البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحروب والصراعات الغربيّة (صراع الأباطرة)

الباحث :  علا عبد الله خطيب محمد
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  32
السنة :  خريف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 25 / 2024
عدد زيارات البحث :  494
تحميل  ( 530.782 KB )
الملخص
لقد شهدت أوروبا في العصور الوسطى، التي امتدّت مِن القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي، تطوّرات عدّة في المجالات كافّة، فمِن الطبيعي خلال هذه المدّة الطويلة التي فصلت بين التاريخ القديم والتاريخ الحديث أنْ تجري تحوّلات تاريخيّة أدّت إلى تغيير الكثير مِن المبادئ والمفاهيم السياسيّة، وإلى تبدّل في العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة، ومِن جملة ذلك ما حدث مِن صراعات وحروب دامية بين ملوك أوروبا وحكّامها، جعلت أرض أوروبا ساحة لتنافس الممالك وللصراع الإيديولوجي والإقطاعي، وقد أسفر ذلك عن تحرّك القبائل مِن أقصى الشمال إلى الجنوب، ومِن الشرق إلى الغرب، فأسَّست دول، وسقطت أخرى، وحافظت أخرى على نفسها، وكذلك تغيَّرَ النظام الاقتصادي نتيجة ظهور الإقطاعيين وكبار الملاَّكين.
يعالج هذا البحث بالعرض والتحليل جانبًا مما استفاضت به المصادر التاريخية في قضيتي الكنيسة والحرب في القرون الوسطى، فالكنيسة هي صاحبة السيادة مِن دون منازع، وفكرة الحروب لا يمكن فصلها عن أيّة حركة مِن حركات العصور الوسطى الأوروبيّة، وما نتج عن هذه الحروب والصراعات من تصدّع داخلي وآثار سلبية في كل المجالات.

كلمات مفتاحية: الصراعات الغربية، حروب الجرمان، الأباطرة، مملكة القوط، مملكة البرجنديين، مملكة الألان والوندال، مملكة القوط الشرقيين، مملكة اللومبارديين، مملكة الآنغلو-ساكسون، مملكة الفرنجة.

مقدّمة
شهدت أوروبا خلال عشرة قرون (مِن القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي) تحوّلات جذريّة وتقلّبات سياسيّة واقتصاديّة، وكذلك اجتماعيّة ودينيّة، وعاشت عصرًا مظلمًا؛ إذ كان مستوى الثقافة والتعليم في غاية الانحطاط، وكانت كثير مِن المعتقدات تعتمد على الأساطير والروايات الخالية والخرافات، لذلك نبتغي في هذا البحث أنْ نلقي الضوء عن كثب على الآثار التي خلَّفتها الحروب التي شهدتها أوروبا في هذه المدّة، والتغيّرات التي طالت مختلف جوانب الحياة على إثرها.
عقبَ سقوط الإمبراطوريّة الرومانيّة بأيدي البرابرة الجرمانيين سنة 476م، تكوَّنت ممالك بربريّة جديدة، مثل مملكة الفرنجة في فرنسا، ومملكة القوط الغربيين في إسبانيا، ومملكة القوط الشرقيين في إيطاليا، ومملكة الوندال في شمال أفريقيا، لكنْ لم تشهد أوروبا قيام إمبراطوريّة كبرى ذات صفة عالميّة، فإمبراطوريّة شارلمان الكارولنجيّة، وإنْ كانت ذات سيادة، إلّا أنَّها لم تمثِّل دولة اقتصاديّة، ولم تستطع أنْ تمثّل التطوّر الإقطاعي وتسايره، وسرعان ما تجزّأت إلى ممالك صغيرة تتناحر وتتصارع فيما بينها، وهذه حال أوروبا عامّة في عصورها الوسطى.

مِن المعروف أنَّ تاريخ أوروبا في هذه الحقبة قد اشتهر بسيادة مكوِّنين اثنين هما: الدين والحرب، بل نكاد لا نجد شيئًا ذا بال في مرحلة القرون الوسطى إلّا سيطرة هذين الجانبين، فالكنيسة هي صاحبة السيادة مِن دون منازع، وفكرة الحروب لا يمكن فصلها عن أيّة حركة مِن حركات العصور الوسطى الأوروبيّة، فها هي حروب الجرمان، وتلك المرتبطة بالفروسيّة والإقطاع الذي كانت ركيزته الأساسيّة الأرض، وعلى إثره انقسم المجتمع إلى طبقات وفئات، ومِن هنا كان الأسياد وكبار المُلَّاك هم مِن الملوك والأباطرة، في مقابل طبقة الفلّاحين والأقنان والعبيد، وأصبحت طبقة الفقراء تشمل الذين يعملون في أراضي الإقطاعيين وممتلكاتهم، وهي الطبقة الرئيسة المنتِجة في أوروبا في عصورها الوسطى.

أوّلًا: الممالك التي تشكّلت في أوروبا
قبل الحديث عن الحروب والصراعات التي شهدتها أوروبا بين ملوكها وحكّامها، لا بدّ مِن التعريف بالممالك التي تشكَّلت على أراضيها، والتي سُفِكَ فيها الكثير مِن الدماء، وأُزهِقت أثناءها الكثير مِن الأرواح، وكان نتيجتها تشكّل هذه الممالك على دماء الكثير مِن الأبرياء في أعقاب سقوط الإمبراطوريّة الرومانيّة وعلى أنقاضها، والبداية بـ:

مملكة القوط الغربيين[2]:
تألَّفت هذه المملكة مِن مجموعة مِن القبائل البربريّة التي استقرّت في جنوب غاليا، وقد ظهرت هذه القبائل على مسرح الأحداث حين استخدمهم الإمبراطور البيزنطي فالانس كقوّة تحمي حدود إمبراطوريّته مِن خطر قبائل الهون، فسمح لهم بالإقامة جنوب نهر الدانوب الأدنى مقابل خدمة بلاده بحماية حدود أرضه والدفاع عنها ضدّ أعدائه، ثمَّ أساء البيزنطيّون معاملتهم وفرضوا عليهم الضرائب الباهظة، واضطرّوهم إلى بيع أولادهم ونسائهم عبيدًا مِن أجل تسديد الضرائب. كلّ ذلك يعكس دناءة أخلاق البيزنطيين باستغلال القبائل الضعيفة واللاجئة لهم، وتسخيرها لخدمة مصالحهم وتأمين احتياجاتهم؛ لأنَّهم ينظرون إليهم بوصفهم عبيدًا فحسب، والتصدّي لأعدائهم بدروع بشريّة لا تنتسب إليهم. هذا الوضع الاجتماعي المضطرب وغير المتوازن الذي لم يحفظ للبرابرة حقوقهم وأمانهم، جعل الأمر يزداد سوءًا، ودفعهم إلى الثورة على السلطات الرومانيّة (البيزنطيّة)، وانضمّ إلى ثورتهم عدد كبير مِن العبيد المضطهدين، وبعض أفراد الجيش البيزنطي الذين هم مِن أصل بربري، ونتيجة ذلك استطاع القوط الغربيّون أنْ يوقعوا الهزيمة بالجيش البيزنطي، وأنْ يقتلوا الإمبراطور فلانس في معركة جرت بين الطرفين عند مدينة أدريانوبل سنة 378م.
وقد اقترب القوط الغربيّون مِن حدود العاصمة البيزنطيّة، وهدَّدوا باحتلالها، فاضطرّ الإمبراطور البيزنطي إلى أنْ يسمح لهم بالإقامة في منطقة تراكيا، لكنَّهم استمرّوا في تهديد البيزنطيين، وزحفوا بقيادة زعيمهم ألارك مِن تراكيا إلى مكدونيا واليونان، وهم يدمّرون وينهبون ما يجدونه في طريقهم. ولم يستطع البيزنطيّون التصدّي لهم إلّا بعد الاستعانة بقوّات عسكريّة جاءت مِن روما بقيادة ستيليكو، فاضطرّ القوط الغربيّون للانسحاب مِن اليونان، وتجمّعوا في شبه جزيرة المورة.

بعد احتلال روما زحف القوط الغربيّون إلى جنوب إيطاليا، وأزمعوا على احتلال صقليّة وشمال أفريقيا، لكنَّ سفنهم تعرّضت لعواصف بحريّة، فاضطرّوا إلى التراجع، كما مات زعيمهم ألارك في أثناء هذه الحملة الفاشلة، ونُصِّب زعيم جديد اسمه أوتولف، ففاوض هذا الزعيم الإمبراطور البيزنطي أويوريوس على السماح لشعبه القوطي بالاستيطان في جنوب غرب غاليا، فوافق الإمبراطور الروماني على طلب أوتولف. وهكذا أسَّس القوط الغربيّون مملكة لهم في جنوب غرب غاليا وشمال إسبانيا، واتّخذوا مدينة تولوز عاصمة لهذه المملكة. وقد ظلّ القوط الغربيّون يحكمون إسبانيا (بعد أنْ استقرّوا في جنوب غرب غاليا، توسّعوا جنوبًا فسيطروا على معظم إسبانيا) حتّى فتحها العرب المسلمون أوائل القرن الثامن الميلادي.

تدلّ الحروب التي نشأت بين البيزنطيين وشعوب القوط على الهوّة الكبيرة التي كانت قائمة بين بيزنطة والشعوب التي كانت تحت سلطتها وافتقارها لمبادئ التسامح والمثل والقيم الإنسانيّة، وما استخدام القوّة إلّا وسيلة لإخضاع الشعوب واستعبادها ونهب ثرواتها.

مملكة البرجنديين[3]
قامت هذه المملكة في الجنوب الشرقي مِن غاليا وشمال إسبانيا. والبرجنديّون قبائل جرمانيّة كانوا يقطنون في القسم الشرقي مِن ألمانيا، وكانوا يعملون في القرن الرابع الميلادي بوصفهم جنودًا مرتزقة في الجيش الروماني، ثمَّ تركوا موطنهم ورحلوا نحو الغرب تجنّبًا للصدام مع قبائل الهون، فوصلوا إلى جنوب غاليا التي كانت تخضع للسيادة الرومانيّة. وقد خاضوا سنة 451م معركة السهول الكاتالونيّة ضدّ الهون، فسمح لهم الرومان بالإقامة في جنوب شرق غاليا، بعدها توسّع البرجنديّون في شمال إسبانيا، وأسَّسوا مملكتهم في هذه المنطقة.

مملكة الألان والوندال في شمال أفريقيا[4]
اصطدم القوط الغربيّون في أثناء سيطرتهم على إسبانيا بأقوام الألان والوندال، ممّا أجبرهم على الرحيل إلى شمال أفريقيا، وعندما وصلوا إلى شمال أفريقيا اصطدموا بثورة شعبيّة دعت لتطبيق المبادئ المسيحيّة الأساسيّة وتحقيق المساواة الاجتماعيّة بين جميع المسيحيين، لكنَّ القوّات الرومانيّة استطاعت بمساندة الكنيسة البابويّة والطبقة الأرستقراطيّة في شمال أفريقيا أنْ تُخمد هذه الثورة بالقوّة. على إثر ذلك، صفَّ الفقراء المتمرِّدون في شمال أفريقيا إلى جانب الألان والوندال، وعدُّوهم بمنزلة المنقذين لهم مِن تعسّف الرومان واستغلال الأرستقراطيين. وهكذا سقطت قرطاجة بأيدي الألان والوندال سنة 439، ولم تُقبِل سنة 455 إلّا وكانوا قد سيطروا على شمال أفريقيا وتمكّنوا مِن طرد آخر جندي روماني.

