصبحوا أغنياء؛ ذلك أنّ مساندي الحملة أنفسهم، حكّام أسبانيا، ما كان يمكن لهم أن يغامروا ويشرعوا بهذا المشروع دون الأمل في الحصول على مكسب» تزيفيتان تودوروف، فتح أمريكا، مسألة الآخر، ترجمة بشير السباعي، سينا للنشر، القاهرة، ط1، 1992، ص15.
[24]- صوفي بسيس، الغرب والآخرون، قصّة هيمنة، ترجمة: نبيل سعد، سلسلة كتب عربيّة،
www.Kotobarabia.com (د ت).
[25]- Enrique Dussel, 1492 L’occulturation de l’autre, traduit de l’Espagnol par, Christian Rudel, Editions ouvrières, Paris, 1992, p5.
[26]- Hakim Karki et Edgar Radelet, Et Dieu créa l’Occident, la place de la religion dans la conceptualisation de la notion de l’Occident, Ibid, p25.
[27]- جورج قرم، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب، ترجمة: رلى ذبيان، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2011، ص40.
[28]- حسن حنفي، مقدّمة في علم الاستغراب، مرجع سابق، ص113.
[29]- Serge Latouche, l’Occidentalisation du monde, essai sur la signification, la portée et les limites de l’uniformisation planétaire, Ibid, p11.
[30]- Dubois Claude-Gilbert, Mythologies de l’Occident: les bases religieuses de la culture Occidentale, Editeur, Ellipses marketing, Paris, 2007, p8.
[31]- ريجيس دوبريه، زائر الفجر،كريستوفر كولومبس، مكتشف أم قرصان، ترجمة: ليلى غانم، الدار الجماهيريّة للنشر، طرابلس، 1994، ص33.
[32]- طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاهيم اصطلاحيّة جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ترجمة: سعيد الغانمي، المنظّمة العربيّة للترجمة، لبنان، ط1، 2010، ص523.
[33]- حسن حنفي، مقدّمة في علم الاستغراب، مرجع سابق، ص113.
[34]- Allemand Sylvain, Dagorn René- Eric et Vilaça Olivier, l’Occident c’est l’Europe + l’Amérique du nord, la géographie contemporaine, collection Idées reçues, Ne, 102, cavalier bleu, Paris, 2005, p70.
[35]- طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاهيم اصطلاحيّة جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، مرجع سابق، ص523.
[36]- Jacques Attali, Pierre Henry- Salfati, l’Invention de l’Occident, documentaire, ARTE, réalisé par, Pierre Henry- Salfati, 2015.
[37]- Daniel Dubuisson, l’Occident et la religion, mythes, science et idéologie, Editions complexe, Bruxelles, 1998, p17.
[38]- تزيفيتان تودوروف، فتح أمريكا، مسألة الآخر، مرجع سابق، ص16.
[39]- أصدر البابا نيقولا الخامس مرسومًا في عام 1454م يعطي البرتغاليّين حقًّا في أراضي الكفرة على الساحل الغربيّ لإفريقيا، وأكّد ذلك البابا كالكستس الثالث عام 1456م، ثمّ أصدر البابا اسكندر الثالث في عام 1493م مرسومًا يمنح التاجر الإسبانيّ الحقّ المطلق في المتاجرة مع البلاد التي اكتشفت، بشرط أن تدخل تلك الشعوب إلى المسيحيّة وتعتنقها. ينظر كتاب، عبد الرحمن حسن حنبكه الميداني، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، التبشير-الاستشراق- الاستعمار، دار القلم، دمشق، ط 8، 1420ھـ -2000م.
[40]- Daniel Dubuisson, l’Occident et la religion, mythes, science et idéologie, Ibid, p22.
[41]- تذهب المركزّية الغربيّة في خطابها إلى مقاربة نقاء الحضارة الغربيّة من المؤثّرات الأجنبيّة، خاصّة تأثير الحضارات الشرقيّة، وترى أنّ المساهمات في حالة وجودها فهي لا تشكّل ملمحًا قويًّا يمكن إدراكه، فحتّى المترجمين العرب الذين نقلوا العلوم والفلسفات، كانوا وسطاء بأدوار بسيطة وضئيلة، بينما يعود الفضل في نقل العلوم والفلسفة إلى مراكز الترجمة الغربيّة، كتلك الموجودة في مون سان ميشال Mont-Saint Michel بفرنسا .ينظر كتاب:
Sylvain Gouguenhein, Aristote au Mont-Saint-Michel, les racines grécques de l’Europe chrétienne. Edition du Seuil, Paris, 2008.