لقد كان استخدام القوّة المفرطة مِن قبل الرومان، وابتعادهم عن تحقيق قيم العدالة والمساواة، سببًا في سقوط إمبراطوريّتهم واندثارها.
مملكة القوط الشرقيين في إيطاليا[5]

تألَّفت هذه المملكة مِن مجموعة قبائل بربريّة جرمانيّة قطنت بداية في شمال البحر الأسود، ثمَّ رحلت نحو الغرب إلى ضفاف الدانوب، وهاجمت إيطاليا سنة 489 وخاضت معارك عسكريّة طاحنة مع قوات آدواكر العسكريّة، وانتصرت عليه عند أيسونزو Isonzo، واستولت على فيرونا، وسيطرت على معظم إيطاليا، ثمَّ حاصرت هذه القبائل آدواكر في مدينة رافنا، واستدرجته إلى مفاوضة، وتمكّنت مِن قتله غدرًا. بعد ذلك أسَّس القوط الشرقيّون مملكة لهم في إيطاليا، وحاولوا مدَّ نفوذهم إلى الممالك البربريّة المجاورة. وقد دخلت هذه المملكة في صراع مع البيزنطيين الذين خشوا مِن أنْ يؤسِّس القوط الشرقيّون إمبراطوريّة مِن تلك الممالك البربريّة في غرب أوروبا، فأخذوا يعدُّون العُدَّة لإحباط هذا المشروع الذي يمثِّل خطرًا كبيرًا على بيزنطة.
زحفت سنة 536 الجيوش البيزنطيّة إلى إيطاليا، وخاضت مع القوط الشرقيين عدّة معارك في البرِّ والبحر على مدار عشرين عامًا، تمكّن على إثرها البيزنطيّون مِن القضاء على مملكة القوط الشرقيين بعد أنْ عاشت ما يقارب نصف قرن[6].

مملكة اللومبارديين في إيطاليا[7]
اللومبارديّون هم مجموعة قبائل بربريّة جرمانيّة، قطنوا عند وادي نهر الأودر والجزء الأدنى شمال مصب نهر الألب في القرن الأوّل الميلادي، وقد دخلوا في القرن السادس الميلادي في صراع مع جيرانهم مِن الشعوب الجرمانيّة، مثل الجبيداي، وانتصروا في ختام هذا الصراع سنة 867 نتيجة تحالفهم مع عنصر الآفار الذي خلف الهون في الأجزاء الشرقيّة والوسطى مِن أوروبا[8]. بعد ذلك سمح لهم الإمبراطور البيزنطي جستنيانوس الأوّل بالإقامة جنوب نهر الدانوب مِن أجل استثمارهم بوصفهم جنودًا مرتزقة في جيش الإمبراطوريّة البيزنطيّة؛ كي يراقبوا تحرّكات قبائل الجبيداي الذين أسَّسوا مملكة شمال نهر الدانوب الأوسط، كما انضمّت بعض الفرق اللومبارديّة إلى الجيوش البيزنطيّة التي حاربت القوط الشرقيين في إيطاليا.

مملكة الآنغلو-ساكسون في بريطانيا[9]
بدأت القبائل الآنغلو-ساكسونيّة الجرمانيّة تغزو بريطانيا منذ منتصف القرن الخامس، وعلى الرغم مِن المقاومة العنيفة التي أبداها الكلت، تمكّن الآنغلو-ساكسون مِن احتلال بريطانيا، فانسحب الكلت إلى بعض المناطق الشماليّة والغربيّة، في حين خضع الآخرون لسلطة الغزاة وانصهروا في مجتمعهم. في البداية لم يستطع الغزاة الآنغلو-ساكسون توفير وحدة سياسيّة في بريطانيا، بل أقاموا فيها سبع ممالك كانت تتناحر فيما بينها، لكنْ فيما بعد تمكَّن ملك مقاطعة كنت مِن أنْ يوحِّد هذه الممالك السبعة في مملكة واحدة تحت سلطته.

مملكة الفرنجة[10] في غاليا
الفرنجة هم مجموعة قبائل بربريّة جرمانيّة أشهرها قبائل الساليين، والريبوير، والشامات. بدأوا يغيرون مِن وراء نهر الراين على غاليا منذ القرن الثالث الميلادي، ثمَّ استوطنوا في القسم الشرقي مِن غاليا في القرن الرابع ومطلع القرن الخامس، كانت غاليا آنذاك ولاية رومانيّة، لذلك حاول الرومان أنْ يمنعوا الفرنجة مِن الاستيلاء عليها، لكنَّ الرومان عجزوا عن صدّ غزوات الفرنجة، فاضطرّوا فيما بعد إلى أنْ يسمحوا لهم بالاستيطان في القسم الشرقي مِن غاليا، شريطة أنْ يكونوا حلفاء للرومان يدافعون عن حدودهم في المناطق المجاورة لهم.
وبعد سقوط عرش روما بأيدي الجنود المرتزقة الجرمان، أخذ الفرنجة غاليا كلّها مِن الرومان، وأسّسوا فيها مملكة فرنجيّة تطوّرت إلى إمبراطوريّة في عهد شارلمان، ثمَّ انقسمت إلى عدّة ممالك وإمارات في القرن التاسع.
يُعدُّ الملك كلوفس 486-511م المؤسِّس الحقيقي لدولة الفرنجة، فبعد أنْ تمكَّن مِن القضاء على فلول الرومان، أخذ يعمل على مدّ نفوذه للسيطرة على المناطق الشماليّة مِن غاليا، واستطاع أنْ يجبر البرجنديين سنة 500م على دفع الجزية والاعتراف بالتبعيّة لمملكته[11].
كما خاض كلوفس حربًا في عام 507م ضدّ القوط الغربيين، وقتل ملكهم ألرك الثاني بعد أنْ هزمه في فوجليه vougle، كما استولى في عام 508 على تولوز، ممّا أجبره على الاصطدام بالقوط الشرقيين الذين تدخّل ملكهم ثيودريك لنجدة أقربائه[12]. وتمّ إنهاء الخلاف بين الفرنجة والقوط بالاتّفاق على أنْ يحتفظ كلوفس بجزء مِن مملكة القوط الغربيين، يمتدّ حتّى نهر الجارون –بما فيه مدينة تولوز- في حين احتفظ ثيودريك بإقليمي بروفانس وناربونيس[13].

قبل وفاة كلوفس عام 511، قسَّم مملكته الواسعة بين أبنائه الأربعة، وعلى الرغم مِن هذا التقسيم، إلّا أنَّ توسّع الفرنجة لم يتوقّف؛ ففي سنة 530 استولى الفرنجة على ثورنجيا، كما استولوا على أقاليم ناربونيس (سبتمانيا) سنة 531، وأفرون سنة 532، وبرجنديا سنة 534، وبافاريا سنة 554-555، وجاسكوني سنة 567، وممّا ساعد على تحقيق النصر في هذه الفتوحات وازدياد نفوذ الفرنجة، أنَّ لوثر الأوّل استطاع توحيد مملكة الفرنجة سنة 588 بعد وفاة أخوته الثلاثة؛ أي إنَّه حكم جميع أقسام مملكة كلوفس فضلًا عن برجنديا وثورنجيا وبروفانس وبافاريا[14].

بعد هذا الاستعراض السريع للممالك المختلفة التي غزت أوروبا وسيطرت على أجزاء مختلفة منها، زاهقة الكثير مِن الأرواح، لا بدّ لنا الآن مِن أنْ ننتقل للحديث عن نتائج هذا الغزو والاحتلال، وما خلَّف مِن آثار وتحوّلات طالت مختلف مناحي الحياة في أوروبا.

نتائج غزوات القبائل والشعوب لأوروبا
لقد تمخَّض عن سيطرة القبائل الجرمانيّة على أوروبا وتأسيس ممالك لها هناك عدّة نتائج مهمّة، نذكر منها:
تغيير معالم أوروبا سياسيًّا وحضاريًّا، ولا سيّما القضاء على الإمبراطوريّة الرومانيّة الواحدة، وقيام دويلات جرمانيّة متناحرة، تلك الدويلات التي انضوت تحت لواء النظام الروماني شكليًّا، إلّا أنَّها افتقرت للانسجام والاتّفاق مِن حيث المستوى الحضاري والثقافي، فكانت مجرّد قبائل همجيّة بربريّة تتصارع فيما بينها، ممّا خلق فوضى وخلافات حرمت الإمبراطوريّة نعمة الاستقرار ومقوّمات الاستمرار.
تردّي الأوضاع الاقتصاديّة، ولا سيّما أنَّ هذه القبائل والشعوب قد اتّخذت السلب والنهب في أثناء غزواتها مصدر رزق لها ووسيلة للعيش، فقد كانت العلاقة بين تلك القبائل قائمة على تهديد بعضها بعضًا، ممّا حرم المجتمع الغربي مِن تكوين نظام اقتصادي موحّد يرتكز على أسس متينة ومنطقيّة.

نشأ ما يُعرَف بنظام الإقطاع، الذي ارتبط بالحياة الأوروبيّة في العصور الوسطى مِن الناحية السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة، وقد مهّد لظهور ملكيّات كبيرة بأيدي كبار القادة والحكّام مقابل ظهور طبقة فقيرة عبّدت الطريق لنشوء نظام العبوديّة في أوروبا.

انقسم المجتمع الأوروبي إلى طبقات: رجال الدين، وملّاكي الأراضي، وطبقة الفلّاحين والعمال، ومارس ملّاك الأراضي أسوأ أشكال الظلم والتسلّط على الفلّاحين والعمّال، حتّى أصبحوا عبيدًا لهم، ممّا ساعد على تمزيق أوروبا إلى مناطق متناحرة، لتظهر فيما بعد طبقة الفرسان التي أقامها الإقطاعيّون لحماية مصالحهم وتحصيل أموالهم. ومع بروز مساوئ النظام الإقطاعي، أخذ الناس يلجؤون للكنيسة لتخلّصهم مِن ظلم أصحاب الأراضي، وأصبحت الكنيسة تتحكّم بالحياة العامّة وفرضت قوانينها. لكنْ ما لبث أنْ انتشر الفساد في الكنائس والأديرة، ممّا مهّد لحالات تمرّد على سلطتها.

ثانيًا: الصراع والحروب بين ملوك الممالك الجرمانيّة وحكَّامها
سنستعرض في هذا المقام تلك الحروب التي نشبت بين الممالك الجرمانيّة، وأحداثها، وكذلك الأسباب والدوافع التي قادت إليها، برؤية نقديّة تحليليّة تلقي الضوء على آثار تلك الحروب في المجمع الأوروبي والبداية بـ:

حروب اللومبارديين مع البيزنطيين والفرنجة والبابويّة:
يمثَّل الصراع اللومباردي مع البيزنطيين والفرنجة والبابويّة أحد أهمّ أوجه الصراع الذي شهدته أوروبا في بداية العصور الوسطى، وسوف نقوم بدراسة صراعهم مع كل قوّة على حدة.

الصراع اللومباردي البيزنطي
شكل اللومبارديّون قوّة خطيرة تهدِّد الإمبراطوريّة البيزنطيّة، ولا سيّما بعد أنْ اتَّحدت قبائلهم تحت سلطة ملك واحد، وكان ذلك عندما اضطرّوا تحت ضغط الآفار إلى الجلاء عن بانونيا، فما وجدوا بلادًا أصلح لهم وأقرب مِن إيطاليا، فزحفوا إليها بقيادة زعيمهم ألبوين. أمّا الإمبراطوريّة البيزنطيّة، فكانت تحت حكم جستنيان الثاني، وكانت في حالة لا تسمح لها بإرسال جيوش لمواجهة هذا الخطر الداهم والتصدّي له، لذلك اقتصر الدفاع عن إيطاليا ضدّ الخطر اللومباردي على المدن المحصَّنة بالأسوار المنيعة فقط، لكنْ حتّى هذه المدن لم تستطع الصمود، وهكذا استطاع اللومبارديّون أنْ يستولوا على وسط إيطاليا وشمالها، ولا سيّما مدن فيرنا وميلان، وأنْ ينتشروا على سهول نهر البو، واستطاعوا إخضاع بافيا بعد حصار دام ثلاث سنوات، ثمَّ اتّخذوها عاصمة لمملكتهم الجديدة، التي أخذت في ذلك الوقت تتّسع وتتوطّد أركانها سريعًا، ولا ننسى أنْ نذكر أنَّ زعيمهم ألبوين قد قُتِل أثناء توسّعهم، ولكنَّ ذلك لم يؤثِّر سلبًا في موقفهم أو يُضعف قوّتهم، بل استمرّ الصراع في إيطاليا نحو قرنين مِن الزمن بين اللومبارديين والبيزنطيين، وأخيرًا وجد البيزنطيّون أنَّ مقاومة الغزو اللومباردي بالمواجهة العسكريّة غير مجدٍ، فلجأوا إلى وسيلة أكثر نفعًا مِن الناحية العمليّة، وهي إعادة تنظيم الإدارة الإمبراطوريّة في إيطاليا على أساس إقامة نظام الدوقيات في روما وبيروجيا ونابلي وكاليريا وليجوريا، بحيث تخضع كلّها للنائب الإمبراطوري في رافنا، حتّى يتمكّن الجميع مِن مواجهة تهديد اللومبارديين[15]. لكنْ في الحقيقة تمكَّن الملك اللومباردي مِن توسيع مملكته على حساب الإمبراطوريّة البيزنطيّة، وانتزع بادوا سنة 602، ثمَّ مانتو، وأجبر البيزنطيين على دفع جزية سنويّة ضخمة مقابل إيقاف توسّعه مستغلًّا الصراع الدائر بين البيزنطيين والفرس.

وفي عهد الملك اللومباردي روثاري Rothari (636-652) تحقّقت السيطرة على كامل شمال إيطاليا، وانتُزِعت مِن البيزنطيين منطقتا ليجوريا والمنطقة المحيطة بمدينة أودرزو على شاطئ البندقيّة.

واستمرّ اللومبارديّون في حروبهم مع البيزنطيين، وخاضوا العديد مِن المعارك ضدّ الحاميات البيزنطيّة، وانتهت بانتصار اللومبارديين، الذين استولوا أيضًا على تسكانيا والأجزاء الوسطى مِن إيطاليا، فضلًا عن السهول الشماليّة التي ارتبط بها اسم اللومبارديين حتّى اليوم[16].

الصراع اللومباردي الفرنجي
سعى الملك اللومباردي أوثارى Authari إلى توحيد القوى وتوجيهها بهدف مواجهة الفرنجة وصدّ خطرهم. وفي عهد خلفه أجيلولف Agilulf بعد موت بيبان القصير، اقتسم ولداه كارلومان وشارلمان مملكة الفرنجة فيما بينهما، وفي سنة 771 مات كارلومان، فصار شارلمان ملكًا على المملكة الفرنجيّة بقسميها الاثنين. لكنْ حين التجأت جيربريجا أرملة كارلومان مع طفليها إلى الملك اللومباردي ديزيديريوس، وجدها الأخير فرصة كي يستغل لجوء أرملة كارلومان وطفليها إليه مِن أجل تحقيق أطماعه وفرض سلطته على إيطاليا كلّها، فطلب مِن البابا ستيفان الثالث (768-772) تتويج الطفلين الصغيرين وريثين لعرش والدهما في مملكة الفرنجة.
ولا ننسى أنْ نذكر أنَّ المشكلة بين شارلمان وديزيديريوس تفاقمت أكثر حين وصلت إلى النطاق العائلي؛ ذلك أنَّ شارلمان سبق أنْ تزوَّج ابنة ديزيديريوس، ثمَّ سرعان ما طلَّقها، ممّا زاد الضغينة بينهما والرغبة في الانتقام، وصادف ذلك مع تعهّد ديزيديريوس بمساعدة أرملة كارلومان[17]. لكنَّ البابا رفض الاستجابة لطلب ديزيديريوس خشية غضب شارلمان واستيائه، ممّا دفع ديزيديريوس إلى مهاجمة الأراضي والأملاك البابويّة، فطلب البابا ستيفان الثالث المساعدة مِن شارلمان ملك الفرنجة، وقد حاول شارلمان مفاوضة ديزيديريوس أوّل الأمر، حيث أرسل إليه يطلب تسليم جميع المدن التي استولى عليها مِن البابويّة مِن دون وجه حقّ، لكنَّ ديزيديريوس غضب لتدخّل شارلمان بينه وبين البابويّة، وأصرَّ على موقفه بعدم التنازل عن المدن للبابويّة، فغزا شارلمان إيطاليا سنة 773، وقامت قوّاته بمحاصرة ديزيديريوس في بافيا. في أثناء ذلك قام ابن ديزيديريوس بجمع قوّات اللومبارديين قرب فيرونا، ممّا اضطرّ شارلمان لأنْ يترك جزءًا مِن قوّاته لمحاصرة بافيا، ويتّجه مسرعًا بالجزء الآخر المتبقّي معه لمطاردة هذا الابن الذي فرَّ إلى القسطنطينيّة تاركًا الملك شارلمان يستولي على فيرونا وبرجامو وغيرها مِن المدن المهمّة[18].

استمرّ حصار بافيا عشرة أشهر حتّى سقطت بيد شارلمان، ونُفِي على إثرها ديزيديريوس إلى دير كوربي في نستريا، حيث قضى بقيّة حياته هناك بعد أنْ قُسِّمت ثروته بين جنود الفرنجة. أمّا شارلمان، فقد اتّخذ لنفسه لقب ملك اللومبارديين، وتركهم يعيشون في ظلّ نظمهم الخاصّة، لكنَّهم فيما بعد ثاروا مِن جديد، ودبَّروا مؤامرة لاستدعاء ابن ديزيديريوس الهارب إلى القسطنطينيّة، وتنصيبه ملكًا عليهم، وقد عاد إليهم، ونجح في إخضاعهم سنة 776، وأرغم اللومبارديين على اتّباع قوانين الفرنجة ونظمهم[19].

الصراع اللومباردي البابوي
لقد نتج عن استقرار اللومبارديين في إيطاليا مواجهتهم لصراع كبير مع السلطة البابويّة التي ازداد نفوذها وسلطانها السياسي حتّى غدت تمثِّل إحدى القوى الحاكمة في إيطاليا إلى جانب اللومبارديين والدولة البيزنطيّة، وقد استغلت السلطة البابويّة فرصة الفوضى السياسيّة والاجتماعيّة التي سادت في إيطاليا في ذلك العصر، فبدأ الأساقفة يمتلكون الأراضي ويتّخذون لأنفسهم صفة الحاكم، فزادت ثروتهم وجمعوا الضرائب، وقد ساعدهم على تحقيق مطامعهم وأغراضهم أنَّ صغار المُلَّاك في إيطاليا بحثوا عن سلطة قويّة ينضوون تحت حمايتها، فلم يجدوا وسط الفوضى الناجمة عن النزاع بين البيزنطيين واللومبارديين سوى الكنيسة، فسلَّموها أراضيهم، وأصبحوا شبه مستأجَرين مقابل حصولهم على نوع مِن الحماية والأمان[20].
تعرَّضت البابويّة في عهد البابا غريغوري العظيم (590-604) لخطر اللومبارديين الذين استولوا على الأملاك البابويّة في شمال إيطاليا، كما أدّى توسّعهم في وسط إيطاليا إلى تهديد الأراضي البابويّة في تلك الجهات، وربَّما كان الخطر اللومباردي هو الذي جعل البابويّة تحافظ على علاقاتها الوديّة مع الدولة البيزنطيّة في ذلك الوقت، لكنَّ ضعفهم وعدم قدرتهم على التصدّي للخطر اللومباردي دفع البابا غريغوري العظيم للاستعانة بالفرنجة وقائدهم شارل مارتل رئيس البلاط الفرنجي وصاحب النفوذ الفعلي فيها، فأرسل إليه طالبًا المساعدة ضدّ اللومبارديين[21]، لكنَّ مارتل اعتذر بحجّة انشغاله بحربه مع المسلمين في غاليا.
بعد تنصيب بيبان القصير ملكًا على الفرنجة، ذهب البابا ستيفان الثاني إلى غاليا بعد أنْ فقد الأمل في تقديم البيزنطيين له أيّة مساعدة للوقوف في وجه اللومبارديين، الذين كانوا يسعون لاحتلال الأراضي التابعة للبابويّة، ممّا دفعه لطلب المساعدة مِن الملك الفرنجي الجديد، وقد وعد الملك الفرنجي البابا بمساعدته، ومقابل هذا الوعد توَّج البابا ستيفان الثاني بيده بيبان القصير ملكًا على الفرنجة، لإضفاء صفة الشرعيّة على حكمه، بسبب أنَّه اغتصب العرش مِن الأسرة الميروفنجيّة، التي كانت تحكم غالبا مِن قبل. أمّا أيستولف الملك اللومباردي، فقد أفزعه نبأ التحالف بين البابويّة والفرنجة.

في سنة 754 اجتاز بيبان القصير بقوّاته جبال الألب، وحاصر الملك اللومبارردي في بافيا، فأجبره أنْ يعيد للبابا مدينة رافنا وغيرها مِن المناطق التي احتلّها، كما أجبر أيستولف على قبول الصلح في هذه المرحلة على أساس تقديم فروض التبعيّة الشخصيّة لملك الفرنجة، لكنَّ الملك اللومباردي أيستولف ما لبث أنْ احتلّ فيما بعد المناطق التي أعادها للبابا[22]، فحاصره بيبان القصير مرّة ثانية في رافنا (في سنة757) وأجبره أنْ يعيد للبابا تلك المناطق، وأنْ يجدِّد خضوعه مِن جديد للفرنجة، ويدفع لهم غرامة ماليّة، ففي هذه المرّة فُرِضت شروط أكثر قسوة على أيستولف، حيث أُلزِم بتقديم ثلث دخله الملكي بمنزلة جزية سنويّة فضلًا عن مدينة رافنا وعدد مِن المدن الأخرى التي أخلاها اللومبارديين.
في سنة 772 احتلّ الملك اللومباردي ديزيديريوس الأراضي التابعة للبابويّة في إيطاليا، فاستنجد البابا ستيفان الثالث (768-772) بملك الفرنجة شارلمان[23]، الذي خلف والده بيبان القصير على العرش، ولمّا رفض الملك اللومباردي طلب شارلمان بالتخلّي عن الأراضي التابعة للبابويّة، اتّجه شارلمان بجيشه نحو إيطاليا سنة 773، فدحر القوّات اللومبارديّة، وأعلن نفسه ملكًا على اللومبارديين، بعد أنْ أسر الملك اللومباردي، ونفاه إلى دير في غاليا ليقضي فيه بقيّة حياته. أمّا البابا هدريان الأوّل (772-795) الذي كان يأمل بالحصول على الأراضي الإيطاليّة التي كانت تحت سلطة اللومبارديين، فقد أصيب بخيبة أمل؛ لأنَّ شارلمان لم يمنحه سوى المناطق التي كان قد منحها والده بيبان القصير للبابا ستيفان الثاني في سنة 754.

فيما بعد تمرَّد اللومبارديّون على سلطة شارلمان، فدعمت بيزنطة ذلك التمرّد، حيث لم ترُقْ لها سيطرة الفرنجة على إيطاليا، لكنَّ شارلمان جاء بقوّاته مرّة ثانية إلى إيطاليا (سنة 780)، فأخضع اللومبارديين لسلطته، وفرض عليهم قوانين الفرنجة ونظمهم، لتنتهي بذلك المملكة اللومبارديّة على يديه إلى الأبد.

نتائج الغزو اللومباردي لإيطاليا
انتزع اللومبارديّون كلّ الأراضي مِن أصحابها الأصليين، ووضعوا أيديهم عليها، وأنزلوا مُلَّاكها الأصليين إلى مرتبة التبعيّة، كما أذاقوا الفلّاحين كثيرًا مِن الظلم والجور.
كان اللومبارديّون متعصّبين لنظمهم وتقاليدهم الجرمانيّة ومتمسّكين بها، وربّما يعود السبب في ذلك إلى أنَّهم دخلوا إيطاليا بصفتهم غزاة، إذ لم تكن هناك روابط تجمعهم بالرومان وبالحضارة الرومانيّة.
كان هؤلاء اللومبارديّون على المذهب الآريوسي، ممّا جعل عددهم قليلًا بالنسبة للشعب الروماني، وكان تعصّبهم واضحًا لأصلهم الجرماني ونظمهم الجرمانيّة، ومِن أمثلة هذا التعصّب أنَّ الملكيّة اللومبارديّة ظلّت انتخابيّة، في حين أصبحت وراثيّة في جميع ماعداها مِن الممالك الجرمانيّة[24].