[42]- هذا الطرح تُفنِّده دراسات غربيّة متعدّدة، حيث أثبتت أنّ فكرة نقاء الحضارة الغربيّة وعدم تأثرها بالحضارات الأخرى مسألة وهميّة، لا ترتكز على معايير علميّة، ومن تلك الدراسات:
- مارتن برنال، أثينة السوداء، الجذور الأفرو أسيويّة للحضارة الكلاسيكيّة، الجزء الأوّل، تلفيق بلاد الإغريق، ترجمة أحمد عثمان، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002. والكتاب يقع في جزءين ويحمل الجزء الثاني عنوان، النهاية البطوليّة لعصر بطوليّ، ترجمة محمد إبراهيم السعدني.
- جون أم هوبون، الجذور الشرقيّة للحضارة الغربيّة، ترجمة منال قابيل، مكتبة الشروق الدوليّة، 2006. يذهب مؤلّف الكتاب إلى إثبات أنّ الغرب قد استفاد من موارد الشرق البشريّة والفكريّة لإنشاء نهضته وحضارته.
[43] - Jean Paul Demoule, Mais ou sont passés les Indo-Européens, Editions du Seuil, introduction, 2014.
والدكتور جون بول ديمول (1947) عالم أثار ومؤرّخ، وهو أستاذ التاريخ القديم الأوروبيّ بجامعة باريس1 السوربون–البانتيون (Paris-1, Panthéon-Sorbonne).
[44]- من بين الأفكار التي يتمّ مراجعتها، الأساطير التكوينيّة والبنيويّة لنشأة مفهوم الغرب، والتي ما تزال تتكرّر في البحوث الحديثة والمعاصرة، ففي كتاب فيليب نيمو Philippe Nemo الصادر حديثًا والذي جاء في شكل تساؤل «ما هو الغرب»، يزعم أنّ الغرب هو نتيجة للمعجزة اليونانيّة بعلمها وفلسفتها، ولفكرة الإنسانيّة التي ظهرت في الحضارة الرومانيّة، ولأخلاقيّات الكتاب المقدّس والتجديد البابويّ في القرنين الحادي عشر والثالث عشر.. وهو بهذا يُعِيدُ الأفكار المكرَّسة لنقاء الغرب وحضارته من أيّ مؤثّر أجنبيّ. ينظر كتاب:
Philippe Nemo, Qu’est ce que l’Occident, Editions, Puf, collection Quadrige, Paris, 2013.
[45]- الخوف من انكماش سلطة «الغرب» وزوال هيمنته على العالم لا علاقة له في هذا المقام بأطروحة المفكّر والمؤرّخ والفيلسوف الألمانيّ أوسفالد شبينغلر (1880-1936) «Oswald Spengler» الذي طرح فكرته «انحدار الغرب» (Le Déclin de l’Occident) سنتي 1919 و1922، وفيها بسط رؤيته حول الحضارات ورأى أنّ نهايتها مسألة طبيعيّة، لأنّ كلّ حضارة تنشأ(تولد) ثمّ تتطوّر وتنتكس ثمّ تموت، وهي رؤية قد أشار إليها عبد الرحمن بن خلدون في تاريخ العمران.
وكتاب «انحدار الغرب» مترجم إلى اللغة العربيّة تحت عنوان «تدهور الحضارة الغربيّة» في جزءين من طرف أحمد الشيباني، ونُشر بدار مكتبة الحياة ببيروت.
[46]- باتريك جيه بوكانن، موت الغرب، أثر شيخوخة السكّان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب، ترجمة محمد محمود التوبة، مكتبة العبيكان، الرياض، ط 1، 1425ھـ– 2005م، ص27.
[47]- Hervé Kempf, Fin de l’Occident, naissance du monde, Editions du Seuil, 2013.
[48]- كاتب ومفكّر فرنسيّ وموظّف سام اشتهر بالتنظير لعلم الميديولوجيا Médiologie (علم يختصّ بدراسة وسائل الاتصال والتواصل وتأثيرها في الإنسان من ناحية تشكّل الوعي والأيدولوجيا).
[49]- من المناظرات التي تطرقت إلى نهاية الغرب وموته كتابي ريجيس دوبريه، الأوّل:
Régis Debray et Reynaud Girard, Que reste-t-il de l’occident? Editions Grasset, Paris, 2014.
والثاني:
 Régis Debray et Pierre Brochaud, l›Occident se meurt-il? Editeur André Versaille, Paris, 2014.
[50]- Samuel P, Huntington, The West: Unique Not Universal, Foreign Affairs, November/December, 1996.
[51]- Henry Panhuys, La Fin de l’Occidentalisation du monde; de l’unique au multiple, l’Harmattan, Paris, 2004.
[52]- Dominique Barjot et Christophe Réveillard (sous la direction) L’Américanisation de l’Europe Occidentale au XXe siècle, mythes et réalité, Presses de l’Université de Paris- Sorbonne, Paris, 2002, p7.
[53]- أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيّة، تعريب: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات بيروت، باريس، ط2، 2010، ص28 (غ).