الصراع البيزنطي البابوي
بدأ الخلاف بين البيزنطيين والبابويّة قبل ظهور مشكلة تقديس الأيقونات في عهد الأسرة الأيسوريّة، فقد خشيت الدولة البيزنطيّة مِن ازدياد النفوذ البابوي في إيطاليا، ممّا أدّى إلى ظهور التنافس فيما بينهم نتيجة اعتزاز كلّ مِن الطرفين بسموِّ مركزه، وقد بدا هذا التنافس جليًّا أكثر مِن مرّة في العصور الوسطى، إذ بدأ الاحتكاك أوّل مرّة بين الإمبراطور قسطنطين الثالث (641-668) والبابا مارتن الأوّل (649-655)، بعد أنْ عقدَ البابا مجمعًا في روما سنة 649 أعلن فيه بطلان المرسوم الذي أصدره الإمبراطور بخصوص تحريم أيّ نقاش حول المونوفيزيتيّة[25]، في الوقت الذي كانت تطمح فيه البابويّة إلى تحريم المونوفيزيتيّة نفسها واضطهاد أتباعها، ولم يستطع الإمبراطور أنْ يغفر للبابا هذه اللطمة، فأمر نائبه في إيطاليا بانتهاز هذه الفرصة للقبض على البابا، وتمَّ ذلك؛ إذ قُبِض على البابا مارتن الأوّل، وتمَّت محاكمته، ونُفِي على إثرها إلى القرم حتّى مات سنة 655 [26].
وقد أدَّى تصرّف البيزنطيين هذا إلى تحريض الإيطاليين ضدّهم، إذ اعتبروا البابا مارتن الأوّل شهيدًا.
وكان الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني (610-641) قد قاد حملة إلى إيطاليا سنة 633 نهب فيها البيزنطيّون الكثير مِن التحف والآثار الثمينة التي وجودها في روما، ممّا أضرّ بمكانة الكرسي الإمبراطوري وسمعته.

ثمّ ساءت العلاقات إلى حدّ كبير بين روما والقسطنطينيّة في عهد البابا غريغوري الثاني (715-731)، عندما قرَّر الأخير حذف اسم الإمبراطور مِن الصلوات وإسقاط اسمه مِن الوثائق والقوانين، كما رفض أنْ تُنقَش صورة الإمبراطور على النقود في إيطاليا[27].

لكنَّ النزاع غدا أكثر شدّة حين وصل إلى قضيّة تقديس الأيقونات، إذ فُتِحت صفحة جديدة في تاريخ الصراع العقائدي بين كنيسة القسطنطينيّة والكنيسة البابويّة، حيث أصدر الإمبراطور البيزنطي ليون الثالث (مؤسِّس الأسرة الأيسوريّة) قرارًا يقضي بتحطيم جميع الصور والأيقونات، ممّا فجَّر المعارضة في إيطاليا ضدّ السيادة البيزنطيّة، ولا سيّما أنَّ البابا غريغوري الثاني لم يوافق على قرار الإمبراطور في موضوع تحريم تقديس الأيقونات وصور القدّيسين، ولكنّه في الوقت نفسه تجنّب الشقاق مع الإمبراطور؛ لأنَّه كان في أشدّ الحاجة إليه مِن أجل حمايته مِن الخطر اللومباردي.
كما كان البابا غريغوري الثاني يتّفق مع اللومبارديين أحيانًا ضدّ الإمبراطور البيزنطي، بغية التخلّص مِن السيطرة البيزنطيّة، ولا سيّما أنَّ مصلحة اللومبارديين تلتقي مع مصالح البابا في فصل إيطاليا كليًّا عن بيزنطة، وتارةً أخرى يتّفق مع الإمبراطور البيزنطي ضدّ اللومبارديين كيلا تقع إيطاليا كلّها في قبضة هؤلاء البرابرة.

كذلك خشي الإمبراطور البيزنطي أنْ يتمّ التحالف بين اللومبارديين والبابا، فحاول التقرّب مِن الشعب الإيطالي، واتّخذ في سبيل ذلك العديد مِن الإجراءات، فألغى قراره الخاصّ بجمع الضرائب مِن روما.
ثمّ أعلن أنصار البابويّة في رافنا تمرّدهم ورغبتهم بقتل الحاكم البيزنطي فيها، فاستغلّ الملك اللومباردي هذا الوضع المضطرّب واحتلّ رافنا، وكي يرضى البابا عن هذا الاحتلال أعطاه الملك اللومباردي مدينة سوتري هدية لكنيسة القدّيس بطرس.
لكنَّ البابا غريغوري الثاني لم يرضَ باحتلال اللومبارديين لمدينة رافنا، بل جهَّز سكّان فينيسيا والأسطول البيزنطي الموجود في إيطاليا بالسلاح، وأمرهم بتحرير رافنا مِن أيدي اللومبارديين، فحقَّقوا له ذلك.

بعد وفاة البابا غريغوري الثاني تسلَّم السُّدَّة الرسوليّة البابا غريغوري الثالث، وسرعان ما طلب مِن الإمبراطور البيزنطي ليون الثالث الكفّ عن سياسة معارضة تقديس الأيقونات، فرفض الإمبراطور طلب البابا، فعقد البابا غريغوري الثالث مجمعًا دينيًّا في روما سنة 732، واتّخذ قرارًا يَعدُّ الإمبراطور وأنصاره خارجين عن الكنيسة، فأمر الإمبراطور البيزنطي ردًّا على ذلك بإلحاق كنائس صقليّة وكالابريا وإيليرا بكنيسة القسطنطينيّة بعد أنْ كانت تابعة لكنيسة روما البابويّة سابقًا، وترتّب على ذلك أنَّ الأموال والضرائب التي كان يحصل عليها البابا مِن أملاكه البابويّة في صقليّة وجنوب إيطاليا، قد تحوّلت إلى الخزينة البيزنطيّة[28].

أمّا في عهد الإمبراطور قسطنطين الخامس (741-775)، فقد تعرَّضت المصالح البيزنطيّة في إيطاليا لضربة قاصمة، حيث تدهورت العلاقات بين بيزنطة والبابويّة أكثر فأكثر، بسبب استمرار سياسة الإمبراطور البيزنطي في معارضة تقديس الأيقونات، وظلت البابويّة تداري السياسة البيزنطيّة على الرغم مِن معارضة الأخيرة تقديس الأيقونات، طالما شعرت أنَّها بحاجة لحمايته لها مِن الخطر اللومباردي الذي كان يهدِّدها. لكنْ بعد سقوط مدينة رافنا البيزنطيّة بيد اللومبارديين (سنة 751)، وتقاعس الإمبراطور البيزنطي عن إنقاذها، شعر البابا أنَّ لا داعي للتساهل مع الإمبراطور؛ لأنَّه لا فائدة تُرجى منه بعد اليوم، إلى جانب ذلك ظهر حليف جديد لدى السياسة البابويّة، ألا وهو ظهور الفرنجة التي كوَّنت دولة قويّة في أوروبا الغربيّة، ممّا جعل البابا يعلِّق آمالًا عليها فيما يخصُّ تقديم الحماية له، أكثر مِن آماله التي لم تتحقّق على يد إمبراطور القسطنطينيّة.

الصراع البيزنطي الفرنجي
تحدّثنا فيما سبق كيف استنجد بابوات روما بالملك الفرنجي شارلمان لحسم أطماع اللومبارديين في الأراضي التابعة للبابويّة في إيطاليا، ونجاحه في القضاء على المملكة اللومبارديّة وإخضاع اللومبارديين لسلطته، وكذلك تمكّنه مِن أنْ يخضع بافاريا (التي تقع في شرق مملكة الفرنجة) لسلطته، وكذلك ساكسونيا (التي تقع في شمال غاليا)، وفريزيا (التي تقع شمال غرب غاليا)، والمناطق التي يقطنها الآفار، إضافة إلى ذلك شنَّ شارلمان عدّة حملات عسكريّة ضدّ العرب المسلمين في إسبانيا، واحتلَّ بعض المدن الإسبانيّة مثل: برشلونة وطركونة، كما استولى على جزيرتي كورسيكا وسردينيا وجزر البليار. كلّ هذه الحروب التوسعيّة التي خاضها شارلمان، أدّت إلى ازدياد مساحة مملكة الفرنجة، حتّى أصبحت مساحتها تقارب مساحة الإمبراطوريّة الرومانيّة الغربيّة القديمة.

لقد حقَّق شارلمان لنفسه العظمة والمجد، فغدا في أعين المعاصرين صاحب أكبر قوّة سياسيّة في عصره، ولا سيّما أنَّه لم يعد يرضى باللقب الملكي، بل بات ينتظر لقب الإمبراطور، وقد أُتيحت له الفرصة عندما اعتلى البابا ليون الثالث (795-816) السُّدَّة الرسوليّة خلفًا للبابا هدريان الأوّل؛ إذ كان البابا ليون الثالث ضعيف الشخصيّة، فتجرَّأ عليه بعض الأرستقراطيين مِن الرومان، الذين كانوا يتمتّعون بالحظوة في عهد البابا الراحل وفقدوا امتيازاتهم في عهد البابا الجديد، فتمرَّدوا عليه واتّهموه بالكفر والزنا وشهادة الزور، وحاولوا قتله، ممّا دفعه إلى التوجّه لغاليا وطلب المساعدة والحماية مِن الملك شارلمان، فما كان مِن شارلمان إلّا أنْ أعاد ليون الثالث إلى روما بصحبة عدد مِن رجال الدين، ثمَّ لحق به سنة 800، وعقد محكمة علنيّة في روما تمّت فيها تبرئة البابا مِن التهم الموجَّهة إليه، وعُوقب خصومه بالنفي إلى غاليا. وردًّا على هذه المساعدة الكبيرة التي قدَّمها ملك الفرنجة (الحليف المخلص للبابويّة)، قام البابا بتتويجه إمبراطورًا على الرومان في كنيسة القدّيس بطرس في روما. بتتويج شارلمان إمبراطورًا على الرومان، كانت البابويّة قد قطعت بذلك الرباط الواهن الذي كان يربطها بالإمبراطوريّة البيزنطيّة. في سنة 800 أصبحت أوروبا مقسَّمة بين إمبراطورتين: 1- الإمبراطوريّة الفرنجيّة الكارولنجيّة في الغرب، والإمبراطوريّة البيزنطيّة في الشرق، وهذا كان بداية النزاع والخلاف بين القوّتين، ولا سيّما أنَّ البيزنطيين لن يسمحوا بوجود تاج إمبراطوري جديد ينافسهم على زعامة العالم الأوروبي، فقد كان العرف السائد قبل تتويج شارلمان إمبراطورًا هو أنْ تكون إمبراطوريّة واحدة وكنيسة واحدة، والبيزنطيّون يعدُّون أنفسهم الورثة الوحيديين للإمبراطوريّة الرومانيّة القديمة، أو بالأحرى استمرارًا لها، وبذلك عدُّوا قيام الإمبراطوريّة الفرنجيّة اغتصابًا لحقوق بيزنطة، وضربة لنفوذها في الغرب تحرمها مِن كلّ سلطة تدّعيها على البابويّة والعالم الروماني الغربي، كما أنَّ تتويج شارلمان بيد بابا روما، لم يجعل منه إمبراطورًا فحسب، بل جعل منه الإمبراطور الأوّل ذا السلطة الراجحة في العالم الروماني؛ لأنَّه الإمبراطور التي توّجته كنيسة روما البابويّة، التي تدّعي لنفسها الزعامة على كنائس العالم جميعًا، بما في ذلك الكنيسة البيزنطيّةـ. أمّا روما، فكانت تؤمن بفكرة الإمبراطوريّة الواحدة، ومعنى ذلك أنَّ تتويج شارلمان إمبراطورًا، إنَّما هو استبدال إمبراطوريّة فرنجيّة بالإمبراطوريّة البيزنطيّة، كما كانت تعدّ عرش القسطنطينيّة شاغرًا؛ لأنّ امرأة تعتليه هي الإمبراطورة إيرين، التي خلعت ابنها قسطنطين السادس وتسلَّمت وحدها مقاليد الحكم.
كان تتويج شارلمان إمبراطورًا بمنزلة صدمة كبيرة للأباطرة البيزنطيين، الذين لم يعترفوا بإمبراطوريّته مباشرة، بل بقوا رافضين ساخطين مدّة اثني عشر عامًا، حتّى اضطرّوا أنْ يعترفوا بالأمر الواقع، كذلك كان شارلمان يعلِّق أهميّة كبرى على اعتراف بيزنطة بلقبه الإمبراطوري، فهو مِن دون هذا الاعتراف يظلُّ لقبه ناقصًا مِن الناحية الشرعيّة، وفي سبيل ذلك أغدق على نفسه لقب حاكم الإمبراطوريّة الرومانيّة، وسعى إلى اتّخاذ المواقف الوديّة تجاه الإمبراطوريّة البيزنطيّة، كي يحصل على اعترافها به إمبراطورًا على الغرب، ولم يحمل الألقاب التي لُقِّب بها أباطرة بيزنطة، مثل لقب إمبراطور الرومان، وقد دفعه ذلك إلى طلب الزواج مِن إمبراطورة بيزنطة إيرين، وأرسل إليها مندوبين عنه وعن البابا ليون الثالث ليعرضوا عليها هذا الأمر، لكنَّ هذا الزواج لم يتم بسبب ثورة نشبت ضدّها أزاحتها عن العرش[29].

الصراع الفرنجي السكسوني
تعدُّ الحروب الفرنجيّة السكسونيّة مِن أعنف الحروب التي شهدتها أوروبا في عصورها الوسطى، إذ تقع ساكسونيا شمال غاليا، وتمتدّ مِن جنوب بحر الشمال إلى بحر البطليق شرقًا. سكنت فيها عدّة قبائل ساكسونيّة جرمانيّة مختلفة فيما بينها مِن حيث العادات والتقاليد ونمط المعيشة، وقد حارب شارل مارتل وبيبيان القصير هذه القبائل الساكسونيّة، لكنَّهما لم يستطيعا إخضاعها لسلطة الفرنجة. أمّا شارلمان، فقد خاض مع الساكسون حروبًا طويلة الأمد (بدأت سنة 772، وانتهت سنة 804)، شنَّ خلال هذه السنوات عليهم ثماني عشرة حملة عسكريّة حتّى استطاع أخيرًا إخضاعهم لسلطته، وكان غرضه الأوّل مِن وراء ذلك حماية حدود بلاده مِن خطرهم، ثمَّ ما لبث أنْ أصبح غرضه انضواءهم تحت لواء المسيحيّة وإخضاعهم بالقوّة[30].

علمًا أنَّ شارلمان واجه متاعب كبيرة في حروبه ضدّ الساكسون، منها صعوبة طبيعة بلادهم ذات الغابات والأحراش([31])، وعدم وجود مدن أو معاقل محصَّنة للسكسون يمكنه أنْ يحاصرها ويقضي على قوّة أعدائه بالاستيلاء عليها، فضلًا عن عدم وجود طرق ومسالك يمكن أنْ تسلكها الجيوش الغازية. وعلى الرغم مِن أنَّ القوات الفرنجيّة كانت تحقّق نصرًا على الساكسون في المعارك المكشوفة، ويتظاهرون بالخضوع للفرنجة، إلّا أنَّهم لا يلبثون أنْ ينقلبوا على السلطات الفرنجيّة عندما تنسحب القوّات العسكريّة إلى غاليا، وقد ساعدت الظروف الساكسون مِن جانب آخر، إذ أظهروا عنادًا شديدًا وتمسّكًا قوّيًا بعقائدهم وتقاليدهم ونظمهم، على الرغم مِن أنَّه في كلّ مرّة كان يخضعهم فيها، يأخذ عددًا ضخمًا مِن الأسرى والرهائن علاوة على غرامة ماليّة باهظة، فيضطرّون عندئذ أنْ يتظاهروا بالخضوع واعتناق المسيحيّة بأعداد كبيرة، لكنَّهم ما يلبثون أنْ يرتدّوا إلى ديدنهم وأسلوب حياتهم الأساسي بعد انسحاب الجيوش الفرنجيّة.

أمّا بالنسبة إلى ما فرضه شارلمان مِن قوانين صارمة على الساكسون، فقد قضى بالموت على كلّ مَنْ يتمرّد على سلطة الفرنجة، أو يرتدّ عن الديانة المسيحيّة؛ ففي سنة 873 أعدم أربعة آلاف وخمسمئة أسير مِن الساكسون في يوم واحد، ولم يترك شارلمان وسيلة مِن وسائل القسوة والقمع والإرهاب إلّا واستعملها مع الساكسون، فمن ذلك أنّه كان ينقل بعض القبائل الساكسونيّة المتمرِّدة إلى غاليا، ويحلّ محلّها بعض الفرنجة أو غيرهم مِن الشعوب الموالية لها، وعلى الرغم مِن هذه الإجراءات التي اتّخذها الفرنجة، إلّا أنَّ المعارك لم تهدأ بينهم وبين الساكسون الذين استمرّوا بالمقاومة، فاتّبع شارلمان سياسة جديدة معهم تقوم على شراء أمرائهم بمنحهم الأموال والهدايا والأراضي، فشرع الأمراء الساكسون يساندون الفرنجة المحتلّين، ويتعاونون معهم على إخضاع القبائل الساكسونيّة، وبفضل هذه التدابير العسكريّة والدبلوماسيّة، سيطر شارلمان على ساكسونيا سيطرة تامّة، وتقاسم أمراء الفرنجة مع أمراء الساكسون وكبار رجال الدين أراضي الفلّاحين الساكسون، وجعلوهم يشتغلون لحسابهم[32]، وهذا يمثِّل الدوافع الاقتصاديّة التي كانت وراء سيطرة الفرنجة على ساكسونيا إلى جانب الأسباب السياسيّة والدينيّة الأخرى.

الصراع بين أفراد البيت الكارولنجي
قُسِّمَت الإمبراطوريّة الكارولنجيّة بعد وفاة الملك شارلمان بين أبنائه الثلاثة، فحصل ابنه لويس الملقَّب بالتقي على جنوب غاليا وشمال إسبانيا، وحصل ابنه شارل على شمال غاليا وشمال ألمانيا، بينما حصل ابنه بيبان على جنوب ألمانيا وشمال إيطاليا، لكنَّ وفاة شارل وبيبان في حياة والدهما وبقاء لويس التقي وحده، أخَّرَ إلى حدٍّ ما تقسيم الإمبراطوريّة، فتوَّجَه شارلمان إمبراطورًا على الفرنجة في سنة 813، لكنَّ لويس لم يكن يتمتّع بصفات القيادة الحربيّة، أو الزعامة السياسيّة، أو الكفاءة الإداريّة، أو حتّى قوّة الشخصيّة التي تضمن له سيطرة كافية على الجيش والإدارة، في الوقت الذي ازداد فيه الخطر الخارجي بعد وفاة شارلمان، سواء مِن ناحية السلاف والآفار على حدود الإمبراطوريّة الشرقيّة، أم مِن ناحية الفيكنج على الحدود الشماليّة الغربيّة. وممّا زاد الأمر سوءًا، أنَّ الإمبراطور الفرنجي قبل وفاته قسَّم الإمبراطوريّة سنة 817 بين أبنائه الثلاثة، ممّا أفضى إلى نشوب فتنة وصراع بين الأخوة فيما بعد.

وفي سنة 833 أعاد لويس التقي تقسيم الإمبراطوريّة الفرنجيّة بين أبنائه بعد أنْ رزق ابنًا جديدًا (من زوجته الثانية)، وهو شارل الملقَّب بالأصلع، فأعاد توزيع المملكة توزيعًا جديدًا يضمن لهذا الابن الرابع حقوقه أسوة بأخوته. يبدو أنَّ هذا التصرّف لم يُرضِ الأخوة الثلاثة، فثاروا على والدهم، ونتج عن ذلك حروب أهليّة بين الأخوة مِن جهة، وبينهم وبين أبيهم مِن جهة أخرى[33]، قد استمرّت حتّى سنة 843، وكان أنْ تُوفِّيَ بيبان، ثمَّ لحق به أبوه، فانحصر الخلاف بين الأخوة الثلاث، وانتهى بالاتّفاق فيما بينهم على تقسيم الإمبراطوريّة تقسيمًا يرضيهم جميعًا[34]، حيث اجتمع أبناء لويس التقي في مدينة فردان، وعقدوا معاهدة بينهم سُمِّيت معاهدة فردان، ونصَّت على تقسيم الإمبراطوريّة الفرنجيّة على نحو يرضي الجميع؛ إذ نال شارل الأصلع معظم الأراضي الواقعة غرب نهر الراين، التي تشمل معظم غاليا وشمال إسبانيا، كما نال أخوه لويس الملقَّب بالألماني الراضي الواقعة شرق نهر الرين، وتشمل معظم ما يُسمَّى بألمانيا، في حين نال أخوهما الأكبر لوثر شمال إيطاليا وشريطًا مِن الأرض يتوسَّط مملكتي أخويه، ويمتدّ مِن البحر المتوسّط إلى بحر الشمال، إضافة إلى حصوله على اللقب الإمبراطوري[35].

حروب الفيكنج
تعني كلمة فيكنج سكّان الخلجان، حيث سكن الفيكنج في شبه جزيرة سكندناوة وشبه جزيرة الدانمارك، وقد أغاروا على أوروبا في القرن التاسع الميلادي، واتّخذت غاراتهم طابعًا خطيرًا، وكانت نقلة نوعيّة في تاريخ الشعوب البربريّة الجرمانيّة، فقد كانت غاراتهم غارات بحريّة أقرب إلى القرصنة منها إلى الزحف البرّي، وقد اتّصفوا بمهارتهم في القتال وقوّة تسليحهم، وكان كلّ محارب منهم مزوّدًا ببلطة وحربة طويلة زيادة على درع واقٍ وخوذة مِن الحديد[36].

أمّا الأسباب التي دفعتهم للقيام بهذه الحروب التوسعيّة الهائلة، فيمكن تفسيرها بأسباب سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة ونفسيّة، يمكننا أنْ نفصِّل الحديث في كلٍّ منها على حدة:
أ-الأسباب السياسيّة: قام نظام الحكم عند الفيكنج على الملكيّة المطلقة، فالملك يجمع بيده جميع السلطات، وهو الآمر والناهي، وقد سعَى ملوك الفيكنج إلى توسيع سطوتهم، وزيادة مساحة مملكتهم، وخاضوا الكثير مِن الحروب، ولا سيّما في عهد ملكهم هارولد الأشقر. وقد دفعت هذه السياسة الصارمة سكّان المناطق التي حكمها الفيكنج إلى الهجرة والبحث عن موطن جديد.
ب-الأسباب الاقتصاديّة: عمل الفيكنج بوصفهم عملاء تجاريين للفريزيين قبل أنْ يقوم الفرنجة بغزو فريزيا وساكسونيا، وقد نتج عن هذا الغزو شلّ النشاط التجاري، ومِن ثمَّ البحث عن عملاء وأسواق جديدة، وكذلك استخدام القوّة العسكريّة في سبيل تحقيق الاكتفاء الاقتصادي.
ج-الأسباب الاجتماعيّة: أدَّت زيادة عدد سكّان الفيكنج في القرن التاسع إلى التعرّض لضائقة اقتصاديّة، ولا سيّما أنَّ طبيعة بلادهم فقيرة، فلم تعد تتّسع لهم الأشرطة الساحليّة الضيّقة الممتدّة على شواطئ سكندناوة والدانمارك، ممّا دفعهم إلى الإغارة على البلاد القريبة؛ بغية الحصول على ما يسدّون به رمقهم، ويلبّي حاجاتهم.
د-السبب النفسي: أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ الشعوب المتأخّرة غالبًا ما تقع تحت وطأة مشاعر الحسد والطمع تجاه البلاد المتحضِّرة القريبة منها، وهذا ما يدفعها إلى الإغارة عليها بهدف نهب ثرواتها ومشاركتها حضارتها والتمتّع بخيراتها، وهذا مثَّل عاملًا مهمًّا مِن العوامل التي حرَّكت الشعوب البربريّة الجرمانيّة نحو الإمبراطوريّة الرومانيّة[37].
بدأت غارات الفيكنج على الإمبراطوريّة الكارولنجيّة منذ عهد شارلمان، حيث أغاروا على شواطئ الإمبراطوريّة القريبة، وهاجموا القرى والمراكز الساحليّة، ممّا دفع شارلمان إلى إنشاء أسطول قويّ في موانئ نستريا لحماية شواطئ الإمبراطوريّة مِن هجمات الفيكنج.
كما حاول شارلمان مفاوضتهم والاتّفاق معهم على مدى خمسة أعوام مِن عام 804 حتّى 809 مِن أجل تفادي الاصطدام معهم، إلّا أنَّهم استغلّوا الصراعات الداخليّة والخلافات والحروب التي شهدتها الإمبراطوريّة بين أبناء شارلمان، فأنزلوا قوّاتهم على شواطئ فريزيا، ونهبوا أترخت مركز رئيس أساقفة فريزيا، ودورشتد أكبر موانئ الإقليم، وفي العام اللاحق أغاروا على فلاندرز، وأحرقوا مدينة أنتورب، ثمَّ عادوا سنة 837 إلى مهاجمة والشرن عند مصبّ نهر الراين، وأوغلوا حتّى وصلوا إلى نموجن، ولكنَّهم ما لبثوا أنْ لاذوا بالفرار عندما توجَّه إليهم لويس التقي على رأس جيوشه[38].

حاول لويس التقي تحقيق السلام والصلح معهم عن طريق تقديم الهدايا والمال، وكذلك منحهم المنطقة المحيطة بدورشتد سنة 839 ليقيموا فيها مِن أجل أنْ يحول ذلك دون وقوع معارك جديدة معهم، لكنَّ ذلك أدّى، على عكس المتوقَّع، إلى زيادة أطماعهم في أراضي الإمبراطوريّة[39].
وهكذا واصل الفيكنج هجومهم على الإمبراطوريّة الكارولنجيّة، فتوغّلوا في نهر اللور حتّى تور، ونهبوا كاتدرائيّتها، ودخلوا في الجارون حتّى تولوز، وقد ساعدهم في التوغّل النزاعات والحروب الأهليّة الدائرة بين الأمراء والحكّام، التي شهدتها الإمبراطوريّة في القرن التاسع[40].

ثمَّ اشتدت غارات الفيكنج على فرنسا على نحو خطير بعد وفاة شارل التقي سنة 840، فتوغّلوا في نهر السين سنة 841، واستولوا على روان، وتوغلوا في اللور قبل عقد اتفاقيّة فردون، وأحرقوا ميناء نانت، ولم تلبث أنْ زادت غارات الفيكنج شدّة بعد تقسيم الإمبراطوريّة بين الأخوة الثلاثة سنة 843، حتّى أصبح هذا الخطر بمنزلة الشغل الشاغل للأخوة الثلاثة الذين اقتسموا الإمبراطوريّة، وكان لويس الألماني أوفر أخوته حظًا؛ لأنَّ قبائل السكسون الموجودة على حدود دولته هيَّأت له درعًا قوّيًا يحمي هذه الدولة مِن خطر الفيكنج، وعلى الرغم مِن ذلك تعرَّضت بلاد لويس الألماني لإحراق مدينة هامبرج سنة 845، وفرَّ أسقفها منها إلى برمن[41]. وكذلك تمكَّن الفيكنج مِن التوغّل في نهر الألب سنة 851، وهزموا أمراء السكسون، ثمَّ عادوا ظافرين إلى الدانمارك بعد أنْ نهبوا جزءًا كبيرًا مِن ساكسونيا.
وصل الفيكنج في غاراتهم إلى جنوب فرنسا، وأغاروا على بوردو كبرى مدن الجنوب ونهبوها سنة 847، ثمَّ استولوا عليها تمامًا، وقد كسب الفيكنج مِن وراء السيطرة على هذه المدن مكاسب كبيرة تمثَّلت بالأرباح الضخمة والغنائم الوفيرة، وزادت مِن عزيمتهم في مواصلة غاراتهم التدميريّة التي طالت الكثير مِن المدن الكارولنجيّة[42].

وقد أدَّى عجز أفراد البيت الكارولنجي المالك عن مواجهة غزوات الفيكنج إلى محاولتهم شراء الصلح معهم بالمال، مِن ذلك ما فعله شارل الأصلع سنة 680 حين عقد معاهدة مع ولاند أحد زعماء الفيكنج، تعهّد فيها الملك الكارولنجي بدفع مبلغ كبير مِن المال مقابل قيام ولاند بإخلاء نستريا مِن الغزاة، وكي يحصل الملك الكارولنجي على هذا المبلغ الذي تعهّد بدفعه للفيكنج، فرض على رعاياه ضريبة كبيرة وجائرة حتّى الكنائس والأديرة والنبلاء والتجّار وكذلك فقراء الفلّاحين لم يُعفوا منها[43].

فكانت هذه الضريبة حملًا جديدًا أضيف إلى الأثقال التي كان يحملها أهالي دولة الفرنجة، في الوقت الذي اتّضح فيه عجز ملوكهم عن الدفاع عنهم.
لقد أثبتت الحوادث فيما بعد أنَّ الاتفاقات التي عقدها ملوك الغرب مع الفيكنج لا قيمة لها، مادام هؤلاء الملوك لا يملكون القوّة التي يجبرون بها أعداءهم على احترام كلمتهم، لذلك ما لبث أنْ عاد الفيكنج إلى تهديد ألمانيا وفرنسا، حتّى اشتدّت غاراتهم في السنوات العشر الأخيرة مِن القرن التاسع، واستولوا على عدد كبير مِن المدن، وهدَّدوا باريس وحاصروها، ونهبوا الكنائس والأديرة غير محترمين ولا مراعين حرمتها الدينيّة، بل كلّ ما عناهم هو غناها بالكنوز والأدوات الثمينة.
في المجمل كانت غزوات الفيكنج أحد أهمّ الأسباب التي أضعفت الإمبراطوريّة الكارولنجيّة وأدّت إلى سقوطها.
الصراع بين أباطرة الأسرة الكارولنجيّة وملوك الأسرة الكابيّة على الحكم
زاد نفوذ المُلَّاك وكبار الإقطاعيين في أواخر العهد الكارولنجي، ولا سيّما أنَّهم لعبوا دورًا كبيرًا في دعم السلطة الملكيّة المركزيّة، التي كانت قد ساعدتهم في فرض سلطتهم على فلّاحيهم، وفي الحصول على أراضٍ جديدة وفلاحين جدد، فأصبح هؤلاء الإقطاعيّون في القرن التاسع يحملون ألقاب الكونت أو الدوق، وقد دفعهم ذلك إلى الرغبة في الاستقلال عن السلطة المركزيّة، وتشكيل جيش خاصّ بهم، والاستقلال بخزانتهم ومحاكمهم وجهازهم الإداري، كما صار صغار الإقطاعيين، والمتوسّطون منهم، تابعين لكبار الإقطاعيين ومرتبطين بهم أكثر مِن ارتباطهم بالملك أو الإمبراطور نفسه، كذلك أصبح الإقطاعيّون يستطيعون بوساطة قوّاتهم الخاصّة إخماد تمرّد الفلّاحين عليهم دون الحاجة لمساعدة السلطة الملكيّة المركزيّة البعيدة، ولا سيّما أنَّ تمرّدات الفلّاحين كانت ذات طابع محلّي في تلك الحقبة التاريخيّة. وعلى هذا كان رسوخ أسس النظام الإقطاعي، وتوطّد أركانه كنظام اقتصادي واجتماعي مِن أهمّ العوامل التي أدّت إلى تفتّت الإمبراطوريّة الفرنجيّة إلى ممالك وأمارات صغيرة.
بعد فشل الكارولنجيين في حماية البلاد مِن خطر النورمانديين، اجتمع الأمراء الفرنسيّون مِن إقطاعيين وكبار مُلَّاك، واتّفقوا على انتخاب رجل قويّ مِن خارج الأسرة الكارولنجيّة، وتمّ اختيار أودو بن روبير كونت باريس، الذي عُرِفَ بشجاعته نتيجة شهرته الكبيرة التي نالها حين تصدّى لغزو النورمانديين في أثناء حصارهم مدينة باريس سنة 688، فتبوَّأ أودو العرش الفرنسي سنة 888، وأيَّده أكثر الأمراء الفرنسيين، كما اعترف به الملك الألماني آرنولف، وتمكَّن أودو في بداية حكمه مِن تحقيق نصر على النورمانديين، فازداد جاهه وقويت سلطته، لكنّه ما لبث أنْ ضعفت مكانته وزادت قوّة خصومه بعد قيامه بدفع مبلغ كبير مِن المال لخصومه النورمانديين مقابل انسحابهم مِن باريس بعد غزوهم لها سنة 890، فشجَّع هذا التصرّف خصومه على التحرّك ضدّه، والعمل على إعادة العرش الفرنسي إلى الأسرة الكارولنجيّة، فتمَّ تتويج شارل البسيط ملكًا على فرنسا، لكنَّ هذا التتويج أفضى إلى نشوب نزاع مسلّح على السلطة بين أودو وشارل، كما تدخّلت في هذا الصراع فئات عدّة، فاستغلّ النورمانديّون هذا الظرف وأغاروا على فرنسا مِن جديد سنة 897، فاضطرّ الملكان المتصارعان عندئذٍ للتفاوض وإنهاء الصراع بينهما بغية توحيد الجهود ضدّ الغزاة النورمانديين، ونتيجة التفاوض تنازل أودو عن قسم مِن المملكة الفرنسيّة لشارل البسيط، وحين تُوفِّي أودو سنة 898 صار شارل البسيط الملك الوحيد على فرنسا، وبذلك استعادت الأسرة الكارولنجيّة العرش الملكي[44].
لكنَّ الظروف لم تستقر طويلًا، حيث نشبت الحرب الأهليّة مِن جديد في فرنسا في السنوات الأخيرة مِن حكم شارل البسيط، وذلك حين تمرّد روبير أخو أودو على السلطة الملكيّة في فرنسا وأعلن نفسه ملكًا على فرنسا، لكنَّ شارل البسيط هاجم روبير فقتله في معركة دارت رحاها سنة 923، إلّا أنَّ بعض الإقطاعيين الموالين للأسرة الكابيّة انتخبوا روبير صهر روبير ملكًا على فرنسا، بينما تمّ أسر شارل البسيط مِن قبل أحد الإقطاعيين، الذي أراد مِن وراء ذلك تحقيق أطماعه وزيادة ثروته، وبقي شارل البسيط في الأسر حتّى تُوفِّيَ سنة 929.

أمّا لويس الرابع بن شارل البسيط، فقد فرَّ بعد وفاة والده إلى إنكلترا، والتجأ لجدّه -والد أمه- الملك الإنكليزي إدوارد الأوّل، وبذلك لم يبقَ أحد مِن الأسرة الكارولنجيّة في فرنسا يحقُّ له استلام العرش الملكي، ولذلك آل الحكم إلى رؤول صهر روبير (مِن الأسرة الكابيّة)، الذي أصبح ملكًا على فرنسا كلها، وحكمها حتّى مات سنة 936.
مات رؤول وليس له ولد يخلفه، فأجمع كبار الإقطاعيين الفرنسيين على تتويج هوغو الملقَّب بالأكبر ملكًا على فرنسا، لكنَّ هوغو الأكبر لم يرغب في أنْ يكون ملكًا رسميًّا على فرنسا، بل فضَّل أنْ يمارس نفوذه مِن وراء السلطة الملكيّة، لذلك أقنع كبار الإقطاعيين بضرورة عودة لويس الرابع مِن إنكلترا وتنصيبه ملكًا على العرش الفرنسي، وبذلك عاد لويس الرابع إلى فرنسا، وتبوَّأ العرش الملكي مِن عام 936 حتّى 954، وبذلك استعادت الأسرة الكارولنجيّة السلطة الملكيّة مِن جديد.

بعد وفاة لويس الرابع خلفه على عرش فرنسا ابنه لوثر وحكم حتّى 986، وخلف لوثر ابنه لويس الخامس، الذي حكم سنة واحدة ومات بعدها، دون أنْ يكون له ولد يخلفه على العرش الفرنسي. وبذلك لم يبق أحد مِن الأسرة الكارولنجيّة يحقُّ له أنْ يكون ملكًا على فرنسا، لذلك تسلَّم الحكم الابن الأكبر لهوغو المعروف بهوغ كابيه، الذي يُعدُّ المؤسِّس الحقيقي للأسرة الكابيّة التي حكمت فرنسا بعد الأسرة الكارولنجيّة[45].

الصراع الإنكليزي الفرنسي
أ- أسباب الصراع:

يعود الخلاف الفرنسي الإنكليزي في العصور الوسطى لعدّة أسباب أهمّها:
1- احتلال غليوم الفاتح دوق نورمانديا الفرنسيّة إنكلترا سنة 1066.
2- احتفاظ ملوك إنكلترا النورمانديين بأملاك غرب فرني، في الوقت الذي عدَّ ملوك فرنسا تلك الممتلكات الإنكليزيّة على حدود بلادهم الغربيّة خطرًا يهدِّد الكيان الفرنسي ويحول دون وصول الفرنسيين إلى المحيط الأطلسي.
3- التنافس الاقتصادي بين الدولتين، وتعارض مصالحهما السياسيّة في القارة الأوروبيّة.

ب- بداية الصراع:
يُعدُّ الصراع الفرنسي الإنكليزي أعظم خطر هدَّد الملكيّة الفرنسيّة بعد وصول آل كابيه إلى الحكم في فرنسا وتأسيسهم النظام الملكي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وكان هذا الصراع مع ملوك إنكلترا الذين جمعوا بين العرش الإنكليزي ودوقية نورمنديا؛ وذلك أنَّ حرب الحدود استمرّت بين ملوك فرنسا مِن جهة والنورمان مِن جهة أخرى، حيث جُرح غليوم الفاتح سنة 1087 جرحًا خطيرًا في أثناء مهاجمته ضواحي باريس، ثمَّ لجأ هنري الأوّل ملك إنكلترا (1100-1135) إلى تأليف حلف قويّ ضدّ لويس السادس ملك فرنسا، ضمَّ هذا الحلف أعداء الملكيّة وأهالي المدن الذين لم يكونوا على وفاق مع أمرائهم، وعلى الرغم مِن أنَّ الهزيمة حلَّت أكثر مِن مرّة بلويس السادس، إلّا أنَّه ظلّ محتفظًا بشأنه ومركزه[46].

كذلك تزوّج هنري الأنجوي الذي اعتلى عرش إنكلترا سنة 1154 تحت اسم هنري الثاني مِن زوجة الملك الفرنسي لويس السابع، بعد أنْ طلّقها لعدم إنجابها ولدًا ذكرًا يحفظ الحكم مِن بيت كابيه، وهكذا أصبحت ممتلكات ملك إنكلترا في قلب القارة تمتدّ مِن المانش حتّى البرانس، ممّا جعل الصدام بين ملوك فرنسا وإنكلترا لا مفرّ منه[47].

واجه لويس السابع محاولة الملك هنري الثاني محاولته السيطرة على مدينة تولوز، ممّا استدعى الصدام بين الطرفين، وقد اتّبع الملك لويس السابع سياسة حكيمة في الداخل والخارج، ففي الداخل ربط الملكيّة في فرنسا بالطبقة البرجوازيّة التي أقام لها المدن لتتّخذها مسرحًا لنشاطها، وتكون عونًا على كبار الأمراء الإقطاعيين. أمّا في الخارج، فقد أقام علاقات مع الألمان، وهو تحالف ظلّ قائمًا ما يقارب ثلاثمئة عام. أمّا ملك إنكلترا، فقد ارتكب خطًا فادحًا حين قتل توماس بكت رئيس أساقفة كانتربورى، ممّا أثار غضب الشعب ضدّه، وجعل الكثير مِن النبلاء يساندون ملك فرنسا، أضف إلى ذلك معاناة مملكته مِن صراعات أبنائه على ما يشرفون عليه مِن أملاك التاج البريطاني في صلب القارة، ممّا أضعف موقف أبيهم[48].
ثمَّ تولى الحكم في فرنسا بعد لويس السابع فيليب أوغسطس، الذي بدأ عهده باسترضاء هنري الثاني ملك إنكلترا، ليضمن عدم تدخّله في الحركة التي أزمع القيام بها لإخضاع أمراء فلاندرز وبرجنديا[49].
وقد دخل في حرب مع هؤلاء الأمراء (1181-1185) حتّى تمكّن مِن إخضاعهم، لكنَّ الملك الفرنسي أدرك أنَّ تحقيق سيطرته على الإقطاعات الكبرى في فرنسا، ما دامت ممتلكات التاج الإنكليزي في شمالها وغربها تحدُّ مِن نفوذ الملكيّة الفرنسيّة، وتشكّل خطرًا جاثمًا عليها[50].
لذا لجأ إلى كلّ الوسائل الممكنة، السياسيّة والحربيّة لإضعاف قوّة ملك إنكلترا في القارة، فعقد تحالفًا سنة 1187 مع فريدريك بربروسا إمبراطور ألمانيا (1152-1190) للوقوف في وجه خصومه مِن كبار الإقطاعيين، ولا سيّما الأنجويين في فرنسا، والجلفيين في ألمانيا[51].
وقد استغلّ الملك الفرنسي الخلاف والشقاق بين الملك هنري الثاني وأبنائه، فصفَّ في صفِّ الأبناء، وأخذ يساعدهم ضدّ أبيهم ليضعف نفوذ الملكيّة الإنكليزيّة عن طريق بثِّ الشقاق بين الملك وأبنائه.
بعد تسلّم ريتشارد الحكم في إنكلترا دخل في صراع مع فيليب أوغسطس، وانتصر الملك الإنكليزي على الفرنسي، وأجبره على الانسحاب مِن نورمنديا، وعقد هدنة معه.

وقد استمرّ الصراع بين الملكين الفرنسي والإنكليزي على مقاطعة نورمنديا، حتّى قام الملك الإنكليزي ببناء حصن جيلارد فوق ربوة تطلّ على نهر السين شمال روان، مِن أجل حراسة عاصمة نورمنديا مِن أيّ اعتداء فرنسي، ممّا أثار العداوة بين الطرفين مِن جديد، فشنَّ الملك الفرنسي فيليب أوغسطس هجومًا سنة 1198 على نورمنديا، وحاول استعادتها، لكنّه فشل ونجا مِن الأسر بصعوبة[52].

لكنْ ما لبث أنْ تدخّل البابا، ونجح سنة 1199 في عقد هدنة بين الطرفين لمدّة خمس سنوات، لكنَّ الخلاف عاد وتجدَّد نتيجة استمرار محاولات الملك الفرنسي فيليب أوغسطس بتفتيت أملاك التاج الإنكليزي في القارة مِن خلال تجهيز الأموال لخوض الحرب، وتأليب حكّام المقاطعات على الملك الإنكليزي، وحشد القوّات والتحالف مع ألمانيا ودفع الأموال لها، حيث بدأ بالاستيلاء على نورمنديا عن طريق رشوة حاميتها، ولم تنتهِ سنة 1205 إلّا وكان فيليب أوغسطس قد استولى على نورمنديا وانجو ومين وتورين، ودان له بالطاعة معظم أمراء بواتو، وبذلك تضاعفت أملاك التاج الفرنسي، وأمدّت الأملاك الجديدة ملك فرنسا بقوّة عظيمة وثروة طائلة[53].

ج- حرب المئة عام بين إنكلترا وفرنسا:
يطلق اسم حرب المئة عام على المرحلة الأخيرة مِن مراحل الصراع بين إنكلترا وفرنسا في العصور الوسطى، تلك التي امتدّت بين سنتي (1337-1453)، غير أنَّ تلك الحرب لم تستمر مئة عام تمامًا، ولم تتّخذ شكل قتال مستمرّ ودائم بين الإنكليز والفرنسيين، وإنَّما اتّخذت شكل هجمات متباعدة زمنيًّا تخلّلتها الهدنة والصلح مرات عدّة.

وقد قسَّم المؤرّخون حرب المئة عام إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: امتدّت بين سنتي (1337-1380)، وأهمّ حوادثها انتصار الإنكليز على كريسي، واستيلاؤهم على غالية، ثمَّ انتصارهم عند بواتيه.
المرحلة الثانية: امتدّت بين سنتي (1380-1415)، واتّسمت بالهدوء والسلام بين الطرفين.
المرحلة الثالثة: امتدّت بين سنتي (1415- 1453)، وفيها تجدَّدت الحرب على يد هنري الخامس ملك إنكلترا وحليفه دوق برجنديا، فانتصر الإنكليز عند أجينكورت وغزوا شمال فرنسا، ثمَّ عادت برجنديا إلى محالفة فرنسا، وانتهت الحرب بطرد الإنكليز نهائيًّا مِن الأراضي الفرنسيّة سنة 1453.

د- نتائج الصراع الفرنسي الإنكليزي:
لن نخوض في تفاصيل حرب المئة عام، لكنّنا سوف نركِّز على النتائج التي تمخَّضت عن هذه الحرب، والتي يمكن أنْ نجملها بالآتي:

على الصعيد الفرنسي:
1-جعلت هذه الحرب فرنسا دولة قويّة، فقد استطاع الملك الفرنسي شارل السابع أنْ يبني لفرنسا حكومة رشيدة، وأنْ يؤسِّس لها جيشًا نظاميًّا يقوده ضبّاط يعيِّنهم الملك، لا مجرّد فرسان مِن الإقطاعيين كما كان الوضع سابقًا، كما منع الإقطاعيين مِن تشكيل الجيوش الخاصّة، وأجبرهم على دفع الضرائب.
2- تطوّر سلاح الجيش الفرنسي مِن الناحية العسكريّة؛ إذ استُخدِمت المدفعيّة والبارود على نطاق واسع.
3- تضخّمت العملة الفرنسيّة؛ إذ دفعت الحرب التي خاضتها فرنسا مع إنكلترا ملوكها لتزييف العملة مِن أجل تغطية نفقات الحرب، ممّا أدّى إلى ارتفاع الأسعار، وفرض ضرائب على السكّان؛ كضريبة احتكار الملح[54]، وارتباكات ماليّة أخرى أدّت إلى التضخّم المالي.

على الصعيد الإنكليزي:
1- خسر الإنكليز الحرب، وأضاعوا ممتلكاتهم في فرنسا.
2- حقّق الإنكليز تطوّرًا في مجال الصناعة، ولا سيّما صناعة الصوف، ذلك أنَّ الخوف مِن أخطار النقل البحري أثناء الحرب دفع الإنكليز إلى صنع الأقمشة مِن أصواف أغنامهم في إنكلترا.
3-تقدّم الإنكليز مِن الناحية العسكريّة، حيث برعوا في فنون الحرب البريّة والبحريّة نتيجة الاحتكاك الحربي الطويل مع الفرنسيين.
4- أخذت اللغة الإنكليزيّة تحلّ محلّ اللغة الفرنسيّة في المؤلَّفات الأدبيّة، والمحاكم والبرلمان والكنيسة ومراسلات الملوك والمثقّفين.
5- تطوّرت إنكلترا مِن الناحية الدستوريّة، فقد صار البرلمان الإنكليزي يتمتّع بسلطات واسعة؛ ذلك أنَّ حاجة الملوك للمال دفعتهم إلى اللجوء إلى البرلمان لفرض الضرائب على الشعب، وهذا ما جعل البرلمان صاحب حقّ في تقرير أمور البلاد.

في المجمل أدَّت النزاعات والصراعات بين الأمراء والحكّام إلى انتشار الفوضى التي عمَّت أوروبا عامّة، وغرب أوروبا خاصّة، وقد دفعت هذه الفوضى صغار المُلَّاك للبحث عن قوّة تحميهم وتذود عنهم، فلم يجدوا أثرًا لقوّة الملك أو لنفوذ السلطة المركزيّة، ممّا اضطرّهم إلى الارتباط بالكونت أو الأمير المحلّي لحمايتهم، وهكذا أخذ عامّة الناس وصغار المُلَّاك يرتبطون بمن هم أقوى منهم مِن الأمراء وكبار المُلَّاك في ظلّ نظام مِن الحقوق والواجبات المتبادلة كوسيلة وحيدة لحماية أرزاقهم وأرواحهم مِن الأخطار التي هدّدت مجتمعاتهم.
في ختام بحثنا لا يسعنا سوى التأكيد على أنَّ انهيار الإمبراطوريّة الرومانيّة القديمة وسقوطها، كان بداية حقبة جديدة مِن الصراعات التي شهدتها أوروبا سادت لفترات طويلة على امتداد العصور الوسطى زهق خلالها الكثير مِن الأرواح. لم تشكّل أوروبا دولة إقليميّة قوميّة موحّدة، ولا ملكيّة ذات طابع إقطاعي، ولا هي دكتاتوريّة شعبيّة، لكنّها جمعت مزيجًا مِن الحواضر والجماعات المحليّة التي انصهرت في جزء كبير منها مع شبكة العلاقات الاجتماعيّة التي انسكبت في قالب المجتمع لتؤلّف كلّ واحدة منها مجتمعات ضروريّة تراتبيّة ومتشابكة ثقافيًّا، ولم تشكّل بنية متجانسة متناغمة متآلفة، بل على العكس تمامًا، مزجت شعوبًا وقبائل مختلفة ثقافيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا وطبقيًّا، ممّا أسهم في توسيع هوّة الاختلاف الذي أودى إلى حدّ الصراع والتناحر والتنازع، ولا سيّما بين طبقة الفقراء والعمّال والعبيد وبين طبقة الإقطاعيين والفرسان والعسكر والطبقة الحاكمة، نتيجة استغلال الطبقة الغنيّة والحاكمة للطبقة الفقيرة العاملة وتجريدها مِن أبسط حقوقها الإنسانيّة في العيش حياة كريمة، واستعبادها وتسخيرها لمجرّد الدفاع عنها وخدمتها والحفاظ على أمنها وأمانها وتأمين احتياجاتها.

إنَّ كثرة الحروب ومظاهر العنف وسفك الدماء التي شهدتها أوروبا في العصور الوسطى قد أفسدت بنية المجتمع، ولم تسهم في نشوء أيّ وجه حضاري لها، فسمّيت هذه الفترة بالعصر المظلم، كما كانت سببًا رئيسًا لتخلّل أو تفكّك أو تنافر مكوّنات المجتمع.

خاتمة
يمكن أن نجمل النتائج التي توصّلنا إليها مِن خلال هذه الدراسة بالآتي:
شهدت أوروبا خلال عشرة قرون (مِن القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر) تحوّلات جذريّة وتقلّبات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة ودينيّة عاشت خلالها عصرًا مظلمًا.
لعب الكنيسة دورًا مهمًّا في قيادة المجتمع وأصبحت صاحبة السيادة دون منازع.
تغيّر النظام الاقتصادي وظهرت الملكيّات الكبيرة لتمهّد لظهور نظام الإقطاع.
أُسّست ممالك ودول دخلت في حروب وصراعات فيما بينها مِن جهة، وبينها وبين الإمبراطوريّة البيزنطيّة مِن جهة أخرى.
اتّخذ الصراع في كثير مِن الأحيان طابعًا دينيًّا؛ كالصراع بين أباطرة بيزنطة مِن جهة، والكرسي البابوي مِن جهة أخرى، وقد وصل الصراع إلى ذروته بعد محاولة أباطرة بيزنطة اعتقال بابا روما ومحاكمته ونفيه.
شكّل قيام الإمبراطوريّة الفرنجيّة الكارولنجيّة بدعم مِن الكرسي البابوي وتتويج شارلمان إمبراطورًا عليها ضربةً مؤلمةً لأباطرة بيزنطة، الذين كانوا يعدّون أنفسهم الورثة الوحيدين للإمبراطوريّة الرومانيّة القديمة.
شهدت أوروبا حروبًا أهليّة بين الأخوة للاستئثار بالحكم؛ كما حصل مع أبناء لويس التقي الذين ثاروا على والدهم، وشهدت الإمبراطوريّة الفرنجيّة حربًا أهليّة انتهت بتقسيم الإمبراطوريّة فيما بينهم، ممّا ساهم بزيادة التفكّك وسفك الدماء بين أبناء الجلدة الواحدة.
سعى العديد مِن الملوك للتوسّع على حساب جيرانهم بهدف زيادة مساحة ممالكهم، ممّا أدخلهم في حروب ونزاعات فيما بينهم.
أدّى زيادة نفوذ كبار المُلّاك والإقطاعيين إلى تشكيل قوّات وإدارات خاصّة بهم، وتمرّدهم على سلطات بلادهم، ممّا أدخلهم في صراعات مع هذه السلطات مِن جهة، ومع الفلّاحين الذين قاموا بثورات وتمرّدات ضدّهم للتخلّص مِن ظلمهم مِن جهة أخرى، وهذا أدّى إلى نشوب حروب أزهقت فيها الكثير مِن الأرواح.
نتج عن الحروب تضخّم اقتصادي أدّى إلى ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب على السكّان مِن أجل تغطية نفقاتها.

لائحة المصادر والمراجع
المراجع العربيّة
1. إينهارد، سيرة شارلمان، ترجمة عادل زيتون، دار الإحسان للطباعة والنشر، دمشق، 1989.
2. حاطوم نور الدين، تاريخ العصر الوسيط في أوروبة، الجزء الأوّل، دار الفكر، 1982، دمشق.
3. الحريري، محمود محمّد، اللومبارديّون في التاريخ والحضارة، 568-774، دار المعارف، القاهرة، 1986.
4. طرخان إبراهيم علي، دولة القوط الغربيين، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1958.
5. فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، منشورات جامعة دمشق، الطبعة السادسة، 2004.
6. فرح نعيم، تاريخ بيزنطة الساسي، منشورات جامعة دمشق، الطبعة الرابعة، 2005.
7. عاشور، سعيد عبد الفتّاح، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، دار النهضة العربيّة للطباعة والنشر، بيروت، 1976.

المراجع الأجنبيّة
Adamas, The history of England from Norman Conquest to the Death of Jhon (1066- 1216), London, 1905.
Cam. M. History of Europe . Vol.6, London,1955.
Dill، Roman Society in Gaul in the Merovingian age, london, 1926.
Eyre. E، European Civilization, (vol 3، the middle ages) London, 1935.
Orton. C.W.P, Out Lines Of Medieval History، Cambridge، 1924.
Oman.C، The Dark Ages 476- 918 A.D, London, 1908.
Mawer. A, Vikings Cambridge, 1930.
Mos, H.C, The Birth of the Middle Age, Oxford, 1947.
Thomposn J.W, The Middle Ages, Vol: 1, London, 1931.
Lot: the End of The Ancient World and the beginnings of the middle ages, London, 1931.
Wallacr-Hadrill, the Barbarian Weal 400- 1000, 1996.

------------------------------------------
[1]*- أكاديمية وباحثة في الفلسفة السياسيّة ـ جمهوريّة مصر العربيّة.
[2]- طرخان إبراهيم علي، دولة القوط الغربيين، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1958، ص32 وما بعد.
[3]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، منشورات جامعة دمشق، الطبعة السادسة، 2004، ص29.
[4]- نفسه، ص30.
[5]- فرح نعيم، المرجع السابق، ص: 32.
[6]- عاشور، سعيد عبد الفتاح، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، دار النهضة العربيّة للطباعة والنشر، بيروت، 1976، ص86-89.
[7]- الحريري، محمود محمّد، اللومبارديّون في التاريخ والحضارة، 568-774، دار المعارف، القاهرة، 1986، صص41 وما بعد.
[8]- Wallacr-Hadrill, the Barbarian Weal 400 -1000, 1996, p45.
[9]- فرح نعيم، المرجع السابق، ص34.
[10]- حاطوم نور الدين، تاريخ العصر الوسيط في أوروبة، الجزء الأوّل، دار الفكر، 1982، دمشق، ص150 وما بعد.
[11]- Dill, Roman Society in Gaul in the Merovingian age, london, 1926, p91 .
[12]- Cam. Med. History. vol 1, p48.
[13]- Lot: the End of The Ancient World and the beginnings of the middle ages, London, 1931, pp318 -319.
[14]- عاشور، سعيد عبد الفتاّح، أوروبا العصور الوسطى، ص86.
[15]- Thomposn J.W, The Middle Ages, Vol: 1, London, 1931, P178.
[16]- Oman.C, The Dark Ages 476- 918 A.D, London, 1908, p187.
[17]- Mos, H.C, The Birth of the Middle Age, Oxford, 1947, P218.
[18]- Oman.C, OP.Cit, p347.
[19]- عاشور، سعيد عبد الفتّاح، المرجع السابق، ص158.
[20]- Moss: Op.Cit, p132.
[21]- Orton. C.W.P, Out Lines Of Medieval History, Cambridge, 1924, p137.
[22]- عاشور، سعيد عبد الفتّاح، المرجع السابق، ص125.
[23]- إينهارد، سيرة شارلمان، ترجمة عادل زيتون، دار الإحسان للطباعة والنشر، دمشق، 1989، ص60-64.
[24]- Wallce-Hadrill: Op.Cit, p45.
[25]- هي عقيدة مسيحيّة بأنَّ ليسوع طبيعة واحدة إلهيّة، وأنَّ طبيعته البشريّة اتّحدت بهذه الطبيعة. ويمكن اختصار هذه الطبيعة في: يسوع المسيح، الابن، هو شخص واحد بطبيعة واحدة: الإنسان الإله.
[26]- عاشور، سعيد عبد الفتاح، المرجع السابق، ص119.
[27]- فرح نعيم، تاريخ بيزنطة السياسي، منشورات جامعة دمشق، الطبعة الرابعة، 2005، ص191.
[28]- فرح نعيم، تاريخ بيزنطة السياسي، ص193.
[29]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، منشورات جامعة دمشق، الطبعة السادسة، 2004، صص62-64.
[30]- Cam. Mecl, Hist, Vol: 2, p609- 611.
[31]- إينهارد، المرجع السابق، ص67.
[32]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، ص55.
[33]- عاشور، سعيد عبد الفتّاح، المرجع السابق، ص170.
[34]- Orman, OP.Cit, p409.
[35]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، ص66.
[36]- عاشور سعيد، المرجع نفسه، ص175.
[37]- Eyre. E, European Civilization, (vol 3, the middle ages) London, 1935, p106.
[38]- Oman. Op.Cit, p400.
[39]- Mawer. A, Vikings, Cambridge, 1930, p189- 190.
[40]- Thomposn, Op.Cit, Vol: 1, p312.
[41]- Mawer, Ibid, p20.
[42]-Oman. The Dark Ages, p422.
[43]- Mawer, Op.Cit, p45.
[44]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، ص81.
[45]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، ص83.
[46]- Tout, The Empire and The Papacy, P280.
[47]- Ibid, p: 268.
[48]- Adamas, The history of England from Norman Conquest to the Death of Jhon (1066- 1216), London, 1905, p304.
[49]- Ibid, p: 338.
[50]- Cam.Med. Hist. Vol.6, pp291- 302.
[51]- Adamas , Op.Cit, p304.
[52]- Tout, Op.Cit, p268.
[53]- عاشور، سعيد عبد الفتّاح، المرجع السابق، ص221.
[54]- فرح نعيم، تاريخ أوروبا السياسي، ص172.